سوابق عنوان المجد في تاريخ نجد

عثمان بن عبدالله ابن بشر

سوابق عنوان المجد في تاريخ نجد

المؤلف:

عثمان بن عبدالله ابن بشر


المحقق: عبدالله بن محمّد المنيف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار البشائر الإسلاميّة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٢١

١

٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

اشتمل كتاب تاريخ عثمان بن بشر (١) المعروف ب «عنوان المجد في تاريخ نجد» (٢) ، على كل ما سبقه من التواريخ النجدية ، مثل «تاريخ الشيخ أحمد بن محمد المنقور» (٣) ، و «تاريخ ابن يوسف» (٤) ، و «تاريخ

__________________

(١) انظر ترجمته في : الجاسر ، حمد : مؤرخو نجد من أهلها ، (٢) ، العرب ، ج ١٠ ، س ٥ ، ربيع الثاني ، ١٣٩١ ه‍ ، حزيران (يونيو) ١٩٧١ م ، ص ٨٨١ ـ ٨٨٤ ؛ والخويطر ، عبد العزيز : عثمان بن بشر منهجه ومصادره ، ط ٢ ، الرياض : مطابع اليمامة ، ١٣٩٥ ه‍ / ١٩٧٥ م ؛ والبسام ، عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح : علماء نجد خلال ستة قرون ، ط ١ ، مكة المكرمة : مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة ، ١٣٩٨ ه‍ ؛ والبسام أيضا : علماء نجد خلال ثمانية قرون ، ط ٢ ، الرياض ، دار العاصمة ، ١٤١٩ ه‍ ؛ والزركلي ، خير الدين : الأعلام ـ قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين ـ ط ١٣ ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ١٩٩٨ م ، ج ٤ ، ص ٢٠٩ ؛ والطاهر ، علي جواد : معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية ، ط ٢ ، الرياض ، دار اليمامة ، ١٤١٨ ه‍ / ١٩٩٧ م ، ص ٩٥٩. بالإضافة إلى كل طبعة من طبعات الكتاب ، إذ ترجم له في مقدمة كل واحدة منها.

(٢) طبع الكتاب غير مرة ، وقد حصرها علي جواد الطاهر ، في كتاب معجم المطبوعات العربية ، في ص ٩٥٩ إلى ٩٦٧ ، ووصف كل طبعة ذاكرا ميزاتها وعيوبها.

(٣) المنقور ، أحمد بن محمد ، تاريخ الشيخ أحمد بن محمد المنقور ، تحقيق ونشر : عبد العزيز الخويطر ، ط ١ ، الرياض ، مؤسسة الجزيرة ، ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م ، كما طبع ثانية عن طريق الأمانة العامة للاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية ، سنة ١٤١٩ ه‍.

(٤) ابن يوسف ، محمد بن عبد الله ، تاريخ ابن يوسف ، دراسة وتحقيق :

٥

ابن غنام» المعروف ب «روضة الأفكار والأفهام» (١) ، و «تاريخ ابن ربيعة» (٢) ، و «تاريخ ابن عباد» (٣) ، و «تاريخ ابن لعبون» (٤) ، و «تاريخ ابن عضيب» (٥) ، و «تاريخ الفاخري» (٦) ، وغيرهم.

__________________

عويضة بن متيريك الجهني ، ط ١ ، الرياض : الأمانة العامة للاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية ، سنة ١٤١٩ ه‍.

(١) ابن غنام ، حسين ابن أبي بكر ، روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام ، ط ١ ، بمبي ، الهند : المطبعة المصطفوية ، ١٣٣٧ ه‍ ، جزأين في مجلد. ويعرف بتاريخ نجد أيضا ، وعن تعدد طبعاته يمكن الرجوع إلى معجم المطبوعات العربية ، ص ٤٩٩ إلى ٥٠٩.

(٢) ابن ربيعة ، محمد : تاريخ ابن ربيعة ، تحقيق عبد الله بن يوسف الشبل ، ط ٢ ، الرياض : الأمانة العامة للاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية ، سنة ١٤١٩ ه‍ ، وكان قد نشر قبل ذلك بتحقيق عبد الله الشبل نفسه. ونشره النادي الأدبي في الرياض عام ١٤٠٦ ه‍.

