مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

النيرة على مثل ما كانت عليه وقت بضها ... (١) في البرج فيكون زحل ، والمشتري والمريخ في برج واحد (٢) والمشتري والقمر في (برج واحد) (٣) والزهرة وعطارد (في برج واحد) (٤) ويتكلم عليها بصلاة الكهنة سبع مرات ، فإذا وصل إليها لطخ حائطها (بدماء الديك) (٥) ثم يدخل إليها فيأخذ ما شاء منها ولا يقم فيها إلا قدر حاجته.

وحكي أن جماعة من الشرق سمعوا بها فجاؤوا إليها ودخلوا / إلى صحرائها فلم يرجع منهم أحد ، ولا وقف أحد على خبرهم. وكانوا أقاموا في قفط أياما فلما هلك عذيم أوصى ابنه شدات : أن ينصب في كل حيّز من حيّز أعمامه منارا ويزبر عليه اسمه.

ففعل ما أوصاه به ومن جملته منارا على رأسه مرآة يرى منها الأقاليم.

مرقونس الملك

كان رجلا حكيما محبا للعلم والحكمة يقول الحيلة فمنها : أنه عمل درهما إذا اشترى به شيئا قال للبائع : بشرط أن تعطيني ثقل درهمي. فيقول : نعم. فإذا وضعه في كفه قابله من الكفة الأخرى أرطالا كثيرة ، ووجد هذا الدرهم في بعض كنوزهم في وقت بني أمية.

وعمل درهما آخر إذا ابتاع به شيئا قبّله وقال : اذكر العهد الذي بيني وبينك ويمضي والدرهم قد سبقه إلى منزله ، ويجد البائع موضع الدرهم ورقة آس.

وعمل آنية من الزجاج إذا ملئت شيئا لا يزيد غير وزنها الأول ، وآنية إذا ملئت ماء صار خمرا ، ووجدت هذه بأطفيح فجلسوا على النيل بها وأرادوا أن يملأوها ماء ويشربوا ، فاستطعموه خمرا ، فتعجبوا فوقعت منهم فصارت قطعا ، فجاءوا إلى هارون بن خمارويه ، وحكوا له فأسف عليها وقال : لو جئتم بها صحيحة اشتريتها ببعض ملكي.

وفي وقته عملت الصور الحنتمية من الضفادع والخنافس والذباب والعقارب ، فكانت إذا جعلت في موضع اجتمع إليها ذلك الجنس فلا يبرح حتى يقتل ، وكأن أعمالها كلها (بصور برج الفلك واس ...) (٦) فيتم له من ذلك ما يريده.

__________________

(١) موضع النقط حروف مقطعة كذلك لم أتبينها لأن الحروف كتبت بالحمرة فلم تظهر جيدا في التصوير.

(٢) ما بين القوسين جاء حروف مفرطة.

(٣) ما بين القوسين جاء حروف مفرطة.

(٤) ما بين القوسين جاء حروف مقطعة.

(٥) ما بين القوسين جاء حروف مقطعة.

(٦) ما بين القوسين جاء حروف مقطعة وموضع النقط حروف لم أتبين قراءتها.

١٢١

وعمل في صحراء الغرب ملعبا من زجاج ملون وفي وسطه قبة من الزجاج الأخضر صافية النور إذا طلعت الشمس عليه ألقت شعاعها على الأماكن البعيدة منها.

وعمل من أربعة وجوه الملعب أربعة مجالس عالية كلها زجاج مختلف الألوان ونقش على كل مجلس منها مما يخالف لونه من الطلسمات العجيبة ، والصور البديعة كله زجاج مطابق / يشف. فكان يتنزه فيه الأيام الكثيرة ، وعمل له في كل سنة ثلاثة أعياد ، فكانوا يحجون إليه في كل عيد ، ويذبحون له ، ويقيمون سبعة أيام.

وكانت الأمم تقصد هذا الملعب ويتفرجون عليه لأنه لم يكن له نظير ولا شكل ولا عمل أحد في العالم مثله [إلى](١) أن هدمه بعض الملوك. وعمل مرقونس من الكيمياء والذهب ما لم يعمله غيره من الملوك.

وقيل : إنه دفن في صحراء الغرب خمسمائة دفين.

وعمل على باب صا عامودا وجعل عليه صنما في صورة امرأة جالسة وفي يدها مرآة ينظر فيها للعليل ، إن كان يموت فيرى أنه ميتا ، وإن كان يعيش رؤي حيا ، وللمسافر إن كان يرجع رأوه مقبلا وإلا رأوه مدبرا.

وعمل بالإسكندرية صورة راهب جالس على قاعدة ، وعلى رأسه كالبرنسة ، وفي يده عكازا إذا دخل إليها تاجر لا يستطيع أن يتعداه حتى يخرج من ماله بقدر زكاة بضاعته ، فيضعه قدامه ، فكان يجمع من ذلك الشيء الكثير فيفرقون ذلك على الزمناء (٢) والفقراء.

ولما هلك جعل في ناووسه داخل بلاد الغرب عند جبل سندام عمله لنفسه في حياته ، وعمل تحته إزجا طوله مائة ذراع وارتفاعه ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وصفحه بالمرمر ، والزجاج الملون المسبوك وأسقفه بالحجارة الصافية.

وعمل دائرة مصاطب لطافا مبلطة بالزجاج على كل مصطبة أعجوبة ، وفي وسط الأزج (٣) دكة من زجاج ملون عليها صورة تمنع من الدخول إليها ، وبين كل صورتين كالمنارة عليها حجر مضيء. وجعل في وسط الدكة حوضا من ذهب ، فنقل إليه جسده ، وذخائره من الجوهر والذهب وغير ذلك ، وسدّ بابه بالصخور والرصاص ، وأهالوا عليه الرمال.

وملك ثلاثا وسبعين سنة وعمّر مائتي سنة وأربعين سنة ، وكان جميلا ذا وفرة حسنة ، وتولى الملك / بعده ابنه :

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.

(٢) أي : الضعفاء ومن أصابت ماله فاقة ومن انقطع به السبيل ، ومن ركبه دين لا يقدر على سداده.

(٣) الأزج : بيت يبنى طولا ، ويقال له بالفارسية : أوستان.

١٢٢

ابشاد الملك :

ولي الملك وهو ابن خمس وأربعين سنة ، وكان جبارا معجبا طماع العين ، غصب امرأة من نساء أبيه وانكشف أمره معهما.

وكان دأبه اللهو والتنزه فانتمى إليه كل من كان هذا دأبه.

وجعل على ملكه بعض الوزراء ، وكان اسمه : مسرور ، واختلى هو بلذاته وشهواته ، وأهمل أمر الناس ، ومصالح البلد ، وعمل له قصورا من الخشب تعلوها قباب من الخشب ، مموه بالذهب وأجراهما على الماء ، فكان يتنزه عليها هو ومن يحبه.

وركب على البر عجلا وحمل عليه الأروقة المذهبة وفرشها بفاخر الفرش ، فكان يتنزه عليها والبقر تجرها ، ويكون في تنزهه مشهورا ، فلا يمرّ بمفترج إلا أقام به أياما ونفق خزائن أبيه على ما هو فيه. فاجتمع الناس على وزيره مسرور وسألوه أن يراجع الملك في أمرهم بأن ينظر في مصالح بلدهم. ففاوضه بذلك ، فلم ينته وسلط من معه على الناس ، فأساءوا إليهم. وعمل الملك لنفسه متنزها عجيبا ، صفح مجالسه بصفائح الذهب ، وصفائح الفضة ، والزجاج الملون ، والجوهر المخروط ، وعمل فيه صهاريج فرشها بالرخام الملون ، وجرّ له الماء ، وغرس حوله الرياحين والثمار وجعل حوله مناظر مشرفة عليها زينتها وفرشها.

