مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

مما وجد في ذخائر الأندلس :

مصحفا (١) فيه منافع الأشجار ، وتركيب السمومات والترياقات ، وصورة شكل الأرض والجبال والبحار ، واللغات والبلدان والمسافات ، ووجد قاعة كبيرة مملوءة بإكسير الحياة ، ومجلسا فيه من الياقوت والبهرمان حمل بعير ، والمائدة إلى الآن في مدينة رومة المدائن باقية فيها ، ومائة وسبعون تاجا مكللا (٢) بالدر والياقوت وأواني كثيرة من الذهب.

وكان للوليد :

جفنة من خالص البلور كأعظم ما يكون من الجفان فملؤوها ماء في ليلة البدر فغلب نورها على نور البدر.

وكان لهشام بن عبد الملك :

صفة كبشين من ياقوت لا قيمة لهما (٣) مرصودين معلقين في دراعة إذا وضع بين يديه طعام أو شراب فيه سمّ تناطحا (٤) في الدراعة فيعلم ذلك.

هدية صاحب اليمن لعبد الله المأمون :

وذلك ما أورده أبو الفرج بن معافى النهرواني في كتابه أنيس الجليس : ما رواه عن محمد بن مسلم السعدي قال : توجهت يوما نحو القاضي يحيى بن أكثم ، فلما دخلت عليه عليه إذا عن يمينه قمطرة مجلدة ، فلما جلست قال لي : افتح هذه القمطرة المجلدة (٥).

ففتحتها ، وإذ قد خرج منها طير رأسه ووجهه كرأس إنسان ووجهه ويداه كيدي إنسان ، ومن سرته إلى أسفله طير شبه الزاغ في صدره سلعة كالجدية ، وفي ظهره مثلها.

فلما رأيته أعظمت الله تعالى وكبّرته ، فأجاب مقالي بلسان فصيح : فقلت : ما هذا أصلح الله مولانا؟

فقال : سله.

__________________

(١) المراد بكلمة مصحف أي كتاب يحوي هذه العلوم التي ذكرها ، وليس المصحف الذي هو القرآن الكريم المنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ربّ العالمين.

(٢) في المخطوط : مكليا ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : تناطعا ، والتصويب من هامشه ، وهو بخط الناسخ.

(٥) تكررت هذه العبارة في المخطوط من أول قوله : فلما جلست إلى موضع الإشارة.

٢٤١

فقلت له : من أنت؟

فأجابني بهذه الأبيات :

أنا الزاغ بن عجوة

أنا ابن الليث واللبوة

أحب الراح والريحان

/ والنشوة والقهوة

ولي أشياء تستظرف

ليوم العرس والدعوة

فلا عدوي يخشاني

ولا يحذر لي سطوة

وإني أحدب فاني

وفي الحدبان لي نخوة

وإني خلقة الباري

تعالى الله ذو القوة

فلما فرغ من إنشاده قال : أنشدني كما أنشدتك ، وأسمعني كما أسمعتك. فأنشدته :

قولوا لأقمار بخلن

على المعنّى بالطلوع

ما جنّ ليلي بعدكم

إلا تسلسل بالدموع

فلما سمع مقالي صاح : زاغ ، زاغ ، زاغ ، ثم طار حتى سقف الدار ، ثم عاد إلى مكانه وسقط في القمطرة.

فقلت : يا مولانا ، وكأنه عاشق؟

فخرج من القمطرة ، وقال : نعم ، والله عاشق ومفارق ، وغريب عن وطنه ، ولا أدري ما يفعل بي.

ثم أنشد ارتجالا :

غريب عن الأوطان في أهل عاشق (١)

قدمت إلى أرض وإني خائف

ولست أدري ما بأبي الله صانع

وعقلي وأحشائي مع القلب راجع

ثم عاد لمكانه وسكت.

فقلت : ما هذا العجيب؟ ومن أين أتى؟

فقال (٢) : صاحب اليمن أرسل لعبد الله المأمون هدية عظيمة ، وهذا من جملتها.

فأخرج رأسه من القمطرة وقال : يا هذا ، إني أعجب ما في الهدية.

فقلت له : صدقت. فعاد لمكانه.

__________________

(١) في المخطوط : العاشق ، والتصويب من فوق الكلمة بالمخطوط ، وبقلم الناسخ.

(٢) في المخطوط : فعال ، وهو تحريف.

٢٤٢

ذكر شيء من الحوادث وقعت (١) في أيام خلافة عبد الملك [بن](٢) مروان :

طاعون بالبصرة سموه : الجارف مات في اليوم الأول سبعون ألفا ، وفي اليوم الثاني تسعون ألفا ، وفي اليوم الثالث ثلاثة وتسعون ألفا ، وفي اليوم الرابع جميع الناس إلا القليل وسدوا أبواب الدور على أهلها ، فكانت بيوتهم قبورهم.

وماتت أم أمير البصرة عبد الله بن معمر ، فلم يجدوا من يحملها ، فرأوا نصارى فأعطوهم دراهم أجرة حملها ، فحملوها وأوصلوها لقبرها [ثم](٣) ماتوا جميعهم لساعتهم حتى أن الوحوش / لتدخل المدينة تدور فيها فلا تجد من يردها ولا من يخافون منها.

ومن العجيب :

ما نقله الحافظ أبو (٤) عبد الله محمد بن الهيثم في تاريخه عن الربيع بن خالد العجلي قال (٥) : كان ببغداد قائد من قواد جعفر المتوكل وكانت له زوجة لا تلد إلا إناثا ، فحملت منه فحلف إن ولدت أنثى [أن](٦) يضرب (٧) عنقها ، فلما كان وقت الولادة ألقت جرابا وهو يضطرب فشقوه ، فخرج منه أربعون ولدا ذكورا وليس فيهم أنثى وعاشوا كلهم. فسبحان القادر على ما يشاء.

ومثل ذلك :

ما رواه الشيخ أبو المحاسن يوسف بن تغر بردى في تاريخه مما نقله مسندا عن ابن كثير : أن في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة في أيام السلطان الملك الناصر حسن ذكر أن جارية من عتقاء الملك الصدياني حملت نحو من تسعين يوما ، ثم شرعت تسقط حملها ، فوضعت أربعين ولدا منهم ستة وعشرين ذكرا والباقي إناث.

