الفوز بالمراد في تاريخ بغداد

سليمان الدخيل

الفوز بالمراد في تاريخ بغداد

المؤلف:

سليمان الدخيل


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
ISBN: 977-344-046-X
الصفحات: ٣٥٣

٢١ ـ أبو إسحاق إبراهيم المقتفى بالله

٣٢٩ ه‍

٩٤٠ م

٢٢ ـ أبو القاسم الفضل المطيع بالله

٣٣٣ ه‍

٩٤٦ م

٢٣ ـ أبو بكر عبد الكريم الطائع لله

٣٦٣ ه‍

٩٧٤ م

٢٤ ـ أبو العباس أحمد القادر بالله

٣٦٣ ه‍

٩٧٤ م

٢٥ ـ أبو جعفر عبد الله القائم بالله

٤٢٢ ه‍

٩٩١ م

٢٦ ـ أبو العباس عبد الله المقتدى بأمر الله

٤٦٧ ه‍

١٠٥٧ م

٢٧ ـ أبو العباس المستظهر بالله

٤٨٧ ه‍

١٠٩٤ م

٢٨ ـ أبو منصور فضل المسترشد بالله

٥١٢ ه‍

١١١٨ م

٢٩ ـ أبو جعفر منصور الراشد بالله

٥٢٩ ه‍

١١٣٥ م

٣٠ ـ أبو عبد الله محمد المقتفى لأمر الله

٥٣٠ ه‍

١١٣٦ م

٣١ ـ أبو المظفر يوسف المستنجد بالله

٥٥٥ ه‍

١١٦٠ م

٣٢ ـ أبو محمد الحسن المستضئ بأمر الله

٥٦٦ ه‍

١١٧٠ م

٣٣ ـ أبو العباس أحمد الناصر لدين الله

٥٧٥ ه‍

١١٨٠ م

٣٤ ـ أبو نصر محمد الظاهر بأمر الله

٦٢٢ ه‍

١٢٢٥ م

٣٥ ـ أبو جعفر المنصور المستنصر بالله

٦٢٣ ه‍

١٢٢٦ م

٣٦ ـ أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله

٦٤٠ ه‍ ـ ٦٥٦ ه‍

١٢٤٢ م ـ ١٢٥٨ م

٢٠١
٢٠٢

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

لما كان كثير من أدباء بغداد يتشوقون إلى أخبار ماضيها منذ سقوطها على يد هولاكو إلى يومنا هذا احببت أن اجمع من الكتب القديمة والحديثة ليتحقق أمنية هؤلاء الفضلاء تلبية لطلب مدير (الرياض) أعزه الله فاقول بعد التوكل عليه تعالى وحمده.

٢٠٣
٢٠٤

الفصل الأول

التهيوء

فى شهر شوال من سنة ٦٥٥ ه‍ (الموافق لشهر تشرين الأول من سنة ١٣٥٧ ميلادية) رحل هولاكو عن حدود همذان (١) نحو مدينة بغداد. وكان فى أيام محاصرته قلاع الملاحدة قد سير رسولا إلى الخليفة العباسى المستعصم بالله (٢) يطلب منه نجدة فأراد أن يسير الخليفة جيشا تلبية لطلبه فلم يقدر إذ لم يمكنه الوزراء والأمراء وقالوا. أن هولاكو رجل صاحب احتيال وخديعة وليس محتاجا إلى نجدتنا وإنما

__________________

(١) بالتحريك والذال معجمة وآخره نون فى الإقليم الرابع وطولها من جهة المغرب ثلاث وسبعون وعرضها ست وثلاثون درجة. قال هشام بن الكلبى : همذان سميت بهمذان بن القلوج بن سام بن نوح عليه‌السلام ، وهمذان وأصبهان أخوان بنى كل واحد منهما بلدة ، ووجد فى بعض كتب السريانيين فى أخبار الملوك والبلدان : إن الذى بنى همذان يقال له كرميس بن حليمون وذكر بعض علماء الفرس أن اسم همذان إنما كان نادمه ومعناه المحبوبة وروى عن شعبة أنه قال : الجبال عسكر وهمذان معمعتها وهى أعذبها ماء وأطيبها هواء

انظر المزيد فى : معجم البلدان ٥ / ٤١٠ ـ ٤١٧.

