مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

ذلك كله مزارع الغلال من كل صنف في كل جهة ، فكان يرتفع له بها في كل سنة ما يكفيه لعشر سنين. وبين هذه المدينة وبين منف ثلاثة أيام وكان يقيم بها عشرة أيام ـ يعني بمنف ـ ثم يعود إلى مدينته. وجعل لها أربعة أعياد في السنة وهي الأوقات التي يحول فيها العقاب.

رجوع الوليد :

فلما فرغ من بنائها وافاه كتاب الوليد من ناحية النوبة ، يأمره بتنفيذ الأزواد إليه.

فعمد عند ذلك إلى من تأخر في ملك مصر من خدم وحشم ممن قد اتخذ لنفسه من بنات الملوك وكبرائها ، فحولهم بعد أن حصوا له (١) إلى مدينته ، وقعد له النفس وتمّ ، وقال دونه ومدينته. ثم أرسل له جميع ما طلبه وتحصن عون في مدينته ، ثم جاءه الخبر بأن الوليد على القرب من دخوله ، فعن قليل سمع أنه نزل في منف فخرج أهل مصر إليه فتلقوه وهنوه بسلامته وعافيته ، فتأمل القوم. فلم يجد معهم عون فقال : وما شأنه ، فأكثروا شكايته وما قد حل بهم منه ، وأنه فعل ما فعل.

فقال : وأين هو الآن؟

قالوا : فر منك.

قال : منّي؟ فرّ عون؟

قالوا : نعم ، وقد احتكم لنفسه مدينة عمل فيها كذا وجعل فيها كذا وأحكمها كذا وحصنها بكذا وأعادوا عليه الجميع ، فانخنق واغتاظ عليه غيظا شديدا لا سيما ولم يحضر. فعزم على أن يجيش له جيشا ، ويمضي إليه ، فأخبره القوم أنه لا طاقة له به لما أحكمه بها وأن جميع السحرة والكهنة هم حرستها. فكتب إليه بالقدوم عليه / وحذره التخلف عنه.

فأرسل يقول : ما على الملك مني مؤنة ، ولا تعرض لبلده ولا عبث لأحد من جهته ، فإنني عبده ونشوه ، وقد قطنت في هذا المكان ردّا لكل عدو يأتي من ناحية الغرب وغيره ، ومعلوم أن العبد لا يقوم لغضب سيده ، وشدة سطوته فلا أستطيع المجيء إليك ولا على الوقوف بين يديك ، ولتجعلني من بعض عمالك ، وها أنا أوجه إليك جميع ما عليّ من الخراج والهدايا ، وعمد إلى كثير من الأموال الجزيلة والجواهر النفيسة والتهنئة بسلامته ورجوعه إلى ملكه. فلما وصلت تلك الهدايا والأموال إليه ، وقرأ ما سطره ، ووقف على ما ذكره ، أقره على حاله ولم يشوش عليه. ثم دخل مصر ، فاستعبد

__________________

(١) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.

٨١

أهلها واستباح حريمها وغصب أموالها فسئمه الناس ، وكرهوا وتمنوا زواله وهلاكه ، فعاش مملكته مائة وعشرين سنة. فركب يوما لحاجة فألقته فرسه في وهدة فهلك ، واستراح الناس منه ، ودفن في الهرم ، وتولى بعده ولده الريان.

الريان بن الوليد وتقليده الملك :

فجلس الريان على سرير ملكه وكان عظيم الخلق جميل الوجه عاقلا متمكنا ، فجمع الناس فأحسن إليهم ، وأنزلهم منازلهم وأكرم كبراءهم ، ووهب أغنياءهم ، وواسى فقراءهم وحط عنهم الخراج ثلاث سنين ، ففرحوا به ، ودعوا له ، وشكروه وأثنوا عليه.

ثم أمر بفتح الخزائن فنقد ما فيها من الخاص والعام من أرباب المملكة ، وأمرهم بالعمائر من سد الجسور ، وجري المياه ، وعقد القناطر ، وحفر الترع وإصلاح البلدان ، وتقوية الفلاحين والمزارعين ومشايخ العربان ، وغير ذلك مما هو سبب لبقاء مملكته وحفظ رعيته.

ثم الريان اختلى بنفسه وقد تمكن أريحية الصبا فملك على البلدان رجلا من أهل بيته اسمه العزيز ، وكان من أولاد الوزراء ذا عقل ودهاء. غير أنه / قد أخطأ الرأي بميله مع هواه (١) وكثرة نزاهته ، وانعكافه على تهتكاته ومع ذلك كان عادلا قائما بمصالح الرعية مجتهدا في العمائر وتمهيدها ، فأمر العزيز أن ينصب له في قصره سريرا من الفضة برسم الجلوس ، وأشار لأرباب مملكته ، ووجوه دولته أن يجتمعوا صباح كل يوم بين يديه فيشاورهم في أمر يفعله أو حال يحدثه.

وأما الريان ابن الوليد ، فلا يلتفت إلى شيء من أمر مملكته ، وقد فوض أمره في ذلك للعزيز ، وهو مقبل [على](٢) ما هو عليه من بهته ولهوه وانغماسه في لذاته ولعبه ، فلا يظهر لأحد ولا يخاطب أحدا. فأقاموا على ذلك حينا والبلد في أمان والناس في عافية ، ويقال : [أن](٢) الخراج قد بلغ وقته وأيام العزيز ستة وتسعين ألف ألف مثقال جعلها العزيز أقساما فما كان له ولنسائه حمل إليه ، وما كان في أرزاق الحكماء والكهنة والفلاسفة وأصحاب الصنايع ومصالح البلد صرف إليهم.

ثم أن الريان أمر العزيز أن يهيىء له أماكن المفترجات والمنتزهات ، ويولد له فيها من العجائب والغرائب ما لم يسبق إليه. فعمل له مجالس الزجاج الملون وأخرى حولها الماء ، وأرسل فيه الشيمك المقرط والبلور الملون ، فكان إذا وقعت عليه الشمس أرسل شعاعا عجيبا يبهر العيون وعمل له متنزهات على عدد أيام السنة فكان كل يوم في موضع

__________________

(١) في المخطوط : هوايه ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٨٢

منها فبلغ أمره واتصل بالملوك والفرسان ، وسادات العربان. وأن العزيز المخلف عنه وهو الذي يدبر أمر مملكته والقائم بمصالح جيشه ورعيته.

فأرسلوا للريان رجلا من العمالقة وعضدوه بالجيش الكثيف ، وهذا الرجل اسمه : عاكن ويكنى أبا قابوس ، فسار إلى أن دخل مصر ، فنزل أولا على حدودها طامعا في أخذها. فاتصل أمره بالعزيز فأنفذ إليه جيشا معدا وجعل عليه قائدا اسمه : بريانس ، فأقام يحاربه ثلاث / سنين ، ثم ظفر به العمليقي فقتله ، ودخل عاكن من الحدود ، فهدم أعلاما ومصانع كثيرة ، وطمع في أخذ أهل مصر. فسمع بذلك أهل البلاد وشاع بينهم ، فعند ذلك اجتمع كبراء مصر من الوزراء والأمراء ومن شاكلهم ، ووقفوا بباب الملك ، واستغاثوا وأعلنوا بالصياح حتى سمعهم الملك من داخل قصره.