وخرج غلام لبعض نسائه في حاجة ابتاعها لهم ، فوقف على صاحبها ، وأراد أن يأخذها منه بغير ثمن ، فعمدوا إلى الغلام فقتلوه. فبلغ الملك خبره ، فلم يلتفت لذلك ، وقال : هكذا فافعلوا (١) ، ونادى في بلده : من أخذ منكم شيئا بغير حق فافعلوا به ما بدا لكم ، ففرح الناس بذلك ، وحملوا الكلام على الصحة. فبعد سبعة أيام أمر جيشه أن يتجهز مع الملك للخروج إلى صحراء الغرب يتصيد هناك ، فخرج معه طائفة من أهل البلد ، فقعد ثلاثة أيام ، فلما دخل عليهم الليل أمر خواصه أن يقفوا بباب المدينة ، ثم أمر جماعة من أصحابه أن يحدقوا / بالناس فمسكهم وأتلف منهم خلقا كثيرا ، وأمرهم أن ينادوا عليهم : هذا جزاء من تجرأ على خدم الملوك وأصحاب مهنتهم ، وأمر بحرق الموضع الذي ضربوا فيه الغلام. فاستغاث الناس ، فأشار لوزيره أن يطرح نفسه شافعا لهم ، فعفا عنهم ، وقال : من تعرض لخدمنا حلّ لنا دمه ، فأبغضه الخاص والعام. فاحتال عليه بعض نسائه بطباخه وساقيه فسماه ، ومات وولي ابنه :

صاصا الملك :

لما ملك جمع الناس ووعدهم وأحسن إليهم وسكن منف ، وملك الأحيان كلها

__________________

(١) في المخطوط : إنه لعلو ، وهو تحريف.

١٢٣

وعمل عجائب وطلسمات ، وعمل في منف مرآة يرى فيها الأوقات التي تخصب فيها البلاد وتجدب. وعمل خلف الجبل المعظم صنما يقال له : صنم الحيلة فمن أراد شيئا جاء إليه وبخره فتيسر له مراده ، وبنى غالب منف والإسكندرية فمحيت بتقادم الزمان وأبادهم الحدثان.

وليس لأحد أن ينكر كثرة بنيانه ، ولا ما نصبوا من أعلامهم ، ومنائرهم ، فقد كان للقوم بطش وشدة ، ومعرفة وحكمة لم تكن لغيرهم. وأن آثارهم باقية إلى الآن بينة مثل أهرام الجيزة ودهشور وميدوم والبرابي والأعلام ، والجبال المنحوتة المنقورة التي ادخروا فيها كنزوهم وأموالهم التي لا يصل أحد إليها بحيلة.

وكذلك أبخرتهم ، وأدويتهم ، وطلسماتهم ، وجميع علومهم دفنت معهم.

وكذلك ما نقشوه على البرابي ببلاد الصعيد فإنه لو تعاطى جميع ملوك الأرض أن يبنوا هرما ، ما تهيأ لهم ذلك ، أو ينقشوا بريا واحدا لطال بهم الأمد.

ويحكى عن حكمهم حكاية عجيبة :

من هذا القبيل : أن جماعة في ضياع الغرب عنفهم عاملهم ، فخرجوا إلى صحراء الغرب ، وحملوا معهم زادا كثيرا ، فاجتازوا على سفح جبل ، فرأوا عيرا أهلية ، قد خرج من بعض شعابه ، فتبعه ، ففر منهم ، فأشرفوا على مساكن وزروع وأشجار وأنهار / وجماعة قاطنين شاهكين يتناكحون ويتناسلون ، ورزقهم واسع وعيشهم رغيد لا خراج ولا ظلم عليهم ، ولا يروا ضياع الغرب قط ، ولا آوى عندهم غريب ، وهم في راحة من الناس وفي نعمة من الله لا يظلمون ولا يظلمون. فلما رأوا أولئك تعجبوا من وصولهم إليهم فدنوا منهم ، وسلموا عليهم ، واستأنسوا بهم وسألوهم أن ينتقلوا إليهم ، ويسكنوا عندهم ، فأجابوا إلى ذلك. وخرجوا من عندهم ليرجعوا إليهم بأهليهم ومواشيهم ، فأقاموا مدة يطلبون الطريق فلم يعرفوه ولا دلهم أحد عليه ، فأسقوا على ما فاتهم.

وقوم آخرون ضلوا الطريق بصحراء الغرب فوقفوا على مدينة عامرة كثيرة الناس ، والمواشي ، والمياه ، والزروع ، والثمار ، والفواكه ، والأشجار فخافوا. ولما رآهم أهل البلد أكرمهم أهلها وضافوهم ، وعند المبيت أدخلوهم مكانا ، وأحضروا لهم شرابا ، فأخذوا مضاجعهم فلما أصبحوا وجدوا أنفسهم في مدينة خراب ، وهي كبيرة لكنها خالية ، فخرجوا منها هاربين مستوحشين خائفين فعند المساء أشرفوا على مدينة أكبر من الأولى وأعظم وأعمر وأكثر أهلا ، ودوابا وغروسا وبساتين وأنعاما وغير ذلك. ففرحوا بذلك وزالت وحشتهم ، فلما رأوهم استأنسوا بهم ، وضافوهم ، ثم سألوهم عن أمرهم وكيفية الوصول إليهم ، فأخبروهم بالذي جرى لهم في المدينة الأولى ، فتعجبوا من

١٢٤

أمرهم وتضاحكوا منهم ، وكانوا في مدينتهم تلك الليلة وليمة ، فقالوا لهم : باتوا الليلة عندنا وتفرجوا في وليمتنا ، فلما اجتمع الناس على أكلهم وشربهم وغنائهم وطيب ألحانهم ، قالوا لأولئك :

ـ لا تضيقوا على أنفسكم ، فإن الطريق قدامكم واضح مستقيم لا يمكن أن تغلطوا فيه ، وأنتم مخيرون إن شئتم الخروج من عندنا وجهنا معكم من يوقفكم على سمت الطريق الكبير الذي يؤديكم إلى منازلكم ، وإن أحببتم الإقامة عندنا ساعدناكم على مرادكم ، وأرفدناكم وأزوجناكم / فينا وكنتم إخواننا وأحبابنا.

قال الجماعة : فسررنا بقولهم ، وعزمنا على الإقامة عندهم ، وبتنا ، فأصبحنا ، وقد وجدنا أنفسنا في مدينة عظيمة لكنها خالية من الناس ، قد خربت بيوتها وتهدمت قصورها وتشعث حسنها ، وهي فقراء موحشة. فازددنا خوفا ووحشة ، وخرجنا هاربين متفكرين فيما قد حلّ بنا ، وفسرنا من أول نهارنا حتى أمسينا ، رأينا على بعد منارا عاليا ، فسلكنا الجادة.

فقال : العمران أمامكم. فبتنا عنده ، وأصبحنا ونحن في مكان غيره ، فسرنا قليلا ، ثم لاح لنا العمران ، فاتبعناه ، فدخلنا الأشمونين ، وكنا نحدث الناس بالذي جرى لنا ، فلا يصدقونا في هذه. وأمثالها مدائن القوم الداخلة القديمة قد غلب عليها الجان حتى سترت عن العيون فأنّى لهؤلاء العمّل مثل هؤلائك.