(٢) هو عبد الله (المستعصم) بن منصور (المستنصر) بن محمد (الظاهر) بن أحمد (الظاهر) من سلالة هارون الرشيد العباسى وكنيته أبو أحمد آخر الخلفاء الدولة العباسية فى العراق. ولد ببغداد سنة ٦٠٩ ه‍ / ١٢١٢ م وولى الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٦٤٠ ه‍ والدولة فى شيخوختها لم يبق منها للخلفاء غير دار الملك ببغداد فألقى زمام الأمور إلى أمراء القواد واعتمد على وزيره مؤيد الدين ابن العلقمى وكان المغول قد استفحل أمرهم فى أيام سلفه المستنصر ، فكاتب ابن العلقمى قائدهم هولاكو (حفيد جنكيز خان) يشير عليه باحتلال بغداد ، ويعده بالإعانة على الخليفة ، فزحف هولاكو سنة ٦٤٥ ه‍ وخرجت إليه عساكر المستعصم فلم تثبت طويلا ودخل هولاكو بغداد ، فجمع له ابن العلقمى ساداتها ومدرسها وعلماءها فقتلهم عن أخرهم وأبقى الخليفة حيا إلى أن دل على مواضع الأموال والدفائن ثم قتله سنة ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م وبموته

٢٠٥

غرضه إخلاء بغداد عن الرجال فيملكها بسهولة فتقاعدوا بسبب هذا الخيال عن ارسال الرجال. ولما فتح هولاكو تلك القلاع أرسل رسولا أخر إلى الخليفة وعاتبه على إهماله تسيير النجدة فشار الوزير (١) فيما يجب أن يفعلوه فقال. لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبار ببذل الأموال والهدايا والتحف له ولخواصه. وعند ما أخذوا فى تجهيز ما يسيرونه من الجواهر والمرصعات والثياب الذهب والفضة والمماليك والجوارى والخيل والبغال والجمال ، قال الدويدار الصغير وأصحابه. أن الوزير إنما يدبر شأن نفسه مع التتر وهو يروم تسليمنا إليهم فلا نمكنه من ذلك فعدل الخليفة بهذا السبب عن تنفيذ الهدايا الكثيرة واقتصر على شئ نزر لا قدر له ؛ فغضب هولاكو وقال : لا بد من مجيئه هو بنفسه أو يسير أحد ثلثة نفر. أما الوزير وأما الدويدار وأما سليمانشاه.

فتقدم الخليفة إليهم بالمضى فلم يركنوا إلى قوله فسير

__________________

انقرضت دولة بنى العباس فى العراق وعدة خلفائها ٣٧ ، ملكوا مدة ٥٢٤ سنه.

انظر المزيد فى : تاريخ الخميس ٢ / ٣٧٢ ، فوات الوفيات ١ / ٢٣٧ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٦٣ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٥٣٦.

(١) هو محمد بن أحمد (أو محمد بن محمد بن أحمد) بن على أبو طالب مؤيد الدين الأسدى العلقمى البغدادى وزير المستعصم العباسى وصاحب الجريمة النكراء فى ممالأة «هولاكو» على غزو بغداد ، فى رواية أكثر المؤرخين ، اشتغل فى صباه بالأدب ، وارتقى إلى رتبة الوزارة سنة ٦٢٤ ه‍ / فوليها أربعة عشر عاما.

ووثق به «المستعصم» فألقى إليه زمام أموره. وكان حازما خبيرا بسياسة الملك ، كاتبا فصيح الإنشاء ، اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد وصنف له الصنعانى «العباب» وابن أبى الحديد «شرح نهج البلاغة» ونفى عنه بعض ثقات المؤرخين خبر المخامرة على المستعصم حين أغار هولاكو على بغداد سنة ٦٥٦ ه‍ وانفق أكثرهم على أنه مالأة وولى له الوزارة مدة قصيرة ومات سنة ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م ودفن فى مشهد موسى بن جعفر (الكاظمية) ببغداد وخلفه فى الوزارة ابنه عز الدين «محمد بن محمد بن أحمد» ، وكان مولده سنة ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٧ م.

