مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

عين النار الباردة :

بالقرب من مدينة اقشهر عين ماؤها كالثلج بردا إذا غمس فيها خشبة أو قصبة أو ما أشبه ذلك احترقت في الماء لساعتها.

ومن وراء الصين :

نهر عظيم يجري ، وله تيار عظيم ، وموج كبير إذا ثار الريح ، وهوله عظيم ، فإذا كان يوم السبت وقف جريانه فيجوز منه الناس من جوانبه.

ومرّ عليه الإسكندر فهاله أمره وعجب من شدة عزمه ، ومكث إلى يوم السبت فمر منه بجنوده.

نهر بأرض اليمن :

قال صاحب تحفة الغرائب : بأقصى أرض اليمن نهر عظيم من طلوع الشمس إلى أن تصير الشمس في قبة الفلك يجري من الشرق إلى الغرب ، وعند غروبها يجري من الغرب إلى الشرق.

نهر كرمان :

قال صاحب تحفة الغرائب : على النهر قنطرة عظيمة جدا مكونة من حجر واحد ، من عبر عليها يتقيأ جميع ما في بطنه ، ولو كان هذا حالهم.

نهر أذربيجان :

وهو نهر عظيم يصنعون من مائه المرمر.

ذكر محمد بن زكريا الرازي عن صاحب كتاب المسالك والممالك : أن هذا النهر يجري ماؤه ثم يتحجر فيصنعوا له قوالب على صفة ما يختاروا ، ويصبوا فيه الماء ، فإذا جمد كسروا القالب وأخرجوا الإناء. وعلى حافتيه أناس يحرسونه ممن يشرب منه ولا يعلم حاله ، فمن شرب منه حجر في بطنه ومات / لوقته.

بغداد وهي دار السلام

بناها جعفر المنصور العباس سنة أربعين ومائة ، وهي وسط الإقليم الرابع من السبعة ، وهو أعدل الأقاليم هواء ، مساحة دورها عشرون ألف ذراعا.

ولها أربعة أبواب ، وهي : باب الكوفة ، وباب البصرة ، وباب الشام ، وباب خراسان (١). وعلى كل باب قبة عظيمة مموهة بالذهب ، والقصر في وسط المدينة.

__________________

(١) في المخطوط : الخراسان ، وهو تحريف.

١٨١

وإلى جانب المسجد الأعظم بناء عجيب ووصفه غريب لأنه واسع الفناء ، عظيم البناء ، راسخ في الماء ، شامخ للسماء. تضحك شرافته بالسرور ، ويظهر في بديع أحكامه الفرج يزينه ، والحبور يلمع في العز في جوانبه ونواحيه ، ويتبين لمن تأمله شرف وهمة بانيه ترد فيه دروس المذاهب لضبط علومها ورتب لهم الرواتب لتصل المشتغلين لدقائق مفهومها ، ثم علماء تشغل في النحو ، والمنطق ، والفرائض إلى غير ذلك. لكل فن شيخ مراس حتى علم الحساب والميقات.

وأجرى على (١) العالم والطالب ما يكفيهم في سائر الأوقات ، حتى لا يكون لهم همة غير الاشتغال ، ولا يصرفوا أبدانهم في طلب الكسب للعيال ، وفي داخله مارستان ، وحمام ، ومجالس للإمام والكحالين ، وعدة مكاتب للقراة الأيتام.

فلما طلع شمس السعود في أفقه ، وبزغ بدر الكمال في أعالي سقفه ، صور في قبته مجاري الأفلاك ، ودائرة بالحقائق على ضبط الساعات والدرج والدقائق. فمن ذلك طاقات صغار عليها (٢) أبواب مذهبة كل ما مضى درجة فتح باب وسقط بندقة من فضة ، فلا ينخرم لذلك حساب. وإذا حكمه ساعته ، فتحت تلك الأبواب المفتحة المذهبة ، وعادت ألوانها بيض مفضضة فيعلموا أنه قد مضى ساعة من النهار ، وفي كل ساعة يظهر / من الأبواب ما يدل على عدد ما مضى من الساعات وهو هكذا على الدوام ليلا كان أو نهارا. وهذا الجامع من عجائب الوجود غير أنهم فضلوا محاسن جامع بني أمية عليه قبل حريقه.

روى الشيخ أبو عبد الله محمد الغرناطي : أن ثلمة (٣) المأمون التي فتحها في الهرم غلظ حائطها إحدى عشر حجرا غلظ كل حجر عشرون ذراعا.

فلما دخلوه ، رأوا قبّة مربعة الأسفل مدورة الأعلى كبيرة جدا تحتها بئر عميقة مربعة ، ينزل الإنسان فيها ، فيجد في كل تربيع من البئر بابا يدخل منه إلى دار كبيرة ، أحدها فيها موتى عليهم أكفان كثيرة على كل واحد أزيد من مائة كفن قد بلوا من طول المدة والموتى لم يسقط من شعورهم ولا من أبدانهم شيء ليس فيهم شيخ ، أجسادهم في غاية العظم.

ووجدوا رزمة ثياب كبيرة ملفوفة حزمة واحدة مربوطة بعصائب الحرير الفاخر ففتحوها ، فإذا فيها هدهد ميت ، لم يسقط منه ريشة واحدة.

__________________

(١) في المخطوط : علم ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : عليهم ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : تلمت ، وهو تحريف.

١٨٢

وفي داخل ذلك قبة لطيفة فيها صورة آدمي من حجر أخضر كالدهنج لا يعلم من أي حجر هو ، والصورة مجوفة ولها باب يطبق من ظهرها مثل غطاء الدواة ففتحوها ، وإذا فيها آدمي ميت مصير عليه دروع من ذهب ، مزين بأنواع الجواهر ، وعلى صدره نصل سيف لا قيمة له ، وعند رأسه حجر ياقوت أحمر مثل بيضة الدجاجة يضيء كالمصباح ، فأخذه المأمون ، وقال : هو خير (١) من خراج الدنيا ألف سنة.

ونقل الراوي : أنه رأى الصورة ملقاة بباب الخليفة سنة سبع وخمسين وخمسمائة.

تمام ذكر مدينة بغداد :

وتسقى أراضيها ومزارعها وبساتينها من نهر الدجلة ونهر الفرات / فإنهما فيها يجتمعان.

وفي خلافة المعتمد على الله أحصيت حماماتها فكانت ستون ألف حمام.