ومما وقع من الحوادث في سنة سبع وتسعين وخمسمائة في أيام الملك الأكبر :

ما ذكره أبو شامة في كتابه المسمى بالذيل : وقع بمصر غلاء عظيم أكل الناس بعضهم بعضا ، وهلك بهذا المعنى خلق كثير.

__________________

(١) في المخطوط : وقع ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين سقط من المخطوط فأثبته.

(٣) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٤) في المخطوط : ابن ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : فان ، وهو تحريف.

(٦) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٧) في المخطوط : يظرب ، وهو تحريف.

٢٤٣

وصار الناس يأكلون أولادهم ، ولا ينكر أحد على أحد ، وأكلوا الكلاب والدواب والميتات حتى لم يجدوا بمصر كلاب ولا دواب ، ثم صاروا يحتالون بعضهم على بعض ، فالقوي يأكل الضعيف وفقد كثير من الأطباء ... (١) يأخذوهم لمداواة المريض ، ولا ثمّ مريض ، فحين يدخل الدار أكلوه ، وأعقب ذلك فناء عظيم.

كفن الملك العادل من ماله في مدة يسيرة ثلاثمائة طريح. فسبحان من قضى في خلقه بما أراد ، لا يسأل عما يفعل.

وقع بمبا فار غبن (٢)

غلاء عظيم لم يسمع بمثله ، بيع فيه / ملوك القمح بقدره بالكيل المصري دون الأردبين بأربعمائة وتسعين دينارا ، ورطل الخبز بستة عشر دينارا ، واللحم بيع رطله باثني عشر دينارا ، ورطل العسل باثني عشر دينارا ، والبصل بدينار وربع الرطل ، وبيع كلب بخمس دنانير ، وبيع رأسه بدينار. وكانت الكلاب والدواب عدموا من قبل ذلك ، فمنهم عدم بالموت ومنهم عدم بالأكل أكلها الناس. وبيعت بقرة بسبعين ألف اشترى (٣) نجم الدين رأسها ورجليها بستة آلاف ثم أعقبه فناء عظيم.

وفي أيام الطائع لله :

سنة ست وتسعين وثلاثمائة اشتد الغلاء ببغداد ، وكثر الموت بها ، ولحق الناس بالبصرة حرّ عظيم ، وسموم (٤) مات منه خلق كثير.

وجاء في بغداد حرّ عظيم ، وريح شديد حتى نشف ماء دجلة ، وبانت (٥) أرضها.

واشتدت (٦) الريح حتى حمل الزورق منحدر قبل النشوفة ، وفيه أناس ودواب رمته في أرض جوجى ، وهي أرض بعيدة عن بغداد ، وشوهد بعد أيام بتلك الأرض ملقى وأهله موتى.

وفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة :

جاءت ببغداد ريح سوداء واشتدت وعظم برقها ، وزاد رعدها ، وأمطرت السماء رملا وترابا أسود ، ووقعت عدة صواعق ، حتى ظن الناس أنها القيامة ، وبقيت يومها إلى

__________________

(١) موضع النقط كلمة هذا رسمها : (البحر ايجة).

(٢) هذا العنوان كذا هو في المخطوط وهو واضح وضوح ضعيف يقرأ بما رسمت والله أعلم.

(٣) في المخطوط : اشتراها ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : وسمو ، بدون الميم بآخره وهو سقط من المخطوط فأثبته.

(٥) في المخطوط : بان ، وهو تحريف.

(٦) في المخطوط : اشتداد ، وهو تحريف.

٢٤٤

بعد العصر ثم انجلت. وشاهد هذه الحادثة الشيخ الإمام العالم العلامة أبو بكر الطرطوشي ، وأورده في أماليه تغمده الله تعالى برحمته.

وفي سنة سبعة عشر وأربعمائة :

وقع من الحوادث : أنه جاء سيل عظيم قلع باب بمدينة سنجار وأغرقها وهلك به خلق كثير عظيم. وقلع باب المدينة وحمله مسيرة فراسخ ، وحمل طفلا في مهده ، ومرّ به بين شجر ، فعلق المهد في شجرة زيتون ، فوجد بعد أيام عدة معلقا بها وهو يمص إبهامه ، وعاش ، وكبر.

وفي سنة / ثلاثمائة :

في أيام الأمير المقتدر بالله أبو الفضل جعفر ، ساخ جبل الدينور في الأرض وغار ، فلم ير ، وخرج من مكان غوره ماء عظيم حتى أغرق القرى والبلاد ، وهلك أناس كثير ، ودواب أدركهم الماء فما (١) قدروا على الهرب. وفي تلك السنة ولدت بغلة (٢) فلوا وعاش.

وفي سنة خمس وثمانين وأربعمائة :

في أيام المسترشد بالله ارتفعت سحابة سوداء في أرض الموصل أمطرت نارا أحرقت أسواقا ودورا وغالب الموصل.

وفي سنة ست وثمانين وأربعمائة :

ظهرت ببغداد عقارب طيارة لكل واحدة زبانين فقتلت خلقا كثيرا ، والغالب أطفالا.

ومما نقله الجاحظ (٣) :

أنه نشر بمدينة ابدخ سحابة تكاد تمس رؤوس الناس ، ثم أنها اندفعت بأشد المطر حتى استسلم (٤) الناس للغرق. ثم بعد ذلك صار ينزل مع المطر ضفادع كثيرة فملأت (٥) الأرض ، وسمك يسمى الشبّوط ، فملحوا منه الناس ما قدروا عليه غير ما أكلوا طريا ، وحال نزول المطر كان الناس يسمعوا من تلك السحابة هديرا كهدير النحل العظيم ، ولم يعلم ما هو.

__________________

(١) في المخطوط : قلما ، وهو تحريف.

(٢) من المعلوم أن البغال لا تلد أنثاه.

(٣) في متن المخطوط : الجاحض. والتصويب من هامشه.

(٤) في المخطوط : استسلموا ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : مملوا ، وهو تحريف.

