مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

أخضر ، يعلوه قبة من ذهب عليها صورة المشتري ، وقبة أخرى على أربعة أعمدة من جزع أخضر أزرق في سقفها صورة الشمس والقمر متجاذبين في صورة امرأة ورجل كأنهما يتحدثان. وقبه أخرى من كبريت أحمر فيها صورة الزهرة على صورة امرأة ممسكة بضفيرتيها وتحتها رجل من زبرجد أخضر في يده كتاب فيه من علومهم كأنه يقرأه عليها.

وهكذا في كل خزائنه من العجائب ما يطول ذكره.

وجعل على كل باب مدينة طلسمات تمنع من الدخول إليها في صور مختلفة لا يشبه بعضها بعضا.

وجعل في كل مدينة من الجواهر النفيسة والزبرجد الخطير ، والذهب ، والفضة ، شيئا كثيرا ، ومن الكبريت الأحمر ، والبرية الصنيعة في البرابي الملونة ، وصنوف الأدوية المؤلفة ، والسموم القاتلة.

فلما تم له ذلك علّم كل باب من الأساطين بعلامة يعرف بها ويصعد عليها من مسارب تحت الأرض ، وصفاتها معروفة في كل بربرة بمصر من الحجارة مشهورة في جميع / مصاحفهم القديمة ، وأكثر ذكرها في هياكل الكواكب خاصة.

وقرىء في بعض مصاحف الكهان القديمة :

أن نقارس الملك بنى مدائن ذات عجائب كثيرة لم نذكرها ، وجعل بين هذه المدائن وبين مدينته التي يقال لها : خلجة ، سبعة أميال إلى الغرب وبينها وبين الأخرى أربعة عشر ميلا ، وعمل في مدينته إلى هذه المدائن أسراب تحت الأرض يصل منها إليها ، وكذلك من بعضها إلى بعض. وعجائب غير هذه قد أتلفها الطوفان ، وركبتها الرمال ، فأزال طلسماتها.

وأقام مائة وسبع سنين ملكا ، فلما هلك ملك بعده :

مصرام الملك :

لما اطمأن بالمملكة جدد بناء الهياكل ، وجعل للشمس هيكلا من المرمر الأبيض وموهه بالذهب الأحمر ، وجعل في وسط الهيكل كالعرش من ذهب أحمر ، وأرخى عليها كلل الحرير الملون. وأمر أن يوقد عليها بطيب الأدهان ، وجعل في وسط الهيكل قنديلا من الذهب ، وحجرا مدبرا مصنوعا يضيء ضوءا قويا ، وأقام له سدنة ، وعمل له أربعة أعياد في السنة.

وكان مصرام قد أذلّ السباع في وقته ، وكان يركبها.

وصحبه (١) الشيطان الذي كان مع أبيه ، فلما رآه حريصا على بناء الهياكل وقيام

__________________

(١) في المخطوط : وصحبته ، وهو تحريف.

١٠١

الكواكب ورصودها أمره أن يحتجب عن الناس ، وألقى على مصرام بسحره نورا شديدا لا يستطيع أحد النظر إليه. فأداه ذلك إلى دعوى الألوهية وغاب عن الناس ثلاثين سنة واستخلف عليهم رجلا من ولد عرناق ، وكان كاهنا. ويقال : إن مصرام ركب على عريش وحملته الشياطين حتى وضعوه في وسط البحر الأسود فجعل فيه قلعة من الفضة ، وجعل عليها صنما للشمس وزبر عليه (١) : أنا (٢) مصرام الجبار ، الكاشف الأسرار ، الغالب القهّار ، وضعت الطلسمات الصادقة ، وأقمت الصور الناطقة ، ونصبت الأعلام الهائلة على البحار السائلة ، ليعلم من بعدي أن لا يبلغ أحد ملكي ، وكل ذلك في أوقات / السعادة والسيادة.

وكان قد عمل في جنته شجرة عظيمة عجيبة مولدة ليأكل منها جميع الفواكه ، وعمل فيه قبّة من زجاج أحمر على رأسها صنم يدور مع الشمس بدورانها ، وكل بها شياطين إذا اختلط الظلام نادوا : لا يخرجن أحد من منزله حتى نصيح وإلا هلك.

وهو أول من عمل له الحمّام.

ثم أن أهل مصر أرادوا أن ينظروه ، وسألوا خليفته في ذلك ، فأمرهم أن يجتمعوا ، فجلس لهم في مجلس عال ، وقد زين بأصناف الزينة وتزين مصرام بأصناف الحلل والجواهر ، وخرج عليهم في صورة هالتهم رؤيتها ، وامتلأت قلوبهم رعبا منها ، فخروا على وجوههم فأحضر لهم الطعام والشراب ، فأكلوا ، ثم رجعوا إلى منازلهم ، فلم يروه بعد ذلك. وبلغ في كهانته ما لم يبلغه أحد من آبائه ، فلما تولى بعده :

عنقاطر الكاهن :

قعد فيهم وعمل مدينة عجيبة عند العريش. وقيل : إن إدريس عليه‌السلام رفع في زمانه. وعمل لهم طلسمات وعجائب كثيرة منها شجرة من حديد ذات أغصان ولطخها بدواء مدبّر فكان يجتلب إليها كل صنف من الوحش.

وفي كتب المصريين : أن هاروت وماروت كانا في وقته ، وعلما أهل مصر كثيرا من السحر ، ونقلا بعد الطوفان إلى بابل.

وكان عرناق (٣) فاسقا يجتلب النساء بسحره ، وكان يسكن البستان الذي عمله نقارس. وأما الناس ، فإنهم كرهوه وملّوه ، فاحتالت عليه امرأة من المغصوبات فأسّمته

__________________

(١) في المخطوط : عليها ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : أن ، وهو تحريف.

(٣) كذا هنا عرناق ، وفي عنوان الترجمة عنقاطر ، فلا أدري أيهما الصواب ، وإن كنت أرجح الثاني والله أعلم.

١٠٢

فهلك ، وبقي مدة لا يعرف خبره ، فهجم عليه رجل يقال له : لوجيم من بني نقراوس ومعه جماعة فوجدوه على فراشه جيفة ، فأججوا له نارا أحرقوه فيها ، وسرح تلك النسوة إلى أزواجهن ، ثم أن :

لوجيم جلس ملكا :

وعمد إلى تاج أبيه نقراوس فلبسه ، وأمر بجمع الناس ، فاجتمعوا ، فقام فيهم وتكلم وذكر ما كان عليه عرناق الأثيم من سوء السيرة واغتصاب النساء وسفك الدماء ورفض الهياكل واستخفافه / بالكهنة وغير ذلك.

ثم ضمن للناس العدل فيهم والإحسان إليهم والقيام بحقوقهم ، فأرضى الناس بذلك ، فأطاعوه. فركب يوما ، ودخل هيكل الشمس ، فقرب له بقرا كثيرا وسار في الناس العدل. وكانت الغربان ، والغرانيق ، قد كثرت في زمانه فأهلكت الزروع والغروس ، فعمل أربع منارات من نحاس في أربعة جوانب أمسوس ، وجعل على [كل](١) منارة صورة غراب في فمه حيّة قد التوت عليه ، فزالت عنهم الغربان.