فقال : ما الخبر؟ وما الذي قد حدث؟

فأخبروه بخبر العمليقي وأنه غار على مصر ، وقتل كثيرا من عسكرها ، وأفسد معالمها وأعلامها وقد قصد الملك بجيش كثير معدين. فلما سمع كلامهم صحا من سكرته وارتاع لذلك وأنف. ونادى في مملكته أن لا يتأخر أحد عن إصلاح أمره واستعداده لمحاربة العمليقي.

فاجتمع عسكر مصر أجمع وأركب الريان وهزمه وظفر ببعض أصحابه فاستأسرهم ، فولى عنهم فتبعه إلى حدود الشام ، وقتل من أصحابه خلقا كثيرا ، وفسد زروعهم وحرق أشجارهم وقتل وصلب ، ونصب أعلاما على الموضع الذي بلغه وانتصر فيه وزبر على الأعلام : أن من جاوز هذا المكان لبالمرصاد. فهابه الملوك وأذعنوا له وأطاعوا ، وقيل أنه دخل على الموصل ، وصيرت على أهل الشام خراجه. وبنى عند العريش مدينة لطيفة وشحها بالسكان من الفرسان والشجعان وأعدهم بالسلاح وآلات القتال. ورجع إلى مصر فحشد جنودها من جميع الأعمال واستعد لغزو ملوك المغرب ، فخرج سائرا نحوهم في تسع مائة ألف فارس والأتباع فاتصل خبره بملوك الأرض فمنهم من تنحى عن طريقه ، ومنهم من دخل تحت طاعته.

وجاز على أرض البربر فأجلى كثيرا منهم ووجه قائدا له يقال [له](١) مريطس في سفن ، فركب من ناحية رقوده ، ومرّ بجرائر بني يافث فيها واصطلم أهلها وخرج من ناحته البربر فقتل بعضهم ، وصالح بعضهم ، وحملوا له الأموال وزحف إلى أفريقية ، وقرطاجنة ، فصالحوه على الأموال والهدايا حملوها له وسار ، وتوغل في البلاد / حتى بلغ مصب البحر الأخضر إلى بحر الروم ، وهو موضع الأصنام النحاس ، فأقام هناك

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.

٨٣

صنما ، ونصبه وزبر عليه اسمه وتاريخ الوقت الذي خرج فيه. وضرب الخراج على أهل تلك النواحي ، وعدّى إلى الأرض الكبيرة ، وسار إلى الأفرنجة ، ودخل الأندلس في حوزهم ، وعليها لذريق الأصفر فحاربه أياما. وقتل من أصحابه خلقا كثيرا ، وصالحه بعد ذلك على ذهب مضروب والتزم له أن لا يغزو مصر ، ومنع من أراد ذلك من أهل تلك النواحي. وانصرف راجعا وسار على عبر البحر مشرقا يشق بلاد البربر فما مرّ في موضع إلا خرجوا إليه وتمثلوا بين يديه ، ودخلوا تحت أمره ورأيه وقدموا له الهدايا.

ثم أخذ نحو الجنوب ، ومرّ ببلد الكوسا ، فلم يطيعوه ، وحاربوه فظفر بهم ، وقتل منهم جمعا كثيرا ، وبعث قائدا له (١) إلى ملكهم على عبر البحر الأسود ، فخرج إليه ملك تلك المدينة وأصحابه ، فاجتمع به القائد ، وعرّفه بالريان ، وحاله ، وطاعة الملوك له ، ومصالحتهم معه.

فقالوا : ما سلك ببلادنا هذه أحد غيره.

فقال لهم القائد : ولا ركب هذا البحر أحد.

قالوا : لا ، ولا يستطيع أحد أن يركبه لهوله ، وأخبروه أنه لربما أظلته الغمام فلا يرونه أياما.

فبينما هم كذلك إذ وافاهم الريان ، ودخل عليهم فلاقوه وأكرموه وأهدوا له ، وقدموا له فاكهة أكثرها الموز وأعطوه حجارة سودا إذا جعلت في الماء صارت بيضا. ثم سار حتى بلغ بلاد السودان ، ومملكة دمدم الذين يأكلون الناس أحياء فخرجوا إليه عراة وبأيديهم جزر الحديد ، وخرج ملكهم راكب ، وهو رجل مهاب عظيم الخلق له قرون عتلّ كأنه فيل له عينان كأنهما جمرتان.

فهزمهم الريان فولوا عنه حتى دخلوا في أدغال لا يطاق سلوكها ، فجاوزهم الريان إلى قوم في شبه القرود لهم أجنحة خفاف يثبون بها من غير ريش.

فمر على عبر البحر / المظلم فغشيهم منه غمام فرجع شماليا حتى مرّ على جبل بقالوس ، فرأى فوقه تمثالا من حجر أحمر ، وكأنه يومي بيده ارجعوا ، وعلى صدره مزبور : ما ورائي أحد .. فولوا راجعين حتى انتهى إلى مدينة النحاس فما استطاع الدخول إليها وسار حتى بلغ الوادي المظلم ، فكانوا يسمعون منه جلبة عظيمة ولا يرون أحدا. ثم سار حتى بلغ وادي الرمل فرأى على عبره أصناما عليها أسماء الملوك قبله ، فأقام معها صنما ، وزبر عليه اسمه ومسيره.

__________________

(١) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.

٨٤

فلما أسبت الرمل جاز عليه إلى الخراب المتصل بالبحر الأسود ، فسمع جلبة وصياحا هائلا فتبع الصياح في عسكر من شجعان جيشه فأشرف على وادي السباع المعروفة بالأنوف ، وإذا بعضها يهر على بعض ، ويأكل بعضها بعضا فعلم أنه لا مذهب له من ورائها. فرجع القهقرى وعدى وادي الرمل ، ومرّ بأرض العقارب ، فهلك بعض أصحابه وخلص بعضهم برقاء كانوا يعرفونها.

ثم أن الريان استدرك فجدّ في مسيره حتى انتهى إلى مكان صلقوه وهي حيّة فرقوا أنفسهم فسلموا وعرجوا عنها بعد أن هجموا عليها جاهلين بأمرها ، ثم علموا أنها حية.

وتزعم القبط أن الريان سحرها فماتت مكانها. وقيل : إنه تعزّ بجهاميل من الناس ، وأنها كانت تبتلع السباع في ذلك المكان. ثم سار إلى مدينة الكند ، وهي مدينة الحكماء ، فلما رأوه هربوا منه فصعدوا جبلا لهم من مواضع يعرفونها من داخل مدينتهم.

فأراد الريان أن يصعد إليهم فعجزوا ولم يروا مسلكا يصعد منه ، ولا عرف طريقهم. فأقام عليها أياما ، وكادوا يهلكون من العطش لقلة الماء ، فنزل بالريان رجل من الجبل يقال له ميدوس ، وكان من أفاضل الحكماء ، وقد اكتسى جسده بشعره ، فواجه الريان ، وقال له : أين تريد أيها المغرور بنفسه وبغيره الممدود / أجله المرزوق فوق كفايته وقد أتعبت نفسك وجيشك ، هلا اخترت بما ملكت راحة نفسك ، وأسلمت أمرك لخالقك؟ فاستحسن كلامه. ثم أنه سأله عن موضع الماء ، فدله عليه فشربوا وسقوا دوابهم ، ثم سأل عن مواضعهم.

