رحلة الشام

إبراهيم عبد القادر المازني

رحلة الشام

المؤلف:

إبراهيم عبد القادر المازني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
ISBN: 978-977-420-228-3
الصفحات: ٢٤١

عودة لنضال شكرى القوتلى

(١٧)

سورية الحاضرة وليدة الحركة العربية التى قامت ، جهرا وسرا ، فى أخريات العهد العثمانى ، وقد كان لكثيرين من أقطاب سورية الآن مشاركة فى تلك الحركة ، وهذا رئيس الدولة السورية الحالية السيد شكرى القوتلى ، ما نجا من الموت إلا بأعجوبة وبفضل من الله فقد كان الأتراك فى أثناء الحرب العظمى الماضية يطاردون أحرار العرب ويشنقونهم ، وكان السيد شكرى القوتلى ممن قبض عليهم ، وأذن فى الحال بأن يلحق بسواه من الأحرار. وسألوه عن زملائه الأحرار ، فأبى أن يقول شيئا وأصر على الكتمان وآثر أن يدركه الموت على أن ينكب أحدا.

وكان هناك كثيرون قد قبض عليهم وسئلوا كما سئل السيد شكرى القوتلى ، فلم يقولوا شيئا ولكن واحدا منهم أراد أن يضلل

١٦١

القوم فراح يذكر لهم أسماء كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان ، أو علاقة لأصحابها بحركة عربية فكان التحقيق يدور مع هؤلاء الأبرياء أياما. ثم يطلق سراحهم. وكان القائمون بالتحقيق يدعون زورا وبهتانا أن فلانا قد أقر ، وعلانا قد أفشى السر ، ليحملوا الآخرين على الاعتراف وليوقعوا بين المقبوض عليهم ويوغروا الصدور فتجرى الألسنة بالحقيقة.

ولم يكفهم هذا فجعلوا التعذيب إحدى وسائلهم ، فكانوا يجلدون المعتقلين ، ويدسون لهم الشوك بين الظفر واللحم ، ويفعلون غير ذلك.

وكانوا كثيرا ما يعذبون المقبوض عليهم على مرأى ومسمع من السيد شكرى ليرى ما سيحل به إذا لج فى الإنكار ، وأبى الكتمان ، فأشفق السيد شكرى أن يضعف إذا أصابه مثل هذا التعذيب المنكر ، وخشى إذا حاق به شىء من هذا أن تخونه الإرادة فإن الطاقة البشرية محدودة ، والمرء صبر يتشدد على الألم ، ولكن لا إلى غير نهاية فاعتزم أمرا ، وتوكل على الله.

وكان كثير التعبد أمام الحرس ، فكان الحراس يكبرونه ويوقرونه فقال لأحدهم يوما. إن هذا السجن قد طال ، وطال شعر بدنه ، فهو فى حاجة إلى موس للحلاقة فإن النظافة من الإيمان فغاب الحارس ساعة ثم جاءه بالموس فى الخبز ، فإن تزويد السجناء بمثل هذه الآلات محظور فكيف إذا حملها الحارس بنفسه إلى السجين؟!

وأوصد السيد شكرى القوتلى الباب وعمد إلى رسغة فقطع بالشفرة شريانا فيه فتدفق الدم وكان قد أعد عودا من القش فجعل يغمس العود فى الدم ويكتب فى الصحيفة ، وقد أنحى فى

١٦٢

هذه الرقعة على الظلم والظالمين ولعنهم واستنزل عليهم غضب الله والملائكة والناس أجمعين.

وألح عليه النزف فضعف فانطرح على الفراش وترك يده مدلاة يسيل منها الدم حتى بلغ الباب وخرج من تحته.

واتفق فى ذلك الوقت أن كان الدكتور" قدرى بك"(٥٠) مارا فرأى الدم ، وكان أحد المقبوض عليهم وهو طبيب والأطباء غير كثير ، فالحاجة إليهم شديدة ، فهو لا يزال يستعان به داخل المعتقل ، وكان قد قيل له كذبا أن السيد شكرى وشى به ، أو أقر عليه فسخط ونقم فلما رأى الدم حدث نفسه أن السيد شكرى لابد أن يكون قد أدركه الندم ، وأناب إلى الله وشفع إليه تعالى بدمه فانتحر.