ولم تزل كذلك حتى أتلفها الطوفان ، فلما هلك لوجيم تولى بعده :

حصليم الملك :

كان لهذا أخت يقال لها : جرادمة ، وكان لها جارية فائقة العقل والجمال ، فرآها الملك فعشقها ، فسأل أخته فيها ، فغضبت واعتزلت وبنت هيكلا للزهرة ، وتعبدت فيه مدّة ثم رأت الزهرة تخاطبها وقد أمرتها بدفع تلك الجارية إلى أخيها ، ففعلت.

وحظيت الجارية عند الملك وقدمها وقربها دون غيرها. فلما كان ذلك طلبن لها الغوائل ، وكان الملك أقام أجلّ وزرائه لخدمتها فيأتيها في كل يوم ويقضي حوائجها إعظاما لها.

فولدت له ولدا لم يكن له غيره ، فزادت فيه قربة ومحبة ، فأضمرن له نساءه مكرا وقلن للملك : أم ولدك تحت وزيرك.

فأمر بقتلها قبل أن يتبصر في أمرها ، فاتصل الخبر بأخته ، فأرسلت للقاتل فاستوقفته ، ثم أنها دخلت على الملك ، وقالت : ما هذه عادة الملوك ، أن يعجلوا (٢) بإتلاف قبل أن يتحقق الأمر.

قال : هكذا بلغني.

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) في المخطوط : يجعلوا ، وهو تحريف.

١٠٣

قالت (١) : اتخذت أمرا من غير مشورة لأهل الحكمة!

قال : [ما](٢) ملكت صبري ، ثم أنه تتبع الكلام فوجده كذبا وافتراءا ، فأمر بإخراجهن من قصره ، وسلبهن نعمتهن.

وعمل حصليم مقياسا لزيادة النيل فجمع أصحاب العلوم والهندسة ، فعملوا بيتا من رخام على حافة النيل ، وجعل في وسطه بركة من نحاس صغيرة فيها / ماء موزون ، وجعل على حافتي البركة مثال عقابين ذكر وأنثى ، فإذا صفر الذكر دل على زيادة الماء وصفير الأنثى عكسه. ويعتبرون الماء ، فكل أصبع يزيد في تلك البركة فهو ذراع من زيادة النيل ، وكذا في نزوله ، فعند ذلك تحفر الترع ويعملوا الجسور ، وعملوا القناطر التي هي اليوم (٣) ببلاد النوبة.

وكان لحصليم ولد اسمه : هرصال ، يعني خادم الزهرة ، كفلته أخته وأدبته وزوجته من عشرين امرأة من بنات الملوك العظماء ، وبنت له مدينة ، وجعلت فيها عجائب كثيرة ، أحسنت عمارتها ونقوشها ، وعملت فيها حماما معلقا على أساطين يرتفع الماء إليها من تلك الأساطين حارا من غير وقيد.

وهلك حصليم ، وتولى ولده هرصال :

هرصال الملك :

لما استقرت به المملكة تحول إلى بلاد الشمال فسكنها وبنى له مدينة هي إحدى المدائن ذوات العجائب ، وعمل في وسطها صنما يدور بدوران الشمس يبيت مغربا ، ويصبح مشرقا.

ويقال : إنه عمل من تحت النيل سربا وخرج منه متنكرا يشق بين الأمم حتى بلغ بابل ، فرأى ما عمل فيها الملوك من العجائب.

وقيل : إن نوح عليه‌السلام ولد في وقته.

وولد لهرصال عشرون ولدا ، وعمل مع كل ولد منهم فاطرا ، والفاطر : هو رأس الكهنة. وتقول القبط : إنه [تملك](٤) مائة وسبع وعشرين سنة من ملك لزم الهياكل وتعبد الكواكب ، واختفى عن أعين الناس. وأقام بنوه كل واحد في قسمه الذي قطعه إياه ، فأقاموا طيبين سبع سنين ، ثم تشاجروا فاجتمع رؤساء الكهان في دار المملكة واتفقوا على أن يولوا عليهم أكبر ولد هرصال وهو :

__________________

(١) في المخطوط : قال ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) أي أيام المؤلف رحمنا الله وإياه ، آمين.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١٠٤

ندسان الملك :

فلما تولى عليهم سار فيهم بسير أبيه فأحبه الناس ، ثم عمدوا إلى جمع المهندسين فعمروا له قصرا من خشب ، ونقشوه ، وزينوه ، وموهوه / وصوروا فيه صورة الكواكب ونجّده بالفرش وحمله على الماء ، فكان يتنزه عليه. فبينما هو يوم في نزهة ، والقصر سائر به على وجه الماء ، فنظر في بعض شبابيكه إلى ما تحته وما حوله ، وهو معجب بنفسه ، جاءت ريح عاصفة فانكسر القصر ، وهلك ندسان.

وكان لما تولى خاف على مملكته ، فنفى إخوته إلى المدائن الداخلة في الغرب ، وانفرد بامرأة من بنات عمه ، وكانت ساحرة ، واستخلف بعض وزرائه على مملكته ، وأقبل هو على لذاته وتنزهاته ، فلما هلك كتمت الساحرة أمره (١) ، وكانت تأمر وتنهى عن أشياء فيفعلوها ظانين أنها صادرة عن رأيه.

فأقاموا على ذلك تسع سنين ، فبلغ إخوته طول غيبته فولوا أحدهم واسمه :

شمروذ بن هرصال ... (٢) :

فتجهز وخرج سائرا إلى أن بلغ أمسوس ، فلما اتصل بامرأة أخيه خبره ، فأمرت بملاقاته ومحاربته (٣) فخرجوا إليه فهزمهم شمروذ وإخوته ، وقتلوا كثيرا من أصحابها (٤) ممن كان خرج إليهم. وتموا سائرين إلى أن دخلوا مدينة أمسوس فهجموا (٥) [على](٦) دار المملكة ، فلم يروا أخوهم ندسان ، فأجلسوا شمرود على سرير مملكته ورضيه الناس. ثم عمد (٧) إلى الخزائن والذخائر ففرقها عليهم وأقطعهم جميع ما كان قد خزنه ندسان لنفسه.

وطلب الساحرة ليقتلها فهربت هي وابنها إلى بلاد الصعيد ، وكان أهلها كلهم سحرة فامتنعت بهم. ثم دست (٨) كتابا لكبراء أمسوس بأن ابنها والي (٩) الملك بعد أبيه وقلده قبل هلاكه. فقالوا : إن الولد مغصوب على ملك أبيه.

__________________

(١) في المخطوط : امرأة ، وهو تحريف.

(٢) موضع النقط كلمة كتبت بالحمرة وهي غير واضحة.

(٣) في المخطوط : محارباته ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : أصحابهم ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : مجموا ، وهو تحريف.

(٦) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٧) في المخطوط : عمدوا ، وهو تحريف.

(٨) في المخطوط : درست ، وهو تحريف.

(٩) في المخطوط : إلى ، وهو تحريف.

