مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة المحقق

الحمد لله ... ثم الحمد لله ... ثم الحمد لله (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [التوبة : ٩٤] خلق ما تعلمون وما لا تعلمون (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [البقرة : ٢٥٥] ، (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر : ٣١] ، سبحانه أراد أن يعلمنا أن (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٧٦) [يوسف : ٧٦] سبحانه لا يعلم قدره غيره ، وأخشانا له أعلمنا به وأتقانا (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] حيث علموا بما أعلمهم ما لم نعلم فخشوه بما علموا من بعض عظيم قدرته وقدره ، ومع هذا قال : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الزمر : ٦٧ ، الأنعام : ٩١ ، الحج : ٧٤].

وأشهد أن لا إله إلا الله سبحانه وتعالى لا شريك له ، علم ما كان وما قبل ما كان ، وما وراء الأكوان جلّ شأنه مكون الأكوان بما لا تدركه الأذهان. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم القائل : «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا وضحتكم قليلا». فقام إعظاما لما علم من قدر ربه عزوجل حتى تورمت قدماه ، وقال : أفلا أكون عبدا شكورا ، فعبد على قدر طاقته واستطاعته ليوفي شيئا من قدره فقضى نهاره صائما ووصله بالليل قائما.

وقالت ملائكة الرحمن : «سبحانك ما عبدناك حق عبادتك» بعد أن قضوا أعمارهم في طاعته دون أدنى معصية (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦)) [التحريم : ٦] ، فإنه من البديهي أن تظهر عظمة المخلوق بعضا من عظيم قدرة الخالق ، ففي ملموساتنا ومحسوساتنا مثلا ، انظر إلى الدنيا واتساعها تشعر بأنه الواسع ، وبقدر رهبة النهار يتجلى لك أنه المبين ، وبقدر هبة الليل وظلمته وإخفاءه تشعر بأنه الباطن ، وكيف يلبس الليل بالنهار والنهار بالليل ، ولو تدبرنا أمرا واحدا مما علمناه أو بالأحرى عرفنا شيئا عنه لفني عمرنا وحارت عقولنا وما علمنا عنه غير أقل من القليل وعرفنا شيئا من عظيم قدرته وجليل علمه سبحانه وتعالى العليم الحكيم لا يعلم قدره غيره.

أما بعد :

فعن هذا الكتاب ، فقد خاض بنا مؤلفه رحمنا الله وإياه عباب بحور الدنيا ومحيطاتها ، وهام بنا في براريها ، وصعد بنا جبالها ومشى بنا في سهولها ، وولج بنا

٥

غاباتها ، وطوّف بنا في أقطار الأرض شرقها وغربها ، جنوبها وشمالها ، صعد بنا في سمواتها وتجول بين كواكبها ، ثم عاد بنا إلى أرضها وبشرها. وذكر لنا طرفا من غرائب طبائع أهلها وعجائب ما عملوا ومبهر ما صنعوا ، واختلاف أخلاقهم شرها وخيرها ، وأنبيائهم وفجارهم ، وملوكهم وصعاليكهم ، وسادتهم وعبيدهم ، فكان يفيد أحيانا كثيرة ويجانبه الصواب أحيانا أخرى.

ووعظ فأثر ، ونصح فأرشد ، وحذّر فأرهب.

وتكلم عن البحار وعجائبها ، والمياه وغرائبها ، والآبار وخصائصها ، والأشجار وصفات ثمارها ، والوحوش وأطباعها ، والبشر وأخلاقهم حميدها وذميمها.

وتكلم عما منح الله لهم من العلوم العجيبة والغريبة غير العلوم المعلومة أو المعروفة الملموسة والمحسوسة والمشاهدة.

فتكلم عمن تعلم علوم السحر ، وأحكم علوم الطلاسم ، ومن أبدع في الكيمياء ، ومن برع في الطب ، ومن تمكن في الهندسة المعمارية ، أو الميكانيكية وما كان يسمى بعلم الاحتيال. وتكلم عن مكر الماكرين وخداعهم وتغريرهم بضحاياهم ، وكيف أن حيلهم قد انطلت على هؤلاء الضحايا وليسوا من عوام الناس ولا من بسطائهم بل هم ملوك في بلادهم أو قادة لجيوش جرارة فوقعوا بسهولة في شراك مكرهم.