وأحصيت مساجدها فكانت مائتا ألف وعشرون ألف مسجد عامرة بأناسها وأوقافها. وبغداد الجديدة هي التي في الجانب الشرقي ، وبها دور الخلفاء وقصورهم.

وبغداد سبع محلات ، إذا نقلت محلة منها استغنت عنها سواها.

فالتي في الجانب الشرقي تسمى الرصافة بناها المهدي ولد المنصور حين ضاقت بغداد بالجنود والعامة والرعية ، بنيت في سنة إحدى وخمسين ، وهي مسورة بسور (٢) عظيم.

الثانية : مشهد أبو حنيفة رضي‌الله‌عنه مسورة أيضا.

الثالثة : تسمى جامع السلطان غير مسورة.

الرابعة : تسمى مدينة المنصور في الجانب الغربي وتسمى باب البصرة ، وبها ثلاثون ألف مسجد ، وخمسة آلاف حمام ، وهو من جملة العدد الأول.

الخامسة : مشهد موسى بن جعفر ، مسورة أيضا بسور (٢) عظيم.

السادسة : تسمى الكرخ ، وهي مسورة أيضا بسور (٢) عظيم.

السابعة : تسمى دار العز ، مسورة أيضا.

__________________

(١) في المخطوط : لا خير ، وأداة النفي زائدة على السياق فحذفتها.

(٢) في المخطوط : بصور ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : بصور ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : بصور ، وهو تحريف.

١٨٣

بناء مدينة الإسكندرية وما وقع للإسكندر في بنائها

قال المسعودي في مروج الذهب : لما أراد الملك الإسكندر بناء الإسكندرية أمر ببنائها ، فكلما بنوا فيها يوما يصبح مهدوما ، فأوقف عند البناء من ينظر من الذي يهدم ذلك فإذا أشخاص تخرج من البحر إذا جنّ الليل فتخربه في أسرع وقت ، ثم يعودون إلى البحر راجعين ، فأخبروا ذلك للإسكندر. فعظم عليه ، ثم أنه فكر فيما يفعله حتى يعلم كيف الحيلة في دفع هذا العدو ، وبقاء البناء.

فصنع تابوتا من خشب ، وجعل فيه جامات من أصناف الزجاج الرائق ، ودهن الخشب بالقار لئلا يدخله الماء ، وجعل فيه من خارج حلقا من حديد للحبال ، ومن أسفله حلقا أيضا لأجل تثقيله حتى يغوص في الماء بسرعة.

وعلق في الحلق / تثاقيل (١) الرصاص والحديد ثم أمر بمركبين عظيمين ، فأدخلهما وسط البحر وقيدهما في بعضهما لئلا يفترقان.

وعلق التابوت بحبال (٢) شديدة وربط الحبال (٢) في المركبين ، وقعد داخل التابوت بعد إحكام سده واتقى داخل الماء فيه وأدخل معه رجل له مبالغة في إحكام التصوير وآخر لمعونته. فلما غاص التابوت في البحر وبلغ القرار نظر من تلك الجامات ، فإذا هناك شياطين على صفة الآدميين إلا أن رؤوسهم ووجوههم كصور السباع (٣) ، في أيديهم الفؤوس (٤) وآلات الهدم مثل صناع البناء بالإسكندرية فأمر المصورين أن يصوروا مثل أشخاصهم على هيئاتهم ففعلوا ذلك حتى كأنهم لا ينقص (٥) مما معهم من الآلات شيء ثم حرك الحبال (٦) فسحبوا الرجال الذين (٧) في المركبين لما طلع من البحر أمر بصناع النحاس والحديد أن يصنعوا أشخاصا مثل ما معهم من التصوير ، فبادروا إلى ذلك وأحكموه أحسن إحكام. فلما فرغوا من ذلك وضع تلك الصور على أعمدة بشاطىء البحر ، ثم أمر بالبناء.

__________________

(١) في المخطوط : تناقبل ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : الجبال ، وهو تحريف.

(٣) بعدها في المخطوط : ووجوههم ، وهي زائدة فحذفتها.

(٤) في المخطوط : الفوت ، وهو تحريف.

(٥) بعدها في المخطوط : من ، وهي زائدة فحذفتها.

(٦) في المخطوط : الجبال ، وهو تحريف.

(٧) في المخطوط : الذي ، وهو تحريف.

١٨٤

فلما جنّ الليل خرجت تلك الأشخاص على عادتها فرأوا تلك الأشخاص على الأعمدة ففروا (١) راجعين للبحر خائفين من تلك الأشخاص ولم يطلعوا بعد ذلك.

ذكر بناء المنار بالإسكندرية وعجيب مرآته :

قال المسعودي : أما منار الإسكندرية ، فإنه من أحد عجائب الدنيا. ولم يكن في بناء أعلى منها قبل هدمها ، فكان ارتفاعه ألف ذراع بذراع العمل ، وفي أعلاها تماثيل من نحاس وغيره ، فيهم من هو مشير بسبابته نحو الشمس أين كانت في الفلك ، ويدور معها حيث كانت ، وإذا هوت للغروب يهوي بأصبعه معها كأنه يخاطبها.

وأيضا بها تمثال :

إذا قرب العدو من البلد / من جهة البر يصرخ ذلك التمثال صوتا عظيما يسمع من مقدار ميلين ، فيعلموا أن عدوا طرقهم فيخرجوا له قبل وصوله.

والمرآة متكفلة بجهة البحر ، حتى أن الناظر فيها ليرى من بلاد الإفرنج وأهلها وما يقول الناظر كأنه واقف بينهم.

فإذا قدم عدو صبروا إلى أن تصير الشمس في قبة الفلك فيلقوا وجه المرآة مع شعاع الشمس لجهة تلك المراكب فتشتعل فيهم النار. حتى كان هدم المنار وبطلان إرصاده في خلافة عبد الملك بن مروان بحيلة من ملك الإفرنج.

جاء من بلده رجل زعم أنه من خواص الملك وأنه غضب عليه ونفاه من ملك الإفرنج لأنه قال إنه يحب المسلمين ، فاتهمه بالإسلام خفية ، فلما وصل لعبد الملك أظهر إسلامه ثم بعد ذلك أظهر دلائل بخبايا كانت في الشام ، فاتبعوا آثارها فكانت كما قال. ثم لما تمكنت منزلته عند عبد الملك ورأى صحة مقالاته قال : إن بمنار الإسكندر ما جمعه من الدنيا من مال ومعدن وآلات وتحف ما لم يقدر على مثله ملوك الدنيا. فإن رأى ذلك أظهرته له.