قال : فليس لك إليه سبيل ولا لأحد قبلك كان له إليه وصول.

قال : فما معاشكم؟

قال : أصول النبات.

قال : فمن أين تشربون؟

قال : من نقار الماء الذي من الأمطار والثلوج.

قال : فلأي شيء هربتم منّا؟

قال : حتى لا نرى أحدا منكم ، وليس لنا شيء نخافكم عليه.

قال : فإذا حميت الشمس فأين تأوون؟

قال : في غيران تحت هذا الجبل.

قال : فهل تحتاجون إلى شيء من المال أخلف لكم؟

قال : إنما يريد المال أهل البذخ ونحن لا نستعمل منه شيئا استغناء ، وعندنا من المال ما لو رأيته لحقرت ما عندك.

٨٥

فقام الريان وأصحابه فتبعوه ، فأراهم أرضا في سفح جبل لهم ينبت الذهب ، ثم خرج بهم إلى واد لهم في حافتيه حجارة الزبرجد ، والفيروزج.

فأدهشه ما رآه وتعجب من هذه البلدة وما شاهده فيها ، وازداد إعجابا لرغبتهم عنها ، وزهدهم لما فيها ، فلما أراد أن يفارقهم أمر بعض أصحابه أن يحملوا شيئا من حجارتها من الزبرجد ، والفيروزج ، وسأل ذلك الحكيم ، فأرشده إلى الطريق.

فلما يزل سائرا من أمة إلى أمة حتى بلغ بلاد النوبة فصالحوه على مال حملوه له.

ثم دخل مقيلة ، فأقام بها علما فزبر عليه خروجه من مصر وبلوغه إلى هذه الأماكن.

ثم أنه رجع إلى منف ، فكان لا يمر ببلد من بلاد مصر إلا ويلقونه بالفرح ويهنئوه بالسلامة ، فلما دخل منف لم يبق أحد من أهلها إلا تلقاه مع العزيز بأصناف الطيب والرياحين والمجمرات والهدايا والتحف وكان العزيز قد بنى للملك مجلسا من الزجاج الملون ، وفرشه بالفراش المذهب ، وغرس حوله أصناف / الرياحين وجعل فيها صهريجا من زجاج سماوي ، وجعل في أرضه سبه السمك من زجاج أبيض ، وأقام الناس حوله أياما يأكلون ويشربون.

ورأى ما ههيىء له من التحف التي قدمت إليه فشكره العزيز على حسن صنيعه ، ثم استقر على سرير ملكه وعرض جيشه الذي كان معه فوجده قد نفذ منه سبعين ألفا.

وقد كان خرج من مصر في ألف ألف ووجد من انتمى إليه من العربان نيفا وخمسين ألفا. وكان مسيره وغيبته إحدى عشر سنة ، فلما سمع الملوك بذكره وما بلغ من أمره في مسيره وطاعة الأمم له خافوا من شدة سطوته وسلطانه ، وقد زاد تجبره وقرب أجله. وبنى بالجانب قصورا من رخام ونصب عليها أعلاما ، فكان ينزلها ويقيم بها الأيام الكثيرة.

وبلغ الخراج في وقته : سبع وتسعين ألف ألف مثقال ، فأحب أن يجعله مائة ألف ألف مثقال فأمر بالعمارة وإصلاح الجسور والزيادة في استنباط الأرض فبلغ الخراج الذي أراد وزاد.

قصة يوسف عليه‌السلام مع الملك

ذكر القبط ، وأهل التاريخ قالوا : وأدخل إلى المدينة أي البلد غلام من أهل الشام قد احتال عليه إخوته وباعوه ، وكانت قوافل الشام تعرس بناحية الموقف اليوم ، فأوقفت الغلام ـ وهو يوسف عليه‌السلام ـ ونودي (١) عليه فبلغ وزنه في بيعته الثانية ذهبا وورقا ،

__________________

(١) في المخطوط : نورى ، وهو تحريف.

٨٦

فاشتراه العزيز ليهده للريان ، فرأته امرأة العزيز ، فأحبته ، وزاد شغفها به ، وكتمت أمرها فزاد بها ، فأظهرته ، ثم أنها تزينت وتعطرت وخلت به ، وأرادت أن تقبّله ، فامتنع فراودته عن نفسه ، فامتنع ، فهم كذلك إذ وافاهم العزيز ، فرأى يوسف عليه‌السلام قد فرّ منها وهي خلفه قد أخذت بذيله ، وقدّ من قوة الجذب فرأته ـ يعني فرأت العزيز ـ فقالت ما قالت ، ورد قولها بما فعلت / فقال ليوسف عليه‌السلام : أعرض عن هذا الاعتذار ، فإنه من كيدها ، وقال لها : استغفري لذنبك.

وقد اتصل الخبر بالملك ، فأرسل إلى العزيز ، فامتنع ، وكان الريان قد رجع إلى ما كان عليه أولا من الاشتغال بتنزهه ولذاته ، وانعكافه على هواه وشهواته على أن العزيز قائم بتدبير مملكته ، والناظر بصالح رعيته.

وقد سمع بعض النساء بخبر زليخا ويوسف عليه‌السلام وعايروها بذلك ، فأحضرتهن ، وصنعت لهن طعاما مفتخرا ومدت لهن (١) وفرشت لهن مجلسا بالديباج الأصفر المذهب ، وفرشت ليوسف عليه‌السلام مجلسا لطيفا مقابل لمجالسهن ، وأرخت عليها ستور الديباج ، وأطلقت مجامر النّد والعود القاقلي واللبان الطيب ، وزينت يوسف عليه‌السلام أحسن زينة ، وألبسته أفخر الثياب ، ونظمت شعره بأصناف الفصوص الثمينة ، واللآلىء والجواهر الثمينة اليتيمة ، وألبسته ثوبا من الديباج الأصفر المنسوج بدارات حمر من الذهب الأبهر ، ومن تحت البطانة غلالة خضراء ، وجعلت فيه مخيلات شبه الطيور كأنها تلعب تحتها ، وتوجته بتاج مكلل منظوم بأصناف الدر والجوهر والياقوت الأحمر ، ومدت أطراف شعره فوق جبينه ، وردت ذؤابتيه على صدره ، وأسبلتها على طوق قنائه بين كتفيه ، ونظمته باللؤلؤ والذهب ، وعنقته بطوق من الذهب مشذر بجواهر حمر ودرّ فاخر ، وجعلت في وسطه منطقة من ذهب ، فيها كواكب جواهر ملونة مغاليقها منظومة بأصناف الياقوت ، وألبسته خفين أبيضين منقوشين بكمنخت أخضر يحوطه نقش مذهب وجعلت قباه وشاحين على كتفه ، بفرادر تحيط بطرفيه ، وأسفله ، وكميه منظمة بجوهر أخضر ، وعقربت صدغيه على خديه وكحلت مقلتيه ، ثم بعد ذلك كله رفعت له مدية من ذهب شعرها أخضر ، فلما فرغت من ذلك كله قالت : أخرج عليهن.

وأعطت / لكل واحدة منهن سكينا نصابها جوهر ، وطرحت الأترج بينهن ، وقالت : دونكن قطعن وكلن ، وقدمت لهن شرابا ، فلما اطمأن بهن المجلس تحادثن ، ثم أن زليخا أقبلت عليهن ، وقالت : قد بلغني ما قلتن فيّ.