٢٤٥

نبذة عن قوم كانوا متهومين في الأكل

من ذلك ما رواه المسعودي : أن سليمان بن عبد الملك بن مروان كان راتب أكله في كل يوم مائة رطل خبز بالرطل الشامي لنفسه.

وفي بعض الأيام يأكل في يومه أكثر من ذلك ، وربما طلب الأكل قبل حضور السماط ، فيأتيه الطباخون بالدجاج المشوي في السفود فلا يصبر حتى يضعوه في الصحون ، فيدخل يده في تكه ويمسك السفود بكمه ويأكل ما عليه. وكان يلبس أحسن الثياب وأفخرها.

قال الأصمعي : لما وصلت أموال بني أمية وذخائرهم لبني العباس فاستعرض الرشيد حين أفضت إليه الخلافة الحواصل ، فلما عرضت عليه أثواب سليمان / بن عبد الملك رأى قماشا فاخرا لم ير مثله لأحد من خلفاء بني أمية ، ورأى ما في أكمامه من لواث الدهن من ذلك. فأحضر الأصمعي وسأله عن ذلك ، فأخبره ما تقدم من أكله فعجب لذلك.

وقال للأصمعي : أخبرني بشيء تعرفه عن ذلك عادة أهله.

قال : يا أمير [المؤمنين](١) أخبرك أنه خرج من الحمام يوما ، وأمر أن يقدم له شيء من الشواء قبل استواء سماطه وحضور طعامه. فقدموا له عشرين خروفا مشويا ، فأكلها مع أربعين رغيفا. ثم جاء السماط ، فأكل منه أكل من لم يكن أكل قبل شيئا ، وحكى الشمردل (٢) قال : لما قدم سليمان الطائف ، ومعه عمر بن عبد العزيز وابنه أيوب ، فدخلوا بستانا هناك فلما جلس قال : ويلك يا شمردل ، أنا جائع ، أعندك ما نأكل؟

فقلت : نعم ، عندي جدي سمين كان يرضع على بقرتين ، وقد شويته ، واستوى.

فقال : أئتني به. فلما حضر أكل ولم يدع ولده ولا عمر بن عبد العزيز حتى بقي (٣) فخذ واحد فقال لعمر : هلم أبا حفص.

فقال : إني صائم. فأكله ولم يرد عليه.

ثم قال : ويلك ، أعندك غير هذا؟

فقلت : نعم. فأتيته بسبع دجاجات هنديات مشويات في غاية السمن ، فأكلهن.

__________________

(١) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٢) جاء بعد هذا الاسم عبارة : أكل عمرو بن العاص ، وهي زائدة على السياق فحذفتها.

(٣) في المخطوط : نفى ، وهو تحريف.

٢٤٦

فلما فرغ قال : أعندك غير هذا فإني جائع؟

فقلت : نعم. وأتيته بالطعام ، وكان قد استوى ، فأكله.

ثم قال : ائتوني (١) بالطباخين.

فقال : ويلكم ، ما سبب تأخير طعامكم؟

فقالوا : قد استوى.

فقال : أحضروه ، فإني جائع.

فحضر ثلاثون قدرا في غاية العظم فيها ما يكفي جيشا. فلما وضعوه بين يديه أكل منه إلى آخر الناس.

وسبب موته يا أمير [المؤمنين](٢) فيما بعد أن مستوفى ذلك أنه دخل عليه فلاحين معهم أنواعا من الخدمة فرأى من جهة مقعده بغلين محملين ، فقال : ما حمول هؤلاء؟

فقيل : أحدهم بيض مسلوق والآخر تينا.

وكان كلما رفع / السماط من بين يديه وشرعوا يقشروا له البيض والتين ، وهو يأكل بيضة وتينة حتى أفرغوا ما في الحملين ، فانتخم من ذلك ومرض ومات.

ومن غرائب ما وقع لسليمان أمير [المؤمنين](٢) في موته مما تقدم ذكره :

أنه لبس في يوم جمعة لباسا فاخرا عظيما وطلب عمائما كثيرة ، فلم يزل يلبس واحدة بعد واحدة والمرآة في يده إلى أن أعجبته فلبسها ، ثم أخذ بيده محضرة وصعد المنبر وهو ينظر في أعطافه عجبا ، ثم لما عاد من الجامع وقف بين يديه : أعوانه ، وخدمه ، نظر إليهم وإلى نفسه وقال : ـ أنا الملك المهاب ، المنيع الحجاب ، الكريم الوهاب.

ثم لما دخل إلى بعض حجره تمثلت له بعض جواريه ، فقال لها : كيف ترين أمير [المؤمنين]؟

فقالت : أراه منا النّفس ، وقرة العين ، لو لا مقال الشاعر.

فقال : ويلك ، وما مقاله؟

فأنشدت :

__________________

(١) في المخطوط : أتوني ، وهو تحريف.

(٢) هو يسقط لفظ المؤمنين دائما ولفظ رضي الله. ويترك أمير. وعنه وأحسب أن ذلك اختصارا منه إن لم يكن شيعيا.

٢٤٧

أنت نعم الأمير لو كنت تبقى

غير أن لا بقاء للإنسان

أنت خال من العيوب ومما

تكره الناس غير أنك فاني

قال : فدمعت عيناه ، وخرج على الناس باكيا ، ثم عاد على حاله ، وطلب الجارية وقال : ويحك ، ما حملك على ما (١) روعت به قلبي؟

فقالت : يا مولانا ، والله ما رأيتك إلا في هذه الساعة التي طلبتني فيها ، ولا دخلت عليك قبلها.

وجاء حريم (٢) القصر ، فشهدن لها بذلك. ثم لم تمض إلا مدة يسيرة وأكل التين والبيض كما تقدم ذكره ، فانتخم ومات رحمه‌الله تعالى.

ونظير ذلك ما وقع لأمير [المؤمنين](٣) أبو جعفر المنصور :

وذلك ما رواه الفضل بن الربيع قال : كنت مع أمير [المؤمنين] في السفر الذي مات فيه ، فنزلنا في بعض المنازل ، وفي قبة عظيمة تتلألأ نورا ، فدخل بيتا له شديدة البياض مفروشة بأنواع الأمتعة الفاخرة ، فدخلها / ثم خرج مسرعا فطلبني ، فلما وقفت بين يديه وجدته (٤) مغضبا.