(٣) ابن عباد ، محمد بن حمد : تاريخ ابن عباد ، تحقيق عبد الله بن يوسف الشبل ، ط ١ ، الرياض ، الأمانة العامة للاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية ، سنة ١٤١٩ ه‍ ، وكان قد نشر من قبل في مجلة مركز البحوث ، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان : تاريخ ابن عباد ، العدد الثاني ، المحرم ، ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٣ م.

(٤) ابن لعبون ، حمد بن محمد : خزانة التواريخ النجدية ، جمع وترتيب وتصحيح : عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام ، ط ١ ، الرياض ، دار العاصمة ، ج ١ ، ١٤١٩ ه‍ / ١٩٩٩ م.

(٥) ابن عضيب ، [عبد العزيز؟]. تاريخ ابن عضيب ، مخطوط ، يوجد لدي منه نسختان ، تتفقان في أولهما وتختلفان في آخرهما.

(٦) الفاخري ، محمد بن عمر : الأخبار النجدية ، دراسة وتحقيق وتعليق : عبد الله بن يوسف الشبل ، ط ١ ، الرياض ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، لجنة البحوث والتأليف والترجمة والنشر ، (د. ت). وطبع ثانية بعنوان :

٦

ويكتسب تاريخ ابن بشر أهميته لأن مؤلفه استطاع بنظره الثاقب ، واطلاعه الواسع ، وعلمه الغزير ، أن يكون أكثر المؤرخين النجديين شمولية في رصد الأحداث التي سبقت قيام الدولة السعودية الأولى ، وظهور الدعوة الإصلاحية. ومع ما يوحي به العنوان من انفراد الكتاب بتاريخ إقليم واحد ، إلا أن الناظر في أحداث هذا التاريخ يجده يشمل الجزيرة العربية بغالب أقاليمها ، ولم يفرده صاحبه ، كغيره من التواريخ ، على تاريخ إقليم بعينه ؛ ف «تاريخ ابن يوسف» ، على سبيل المثال ، يعد من تواريخ الوشم وأشيقر على وجه الخصوص ، و «تاريخ المنقور» ، و «تاريخ ابن ربيعة» يعدان في مجملهما ، باستثناء بعض الأحداث القليلة ، تاريخين لمنطقة شمال العارض وسدير. ويبدو أن المؤلف قصر العنوان على مسمى نجد باعتبار أنه معنيّ برصد الأحداث التاريخية ذات الصلة بتاريخ نجد وأئمتها ، ويأتي ذكر الأقاليم الأخرى بحسب نفوذ الدولة السعودية إليها ومدى صلة أئمتها بأمراء تلك الأقاليم.

ولما كان من سبقوني إلى تحقيق التواريخ النجدية قد أسهموا بما لا زيادة عليه في وضع تصور عن أحوال التأريخ والمؤرخين ، وعن المجالات المطروقة ، التي اعتاد أولئك المؤرخون غشيانها ، فقد أعرضت عن القول في هذا خشية الإطالة والتكرار. مثال ذلك ، الدراسة الجامعة ، التي أنجزها عويضة بن متيريك الجهني في مقدمة تحقيقه «تاريخ ابن يوسف» ، وقسمها إلى ثلاثة مباحث ، تناول في أولها أوضاع نجد بين القرنين التاسع والثاني عشر الهجريين ، والتفت في ثانيها إلى أوضاع بلدة أشيقر العمرانية والعلمية

__________________

تاريخ الفاخري ، عن طريق الأمانة العامة للاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية ، سنة ١٤١٩ ه‍.

٧

خلال القرنين الحادي والثاني عشر الهجريين ، أما المبحث الثالث ، الذي اعتمدت عليه كل الاعتماد في هذه السوابق ، فكان عنوانه : كتابة التاريخ في نجد خلال القرن الثاني عشر الهجري.

أما المقدمة النفيسة ، التي تناول فيها عبد الله بن يوسف الشبل تاريخي «الفاخري» ، و «ابن ربيعة» فقد كانت خير عون في عملي ، ناهيك عن مقدمة عبد العزيز بن عبد الله الخويطر لتحقيقه «تاريخ المنقور».