وذكر بعض القبط : أن رجلا من بني الكهنة الذين قتلهم أسباذ ببلاد الفرنج ، واجتمع بملكهم فذكروا له بلاد مصر ، وأعمالها وعمائرها ، ونيلها ، وعجائبها وكثرة خيراتها ومفترجاتها ، وكنوزها واعتدال هوائها فتاقت نفس الملك للدخول إليها.

فقال الكاهن : كيف الحيلة حتى ندخلها فطمئن له تبطيل ذلك كله ، وأن يبلغوا جميع ما يريدوا منها. وأخذ بالتجهيز إليها.

فقال المؤلف : وقد اتصل الخبر بالملك صا فعمد إلى جبل بين البحر المالح وشرقي النيل ، فأصعد إليه أكثر كنوزه وخزائنه ، وبنى عليها قبابا قد صفح ظاهرها بالرصاص وأمرهم أن ينحتوا جوانب الجبل ، فنحتوها إلى خمسين ذراعا. وجعلوا في أبنيتها المنحوتة منه طرزا بارزا قدر ذراع ، وهو جبل مدور رفيع السمك بين جبال وعرة ففرغ من تحصين كنوزه واستعد للقاء عدوه.

وأما ملك الفرنج :

فإنه لما تجهز له في ألف / مركب وصوب مصرا ، فكان لا يمر بشيء من أعمال مصر إلا هدمها وأبطل حركات طلسماتها ، وهدم مصانعها ومنائرها بمعونة ذلك الكاهن ،

١٢٥

فدخل الإسكندرية الأولى ، فعاث فيها وأتلف كثيرا من معالمها ، ثم اجتاز من ناحية رشيد وسار حتى أتى منف.

فخرج إليه أهل النواحي ، فحاربوه محاربة شديدة ثم قصد المدينة الداخلة لأجل كنوزها ، فوجدها ممتنعة بالطلسمات الشداد ، والأعلام العظام ، والمياه العميقة ، والخنادق السافلة والسداخات الهائلة. فأقام عليها يعالجها أياما فما استطاع تبطيل شيء منها ، واشتد عليه الأمر وطال ، فعمد إلى الكاهن واحتج بما ضمن له فقتله.

وقد هلك جمع كثير من أصحاب الملك الفرنجي ، واجتمع أهل السواد على مراكبه فقتلوا خلقا كثيرا من أصحابه ، وغنموا كثيرا من أمواله وأحرقوا ما بقي منها.

وارتفع الأمر للملك ، فأمر من بقي من السحرة والكهنة أن يخرجوا إليهم ، ويلقوا سحرهم وتحاييلهم على الفرنجي ، ففعلوا وتبع تهاويلهم ريحا عاصفة فأهلكت من تأخر منهم.

ورجع الملك وحيدا دون جيشه وماله مع جراحات أصابته زيادة على ما بيده.

ورجع الناس إلى أماكنهم منصورين غانمين. ودخل الملك صا منف ، وأقام بها وكنوزه بمكانها إلى وقتنا هذا.

ثم أنه أخذ باله من الفرنج ولا يزال يغزوهم ويغزو بلاد الروم مع جزائرها حتى خرب أكثرها ، وعمد إلى الكهنة ، فقتل منها خلقا.

وأقام ملكا سبعا وستين سنة ، وعمّر مائة وسبعين سنة ودفن في منف في ناووسه الذي عمله لنفسه في وسط المدينة تحت الأرض ، وجعل المدخل الذي يدخل إليه من خارج المدينة من الجهة الغربية ، وحمل إليه مالا عظيما ، وجوهرا كثيرا ، وتماثيل وطلسمات وغير ذلك.

وكان فيه أربعة آلاف تمثال من ذهب على صور شتى ، وتمثال عقاب من ذهب وجوهر أخضر ، وجعل عند رأسه تمثال ثعبان من ذهب / مشبّك عند رجليه ، وزبر اسمه ، وقهره للملوك وسيرته وعهد إلى ابنه :

تدارس الملك :

وهو أول من ملك الأحيان كلها بعد أبيه وصفا له الملك في مصر ، وكان تدارس محنكا مجربا ذا يد وقوة ومعرفة فأظهر في الرعية العدل. وبنى غربي منف بيتا عظيما للزهرة وكان صنم الزهرة من الأزورد مذهب بتاج من ذهب يلوح بزرقة وسوره بسوار من زبرجد أخضر ، وكان في صورة امرأة لها ذؤابتان (ضفيرتان) من ذهب مدبر أسود وفي رجلها خلخالان من حجر أحمر شفاف ، ولها نعلان من ذهب ، وفي يدها قضيب مرجان

١٢٦

كأنها تشير بسبابتها كالمسلمة على من في الهيكل.

وجعل حذاها من الجانب الآخر تمثال بقرة قرونها وضرعها من نحاس أحمر مموه بذهب موشحة بحجر الأزورد ، ووجهها محاذيا لوجه الزهرة. وجعل بينهما مطهرة من أخلاط الأجساد على عمود رخام مجزع فيها ماء مدبر بالزهرة شفاء من كل داء. وفرش أرض الهيكل الكراسي بحشيشة الزهرة يغيّرونها كل أسبوع.

وجعل في ذلك الهيكل الكراسي لكهنة مصفحة بذهب وفضة وقرب له ألف رأس من الضأن والمعز والطير والوحش فكان يفرشه يمين الزهرة ويساره وكان في القبة صورة زحل راكب على فرس له جناحان ومعه حربة في رأسها شبه رأس الإنسان معلق. وكان على هذا حتى بقر بخت النصر قدمه (١). ويقال : أن تدارس هو الذي حفر خليج سخاو وارتفع مال البلد على يده مائة ... (٢) وخمسون ... دي ... (١).

وقصده بعض عمالقة الشام فخرج إليه تدارس فهزمه ، واستباحه ودخل إلى فلسطين فقتل فيها خلقا وسبى بعض حكمائها وأسكنهم مصر فهابته الملوك.

ولما مضى من ملكه ثلاثين سنة طمع أهل النوبة والزنج في أرضه ، فعاثوا وفسدوا.

فأمر بجميع الجيوش من أعمال مصر ، وأعدّ مراكب / السلاح ، ووجه قائدا يقال له : بلوطس في ثلاثمائة ألف وقائدا في مثلها.

ووجه ثلاثمائة كاهن كل كاهن يعمل أعجوبة فلا زالوا حتى التقوا بجيوش السودان ، وكانوا في زهاء عن ألف ألف فهزموهم وقتلوهم ، وقتلوا كبيرهم أبرح ، وسبى كثيرا منهم ، وطرد خلفهم حتى وصل بلاد الفيلة من الزنج. فأخذ من مموزها ووحوشها كثيرا وزالها وساقها معه إلى مصر.

وعمل على حدود بلده منارات وزبر عليها مسيره ، ونصرته ، وأرّخه ، ولما اطمأنت نفسه اعتل ، ورأى رؤيا تدل على موته فعمل لنفسه ناووسا ، ونقل إليه شيئا كثيرا من الذهب والجوهر ، وزبر اسمه وتاريخه ومنعه بالطلسمات والمهالك.