١٠٥

ودست لهم أيضا : أن شمرود متغلب عليهم فاجتمع في ناحيتها عالم من أمسوس ، واجتمعوا على ابن الساحرة ، فرجعت بهم إليه بعد أن عمل له السحر كثيرا من أصناف التماثيل الهائلة والنيران المحرقة. فدخلوا أمسوس ، واجتمع عسكر شمرود ، وعسكر ابن الساحرة وقامت / الحرب بينهم أياما ، فانهزم شمرود وإخوته.

ونزل ابن الساحرة بدار الملك وجلس على سرير ملك أبيه ، وتتوج بتاجه ، وطاف به بطانة أبيه ، وكان اسمه :

توسيدون الملك :

وكان صغيرا ، فكانت أمه تدبر أمره ، وعمد إلى من صحب شمرود فقتلهم وأرسل في طلبه فأحضروه.

وذكر القبط : أن شمرود كان طوله عشرين ذراعا فشده في أسطوانة فصاح صيحة مات منها جماعة ، وهرب الباقون ، فأججوا له نارا وأوقدوها تحته.

وخرج ابن الساحرة كاهنا منجما وعملت له الشياطين قبة من زجاج تدور بدوران الفلك وصوروا عليها صور الكواكب ، فكانوا يعرفون الطالع منها وما يحدث بطلوعه.

وبعد ستين سنة من ملكه هلكت الساحرة وأوصت أن يجعل جسدها تحت صنم القمر ، فإنه يخبرهم بالعجائب.

وأهاب الناس ابنها ، وكان يتصور لهم في صور كثيرة. وملكهم مائة وستين سنة فلما حضرته الوفاة طلوا جسده بالأدوية الممسكة ، وجعلوا جسده في جوف صنم من زجاج وألحموه وأقاموه في هيكل الأصنام ، وجعلوا له عيدا في كل سنة وجعلوا كنوزه وعلومه معه ، وتولى بعده ابنه :

شرناق الملك :

فعمل بسيرة أبيه وجده وأقبل الناس عليه وزحف رجل من ناحية العراق من بني طرابيس بن رام فتغلب على الشام ، وأراد أن يزحف إلى مصر ، فقالوا له : لا تصل إليها من كثرة موانعها بطلسماتها ، وسحر أهلها.

فقال : أدخلها متنكرا لعلي أن أقف على أحوالها. فخرج حتى بلغ الحصين الذي بنوه على حد مصر في نفر من أصحابه ، فرأوهم حرس مصر ، فسألوهم عن أمرهم.

فقالوا : جئنا بلدكم نريد السكنى بها ، فمسكوهم وحبسوهم ، ورفعوا أمرهم وخبرهم للملك ، وكان الملك قد رأى في منامه كأنه على منار عال وكأن طائرا عظيما يريد أن يختطفه فحاد عنه ، فكاد أن يسقط ، فانتبه مرعوبا ، فأرسل إلى الكهنة وقص عليهم رؤيته.

١٠٦

فقالوا : قد دخل إلى بلدك / ملك يريد ملكك ولكنه لا يصل إليك.

فعلم أنه بجملة المحبوسين فأمر بحملهم إليه فشخصوا بين يديه ، فأمر أن يطاف بهم في جميع بلاد مصر ويوقفوهم على ما فيها من الطلسمات والأصنام المتحركات والعجائب المعجزات.

فبلغوا بهم إلى الإسكندرية ، ثم ساروا بهم إلى أمسوس ، فأروهم عجائبها ، وقد ساروا بهم إلى الجنة التي عملها مصرام ، وأظهروا لهم التحاييل والتماثيل ، فذهلوا عند رؤيتها. ثم رجعوا بهم شرناق والكهنة حوله قد أظهروا صنوف كثيرة من السحر ، وكان بين يدي شرناق من أراد الدخول فيها وكان سليما خاضها ، وإن كان ذو غائلة احترق فأمر الملك الجماعة أن يدخلوها واحدا بعد واحد ، فلم يصبهم منها أذى.

ورأى رجلا قد تأخر منهم ، فقال : ما منعك الدخول إليها وقد رأيت أصحابك قد سلموا منها؟ فتقرب منها فلفتحه فولى هاربا. فأمر الملك بأخذه وسأله عن حقيقة أمره ، فأقر على نفسه ، فأمر بشنقه وصلبه على ذلك الحصين من ناحية الشام ، وزبر على باب الحصين : هذا فلان الملك المتغلب على الشام ، أضمر غائلة للملك شرناق ، وقصد ما لا يوصل إليه ، فعوقب بهذا وأمر بإخراج قومه عن بلده ، وقيل لهم : قد أوجب عليكم القتل لكن الملك قد عفا عنكم. وكانوا يتحدثون بما رأوا من العجائب ، واتصل خبرهم بملوك البلاد ، فانقطعت آمالهم عن مصر والتعرض لها.

وعمل شرناق عجائب كثيرة :

فمن ذلك : أنه عمل في باب كل مدينة بطة من نحاس قائمة على أسطوانة ، فإذا دخل البلد غريب صفقت بجناحيها وصرخت ، فيؤخذ ويسأل عن أمره.

وشق إلى بلاد الغرب ومدائنها نهرا من النيل ، وبنى على عبره منازل وأعلاما وغرس بينهما غرسا يتنزه عليها ، وكان إذا خرج إليها سار في عمارة متصلة ومفترجات إلى منتهاها.

وملكهم مائة وثلاثين سنة وتولى بعده ابنه :

سهلوق / الملك :

وكان عالما كاهنا منجما فلما حكم فيهم أفاض العدل وقسم ماء النيل قسما موزونا صرف إلى كل ناحية قسطها. ورتب مراتب الناس ، وجعلها سبعة أقسام :

القسم الأول :

للملك ، وأهله ، ولرأس الكهان ، وللوزير الأكبر ، وقائد الجيش الأكبر ، وصاحب خاتم الملك ، وخزانة الملك.

١٠٧

القسم الثاني :

لمراتب العمال ، والمتولين (١) لجباية الجهات ، وللمشرفين (٢) على النفقات في مصالح المملكة والعمارات ، وقسمة المياه.

القسم الثالث :

لأصحاب الهياك ، ومتولي القرابين ، والمشرفين عليهم ، وبكور (٣) الفواكه ، والفراريج (٤) الذكور ، ورؤوس خوابي الشراب.

القسم الرابع :

للأطباء ، والمنجّمين (٥) ، والفلاسفة ، ونحوهم.

القسم الخامس :

لأصحاب عمارات الأرض ، والفلاحين ، وحفر الترع ، وإقامة الجسور.

القسم السادس :

لأصحاب الصناعات ، والمهّر ، والمشرفين على أعمالهم.

القسم السابع :

لأصحاب الصيد من السباع والوحوش ، والطير ، والهوام ، والمشرفين على أخذ دمائها ومرارتها ، وشحومها ، وإصلاح العقاقير ، وتأليف الأدوية وغير ذلك. ومن عادتهم أن صاحب ذلك الفن لا يختلط بغيره. ومن قصّر عوقب ، ومن أوفى بما عليه جوزي وكان أصحاب الألحان ، والملاهي في قسمة الملك.

ويقدم في استنباط المعادن وبناء المدائن ، ونصب الأعلام ، والمنارات ، وإبداع الصناعات ، وجرى المياه وتوليد غرائب الأشجار.