فقال عبد الملك : هذا هو القصد ، لكن أخاف على المنار وتمثال المنار لا يضرها شيء مما نهدمه ونحفره.

فأمره بالتوجه إليها ، فلما وصلها أمر بهدم أعلاها إلى أن هدم ما يزيد على نصف طولها حتى وصل إلى مكان طلسماتها فكسرها ، وقال : هذه الموانع موضوعة برسم الإسكندر ، فلما تم له ما أراد ، وجاء بسببه ، هرب تلك الليلة في مركب كان معدا له من غير علم أحد.

__________________

(١) في المخطوط : فرا ، وهو تحريف.

١٨٥

وكان في المنار أيضا تمثال كلما مضى من النهار أو الليل ساعة صوّت صوتا عجيبا بلحن مطرب يذهل السامع لحسنه ، وفي كل ساعة يصوت صوتا غير الأول ، وهكذا في كل ساعة تتغير أنغامه ، فيعلموا بذلك الماضي والباقي من الليل والنهار. فبطل أمرها وصارت / كما هي الآن.

ومن العجائب أيضا الدرة اليتيمة

ومعنى يتيمة : أنها مفردة في الدنيا ليس لها مثل ، كانت معلقة داخل الكعبة ، قدر بيضة الدجاجة ، استخرجها من البحر كلب ، وذلك أنه ولغ في الماء فتعلقت محارتها في سنه فنفضها لجهة البر ، فاستخرجت محارتها وعلقت في البيت الحرام.

ومن العجائب حجر ياقوت قدر حافر الفرس وشبهه :

لما وصل عبد الملك بن مروان أمر أن يلتصق على ظهر مصحف عثمان بن عفان ، فلزق فيه. ثم بعد ذهاب دولة بني أمية ... (١) ذهب من على المصحف.

ومن العجائب أيضا فرس من ذهب :

لم يصنعه صانع إنما وجد في معدن الذهب وهو عند ملك الحبشة بمدينة غانه ، وذكر ذلك شارح المقامات في شرحها ، وهو الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد المؤمن الشرلسي.

عجائب كانت بأرض مصر قديما :

منها أن مصر ملكها سبعة ملوك في أيام مختلفة وكانوا كلهم حكماء ، ولهم الأعمال العظيمة والنواميس الخارقة.

فالأول :

عمل مقياس لزيادة النيل وعمل في بركته عقابان ذكر وأنثى من نحاس ، فإذا كان أول شهر يزيد فيه النيل صفر العقاب ، فإن كان الذكر كان النيل عاليا ، وإن كانت الأنثى فالنيل تلك السنة ناقصا فيعمل في تحصيل مؤناتهم بذلك.

الثاني اسمه أعشاش :

عمل ميزانا في هيكل الشمس وكتب على الواحدة حق وعلى الثانية باطل ، وجعل

__________________

(١) موضع النقط عبارة : لعن للخلفاء والولاة من بني أمية تركتها لما فيها من السب واللعن لأناس لهم ما لهم وعليهم ما عليهم وكيف يصل الحال بالمؤلف إلى أن يلعنهم بهذه الألفاظ الشديدة وهم بين يدي الله عزوجل ، ثم أن من بينهم خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ، وعمر بن عبد العزيز الخليفة العادل ، وهارون الرشيد الخليفة المجاهد الزاهد ، عفى الله عنا وعنهم وعن المؤلف.

١٨٦

تحت الميزان فصوصا ، فإذا حضر الخصمان يأخذ كل واحد منهما فص ، ويذكر دعواه ، والآخر يذكر على فصه الجواب ـ أي جواب دعوى عظيمة ـ ثم يضعا فصيهما كل واحد في كفه فترجح كفة المحق وترتفع كفة / المبطل فيأمره الموكل بالميزان بدفع الحق لغريمه. وإن كانت دعواه تقتضي قصاصا اقتضى منه وهكذا.

الثالث :

عمل مرآة من المعادن السبعة ينظر فيها فيرى الأقاليم السبعة فيعرف ما أخصب فيها وما أجدب ، وماذا عزم ملوكهم ، وأسفارهم ، ومهماتهم ، وما وقع فيها من الحوادث.

وعمل في وسط المدينة :

صنعة امرأة جالسة وفي حجرها ولد كأنها ترضعه ، فأي امرأة ذات ولد أصابها وجع في جسدها أتت إلى تلك الصورة وتمسح المكان الموجوع من جسدها في مثله من تلك الصورة تبرأ لوقتها.

الرابع :

عمل شجرة من حديد ذات أغصان ، وفي الأغصان خطاطيف للحكم بين الناس ، فيتقدم الخصمان إلى عند الشجرة ويتحاكمان فتلتف على الظالم فلا تفلته حتى يخرج من ظلامة خصمه أو يموت ممسكا بها.

وعمل صنما من حجر أسود براق :

سماه عبد زحل يتحاكم إليه الناس أيضا ، فمن زاغ عن الحق ثبتت أقدامه مكانها في الأرض فلا يقدر أن يزول من مكانه أو يرضى خصمه أو يموت مكانه.

الخامس :

عمل شجرة من نحاس خارج المدينة ، فكل وحش وصل إليها وقف عندها فلا يتحرك من مكانه حتى يؤخذ فشبعت الناس في أيامه من لحوم الوحش.

وعمل على باب المدينة صنمين من نحاس :

عن يمين الباب ويساره ، فإذا دخلها غريب قصده للبلد وأهلها خيرا ضحك الذي على اليمين ضحكا عاليا يسمعه أهل البلد ، وإن كان قصده شرا أو أذى بكى الصنم الذي على اليسار بكاء عاليا يسمعه أهل البلد فيستفيضوا عليه لوقته.

السادس :

صنع درهما إذا هو اشترى شيئا اشترط من تلك البضاعة زنة درهمه ، فلو وضع

١٨٧

بإزائه جبلا لم يوازنه ولا زال ذلك / الدرهم حتى وصل لخزائن بني أمية ، ووصل لبني العباس بعد ذلك حين احتووا على خزائن بني أمية.

السابع :

كان له من الأعمال العجب ، منها أنه كان يجلس في السحاب ، ويظهر في صورة عظيمة لخلقه ، ويكلم الناس وأرباب مملكته من مكانه.