وتكلم عن عجائب التماثيل أو الأصنام ، والتي منها عجل السامري ، وكيف أمكن لمن سبق أن يصنع ويحكم مثل تلك التماثيل العجيبة المحيرة مثل التماثيل التي تتحرك بحركة الشمس ، والأخرى التي تتحول من جهة إلى أخرى بتحول فصول السنة الأربعة ، وتلك التي تميز بين الصادق والكاذب ، وما يقوم منها بعمل الحراسة الدقيقة كغلق الأبواب وفتحها ، أو تثبيت الغريب حتى لا يدخل بغير إذن أصحاب الحصون أو حراسها ، أو مثل الموائد التي لا يشبع الجالس إليها من الأكل وإن واصل الأكل ليل نهار ، أو ما ألفوه من الأدوية النافعة من أول مرة أو الضارة القاتلة الفتاكة.

وما عرفوا من خصائص الطير ، والحيوانات ، والسباع ، والأسماك ، وغرائب الأشجار والنباتات ، وعجائب المخلوقات التي لم نقف عليها أو لم نر لها مثيلا في حياتنا من طير وحيوان ونبات حتى أن كلامه أحيانا يكون حقيقيا ولا يكاد يصدقه العقل وهو فيه صادق كل الصدق وما ذلك إلا لشدة غرابته ، والقاعدة تقول : المرء عدو ما جهل.

ثم يأخذ في آخر الكتاب في غرائب الإنسان من حيث الأخلاق والطباع والعادات والتقاليد ، فذكر بعبر ، ونصح بنصائح وذكر في ذلك أشعارا كثيرة غير أنه عند كلامه عن العشق والعاشقين وغرائب ما صنعوا أو قالوا ، فبلا تردد أقول : إنه قد أسرف في سرد

٦

كثير من الأشعار الماجنة غير أني حذفت كثيرا منها خصوصا ما كان مجونه وخلاعته لا يصلح لمسلم أن يتحدث به بين الناس أو أن يقرأه والد أمام ولده أو ولد على مسمع من والده. وتكلم عن البلدان وعادات أهلها وطبائعهم وطول ليلهم ونهارهم ، وفصول السنة وأسماء الشهور القبطية وأحوال الفصول.

وتكلم عن الوفاء والأوفياء ، والكرم والكرماء ، والبخل والبخلاء.

ثم ختم الكتاب بشعر له طيب رقيق أسأل الله أن يتقبله منه وأن يجعله في صحيفة حسناته يوم القيامة ، وأن يختم لنا بالإيمان الكامل. وقبل أن أختم أنا التعريف بهذا الكتاب أذكرك أخي القارىء ، بهذا الشعر عساه ينفعني وإياك وقد سمعته من أخ فاضل ورجل أزهري جليل هو الأستاذ الشيخ شحات محمود الصاوي وقد حدثني به في زيارة له مني وفي أثناء تناولنا لخير الكلام وهو الدعوة إلى الله تعالى أن يصلح أمور دنيانا وحالها وما وصل إليه حال القائمين بها وأمراضهم وعلاجهم ، فقال رحمه‌الله شعرا أخبر أنه سمعه أثناء تواجده باليمن للتدريس :

إذا كثر الكلام فأسكتوني

فإن الدين يهدمه الكلام

وإن طال المنام فأيقظوني

فإن العمر ينقصه المنام

وإن كثر الطعام فنبهوني

فإن القلب يفسده الطعام

وإن ظهر المشيب فحذروني

فإن الشيب يتبعه الحمام

أما وقد وهن العظم منا واشتعل الرأس شيبا ، فالله أسأل لي وله ولوالدي ووالديه ولزوجتي ولسائر المسلمين حسن الختام بالموت على دين الإسلام وأن يأخذ بأيدي القائمين على الدعوة إلى طريقه المستقيم ، وأن يفتح لهم آذان وقلوب سامعيهم ، وأن يوقر الإيمان في جذور قلوب الدعاة والمدعوين برحمته وكرمه ، وأن يفك أسر جميع المأسورين ، وأن يحرر بكرمه المسجد الأقصى من أيدي الكافرين والمارقين برحمته وكرمه ، وأصلي وأسلم على سيد المرسلين ، وآمين آمين آمين ، وآخر دعوانا :

(أن الحمد لله رب العالمين)

أبو إسلام

سيد كسروي حسن

القاهرة ، الزاوية الحمراء

في يوم الجمعة ١٥ رجب سنة ١٤٢١ هجرية

الموافق ١٣ / ١٠ / ٢٠٠٠ ميلادية

٧

رأيي في الكتاب

وما استخلصته من قراءته

أما عن رأيي في الكتاب فقد أجملته فيما تقدم من الكلام في خطبة الكتاب.