وقال : ألم أنهكم أن لا تدعوا العامة يدخلوا مكانا هو معد لجلوسي؟

فقلت : يا أمير [المؤمنين] ومن له جسارة على ذلك؟

فقال : الذي كتب على حائطنا مما لا خير فيه ، فقد أزعجني (٥) ونغّص عيشي.

فقلت : ما كتب؟

فقال : ادخل لتراه.

فدخل وأنا بصحبته ، فوقف بإزاء الحائط وقرأ : أبا جعفر ، حانت وفاتك ، وانقضت سنوك ، وأمر الله لا شك نازل. أبا جعفر ، هل كاهن أو منجم يرد قضاء الله أم نت جاهل؟

فقلت : يا أمير [المؤمنين] ما على الحائط شيء مما تقرأه (٦).

__________________

(١) في المخطوط : مما ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : حرم ، وهو تحريف.

(٣) سبق بيان ذلك قبل قليل.

(٤) في المخطوط : أجده ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : اجعزني ، وهو تحريف.

(٦) في المخطوط : قرأه ، وهو تحريف.

٢٤٨

فقال : الله عليك؟

فقلت : والله ليس عليه شيء وإنه ليتلألأ بياضا.

فقال : إنه أمر من الله ، وإنما نعيت إلى نفسي.

ثم شد العزم للرحيل (١) إلى مكة المشرفة من يومه ، فيوم دخوله الحرم مات رحمة الله عليه.

ومن المتهومين هلال بن أسعد المازني :

قال هلال : جعت مرة ـ وكان من شعراء الدولة الأموية ـ ومعي بعير لي عليه حمل فنحرته ، وقدحت وشويته (٢) وأكلته حتى لم يبق منه إلا عظامه ، ثم حملت ما كان عليه على ظهري وجئت أهلي فتحركت الشهوة في ظهري ، وغشيت أهلي ، فلم يصل ذكري لفرجها ، فقلت : ويحك ، ما هذا؟

فقالت : لا تعجب لعدم وصولك لي ، فإن بيني وبينك بعير راقد في بطنك.

وحكى عنه شيئا [رجل](٣) من مازن قال : أتانا هلال بن الأسعد ، فأكل جميع ما في بيتنا حتى لم يبق عندنا شيء مما ادخرناه لعيالنا في عامنا ، فلما علم أنه لم يبق شيء قال : ويلكم ، أما تشبعوا من استضافكم؟

فأرسلنا إلى جيراننا نقترض منهم دقيقا ، فأرسلوا لنا دقيقا يكفينا أياما وبرنية فيها عسل ، فوضع العسل على الدقيق ولته فيه وأكله.

وخرج من عندنا فلقي رجلا من بني مازن قد عبأ زورقا مملوءة قصبا عراقيا ، وهو ذاهب به نحو البصرة ، والرجل ذاهب بجميع ما بقي في حديقته ، فجلس على الزورق وهو مغطى بحصير.

فقال / هلال لصاحب التمر : تأذن لي أن آكل من تمرك؟

قال : نعم.

قال : وأشبع منه؟

قال : نعم. والمازني جاهل بأكله.

فأكله ثم انصرف. فلما فرغ المازني من شغله جاء ليقوم زورقه فرآه خفيفا ، فرفع

__________________

(١) في المخطوط : للرحل ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : وشويت ، وهو تحريف.

(٣) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

٢٤٩

الحصير ، فلم يجد غير النوى ولم يجد تمرة واحدة (١). فلما وصل إلى أهله حكى ما وقع له ، وكان رجل من مازن حاضرا.

فقال : صف لي هذا الرجل! فوصفه.

فقال : إنه هلال بن أسعد الشاعر ، واعلم أنه لو كان معك عشرة زوارق مملوءة لأكلهن ولكن أحكي لكم ما وقع لنا معه.

وذلك أن أبي لما زوّجني أولم لعرسي فنحر جزورين (٢) عظيمين ، وطبخ طعاما كثيرا ، فأول من قدم علينا هلال فسلّم وجلس ، ثم قال لأبي : أين طعامك؟

فقال : دونك وإياه.

فقام وجلس حول الطعام ، وجعل يأكل من اللحم إلى أن فرغ من الجزورين وأنقى عظمها نقاء بيّنا. ثم التفت نحو الطعام ، فأكله وكان يكفي جيشا. وأكل من الخبز أربعمائة رغيف ، ونحن ننظر ما يفعل ، ولا نقول إلّا خيرا خوفا من هجاء شعره ، وذكرنا بالقبيح بين الناس. ثم لما قام وجد عسا مملوء لبنا ، فقال : ما هذا؟

قلنا : لبنا.

قال : أو أشرب منه؟

قلنا : هو لك ، فافعل ما شئت.

فحمله بيديه ووضع فم القربة في فمه ولم يرفعها وفيها شيء.

ومع هذا كان رجلا شجاعا ، مقداما في الحرب ، له المواقف المشهورة.

ومنهم عمرو [بن] معدي كرب الزبيدي :

دخل على عمر بن الخطاب يوما فقال له عمر : من أين أقبلت يا أبا ثور؟

فقال : من عند سيد بني مخزوم أعظمها هامة ، وأكملها قامة ، وأفضلها حلما ، وأقدمها سلما.

فقال عمر : ومن هذا؟

فقال : سيف الله ورسوله خالد بن الوليد المخزومي.

قال : فأي شيء صنعت عنده؟

قال : أتيته زائرا فدعا لي بفرس لركوبي وتودوا / بعيرا لضيافتي.

__________________

(١) بعدها عبارة : فلم يجد غير النور ، وهي مكررة فحذفتها.

(٢) فوقها في المخطوط كلمة : بعيرين ، بقلم الناسخ.

٢٥٠

فقال عمر : وأبيك إن فيهم لشبعا لي ذلك.

فقال : هو كما قلت يا أمير [المؤمنين] وحقك إني لآكل البعير أنقيه عظما عظما ، وأشرب العس من اللبن رائبا وحليبا.