فقلن : كما هو بلغك لأنك منزهة عن مثل هذا لأبناء الملوك ، فكيف يكون مع

__________________

(١) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.

٨٧

غلام مع ما أنت عليه من الحسن والجمال والعقل والشرف؟

فقالت : كلام نقل. ثم أمرت للجواري أن يرفعن ستارة المجلس ، فلما خرج عليهن أشرق نور من جبهته كاد

يخطف أبصارهن فوقف على زليخا يذب عنها بيده. فلما رأينه نظرن إليه وبهتن وجعلن يقطّعن أيديهن ولا يدرين.

فقالت لهن زليخا : أراكن قد أشغلكن رؤية الغلام عن سماع الخطاب!

فقلن : معاذ الله ليس هذا بغلام ، وإنما هو ملك كريم.

قالت : فذلك الذي لمتنّني فيه.

فقلن : ما ينبغي لأحد أن يلومك. وجعلت كل واحدة منهن تدعوه لنفسها ، فلم يجب منهن أحدا ، فعاودته زليخا ، فأبى عليها. ثم بدا لها أن تسجنه بعد أن تسلبه ما ألبسته ، فعلم بذلك يوسف عليه‌السلام ، فقال : ربي ، السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه.

فلما سجن استأنس به أهل السجن ، فأحبوه ، وكان يحادثهم ويعبر لهم رؤياهم ، ويعدهم بالفرج ، فلما رأى الملك ما رأى ، وفسر له رؤياه خلصه من السجن ، وألبسه ما يصلح له ولمجالسته الملوك ، فلما حضر عند الملك جالسه وحادثه وألقى الله محبته في قلب الريان ، فسأله ثانيا عن تأويل رؤياه ، فأخبره بذلك.

قال : ومن يقوم لي بذلك؟

قال : فإني حفيظ عليم. فخلع عليه خلع الملوك ، وتوجه بتاج بعد أن كلله ، وأمر خاصته أن يطوفوا به ، ثم يردوه إلى قصره ، ففعلوا.

وكان العزيز قد هلك ، فأقامه مكانه ، وأجلسه على سرير مملكته ، وزوجه امرأة العزيز ، واعتذرت له زليخا ، وقالت (١) : إن العزيز كان عنينا لا يأتي النساء.

فكان على المملكة بالعدل / والحكم وإصلاح الدولة والنظر في مصالح البلد والرعية ، والرفق بالاعتبار ، ومواساة الفقراء ، وافتقاد الأرامل والزمناء ، والتوسعة على العمال ، والنظر في حق (٢) الضعفاء ، ومساعدة المديونين ، وموالاة الغرباء والمساكين.

فلما أن قلّ بمصر سنين الجدب عمد إلى الشون والحواصل من الغلال ومخازن الحبوب من أمتعة الناس ، والدواب ، والأنعام بعد أن كادت مصر تخلو من أهلها من غلو الحبة حتى بيع القمح بالجوهر بعد الدواب والثياب والأواني والعقار ففرق منها ووهب

__________________

(١) في المخطوط : قال ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : الحق ، وهو تحريف.

٨٨

وأعطاهم. وأما غالبهم : فإنهم أباعوا له نفوسهم ، ثم أنه بعد أن ملكهم أعتقهم. ولما بلغه أن الشام أصابها من القحط ما أصابها أرسل خلف أبيه وأهله ، وأرسل خرج يوسف عليه‌السلام ، فتلقاهم مع جيشه وأهل مملكته ، وقد أتي من فضل الله ورحمته ، خرّوا سجدا لله وشكروا نعمته.

وسمع الملك بقدوم يعقوب عليه‌السلام ، فأرسل في طلبه ، فأدخله العزيز وهو يوسف عليه‌السلام ، وكان يعقوب عليه‌السلام بهيا جميلا ، فلما وقع نظر الملك عليه أحبه وقرّبه وعظّمه وأكرمه ، وأجلسه إلى جانبه وحادثه وآنسه ، ثم أنه سأله عن عمره وصناعته ودينه؟

فقال : عمري عشرون سنة ومائة سنة ، وأما شغلي فكنت أرعى غنما لنا ، وأما الذي أعبده فربّ العالمين ربي وربكم ، وربّ آبائكم الأولين.

وكان في مجلس الملك كاهن اسمه فيتامين ، لما سمع كلام يعقوب عليه‌السلام ضاق به ذرعا وقال للريان بلغتهم : إني أخاف أن يكون خراب مصر على يد هذا الولد.

فقال الريان للكاهن : حقق لنا أنت خبره.

قال فيتامين : ما تعبد؟

قال : إلهي أعظم من أن يرى.

قال : فنحن نرى آلهتنا!

قال : لأنها مصنوعة من آلات كالحجارة وغيرها ، والله سبحانه خالقها.

قال : صفه لنا؟

قال : جلّ أن يوصف.

/ ثم أن يعقوب عليه‌السلام نهض للقيام غضبا ، فأجلسه الملك وصار يأخذ بخاطره ويسكن ما عنده ، وأمر فيتامين أن يكف عنه ، وقال ليعقوب عليه‌السلام : كم عدة من دخل معك إلى مصر؟

قال : ستون رجلا.

فقال الكاهن : هكذا في كتبنا : أن خراب مصر يكون على أيديهم.

قال الملك : هذا يكون في زماننا وفي أيامنا؟

قال : لا ، والصواب قتله ومن معه.

فقال : إن كان الأمر كما زعمت فلا طاقة لأحد على قتله ، وقد مال قلبي إلى هذا الشيخ الحسن.

٨٩

وصار يخدم يعقوب ـ عليه‌السلام ـ ويجل قدره إلى أن حضرته الوفاة. فأوصى أن يحمل إلى مكانه في الشام ، فحمل في تابوت ، وخرج يوسف عليه‌السلام وتبعه الكثير من كبراء مصر ، ووجوه الناس ، حتى دفن في مكانه بعد أن صلى عليه خلق كثير لا يحصى عددهم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام. فلما فرغوا من دفنه رجعوا مصر.

وقيل : إن الملك آمن بيوسف وأبيه عليهما‌السلام ، وكتم ذلك خوفا على فساد ملكه. وملك الريان مائة وعشرين سنة ، وكان القبط يسمونه نهراوش ، فلما مات استخلف ابنه دارم.

دارم الملك :

لما توفي أبوه وجلس على سرير ملكه أقر يوسف عليه‌السلام على حاله خليفة لتدبير ملكه ، وظهر في وقت دارم معدن من فضة على ثلاثة أيام من النيل ، فأصابوا منه شيئا كثيرا وصنع دارم منه صنما على اسم القمر لأن طالعه كان السرطان ، ونصبه على القصر الذي هو رخام بناه أبوه في شرقي النيل ، ونصب حوله أصناما كلها فضة وألبسها الحرير الأحمر ، وعمل للصنم عيدا في السنة وهو إذا دخل القمر السرطان.

وكان دارم يتنقل في أماكن كثيرة يتنزه فيها وكان إذا رام لأحد ضررا منعه يوسف عليه‌السلام.