فلما فرغ من هذه القسمة ، ومراتبها عمل على أعالي الجبال شجرة يقسمون الرياح منها ويمنعون القاصدين لهم بسوء ، وكذا من كل مفسد [من](٦) سبع ، ووحش ، وهوام.

__________________

(١) في المخطوط : المتلوليين ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : للمسفرفين ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : ويوكز ، وهو تحريف.

(٤) وهو تحريف. في المخطوط : الفرارح ، كذا بدون نقط.

(٥) في المخطوط : المنجتين ، وهو تحريف.

(٦) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١٠٨

فكان أمر البلد وأهله جاريا على السداد ، وجعل لكل طائفة من الناس صنعا من الكهنة ، يعلمونهم دينهم ، ودينهم يومئذ الصابئة الأولى.

ثم أن سهلوق رأى رؤيا استدل بها على استخراج الكنوز التي كنزها جده.

/ وعمل بمدينة أمسوس عجائب كثيرة :

فمنها : قبة مركبة على سبعة أركان ، وأبواب سبعة على كل باب صورة معمولة ، واسمها : قبة القصر ، وفي وسط القبة قبة صغيرة من نحاس وصورة في أعلاها صورة الكواكب السبعة ، وعمل تحت القبة مطهرة من جوهر ملون. وجعل في تلك المطهرة سبعة أدهان من أشجار مختلفة ، وجعل القبة معلقة على سبعة أساطين. ثم عمل على الباب الأول : صورة أسد رابض ، وبحذوه من الجانب الآخر لبؤة رابضة من صفر ، وقربها جرو أسد ، وبخرهما بشعره ، وعلى الباب الثاني صورة ثور ، وبقرة ، وقرب لهما عجلا وبخرهما بشعره. وعلى الباب الثالث صورة خنزير وخنزيرة ، وقرب لهما خنوصا ، وبخرهما بشعره. وعلى الباب الرابع صورة فرس وحجرة وقرب مهرا وبخرهما بشعره.

وعلى الباب الخامس صورة ثعبان وأنثاه ، وقرب لهما جرو ثعلب ، وبخرهما بشعره.

وعلى الباب السادس صورة حمار وأنثاه ، وقرب لهما بعيرا وبخرهما بشعره. وعلى الباب السابع صورة ديك ، ودجاجة ، وقرب لهما فروج ، وبخرهما بريشه. ثم لطخ وجوهها بدماء ما ذبح لها ، وجعل بقية قربانها تحت عتبة أبوابها ، وأغلق الأبواب. وأقام لها سدنة ، ثم تكلم عليها بآيات الكواكب السبعة ، وألقى روحانية الكواكب على تلك.

الصور ، فربما نطقت.

وجعل لكل مرتبة من المراتب التي قسمها بابا من تلك الأبواب. فجعل باب الأسد : لأهل بيت المملكة وبقية أبوابها لسائر مراتبها ، فكانت تلك الأبواب إذا تقدم الخصمان إلى شيء منها التصقت بالظالم منهما حتى يخرج من ظلامة صاحبه ، الذكر للذكر ، والأنثى للأنثى. ومن خصائصها أن من كان عليه حق طلب للوقوف بينهما ، فإن لم يجب خرس ، ونكث ولم يتحرك / فلم تزل كذلك حتى أزالها الطوفان.

ورقموا سيرة سهلول وما عمله من العجائب في مصحف :

فلما هلك نقل إلى ناووسه في الجبل الغربي وجعل معه صنعته وحكمته ، وقلد ابنه سورندين. وكان ملك سهلوق مائة وتسع سنين. ولما تولى ابنه أمر ببناء الأهرام الثلاثة التي في بر الجيزة ، وقد تقدم ذكرها.

١٠٩

مناوش الملك :

كان جبارا أثيما معتديا جريئا ، لما تولى آذى الناس ، وسفك الدماء ، واغتصب النساء ، واستخرج كنوز آبائه وبنى قصورا بذهب وفضة ، وفجر فيها أنهارا ، وجعل حصباءها من صنوف الجوهر ، وأسبل في الهيئات ، وأهلّ أمر العمارات.

فطاف به أهل الشر ، فأبغض الناس ، وأمر باغتصاب النساء ، فخالفه جماعة فحرقهم ، فسلط رجلا من الجبابرة ، ووجهه لمحاربة الأمم الغربية ، فقتل منهم خلقا ثم هلك. فاغتم عليه ، وأمر أن يدفن مع الملوك. وأقام مناوش الفاسق ثلاثا وسبعين سنة ، وأهلكه الله تعالى ، ودفن في الهرم في حوض مرمر ، وجعلوا عنده كنوزا. وتولى بعده ابنه :

أفروش الملك :

كان عاقلا عارفا خالف أباه في سيرته ، فأحبه الناس فردّ عليهم نساءهم وعدل فيهم.

وعمل في وقته فوارة قطرها مائة ذراع ، وطولها خمسون ذراعا ، وركّب في جوانبها أطيارا تصفّر بأصناف اللّغات المطربة.

وعمل في وسط المدينة منارا من صفر يعلوه تمثال من صفر في صورة رأس إنسان كلما مضت ساعة من النهار صاح صياحا عظيما ، وكذلك في الليل.

وعمل منارا وجعل على رأسه قبة من صفر مذهب ، ولطخها لطوخات عجيبة ، فإذا غربت الشمس اشتعلت تلك القبة نارا يضيء لها غالب المدينة ، فلا يطفئها مطر ولا ريح ، فإذا طلع النهار غلب ضوء الشمس ضوءها.

وعمل على الجبل الشرقي صنما قائما على قاعدة مصبوغة بلطوخ أصفر ، مصور / بالذهب موجها إلى الشمس يدور معها حتى تغرب من الناحية البحرية ، ثم يدور ليلا إلى الناحية الجنوبية حتى يحاذي الشمس مع الصبح ، فلم يزل كذلك [إلى](١) أن سقط في أيام فرعان فتهشم.

وكان أفروش يطلب الولد [من](٢) ثلاث مائة امرأة ، فلم يولد له شيء.

وقيل : في وقته عقمت أرحام النساء ، لما أراد الله تعالى هلاك العالم بالطوفان ، وكذلك عقمت البهائم ، ووقع الفناء فيها ، وكثرت الأسد في وقته حتى كانت تحل في

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١١٠

البيوت فاحتالوا بالطلسمات المانعة فكانت تغيب قليلا ، ثم تعود.

فرفعوا ذلك للملك ، فقال : هذه علامة مكروهة. وأمر أن يعمل لها أخاديد ، ويدفنوها فتهافتت فيها.

وبنى في وقته مدائن بناحية الغرب ، أتلفها كلها الطوفان.

ورفع في وقته المطر ، وقلّ ماء النيل ، وتلفت الزروع بالرياح الحارة والنار.

واحتالوا على ذلك بطلسماتهم فكانت تذهب ثم تعود.

وسبب ذلك أن مناوش كان قد اغتصب امرأة لبعض السحرة ، فعمل على تلاف مصر ، وتبطيل طلسماتها المانعة ، وحركاتها ، وروحانيتها ، فكان يتحيل قليلا قليلا.

وبهذا دخل بخت نصّر (١) الفارسي مصر بعد أن كانت ممتنعة من جميع الملوك.