ثم غاب عنهم مدة ثم ظهر لهم أمرهم أن يملكوا فلانا عليهم مكانه.

وأعلمهم أنه لا يعود إليهم بعدها فكان كذلك ، فملكوا ذلك عليهم امتثالا لأمره.

عجائب كانت بأرض بابل

وذلك مما أورده الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار : أنه كان في أرض بابل وأعمالها سبع مدن ، في كل مدينة منها (١) أعجوبة :

في المدينة الأولى :

صفة تمثال الأرض ، فإذا قصر أحد في عمله من حمل ما عليه من الخراج خرق عليهم مياههم من صورة التمثال تلك المدينة فتغور مياههم ويهلكوا عطشا ، وزروعهم تلفا فيبادروا إلى حمل الخراج بسرعة لئلا يهلكوا.

وفي المدينة الثانية :

حوض من حجر إذا أراد الملك أن يرى أهل بلده جميعا ليتفرج على أحوالهم فيأمر مناديه ينادي بالاجتماع عند حوض الملك فيأتي كل واحد بما أحب من طعام أو شراب فيصبوه جميعا في ذلك الحوض فتختلط الأطعمة والأشربة ثم تقف السقاة ويغرفوا للناس من ذلك المختلط فلا يحصل لكل إنسان إلا ما جاء به من غير أن يدنسه طعام غيره أو شرابه ، والذي وضع شراب لا يحصل له إلا شرابه الذي جاء به والحوض باق على حاله لا ينقص منه شيء فيفرق ذلك الحوض على الفقراء والمساكين.

وفي المدينة الثالثة أيضا :

طبل إذا أرادوا [أن](٢) يعلموا حال الغائب عن أهله وبلده هل هو حي أو ميت ، فيضرب أهل / الغائب الطبل ، فإذا كان حيا صوّت صوتا عاليا ، وإن كان ميتا لم يسمع له صوت أبدا.

__________________

(١) في المخطوط : لها ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

١٨٨

ونظير ذلك :

ما ذكره ابن كثير في تاريخه : أن السلطان يوسف بن أيوب لما استعرض حواصل القصر بعد موت العاضد وانقراض الدولة العبيدية ، وجد تحفا يطول شرحها فمن جملتها طبل القولنج ، إذا مرض أحد بالقولنج ضرب (١) على ذلك الطبل فيخرج منه الريح المحبوس فيبرأ لوقته.

فاتفق أن بعض الأمراء الأكراد ضرب عليه ولم يكونوا يعرفوا سره ، فلما فشى أمره أعلموا السلطان يوسف أنه كان مطلسما برسم القولنج فندم على كسره.

ونظير ذلك :

أن المستبصر بالله كان به مرض القولنج فعمل له سيرماه الديلمي طبل القولنج ، فكان في خزائنهم إلى أن ملك صلاح الدين الأيوبي (٢) مصر ، وقصته مشهورة بين الناس بما وقع بسببه ، فلا فائدة في ذكرها.

المدينة الرابعة :

كان فيها مرآة إذا كان أحد غائبا عن أهله سموا اسمه ونظروا فيها فيروه على الحالة التي هو فيها في أي بلد كان كأنه واقف بينهم.

ذكر مرآة آدم صلوات الله عليه :

وذلك ما رواه سيدنا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : لما أهبط الله سبحانه آدم [عليه‌السلام] إلى الأرض رفعه على جبل أبا قبيس ، وأزوى له الأرض ، وقال : يا آدم ، هذا لك ولذريتك.

فقال : يا رب ، كيف أعلم أحوالهم؟ فأنزل الله له مرآة من السماء ، فكان يرى فيها جميع ما يريده من الأرض.

ولما مات آدم [عليه‌السلام] عمد شيطان يسمى فقطرش فكسرها ودفنها في أساس مدينة بالمشرق تسمى : حانوت ، فلما بعث الله نبيه سليمان بلغه خبرها ، وأن فقطرش أخذها ولم يدري أين ذهب بها ، فطلبه سليمان صلوات الله عليه ، وألزمه بحضورها ، فاستخرجها وأتى بها (٣) فكان / سليمان عليه‌السلام إذا أراد [أن](٤) ينظر إلى شيء من

__________________

(١) في المخطوط : ظرب ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : أيوب ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : أثابها ، وهو تحريف.

(٤) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

١٨٩

أحوال الدنيا شهدها بيسر ونظر فيها فيرى ما يحب أن يراه.

ولما مات سليمان [عليه‌السلام] أخذت الشياطين إحدى القطعتين وبقيت الأخرى عند بني إسرائيل يتوارثها ملوكهم إلى أن وصلت إلى بني أمية ، ثم لبني العباس ، وأخذها التتر مع ما أخذوه في أخذ بغداد ونهبها.

وقتل الخليفة ولم يعرفوا خبرها فضاعت لذلك.

المدينة الخامسة :

كان بها بركة عظيمة دورها سبعة أيام في مقدار خمسون ذراعا من البر إلى داخلها منصوب سرير من عاج ، محلى بالذهب ، عليه شخص كصفة بني آدم ، وعليه لباس فاخر ، يتحاكم إليه الناس ، فإذا جاء الخصمان مشوا إلى عنده على (١) الماء فلا تبتل أقدامهم ، فيدعى صاحب الحق ويسأل الخصم صاحب الدعوى : أنت معترف بحقي أم لا؟

فإن أنكر وكان صادقا أخذ الماء المدعي إلى أن يغرق إلى رقبته ، فإن صفح عنه غريمه نجا ، وإن لم يصفح عنه يموت مكانه ، ولا يقدر أحد أن يخلصه. وإن كان المدعي صادق فيكون حال المنكر كذلك ، فإن أعطاه وإلا هو مكانه إلى أن يموت.

وفي المدينة السادسة :

كان بها صنم من حجر جالس على كرسي من حجر إذا غاب رجل عن أهله في سفر ولم يعلموا خبره ، جاءوا لذلك الصنم ، وبخروه ، وسألوه عن غائبهم ، فإن كان حيّا تبسّم ، وإن كان ميتا جرت من عينه دموع ، فيعرفوا خبره حيا أو ميتا.