ثم توفي عليه‌السلام ، فأمر دارم أن يكفنوه في حلل الملوك ، فغسل ، وكفّن ، وصلى عليه في تابوت من رخام / في الجانب الغربي ، بجعلوه ـ يعني في غربي مصر ـ فأخصب ونقص الشرقي ، فحوّل إلى الشرق ، فأخصب ونقص الغرب ، فجعلوه في كل ناحية عاما. ثم بدا لهم أن يجعلوه في وسط النيل ، فأخصبا معا.

ثم أن دارم عمل واديا منحوتا بين جبلين في الناحية الغربية ، وكنز فيها كنوزا ، فلا يقدر أحد أن يصل إليها ، وجعل إلى باب الخباء بابا من حديد ، وضمده بجماعة من العفاريت يمنعون من يصل إلى ذلك الخباء فمن أراد الدخول إليه سقط من الوادي.

وقيل : جعلها مكشوفة يراها الناس وجعله ذهبا مضروبا في كل مثقال عشر مثاقيل ونقش عليها صورته ، فمن أخذ منها شيئا انطبق عليه الباب الحديد ، فإن رده مكانه فتح له الباب ، وهو بحاله إلى يومنا هذا.

وكان دارم فاسقا لا يسمع بامرأة إلا اعتصر وزاد تجبره ، وكرهه أهل منف ، وشق عليهم أمره.

وكان له وزير عاقل له رأي اسمه : بلاطس فلما رآه كذلك خاف على فساد المملكة ، فدخل عليه وقال : لا يصلح للملوك أن يهجموا على حريم رعيتهم ، ولا أن

٩٠

يفعلوا معهم شيء ينفرهم عنهم ، وهذا مما يؤدي إلى شناعة فعلك وزوال ملكك.

فلم يلتفت لكلامه وأراد أن يأمر أرباب مملكته بالهجوم على أهل بلده ، وقال : هم عبيدي وعبيد آبائي.

فتلطف به بلاطس حتى سكن غضبه ، وقال : إن كان ولا بد فاعتذر لهم عني ، ففعل. فأبى أكثر الناس إلا بكلام الملك فرجع الوزير وأخبر دارم وقال : لا بأس بأن يخرج الملك إليهم ويعتذر لهم ، فوعدهم بذلك.

ثم أنه لبس أفخر ثيابه وتتوج بأكبر تيجانه وأمر وزيره أن يأمر أهل البلد بالدخول على الملك.

فلما اجتمعوا عنده ذكروا له ما قد حلّ بهم من أخذ أموالهم واستباحة نسائهم وأنه لم يسبق إلى ما فعله أحد من الملوك قبله ، فاعتذر إليهم ، ووعدهم بالكف عما هو عليه ، وأسقط عنهم خراج ثلاث سنين ، وأمر لضعفاء الناس بمال / ينفق عليهم ، وخرج الناس من عنده ، وهم ما بين ساخط وراض. ثم بنى له قصرا من خشب ممتدة بأضلاع مستمرة فيها ودهنه وذهّبه ، وجعل فوقه قبة من فضة مموهة بالذهب مصورة بالزجاج الملون وعلق فيها الحجر المضيء الذي أهدي لأبيه ببلاد الغرب.

فلما فرغ من بناء القصر (١) زينة بأحسن زينه وفرشه بأفخر الفرش ، وجعله طبقتين طبقة له ولمن يحبه ويجالسه ، وطبقة لخدمه وحشمه. فكان يتنزه فيه كلما بدا له ، فهو يوم فيما هو فيه من تزهد وتيهه ، وكان ماءه أخذ في الزيادة وبلغ فوق العادة وعلا البحر وطما وأشرق نور القمر ، وامتد على الماء فخطر له أن يعدّي في قصره من العدوة إلى العدوة الأخرى لأن قصره كان يسير به على وجه الماء ، فنزل من قصره وركب البحر في مركب في ثلاث نفر من أصحابه وامرأة ساحرة ، فلما توسط البحر هاجت عليهم ريح عاصف فغرق هو ومن معه وأصبح الناس شاكين فيه لا يدرون ماذا حلّ به حتى رأوا جثته في شطنوف فعرفوه بخاتمه ، وبجوهر مقلد به فحملوه إلى منف ، فدفن فيها.

وقدم الوزير ولده فأجلسه على سرير ملكه فجمع الناس وأحسن إليهم ووعدهم ورد إليهم نساءهم ، وأسقط عنهم الخراج أربع سنين.

مناقيوس الملك

قال صاحب التاريخ : أنه كان رجلا عاقلا حريصا لما استقر به الملك استأنف العمارات وأبقى القرى ونصب الأعلام ، وجمع الحكماء ومصاحف الملوك ، وبنى له

__________________

(١) في المخطوط : القصور ، وهو تحريف.

٩١

مدينة انفرد فيها وعمل عليها حصنا ، ونصب عليه أعلاما أربع في كل ركن علما ، وجعل بين تلك الأعلام ثمانين تمثالا من نحاس وأخلاط في أيديها آلات السلاح وزبر على صدورها آياتها.

وكان في منف رجل من أولاد الكهنة له يد في السحر ، فأمر الملك مناقيوس أن يبني له مدينة يسكنها ، فبنى له بلد أخميم ، وتملك عليهم / مناقيوس نيفا وأربعين سنة ، ومات ودفن في الهرم المحاذي لأطفيح ، ونقل معه شيء كثير من الجواهر والمال والأواني والتماثيل وغير ذلك ، وزبر على الهرم اسمه وتاريخ الوقت الذي هلك فيه. وهو أول من عمل الميدان وأمر أصحابه بالرياضة لأنفسهم فيه.

وهو أول من عمل البيمارشان (١) لعلاج المرضى والزمناء ، وأودعها العقاقير ، ورتب فيه أصحاب الطب ، وأجرى لهم ما يكفيهم وأقام عليه الأمناء. وجعل لنفسه عيدا في كل سنة فيجتمع فيه الناس في أكل وشرب وسرور سبعة أيام والملك يشرف عليهم من مجلس له قد أنشأه على عمد مطوقة بذهب وزينه بالفرش المنسوجة بالذهب. وجعل فوق ذلك المجلس قبة وصفح داخلها بالزجاج المسبوك بالذهب ولبسها من خارج بالألوان المختلفة فأضاء لها ذلك المجلس ضياءا قويا ، وكان الناس يتفرجون منها على بعد.

وفي أيام مناقيوس بنيت سره من صحراء الغرب اللواحات (٢) عملها مربعة من حجر أبيض على تقدير واحد ، وجعل لكل حائط من حيطانها بابا في وسطه شارع ينتهي إلى الحائط المحاذي له من الجهة الأخرى ، وجعل في كل شارع يمنة ويسرة أبوابا تنتهي طرقاتها إلى داخل المدينة ، وجعل في وسط هذه المدينة ملعبا يدور به من كل باب وناحيته سبع درج.

وعمل لهذا الملعب قبة من خشب مموه بالذهب على عمد من رخام عليه صنم من صوّان أسود يدور بدوران الشمس ، وجعل في أرجاء القبة صور معلقة من صفر ، تصيح بلغات مختلفة. فكان الملك يجلس على الدرجة العالية من الملعب وحوله بنوه ، وأبناء الملوك وقرائبه.

وعلى الدرجة الثانية من تحت : الوزراء ، والأمراء والكبراء ، ثم أصحاب العلوم مثل الكهنة ، والمنجمون.