انظر المزيد فى : الفخرى ٩٥ ، البداية والنهاية ١٣ / ٢١٢ ، شذرات الذهب ٥ / ٢٧٢ ، الوافى بالوفيات ١ / ١٨٥ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٧٧ ، مرأة الجنان ٤ / ١٤٧ ، تاريخ ابن الوردى ٢ / ٢٠١.

٢٠٦

غيرهم مثل ابن الجوزى (١) وابن محيى الدين (٢) فلم يجديا عنه. وأمر هولاكو بايجونوين وسونجاق نوين ليتوجها فى مقدمته على طريق أربل وتوجه هو على طريق حلوان وخرج الدويدار من بغداد ونزل قريبا من بعقوبا ولما بلغه أن بايجونوين عبر دجلة ونزل بالجانب الغربى ظن أن هولاكو قد نزل هناك فرحل عن بعقوبا ونزل بحيال بايجونوين ولقى يزك المغول أميرا من أمراء الخليفة يقال له «ايبك الحلبى) فحملوه إلى هولاكو فأمنه أن تكلم بالصحيح طيب قلبه فصار يسير أمام العسكر. ويهديهم وكتب كتابا إلى بعض أصحابه يقول لهم.

ارحمو أرواحكم واطلبا الأمان لأن لا طاقة لكم بهذه الجيوش الجرارة فأجابوه بكتاب يقولون فيه. من يكون هولاكو وما قدرته ببيت عباس. من الله ملكهم.

__________________

(١) هو الإمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن على بن عبد الله القرشى البكرى الصديقى البغدادى الحنبلى الواعظ. صاحب التصانيف السائرة فى فنون العلم ، وعرف جدهم لجوزة كانت فى دارهم لم يكن بواسط سواها. ولد سنة عشر وخمسمائة أو قبلها. وسمع فى سنة تسع عشرة من ابن الحصين وأبى غالب بن البناء وخلق عدتهم سبعة وثمانون نفسا. وكتب بخطه الكثير جدا ، ووعظ من سنة عشرين إلى أن مات. حدث عنه بالإجازة الفخر على ، وغيره. وله : «زاد المسير» فى التفسير ، و «جامع المسانيد» و «المغنى» فى علوم القرآن ، و «تذكرة الأريب» فى اللغة و «الوجوه والنظائر» و «مشكل الصحاح» و «الموضوعات» و «الواهيات» و «الضعفاء» و «تلقيح فهوم الأثر» و «المنتظم» فى التاريخ وأشياء يطول شرحها. وما علمت أحدا من العلماء صنف ما صنف. وحصل له من الخطوة فى الوعظ ما لم يحصل لأحد قط ، قيل إنه حضره فى بعض المجالس مائة ألف وحضره ملوك ووزراء وخلفاء وقال : كتبت بأصبعى ألفى مجلد ، وتاب على يدى مائة ألف وأسلم على يدى عشرون ألفا. مات سنة ٥٩٧ ه‍.

انظر المزيد فى : انباه الرواة ٢ / ١٦٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٩ ، بغية الوعاة ٢ / ٨١ ، تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٤٨ ، الديباج المذهب ١٥٠ ، الرسالة المستطرفة ١٠٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٧١ ، طبقات القراء لابن الجزرى ١ / ٣٧١ ، طبقات المفسرين للداودى ١ / ٢٦٦ ، العبر ٤ / ٢٤٤ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٢٢ ، نكت الهميان ١٨٧ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٨٠.

(٢) هو محمد بن على بن محمد بن العربى أبو بكر الحاتمى الطائى الأندلسى المعروف بمحيى الدين بن العربى الملقب بالشيخ الأكبر ، فيلسوف من أئمة المتكلمين فى كل علم ، ولد فى مرسيه بالأندلس سنة ٥٦٠ ه‍ / ١١٦٥ م ومات سنة ٦٣٨ ه‍ / ١٢٤٠ م ، له عدة مصنفات منها «الفتوحات المكية» و «محاضرة الأبرار ومسامرة الأخبار» ، و «عنقاء مغرب» وغيرهم.