معاذيوس الملك :

كان في زمنه بنو يوسف عليه‌السلام وأهله فعابوا الأصنام وثلبوها ، فلما رآهم الملك كذلك أمرهم أن ينفردوا في ناحية من البلاد لا يختلط بهم أحد فاقتطعوا بقبلي

__________________

(١) كذا العبارة في المخطوط. وأحسب أنها محرفة وأن أصلها كان : حتى جاء بخت نصّر فهدمه. والله أعلم.

(٢) موضع النقط حروف مفككة تعطي كلمات ولم أتبين قراءتها فجعلت موضعها تلك النقط وما كتب كان كذا بالأصل مكتوب أو ظاهر وما عداه كان بالحمرة فلم يظهر.

١٢٧

منف موضعا انفردوا فيه وجعلوا لأنفسهم معبدا (١) يتلون فيه صحف إبراهيم عليه‌السلام فمكرت القبط عليهم ليخرجوهم من بينهم.

واستأذنوا الملك في ذلك ، قال : قد علمتم بركة (٢) يوسف وما حدث من دفنه من الخير. فسكتوا عنهم.

ثم أن أحد ملوك الكنعانيين تغلّب على أهل الشام وامتنع أهله أن يحملوا الضريبة التي كانت عليهم إلى ملك مصر ، وسألوا الملك أن يغزوا صاحب الشام ، الشام.

قال : أما الشام فلا حاجة لنا فيها ، فإن تعدوا حدودنا (٣) غزوناهم.

وقال القبط : إن الملك معاذيوس كان يوما في هيكل زحل حذاء صورته وقد أجهد نفسه له حتى غشاه نور ، فخاطبه وقال : قد جعلتك ربّا على أهل بلدك أيام حياتك.

فعظم في نفسه ، ورفع أمره لأهل بلده فجاؤوا إلى سدنة ذلك الهيكل ، فقالوا : رأينا نورا ، وسمعنا خطابا ، فأعظموا أمره. فتحير في نفسه ، والتفت عن أمر المملكة تكبرا ، وطلب من الناس أن يدعوه ربّا / وقال لهم : قد علمتم ما خصصت به دون غيري من الملوك ولست للنظر في أمركم ، وقد وليت الملك لولدي أقسامس ، واحتجب عنهم ، وتولى ولده :

أقسامس الملك :

ولبس تاج أبيه ، وأنزل الناس منازلهم ورتب الصنايعية في صنائعهم ، وقسم الكور والأعمال ، وأمر باستنباط العمارات ، وإظهار الصناعات. ووسع ، وأعطى ، ووهب ، وأمر بأن تنظف الهياكل ويتجدد لباسها وأوانيها ، وزاد في قرابينها. وأقام أعلاما كثيرة حول منف ، وجعل أساطين عظام يمشى عليها من بعضها إلى بعض. وعمل برقودة ، وصا ، وبنى فوق الصعيد ، وأسفل الأرض مدنا كثيرة ، وأعلاما وطلسمات. وعمل أكره من فضة على عمل البيضة الفلكية ونقش عليها صور الكواكب السبعة الثابتة وثبتها ، ودهن الصور بالدهن الصيني وركبها على منار في وسط منف.

وعمل في قبة الميزان الذي يعتبر به الناس ميزانا كفتاه من ذهب ، وعلاقته من فضة ، وخيوطه وسلاسله من الذهب ، وعلقه في هيكل الشمس ونقش على أحد كفتيه : حق ، وعلى الأخرى : باطل ، وتحت كفتيه (٤) فصوص منقوش عليها أسماء الكواكب ،

__________________

(١) في صلب المخطوط : مبعدا ، والتصويب من هامشه.

(٢) في المخطوط : بركته ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : جدورنا ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : الكفاه ، وهو تحريف.

١٢٨

فيدخل الظالم والمظلوم فيأخذ كل واحد منهما (١) قضاء ويسمي عليه ما يريده ، ويجعل كل واحد فضة في كفة الظالم وترتفع كفة المظلوم. ومن أراد سفرا ، وكذا من صلاح وفساد ، فلما دخل بخت نصر نقل الميزان إلى بابل.

ومن العجائب التي (٢) عملها :

تنور يشوي بغير وقود ، وقدرا يطبخ بغير نار ، وسكينا منصوبة إذا رأتها بهيمة أقبلت وذبحت نفسها بها. والماء الذي يستحيل نارا. والزجاج الذي يستحيل هواء ، إلى غير ذلك من اليزنج ، والناموس.

وأقام أقسامس أول ولايته سبع سنين في أرغد عيش ، ثم مات وزيره ، فأقام مكانه رجلا من بيت المملكة يقال له : ظلماء بن قومس ، وكان له شجاعا كاتبا كاهنا ساحرا / حكيما رهيبا متصرفا في كل فن ، وكانت نفسه تنازعه الملك.

فلما أقيم دبر أمر المملكة ، وتوسل بخير ، ونظر في مصالح الناس ، فأحبوه ، وفرحوا بولايته ، ولم يجعل له همة إلا إقامة الأعلام ، وعمران الخراب ، وتجديد الهياكل ، وبناء الصخور والمدائن.

ورأى في كهانته أنه سيحدث أمر سماوي وشدة ، فأقام حصونا ، وبنى بناحية رقودة ملاعب ومصانع.

ثم اجتمع إليه القبط ، فشكوا إليه حال الإسرائيليين ، فقال : دعوهم ، وخرج ظلماء إلى مملكة البربر فعاث فيها ، وقتل ، وسبى.

وقيل : أن أقسامس عمل على منارة الإسكندرية مرآة يرى منها بلد الروم ، وأصحاب الجزائر وما يعملون فيها والمراكب والمستعدين.

وأن أقسامس غاب واحتجب مدة ، فأقام عليهم ظلماء أحد عشر سنة يقوم بمصالح أهل البلد ، فلما طالت غيبته عنهم اضطربوا وتغيرت نياتهم على ظلماء ، ثم سألوه عن أمره فقال : قد تخلى عنكم وقلد ولده :

لاطس الملك بن أقسامس :

حكايته عجيبة وهو آخر الملوك ، وبه نختم الكتاب.

جلس على سرير الملك ، وتتوج بتاج أبيه وكان جريئا معجبا سلقا ، فجمع الناس وقال لهم : اعلموا أني مستقيم لكم ما استقمتم ، ومعوج عليكم إن اعوججتم ، ثم أنه

__________________

(١) في المخطوط : منهم ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : الذي ، وهو تحريف.

١٢٩

وعدهم جميلا ، وأمر ونهى ، وألزم الناس أعمالهم ، وحطّ جماعة عن مراتبهم ، وصرف ظلماء عن ما كان عليه من خلافته ، واستخلف مكانه رجلا يقال له : لا يفوق ، وهو من ولد صاء الأكبر بن تداروس فدفع إليه الملك خاتمه.

وكان كاهنا كاتبا ، وأنفذ ظلماء عاملا على الصعيد وأنفذ معه جماعة من الإسرائيليين. والتفت الملك إلى تدبير مملكته ، فتفقد النواحي فساعد أهلها ووسع عليهم وطنهم وآمنهم ، وسد الترع المسدة ، وأقام لهم ما انقض من الأبنية وعلا الجسور ، وعقد المنافذ ، وبنى القناطر ، وأصلح ما فسد ، وجدد ما انهدم / وأقام ما كان وكف.

ثم أنه أثار معادن كثيرة وكنز منها كنوزا في صحراء الشرق. واستعمل الأواني المصنوعة من الجواهر الخضر والزجاج الملون وغير ذلك.