ومن المتهومين معاوية بن أبي سفيان (١) :

وفي معنى ذلك ما قيل :

رأيت لمنهوم أتى دعوة

تجول يداه بالرشاقة في القصع

يمر بهم طولا وعرضا نهمة

كما لاعب الشطرنج يلعب بالقطع

ومثله :

إن المنهوم وحش

ليس من جنس البشر

فأضفه للبهائم

وألحقه جنس البقر

ومثله :

ومنهوم أكل إن أتى نحو دعوة

تجول يداه في الخوان وتجمع

ولأضراسه في المضغ جس كما الرحا

وبلعومه كالرعد إن هو يبلع

نبذة من خير زبيدة زوجة هارون الرشيد ومحاسن أوصافها

والدها : جعفر المنصور.

وجدها : المنصور.

وعمها : المهدي.

وابنها : محمد الأمين.

وليس في بني هاشم عباسية ولدت خليفة سواها. ولدت في حياة المنصور فسميت : أمة العزيز ، فكان المنصور إذا جاء ضمها إليه يرقصها ويقول : يا زبيدة ، أنت زبيدة ، فغلبت (٢) الكنية (٣) على الاسم ، فسميت زبيدة واشتهرت به.

__________________

(١) في اتهام سيدنا معاوية بالنهم افتراء وما أحسب ذلك إلا من غلاة الشيعة ومعاوية رضي‌الله‌عنه خال المؤمنين وأميرهم وصهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) في المخطوط : فقلب ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : الكنى ، وهو تحريف. ثم زبيدة لقب لها وليس كنية أما اسمها فهو كنية جعلت لها اسما.

٢٥١

وكانت أموالها لا تحصى لكثرتها وصدقتها وخيرها لا يحصر ، وأنفقت في سبيل الله أموالا جملة لا حد لها. فمما أنفقت في الحج وبناء القناطر والمساجد شيء لا ينحصر ولا يصل إليه أحد قبلها. وأنفقت في العين المعروفة بعين الشماس الجارية بالحجاز الشريف حفرتها ومهدت لها الأرض في محل جريها في رفع وخفض من مسيرة اثني عشر ميلا ، فكان ما أنفق عليها جملته ألف ألف دينار.

ولها في طريق مكة من جهة العراق آبار كثيرة ومصانع للماء لوفد الحاج إذا نزلوا يكفيهم ذهابا وإيابا ويفضل / عنهم ما يكفي أمما من الناس ولم [يكن] قبله في طريق العراق سوى ما فعلته وأنفقته عليه من مالها رحمها الله.

وأما آثارها الملوكية :

فشيء لم يصل إليه أحد قبلها في الإسلام ، فنذكر بعضه خوف الإطالة :

فإنها أول من اتخذ آلات الذهب والفضة المكللة بالجواهر النفيسة ، صنعت لها ثوب ديباج مرصع ومكلل بالجواهر الثمينة كان مصروفه خمسون ألف دينار وهي أول من اتخذ القباب الأبنوس المصفح بصفائح (١) الذهب والفضة. وأول من اتخذ الحقاق المرصعة بالجواهر والمعادن ، وأول من عمل الشموع من العنبر المعجون بالمسك ، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.

ولما مات الرشيد ، وأفضت الخلافة لولده محمد الأمين رفع منازل الخدم والطواشية لبعض خواص خدمه كمثل كوثر الخاتم ، وأمثاله. فلما علمت ذلك ورأت ميله إلى ذلك عمدت إلى الجواري الحسن القدود ذوي الجمال والنهود عدة مستكثرة فألبستهن الأقبية الديباج الملون المتوشحة بالذهب وعممتهن (٢) بالعمائم الفاخرة ، وشدت في أوساطهن مناطق الذهب المرصع وأسبلت لهن (٣) من شعورهن (٤) الطرد السود ، والأصداغ المعقبرية كأجنحة الخطاطيف. فبانت منهن (٥) القدود ، وبرزت لهن من تحت المناطق الأكفال. فكن فتنة لمن رآهن (٦) ، وأبرزتهن (٧) له فوقفن (٨) بين يديه في الخدمة

__________________

(١) في متن المخطوط : بصاحيف ، والتصويب من هامش المخطوط وهو بخط الناسخ.

(٢) في المخطوط : عممتهم ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : شعورهن ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : منهم ، وهو تحريف.

(٦) في المخطوط : رآهم ، وهو تحريف.

(٧) في المخطوط : أبرزتهم ، وهو تحريف.

(٨) في المخطوط : فوقفوا ، وهو تحريف.

٢٥٢

مكان الخدم ، فسر بذلك ، فكن يقفن بين يديه وعلى رأسه بالدبابيس المذهبة وبطار المكفتة ، والسيوف المجلاة.

وأخبارها يطول شرحها ومحاسنها ووصف تحفها لا تحصر لكثرتها.

ولنذكر شيئا مما وقع لها :

لما قتل ولدها محمد الأمين على يد أخيه عبد الله المأمون ، دخل عليها بعض خدمها وقال : / ما يمنعك عن أخذ ثأر ولدك وتفعلي كما فعلت عائشة في طلبها ثأر عثمان بن عفان؟

[فقالت](١) له : إخسأ ، ويلك ، ما للنساء وطلب الثأر!

ثم طلبت دواة وقرطاس ، وأمرت بتسويد الحيطان ولبس السواد. وكان قد هجم عليها الطاهر ، وأخذ جميع أموالها وذخائرها. فكتبت لأمير [المؤمنين] عبد الله المأمون قصيدة (٢) وهي :

أخير إمام قام في خير عنصر

وأفضل رأي فوق أعواد منبر

ووارث علم الأولين وفخرهم

إلى الملك المأمون من أم جعفر

كتبت وعيني تستهل دموعها

إليك برغمي من جفوني محجر

أصبت بأدنى الناس مني قرابة

ومذ زال عن عيني فقل تصبر

أتى طاهر ألا طهر الله قلبه

فما طاهر في فعله بمطهر

فأبرز في مكشوفة الوجه حاسرا

وانهب أموالي وأحرق أدور

يعز على هارون ما قد أصابني

وما نابني من ناقص الخلق أعور

تذكر أمير المؤمنين قرابتي

فديتك من ذي قربة ومذكر

فإن كان ما قد نالني منك أمره

صبرت لأمر من قدير مقدر

وإن كان ما قد صار منه فإنني

على أمير المؤمنين فغيّر

ولا تجمع الأسقام والفقد جمد

فقد قلّ من جور الزمان تصبر

وأرسلت بهذه الأبيات لأمير [المؤمنين] عبد الله المأمون.