انظر المزيد فى : فوات الوفيات ٢ / ٢٤١ ، جذوة الأقتباس ١٧٥ ، مفتاح السعادة ١ / ١٨٧.

٢٠٧

ولا يفلح من يعاديهم ويعاندهم ولو أراد هولاكو الصلح لما داس أرض الخليفة ولما أفسد فيها. والآن إن كان يختار المصلحة فليعد إلى همذان ونحن نتوسل بالدويدار ليخضع لأمير المؤمنين متخشعا فى هذا الأمر لعله يعفو عن هفوة هولاكو.

فلما عرض أيبك الكتاب على هولاكو ضحك هذا واستدل به على غباونهم وغفلتهم ثم سمع الدويدار أن التتر قد توجهوا نحو الأنبار فسار إليهم ولقى عسكر الدويدار فاقتتلوا قتالا شديدا وانجلت الحرب عن كسرة الدويدار فقتل أكثر عسكره ونجا هو فى نفر قليل من أصحابه وفر حتى دخل بغداد.

٢٠٨

الفصل الثانى

هولاكو على باب بغداد

وفى منتصف شهر المحرم من سنة ٦٥٦ ه‍ (الموافق لشهر كانون الثانى سنة ١٢٥٨ مسيحية) نزل هولاكو بنفسه على باب بغداد ، وفى يوم وليلة بنى المغول بالجانب الشرقى سورا عاليا وبنى بوقاتيمور. وسونجاق نوين. وبايجو نوين بالجانب الغربى كذلك وحفروا خندقا عميقا داخل السور ونصبوا المنجنيقات بإزاء سور بغداد من جميع الجوانب ورتبوا العرادات وآلات النفط. وكان بدء القتال ثانى وعشرين محرم (٣٠ كانون الثانى).

فلما عاين الخليفة العجز فى نفسه والخذلان من أصحابه أرسل صاحب ديوانه وابن درنوش إلى خدمة هولاكو ومعهما تحف نزرة. قالوا : إن سيرنا الكثير يقول قد هلعوا وجزعوا كثيرا. فقال هولاكو. لم ما جاء الدويدار وسليمانشاه فسير الخليفة وزيره مؤيد الدين ابن (العلقمى) وقال. أنت طلبت أحد الثلاثة وها أنا قد سيرت إليك الوزير وهو أكبرهم. فاجاب هولاكو. اننى لما كنت مقيما بنواحى همذان طلبت أحد الثلاثة والآن لم أقنع بواحد.

وجد المغول بالقتال بازاء برج العجمى (برج العجمى أو برج العجم كان معروفا إلى عهد السلطان مراد الرابع فاتح بغداد لأن التاريخ يذكر أن السلطان المذكور أمر ببناء ثلاثة ابراج شاهقة عميقة الأسس فى داخل الثكنة قريبا من الباب الأبيض فى المحل المشهور باسم تل ذى الفقار بازاء برج العجم ، أما اليوم فلا نرى برجا من هذه البروج كلها ولا نعرف موقعها) وبوقاتيمور من الجانب

٢٠٩

الغربى حيث المقابلة وسونجاق نوين وبايجو نوين من جانب البيمارستان العضدى.

وأمر هولاكو البتيكتجية (أى الكتاب) ليكتبوا على السهام بالعربية (إن الأركاونية) أى الذين بيدهم القلاع والعلويين والداذنشمديه (أى كبار السادة) وبالجملة كل من ليس يقاتل فهو آمن على نفسه وحريمه وأمواله وكانوا يرمونها إلى المدينة.

واشتد القتال على بغداد من جميع الجوانب إلى اليوم السادس والعشرين من محرم.

٢١٠

الفصل الثالث

تملك المغول على بغداد

فى ٢٦ محرم (ـ ٣ شباط ١٢٥٧ ه‍) ملك المغول الأسوار وكان الإبتداء من برج العجمى واحتفظ المغول الشط ليلا ونهارا مستيقضين لئلا ينحدر فيه أحد ، وأمر هولاكو أن يخرج إليه الدويدار وسليمانشاه. وأما الخليفة أن أختار الخروج فليخرج والا فليلزم مكانه فخرج الدويدار وسليمانشاه ومعهما جماعة من الأكابر.