وفي المدينة السابعة :

صنم من حجر أسود براق ، إذا ذهب لأحد خادم أو دابة أو مال جاءوا إليه وبخروه ، وقالوا : قد ضاع لنا أو سرق ثم يجلسوا عنده فما هو إلا مقدار مسافة الطريق وإذا بالسارق حاملا ما هو قادم به ، وإن كانت دابة فهي آتية تعدو / نحو الصنم.

ولا زالت تلك الأعاجيب وما بها من المنافع إلى أن أتلفها بخت نصّر لما غزا تلك البلاد حيث أراد حملها إلى بلده.

فقالوا له : إنهم إذا خرجوا عن أماكنهم بطلت أسرار طلسماتهم فكسرهم لأجل ذلك.

__________________

(١) في المخطوط : إلى ، وهو تحريف.

١٩٠

خبر دلولة العجوز التي ملكت الأمصار بعد فرعون وما فعلته لما ملكت

قال المسعودي في تاريخه : لما أغرق الله تعالى فرعون ومن معه من الجند خشي الناس على أنفسهم وبلدهم وأموالهم من طارق يطرقهم طمعا فيهم إذ ليس لهم مانع يمنع عنهم. فأجمعوا أمرهم على أن يملكوا عليهم دلولة كونها كانت ذات عقل وحزم ورأي وسحر وكهانة.

فبنت في مبدأ ولايتها مقياسا لزيادة النيل وحائطا عظيما على شاطىء النيل وهو معروف بها إلى يومنا هذا يعرف بحائط العجوز.

وبنت البرابي وأحكمت فيها صفة البلاد وصور أهلها وخيلهم وإبلهم ودوابهم علما محكما منعت بذلك الوارد من البحر والبر ممن له قصد حربهم والتعرض للأمصار.

وجمعت في البرابي علم أسرار الطبائع وخواص الأحجار ، وخصائص النباتات والحبوب والطلسمات الدافعة والأرض المانعة.

ووضعت كل علم في أوقاته من الساعات الموافقة لذلك العلم.

فكان مما فعلت : أنها إذا قصد أحد الأمصار يعلم أن ليس بها جيش ، وأن أمرها صار لامرأة عجوز ، فإذا دخلوا حدود الأمصار عمدت لتلك الصور فيغوروا جميع تلك الجيوش من وقتهم ، وإن أرادت قتلهم ، والقبض عليهم ، أمرت بتكتيف تلك الأشخاص فيصبح جيشهم كالموتى لا حركة لهم ، فيخرج لهم من قومها من هو بالقرب فيأسروا عظماءهم ويقتلوا جيوشهم ويغنموا أموالهم.

فلما شاع ذلك هاب (١) / الملوك الدنو من الأمصار لما فعلته دلولة.

وكل ما تفعل في الصور من المحنة أو في الدواب المصورة يحدث لذلك الجيش ودوابهم ما أحدثته في الصور والدواب.

والآن في زماننا هذا كثير من علم أولئك القوم وما وضعوه من الطلسمات كما في حمص من طلسم العقاب والحيّات والطحال والعلق إلى غير ذلك ، وما في حمص مما يعرفه السفار فلا فائدة من ذكره.

وملك مصر من الفراعنة اثنان وثلاثون فرعونا أعتاهم فرعون موسى.

وملك مصر من ملوك بابل خمسة ملوك ، ومن العماليق الذين كانوا بالشام وهم الجبابرة أربعة ومن ملوك الروم سبعة. ومن اليونانيين عشرة ، وذلك قبل ظهور عيسى

__________________

(١) في المخطوط : هابوا ، وهو تحريف.

١٩١

المسيح [عليه‌السلام] ومدة هؤلاء الملوك ألفي سنة وثلاثمائة سنة.

ومن كلام الحكمة :

أن يقال : بحب الأوطان عمرت البلدان ، فحرمة بلدك عليك كحنو والديك.

ذكر بناء سد الإسكندرية وصفة بنائه :

وذلك أن الواثق بالله رأى مناما (١) وهو : كأن السد قد انفتح وخرجت منه يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب (٢) ينسلون ، فاستيقظ مرعوبا فقال : أئتوني بسلام الترجمان.

فلما وقف بين يديه أخبره بما رأى ثم قال : عزمت أن أجهزك لجهة السد لتأتيني بخبره.

فقلت : سمعا وطاعة لله ولك.

ثم قال : إذا وصلت فحرز أمره ، وانظر هل تلف شيء من بنائه أو هو باق على حاله؟ وأعطاه ديته وزاده فوقها خمسة آلاف دينار ، ثم ضم إليه خمسون فارسا أمجاد ، وأعطاهم دياتهم ومالا فوق دياتهم ، وخيلا للركوب وبغالا للحمل ، وكتب لهم كتبا لمن في طريقهم من الملوك ليرسلوا معهم أدلاء ومغفرين ومنها / كتاب لإسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية ، وكتاب لصاحب ملك السرير ، وكتاب إلى ملك اللات ، وكتب إلى ملك غيلان شاه ، وكتب لنا غيلان شاه إلى ملك الحذر ، لما وصلناه أرسل معهم خمسة أدلة فسرنا من عنده سنة وعشرون يوما ، فوصلوا أرضا سوداء كالقير منتنة الرائحة.

وكان ذلك الملك أعطاهم مع ما زودهم به خل كثير لأجل تلك الأرض إذا وصلوها ، وإذا بها مدن كثيرة كلها خراب فساروا في تلك الأرض والمدن الخراب سبعة وعشرون يوما.

فسألوا عن خراب تلك المدن ، فقالوا : أخربها (٣) يأجوج ومأجوج قبل بناء السد ولم يسكنوا بعد ذلك ، ثم وصلوا إلى حصون عظيمة شديدة البناء في غاية المنعة والارتفاع ، وسكان تلك الحصون مسلمين يتكلمون بالعربية والفارسية ، فسألوهم من أين مجيئهم؟

فقالوا : نحن قصاد على بلاده وعباده.

فعجبوا من مقالتهم ، وقالوا : هذا شيء لم نسمع به ولا آباؤنا من قبلنا ، فما الذي جاء بكم؟

__________________

(١) في المخطوط : مناما ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : حدث ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : أخربوهم ، وهو تحريف.

١٩٢

فقالوا : مناما رآه ، وأخبروهم خبر المنام.

فقالوا : والله إن هذا الملك عظيم الشأن وأن له لشرف عظيم ونعمة لا تبلغها الملوك ممن نعرفهم.