قال : فلما وقف أمير [المؤمنين] على هذه الأبيات كتب لها في ظهرها هذا الجواب :

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق ، ولعله سقط من الناسخ سهوا.

(٢) في المخطوط : قصة ، وهو تحريف.

٢٥٣

يا أمة الله الكريمة أصلها

ومن ابنها في فعله كان مفتر

شهرتم لنا السيف الثقيل وجرتموا

بأحكامكم فينا أيا أم جعفر

فما كان ذنبي والأعاجم جيرتي

بأرض خراسان وما كنت تجتر

فجهزتم جيشا عظيما لقتلي

بكل حسام في الكريهة / أبتر

فبغيكم قد عاد منه عليكم

دمارا بنار في الكريهة يشعر

فكوني إلى الصبر الجميل مطيعة

فهذا قضاء الله في الخلق فاصبر

ثم أرسل لها جواب مقالها. فلزمت الصبر كرها متجرعة مرارته. ثم لما تمادى الأمر وطالت المدة ، وكان المأمون حليما حتى كان كثيرا ما يقول : لو يعلم الناس محبتي في العفو لما تقربوا إليّ إلّا بالذنوب.

[ثم](١) أرادت زبيدة [أن](١) تتألف (٢) قلب المأمون فأرسلت (٣) إليه يوما تقول : إن جير قلبي الأمير واستضاف [فإن له](٤) عندي [أن](٢) أطعمه طعاما ما أكل مثله ، وأسقيه شرابا ما شرب مثله ، وأصيده صيدا ما صاد مثله. فأجابها إلى ذلك ووعدها بالحضور.

ثم لما عزم على التوجه إليها طلب القاضي يحيى بن أكثم ، وكان قاضي القضاة ببغداد. فلما حضر أعلمه بما عزم عليه فسار (٥) في ركابه مع بعض أناس من خواصه.

فلما دخلوا عليها مدت سماطا عليه من الأطعمة ما أبهر عقله مما لم يكن أكل قبله مثله.

ثم بعده قدمت بين يديه شراب مغلي مروق بالعود الهندي والمسك مما استطابه. فلما أخذ منه الشراب أرسل لها لحجرتها : ـ أما الطعام فصالح ، وأما الشراب فحسن ، فأين الصيد؟

فجاء الخادم فرفع سترا ، وفتح بابا ، وقال : الصيد في هذا البستان.

فلما عزم الأمير على القيام قال له القاضي يحيى بن أكثم : ألا أكون كلب الصيد يا أمير [المؤمنين]؟

قال : نعم.

فدخلا لذلك البستان ، فإذا أربعين جارية نهدا أبكارا لم يكن عند المأمون منهن

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٢) في المخطوط : تتلافا ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : أرسلت ، وهو تحريف.

(٤) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٢) في المخطوط : تتلافا ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : قصار ، وهو تحريف.

٢٥٤

واحدة تشبه واحدة منهن (١). فلما نظرن إلى المأمون نفرن كما تنفر الظباء فمضمض المأمون لكلب الصيد فجرى القاضي يحيى خلفهن ، فمضين في الهرب وتسترن / بالأشجار.

فصار كلما قبض [على](٢) واحدة جاء بها إلى الأمير فيفضها إلى أن قبض سبعة.

ثم قال لكلبه : يكفي ، ولكن دونك لنفسك.

فقبض (٣) منهن ثلاثة فوهبهن (٤) له. ثم أرسلت لأمير [المؤمنين] بمن بقي منهن (٥). فرضي عنها ، وأعاد لها جميع ما كان أخذ منها ، ووصلها من ماله بمائة ألف دينار. واستأذنته في الحج ، فأذن لها.

ثم بعد ذلك لما تزوج بوران بنت الحسن بن سهل وهبها خلعة عليها صبيحة دخولها البدنة اللؤلؤية الأموية وأمرت بوران لتشفع لعمه إبراهيم بن المهدي فإنه كان غاضبا عليه مع أخيه الأمين ، وكان متخفيا من ذلك الوقت. ففعله وقبل شفاعتها ، ونودي له بالأمان. فخرج ، فأنعم عليه ، ورد له ما كان أخذ له من مال وغيره.

ثم بعد أيام جلس عنده فقال : بالله يا عم ، أخبرني بأعجب ما وقع لك في مدة تخفيك.

فقال : وقع لي يا أمير [المؤمنين] أمر لم يقع لأحد مثله.

فقال : وما هو؟

قال : لما هربت خوفا من سطوة أمير [المؤمنين] توجهت نحو الكوفة قاصدا نحو صديق لي بها ، فلما دخلت عليه ليلا ووصلت (٦) عنده ، أنزلني منزلا حسنا ولزم إكرامي والقيام بكل ما أحتاج إليه. والمكان الذي أنزلني فيه له منظرة عالية البناء إذا ضاق صدري أصعد إليها ، فأنظر منها للكوفة وما حولها. وهو لا يزال مقيم عندي حتى لا يضيق صدري. فسار يوما في بعض أشغاله فطلعت لتلك (٧) المنظرة ونظرت ، وإذا غلام أسود ... (٨) وعسكر عظيم جرار.

__________________

(١) في المخطوط : منهم ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٣) في المخطوط : قبضن ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : فوهبهم ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : منهم ، وهو تحريف.

(٦) في المخطوط : حصلت ، وهو تحريف.

(٧) في المخطوط : لذلك ، وهو تحريف.

(٨) موضع النقط : كلمة لم أتبين قراءتها.

٢٥٥

فلما رأيت ذلك قلت : ويلك يا إبراهيم ، قد علم بمكانك أمير المؤمنين وهذا العسكر جاء بسببك. فغيرت حليتي وتنكرت ، وخرجت من تلك الدار ولم يعلم بي أحد من أهلها / ولم أدري أين أذهب.