ثم عاد الدويدار من الطريق بحجة أنه يرجع ويمنع المقاتلين الكامنين بالدروب والأزقة لئلا يقتلوا أحدا من المغول فرجع وخرج من الغد وقتل.

وعامة أهل بغداد أرسلوا شرف الدين المراغى وشهاب الدين الزنكانى لياخذا لهم الأمان ولما رأى الخليفة أن لا بد من الخروج أراد أو لم يرد استاذن هولاكو بأن يحضر بين يديه فاذن له وخرج رابع صفر (١١ شباط) ومعه أولاده وأهله.

فتقدم هولاكو أن ينزلوه بباب كلواذى وشرع العساكر فى نهب بغداد ودخل بنفسه إلى بغداد ليشاهد دار الخليفة وتقدم باحضار الخليفة فاحضروه ومثل بين يديه وقدم جواهر نفيسة ولألئ ودررا معبأة فى أطباق ، ففرق هولاكو جميعها على الأمراء وعند المساء خرج إلى منزله وأمر الخليفة أن يفرز جميع النساء التى باشرهن هو وبنوه ويعزلهن عن غيرهن ففعل فكن سبعمائة امرأة فاخرجهن ومعهن ثلثمائة خادم خصى وبقى النهب يعمل إلى سبعة أيام ثم رفعوا السيف وبطلوا السبى.

وفى رابع عشر صفر (٢١ شباط سنة ١٢٥٨ ه‍) رحل هولاكو من بغداد

٢١١

الفصل الرابع

قتل الخليفة المستعصم وانقراض دولة بنى العباس

وفى أول مرحلة من سفر هولاكو قتل الخليفة المستعصم وابنه الأوسط مع ستة نفر من الخصيان بالليل وقتل ابنه الكبير ومعه جماعة من الخواص على باب كلواذى.

وبموت الخليفة المستعصم وأولاده انقرضت دولة بنى العباس ، وكانت مدة خلافة المستعصم ١٦ سنة تقريبا وكانت مدة ملك العباسيين ٥٢٤ سنة هجرية وعدة خلفائهم ٣٧ خليفة (إلى هنا عن تاريخ ابن العبرى (١) بتصرف قليل).

__________________

(١) هو غريغورس واسمه فى الولادة يوحنا بن أهرون أو هارون بن توما الملطى أبو الفرج المعروف بابن العبرى مؤرخ سريانى مستعرب من نصارى اليعاقبة ، ولد سنة ٦٢٣ ه‍ / ١٢٢٦ م فى ملطية (من ولاية ديار بكر) وفر مع أبيه إلى أنطاكية سنة ١٢٤٣ م بسبب هجوم التتار فتعلم العربية والطب ، واشتغل بالفلسفة واللاهوت. وتنقل فى البلدان وانقطع فى بعض الأديرة ونصب أسقفا على جوباس (من أعمال ملطية) سنة ١٢٦٤ م وسمى «غريغويوس» ثم كان أسقفا لليعاقبة فى حلب وارتقى إلى رتبة «جاثليق» على كرسى المشرق سنة ١٢٦٤ م (والجاثليق رياسة رؤساء الكهنة السرياينين فى بلاد المشرق العراق وفارس وما إليهما ويقال لصاحبه هذه الرتبة عند رجال الكنيسة المفريان) وتوفى فى مراغة باذربيجان سنة ٦٨٥ ه‍ / ١٢٨٦ م ونقلت جثته إلى الموصل فدفنت فى دير مارمتى.

انظر المزيد فى : اللؤلؤ المنثور ٤١١ ـ ٤٣٠.