ثم أن جماعة من جهته فطنوا بفعله ، فأخبروا الملك بذلك ، فرد له امرأته ، فأبطل عنهم ما كان عمله ، وأصلح لهم أمورا كان أفسدها ، وعاد أمر الناس إلى خير وصلاح.

وعاش أفروش وملكهم أربع وستين سنة ، فلما هلك ، قلدوا :

ازماليوس الملك :

لما استقر به الأمر جمع الناس ، فقال : إني أرى الأمم الغربية قد تطرقت نواحكم ويوشك أن تسير إليكم. وأنا مانع لكم منهم على أن تغزوهم. فتجهزوا ، وخرج معهم في جيش عظيم حتى وصل إلى تلك الأمم ، فحاربهم محاربة شديدة وظفر عليهم ، ثم رجع ، وخلف في وجوههم جيشا فهزموهم بعد رجوعه فبلغه ذلك ، فأنفذ لهم ابن عم له يقال له : فرعان / ابن مسور.

وكان أحد الجبابرة الذين لا يطاقون ، وهو أول فرعون سمي ، فسار إليهم في جيش كثيف ، فأجلى تلك الأمم ونفاها إلى أطراف البحر ، ورجع بكثير من الأسارى ، والرؤوس. فأمر الملك بنصبها حول القصر ، وقتل الأسرى ، وكان فيهم كاهنا نشره ، وهو أول من فعل ذلك. فأعظمه (٢) فرعان وزاد في قسمه وأتحفه بخلعه منظومة بالجواهر ، وأمر أن يطاف به في المملكة (٣) ، وأن يذكر فضله. وأنزله ببعض قصوره ، فرأته امرأة من نساء الملك فأحبته ، فامتنع منها لحرمة الملك ، فسمّت الملك في شرابه فمات لوقته ، وحمل إلى الهرم ، وجلس فرعان على سريره ولم ينازعه أحد.

__________________

(١) في المخطوط : بخت النصر ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : فأعظم ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : في الملك ، وهو تحريف.

١١١

فرعان الملك :

كان الطوفان في وقته ، فلما تولى طغى وتجبر وبغى ، وغصب الناس أموالهم ونساءهم وعتى عتوا كبيرا.

وكان نوح عليه‌السلام في أيامه وكان درمسيل بن مخويل ملكا بمدينة أمسوس ، وفرعان على مصر ، فكتب فرعان كتابا إلى درمسيل بقتل نوح عليه‌السلام ، فقرأ كتابه وأرسل جوابه بأن نوح عليه‌السلام يأمر برفض آلهتنا [ويأمر](١) باتباع إلهه ، وقد بنى سفينة (٢) عظيمة. فأرسل يؤكد عليه في قتله وإحراق سفينته. فعزم (٣) درمسيل على ذلك ، فأشار عليه بعض وزرائه أن لا يفعل ، وقال : أيها الملك ، إن كان ما يدعيه حقا فلا طاقة لنا ولا لأحد على قتله ، وإن كان باطلا ، فذلك لا يفوت.

وكان عندهم أمر الطوفان ولكنهم لم يعرفوا وقت مجيئه.

فعملوا تحت الأرض سراديب ، وصفحوها بالزجاج وحبسوا فيها الرياح بتدبيرهم ، واستعد فرعان كذلك.

وكان للكهان رئيس اسمه فليمون ، رأى في منامه : أن مدينته أمسوس قد انقلبت بأهلها والأصنام قد هوت على رؤوسها ، وكأن بأمم نازلين من السماء ، ومعهم مقامع من حديد ، وهم يضربون بها رؤوس الخلق / وكأن فليمون تعلق بأحدهم ، وقال : لم تفعلون ذلك؟ فقال : لأنهم كفروا بإلههم. قال : فما الخلاص؟ قال : أن يلحقوا بصاحب السفينة هو وأهله.

ورأى ثانية : كأنه في روضة خضراء وفيها طيور بيض يفور منها رائحة ذكية طيبة ، وسمع بعضها يقول : سيروا بنا ننجّي المؤمنين ، قال له فليمون : من المؤمنون؟ قال : أصحاب السفينة.

فانتبه على يقين من نوح عليه‌السلام ، فأراد أن يخرج إليه بحيلة ، فأتى الملك وقال : إن أراد الملك أن ينفذني إلى درمسيل لعلي أن أقف على صاحب السفينة فأناظره على دعواه فيبين لي حقيقة أمره فليفعل ، فأذن له فرعان. فأخذ ولديه وتلاميذه ، وكانوا تسعة أنفس ، وسار بهم حتى دخل أرض بابل ، فاجتمع على نبي الله نوح عليه‌السلام

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) في المخطوط : وقد بنى مدينة كذا سفينة. وأحسب أن بالأصل المنسوخ منه مدينة ، وأراد الناسخ التوضيح والتصحيح ، فأضاف كلمة كذا ، ثم ذكر الصواب بأنها سفينة وليست مدينة فحذفت الخطأ والزيادة وأثبت العبارة على الصواب ، والله أعلم.

(٣) في المخطوط : فلزم ، وهو تحريف.

١١٢

وآمن (١) به وقصّ عليه رؤيته ، ثم صحبه ، هو ومن آمن معه ، وسأله أن يبين له دينه ، فعلمه ، وفرح به ، وقال : من يرد الله به خيرا لم يصرفه عنه أبدا ، فلزموا نوح عليه‌السلام وخدموه حتى ركبوا معه السفينة.

وأما فرعان ، فكان على ظلمه وتجبره وعداوته ، وكثر الظلم والهرج والمرج ، وهلكت المواشي وتلفت الزروع وأجدبت النواحي ، وظلم الخلق بعضهم بعضا ، وسدت الهياكل والبرابي وطينت أبوابها.

وجاءهم الطوفان ، وانهمل المطر عليهم يوم الأحد رابع وعشرين في الشهر ، وكان فرعان سكرانا ، فأفاق من حرّ ماء الطوفان هاربا نحو الهرم ، فتخلخلت الأرض به فطلب الأسراب فخانته رجلاه فسقط يخار ويخور كما يخور البقر ، وأهلكه الله تعالى بالطوفان ، ووصل الماء من الأهرام آخر التربيع ظاهرا إلى الآن ، وليس بين أهل التاريخ خلاف في عموم الماء جميع الأرض.

ذكر ملوك مصر بعد الطوفان

أجمع أهل الأثر أن أول من ملك مصر بعد الطوفان فليمون بن مصريم بن حام بن نوح عليه‌السلام.

وأن فليمون لما ركب مع نوح عليه‌السلام سأله أن يخلطه بأهل فرج بنت فليمون من مصريم بن حام فولدت له ولدا سماه / فليمون مصر.

فلما قسم نوح عليه‌السلام الأرض بين أولاده (٢) قال فليمون لنوح عليه‌السلام : أرسلني وولدي إلى بلدي.

فأظهر له كنوزا وأورثه علوما فأنفذه معه ومعهما جماعة من أهل بيته ، فلما قرب من مصر بنى له عريشا من أغصان الشجر ، وستره بحشيش ، ثم أنه (٣) بنى بعد ذلك مدينة وسماها : درسان ـ أي : باب الجنة ـ.