وأما ما استخلصته منه بعد قراءتي له فهو : أن العلماء القدامى أو من كانوا يسمون بالكهان فقد كانوا من الخبث والنذالة وخسة الطبع بمكان ويظهر ذلك جليا في احتكارهم لما حازوا من علوم وحرصهم الشديد على أن لا يطلع على علومهم إنسان إلا عددا محدودا وفي حدود الاضطرار مؤكدين عليهم على عدم اطلاع غيرهم على تلك المعارف للاستئثار عند الملوك والحكام لتظل حاجتهم إليهم هامة وملحة.

وقد كانوا بحق على علم وفير وتمكن تام من العلوم التي اكتسبوها فقد تمكنوا من عدة علوم خصوصا منها علوم الكيمياء ، والطب ، والفلك ، وخصائص المعادن ، وفنون النحت إلى غير ذلك من العلوم الأخرى الكثيرة.

وقد فاقوا كل من جاء بعدهم حتى في عصرنا هذا الذي نرى أننا قد تقدمنا في العلوم جميعا تقدما مذهلا.

وبإحكام هؤلاء العلماء لتلك العلوم استطاعوا أن يوظفوها في عمل التماثيل الناطقة ، والمتحركة ، والحارسة أو المحافظة على الكنوز والحصون.

واستطاعوا المحافظة على جثث الموتى حتى وصلت إلى عصورنا هذه.

كما برعوا أيضا في عمل الأشياء التي تعمل ذاتيا ، أو بنظام التايمر أو التوقيت ، أو التيرموستات ، كاختراعهم للحمامات الذاتية أو التي تعمل أوتوماتيكيا فتفصل وتعمل من ذاتها ، والساعات أو التماثيل التي تصدر أصواتا كل ساعة من ساعات الليل والنهار يتميز بها الوقت ليلا ونهارا.

وتمكنوا كذلك من عمل القناديل التي تعمل بنفس النظام ، فتضيء إذا دخل الليل وتطفىء عندما يواجهها نور النهار ، وهو ما يشبه في عصرنا هذا باللمبات التي تعمل بالليزر أو الإشعاع أو الأشعة.

وتمكنوا من عمل المرايا التي ينظرون فيها فيعرفون الوقت كالساعة في عصرنا هذا.

وبإحكامهم لعلوم الفلك علموا حركة الكواكب ومداراتها ، ورصدوا سير الرياح

٨

واستطاعوا أن يعرفوا مواقيت المطر والغيوم وبخر البحور والمحيطات ، وما يكون إذا كانت الشمس في مدار معين من مداراتها وما هو تأثير ذلك على النجوم والهواء والسحاب وكيف تكون حالة الجو في مثل تلك الأحوال. واستغلوا ذلك في أمور كثيرة ، كالاتصال والرؤيا مستغلين ذلك الفراغ الكوني الشاسع ، والذي بدأنا نحن في معرفته بعد استخدامهما في علوم الاتصال والرؤيا من خلال التلفاز (المرناة) والهاتف النقال (المسراة) وهو ما يسمى بالموبايل. وكذلك برعوا في علوم الجغرافيا ، فعلموا طبائع الأرض وخصائصها وخصائص الأحجار ، وجيولوجية كل أرض ، فاختاروا من أحجارها ما أقاموا به القصور التي واجهت العوامل الجوية فعاشت أبنيتهم الهندسية والمعمارية إلى أن وصلت إلى عصورنا وإلى متى ستصمد ، فالله وحده هو الذي يعلم. ووصلت إلينا جثث موتاهم التي حنطوها منذ آلاف السنين.

واستطاعوا أن يبنوا المنارات الشهيرة كمنارة الإسكندرية التي كانون يرون فيها ما يدور في أوربا وكأنهم يشاهدون مباراة بين فريقين نشاهدها نحن اليوم ظانين أننا قد سبقنا من سبقنا سبقا كبيرا وفي الحقيقة أننا قد تخلفنا عنهم كثيرا وكثيرا.