وعلى الثالثة : رؤساء الملوك.

__________________

(١) ويقال : البيمارستان ، أي : المصحات أو المستشفيات.

(٢) لعلها ما نعرفه الآن في مصر بالواحات وهي في الصحراء الغربية.

٩٢

وعلى الرابعة : الفلاسفة والأطباء.

وعلى الخامسة : أصحاب العمارات.

/ وعلى السادسة : أصحاب المهن والزراعات.

وعلى السابعة : العامة والتبعات.

وقال لأصحاب الدرج : كل منكم ينظر إلى من هو تحته ، ولا ينظر الدون إلى من هو فوقه ، فإنكم لا تدركونهم (١).

وكان للملك نسوة كثيرة ، وكان يحب منهن امرأتين يخصهن بمجالسته ومنادمته يجمع بينهما في مجلس واحد ، فمال يوما إلى إحداهن ، فغارت صاحبتها ، فأخذت سيفا وهجمت عليهما فضربتهما وهربت ، فأرسل خلف الأطباء ، فقالوا (٢) : ما لطعنتها حيلة.

فأوصى أن تقطع رأسها وتعلق على ناووسه ، وهلك ففعلوا بها ما قال ، وكان ملكه ستين سنة واستخلف ولده :

مرقورة الملك :

فجلس على سرير المملكة ، فدخل عليه أرباب المملكة فهنأوه ، ودعوا له. وكان مرقورة هذا رجلا عاقلا حازما جميلا ، فأخذ في حسن التدبير ، فقدم العمائر ، وأمر بإصلاح الجسور ، وتجديد القناطر وبناء الهياكل. وأقام الأصنام التي هي غربي منف وبعضها باق إلى الآن ، وكان يذلل السباع ويركبها.

ملك نيفا وثلاثين سنة وعمل له ناووس على طريق العزب على يومين من منف.

واسمها الآن منوف. ولما هلك :

جلس ابنه بلاطس :

فجلس على سرير الملك وكان صبيا وكانت أمه جميلة عاقلة ، فكان الوزراء والكهنة والكبراء يدبرون عنه مملكته مع أمه وينظرون في مصالح رعيته ، فلما وجدوا أمه لها عقل ورأي ، فوضوا الأمر إليها ، وقاموا في مناصبهم لوظائفهم ، فأجرت الأمور على ما كانت عليها في أيام أبيه ، وأحسنت إلى الأولياء وعدلت في الرعية ، وحطت عنهم بعض الخراج ، فأحبوها ، وصدروا عن رأيها ، وعملت في وقتها البركة العظيمة التي في صحراء الغرب ، وجعلت في وسطها عمودا طوله ثلاثون ذراعا ، وجعل على رأس العمود قصعة من حجر يفور منها الماء ، فهي لا تنقص. وجعلت حول تلك البركة أصنام من

__________________

(١) في المخطوط : لا تدركونكم ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : فقال ، وهو تحريف.

٩٣

حجارة / ملونة من كل صنف ، على صور الحيوان والوحوش والطير ، فكان كل جنس يأتي إلى شكله ، فيألفه حتى أنها تؤخذ بالأيدي.

وكان الملك مولعا بحب الصيد ، فعملت له أمه متنزها ، وفوقه مجالس مركبة على أساطين من المرمر ، مصفحة بالذهب عليها قباب مرصعة مثلها بأصناف الجوهر والزجاج المسبوك الملون ، مصورة مزخرفة بتصاوير عجيبة ونقوش مؤتلفة ينبع من تحتها الماء من فورات فيها فتصب في أنهار مصفحة بالفضة تفيض إلى حدائق ملونات ببدائع الغروس والأشجار على أغصانها تماثيل الطيور إذا دخلها الريح صفرت صفيرا عجيبا بأصناف اللغات ، ونضت ذلك بأنواع الفواكه وأرخت عليها ستور الديباج المنسوج بالذهب.

واختارت له أحسن بنات عمه وبنات الملوك ، فزوجته بهن ، وعملت حول البساتين والمنفرجات مجالس يجلس فيها الوزراء والكبراء والكهنة ، وأرباب المملكة ، وأهل الصناعات يعملون له من العجائب وبدائع الصنائع ويقدمونها له.

فكان أكثر إقامته في تلك البساتين ، ومع ذلك كان يتفقد جماعته وخواص مملكته وعوامهم بالنفقات والأطعمة والشهوات ، فأقام على ذلك وأموره جارية على السداد الطيبة العيش في لعب وطيش. وكان من عادته إذا عاد من جنته إلى قصره أنعم على جيشه بالجوائز.

وكان قد قسّم أيامه : فيوم يجلس فيه للناس ، فينظر في مصالحهم ويقضي حوائجهم. ويوم يجلس فيه مع حريمه. ودام على ذلك برهة من الزمان ، وعمل له ناووس في جنته ، وجعل فيه من الجوهر والمال والتماثيل والصنعة شيئا كثيرا ، وملك ثلاث عشر سنة ، ثم انتقل إلى أعمامه بعد أن دفن في جنته.

تمّ الجزء الثاني

٩٤

الجزء الثالث

ذكر الملوك بعد ذلك

قال : وهم الملوك الجبابرة ، والعتاة الأكاسرة ، الذين أقاموا الأعلام والدّخر ، والكنوز ، وصنعوا التماثيل العجيبة الناطقة ، وأثاروا المعادن ووضعوا / الطلسمات المانعة ، وصوروا التصاوير الرادعة ، وتغلبوا على من ناوأهم من الملوك ـ أي ملوك الأرض ـ وقهروا واستيسروا ، والله أعلم.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ذكر الملوك بعد الطوفان (١)

قال صاحب التاريخ : لما قسم نوح عليه‌السلام الأرض بين بنيه ، جعل لولد سام عليه‌السلام : وسط الأرض الحرم وما حوله ، واليمن إلى حضرموت إلى عمان ، والبحرين إلى عالج ، وبيرين ووباد ، والدو ، والدهناء إلى الساحل ، وطرف بلد الهند.

وكان هذا كله قرى عامرة ، وحصونا وقصورا وبساتين متصل بعضها ببعض إلى أن أهلك الله تعالى قوم هود ، ففسد الكثير منه.

وجعل الله تعالى في ولد سام النبوة والبركة وجعلها لحوم بعض الشام ومصر إلى أعالي النيل إلى النوبة ، والبجّة ، وأصناف بلد السودان إلى البحر الأخضر مع الحبشة والسند والهند ، والزط ، والبند.

وقسم ليافث : الترك والصين ، ونواحي يأجوج ومأجوج ، والصقالبة والروم ، والإفرنجة ، والأنفرده ، والأندلس إلى البحر الأكبر وسواحله.

وجعل لولد بحطون : من الصين إلى الشجر إلى نواحي بلاد اليمن ، ثم انبسطوا إلى نواحي بابل. وكثروا ، وبارك الله فيهم حتى صاروا نيفا وسبعين ألف بيت يشتمل كل بيت منهم على خلق كثير إلى أن ضرب إبليس بينهم ، فكانت البلبلة ، فافترقوا ، فكان أول ملك ملك منهم :

__________________

(١) في المخطوط : الطوائف ، وهو تحريف.