فزرعوا ، وغرسوا الأشجار من درسان إلى البحر زروع ، وعمارة ، وأشجار مختلفة الثمار مونقة الأغصان.

وكان أصحاب الملك مصريم كلهم جبابرة عتاة ، قطعوا الصخور ، وبنوا المعالم ، والمصانع ، وأقاموا الأعلام.

__________________

(١) في المخطوط : وأمر به ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : بنيه وفوقها أولاده وكأنه تصحيح للكلمة ، ففعلت ما أراد ، والله أعلم.

(٣) في المخطوط : له ، وهو تحريف.

١١٣

وتزوج مصريم من بنات الكهنة امرأة فولدت له أربعة أولاد : قفطريم ، وأشمون ، وصا ، وأثريب ، فكثروا وعمروا الأرض وبورك لهم فيها.

وبنوا مدينة سموها : مانة ـ يعني ثلاثين بلسانهم ـ وهي منف لأن عدة من كان مع مصريم ثلاثين رجلا أصحاب فليمون الكاهن كشفوا عن كنوز ، وأثاروا معادن الذهب والفضة والزبرجد والفيروزج ، والأسباذشم ، ووصفوا لهم عمل الصنعة. فجعل الله أمرها إلى رجل من أهل بيته يقال له : مقيطام ، فكان يعمل الكيمياء في الجبل الشرقي ، فسمي به المقطم.

وعلموهم أيضا صنعة الطلسمات ، وكان قبل ذلك إذا زرعوا زرعا وغرسوا جنة صعد من البحر دوابا تفسده فعملوا الطلسمات فغابت عنهم. وبنوا على عبر البحر مدنا منها : رقودة مكان الإسكندرية ، وجعلوا في وسطها قبة على أساطين من نحاس مذهب ، وموهوا القبة بالذهب ، ونصبوا فوقها مرآة من أخلاط شتى قطرها خمسة أشبار ، وارتفاع القبة مائة ذراع. فكانوا إذا قصدهم عدو ، ألقوا بعمل شعاع من تلك المرآة عليهم ، فتحرقهم ، حتى أتلفها البحر.

والمنار الذي عمله الإسكندر / كان فوقها مرآة يرى منها داخل بلاد الروم. فاحتال عليها بعض ملوكهم فأرسل من أزالها ، وكانت من زجاج مدبر.

ولما حضرت لمصريم الوفاة عمد إلى ابنه : قطيم ، وكان قد قسم مصر بين بنيه ، فجعل لقطريم من قفط إلى أسوان ، ولأشيم من أشمون إلى منف ، ولأثريب الجوف كله ، ولصا من ناحية صا والبحيرة إلى قرب البرقة.

وقال لأخيه : فارق لك من برقة إلى الغرب فهو صاحب أفريقية ، وولده الأفاريق ، وأمر كل واحد أن يبني لنفسه مدينة في موضعه وأمرهم عند موته أن يحفروا له تحت الأرض سربا ، ويفرشوه بالمرمر الأبيض ، ويجعلوا جسده فيه ، فدفنوا معه جميع ما في خزائنه من الذهب والجوهر ، وزبروا عليه أسماء مانعة من الوصول إليه.

فحفروا له سربا طوله مائة وخمسون ذراعا ، وجعلوا في وسطه مجلسا مصفحا بصفائح الذهب وجعلوا له أربعة أبواب على كل باب منها تمثال من ذهب عليه تاج مرصع بالجوهر جالس على كرسي من ذهب قوائمه من زبرجد وزبروا في كل تمثال آيات مانعة وجعلوا جسده في جرن مرمر مصفح بالذهب وزبروا على مجلسه : مات مصريم بن تنصر بن حام بعد سبعمائة عام مضت من أيام الطوفان.

ومات ولم يعبد الأصنام إذ لا هرم ولا سقام ولا هتمام محصنين بأسماء الله العظام أن لا يصل أحد إليه.

١١٤

ولدته سبع ملوك تدين بدين الملك الديان ويؤمنون بالمبعوث بالفرقان الداعي إلى الإيمان في آخر الزمان.

وجعلوا معه في ذلك المجلس ألف قطعة من الزبرجد المخروط ، وألف تمثال من الجوهر النفيس ، وألف برنية مملوءة من الدر الفاخر والصنعة والعقاقير السرية ، والطلسمات العجيبة ، وقطع الذهب المسبوكة مكسية بعضها على بعض. فلما فرغوا أسقفوه بالصخور العظام ، وهالوا عليها الرمال بين جبلين متقابلين / فيها علامات لا تحات ، وتولى بعده ولده :

قبطيم الملك :

والقبط منسوبة إليه ، وهو أول من عمل العجائب ، وأثار المعادن ، وشق الأنهار.

ويقال : إنه لحق البلبلة وسلم منها بهذه اللغة القبطية. وعمل منها ما لم يعمله أبوه من نصب الأعلام والمنارات والعجائب والطلسمات.

وملكهم قبطيم ثمانين سنة ، ومات ودفنوه في الشرق تحت سرب الجبل الكبير الداخل ، وصفحوا له السرب بالمرمر الملون ، وجعلت له منافذ للمياه تخترق بدوي عظيم ، وجعل فيها كبريت أحمر ، وأكر من نحاس مطلية مشتعلة لا تطفىء. ولطخوا جسده بالمر والكافور ، وجعلوه في جرن من ذهب في ثياب منسوجة بالمرجان وكشفوا عن وجهه.

وهو في قبة على عمد من مرمر ملونة ، وفي وسط القبة جوهرة معلقة كالسراج المضيء وبين كل عمودين تمثال بيده أعجوبة. وجعلوا حول الجرن توابيت مملوءة جوهرا وذهبا وتماثيل وصنعة ، وغير ذلك ، وحول ذلك مصاحف الحكمة. وسدوا عليه بالصخور والرصاص ، وزبروا على ناووسه كما زبروا على ناووس أبيه. وتولى بعده ولده :

قفطريم الملك :

وكان أكبر ولد أبيه ، وكان عظيم الخلق وهو الذي بنى ونذرة ، وبنى مدينة الأصنام. وفي آخر أيامه هلكت عاد بالريح.

وأثار قفطريم من المعادن من الذهب ما لم يثره غيره من الملوك ، فكان يجد في تلك المعادن من الذهب مثل حجر الرحى ومن الزبرجد كالأسطوانة ، ومن الأسبادشم كالقلة ، كل ذلك في صحراء الغرب ، فعمل من العجائب شيئا كثيرا. وبنى منارا عاليا حتى جبال قفط يرى منه البحر الشرقي.

١١٥

ووجد هناك معدن الزئبق فعمل منه بركة قيل : إنها باقية إلى الآن ، وأما المنار فسقط.

وقيل : إن قفطريم بنى المدائن الداخلة وعمل فيها عجائب كثيرة منها : الماء الملفوف / القائم كالعمود لا ينحل ولا يذوب.

والبركة التي تسمى فلسطين ـ يعني صيادة الطير ـ يمر بها الطير فيؤخذ.

وعمودا من نحاس عليه صورة طائر إذا مرّ عليه شيء من الوحوش والحشرات صفر عليها فتولي هاربة.