٢١٢

الفصل الخامس

امحاق سكان بغداد

بعد أن دام القتل والذبح سبعة أيام لم يبق من أهل بغداد إلا القليل ، فالذى استطاع أن ينجوا نجا ومن بقى قتل شر قتلة حتى أمحق أغلب البغداديين. وقد أستبقى القتلة جماعة من الشيعة والنصارى لا غير ومن سكن بغداد من بعد السكان الأصليين قوم جاؤوا مع هولاكو من أقطار شتى ونية اغلبهم السلب والتمول بزمن وجيز كما يجرى مثل هذا الأمر فى الفتوحات والحروب العظيمة.

٢١٣

الفصل السادس

الحكومة فى بغداد بعد فتحها على يد هولاكو

بعد أن فتح هولاكو دار الخلافة العباسية سعى فى تنظيم شؤون حكومتها ففوض عمارة بغداد إلى صاحب الديوان (فخر الدين الدامغانى) والوزير (مؤيد الدين ابن العلقمى) وابن درنوش وكانت الحامية جماعة من فرسان المغول وعددهم ثلاثة آلاف ورئيسهم ايليجكتاى نورين وقرابوغا. وعهد إليها (أى إلى الحامية ورئيسها) الشحنة وما يدخل تحتها من الأمور التى تشابهها.

وارسل بوقاتيمور إلى الحلة (١) ليمتحن أهلها هل هم على الطاعة أم لا ، فتوجه نحوها ورحل عنها إلى مدينة واسط وقتل بها خلقا كثيرا اسبوعا. ثم عاد إلى هولاكو وهو بمقام سباه كوه (أى رئيس الجيوش).

وتلقى عمالة الرساتيق فى شرقى بغداد أحمد بن عمران وكان أحمد هذا خادما لحاكم بعقوبا وفى أيام الحصار سعى فى تمرين جيش هولاكو مدة ١٥ يوما وذلك بأن كشف سر انابير الطعام المخزونة فى السراديب والمطامير التى كانت قريبة من بعقوبا فكافأه هولاكو على عمله هذا الجليل أن إقامه على رساتيق شرقى بغداد.

وأقام نظام الدين عبد المومن قاضى القضاة وانتظم به عقد الحكومة لجديدة وموظفيها ووظائفهم.

أما ابن العلقمى وزير المستعصم سابقا (وكان شيعيا وهو أول من سعى بتل

__________________

(١) قرية مشهورة فى طرف دجيل بغداد من ناحية البرية بينها وبين بغداد ثلاثة فراسخ تنزلها القفول.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٢٨.

٢١٤

عرش الخلافة العباسية معاداة لأهل السنة) فأنه بعد أن خدم الحكومة الجديدة بمنزلة معاون للحاكم لا بمنزلة وزير لم يتهتأ زمنا طويلا لمنصبه الجديد على حقارته إذ توفى بعد ثلاثة أشهر من سقوط بغداد وابنه شرف الدين أبو القاسم على قام فى منصب ابيه بمنزلة معاون للحاكم.

وبقيت الأمور سائرة على هذا الوجه من النظام والترتيب إلى سنة ٦٦١ ه‍ / ١٢٥٣ م وعامئذ أمر خان المغول بقتل وزيره سيف الدين البتيكتجى وكذلك الخواجه عزيز حاكم بلاد الكرج والخواجا مجد الدين التبريزى. ونصب وزيرا له شمس الدين محمد الجوينى واخاه علاء الدين عطاء الملك حاكما على بغداد وعلى ولايتها.

وعلآء الدين هذا هو صاحب تاريخ فتوحات المغول وقد كتبه باللغة الفارسية ووسمه «بتاريخ جهان كوشاى» ولما كان هذا الرجل عادلا نشر للحال أجنحة السلام والنجاح فى دار السلام. وهو الذى أمر بحفر نهر يدفع فى النجف مياه الفرات. ذلك النهر الذى لما تراكمت فيه الرمال وسدت مجراه بعد قرون فتحه الشاه إسماعيل الصفدى فعرف بوقته بالنهر الشاهى وهو المعروف اليوم بنهر الهندية لأن آصف الدولة أحد أمراء الهند فى لكنهور جاء إلى النجف ورأى قلة الماء هناك فاعاد كرى النهر فسمى بالهندية وذلك سنة ١٣٠٩ ه‍ / ١٨٩١ م نقلا عن مختصر الدول وروضة الصفاء لميرخند وحبيب السير ومخطوطات دير المبعث.