وقال لنفسه حسنا صنع ، ومضى فى طريقه ، ولكنه ما لبث أن وقف مترددا وقال هذا الرجل قد كفر عن ذنبه بتوبته ربما حاول الانتحار ، والتوبة تغسل الذنب وتمحو الخطيئة ، وعلى الله لا على الناس حساب المسيئ ، ثم من يدرى ، فقد يكون الرجل مظلوما. لعله ما اعترف ولا أقر بشىء وعسى أن يكون ما بلغنى عنه مزورا ملفقا وهو برئ العهد ، أتراهم كانون يتركوننى على قيد الحياة وعلى شهوده وكر راجعا إلى الباب وأهوى عليه بكتفه فحطه ودخل على السيد شكرى ، فإذا هو فى غيبوبة من كثرة النزف ، فعصب له يده عصبا قويا يرقأ العرق وينقطع الدم ، وحمله مستعينا بالحراس ، فذهبوا به إلى مستشفى فظل فيه حتى أقبل عليه البرء ورجعت إليه قوته على الأيام.

وآثار الكتاب الذى كتبه بدمه ضجة فإنه كتاب رجل مشرف على الموت وتلك ساعة لا يهون فيها الكذب والتضليل ، وكيف يكذب وهو

١٦٣

يوشك بعد ثوان أن يلقى ربه؟ والدم بدلا من المداد شىء مروع ، فكان لهذا كله أثره ونجا من القتل غير واحد بفضله.

وإنما أقدم السيد شكرى على هذه التضحية الكبرى إشفاقا من عواقب الضعف الإنسانى فآثر أن يموت هو. وينجو غيره.

وهذا خبر صحيح ، لا يرتقى إليه شك يريك من أى معدن صيغ السيد شكرى القوتلى ، فهو يتقلد اليوم منصب الرياسة ف الجمهورية السورية بفضله وحقه. السوريون جميعا يعرفون له هذه المزية ويقرون له بها. وقد يختلفون على غيره ولكنهم لا يختلفون فيه. وإجماعهم على توقيره والثقة به تام ، فما أخذوه بشىء فى حياته كلها فظل رجل سوريا الذى تطلع إليه الأبصار فى كل حادث ظل هو الرجل الذى لا يمنع فى شىء ولا يشتهى شيئا ولا يطلب هذه الدنيا وجاهلها ، حتى حملوه حملا إلى دار الرياسة وهو فضلا عن ذلك يقرأ لا يترك عقله يصدأ ، ولا يغتر بمنصب ولا يرى أنه زاد به شيئا أو أنه صار وقفا عليه.

وقد سئل السيد" سعد الله الجابرى" عن استقالته من الوزارة ما سببها؟. فكان جوابه وهل مناصب الحكم وقفا علينا؟ إنها للأمة لا لنا.

وخوطب السيد" فارس الخورى" بعد توليه الوزارة فى أمر فقال : إنما نحن هنا إلى حين فقط.

وهكذا يقول السيد شكرى القوتلى ورجال سوريا جميعا ، بارك الله فيهم.

١٦٤

حديث عن صحافة الشام

(١٧)

أظن أن القراء ينتظرون منى كلمة فى صحافة الشام فقلما يراها المصريون فى غير إدارات الصحف أو عند من يتلقونها بالبريد.

وأول ما ينبغى أن يكون المصريون منه على بينة ويقين ، هو أن صحافة الشام ليست دون صحافة مصر فى الجوهر ، وإن فرق ما بينهما لا يعدو المظهر.

والقراء فى الشام أقل ممن فى مصر ، لا لأن الأمية هنا أشيع ، فإن الأمر على نقيض ذلك بل لأن عدة النفوس أصغر ، المواصلات أبطأ ، والأبعاد بين البلدان أطول ، وقد جاءت الحرب بمصاعب أخرى شتى ، فالورق قليل والغلاء شديد ، والتليفون لا يسعف ، والسيارات لا تظفر بالكفاية من العجلات الصالحة ، والسكة

١٦٥

الحديدية سلحفاة فلا غناء لها ، وتكاليف إخراج الصحيفة غير يسيرة ، وعلى الرغم من ذلك كله احتفظت الصحافة فى سوريا بمستواها ، واجتذبت إليها طائفة صالحة من صفوف الشبان المثقفين.

ولم أر أنشط ولا أشد من الصحفيين السوريين لعملهم ، فهم ينتشرون فى الأرض ، ويظهرون فى كل مكان ويستقون كل خبر.

ويحيطون بكل دقيق وجليل من الأمور ، ويقفون على كل خلية ، ولا تبدو عليهم مع ذلك عجلة ، حتى ليخيل إليك إذا تراهم أنهم لا يزاولون عملا وإنما يزجون فراغا.