فلما تهيأ له ما كان في عزمه ، واستقر بملكه ، اجتمع الناس على اتباع أمره ونهيه ، وأمر الخاص والعام من جنده أن لا يجلس أحد منهم في قصره بل يقفوا بين يديه ممتثلين لأمره ونهيه إلى وقت انصرافهم من عنده.

وتكبر ، وطغى ، وتجبّر ، وزاد في البأس (١) والعنف بهم حتى أنه ضيق عليهم في أسبابهم فمنعهم فضول أموالهم وقال : اقتصروا على قوتكم لا غير ، وجمع أموالهم ، واستعبد بني إسرائيل وقتل جماعة من الكهان ، فأبغضه الخاص والعام.

وأما ظلماء وهو فرعون :

لما أن صرفه (٢) الملك عن مصر أخذ في نفسه منه ونوى له غدرا ، فلما أتم أمره في مكانه على عمله منع الناس أن يحملوا للملك خراجه.

وعمد إلى المعادن التي أثارها لاطس فأضافها لنفسه ، وحال بينه وبينها.

وكان لظلماء صاحب يثق به ، فأشار على ظلماء أن يطلب الملك لنفسه ، وقال له : سيكون لك أمر.

فقال : قد رأيت مثل هذا لنفسي.

ثم أن ظلماء كاتب وجوه أهل البلد باجتماعهم عليه ، ووعدهم بالبذل والهبات والمنح والتحف والمكرمات.

وفي بعض كتبهم :

أن روحانيا ظهر لظلماء وقال : أطيعك إن أطعتني ، وأقلدك مصر زمانا على أن

__________________

(١) في المخطوط : الناس ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط على هذا الرسم : انصرفه ، وهو تحريف.

١٣٠

تقرب لي كذا ، وتفعل كذا ، وذكر شيئا من الكفر فأجابه لما سأله.

وكان لظلماء رسولا لرؤساء مصر ، وكان يتصور في صور بعضهم ، فيدخل إليهم واحدا بعد واحد ، ويشير على كل واحد منهم بتمليك ظلماء عليهم. فمالت نفوسهم لذلك واجتمعوا عليه.

أما لاطس :

لما رأى أن عامله قد منع الجوائر التي تأتي إليه ، وجمع الناس عليه ، وكتب يصرفه عن عمله ، فلم يسمع له قولا ، فوجه إليه قائدا من أهل بيته فقلده مكان ظلماء / وقال : إذا استقر لك الأمر احمل إليّ ظلماء موثقا مهانا ، فلما أقبل ، خرج إليه ظلماء ، فحاربه وعاونه ذلك الروحاني ، فمسكه واعتقله ، فبلغ لاطس أمره وأنه لا طاقة له به فكفّ عنه.

حديث موسى عليه‌السلام مع فرعون :

لما سكت عنه الملك زاد تجبره وطغيانه ، ولم يجعل له دأبا إلا الظلم والبغي والعدوان ، وأقام يمجد السحرة وجمعهم عليه ، فكان يسلطهم بالسحر والتخاييل والتهاويل على كل من قصده بسوء. فسمع الملوك بأمره فقطعوا آمالهم عن وصولهم إلى ناحيته.

وزاد في تجبره وطغيانه ، وأرسل الله تعالى إليه موسى عليه‌السلام بعصاه فجاء إليه ، وأمره بعبادة الله تعالى ، فرآه فعرفه.

وقال : أما ربيناك طفلا ، ولبثت فينا مدة ، وفعلت؟

قال : رأيتك على غير دين الله ، فخشيت عاقبة أمرك ، ففررت منك ، والآن بأمر الله تعالى قد جئتك ، فإن أنت أسلمت سلمت ، وإلّا فالهلاك أمامك ، وأراه من المعجزات ما أزعجه وهاله.

فأمر بإحضار السحرة ، ففعلوا من سحرهم شيئا مرجفا ، فتكلم موسى عليه‌السلام بكلمات من كتاب الله تعالى ، فبطل ما عملوا.

فقال له فرعون : من أين لك يا موسى هذا؟ أسحرة بلدي علموك أو تعلمته بعد خروجك من عندنا؟ ومن أين لك هذا الناموس؟ قال : هذا ناموس السماء ، وليس هو من نواميس الأرض.

قال : ومن صاحبه؟

قال : صاحب البنية العلياء.

فأمر السحرة والكهنة ، وأصحاب النواميس ، وقال : اعرضوا عليه وعليّ أرفع

١٣١

اعمالكم ، فإني ارى نواميس هذا رفيعة جدا. فعرضوا (١) عليه أعمالهم ، فسّرّ سرورا كثيرا ، وزعم أنه بها من أمر موسى مأمون ، فأحضر موسى عليه‌السلام وقال له : قد وقفت على سحرك ، وعندي من يوفي عليك.

يقول له ذلك ، والرعب في قلبه من موسى عليه‌السلام ، لأنه حين رآه ألقى الرعب في قلبه. فوعدهم ليوم عيدهم على أن من غلب منهما / اتبعه الآخر. وكان جماعة من البلد اتبعوا موسى (٢) عليه‌السلام ، وآمنوا به ، ففطن بهم فرعون فقتلهم.

عدة سحرة فرعون وجمعهم يوم الزينة :

فلما كان يوم عيدهم حضروا جميعهم ، وكان عدد السحرة على ما قيل : مائتي ألف ، وأربعين ألفا ، فعملوا من السحر والتماثيل والتهاويل ما يحير العقول ، من دخن ملون يرى منه وجوها ملونة ومشوهة ، منها : الطويل والقصير والمكريج والعريض ومنها المقلوب جبهته إلى أسفل ، ولخيته إلى فوق.

ومنها : ما له قرون ، ومنها : ما له خرطوم ومنها : ما له أنياب بارزة كالفيلة ، ومنها : ما له رأس ، ومنها : ما له آذان كآذان الفيلة ، ومنها ما هو يشبه القردة والشياطين والأبالسة والمردة.

ومن كل فن وصورة وذوو أجسام عظام تبتلع السحاب ، وحيات كالجبال بأجنحة تطير في الهواء ، ثم تصدم بعضها بعضا ، وحيات يشج النار من أفواهها تكاد تحرق الحاضرين. وحيات تطير ثم ترجع فتبتلع الحاضرين ، وعصى الخلق في الهوى وتصير حيات بشعور وأذناب ، فتهجم على الناس فتنهشهم بأفواهها ، وتلطشهم بأذيالها. ومنها ما له قوائم كقوائم البخت ، وأظهروا تماثيل في خلوق الشياطين.

وعملوا أدخنة تغشي الأبصار عن النظر ، فلا يرى بعضهم بعضا فيسمع لها أصواتا مخوّفة. ودخنوا بدخن يظهر للناظرين أشكالا حيوانية في صورة الثيران ترى في الجو راكبة على دواب تشاكلها ، ويصدم بعضها بعضا ، فتسمع لها قعاقع ، وضجة ، وأشكالا ، وأشباحا خضراء على دواب خضر ، وصور أسود هائلة تميل على الناس تكاد تحرقهم ، وتخطفهم وأشياء كثيرة من هذا الضرب. فلما رأى فرعون ذلك سرّ سرورا كثيرا.

وأما موسى عليه‌السلام :

لما شاهد ذلك لم يرعه شيء ، وعلم أنها أفعال موهمة ، وإنما خاف الفتنة على من

__________________

(١) في المخطوط تكررت كلمة : فعرضوا ، فحذفت التكرار.