فسرت في دروب لا أعرفها ، ودخلت في درب فإذا باب عظيم ورحبة واسعة تدل على مقدار صاحب تلك الدار. فهجمت من خوفي بغير إذن عليه وعلى حريمه فلما رآني قام في وجهي وقال : ويلك حريمي وعيالي.

فقلت : خائف يطلب التخفي.

فقال : اصعد من هاهنا ، وأشار إلى باب فدخلته ، وإذا به سلم فصعدت منه إلى منظرة عظيمة ، فما وصلت إلا والخدام قاصدين نحوي بآلات الفرش والبسط وما لا بد منه. ثم صعد الرجل وتلقاني متلقى حسنا ، وأكرمني ورتب لي ما يكفيني أمثال ، فمكثت (١) عنده مدة لم يكن يسألني من أنا ولا [ما](٢) اسمي ، ولا أنا خائف ممن ، ولا ما حاجتي ، ولا إلى متى إقامتي. ومع ذلك كل يوم يركب بعد صلاة الفجر فلا يعود إلا إلى بعد الظهر.

فسألته يوما فقلت : يا مولانا أراك ملازما الركوب في كل يوم على صفة لا تغيرها؟

فقال : يا أخي ، إني أركب كل يوم كما ترى لأمر عظيم مهم.

فقلت : وما هو؟

قال : لي دين على غريم يقال له : إبراهيم بن المهدي ، أخو هارون الرشيد ، قتل أبي ظلما ، وقد بلغني أنه مختف في بلدنا ، وها أنا ملازم ما ترى لعلي أقع عليه فآخذ منه بثأر والدي.

فقلت له : قد قرّب الله عليك العناء ، أنا إبراهيم بن المهدي.

فقال : معاذ الله ، إنما أنت رجل خائف ، وقد طالت عليك مدة التخفي ، وقد كرهت الحياة ، فاخترت الموت بهذا المقال.

فقلت : لا والله ، إنما أنا إبراهيم بن المهدي ، وهذا الرجل الذي ذكرته ما قتله إلا أنا ، قتلته في يوم كذا بسبب كذا في بلد كذا.

فاحمرت عيناه عند سماعه كلامي وأطرق إلى الأرض ساعة ثم رفع / رأسه وقال (٣) : أما أنا فما أخفر ذمتي ولا أشين ضيفي ، وأنت وأبي فلكما وقفة بين يدي الله يفعل فيك ما يشاء ، غير أني لا أطيق أن أنظر قاتل والدي في داري ، فاخرج ستر الله

__________________

(١) في المخطوط : فمكث ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٣) في المخطوط : رأسك قال ، وهو تحريف وسقط.

٢٥٦

عليك. وأعطاني فرسا من خيار خيله ، وألف دينار فخرجت من عنده وعدت لمكاني الأول حتى أدركني عفو الأمير.

فقال : والله إن لهذا لمروءة لم يكن لأحد مثلها.

ثم أرسل في طلبه فولاه الكوفة وأعطاه مائة ألف دينار.

وقال : خذها دية والدك فالكوفة وخراجها منذ حياتي لك. فأكلها مدة حياته.

هدية ملك الكند للملك الإسكندر :

وذلك مما أورده المسعودي في مروج الذهب : أهدى له هدية عظيمة لم يسمع العقل وصفها ، فمن جملتها : جارية لم تطلع الشمس [على](١) حسن مثلها كل من نظر إلى عضو من أعضائها أشغله حسنه عن النظر إلى عضو غيره من جسدها ، فترى الناظر إليها كالذاهل مما رآه. وحكيما فاق أهل زمانه حتى أنه ليخبر بالشيء قبل سؤاله عنه ، وطبه لا يخشى معه عارض من الأمراض إلا عارض الموت. وقدحا يسع منّا من الماء إذا ملأته وشرب منه جيش كفاه ولا ينقص من مائه قطرة.

قيل : إن القدح لآدم هو والمرآة التي وصلت لنبي الله سليمان بن داود صلوات الله عليهم ، كان لما كثرت ذريته وامتدوا في الأرض فسأل الله سبحانه أن يطلعه على ذريته فأنزل الله له سبحانه مرآة من السماء فكان إذا نظر فيها يرى جميع ذريته من أقطار الأرض كأنه بينهم. فقبل الملك الإسكندر هديته وأقره في بلاده والله أعلم.

ومما وقع لوزير اليمن :

ما وقع لبدر الدين وزير صاحب اليمن : كان له أخ لم تقع العين على حسن مثله وكان من خوفه عليه جعل مرقده بإزاء / مرقده ، وسريره بإزاء سريره.

فلما كانت ليلة استيقظ (٢) من نومه فلم ير أخيه فقام من وقته ودار حجر القصر فلم يره فصعد سطح (٣) القصر ، فإذا سلم منصوب إلى جانب حائط القصر فصعد وإذا سلم من الجهة الأخرى فنزل منه وجاء لدور تلك القاعة ، فتطلع منها ، وإذا بأخيه في حضن (٤) صبية لم ترمق العيون مثلها ، وكانت ليلة البدر ، فاتفق تطلعه عليهم مع إنارة البدر في تلك الساعة ، فرفعت رأسها فنظرت (٥) البدر قد أنار عليهم ، فأنشدت هذه الأبيات :

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٢) في المخطوط : استيقظن ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : صطح ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : حطن ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : نطرت ، وهو تحريف.

٢٥٧

سقاني شربة من ريق فيه

مليح في الأنام بلا شبيه

وشممني ورودا من خدود (١)

ومصصني زلالا أشتهيه

وكان البدر مطلع علينا

سلوه لا ينم على أخيه

فقال بدر الدين الوزير : والله لست بنمام ، وعاد من حيث أتى.

ونظير ذلك أن شخصا رئيسا جليل القدر وكان يدعى ببدر الدين ففقده ليلة كما تقدم وتطلع عليهم وفي تطلعه أنار عليهم البدر فضمت محبوبها إلى صدرها ، وأنشدت مخاطبة لبدر السماء هذه الأبيات :

قد جمع الشمل وجاء الحبيب

ونلت ما أرجو بأوفى نصيب

وطلع البدر فقلنا له

هل أنت يا بدر علينا رقيب

بالله لا تفضح سرا خفيا

ولا تشني بفراق الحبيب

فقال والده بنفسه : والله لم أكن عليكم برقيب. ثم عاد من حيث أتى.