وقد طفت بإدارات الصحف فى دمشق لا لأنه ما تقتضيه الزمالة ، بل لأن فيها إخوانى وأصدقائى ، فكان يدهشنى أن أرى المكاتب خالية ، ولا يكاد بعضهم يدخل حتى ينكفئ خارجا ،. فجعلت أتساءل فى سرى :

" أين إذن المحررون المخبرون والمترجمون؟ ومن ترى يتولى ترتيب المواد المختلفة ، والإشراف على الطبع وما إلى ذلك؟.

وقد تبينت بعد ذلك أن السر فى هذا" الفراغ" الذى تعجبت له هو أن الحركة دائمة ، والسرعة عظيمة ، فالجلوس إلى المكاتب قليل ، وكل امرئ يؤدى عمله ويدفع به إلى صاحب الجريدة أو الموكل بالإشراف ، أو إلى المطبعة ريثما يؤوب الغائب ، ثم ينطلق خارجا عسى أن يقع على جديد أو مفيد.

ولقلة الورق ، وضيق الصحف ، وصغرها اقتصرت على الجد ، وأغفلت ما يراد به التسلية وتركت ذلك للمجلات والصحف

١٦٦

الأسبوعية. والسوريون على العموم أميل إلى الجد فى صحافتهم.

وأشد عناية باللغة والأسلوب. والقراء ينتظرون من الصحافة اليومية على الخصوص أن تفيدهم لا أن تسليهم :

اللغة العربية والروح العربية :

وقد تكون اللغة العربية فى مصر أرقى. وأساليب الكتابة أجود ، وأحسب أن السوريين لا ينكرون على مصر هذا السبق والتقدم ، ولكن الروح العربية هناك أعمق وأعم وأشمل ، ، وما من سورى ، متعلم أو أمى ، إلا وهو يعد نفسه معرقا فى العروبة ، فلا فينيقية ، ولا فرعونية ولا حيرة بين أصول شتى متقاربة أو متباعدة وإنما هى العروبة صرفا.

وأسماء الصحف نفسها تشهد بذلك وتعلنه بأقوى لسان وأعلى بيان ، ومن هذه الأسماء" ألف باء" و" فتى العرب" و" القبس" و" الوعى القومى" وما يجرى هذا المجرى وليس فى سورية من يستغرب أو ينكر اسما من هذه الأسماء ، أو يحس أنها ثقيلة على اللسان حتى باعة الصحف ينادون بها كأنها أحلى الأسماء وأخف الكلمات وأعذبها.

والأمر فى مصر على نقيض هذا ، فإن اختيار اسم سهل الدوران على اللسان من أشق المتعبات المضنيات التى يعانيها من يهم بإصدار صحيفة ما يومية أو أسبوعية أو شهرية ، والمصرى يعنى عند اختيار الاسم ، بسرعة ذيوعه وخفته على لسان البائع حين يرفع به عقيرته يلوكه فى شدقيه ، وأذكر أن مجلة" يد رزد ايجست"

١٦٧

حين أرادت أن تصدر طبعة عربية فى مصر ، رأت أن تعقد مسابقة كلفتها مالا وجهدا للاهتداء إلى الاسم الموافق فكان" المختار".

ومن الخطأ أن يتوهم أحد أن المسألة ذوق. وأن الذوق الشامى غير الذوق المصرى فالذى يتقبله هذا لا يتقبله ذلك ولا يخف على قلبه. فإن السوريين يستثقلون اسما من أسماء الصحف والمجلات المصرية ، ولا يرون أنها أبدع أو غير موافقة إلى آخر ذلك ، وإنما الأمر مرجعه إلى روح العروبة كما قلت ، فالسورى الذى يريد إصدار صحيفة لا يعنيه إلا أن يكون الاسم عربيا صحيحا مقبولا ، يؤدى المعنى المنشود ويحرك النفس لما يريد ، وقد يؤثر التواضع التطامن فيسمى جريدته (القبس) أو (ألف باء) أو يرى أن يجهر بغايته ولا يخافت بها فيطلق عليها اسم (فتى العرب) أو (الوعى القومى) ـ وهى صحيفة اللاذقية ـ وهمه فى الحالتين المعنى العربى وميله إليه لا يحوله عنه.

وتلك مزية الشام لا تستغرب ، فقد كانت وما زالت موئل العروبة أبناؤها هم الذين يرجع إليهم الفضل فى أزخار تيار الحركة العربية فى هذا القرن.