(٢) في المخطوط : اتبعوا إلى موسى ، وكلمة «إلى» زيادة فحذفتها.

١٣٢

آمن معه أن يرجعوا وكان / للسحرة ثلاثة رؤساء.

وقيل : اثنان وسبعون رأسا ، ونزل جبريل على موسى عليهما‌السلام فقال : لا تخف إنك أنت الأعلى ، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ، وعند ذلك طمع في إيمان الناس به ، وفي سلامة من آمن معه.

ثم أنه اجتمع على أعضاء السحرة وأسرّ إليهم : قد رأيت ما صنعتم ، فإن أبطلته وقهرتكم تؤمنوا بالله؟

قالوا : نشهد لنفعلن.

فرآه فرعون وهو يشاورهم ، فهم بتعجيل إتلافهم ثم أنه توقف ليقف على حقيقة أمرهم. وكان على موسى وأخيه عليهما‌السلام درّاعتان من صوف ، وقد احتزما بحبل من الليف ، وبيده عصى فسمى الله تعالى ولوحها فحلقت في الجو. ورفعها جبريل عليه‌السلام حتى غابت عن عيونهم.

ثم أقبلت في صورة ثعبان عظيم عيناه تتوقد نارا ، وهما كالرستين العظيمين يصعد من فيه ومنخريه نارا كالجراب ، وهو يزبد ، فلا يقع زبده على شيء إلا أبرصه ، ومنه برصت بنت فرعون ، وهو فاغر فاه فألقت السحرة جميع ما صنعوا.

فأقبلت العصا ، فالتقفت (١) الجميع ، ثم التقفت على غير ما ألقوا وكانوا قد هيأوا مائتي مركب مملوءة حبالا وعصيا ، فابتلعت الجميع بمراكبها وملاحيها. وكان قريبا من قصره عمد وحجارة برسم العمارة فابتلعتها جميعها.

كل ذلك وفرعون ينظر وقد لحقه من الخوف والفزع ما أشغله عن النظر. ثم أقبل الثعبان على القصر ، وكان فرعون في قبة له على جانب القصر يشرف منها على القبة ، وقد احترقت مواضع من قصره بالنار الملتهبة من فم الثعبان فعند ذلك استغاث فرعون بموسى عليه‌السلام. فزجر موسى الثعبان ، فكفّ عن القصر والتفت على الناس ليبتلعهم ، فتهاربوا وأسقطوا على وجوههم ، فمسكه موسى عليه‌السلام فعاد في يده عصا وزال ذلك الأمر المهول.

ورأى الناس بعضهم بعضا ، وتفقدوا مراكبهم / وعمدهم ، فلم يجدوا لها أثر ، وعلموا أن العصى تلقفت الجميع ، فرجعوا إلى أنفسهم ، وقالوا : ليس هذا من فعل الآدميين ، إنما هذا من فعل ملك جبار ، قادر على الأشياء وخالقها وصانعها ، فقال لهم موسى : أوفوا بعهدكم أو أسلطها عليكم ، فتبتلعكم كما ابتلعت غيركم ، فتصيروا إلى النار.

__________________

(١) في المخطوط : فالتققت ، وهو تحريف.

١٣٣

إيمان السحرة بموسى عليه‌السلام :

فلما سمعوا كلامه قالوا : آمنا بربّ العالمين ربّ موسى وهارون.

وقالوا لفرعون : ليس هذا من فعل أهل الأرض ، وإنما هو قدرة إله الصناعات.

فقال لهم فرعون : قد علمت أنكم واطأتموه عليّ وعلى ملكي حسدا منكم.

ثم عمد إليهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم في جذوع النخل.

فكشف الله تعالى عن أبصارهم حتى شاهدوا منازلهم في الجنة. وكذا فعل بآسية رضي الله تعالى عنها. وكذا بحبيب المؤمن ، وقد سبقت أرواحهم الزكية الطاهرة بالإيمان إلى الجنة رضي الله تعالى عنهم.

ظهور آيات موسى عليه‌السلام :

أيد الله تعالى نبيه موسى عليه‌السلام بفتحه المبين ونصره العزيز ، وأظهر الله الآيات والمعجزات منها : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم. ففسدت أنهارهم ، ويبست أزهارهم ، وخرّت أصنامهم ، وطمست طلسماتهم ، وبطلت هياكلهم ، وتهدمت منازلهم ، وتحول ماؤهم دما ، وعيشهم ضفدعا ، وأتلف الجراد زرعهم ، وهدم الماء ديارهم وأتلف جنتهم. فكانت القبط تملأ سقاها من البحر ماء فتجده دما ، ويعجنون خبزهم فيجدوه ضفدعا. ولم يتغير على الإسرائيليين شيء لا ماء ولا عيش.

وقد أصبح فرعون وقومه في غم يزيد ، وهم شديد ، وتغيرت نيات قومه عليه وقالوا : فرعون لا شيء. فالتجأ إلى موسى عليه‌السلام وسأله أن يكون خليفة على ملكه فمنعه وزيره هامان ، ومن بقي من السحرة والكهان. فجمع طائفة من رعيته وأمرهم بقتله ، فاجتمعوا / على ذلك في موضعه الذي هو فيه فأرسل الله تعالى عليهم نارا فأحرقتهم.

ورأى فرعون في نومه : كأن شيخا أخذ برجليه ونكسه على رأسه في حظيرة نار ، وهو يستغيث ويقول : أنا مؤمن بموسى. فانتبه مرعوبا ، فدعا هامان وأخبره وقال : ما بعد هذا إلا الإيمان بموسى عليه‌السلام.

فقال : إن فعلت استخفت الرعية بك وسلبت ملكك ، ولكن تلطف به وعده الإيمان به.

فجعل فرعون يرسل إلى موسى سرا ويعده ويستنظر ، فكان كلما مرّ أجل ولم يؤمن به زاد به البلاء ، واشتد عليهم الأمر ، وكثرت آفاتهم. فخاف الناس موسى وهابوه وعظموه ، وآمن به كثير من الناس ، وانصرف البلاء عن المؤمنين وحقّت كلمة العذاب على الكافرين. واشتد (١) الأمر على فرعون ، فأحضر موسى ، وتلطف به وخضع لجنابه ،

__________________

(١) في المخطوط : وقد ، وهو تحريف.

١٣٤

وقال : إن أنا آمنت بك فماذا لي عندك؟

قال له موسى عليه‌السلام : أرد عليك شبابك وأضعف أمرك وتأمن بأمر الله من جميع الفتن والعلل ، ويبقى ملكك ، وتكون يدك أعلى يدا على (١) غيرك.

[قال](٢) : قد (٣) فعلت. فقد أنصفت ، انظرني إلى وقت ، فاجتمع بهامان فمنعه ، فلما يئس من إيمانه قال له موسى : أرسل معي بني إسرائيل.

قال : تريد أن تكون ملكا على بني إسرائيل؟

قال له موسى عليه‌السلام : فاخرج عن ادعائك الربوبية (٤).

قال : إذا أنقص وأسقط من أعين الناس.

قال : إن إلهي سيهلك وقومك ، والتفت عنه. فاتصل الخبر بلاطس الملك ، فخرج إليه في جيش كثيف ولاقاه فرعون بجنده وعسكره والروماني الذي معه ، فهزم لاطس فظفر به وقتله ، وسار فرعون حتى دخل منف ، فعاث فيها ونزل قصر المملكة ، وجلس على سرير الملك واحتاط على حواصله وفتح خزائنه.