٩٥

النمرود الأول بن كوش بن حام بن سام بن نوح عليه‌السلام :

واسم النمرود : عول ، وكان أسود ، أحمر العينين في جبهته غدّة كالقرن مشوها ، وهو أول أسود رؤي بعد الطوفان ، وجميع السودان من ولده ، وذلك بدعوة أبيه عليه لمّا صدر منه ما صدر ، والقصة معلومة ، فدعى على حام أن يكون ولده سود مشوهين ، وأن يكونوا عبيدا لبني سام. ودعا على ولد يافث أيضا بأن يكونوا عبيدا لبني سام ، وأن يكونوا من شرار النيابين.

وكان حام / جميلا طيب الرائحة ، وكان لا يغشى زوجته خوفا من دعوة أبيه ، فلما مات أبوه جامعها ، فحملت بكوش ، وأخته ، فنظرهما ، ففزع منهما ، وجاء إلى أخويه فأخبرهما ، وقال : قلت لها : هل قربك شيطان أو أحد غيري؟ فقالت : لا. فقال له سام : دعوة أبيك.

فاغتمّ لذلك وتركها دهرا ، ثم غشيها فولدت له أسودين : قوط وتوأمته ، فهمّ أن يجب نفسه فمنعه أخوه فتركها زمانا ، ثم واقعها فولدت : كنعان وأخته ، فرآهما ، فخرج على وجهه لا يدرون أين ذهب ، وكان جبارا عنيدا ، فدخل عليه إبليس وقال له : أنا كاهن الكهان ولم أر في ولد جدك أحدا يقاربك ، وأنا معينك وناصرك على أن تذبح لي ولدك ، وتجعله لي قربانا ، وتصلي لي صلوات ، فأكون معك ، وأجعلك كاهنا ، وأقيمك مقامي. ففعل ما قاله فصرف معه الشياطين ، وسلّطه على بني سام ، وأغواه ، فحاربهم وقهرهم بتجبره ، فانقادوا له.

ثم أن إبليس بنى قصرا للنمرود ، وصفحه بالذهب ، ونصب له فيه أسرة الذهب وكللها بالدر والجوهر الأحمر فكان القصر وما حوله يضيء من تلك الجواهر.

ودفع له سيفا يتألق نورا في رأسه شبه الثعبان يمتد إلى من يومىء إليه فيقتله.

فاستعبدهم وزاد طغيانا ، ودعا الناس إلى عبادته ، ثم أمر أن يبنى له صرحا من صم الحجارة بالكلس والزيت فلم يبق أحد إلا عمل فيه ، فبلغ ارتفاعه سبع مائة ذراع وجوفه من بعد مائة ذراع ، فجعل فيه أبوابا مهندسة ، وأقام فيه أساطين عظام ، وجعل عليها طبقات ، وجعل كل طبقة منها ارتفاع مائة ذراع ، وصور في مجالسها وأساطينها نقوشا عجيبة ، وأجرى فيه ماء مرفوعا ، وجعل في كل طبقة من الطعام والشراب ما يكفي أهلها زمانا ، وبسط فيها الفرش الملونة ، وكان عرض كل حائط من الصرح ألفي ذراع وكان على أن يتم طوله ألف / ألف ذراع.

وجعل حوله أصحاب أخبار يطوفون في الناس ، ويرفعون إليه أخبارهم ، فإذا ذكروا له أن أحدا استنكف عن عبادته صرحه من فوق الصرح. وزعم النمرود إذا جاز به السحاب صعد عليه [إلى](١) الفلك.

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.

٩٦

وكان يركب العجل المنصوبة على ظهور الأبالسة وينحدر من أعلى الصرح إلى الأرض ، ففرق الناس منه ، فانحدر يوما فلما توسط الطبقة الثامنة اتصل بسام عليه‌السلام : أن النمرود قد عزم على قتله ، فعمد إلى سماء عظيمة فيها اسم الله الأعظم ، وهو (١) : «اللهم ، أنت الراعي لعبادك ، وبعينك ما هم فيه وعليه وما خرجوا إليه من الفتنة والغلبة من هذا ، فخذه بجريرته واكفنا أمره يا الله».

فأمر الله تعالى الريح ، فأقبلت على الصرح فصار دكّا وأعقبه ظلمة شديدة ، ورجفة عظيمة ، فسقطوا على وجوههم ، وأهلك الله تعالى النمرود ، وجميع من معه ، فأقاموا في الظلمة ثلاثا. ثم لاحت لهم شعوب فيها نور يسير ، فتفرقوا وتفرقت ألسنتهم ، فلزم كل قوم شعبا بلغة غير لغة الآخرين ، والريح تدفعهم من ورائهم حتى أخرجت كل فريق إلى ناحية من الأرض ، ثم نودوا : هذا (٢) موضعكم ، فأكثروا ، وأنموا وعمروا.

وأما بنو سام :

فخرجوا إلى اليمن ، إلى الشجر ، إلى حضر موت ، إلى خط الاستواء ، فمنهم العرب العاربة.

وخرج بنو حام :

إلى السند ، والهند ، وبلاد السودان.

وبنو يافث :

إلى الشام ، فمنهم : الروم ، والخزرج ، والترك ، والصقالبة ، والإفرنجة ، ويأجوج ، ومأجوج.

وبنو يحطان :

إلى الصين الأقصى ، وأقاصي المشرق ، فثبت كل قوم في موضعهم.

أول ملوك مصر بني عرناب بعد الطوفان

مصريم

قيل : إن أشراف بنو حام ملوك القبط ، والهند ، وهم الحكماء ، وذلك أن بني آدم

__________________

(١) في المخطوط : وهي ، تحريف. ويعتقد كثير من الناس أن الله تعالى اسما أعظما وليس ذلك بحق ولم يذكر ذلك في حديث صحيح ولا ورد في القرآن الكريم ، فأسماء الله تعالى كلها عظيمة جليلة.

(٢) هذه الكلمة تكررت في المخطوط ، فحذفت التكرار.

٩٧

لما طغى بعضهم على بعض ، وتحاسدوا وتغلب عليهم بنو قابيل تحمل عليهم طقراوش الجبارين مصريم في نيف وسبعين رجلا من بني عرناب ، كلهم جبابرة / يطلبون موضعا ينقطعون فيه.

فلما نزلوا على النيل ورأوا سعة البلد ، وحسنها ، أقاموا فيها وبنوا ، وقالوا : هذه بلد عمارة ، وزرع ، وسماها باسم أبيه : مصريم.

وكان نقراوس جبارا له يد وبطش ، وكان كاهنا عالما ، فملك بني أبيه ، ولم يزل مطاعا فيهم ، فهو وبنوه الجبابرة الذين بنوا الأعلام وأقاموا الأساطين العظام ، وعملوا المصانع ووضعوا الطلسمات ، واستخرجوا المعادن وقهروا من ناوأهم من الملوك ـ أي ملوك الأرض ـ ولم يطمع فيهم طامع.