أما مصر ، فإنها على اصالتها فى العروبة ، لا تعد بالقياس إلى سورية إلا أحد الروافد ، وإن كان لا شك انه رافد عظيم غمر الماء جم الحدود.

١٦٨

عود على بدء

(١٨)

أقيمت حفلتا المهرجان الأولى والثانية فى قاعة المحاضرات بالجامعة السورية ، وأكبر ظنى أن من القراء من يضحكون الآن. إذ يقرأون هذا ، ويقولون : إن المازنى قد عاد فبدأ من البداية ، فإذا كان كل بضع عشر مقالات سينكفئ بنا راجعا إلى الفاتحة ، فمتى يا ترى نرجو أن يختم هذا الحديث؟.

وأنا أكره أن يزعج القارئ شىء ولذا فأطمئنه فما ذكرت الحفلتين الأوليين ، إلا لأذكر القاعة ، وحتى القاعة ليست مبتغاى ، وإن كانت رحيبة وطويلة وعريضة ، وصدرها محلى بأعلام الأمم العربية جميعا ، ولكن هذا الصدر كان إلى ظهورنا على المنصة ، فكنا لا نراه إلا إذا لوينا أعناقنا ليا شديدا.

١٦٩

وكانت القاعة خاصة بالرجال ، ومجهزة ما يحمل صوت المتكلم ، ولو كان خفيضا كصوتى ، إلى آخر ما فيها ، بل يجعله يجلجل كالرعد ، إذا كان معدنه قويا كأصوات فخامة السيد القوتلى ، أو السيد عراف النكدى أو السيد شقيق جبرى الشاعر وهذه لا حاجة بها إلى معين فإنها سمع الصم.

وللقاعة شرفات ثلاث ممتدة على الجوانب الثلاثة ـ من فوق كانت هى أيضا غاصة ، ولكن بأندى زهرات دمشق. وكن جميعا" يجلسن" سافرات لا يرحمن ضعفنا ولا يترفقن بطيننا الواهى الخرع ، على أن قلبى مات من زمان فلا خوف عليه أن يصاب بسهم من هذه العيون التى لا أمان لها ، فكنت أغافل جيرانى وأصعد طرفى واختلس النظرتين من حين إلى حين ، ولم يكن هذا منى من قبيل العبث أو على سبيل الشيطنة وإنما كان لأنى أفكر وأتعجب.

وملت على جار لى قلت مازحا" هل نساء الشام دميمات؟ " فجاهد أن يخفض صوته وهو يقول هامسا وبوده لو تسنى له أن يصح" العمى" الا تراهن؟ "

فلم أرحمه وسألته" إذن لماذا يتحجبن؟ " فرمانى بنظرة ولم يجب. ودارت عينى فى مقاعد الرجال ـ تحت ـ وعدت إليه أغمزه فابتسم وهو يلتفت إلى ويسأل" هل ركبك عفريتك؟ "

قلت" لا تخف على ، بل خف على نفسك؟ " انظر" وأومأت بإصبعى إلى آخر الصف الأول الذى يواجهنا ونحن على المنصة.

فنظر وهى رأسه وأدار إلى وجهه وسأل" ماذا؟ "

فكانت هذه فرصة أثأر فيها لنفسى ، فصحت به" العمى ألا ترى الآنسة" فلك طرزى (٥١) جالسة بين الرجال؟ ".

١٧٠

فزوى ما بين عينى وزام فانصرفت عنه بعد ذلك ، إلى ما يدور فى نفسى.

والآنسة فلك الطرزى أديبة صديقة لى ، عزيزة على ، ولقد لقيت من كرمها وعطفها ومروءتها ما يعيينى شكره ، وأتعبتها حتى خيل إلى إنى أزهقت روحا لكنها ظلت على عهدى بها من الوفاء وصدق المودة ، وكانت جلستها هذه بين الرجال فى مهرجان المعرى ، دون بنات جنسها مظهرا يفقأ العين بثورتها على الحجاب ، وقد كنا فى رحلتنا الطويلة إلى شمال سوريا نخوض فى كل موضوع ولكنا ندور ونلف ثم نكر إلى حديثها أو حديث الحجاب والسفور فى الحقيقة ، فكان الأستاذ الشيخ المغربى يقول إنه لا ينكر السفور أو يأباه على أن يكون شرعيا ولكن ينكر أن تخرج المرأة وحدها وأن تجالس الرجال.