وعمل على أربعة أبواب هذه المدينة أربعة أصنام من نحاس إذا قرب منها الغريب وقع عليه النوم والثبات ، فإذا نفخ أحد في وجهه قام أو يهلك. وعمل منارا لطيفا من نحاس ملون على قاعدة ، وعلى رأس المنار صنم من أخلاط كثيرة ، وفي يده كالقوس كأنه يرمي عنها إن رآه الغريب وقف فلا يبرح حتى يهلك أو يخلصه أهل المدينة. وكان ذلك الصنم يتوجه من نفسه إلى مهب الرياح الأربع.

قيل : إنه على حاله إلى الآن ، وأن الناس تجافوا (١) تلك المدينة على كثرة ما فيها من الكنوز والعجائب الظاهرة فرقا من ذلك الصنم.

وقيل : إن بعض الملوك عمل على قلعه فما استطاع ، وهلك لذلك خلق كثير.

ويقال : إنه عمل في بعض المدن الداخلة مرآة يرى فيها جميع ما يسأل الإنسان عنه. وبنى غرب النيل ، وخلف اللوحات (٢) الداخلة مدنا وعمل فيها عجائب كثيرة ، ووكل بها الروحانيين فيدخلها ويأخذ ما شاء من كنوزها من حزر.

وأقام قفطريم أربعمائة وثمانين سنة ملكا وعمل في وقته عجائب كثيرة ، فكان الصعيد أكثر عجائبا من أسفل الأرض لأنه حيز قفطريم فلما هلك (٣) عملوا له ناووسا تحت الأرض في الجبل الغربي قرب مدينة العمد عمله لنفسه قبل موته في سرب معقود على أزاج إلى الجبل ونقر تحت الجبل كهيئة الدار الواسعة ، وجعل دورها خزائن منقورة ، وجعل في سقوفها مسارب للرياح ، وبلط ذلك كله بالمرمر وجعل في وسط الدار مجلسا على ثمانية أركان مصفحا بالزجاج الملون المسبوك وجعل في سقفه / جواهر وحجارة تسرج. وجعل في كل ركن من أركان المجلس تمثال ذهب بيده كالبوق ، وجعل تحت القبة دكة مصفحة بالذهب حافتها زبرجد وفرشها بالحرير الملون وجعل عليها

__________________

(١) في المخطوط : تحاموا ، وهو تحريف. وتجافوا : أي هجروا ، أو هجروها خوفا من صنمها.

(٢) وهي الواحات الداخلة في الصحراء الغربية بمصر.

(٣) في المخطوط : هلكوا ، وهو تحريف.

١١٦

جسده ، بعد أن لطخ بالأدوية المجففة وجعل من جوانبه آلات الكافور مخروطة ، وأرخى عليه ثياب فاخرة منسوجة بالذهب ، ووجهه مكشوف ، وعلى رأسه تاج مكلل بالجواهر.

وعلى جوانب التكة أربع تماثيل مجوفات من زجاج مسبوك في صورة النساء ، وألوانهن (١) بأيديهن مراوح من ذهب.

وجعل في صدره من فوق الثياب سيف فاخر صاعقي قائمته زبرجد.

وجعل في تلك الخزائن من الذخائر وسبائك الذهب ، والتيجان ، والجوهر ، وبراني الحكم ، وأصناف العقاقير ، والطلسمات ، ومصاحف علومهم شيء كثير.

وجعل على مجلسه صورة ديك من ذهب مرتفع على قاعدة من زجاج أخضر منشور الجناحين مرموز عليه آيات عظام مانعة.

وجعل على مدخل كل أزج صورتين مشوهتين ، من نحاس ، بأيديهن سيفان كالبرق ، وأقدامهما بلاطة تحتها لوالب ، فمن وطئها ضرباه فقتلاه ، وفي سقف كل أزج أكرة عليها لطوخ مدبرة تسرج على طول الزمان.

وسدوا أبواب الأزج بالأساطين المرصعة ، وبلطوا سقفه بالبلاط الكبير ، وهالوا عليها الرمال ، وزبروا على باب الأزج : هذا المدخل إلى جسد الملك المعظم المهاب ، الشديد المكرم قفطريم ذي الأيدي والفخر والغلبة والقهر ، أفل نجمه وبقي علمه وذكره ، فلا يصل إليه ولا يقدر عليه بحيلة ، وذلك بعد سبعمائة وسبعين ودوات مضت من السنين وتولى بعده ابنه :

البودشير بن قفطريم الملك :

لما استقر له الحال والأمر احتجب عن الناس ، وكان أعمامه أشيمون ، وصا ، وأتريب ملوكا على أحيازهم إلا أنهم كانوا مقهورين معه لأنه كان قهرهم بجبرويته ، فكان الذكر له. وقيل / أنه أرسل هرمس إلى جبل القمر الذي ينصب من تحته ماء النيل.

ويقال : إنه هو الذي عمل حيلتي النيل ، وكان يغيض ، وأمره البود شير أن يسير غربا لينظر ما هناك ، فمر بأرض واسعة متخرقة بالماء والعيون كثيرة العشب فبنى فيها منابر ، ومتنزهات وحول إليها جماعة من أهل بيته ، فعمروا تلك النواحي ، وصارت بلاد الغرب كلها عامرة وخالطهم البربر ، وتزوج بعضهم من بعض ، ثم أنهم تحاسدوا وبغى بعضهم على بعض ، وجرى بينهم حروب كثيرة ، فخربت (٢) البلاد وتفرق أهلها فبقيت بعض المنازل تسمى اللواحات.

__________________

(١) كذا لم يذكر ألوانهن ، أي : لم يحدد الألوان.

(٢) في المخطوط : فخرب ، وهو تحريف.

١١٧

وعمل في وقته من العجائب :

قبة لها أربعة أركان في كل ركن منها كورة يخرج منها كالدخان الملتف في أواني وفي ألوان شتى ؛ أبيض ، وأخضر ، وأصفر ، وأحمر ، وأسود ، ومختلط.

فالأبيض : يستدلوا به على الجدب.

والأخضر : يستدلوا به على العمارة والخصب وحسن النبات.

والأصفر : يستدلوا به على آفات تحدث في الفلك.

والأحمر : على الدماء ، والحروب ، وتحريك الأعداء.

والأسود : دليل على كثرة المياه والمطر ، فساد بعض البلاد.

والمختلط : علامة على مظالم الناس وفساد بعضهم على بعض ، وإهمال ملوكهم إياهم.

وكانت هذه القبة مرتفعة على منار أقامت زمانا فزحف بعض ملوك البربر إلى تلك النواحي ، فرآها فهدمها ، وعمل له أيضا في صحراء الغرب شجرة من نحاس عليها أمثال الوحوش مكممة بخيوط من نحاس ، فإذا اجتاز عليها شيء من جنسها ربضت حتى تؤخذ ، فينتفع الناس من لحومها ، وانتفعوا بجلودها دهرا. فأراد بعض ملوك الغرب أن يحولها إلى مدينته سرا ، فلما قلعها بطل عملها.

ومما عمل في وقته : شجرة من نحاس عليها تمثال غراب من نحاس في منقاره حربة بادية الطرفين ، وهو منشور الجناحين ... ملتوية على ظهره ، فكانت الغربان إذا مرت بها وقفت عليه حتى يمسكن فرحلت الغربان إلى ناحية الشمال.