يجد الباحث نفسه ، بعد كل هذا ، في غنىّ عن الإطالة في هذا المجال.

لقد تميزت السوابق ، التي نحن بصدد تحقيقها والتعليق عليها ، بميزات عديدة ، وأقول كثيرة ، استقاها ابن بشر من مصادر متعددة ، أشار إلى بعضها ، وتجاهل أكثرها وأهمها. وأجد من المفيد قبل خوض غمار هذه السوابق ، أن أوضح معنى كلمة «السوابق» ، التي جاءت في عنوان الكتاب ؛ حيث يستخدم ابن بشر في أول كل خبر لفظ «سابقة» بالمفرد ، مع أن الخبر قد يحتوي على غير سابقة ، ربما وصلت في بعض الأخبار إلى أكثر من خمسة أحداث ، يجملها تحت سابقة ، أو يفصل بينها ، ويضع قبل كل حدث كلمة «وفيها». والسابقة لغويا لها معان متعددة ، كل منها يتماشى مع السياق الذي وضعت فيه. وهي في مصطلح علماء الشرع الحدث الذي قضى فيه قاض بحكم لم يسبق إليه من قبل ، وربما كان معنى السابقة الحدث الواقع ، الذي لم يكن مذكورا أو معروفا من قبل.

٨

أما ابن بشر في «عنوان المجد ...» ، فقد قصد بها السنوات التي سبقت ظهور الدعوة الإصلاحية ، ونهج نهجين في وضع هذه السوابق ، الأول : هو الذي اشتهر عنه ، كما نجد ذلك في مقدمة طبعة دارة الملك عبد العزيز ، التي زعم ناشرها أنه اعتمد على نسخة المتحف البريطاني (١) ، وقد أشار إلى ذلك في قوله : «فأردت أن أدخل السنين السابقة بين سني هذا الكتاب ، منتشرة فيه ، متتابعة كل سنة سابقة تحت كل سنة لا حقة ، والعلامة عليها قولي : سابقة» (٢). ولما أتيح له فرصة تبييض الكتاب ، غيّر في منهجه تجاه السوابق التاريخية نزولا عند رغبة بعض من اطلع على الكتاب ، يقول ابن بشر : «ثم إني لما أردت نسخ هذا الكتاب ، سألني بعض الإخوان ، قال : إن طلب السوابق على هذه الحال عسير ، ويقع إشكال كثير ، فوضعت السنين كلها متوالية» (٣).

وقد ذكر الخويطر أن تعدد السوابق عند ابن بشر له ما يسوغه ، وأرجع ذلك إلى سببين هما : المقارنة ، والعظة والاعتبار ؛ فمن نماذج المقارنة ، ذكره سابقة عام ١١٠٩ ه‍ ، التي يذكر فيها الشريف سرور (ت ١٢٠٢ ه‍) وغزوه نجد ، بعد ذكره أحداث عام ١٢١٥ ه‍ ، الذي حج فيه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود (ت ١١٧٩ ه‍) ، واجتماعه بالشريف غالب ، وبذله الصدقات ، وذلك بغرض المقارنة بين الحدثين. ومن نماذج العظة والاعتبار المقارنة التي أجراها بين أحداث عامي ١٢٢٦ ه‍ ، و ١١٢٠ ه‍ ، وقوله عن

__________________

(١) أشرنا إليها في عملنا هذا برمز (أ). أما النسخة التي اعتمدت عليها طبعة الدارة حقيقة فهي النسخة المخرومة.

(٢) نسخة (أ) : ورقة (٥ أ).

(٣) نسخة (ب) : ورقة (٤ أ).

٩

ذلك : «وإنما ذكرت هذه الحكاية ليعرف من وقف عليها وعلى غيرها ، نعمة الإسلام على الجماعة ، والسمع والطاعة ، فإن الأشياء لا تعرف إلا بأضدادها» (١).