فأقول له" ولماذا؟ " ماذا تخشى عليها؟ " إن فضيلة المرأة المحجوبة السجينة فى بيتها التى لا تخرج إلا فى حراسة الزوج أو الأخ أو الإبن : هى فضيلة الجدران الأربعة ، " وأخلق بها أن تفقد القدرة على المقاومة والكفاح لأنها استغنت عنهما بما يحميها من غير ذات نفسها فلم تتعودهما".

وضربت له مثلا ، قلت إنى كنت فى حداثتى ، لجهلى أخاف البرد ، فلا أزال استكثر من الثياب ، وكنت ألف على رأسى فوطة كبيرة عند النوم فكان الزكام كثيرا ما يصيبى ويتعبنى ، فاستشرت طبيبا حاذقا ، فلما رأى كثرة ما على بدنى من الثياب ، وكان الوقت صيفا ، قال إن هذه هى العلة : فإن ثيابك هى التى تقاوم البرد دون جسمك ، فأقل تعرض للهواء يسقمك لأن جسمك لم يتعود المقاومة ، فينبغى أن تعوده ذلك والصيف لهو فرصتك ، فخفف ثيابك شيئا فشيئا نم

١٧١

عاريا إلا من غطاء رقيق وأوصد النوافذ فى البداية ثم افتحها قليلا قليلا حتى تألف ذلك فصدرت عن رأيه فجاء الشتاء ألفيتنى قد استغنيت عن المعطف وعن الأردية الصوفية أيضا ، وأنا الآن أسن عما كنت وأضعف وإن بانى لركيك جدا ، ولكن الشتاء أحب الفصول إلى. وأنا أقوى على احتماله من الضخام الأبدان ، لأنى عودت جسمى المقاومة ولم أكلها إلى الملابس ، لم أعول عليها فى ذلك. وهذا مثال المرأة المحجوبة والمرأة السافرة ، فالأولى : لا قدرة لا على المقاومة إذا احتاجت إليها لأن غيرها يتولاها عنها ـ واعنى بغيرها جدران البيت والرجال الذين يحمونها ـ أما السافرة فقد نزلت إلى الميدان وبرزت فهى خليقة أن تكتسب على الأيام القدرة على المقاومة وان تستفيد حصانة ذاتية تغنيها عن وقاية الجدران وحماية الرجل.

وكان الأستاذ ساطع بك الحصرى يصغى إلى حوارى هذا ونحن فى السيارة ، ويشارك فيه ، فسأل الشيخ المغربى ، هل أنت سفورى يا أستاذ؟ ".

قال الأستاذ" نعم فى حدود الشرع".

قال ساطع بك (وهل بناتك سافرات؟) قال الأستاذ (لا)

قال ساطع بك (إذن لست سفوريا) وأكد له أن السفور لا مهرب منه. من العبث محاولة الوقوف فى وجه تياره وأنه خير للأمة أن تشترك المرأة فى حياتها بنصيبها العادل.

على أنى أود أن أقول إن حجاب المرأة السورية لا يمنعها أن تقوم بجهد مشكور فى خدمة بلادها ، وقد أنشأت السوريات جمعيات

١٧٢

شتى لحماية الطفولة ورعاية اليتامى وغير ذلك. ولكن النطاق بطبيعة الحال محدود.

وكانت الجلسة الأخيرة للمهرجان فى الجامعة السورية أيضا فأناب" الجنس اللطيف" عنه فتاة تدافع عن المرأة وتنقض أقوال المعرى فيها. وكانت فصيحة لبقة وإن لم تكن بارعة الجمال ، وأحسب أن الطبيعة لا تجود بالمزايا بغير حساب ، وقد ناصرت" الشرفات" فأثبنها مناصرة قوية فأكثرن من التصفيق ، ولم يكن الرجال أقل تشجيعا فتعجبت أن الرجال يتقبلون دفاع الفتاة عن جنسها بصدر رحب ، ويشجعونها ويثنون عليها ، ولا يرون أن يناصروا رجلا منهم أساء الظن بالمرأة واتهمها فى عقلها ودينها وخلقها ، أما النساء فيتعصبن ، ولا يكتمن عصبيتهن ، فهل كن يفعلن ذلك لو كن غير حبيسات أو غير شاعرات بأنهن مهضمات الحق مغبونات فى المجتمع؟ أما كن خليقات أن يفسحن صدورهن كإفساح الرجال ويتقبلن كل رأى فيهن ـ لهن أو عليهن ـ؟ بلى وإن هذه لميزة الحرية أو أثرها المحمود.