ثم لم يسيروا إلا قليلا ، وإذا هم بجبل عظيم أملس كالمسن هندسه (١) الملك الإسكندر ، عرضه مائة وخمسون فرسخا وبه عضادتان مبنيتان من جنبي ذلك الجبل في فم واد عظيم بناها بلبن الحديد المغموس في النحاس عرض كل عضادة مائة وخمسون ذراعا بذراع العمل بهذا الذراع.

والعضادتان بارزتان عن الحائط قدر عشرون ذراعا ، وفي أعلى العضادتين عمود عظيم من حديد كأنه قطعة جبل طوله مائة وعشرون ذراعا.

في أعلى العضادتين على كل عضادة عشرة أذرع ، والباقي وقدره مائة ذراع / وهو عتبة الباب العليا.

ومن فوق العتبة مبني بلبن الحديد المغموس في النحاس إلى حد يبلغ السحاب علوا بقدر بصر الرائي.

وفي رأس البناء شرافات من الحديد في رأس كل شرافة قرنان من حديد ملتويان على بعضهما بعضا.

وبين العضادتين باب عظيم من حديد سبكا لا خشب فيه ، له مصراعان عرض كل واحدة خمسون ذراعا في تخانة عشرة أذرع في ارتفاع عظيم شاهق.

وعلى الباب قفل طوله عشرة أذرع في تخانة ذراعين (٢) في الاستدارة.

وارتفاع القفل عن الأرض خمسون ذراعا ومن فوق القفل مفتاح معلق في سلسلة من حديد طولها ثمانية أذرع في استدارة ذراعين.

والسد من الجبل ملس إلى السد للجبل الذي بإزائه مقطوعين كالحائط ارتفاعهما مد البصر ، يسير من دونهما السحاب. والسد في فم الوادي الذي يخرج منه يأجوج ومأجوج. وليس لهم مخرج إلا من مكان السد ، وليس لهم منفذ سواه.

وملك تلك الحصون قد وكل بهذا الباب قوم بأيديهم مرزبات من حديد فيضربوا الباب بتلك المرازب ليسمع من وراء الباب من قوم يأجوج ومأجوج ، فيعلموا أن الباب محفوظ.

__________________

(١) في المخطوط : هنديته ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : تاعين ، وهو تحريف.

١٩٣

وملك الحصون يكشف عليهم في كل أسبوع مرة بنفسه خوفا على السد. فوضع القصاد آذانهم عند الباب وإذا من داخله جلبة عظيمة وهمهمة. وعلى آخر السد من الجهتين حصنين عظيمين في ارتفاع بناء السد ، وعندهم عيون ماء عذب ، وفي الحصون بقية اللبن الحديد الذي فضل من العمارة طول اللبنة ذراعين ونصف في سمك ذراع.

فلما رأوا ذلك عادوا مجدين السير ذهابا وإيابا ، فكان مدة الغيبة ثمانية وعشرون شهرا.

فلما قدمنا من السفر حكى سلام الترجمان لأمير / المؤمنين ما تقدم وصفه فعجب مما أعطاه الله سبحانه للملك الإسكندر من القوة والسلطان.

نبذة من صفات يأجوج ومأجوج :

مما نقلناه من تفسير القرآن العظيم بسنده : قوله تعالى : (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) [الكهف : ٩٤].

قال الضحاك ، والسدي : الترك ، السرية من يأجوج ومأجوج وهم كخلق الناس فتركهم الإسكندر خارج السد.

وقال قتادة : اثنان وعشرون قبيلة.

وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنه في رواية عطاء : أن الناس جميعهم في الدنيا عشرة أجزاء الخلق من الناس جزء واحد ، ويأجوج ومأجوج تسعة أجزاء.

وعن (١) حذيفة مرفوعا قال : «لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف ذكر من صلبه يحملون السلاح ، طول الواحد منهم مائة وعشرون ذراعا ، وصنف غيرهم طول الواحد مائة وعشرون ذراعا وعرضه مائة وعشرون ذراعا ، وصنف يفترش إحدى أذنيه ويتغطى بالأخرى».

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : فيهم من طوله شبر ، وفيهم من هو مفرط في الطول ، يصيّف في إحدى أذنيه ويشتّي في الأخرى ، وكذلك القوم الذين عند مطلع الشمس ليس لهم دور يأووا إليها ، وإنما لهم مسارب تحت الأرض يدخلوها إذا طلعت الشمس هربا من حرارتها لأن أرضهم منزحرة لا تحمل البناء.

أحدهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لا يفهم أحد كلامهم ، وكذلك لا يفقهون لأحد مقالا.

__________________

(١) في المخطوط : من ، وهو تحريف.

١٩٤

ذكر فتح الأندلس وما وجد فيها

في (١) خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان فتحت على يد الأمير طارق [بن زياد](٢) في سنة ثلاث وتسعين. وجد في مدينة طليطلة من أعمال الأندلس بيتين مغلقين فتح أحدهما فوجد فيه أربعة وعشرون تاجا لم يعلم أحد / قيمة الواحد منها.

وعلى كل تاج اسم صاحبه ، وكم مدة ملك ، ووجد فيه مائدة سليمان [عليه‌السلام] لم يعلم لها أحد قيمة.

فحمل الجميع الوليد فيما (٣) أخذ من الغنائم ، وفتح البيت الثاني ، وكان عليه أربعة وعشرون قفلا ، فسأل عنه ، فقيل له : إن كل من ملك هذه المدينة من الملوك أصحاب التيجان التي (٤) في ذلك البيت الأول يضع على هذا البيت قفلا ولا يفتحه ولا يعلم ما فيه.

فلما كان هذا قيل لهذا الملك : إن في هذا البيت كنوزا وذخائر لمن سلف من الملوك ، فأحب أخذ ذلك. فنهاه العقلاء فلم يقبل ، ففتحه ، فإذا فيه قيمة صور العرب على صفاتهم وهيئاتهم ، عندهم لوح من ذهب مكتوب فيه : من فتح هذا البيت ملكت العرب هذا الإقليم في عامه. فكان كذلك. فضمت الغنائم والتيجان والمائدة وجهزوا الأمير.

فتح بخارى :

على يد عبد الله في سنة أربعة وخمسين لما فتحت ودخلها المسلمون ، كانت زوجة الملك فتح خاتون عولت على الهرب فأدركها الجيش فلبست إحدى خفيها وتركت الأخرى وأسرعت في الهرب ، فأخذ فردا لواحدة رجل من المسلمين باعها بثمانية آلاف دينار.