أما ما قام به الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ، رحمه‌الله ، في تحقيقه هذا التاريخ ، من إخراج تلك السوابق من ثنايا الأحداث ، وجعلها في آخر الكتاب ، فأنا أرى أن هذا النهج خالف مقصد المؤلف ، الذي كان يرمي من إيراد سوابقه في أماكنها إلى تحقيق الأهداف التي سعى إليها ، والتي ذكرتها أعلاه عن الخويطر ، وإن كان ابن بشر لم يستمرّ في ذلك. لقد كان الأولى في طبعة الدارة أن تكون السوابق في مقدمة الكتاب ، لتقدّم وقوعها ، وسبقها أحداث الكتاب نفسه ، ناهيك عن أن هذا هو المنهج الأمثل في كتابة تاريخ الدول ، وقيامها ، والإرهاصات التي مهدت لذلك.

ولعل سائلا يسأل فيقول : ما الذي تقدمه هذه السوابق في تاريخ نجد ، وهل أضاف ابن بشر شيئا لهذا التاريخ عندما ذكر تلك السوابق؟ وجواب ذلك ، أن ابن بشر حاول في هذه السوابق أن يجعلها في سياق المنهج الذي اختطه لنفسه ؛ كأن تكون متوازية ، بعيدة عن الإغراق في خصوصية إقليم ، أو منطقة ، أو أسرة ، فنجده يستبعد بعض السوابق التي تخص منطقة بعينها ، ولا فائدة لها تضيفها إلى السياق العام لهذا التاريخ.

__________________

(١) الخويطر ، عبد العزيز : عثمان بن بشر ، منهجه ومصادره ، ص ٤٣ ـ ٤٤. وهناك اختلاف في النص الذي نقلناه عن ابن بشر لاختلاف النسخة الخطية التي اعتمدنا عليها عن تلك التي نقل عنها الخويطر.

١٠

إن المدقق في هذه السوابق ، يجد أن ابن بشر اطلع على أغلب التواريخ النجدية ، التي تغطي المدة الزمنية ، التي سماها سوابق ، وكان ينتقي منها ما يدعم فكرته ، دون الانسياق مع هذا التاريخ أو ذاك ، وتجريده كاملا أو نقله ، شأنه شأن «ابن غنام» ، و «ابن لعبون» ، مع أنه لو فعل ذلك ، لما استطاع أحد أن يلومه ، لأن هذا ، كما أشرنا ، كان منهجا اتبعه من سبقوا ابن بشر من المؤرخين المسلمين الأول. ولكنه لم يفعل ذلك لما ذكرناها آنفا.

ويؤخذ على ابن بشر في هذه السوابق أنه لم يصحح ما وقع في تلك التواريخ من أخطاء ، أو تضارب ، أو اختلاف السنين ، فنجده مثلا ينقل عن «المنقور» في أحداث سنة ١٠٩٤ ه‍ ، أنها السنة التي سافر فيها المنقور إلى الرياض للقراءة على الشيخ ابن ذهلان ، مع أن ابن ربيعة يذكر أن ذلك حدث عام ١٠٩٣ ه‍ ، يقول : «وسنة ألف وثلاث وتسعين ... وهي سنة قراءتي الثانية أنا والمنقور على شيخنا الأجل الفاضل عبد الله بن ذهلان رحمه‌الله تعالى ...» (١). ومما يؤخذ على ابن بشر أيضا ، نقله دون تمحيص وتدقيق ، وخصوصا في تاريخ الوفيات ، وقد كان حريا به أن يدقق فيما ينقله مباشرة ، أو عن طريق آخرين ، كما حدث في ذكره تاريخ وفاة العصامي ، صاحب التاريخ المسمى «سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي» (٢) ، وهو من مصادره ، فقد نقل عن «ابن لعبون» و

__________________

(١) تاريخ ابن ربيعة ، ص ٦٧.

(٢) العصامي ، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك ، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي ، ط ١ ، القاهرة : المكتبة السلفية ، (د. ت).

١١

«الفاخري» أنه توفي عام ١١٠٨ ه‍ ، والصحيح أن وفاته كانت في سنة ١١١١ م ، وتاريخه يعج بمثل ذلك ، مما نبهنا عليه في حواشي تحقيقنا هذا.