وكل علم جليل في أيدي المصريين إنما هو من فضل أولئك كانت مرموزة على الحجارة ففسروها ، وتعلموا كتابتهم من فليمون الذي آمن بنوح عليه‌السلام. ولما توطنوا واستقروا ، أمرهم نقراوس فبنى مدينة سموها : أمسوس ، قطعوا لها صم الصخور ، وأثاروا معادن الرصاص فعمروها وأحكموها ، وأقاموا بها أعلاما ، طول كل علم مائة ذراع ، وزرعوا وغرسوا ، وعمروا الأرض. ثم أمرهم بعمارة المدائن والقرى فلما (١) انتهت أسكنها ، جعل كل بيت في ناحية من أرض مصر وحفروا النيل حتى جروا ماءه إليهم ، ولم يكن قبل ذلك معتدل الحفر إنما كان ينبطح ويتعرج في الأرض. ثم وجه إلى بلد النوبة جماعة حتى هندسوه ، وشقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها. وشقوا نهرا عظيما إلى مدينتهم أمسوس ، يجري في وسطها وغرسوا غروسا ، وكثرت أرزاقهم ، وعمرت بلادهم.

لكن تجبر عليهم نقراوس ملكهم وعظيمهم ، ثم أنه بعد مائة وعشرين سنة من ملكه أمر بإقامة الأساطين وزبر عليها ذكر دخوله البلد ، ومحاربته الأمم.

وأمر ببناء قبة على أساطين عظام مثبتة برصاص ، وارتفاعها مائة ذراع وجعل على رأسها مرآة من زبرجد أخضر قطرها سبعة أشبار ، ترى خضرتها على أمد بعيد ، وفي مصاحف المصريين : أن نقراوس / سأل الرئي الذي كان معه أن يريه مخرج النيل فحمله حتى أجلسه على جبل القمر خلف خط الاستواء ، فوق البحر الأسود ، وأراه النيل كيف يجري فوق ذلك البحر الزفتي مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر ، ثم يخرج إلى بطائح هناك.

وهو الذي عمل بيت التماثيل هناك ، وعمل هيكلا للشمس ، ثم رجع إلى أمسوس ،

__________________

(١) جاءت العبارة في المخطوط على النحو التالي : فلما أسكنت انتهت اسكنها ، فحذفت الزائد منها.

٩٨

وقسم المدينة بين ولديه ، فجعل لنقارس الجانب الغربي ، ولابنه سورب الجانب الشرقي ، ولولده الأصغر مصرام مدينة سماها : برسان وأسكنه فيها بعد أن أحكم عمارتها وأقام فيها أساطين عظام ، وشق إليها نهرا وغرس فيها غروسا.

وعمل نقراوس بمدينة أمسوس عجائب كثيرة :

فمن ذلك : صورة طائر على أسطوانة عالية يصفر في كل يوم مرتين عند طلوع الشمس ، وعند غروبها تصفيرا مختلفا يستدلون به على حوادث تحدث لهم فيتأهبون لها.

ومجاري للماء المقسوم على بساتينهم على ثمانية وعشرين قسما لا يصل لأحد منهم غير قسمته.

وعمل في وسط المدينة صنمين من حجر أسود إذا قدم إليهما السارق ووقف بينهما انطبقا عليه.

وعمل في برسان : صورة من نحاس على منار عال لا يزال عليهما سحب تظلهما من استمطرها أمطرت ، وقد أتلفها الطوفان.

وعمل على حدود بلدهم إلى داخل الغرب أصناما من نحاس مجوف ، وملئت نارا وكبريتا وجلب إليها روحانية النار فمن قصدهم بسوء أرسلت من أفواهها نارا أحرقت من قصدهم بالسوء.

وكان حد بلدهم إلى داخل الغرب بأيام عامر بالقصور والأنهار ، والبساتين ، وكذلك في الشرق إلى البحر ، ومن الصعيد إلى بلاد علوه. وعمل فوق جبل قطرس منارا يفور منه الماء يسقي ما حوله من الزراعة.

فتملك عليه مائة وثمانين سنة ، فلما هلك لطخوا جثته بالأدوية / الممسكة ، فجعلوه في تابوت من ذهب ، وصفحوا ناووسه بالذهب وجعلوا معه كنوزا من أنواع الجوهر ، وتماثيل الزبرجد ، وأواني الذهب ، والطلسمات التي تدفع الهوام وغيرها ، وزبروا عليها تاريخ الوقت ، وولي بعده :

نفارس الملك :

لما استقر له الأمر ، عتى وتجبر ، ثم أمر ببناء مدينة يقال لها : خلجة ، وعمل بستانا صفح حيطانه بصفائح الذهب ، والحجارة الملونة ، وغرس فيها أصناف الفواكه ، وأجرى فيه أنهارا. وأقام في المدينة أساطين وأعلام وزبر عليها أصناف العقاقير والأدوية وجميع العلوم المنسوبة إليهم. وكان معه شيطان يعمل له التماثيل العجيبة.

وهو أول من عمل بمصر هيكلا جعل فيه صور الكواكب السبعة ، وزبر على سورها

٩٩

مجاريها وما يستدل ، وزينها بالثياب الفاخرة ، وأقام لها كهنة وسدنة. فلما فرغ من ذلك ، خرج مغربا حتى بلغ البحر المحيط ، فعمل عليه أعلاما ، وجعل على رؤوسها أصناما لها عيون تسرج كالمسابيح ، ثم رجع إلى بلاد السودان إلى النيل ، وأمر ببناء حائط على شاطىء النيل ، وجعل لها أبوابا يخرج الماء منها.

ثم أمر ببناء ثلاث مدن على أساطين ، وجعل شرفها من الحجارة الملونة التي تشف ، وذلك في صحراء الغرب داخل اللواحات (١) ، وجعل في كل مدينة (٢) منها ثلاث خزائن للحكمة ، وهي أول عجائب الأرض. وجعل الدخول إلى هذه المدائن من الأساطين التي بنيت عليها.

ذكر عجائب هذه الخزائن

جعل في الخزانة الأولى :

صنم للشمس الذي هو أعظم أصنامهم معلقة عليه في بيت شرفها ، وعلى رأسه إكليل فيه منقوش صدر كواكبها الثابتة أحدها رأس طاووس في صورة إنسان من ذهب وعيناه جوهرتان صفراوان ، وهو جالس على سرير مغناطيس ، وفي يده مصحف العلوم.

صفة الكوكب الثاني :

رأسه / إنسان ، وجسده جسد طائر.

والثالث :

في زي امرأة من زئبق ، معقود لها ذؤابتان وبيدها مرآة ، وعلى رأسها شبه الكواكب ، وهي رافعة المرآة إلى صورتها. ومطهرة فيها سبعة ألوان من الماء السائل لا يختلط بعضه ببعض ، ولا يواري بعضه بعضا. وصورة شيخ من الحجر الفيروزج بين يديه صبية من أصناف العقيق والجوهر.

وفي الخزانة الثانية :

صورة هرمس مكب ، وهو ينظر إلى ... (٣) صفحة من جوهر أحمر فيها درّ أخضر من الصنعة. وصورة عقاب من زمرد أخضر عيناه من ياقوت أصفر ، وبين يديه حيّة من فضة قد لوت ذنبها على رجليه ، ودفعت رأسها إليه كأنها تريد أن تنفخ عليه. وفي ناحية صورة المريخ : راكب على فرس وبيده سيف مسلوت من حديد أخضر وعمود من جوهر

__________________

(١) لعلها الواحات التي نعرفها الآن بغربي مصر.

(٢) في المخطوط : مدينته ، وهو تحريف.

(٣) موضع النقط كلمة لم أتبين قراءتها هذا رسمها : لميزة.

١٠٠