٢١٥

الفصل السابع

مصير أهل المناصب الجديدة

ومن كان من بعدهم وسلطنة باقابن هولاكو

هلك هولاكو سنة ٦٦٣ ه‍ وعمره ٤٨ سنة فى الليلة التى سبقت نهار الأحد ١٩ ربيع الثانى (ـ ٨ شباط ١٢٦٥ م) وقيل هلك فى سنة ٦٦٤ ه‍ وكان حكيما حليما ذافهم ومعرفة ودهاء يحب الحكماء والعلماء وبعده بقليل اندرجت طقز (خاتون) زوجته وكانت أيضا عظيمة فى رأيها وخبرتها.

وبعد ذلك اجتمعت الأولاد والأمراء والخواتين واتفقوا على أن أبا قابن هولاكو يقعد على كرسى المملكة لأن عنده العقل والكفاية والعلم والدراية ، ولما أقيم على عرش أبيه ابقى شمس الدين محمدا فى منصبه إلا أن محمد الملك اليزدى ابن صفى الملك وزير أتابك يزد سابقا ما زال يقتل من شمس الدين فى الذروة والغارب حتى قتل ذؤابة اباقا فى ما يتعلق بأمر وزيره الأعظم فجاء أباقا بغداد.

ويقال أن فى تلك الأنباء كان عطاء الملك يواصل المصريين مواصلة خفية لغايات سياسية فوشى به إلى سلطان المغول فأمر بأن يغل لأنه لم يثبت عليه ما شاع عنه وإلا لافناه ، وقد بذل أخوه الأموال الطائلة لأنقاذه فلم يفلح فتعهد عطاء الملك أن يدفع للخزانة الأميرية ثلثمائة تومان ذهب والظاهر أن التومان كان يومئذ على غير ما هو الأن لأن الرجل المذكور دفع كل ما يملك وباع جميع نسائه وأولاده ومع ذلك لم يتمكن من أن يدفع المبلغ كله وفى ٤ رمضان سنة ٦٨٠ ه‍ (ـ ٨ كانون الثانى ١٢٨٠ م) أطلقه من السجن.

٢١٦

ومن بعد مضى قليل من الزمن على هذا الحادث توفق مجد الملك إلى دخول بغداد فاعاد الكرة على الحاكم المظلوم واوجب عليه أن يدفع ما بقى فى ذمته أى مائة وثلاثين تومانا ولما لم يستطع عطاء الملك أن يفيها عذب أشد العذاب وجرد من ثيابه وطيف به على هذه الحالة فى المدينة كلها وبينما كان يساق إلى السلطان الذى كان قد ذهب إلى همذان شاع خبر وفاة اباقا إيلخان عند وصول مجد الملك إليها وكان موته فجائيا وكان نصرانيا كأبيه هولاكو.

٢١٧

الفصل الثامن

حادثة جاثليق النساطرة

ومحاولة الإسماعيليين لقتل حاكم بغداد

وقع حدثان فى ذلك العهد ولا شك أنهما وقعا فى أيام حكم عطاء الملك على بغداد وأول هاذين الحدثين أمر جاثليق النساطر فأن هذا الخير كان يقيم فى بغداد منذ مصرت هذه المدينة وجعلت دار خلافة إلا أنه فى سنة ٦٦٨ ه‍ (أى سنة ١٢٦٨ م) رأى نفسه مجبورا أن يغادر العاصمة أثر قبتة وقعت فيها والسبب هو أن الجاثليق المذكور (وكان اسمه دنحا) وقد كان خلفا لسلفه (مكيكا) حبس عنده نسطوريا كان قد أسلم قبل بضع سنوات وأشاع بعض المفسدين من أهل الأهواء أن نية الجاثليق أن يغرقه فى الشط فتجمهر المسلمون مفتتين أمام دار الحكومة فبعث الوالى مرارا إلى الجاثليق طالبا منه أن يسلمه الرجل المحبوس فابى مصرا على بقائه فى قصره فما كان من الرعاع إلا واحرقوا باب دار الجاثليق ورواقه وتسلقوا الجدار ليدخلوا عليه ويقتلوه فلم يعثروا عليه لأن الوالى كان قد وجه إليه رجالا لينقذوه من أيدى الأوباش فنجحوا فى سعيهم وهزموه ببنات الطريق ومن بعد أن نجا اشتكى على أولئك الرعاع أمام ديوان القان لكن سعيه ذهب ادراج الرياح فلما رأى أن لأقبل له بالإقامة فى عاصمة العباسيين عقد النية على تبديل مقامه فذهب وأقام كرسيه الجاثليقى فى اربل.