ويؤخذ على ابن بشر أيضا تردده في تحديد تاريخ حدث ما ، وإن كان هذا التردد موجودا في المصدر الذي يأخذ منه ، مثال ذلك قوله في أحداث سنة ١١٠٠ ه‍ : «وفيها ـ أو في التي قبلها ـ تصالح أهل حريملاء وابن معمر» ؛ فهو لم يرجح قولا ، بل تابع من تردد في ذكر ذلك. ولو رجح سنة بعينها لكان أولى ، أو لو أنه أحال إلى منشأ هذا التردد لا تضح لنا أنه ينقل عن المصادر نقل تدقيق وتمحيص.

أما الإجابة عن سؤال ، هل أضاف ابن بشر في هذه السوابق شيئا؟ فينبغي أن تكون حذرة ؛ فإن قلت : إنه لم يضف شيئا ، فما الداعي لمثل هذه السوابق؟ وإن ذهبت إلى أنه أضاف شيئا ، فإن ذلك يصح على تاريخ ابن بشر ، وعلى غيره من التواريخ الإسلامية والعربية المتعددة ؛ لأننا نلاحظ أن كل من عمد إلى كتابة التاريخ على السنوات ، كان لا يبدأ من حيث انتهى الآخرون ، بل يبدأ من حيث بدؤوا ، إلا إذا كان في ذهنه حدث يجعله منطلقا لتاريخه. فمؤرخو الإسلام يجعلون من الرسالة المحمدية مبتدأهم ، ومؤرخو الدول يبدؤون من تاريخ قيام تلك الدول التي يؤرخون لها. أما التواريخ النجدية المتأخرة ، الشاملة ، التي لا تخص منطقة معينة ، فالملاحظ أنه تجعل من سنة ٨٥٠ ه‍ بداية تاريخهم ، كما فعل ذلك «ابن بشر» متابعا بذلك «الفاخري». أما غيرهم فليس هناك تاريخ محدد ينطلقون منه ، ف «المنقور» مثلا ، بدأ تاريخه من أحداث سنة ١٠٤٤ ه‍ ، و «ابن ربيعة» من سنة ٩٤٨ ه‍ ، و «ابن عباد» من سنة

١٢

١٠١١ ه‍ ، وتبعه في ذلك «ابن يوسف» ، أما «ابن عضيب» ، فيجعل بداية تاريخه سنة ١٠٥٩ ه‍. ويعدّ «ابن لعبون» أشملهم ، إذا بدأ تاريخه منذ هبوط آدم عليه‌السلام إلى الأرض ، وأخيرا جعل «ابن غنام» بداية تاريخه سنة ١١٥٧ ه‍ ، وهي سنة بداية قيام الدعوة الإصلاحية.

يغلب على سوابق ابن بشر الاختصار ، والاحتواء ، والتركيز في أكثر ما ينقله من أحداث تاريخية ، وهي تستجيب لما شرطه من أن لا تكون مغرقة في الخصوصية ، فهو يستبعد كثيرا من الأحداث الهامشية التي ترد في «تاريخ المنقور» ، مما يتعلق ببعض أقاليم نجد مثل بلدان سدير وغيرها ، أو تكون متعلقة بالمؤرخ شخصيا. كما تجاوز بعض الأحداث التي يذكرها «ابن يوسف» لأنها في رأيه لا تتفق مع منهج الكتاب ، أو أنها لا تخدم ما يهدف إليه من كتابة هذه السوابق. وكان منهج ابن بشر يقضي بأن يجعل سوابقه تقف عند السنة التي سبقت الحدث الذي عرف باتفاق الدرعية أو ميثاقها ، الذي جرى بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب ، رحمهم‌الله. ولم يتردد ابن بشر في ذكر أن ذلك الاتفاق حصل في سنة ١١٥٧ ه‍ ، متابعا في ذلك ابن غنام في «روضة الأفكار».

أما «ابن لعبون» فقد ذكر عن الاتفاق ما نصه : «وفيها ـ أي الثامنة والخمسون ومائة وألف ـ أو في السابعة ، انتقل الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب من العيينة إلى الدرعية واستوطنها» (١). أما «الفاخري» ، فقد قال : «وفي أولها ـ أي الثامنة والخمسون ـ أو في التاسعة انتقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب من العيينة إلى الدرعية» (٢).

__________________

(١) ابن لعبون ، ص ١٥٧.