أمكنهم عمل المرايا التي ينظرون فيها فيرون أقطار ممالكهم فيعرفوا مناطق الجدب والإخصاب فيستطيعون أن يقدروا من خلالها مقدار ما عليها من خراجات وفروض.

وكذلك تمكنوا من معرفة نوع الجنين ما إذا كان ذكرا أو أنثى من خلال حبات القمح والتبول عليها ، وكذلك من خلال حشرة القمل ، وذلك بوضعها في لبن ثدي المرأة الحامل.

وخلاصة ما أريد أن أقوله هو : أننا في الواقع برغم هذا التقدم العلمي المبهر في مجلات العلوم إلا أننا من وجهة نظري نعتبر قد تخلفنا عن ركب ما يجب أن نكون عليه من العلم الآن بما لا يقل عن ألف سنة بل يزيد فكان يجب أن تكون تلك الاكتشافات قد مضى عليها هذا القدر من الزمان وكان يجب أن نكون قد تقدمنا كثيرا جدا عنهم.

ولئن سألتني عن السبب أجبتك : أن السبب في ذلك ليس إلّا في خبث هؤلاء الكهنة الذين أبوا أن ينشروا علومهم حفاظا على مكانتهم لدى أصحاب السلطان ، وليظل الناس يرهبونهم ويقدسونهم.

فقد كان الناس يقدرونهم قدر الأنبياء عندنا ، والحكام يرهبونهم لما تمكنوا فيه من العلوم ، فالأنبياء يوحى إليهم وعلومهم روحية علمها لهم شديد القوى ، وليست علوم مكتسبة ، أما هؤلاء فعلومهم مكتسبة ولو علموها لمن بعدهم لصار حالنا غير ما هو عليه الآن من تقدم ورقي.

فعلينا أن نبذل جهدا جهيدا كي ندرك شيئا من مكنونات هذا الكون الغريب

٩

العجيب الذي أتقن الله صنعه ووعدنا بأنه سيكشف لنا عن كثير من أسراره فقال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣].

فما علينا إلّا أن نمكّن الإيمان في قلوبنا ، ونمسك بكتاب ربنا في يد ليضيء لنا صفحات الكون فنقلبها بيدنا الأخرى ليفتح الله لنا كنوز وأسرار المعرفة (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) [الحج : ٤٧] ، (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) [التوبة : ١١١] ، (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩].

عفوا أخي القارىء على هذه الإطالة ، فقد اختصرت ما أريد أن أقول اختصارا.

١٠

ترجمة المؤلف

لم يتيسر لي ترجمة المؤلف ترجمة ترضي طموحي أو توضح لي بعضا من جوانب حياته أو تبين موطنه بالتحديد وإن كان يبدو من أول وهلة أنه فارسي الأصل ، ولم يترجم له من ذكره وإنما ذكره لذكره لمؤلفاته ولم يذكروا له صفة سوى قول الأستاذ عمر رضا كحّالة : مؤرخ.

وأما ما تيسر لي من ترجمته :

فهو : إبراهيم بن وصيف شاه.

وفاته : توفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة.

مؤلفاته : أما عن مؤلفاته فإني أذكرها وربما ذكرت منها مؤلف أو أكثر بأكثر من اسم ، والله أعلم ، لعدم يقيني من ذلك. وأنقل ما ذكره له حاجي خليفة في «كشف الظنون» وعمر كحالة في «معجم المؤلفين».

١ ـ جواهر البحور ووقائع الدهور في أخبار الديار المصرية. ويقال له أيضا : جواهر البحور وعجائب الدهور.

٢ ـ أخبار مدينة السوس.

٣ ـ مختصر عجائب الدنيا. وهو كتابنا هذا وقد اختصره من كتاب المسعودي.

٤ ـ كتاب العجائب والغرائب. وربما كان هذا هو الذي قبله وربما كان هذا كتاب له هو قائم بذاته من تأليفه.

هذا ما يسّر الله تعالى من ترجمته ومصادرها :

ـ كشف الظنون لحاجي خليفة (١ / ٣٠ ، ٦١٣ ، ١١٢٦ ، ١٤٣٧).

ـ معجم المصنفين للتونكي (٤ / ٤٦٣ ، ٤٦٤).

ـ معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (١ / ١٢٥).