ومما وقع أيضا ومن اللطافة :

ما وقع لرئيس مع ولده ، وكان ينهاه عن شرب الخمر ويلازمه خوفا عليه ، فدخل يوما على ولده في حين غفلة ، وكان الولد خصه الله من الجمال بأوفى نصيب فوجد بين يديه زجاجة فيها خمر فغضب ثم قال : ما هذا؟

فقال له ولده : هو ماء.

فقال : الماء أبيض ، وهذا أحمر إنما [هو](٢) خمر. وهمّ أن يبطش به.

قال : فقال ولده : اصبر ، واسمع ، وصدق / المقال في هذا ، ثم أنشده :

يسألني ما في الزجاجة قلت

زلالا وماء للحياة به بشر

فقال : أماء كان في اللون أحمر

وفي كل ظني أن ذا رائق الخمر

فقلت له : أخطأت بالظن عامد

ولكن لهذا الماء في لونه عذر

تجلى له خدي بلطف احمراره

توهمت ذاك الماء في لونه خمر

ومن اللطائف :

ما قيل : إن بعض التجار شمسا ، وكان له ولد في غاية الجمال ، وكان والده لا يفارقه خوفا عليه. وكان بجوارهم امرأة حسناء ، وكانت تهواه ويهواها ، فنام يوما وقت

__________________

(١) في المخطوط : حدودت ، وهو تحريف. والتصويب من هامش المخطوط وبقلم الناسخ.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

٢٥٨

القائلة فذهب الولد لعند محبوبته ، وكان شخص رآه لما دخل ، فأعلم أباه فجاء للباب ورآه مغلقا فصعد من سطح داره ، ورقى على سلم ، ومشى حبوا. ففي تسلله عليهم أنارت الشمس من دور قاعتها فأنشدت مخاطبة للشمس تقول :

أنرت يا شمس علينا وقد

أدركت بدري وعنده بورا

أدركته إذ أنرت الآن من أفق

ألا محبين لم يعلم لهم خبرا

فألفت ما جاء في القرآن من خبر

الشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا

نادرة :

حكي أن القاضي كمال الدين بن الزملكاني كان يهوى غلاما بديع الجمال يدعى بدر الدين ، فاستدعاه يوما فكتب له هذه الأبيات ، يقول :

يا بدر دين الله حل مدنفا

صيره حبك رق الخلال

لا تخشى من عار إذا آزرته

فما يعاب البدر عند الكمال

قال : فبلغ الخبر قاضي صدر الدين بن الوكيل فكتب لبدر الدين ينكت على القاضي كمال الدين هذه الأبيات ، يقول :

يا بدر لا تسمع قول الكمال

فكلما نمق زور محال

البدر يخشى النقص في تمه

وإنما يخسف عند الكمال

قال : فركب القاضي كمال الدين وتوجه لدار صدر الدين وقال له : يا نحس ، ما حملك على ما فعلت؟

فقال : حسدا على محاسنه ، كيف / تنالها دوني؟

فقال : أترضى أن تكون شريكا بالنظر؟

قال : نعم.

فلما جاء بدر الدين ، أرسل عزم على ابن الوكيل ، فلما حضر وجلس وإذا ببدر السماء أنار عليهم وكانت ليلة البدر قال : فأنشد القاضي كمال الدين مخاطبا لبدر السماء هذه الأبيات :

أتحسد يا بدر السماء مقامنا

أنرت علينا إن ذا العجب

فلما لا كسفت الآن إذ رأيت رنا

يفوقك حسنا لست منه قريب

ففيك اصفرار مع تبهق وجنة

وفي مجمع الأحباب أنت رقيب

وبدر محيانا له الحسن واليها

وقدّ قويم كالقضيب رطيب

٢٥٩

قال : فمن عجيب الاتفاق أنه لم يبرح البدر في ساعته حتى كسف.

ومما وقع :

أن يزيد بن معاوية كان مغرما بشرب الخمر وكان والده ينهاه وهو لا يرجع ، فغضب والده منه وأقسم إن لم يرجع عن شرب الخمر نكل [به](١) ، فحلف لأبيه أن لا يشربها ما بقي.

ثم أن معاوية وكّل به من يراقبه سرا فبلغه أنه (٢) جالس يشرب ليلا ، فجاء معاوية للباب منفردا فوجد (٣) الباب مغلقا فتسور الحائط ، وهم بالهجوم عليه فسمعه ينشد هذه الأبيات :

ألا إن أهنأ العيش ما سمحت به

صروف الليالي والحوادث نوّم

فليت الذي يبغي تنكد عيشنا

وتفريقنا يبلى بمن ليس يرحم

قال : فلما سمعه معاوية رجع (٤) ، وقال : والله لا أكون من الحوادث المنكدة في الليلة هذه على ولدي ، وعاد إلى مرقده.

ومما وقع أيضا من غريب الاتفاق :

ومن غريب الاتفاق أن شخصا كان يهوى مليحا يدعى ببدر الدين ، فقد رآه توفي نهار ثالث عشر في الشهر ، فلما دفن وعاد صاحبه إلى منزله ومضى النهار ، وطلع البدر ، فلما رآه ذكر محبوبه فقال مخاطبا للبدر / بهذه الأبيات :

سميك غيب في لحده

وتطلع يا بدر من بعده

فهلا كسفت وكان الكسوف

لباس الحداد على فقده

فلم يلبث البدر حتى كسف من ليلته ، وهذا من غريب الاتفاق.

حكاية :

ومما وقع للواقدي مع عبد الله المأمون : أنه رفع له قصة يشكو فيها كثرة ديون أثقله حملها ، وعجز عن القيام بوفاء بعضها.

فقال له أمير [المؤمنين] على ظهرها : إنك رجل اجتمع فيك الحياء والسخاء ، فالسخاء أذهب مالك ، والحياء منعك أن تعرفنا حالك. وقد أمرت لك بمائة ألف درهم ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٢) في المخطوط : أن ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : بحد ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : رجله ، وهو تحريف.

٢٦٠