انتهى

١٧٣
١٧٤

ثبت تعريف بالأعلام الواردة فى هذا الكتاب

وفهرست تفصيلى لموضوعات الكتاب

مقدمة حول أهمية التواصل مع هؤلاء الأعلام مع مؤلفاتهم وأفكارهم.

ثبت التعريف بواحد وخمسين علما : حياتهم ومؤلفاتهم وأفكارهم.

ثبت بالأسماء الواردة دون تفصيلات.

فهرست لكتاب رحلة الشام.

١٧٥
١٧٦

مقدمة

حول أهمية التواصل مع هؤلاء الأعلام

ومع مؤلفاتهم وأفكارهم

١٧٧
١٧٨

هذا ثبت للأعلام التى وردت فى كتاب رحلة الشام للمازنى. وهم واحد وخمسون عالما ، من رواد الفكر والثقافة والإعلام والفنون المختلفة ، فى الوطن لعربى. وواضح أن هذه الأعلام تنتمى معظمها إلى الشام (سوريا ، لبنان ، الأردن ـ فلسطين) والعراق ومصر. أو هى الأعلام التى اختارها المازنى من بين الحاضرين فى المؤتمر وتحدث عنها ، وربما أغفل أعلاما آخرين لم يكونوا موضع حفاوة أو اهتمام من المؤتمر ، أو لم تربطهم بالمازنى علاقة أو مواقف خاصة ، هذا ما يفسر إهمال المازنى لأسماء بعض الشخصيات التى تحدث عنها لاشتراكها فى مواقف داخل المؤتمر أو خارجه ، كاسم الصحفى الشيوعى واسم رئيس حزبه ... الخ.

وقد أفاض فى الحديث عن بعضهم ، ولم يذكر بعضهم إلا مرة واحدة وعلى سبيل السرد / التداعى ، كاسم العقاد رغم أنه لم يحضر إلى المؤتمر وكذلك اسم (الإمام) الشيخ محمد عبده ، ومحمد عبد الوهاب (الموسيقار) وتلمك (الخواجة) الذى حاول أن يعلم المازنى العزف على العود. والسباعى وهيكل ، والبرقوقى ، والغاياتى ، وروكلفر ، وسامى الشوا ، ... الخ لأن التداعى الحر

١٧٩

للأسماء والحوادث المشابهة جاء بهذه الأسماء إلى نص رحلة الشام بصرف النظر عن حضورها أو عدم حضورها ، لأن التداعى هو جوهر السرد لدى المازنى فى هذه الرحلة.

بينما أخذت بقية الأعلام مساحة أكبر من الحكى والحوار والوصف كالدكتور أسعد طلس ، والسيد شكرى القوتلى ، وساطع الحصرى ... الخ ونظرا لبعد المسافة الزمنية بين تاريخ انعقاد مؤتمر أبى العلاء المعرى وبين زماننا الحاضر ، رأى البحث أن يضع للأعلام الواردة فى هذا الكتاب والتعريف بهذه الأعلام قدر المستطاع ففيهم من ما توا فى الأربعينيات أو الخمسينيات أو الستينيات ، وهذا يعنى أن كثيرا من قراء اليوم لم يسمعوا عن كثير منهم خاصة ، وعدد كبير منهم عراقيون أو شاميون ، اختفت أسماؤهم من الساحة الثقافية إما لموتهم وإما لانسحابهم من الحياة العامة مع بداية الخمسينات ، فقد حلت أجيال جديدة بدلا منهم ، وأودت التغيرات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية العقد الخامس من هذا القرن ، إلى ظهور مجموعة كبيرة من الأعلام تتجاوب مع الأوضاع الجديدة ، ومن ثم قلت مساهمة هذه الأعلام ، وتراجع بعضهم عن المشاركة. ومن ثم ساعدت الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية الجديدة عقب الحرب العالمية الثانية وما صحب ذلك من تغيير فى نظم الحكم ، وطرق إدارة البلاد سياسيا وفكريا وثقافيا ، على نسيانهم. فقد كان التوجه نحو الثقافة الجماهيرية ، والانحياز إلى الفقراء وأبناء الطبقات المطحونة ، أحد العلامات البارزة لفكر الحكومات الجديدة الوطنية التى تولت السلطة فى الوطن العربى بعد خروج الاستعمار الإنجليزى

١٨٠