١١

منهج التحقيق

أما عن منهجي في تحقيق هذا الكتاب فإنه لم يكن على ما جرت عليه عادتي في تحقيق الكتب السابقة من ضبط المخطوط ، أو تخريج أحاديثه أو إرجاع نصوصه إلى مصادرها ، أو شرح بعض عباراته أو غرائب ألفاظه ، أو التعريف بالأماكن والبلدان ، أو الحكم على الأحاديث بالصحة أو الضعف أو ما إلى ذلك من أحوال الأحاديث ، أو مناقشة بعض فقرات الكتاب تأييدا أو تعقيبا بالضد من ذلك. وإنما اقتصرت في تحقيق هذا الكتاب على ضبط النص وتصويب بعض ما ورد فيه من أخطاء إملائية وقد كانت كثيرة ، واستدراك بعض ما سقط منه. وحذفت منه بعض الكلمات أو الأبيات أو القصائد والأشعار الماجنة لعدم لياقتها ، وأشرت إلى كل ذلك في حينه.

وقد كانت لي بعض التعليقات الطفيفة جدا ، وأود أن أنبه أو أشير إلى أن سكوتي على بعض ما ورد في الكتاب من الأمور التي لا توافق العقل أو الشرع لا يعد إقرارا أو اعترافا مني بصحة ذلك ، وإنما قد أسلفت في خطبة الكتاب أنني لا أعلق على ما يسوقه المؤلف من حكايات أو أخبار.

وقد قدمت للكتاب بمقدمة أو خطبة عرفت فيها بإجمالي ما أورده الكاتب في كتابه وختمتها بإرفاق صور المخطوط.

والله أسأل أن يرحم مؤلفه ومختصره وأن يرزقني وإياكم حسن الختام اللهم آمين.

آمين. آمين.

١٢

وصف المخطوط

ذكر المخطوط في فهرس معهد المخطوطات العربية تحت رقم (٣٧) جغرافيا ، باسم «عجائب الدنيا» لمؤلفه إبراهيم بن وصيف شاه.

وذكر ببطاقة التعريف بالمخطوط : باسم «مختصر عجائب الدنيا للمسعودي».

وبإعمال الفكر والتدبر البسيط يظهر أن كلاهما واحد وهو «مختصر عجائب الدنيا» تأليف المسعودي ، واختصار إبراهيم بن وصيف شاه.

وبيانات المخطوط كما يلي :

اسم الكتاب : مختصر عجائب الدنيا ، للمسعودي.

اسم المؤلف : إبراهيم بن وصيف شاه.

تاريخ النسخ : ١٠٩٠ هجرية.

عدد الأوراق : ٢١٠ ورقة.

الفن : جغرافيا.

مكان المخطوط الأصلي : أسعد أفندي بتركيا.

رقم المخطوط الأصلي : ٢٢٤٠.

مكان مصورة المخطوط : معهد المخطوطات العربية بالقاهرة.

رقم مصورة المخطوط : ٣٧.

رقم التصوير ورموزه : ف ٩٣٤ ش ٨٥٨.

عدد أسطر المخطوط : ٢٠ سطر في الصفحة.

عدد الكلمات : من ١٢ إلى ١٣ كلمة في السطر.

نوع الخط : نسخ جميل ومنقوط.

ملاحظات أخرى : جاء بصفحة الغلاف والتي بها اسم الكتاب والذي خلا من اسم المؤلف عدة تملكات للكتاب كان آخرها سنة ١٣٣٥ ، ورقم تصوير المخطوط ، وأربعة أختام للمكتبات التي اقتنته أو تنقل بينها ، والله أعلم.

بهامش المخطوط بعض التصويبات بخط الناسخ. أوراق المخطوط تامة. والحمد لله من قبل ومن بعد ونسأل الله تعالى حسن الختام.

١٣

١٤

١٥

١٦

١٧

١٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله بارىء المسموكات ورازق المخلوقات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربّ الأرض والسموات ، وأشهد أن سيدنا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله خير خلقه وعلى آله وصحبه ما دامت الأرض والسموات.

وبعد ؛ فنبتدىء بذكر الله تعالى وحمده والثناء عليه والشكر له والصلاة والسلام على سائر أنبيائه وتخصيص محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بأفضل صلواته وأكمل زكواته.

ثم نذكر ما وقع إلينا من أسرار الطبائع وأصناف الخلق مما يكون مشاكلا لقصدنا ، ونصل ذلك بذكر من ذكره من ملوك الأرض وما عملوه من غرائب الأعمال ، وشيدوه من عجائب البنيان ووضعوه ، ومن الآلات المستظرفة والطلسمات المستعملة وزينوا به هياكلهم وأودعوه نواويسهم (١) وزبّروه (٢) على أحجارهم على حسب ما نقل إلينا من ذلك كله وبالله العظيم نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل.