(٢) الفاخري ، ص ١٠٦.

١٣

لقد تميز «ابن بشر» وقبله «ابن غنام» بأنهما فاقا من سبقهما في ذكر تفاصيل الأحداث التي عاصروها ، واختلفا في ذلك أيضا عن معاصريهم ، مثل «ابن لعبون» أو «الفاخري» ، اللذين استمرا على منهج السابقين في الاختصار دون الخوض في التفاصيل.

١٤

مصادر ابن بشر

استفاد ابن بشر في كتابة سوابقه من التواريخ التي أشرنا إليها آنفا ، ولكنه لم يذكر ابن لعبون أبدا ، ولم يعده من مصادره التي ذكرها في مقدمة كتابه. وقد نعذره إذا علمنا أن هذا المنهج كان منتشرا في كتابة التاريخ في تلك الحقبة الزمنية ، وفيما قبلها ، وقد لا نلتمس له العذر إذا عرفنا أنه ذكر مصادر كان اعتماده عليها أقل بكثير عما اعتمد عليه مما عند ابن لعبون.

واعتمد ابن بشر أيضا على تاريخ مختصر لمحمد بن علي بن سلوم ، يقول : «وإنني تتبعت من أرّخ أيامهم ، فلم أجد ما يشفي الغليل ... إلا أنني وجدت لمحمد بن علي ابن سلوم الفرضي الحنبلي إشارات لطيفة في تتابع السنين ، ورسم وقائع كل سنة بما لا يفيد ، ولا تحقيقا للوقائع ومواضعها ينتفع به المستفيد ، بلغ في ترسيماته إلى قرب موت عبد العزيز بن محمد بن سعود» (١). كما اعتمد ابن بشر على مصادر أخرى ، أطلق عليها مسمى : ترسيمات (٢) ، اتخذها منهجا سار عليه ،

__________________

(١) ابن بشر ، عنوان المجد ، النسخة (أ) ، ورقة (٥ ب).

(٢) هذه الترسيمات أشار إليها خالد الفرج في هامش كتابه الخبر والعيان في تاريخ نجد ، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الله الشقير ، ط ١ ، الرياض ، مكتبة العبيكان ، ١٤٢١ ه‍ / ٢٠٠٠ م. وذكر أن تلك الترسيمات التي ذكرها ابن بشر ، إنما هي مذكرات كتبها حمد بن لعبون ، ص ٦٩. إلا أن محقق الخبر والعيان الأخ عبد الرحمن بن عبد الله الشقير كان محقا عندما علق على ذلك بقوله : «يبدو أن

١٥

وقال عنها : «ثم وجدت أيضا ترسيمات السنين لغيره ـ أي غير ابن سلوم ـ أحسن من رسمه ، فلما ظفرت بالسنين ، ومعرفة الوقائع فيها ، استخرت الله سبحانه في وضع هذا المجموع» (١). ثم اعتمد على مصادر شفوية عاصر أصحابها الأحداث ، أو نقلوا عن غيرهم ممن شاهدوها ، يقول : «وأخذت صفة الوقائع وتعيين المواضع من أفواه رجال شاهدوها ، وما لم يدركوه منها فعمن شاهدها نقلوها ، وبذلت جهدي في تحري الصدق ، ولم أكتب إلا ما يقع في ظني أنه الحق ، من قول ثقة يغلب على الظن صدقه ، أو خبر ثقة عن ثقة حققه ، فمن عثر على زيادة أو نقص ، أو تقدم أو تأخر في بعض الأخبار تحققها ، فليعلم أنني لم أتعمد الكذب فيه ، وإنما هو من خطأ من نقله ، والعهدة على ناقليه» (٢).