ذكر شيء من الملوك السالفة وعدلهم في الرعية مع ما كانوا عليه من الكفر :

كان من ملوك العجم ملك يسمى جلال الدولة وكان ملكا جليلا مهابا عظيم القدر بين الملوك ، وكان شأنه العدل في الرعية والإنصاف بينهم. فركب يوما للصيد ومعه جماعة من خواصه فلقيه رجل يبكي ، فقال له : ما بالك؟

__________________

(١) في المخطوط : من ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة توضيحية.

(٣) في المخطوط : مما ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : الذي ، وهو تحريف.

١٩٥

فقال : لقيني ثلاثة غلمان ، ومعي حمل بطيخ ، ضربوني وأخذوه مني.

فقال له الملك : لا بأس عليك ، امضي إلى الوطاق / واقعد بالقرب من خيمة السلطان ولا تحكي أمرك لأحد إلى أن أعود أعطيك ثمن بطيخك. ففعل الرجل.

فلما عاد السلطان قال لصاحب شرابه : أبصر لي بطيخا فقد اشتهيته بصبى.

فغاب وجاء ومعه بطيخا ، فقال : وأين وجدته؟

قال : في خيمة فلان الحاجب.

فقال : أئتني به ، فأحضره.

فقال له : من أين لك هذا البطيخ؟

فقال : غلماني أتوني به.

فقال : أحضرهم.

فمضى ليحضرهم ، فأحسوا بالبلاء فهربوا ، فعاد الحاجب وأعلمه بهروبهم.

فطلب الرجل وقال : هذا بطيخك؟

قال : نعم.

فقال : خذ هذا الحاجب لك عبدا عوضا عن بطيخك ، وو الله [لو](١) أطلقته قتلتك.

فأخذه ومضى ، فاشترى الحاجب نفسه بثلاثة آلاف دينار.

فعاد الرجل إلى السلطان ، وقال : يا مولاي السلطان بعت عبدي بثلاثة آلاف دينار.

قال : أو رضيت؟

قال : أرضى الله الملك ، قد رضيت.

فقال : امض راشدا.

ملوك العجم

عادة في بلادهم إذا كان يوم الناروز يأذنوا لرعاياهم كي يحضروا مجلس الملك في صبيحة الناروز ، ويجلس الملك ، والمؤيدان جالس عن يمينه ، وينادي منادي الملك : من له ظلامة عند السلطان فليرفع بها قصته.

فتؤخذ القصص من الناس ، وتوضع بين يديه فينظر في كل واحدة منها ، فإن كان

__________________

(١) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

١٩٦

فيها شكوى على الملك نزل عن سريره ووضع التاج عن رأسه ، وساوى خصمه وهما بين يدي المؤيدان ، فإن كان حقا خرج عنها لصاحبها ، وإن كانت باطلا مثّل به ، ونادوا سنة عليه : هذا جزاء من يعيب الملك ظلما.

وإذا فرغ من دعاوى الناس عاد إلى سريره ولبس تاجه. ثم يقبل على جنده وخواصه ويقول : إنما أفعل ذلك وأنصف المظلومين من نفسي لئلا يطمع أحد منكم في ظلم الرعية.

فكانت في ذلك الزمان أحوال الملوك جارية على العدل والإشفاق ، وأحوال / الرعية على العدل والإنصاف.

ومن محاسن العدل :

ما كان يصنع الملك شاه ملك العجم مع أنهم مجوس ، كان ملكا عادلا بلغ من عدله أنه وقف إليه رجلان يتظلمان ، فنزل عن سريره وقال لهما : خذا بيدي واحملاني إلى الوزير.

فامتنعا (١) ، فألزمهما بذلك. فأخذ كل واحد منهما بيد ، ومشى معها ، فبلغ ذلك وزيره نظام الملك ، فخرج للقائه حافيا. فلما رآه انكب على أقدامه يقبلها ، وقال : ما هذا أيها الملك؟

فقال : أنت أحوجتني لمثل هذا ، إنما اتخذتك وزيرا لتدفع (٢) عني مظالم العباد وتأخذ للمظلوم من الظالم ، فإذا أنت لم تفعل هكذا أخذوني أرباب المظالم يوم القيامة للقصاص. فلهذا كانت دولة الفرس [والله](٣) أعلم أعظم الدول ، وملوكهم أعظم الملوك.

وأما كسرى أنو شروان :

فعدله مشهور للناس فمن فحصه (٤) عن العدل وعمارة ملكه به أنه أراد [أن](٥) يختبر مملكته هل العدل عمرها أو الجور أخربها؟. فأظهر التوعك وأسر لحكيمه أنه إذا حضر للسلام مع الأمراء والوزراء والمرازبة ، فيصف للملك دواء يحتاج فيه إلى طوبة من

__________________

(١) في المخطوط : فامتعا ، وهو تحريف.

(٢) قبلها كلمة : الاه ، زائدة على السياق فحذفتها.

(٣) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٤) في المخطوط : فحصاه.

(٥) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

١٩٧

بلد خراب. ففعل حين دخلوا للسلام عليه. فأمر القصّاد أن تسير إلى سائر مملكته أقصاها وأدناها حتى [يأتوا](١) له بطوبة من بلد خراب.

فغابوا مدة ، ثم عادوا وليس مع أحد منهم شيء فخر عند ذلك ساجدا بقية يومه ، ثم رفع رأسه فقال لخواصه (٢) : إنما فعلت لأختبر ملكي هل هو عامر بالعدل أو خراب من الظلم والجور؟.

إن بعض من ملك الصين صمّ سمعه فبكى ، فقيل له : مما بكاؤك أيها الملك؟ هذا أمر مقدر.

فقال : أعلم ذلك ، وليس بكائي لفقد سمعي ، إنما بكائي كيف لا أسمع صوت المظلوم إذا علا صراخه؟ ولكن إن [كان](٣) سمعي قد ذهب فبصري باق ، نادوا في الرعية : لا يلبس أحمر إلا من كانت / له ظلامة. ففكان إذا جلس للحكم من يراه لابسا أحمر طلبه وأزال ظلامته.

وركب بعض ملوك الفرس للصيد :

فساق خلف ظبية فلم يدركها ، وغاب عن جيشه لسرعة جواده ، فأدركه عطش ، فرأى قرية ، فعدل نحوها ، فلما وصلها وقف على أول باب منها وطرقه فخرجت له طفلة ، فقال لها : اسقني.