روي عن ابن الحكم رحمه‌الله قال : / خلقت الأرض في صفة طائر رأسه وصدوره وجناحه وذنبه.

فالرأس : مكة والمدينة واليمن.

والصدر : الشام ومصر.

والجناح الأيمن : الواق والوقواق ، والسند والهند والبند.

والجناح الأيسر : ما منك ويأجوج ومأجوج.

والذنب : من ذات الحمام إلى مغرب الشمس إلى البحر الأسود.

وقال : إن الله تعالى خلق مدينتين ، واحدة بالمشرق واسمها : جابلق ، والأخرى بالمغرب واسمها : جابرص ، طول كل مدينة اثنا عشر ألف فرسخ ، ولكل مدينة عشرة آلاف باب ، بين كل فرسخ باب ، يحرس كل باب في كل ليلة عشرة آلاف رجل ، ثم

__________________

(١) أي : مقابرهم ، كما هو الحال عند فراعنة مصر وما يستخرجه علماء الآثار من تلك المقابر حتى الآن.

(٢) أي ما نقشوه عليها من الكتابة.

١٩

يذهبون فلا تأتيهم النوبة إلى يوم القيامة ، وإنهم يعمرون سبعة آلاف سنة ما دونها ، ويأكلون ويشربون وينكحون ، وفيهم حكم كثيرة ، ولهم خلق عظيم تامة ، وأن هاتين المدينتين خارجتين عن هذا العالم ، لا يرون شمسا ولا قمرا ، ولا يعرفون إبليس اللعين ولا آدم عليه‌السلام ، يعبدون الله تعالى ويوحدونه ، ولهم نور من نور العرش يهتدون به من غير شمس ولا قمر. ويروى أن رسول الله قال : «مرّ بي جبريل عليهم ليلة أسري بي فدعوتهم إلى الله تعالى فأجابوا فمحسنهم مع محسنكم ، ومسيئهم مع مسيئكم» (١).

وروى وهب بن منبه رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم الدنيا منها عالم واحد ، وما العمران والخراب إلا كخردلة في كف أحدكم» (١).

وقال بعض أهل الأثر فيما رووه : إن لله عزوجل دابة في مرج من مروجه ، والمرج في غامض علمه ، رزقها في كل يوم مثل العالم بأسره ، جلت عظمته وقدرته لا إله إلا هو (١).

ذكر بحر المحيط وما فيه من العجائب

يقال : إن فيه عرش إبليس يحمله نفر من الأبالسة والعفاريت العظام وتحيط به طائفة ممن هم في طاعته ، فمنهم من يحجبه فلا يفارقه ، ومنهم من يتصرف عن أمره ولا يزول / عن مرتبته ، إلّا لمن يطمع في فتنته ، ومنهم من يسعى إلى غوغاء الناس فيضلونهم.

وللشياطين سجن في جزيرة منه يحبس فيها من خالفه من مردته.

وفي جزيرة من جزائر هذا البحر قصر عجيب فيه هيكل سليمان عليه‌السلام ، وفيه جسده ، وفيه في البحر أماكن لا تزال ترمي نارا على طول الزمان يرتفع مائة ذراع.

وفيه أسماك طول الحوت منها أيام ، وفيه صور عجيبة مختلفة الأشكال ، مشوهات الخلقة ، على كل لون من الألوان.

وفيه مدائن يطوفون على الماء ، وأهل هذه المدن غير الآدميين.

وفيه الثلاثة أصنام التي صنعها أبرهة ذو المنار قائمة على الماء ، أحدها : أصفر يومي بيده ، كأنه يخاطب من ركب البحر ويأمره بالرجوع من ذلك البحر.

والصنم الثاني : أخضر رافع يديه باسطهما كأنه يقول : إلى أين تذهبون؟

والصنم الثالث : أصفر مفلفل الشعر يومي بإصبعه إلى البحر [وكأنه يقول] : من جاز من هنا غرق. مكتوب على صدره بالمسند هذا ما صنع أبرهة ذو المنار الحميري.

__________________

(١) هذه أخبار لم تثبت صحتها في كتب السنة المعتبرة.

٢٠