__________________

ترسيمات ابن لعبون هي التاريخ الذي ألفه في نسب قبيلته آل مدلج ، فقد تضمنت أيضا معلومات وأخبارا مقتضبة ذات علاقة بتاريخ نجد ، ولكن حجم هذه المعلومات لا يتيح لها أن تكون أصلا لكتاب ابن بشر». وهذا الكتاب مطبوع تحت عنوان : تاريخ حمد بن محمد بن لعبون الوائلي النجدي ، نشر في طبعته الأولى عام ١٣٥٧ ه‍ ، والثانية ١٤٠٨ ه‍. إلا أن المطلع عليه يجد أنه متعلق بالأنساب من آدم عليه‌السلام حتى نسب آل مدلج التي هي أسرة المؤلف نفسه. وقد طبع مؤخرا تاريخ ابن لعبون كاملا ضمن خزانة التواريخ النجدية ، وشمل الجزء الأول منه ، ابتدأه من تفصيل نسب آل لعبون ، أي ص ١٢٨ ، وهذا يقابل التاريخ المطبوع تحت العنوان الذي أشرنا إليه من قبل. أما الجديد في هذا التاريخ فهو تأريخه للأحداث من سنة ١٠٦٣ ه‍ ، وهي التي لم يسبق أن نشرت. ويستمر في سرد الأحداث إلى سنة وقعة بقعا في ثامن جمادى الأولى سنة ١٢٥٧ ه‍. ويبدو أن هذه النسخة هي التي أشار إليها خالد الفرج وسوف تجد أخي القارئ في ثنايا التحقيق المواضع التي نقل عنها ابن بشر من هذا التاريخ الذي عرفه بالترسيمات.

(١) ابن بشر : نسخة (أ) ، ورقة (٥ أ).

(٢) ابن بشر ، نسخة (ب).

١٦

إن المطلع على تواريخ أهل نجد يجد أنه أرخت للتاريخ القريب ، الذي يشمل ما بعد القرن العاشر الهجري ، ولا نكاد نظفر بمؤرخ اهتم بما قبل ذلك التاريخ ، إلا أننا وجدنا تاريخا ، يعدّ نادرا في تجاوزه ذلك التاريخ ، ونسعى إلى إخراجه ، سهل الله ذلك (١).

ومما تجدر الإشارة إليه أن المسح الذي أجريته لمصادر ابن بشر ، ساعدني في مقارنة نقوله بأصولها ، وعلى عزو أكثر السوابق إلى المصادر التي نقل عنها ، كما أشرت إلى ما ينقله عبر كتب أخرى ، مثل ما نقله ، عبر ابن لعبون ، عن العصامي ، وأحلت في كل تلك النقول إلى أماكنها في التاريخ المطبوع ، وأكثرها في الجزء الرابع ، ونبهت إلى أن التاريخ الذي يذكر ابن بشر أن أوله ساقط ، هو تاريخ العصامي نفسه ، ولما كان لا ينقل عنه مباشرة فإنه لم يعرفه.

لماذا تحقيق الكتاب من جديد؟

إن ما دعاني إلى إعادة تحقيق هذه السوابق ، هو كثرة التصحيحات التي دوناها على طبعة دارة الملك عبد العزيز في أثناء المراجعة فيها ، ثم بدا لي في سانحة من الوقت أن هناك خللا ما في تلك الطبعة ، وفي أحداث سنة ١٠٨٤ ه‍ على وجه التحديد ، إذ يشير ابن بشر إلى مقتل أمير الدرعية ،

__________________

(١) هذا التاريخ للشيخ عبد الله بن عبد المحسن المغيرة ، عنوانه : تاريخ العرب القديم ، وهو يقع في ٤٢٢ صفحة ، كما أن له تاريخا آخر أشار هو بنفسه إليه في وثيقة بخط يده فيما يبدو ، سماه : تاريخ الفاطميين. والمؤلف ولد عام ١٢٧٤ ه‍ ، وتوفي عام ١٣٥٥ ه‍ ، وقد ترجم له الزركلي وذكر أنه من أهل حوطة بني تميم والصواب أنه من أهل أشيقر.