وكان فرعون : قصيرا ، طويل اللحية ، أشهل العينين ، عينه اليسرى / صغيرة ، وهو أعرج وفي جبينه شامة.

فلما استقر أمره ، جمع الناس وفرق عليهم العطايا ، وأرسل للوجوه الهدايا ، وبذل الأموال ، وأعطى الجوائز ، ووسع في المواهب وأرضى من أطاعه ، وانتقم ممن خالفه.

فأحبه الناس ، وأذعنوا له ، واجتمعوا على كلمته حتى اعتدل أمره ، فبنى وشيد وحصّن وحفر خلجانا ورتب أشياء ابتكرها وهو الذي عرف العرفاء.

ولما كلم الله تعالى موسى على جبل الطور : أمره أن يأتي فرعون وأيده بأخيه هارون عليه‌السلام ، فذهبا إليه فقالا له : إنّا رسل الله إليك ، ارجع إلى الله تعالى ودع عنك ما أنت فيه وعليه ، وارسل معنا بني إسرائيل. فأنف من قولهما ، فكررا عليه القول ، فأمر بقتلهما ، فمنعهما الله منه. وجاءت صورة عظيمة فمسحت على عيون رسل فرعون الذين أمروا بقتلهم ، فعموا ، فأمر آخرين فرأى نارا توقد حملت أرواحهم إلى النار.

فعند ذلك دعاه ، وقال : يا موسى ، أنا أؤمن بك سرا ، وسأقرب لإلهك قربانا كثيرا.

__________________

(١) في المخطوط : إلى ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) في المخطوط : فإن ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : الربوبيته ، وهو تحريف.

١٣٥

قال : لا يقبل الله منها شيئا ما دمت على حالتك هذه.

فقال : دونك بني إسرائيل ، وأمرهم بالتعدية مع موسى عليه‌السلام إلى ناحية بحر القلزم. وكان موسى عليه‌السلام عرّف فرعون بعلامة هلاكه.

فقال : إذا رأيتها فهي إمارة هلاكك.

فعند مضيه وبني إسرائيل معه تساقطت الأصنام وتنكست الأعلام. فرأى ذلك فخشي على نفسه وملكه فنادى باجتماع جيشه ورعيته ، وأن لا يتأخر أحد من الخاص والعام إلا حضر بأسلحتهم وخيولهم.

فقال : من بقي؟

قالوا : لم يتأخر أحد.

فقيل : إن عدتهم فرسانا ورجالا وأتباعا ستمائة ألف ألف ، وقال : زيادة.

وقال : الحقوا بني إسرائيل.

/ فكانوا لا يمرون بأصنام إلا تساقطت ولا بأعلام إلا تنكست ، وكان ذلك علامة خذلانهم وهلاكهم. فلم يزالوا مجدين في سيرهم حتى لحقوا بهم على عبر البحر.

فلما عاينهم موسى [عليه‌السلام] قال لهارون [عليه‌السلام] : الحق بأبي العباس وقال له : يكف عنا موجه. ففعل فجاء موسى [عليه‌السلام] ، وضربه بعصاه فانكشف أرضه فدخله هو وبني إسرائيل مشاة على أرضه فتوسطوا البحر والماء يظلهم ، وقد جعل لكل سبط طريقا وصار الماء كالشبابيك يرى منها القوم بعضهم بعضا. فجعل فرعون يسوق الفحل يريد أن يدخل لبني إسرائيل البحر ، فلم يقبل إليه كان طاردا. حتى أرسل الله تعالى جبريل عليه‌السلام على فرس بلقاء ، ودخل البحر فتبعه قومه ولم يتأخر منهم أحد ، فلما توسطوا البحر ، وقد خرج موسى عليه‌السلام وبني إسرائيل إلى العبر الآخر ، فأمر البحر أن يأخذ فرعون وقومه ، فانطبق عليهم.

فلما أدرك فرعون الغرق قال : أدركني يا موسى ، فقد آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل الآن وأنا من المسلمين ، فألجمه جبريل عليه‌السلام بحماة البحر فضرب بها فمه ، فغرق الجميع ، وعجل الله تعالى بأرواحهم إلى النار ، ثم طرحهم البحر. وبقي فرعون حتى رؤي وغرق.

اللهم اهدنا ولا تضلنا ، وتوفنا على الإيمان كما خلقتنا آمين يا رب العالمين.

١٣٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[قال] صاحب كتاب طب النفوس

إن عليه صاحب كتاب سرور تدوير أخبار الأمم / الماضية ، والقرون الخالية ، وما وقع لهم ، وما أوجده الله في كل من عظيم قدرته ولطيف حكمته ما دل به على وحدانيته مما أظهره لعباده وفوقه لبلاده مما يبهر العقول ويحير المعقول. ولو لا ضبط العلماء ذلك قديما وحديثا (١) لبطل أول العلم وضاع آخره ، وكان الناس لا تعلم خبر من تقدمهم من العالم ولا شرائعهم ولا أحوالهم ، فالعلوم والتواريخ تستنبط ، والفصاحة منه تستفاد ، وأصحاب القياس عليها ، وأرباب المقالات بها يحتجبون الناس ، منها تؤخذ أمثال ، والحكماء توجد ، ومكارم الأخلاق ، ومعالم منها نقتبس ، وأدب سياسة المال والحرب منها يلتمس ، وكل غريبة منها تعرف ، وكل أعجوبة منها توصف ، يستمد به العالم والجاهل ، ويستعذب موارده الأحمق والعاقل ، ويستحسن به الخاص والعام ، وغيرهم من الفصحاء والأعجام وتبين به فضيلة علم الأخبار صحيحة فصيحة.

كما قال بعضهم :

لم يبق يوما لدينا ما نسر به

إلا التواريخ فيها العلم والأدب

تنبئك أخبار ما قد باد من أمم

من الملوك عجاما كن أو عرب

عجائب الأرض تنظرها إذا قرئت

عليك أوصافها بالنعت في الكتب

هي البساتين للجافي حدائقها

من العلوم لصبّ بات مغترب

والكتاب هو الذي يطيعك في الليل كطاعته لك في النهار ، ويعطيك في السفر ، ولا يخالفك في الحضر ، ووصف نفسه أنه علم بالقلم ، وكما أتى أيضا أنه ديوان الكرم.

قال بعضهم :

لما علمت بأني ليس ينصفني

صحيح ولم أنال بهم ما رمت من إرب

فصرت في البيت مسرورا بوقتهم

خال من الإثم والفحشاء والنهب

__________________

(١) في المخطوط : حديثهم ، وهو تحريف.

١٣٧

مناديا لعلوم صرت آلفها

مع التواريخ إذ دون في الكتب

المؤنسون هم اللائي عنيت بهم

فليس لي في جليس غيرهم إرب

وقال بعضهم :

لزمت الانفراد وحشت وحدي

وأونس بالكتاب عن الصحاب

فروضي والنديم وكأس خمري

ومن أهوى جميعا في كتابي

وقال بعضهم :

وما الكتاب إلا كالضيوف وحقها

بأن تتلقى بالقبول وأن تقرى

ومن كان ذا جهل يمضون طيها

فذاك حمار والبهائم ما تقرى

وقال بعضهم :

وما شغفي بالكتب إلا لأنها

تسامرني من غير غيّ ولا ضجر

وأحسن من ذا أنها في صحابنا

تحاذر تكليفي وتقنع بالنظر

وقد ذهب بعض السلف لإعارة الكتب تلف :

فلا شكر للكتب ما دمت حيا معيرا

فإن فعلت فأنت عاقلا نحريرا

وروي الألباب فهو عن إعارة الكتاب ولا سيما للإخوان والأصحاب ؛

فقل من استعار كتابا رده ،

ودخل خزائنه فمن جملة كتبها ،

فالاعتذار عن العارية أجمل

وبقاء كتابك عندك أعدل

وهو الصواب وما يتذكر إلا أولوا الألباب.