فاعتل بعض الملوك ، فوصفوا له / لحم غراب مطبوخا ، فتلمسوا غرابا ، فلم يجدوه ، فوجه إلى ناحية الشام قاصدا يأتيه بغراب فأبطأ عليه ، وازدادت علته ، فأمر بنزع الشجرة ، فرجعت الغربان ، فاستعمل منها حاجته قبل مجيء رسوله.

ومما عمل في وقته : صنم أسود على قاعدة سوداء ، وعلى كتفه قفّة ، وفيها مسحاة ، ونقش على رأسه وصدره ، وذراعيه وساقيه حروفا ، وقامته ، يطالع (١) وجعل وجهه ناحية المغرب فانكشفت (٢) تلك الرمال جميعها ، ورجعت إلى ورائها ، فتلك التلال العالية منها ولم تزل تندفع عنهم حتى تحول الصنم.

وأقام بودشير مدة محتجبا عن الناس ، وكان يخرج لهم في صور شتى ، وربما

__________________

(١) من أول كلمة ذراعيه إلى موضع الإشارة تكرر في المخطوط فحذفته.

(٢) في المخطوط : فاكشف ، وهو تحريف.

١١٨

خاطبهم ولا يرونه. ثم غاب عنهم مدة وهم في طاعته حتى رآه ابنه عذيم وهو يأمره بالجلوس مكانه.

عذيم بن البودشير الملك :

وهذا عذيم لا يطاق ، وكان عظيم الخلق ، لما جلس أمر بقطع الصخور ليعمل منها هرما كما عمل الأولون.

وأن هاروت وماروت كانا في زمانه في بئر بابل فغشاهم السحرة إلى آخر الزمان.

وفي أيام عذيم زنى رجل بامرأة محصنة فأمر بصلبهما على منارين ، ولصق ظهره إلى ظهرها ، وزبر

على المنارين اسمهما وما عملاه وأرّخه ، فانتهى الناس عن الزنا.

وبنى أربع مدائن وأودعها أصنافا كثيرة ، وكنز فيها كنوزا عظيمة.

وعمل في شرف منارا وأقام على رأسه صنما موجها إلى الشرق مادا اليدين يمنع دواب البحر والرمال أن تجاوز خدها ، وزبر في صدره : تاريخ الوقت ، وقيل هو بارق إلى الآن.

وعمل قنطرة في بلد النوبة على النيل ، ونصب عليها أربعة أصنام موجهة إلى أربع جهات في يد كل صنم جرس يضرب به إذا أتاهم عدو من تلك الجهة وقفت حتى هدمها فرعون. وهو الذي / عمل البرباني ببلد النوبة وهي باقية إلى الآن.

وعمل في إحدى المدائن الأربع حوضا من صوّان أسود مملوء ماء لا ينقص ولا يتغير ، فكان أهل تلك النواحي يشربون منه.

وعمل قدام البلد الذي ببلاد الهند حوضا لطيفا مدورا على قاعدة مملوء ماء ، وجعل عليه من البخار الرطب ، فيشربوا منه ، فلا ينقص ، وهو موجود إلى الآن.

وعمل قدحا لطيفا مثله وأهداه خويل للإسكندر اليوناني.

وملكهم عذيم مائة وأربعين سنة ، ومات وهو ابن سبعمائة سنة وثلاثون سنة. ودفن في إحدى المدائن ذات العجائب في أزج من رخام ملون بزرقة مبطن بزجاج أصفر ، وطلي جسده ، وجعل حوله من كنوزه وذخائره شيء كثير ، وذلك وسط المدينة ، وهي ممنوعة بروحانيتها.

وذكر بعض القبط أن ناووس عذيم في صحراء قفط على وجه الأرض في قبة عظيمة من زجاج أخضر براق معقودة على ثمانية أزاج من ذهب يعلو القبة طائر من ذهب موشح بجوهر منشور الجناحين ، يمنع من الدخول إليها ، وقطر القبة مائة ذراع في مائة ذراع. وجسد عذيم في وسطها على سرير من ذهب مشبك مكشوف الوجه وعليه ثياب

١١٩

منسوجة بالذهب مطرزة بجوهر منظوم.

والأزاج متوجة كل أزج منها ثمانية أذرع ، وارتفاع القبة أربعون ذراعا ، تلقي شعاع خضرتها على ما حولها من الأرض وجعل داخل القبة حول ناووسه مائة وسبعون مصحفا من مصاحف الحكمة. وسبع موائد وحولها أوانيها.

المائدة الأولى : من أدرك زماني يرى ما صنعته من حكمتي ، ولون المائدة أحمر ، وأوانيها منها.

المائدة الثانية : من ذهب فيلموني يخطف البصر منه تعمل التيجان وأوانيها منها.

المائدة الثالثة : من حجر الشمس المضيء ، وأوانيها منها.

المائدة الرابعة : من زبرجد يخلط لونه من شعاع أصفر / وأوانيها منها.

المائدة الخامسة : من كبريت أحمر مدبر ، وآنيتها منها.

المائدة السادسة : من ملح أبيض مدبر براق يكاد ضوؤه يخطف البصر ، وآنيتها منها.

المائدة السابعة : من زئبق ، معقود قرائبها ، وخواء من زئبق أصفر معقود ، وآنيتها من زئبق أحمر معقود.

وجعل حوله براني جوهر ملونة ، وبراني صنعة مدبرة ، وشبه أسياف صاعقية ، وكاهنية وترس من حديد مدور ، وخيول من ذهب وسروجها من ذهب ، وسبع توابيت من الدّر المضروب مسكوكة بصورته ومن آلات ، والعقاقير وسمومات ، وأدوية في براني الحنتم ، ومن الحجارة شيء كثير.

ومن عجائب هذه القبة : أن جماعة رأوها فأقاموا حولها أياما ، فلم يستطيعوا القرب منها ، وإذا كانوا منها ثمانية أذرع دارت يمينا وشمالا وقد شاهدوا ما فيها فتحسروا.

ومن غرائبها : أنهم كانوا يحاذون أزاجها أزجا أزجا فلا يرون إلا أصوات ولا يرون صورته إلا على معنى واحد. ورأوا وجهه ذراع ونصف بالكبير ، ولحيته على صورة طويلة كثة ، وبدنه عشرة أذرع وزيادة ، فلما فرغ زادهم رجعوا عنها فتاهوا ، فطافوا بتلك الصحراء أياما كثيرة ، فرأوا وحوشا لم يروا مثلها من أراد الوصول إليها فليذبح له (١) ديكا أفرق ويبخر بريشه (٢) بعد أن يرسل منه (٣) الريح حتى (٤) يصل إليها ، وتكون الكواكب

__________________

(١) في الهامش كلمة : وفي كتبهم ومن أول الإشارة. الإشادة.

(٢) جاءت العبارة كلها بالحروف المقطعة يعني : ل ه د ي ك م ا ف ر ق وي ب خ وب ر ي ش ه.

(٣) ومن هامش رقم (٣) إلى هامش رقم (٤) كذلك.

(٤) ومن هامش رقم (٣) إلى هامش رقم (٤) كذلك.

١٢٠