١٧

ويذكر اسمين هما : ناصر بن محمد ، وأحمد بن وطبان ، فعدت إلى مخطوطة المتحف البريطاني لا ستجلاء الأمر ، فوجدت الأمر أكثر التباسا ، لأن النص فيها مختلف كل الاختلاف عما في المطبوع ، فهو يشير إلى أن المقتول هو أمير العيينة (هكذا) ، وأنهما أميران وليس أميرا واحدا ، مما استدعى الرجوع إلى الدراسات التي تناولت سلسلة أمراء الدرعية لتحقيق الأمر ، وخصوصا ذلك البحث القيم الذي قام به مؤخرا فهد الدامغ (١). ونجد قبل هذا ، في أحداث سنة ١٠٣٩ ه‍ ، أن طبعة الدارة نعتت مقرن وربيعة ، اللذين حجا في هذه السنة بصفة أمير على الإفراد ، والصحيح ، كما في النسخ المخطوطة ، أن النص على صيغة التثنية أميرا ، ويصبح النص كالتالي : «وفي سنة تسع وثلاثين وألف حج مقرن وربيعة أميرا الدرعية ، ابنا مرخان بن ربيعة بن إبراهيم».

إن مثل هذا ، ناهيك عما سبقت الإشارة إليه عند الحديث عن وفيات العلماء والأعلام ، وأنها في الغالب مختلفة عما هو صحيح ومعروف ، جعلني أشرع في إعادة التحقيق ، مع علمنا أن هناك من يلوم ، ويقول : ما الفائدة من تحقيق تاريخ ، عرف ، واشتهر؟ وحبذا لو أن الجهد المبذول في إعادة التحقيق ينصرف إلى عمل آخر. وجواب ذلك ، أن كتاب «ابن بشر» من المصادر الأساسية التي يفزع إليها الناس في تاريخ نجد ، ومن الإجحاف

__________________

(١) الدامغ ، فهد : تاريخ منطقة الرياض منذ قيام إمارة الدرعية حتى قيام الدولة السعودية الأولى ، منطقة الرياض ، دراسة تاريخية وجغرافية واجتماعية ، رئيس التحرير : عبد الله بن ناصر الوليعي ، ط ١ ، الرياض ، إمارة منطقة الرياض ، ١٤١٩ ه‍ / ١٩٩٩ م ، ج ٣ ص ٢١.

١٨

أن يظل مشحونا بالأخطاء ، وقد رأيت أن الوفاء لعلمائنا يحتم علينا إخراج الكتاب بالصورة التي أمل المؤلف أن يخرج بها إلى الناس ، واستدركنا عليه ما أخطأ فيه عن غير قصد عندما اعتمد على مصادر أخطأت ، وسار المؤلف على نهجها. نقول هذا ، دون أن يغيب عنا أن إخراج النصوص المخطوطة مما لم ينشر بعد ، أمر عظيم الفائدة.

١٩

وصف النسخ المعتمدة في التحقيق

اعتمدنا في تحقيق السوابق على ثلاث نسخ خطية ، واستبعدنا نسخة رابعة ، وهذا بيان ذلك :

* النسخة (أ):

هذه النسخة هي المعتمدة في التحقيق مصورة من المتحف البريطاني ، وهي محفوظة هناك تحت رقم (٧٧١٨OR). وتقع في ٢٥٨ ورقة كتبت في غالبها بمداد أسود ، إلا كتابة العنوان تناوبت باللونين الأسود والأحمر. أما الخط ، فهو خط نجدي ، فيه خلط بين خط النسخ والرقعة ، كعادة أهل نجد في عدم التقيد بقاعدة واحدة في الكتابة ، وهي فيما يبدو ظاهرة تميزت بها خطوط القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين.

مسطرتها ٢٣ سطرا ، وبمعدل عشر كلمات في السطر الواحد ، تقع هذه النسخة في جزئين ، يقع الجزء الأول منها في ١٦٠ ورقة. أما تاريخ الفراغ من كتابته على يد مؤلفه ، فقد ذكر أنه في شهر رجب سنة ١٢٥١ ه‍. وتاريخ نسخ هذا الجزء هو آخر يوم الجمعة منتصف رجب سنة ١٢٧٠ ه‍. أما الجزء الثاني ، فقد كان تاريخ الانتهاء من نسخه في شهر شعبان ، سنة ١٢٧٠ ه‍. وعلى النسخة تملك باسم علي أبو نيان وكيله ناصر بن عبدان من أهل الرياض. وعلى صفحة العنوان ترجمة للمؤلف بلغت ستة عشر سطرا ، كتب في آخرها اسم كاتبها وهو عبد العزيز بن عيبان أحد الذين تملكوا النسخة المخرومة.

٢٠