وأما الحدث الثانى فهو أن بعض الإسماعيلية (١) حاولوا أن يقتلوا والى المدينة فاخفق سعيهم فقبض عليهم ومزقوا اربا اربا فاشاع بعض الرعاع أن هؤلاء الإسماعيلية من النساطرة وقد أرسلهم إلى بغداد جاثليقهم انتقاما منه فكانت هذه

__________________

(١) إحدى الفرق «الشيعه».

٢١٨

الأراجيف مدعاة لحبس الأساقفة والمطارنة وسائر رؤساء خدمة الدين الذين بقوا فى الزوراء ووقئذ إمرقاه اربيل وكان قوتلوق شاه أن يقبض على الجاثليق ويلقى فى السجن ولم يطلق سراحه إلا بعد بضعة اسابيع بأمر صدر من ديوان القان ومنذ ذلك الحين صمم جثالقة النساطرة أن يقيموا فى حرز حريز لا يصل إليهم الأعداء بسهولة فذهبوا ونصبو كرسيهم فى (اشنو) من بلاد آذربيجان.

٢١٩

الفصل التاسع

تملك تكودار اغول وما وقع

فى عهده من الحوادث المشهورة

كان لتكودار اغول بن بوخى اغول اسم آخر إسلامى وهو أحمد وهو أخو أباقا بن قوتاى خاتون وقد رقى عرش المملكة خلفا لأخيه سنة ٦٨١ ه‍ (ـ ١٢٨٢ م) فاعاد إلى الوزارة شمس الدين محمدا وأرجع عطاء الملك إلى وظيفته وظيفة وال فلما انتشر هذا الخبر بين أهل بغداد أقاموا أعيادا دامت أثنا عشر يوما وأصدر القان مرسوما وجهه إلى البغداديين ليبشرهم بإرتقائه إلى عرش المملكة وبإيمانه الصادق ومما جاء فيه ما هذا معناه. أعيدوا إلى المدارس والأوقاف ما تزعتموه منها وكان لها فى عهد الخلفاء العباسيين وليأخذ كل واحد نصيبه مما كان يعود إليه من ريع المساجد والمدارس ؛ فهذا كلام جزيل الفائدة لأنه يدلنا على أن الإضطراب كان عظيما فى المدينة وأنه لم يبق باق على حالته الأولى وإن المغول الكفرة كانوا قد اعتبروا الأوقاف والمدارس العديدة بمنزلة ملك عائد إلى الدولة الفاتحة ولهذا أمر تكودار أغول ما أمر حماية لشوكة الإسلام.

ولما مكنت قدم عطاء الملك من الوقوف على دست الولاية انتقم من عدوه مجد الملك وحكم عليه بأنه ساحرو خائن ولم تكن نيته قتله بل تعذيبه فقط إلا أن خدمه ذهبوا وفسخوه فسخا بدون أن ينتظروا أمرا من سيدهم ووزعوا أعضاءه المفسوخة على النواحى المجاورة وعلقوا رأسه على جسر بغداد.

وتوفى عطاء الملك فى تلك السنة عينها (أى فى ذى الحجة سنة ٦٨١ ه‍ / ٥ آذار سنة ١٢٢٣ م) بداء السكتة عند سماعه أخبار أرغون الذى كان عقد نيته على أن يشدد الخناق عليه وعلى أن ينادى تكودار أخاه الذى شتى فى نواحى بغداد تلك السنة.

٢٢٠