قال بعضهم في النهي عن العارية :

أحد تعير كتابا أنت مالكه

فما تراه ولو بالغت في الطلب

في حال إعطائه أنت الرئيس وإن

طلبته فأنت نذل سيء الأصل

تنشأ العداوة فيما بينكم وإذا

وإن تركت فقهر مورث الكسل

فلا تعره تعش في الأمن مطمئن

وغاية الأمر تقضي فيه للعتل

/ وقد كان عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه لا يزال ملازما لذلك ، وفي يده كتاب يقرؤه عن ذلك فقال : كم من واعظا أوعظ من قبر ، وجليسا آنس من كتاب ، والمقابر لا يملون جلوسي ، والكتاب لا ينفر من تأنيسي.

فقيل له : فثم من لا يراه!

١٣٨

فقال ارتجالا في حق من لا يفهم ما في الكتاب ، هذين البيتين :

حوامل للأسفار لا علم عندهم

بأخبارها إلا كعلم الأباعر

لعمرك لا يدري البعير إذا غدا

بأحماله إذ راح ما في الغرائب

فالتواريخ : مخبرة عن الموتى ، مترجمة عن الأحياء ، فلا صاحب أحب منه أخلاقا ، ولا صديق أوفى منه ميثاقا ، لا يغضب إن هجرته ، ولا يتخلف إن طلبته ، يزيدك علما بالمطالعة ، ويفيدك فضلا بالمراجعة فإن صنته كان ذلك خير نديم ، وإن أعرته لم تراه بدارك مقيم ، فاحفظه (١) جهدك يكون أنيسك إذا كنت وحدك ، وكثرة الصواب حفظ ما عندك من كتاب.

نبذة من خبر إرم ذات العماد

وذلك ما رواه أبو إسحاق الثعلبي عن عبد الله بن قلابة : وذلك أنه خرج في طلب إبل له ضلت (٢) وشردت ، فبينما هو يدور في طلبها في صحارى عدن إذ وقع على مدينة عظيمة في تلك الفلوات عليها حصن عظيم ، وحول ذلك الحصن قصور كثيرة ، فلما رآها ظن بها سكان ، فلما قرب منها لم ير بها أحد. فنزل عن دابته وعقلها ، ودخل من بابها وإذا ببابين عظيمين ، وهما مرصعان بالجواهر واليواقيت النفيسة ، وبداخلها قصور كثيرة كلها (٣) مرقون على أعمدة الدر والزبرجد ، والياقوت ، وفوق كل قصر منها غرف ، وفوقها مجالس ، الجميع مبني بلبن الذهب والفضة / وحيطان القصر مرصعة (٤) باللؤلؤ واليواقيت والمعادن النفيسة ، وأبواب الغرف مثل أبواب المدينة ، أرضها مفروشة جميعها بالمسك والزعفران. وحصباؤها اللؤلؤ والمعادن والجواهر واليواقيت وشجرها جميعا أصناف من ذهب وثمرها من المعادن المختلفة الألوان تحت الأشجار أنهار مطردة تجري في أرض مفروشة ببلاط الذهب ، ومعادن مجوفة تدخل الريح من أدبارها فتصوت أصواتا عجيبة يذهل السامع طيب ألحانها.

قال الرجل : والذي بعث محمدا بالحق نبيا : إن هذه الجنة التي وعدناها من ربنا على لسان نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتابه العزيز وحمل معه لؤلؤها وحصبائها أزاد ، وعجز أن يقلع مما هو في حيطانها وأبوابها شيء لير صنيعه.

وسار إلى اليمن ، وأظهر ما معه ، وأعلم الناس بما رأى ، فبلغ أمره لمعاوية ،

__________________

(١) في المخطوط : فاخفضه ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : ظلت ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : كلهم ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : المرصعين ، وهو تحريف.

١٣٩

فأرسل في طلبه ، ثم لما حضر عنده سأله عنها بما سمع عنه ، فأخبره الخبر. فأرسل معاوية لكعب الأحبار ، فلما حضر قال له معاوية : هل تعرف في الدنيا مدينة مبنية من ذهب وفضة ومعادن؟

قال : نعم ، هي إرم ذات العماد التي بناها شداد بن عاد ، وهي التي وصفها الله تعالى في كتابه. وذلك أن عادا الأول ، وليس هو عاد الذي أرسل إليه هود عليه‌السلام ، ولكن إنما كان لعاد الأول ولدين أحدهم اسمه : شديد ، والآخر : شداد ، فهلك عاد ، فبقي ولداه بعده ، وملكا دهرا طويلا ، وقهرا من كان في الدنيا من ملوكها ، وملكها.

فلما مات شديد انفرد شداد بالملك وحده وكان مولعا بقراءة الكتب ، فقرأ (١) في بعضها وصف الجنة وبنائها وأشجارها فدعته نفسه أن يبني مدينة مثلها على وصفها ونعتها عتوا على الله ، وتجبرا ، فأمر ببناء تلك المدينة ، أقام على بنائها ألف قهرمان / تحت يد كل قهرمان ألف صانع.

وكتب إلى من تحت يده من ملوك الدنيا أن يجمعوا ما على وجه الأرض وتحتها من ذهب وفضة ومعادن وفتح هو ما كان لآبائه من كنوز وذخائر حتى لم يدع على وجه الأرض من ذلك شيئا وما تحتها مما وصلت عدتهم إليه ، وكان عدة ملوك الدنيا الذين هم تحت يده مائتان وستون ملكا متوجه ، وهو ملك الدنيا جميعا. وأمر بجوب الأرض إلى أن وقعوا على أرض حسنة نقية من الجبال والأوعار ، وبها عيون سارحة ، وأنهار جارية.

فقدروا أساسها وجعلوه من الجنة اليماني وأقاموا في بنائها مع الجد / والتشمير ثلاثمائة سنة ، وكان عمر شداد تسعمائة سنة. ثم جعل بدائرها سورا عظيما له ألف برج ، وعلى كل برج قصرا عظيما ، وجعلها (٢) سكنا لوزرائه. فلما بلغوا تمام العمل أمر الوزراء بالاهتمام في التحول إليها فمكثوا مع عظيم الاجتهاد لذلك عشر سنين.

وسار شداد بجيشه وخواص مملكته حتى قرب منها ورأى لمعان حيطانها ، وبريق معادنها ، وإذا صيحة من السماء ، فهلكوا جميعا عن آخرهم ولم يبق منهم أحد.

وسيدخلها رجل من المسلمين في أيامك ، وصفته رجل أحمر اللون ، أشقر الشعر ، قصير ، على حاجبه خال وعلى عنقه خال. تذهب له إبل فيخرج في طلبها فيراها ، فيدخلها ، ثم نظر في القاضي فرآه ، فقال : والله هو هذا ، قلت : لما هلك شداد وبلغ الخبر لولده مرتد خالا لأبيه ، وكان استخلفه على حضر موت بعده ، فطلا جسده بالمر

__________________

(١) في المخطوط : قرأ ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : وجعلهم ، وهو تحريف.

١٤٠