فدخلت الدار ، ثم عمدت إلى عقدة واحدة من قصب السكر (٤) واعتصرتها في إناء ، ووضعت عليها ماء وخرجت به له.

فلما تناوله رآه عكرا فجعل يشربه لعكره قليلا قليلا حتى شربه ، ثم قال للطفلة : نعم الماء لولا عكره.

فقالت (٥) : يا سيدي ، إنما فعلته عن عمد.

فقال : ولم ذلك؟

قالت : لأني رأيتك عطشانا فعكرته لئلا يكون صافيا فتشربه نهلة واحدة فيضرك ويتولد منه داء في الكبد.

__________________

(١) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٢) في المخطوط على هذا الرسم : قال لخواصه ، وما أثبته أنسب شيء للمراد.

(٣) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٤) في المخطوط : الكسر ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : فقال ، وهو تحريف.

١٩٨

فعجب من كلامها وحسن معرفتها مع صغر سنها. ثم قال : من كم عقدة عصرت هذا الماء؟

فقالت : من عقدة واحدة.

فعجب من ذلك ، ثم سألها عن خراج بلدها ، فرآه يسيرا ، وكان قد عزم على زيادته فلم يفعل.

ثم خرج في العام الثاني للصيد ، ثم جاء لتلك القرية ، ووقف على ذلك الباب منفردا ، وطلب ماء ، فخرجت له تلك الصبية بماء بعد إذ غابت أكثر من المرة الأولى.

فلما خرجت قال : ما سبب بطاءك؟

قالت : لأنه لم يخرج من ثلاث عقد ما كان يخرج من عقدة واحدة ... (١).

[فقال](٢) : وما سبب ذلك؟

قالت : يظهر أن الملك غير نيته على رعيته.

فقال الملك : ومن أين علمت ذلك؟

قالت : إذا غير الملك نيته على رعيته تزول عنهم بركة الرزق.

فعجب الملك من كلامها (٣) وحسن معرفتها. فلما رجع أرسل من خطبها وحظت (٤) عنده حتى أنه لا يفعل شيئا إلا برأيها (٥).

وكان من ملوك الفرس ملك يسمى كيساسب :

كان ملكا عادلا ، وكان له وزير / اسمه : راسب ، وكان جبارا غير أن عدل الملك يمنعه ظلم الرعية.

فكان كثيرا ما يقول للملك : إن العدل يبطر الرعية ، وزيادة عدلك أيها الملك أبطرهم ، فلو ذاقوا مرارة الظلم استقاموا. فظن الملك أنه صادق ، فأذن له فظلم إلى أن كادت الناس تهلك ، وخربت القرى وخلت أكثر المدن ، وقلّ خيرها.

ولم يعلم الملك حقيقة الحال ، فركب يوما منفردا لا يدري أين يذهب. فسار في البرية فرأى قطيع غنم وعنده بيت منصوب ، وبإزائه كلب مصلوب ، فلما قرب من ذلك

__________________

(١) موضع النقط بياض بالمخطوط قدره ثلاث كلمات.

(٢) زيادة يتطلبها السياق ولعلها ضمن ما انمحى من البياض.

(٣) في المخطوط : كلامتها ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : وخطب ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : إلا ترابها ، وهو تحريف.

١٩٩

البيت خرج له شاب عزمه وأنزله وهو لا يعرفه ، ثم أحضر له زادا ، فأبى أن يأكل أو يعرفه خبر هذا الكلب ، ولماذا صلبه؟.

فقال : يا أخي ، هذا الكلب جعلته أمينا على غنمي فكان أمينا لا خيانة فيه ، فعشق ذيبة وألفها ، وصار يقوم معها وينام ، ويطأها كلما أراد ، والذيبة تأخذ كل يوم رأسا حتى بان النقص في الغنم وأنا لا أدري ، فصرت أختفي وأرصد من يأخذ منها فرأيت الذيبة أقبلت وصار يلحسها وتلحسه ثم ولى عنها ، فأخذت رأسا وراحت. فعلمت أنه خان أمانته فصلبته كما ترى.

فقال الملك في نفسه : إن هذا أمر لك فيه عبرة ، وإن رعيتنا أغنامنا ، فيجب أن نفحص (١) عن أمرهم كما فعل صاحب الغنم. ففحص ، فإذا الخلل من جهة الوزير ، فصلبه ، وقال : من اغتر بأهل الفساد فسد ملكه.

زواج كسرى بهند بنت بهرام جود ، وما صنعه في مهمة لها :

لما أراد الحجاج بن يوسف الثقفي أن يزوج ولده محمد ، قال : لأعملن وليمة لم يسبقني إليها أحد من ملوك الدنيا حتى يبقى ذكرها إلى الأبد.

/ فقيل له : لو طلبت أحدا ممن عنده علم الأكاسرة وما كانوا يصنعونه في ولائمهم فتفعل مثلهم وتزيد عليه حتى يكون مقالك مبني (٢) على التحقيق.

فأرسل إلى من عنده علم بذلك ، فقيل له : إن كسرى لما تزوج بهند بنت بهرام جود ، كتب إلى نواب مملكته جميعها يأمرهم بالحضور ، ففعلوا ، وكانوا زيادة عن اثني عشر نائب ، وعامل ، ومباشر ، فكانت تمد لهم الموائد (٣) في كل يوم ثلاث مرات في صحائف الذهب والفضة وتفرش لهم بسط ممزوجة بشريط الذهب والحرير ، فإذا فرغوا من الأكل أتى كل واحد بطشت من ذهب وإبريق من ذهب مملوء بماء الورد ، ويدفع لهم المسك عوضا عن الأشنان لغسل أيديهم. فإذا قاموا بعث الملك إليهم تلك البسط والفرش والأواني وجميع ما على تلك الموائد فيفرقوا عليهم على قدر منازلهم ومراتبهم.

فقال الحجاج للذي أمر بذلك : والله لقد أفسدت عليّ ما كنت عزمت عليه.

ثم صنعت وليمة عظيمة اجتهد فيها جدّ اجتهاده. ثم طلب بعد ذلك شخصا يسمى : زاذان ، وقال له : هل بلغك أن أحدا من ملوك الأكاسرة صنع وليمة مثلها؟

__________________

(١) في المخطوط : تنخص ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : مبنيوا ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : الموايب ، وهو تحريف.

٢٠٠