صورة الأرض - ج ١

أبي القاسم بن حوقل النصيبي

صورة الأرض - ج ١

المؤلف:

أبي القاسم بن حوقل النصيبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
المطبعة: مطبعة بريل
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

أهل العراق ودمشق وفلسطين وأهل مصر ، وطريق الرقّة وقتنا هذا منقطع إلّا لقوم من العرب يحجّون فيه أفذاذا ويسلكونه عباديد وسائر الطرق مسلوكة فى وقتنا هذا غيره ،

(٣٦) ومن عدن الى مكّة نحو شهر ولهم طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو أبعد وهى جادّة تهامة والسائر عليها يأخذ على صنعاء وصعدة وجرش وبيشة (١) وتبالة حتّى ينتهى الى مكّة وطريق آخر على البوادى غير طريق تهامة يقال له الصدور فى سفح جبل نحو عشرين مرحلة وهو أقرب غير أنّه على أحياء اليمن ومخاليفها يسلكه الخواصّ منهم ، وأمّا أهل حضرموت ومهرة فأنّهم يقطعون عرض بلادهم حتّى يتّصلوا بالجادّة بين عدن ومكّة والمسافة منهم الى الاتّصال بهذه الجادّة اثنتان وعشرون مرحلة فيصير جميع طريقهم نيّفا وخمسين (٢) مرحلة ، وطريق عمان يصعب سلوكه فى البرّيّة لكثرة القفار وقلّة السكّان وإنّما طريقهم فى البحر الى جدّة فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضر موت الى عدن أو الى طريق عدن بعد عليهم وقلّ ما يسلكونه ، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاقّ يصعب سلوكه لتمانع العرب وتنازعهم فيما بينهم ، وأمّا ما بين البحرين وعبّادان فغير مسلوك كان الى هذه الغاية وقد سلك وهو قفر والطريق منها على البحر ، ومن البصرة الى البحرين على الجادّة إحدى عشرة مرحلة وعلى هذا الطريق أتى سليمن بن الحسن متزوّدا الماء من البحرين الى البصرة ولا ماء فيه وهو على الساحل نحو ثمانى عشرة مرحلة وفى قبائل العرب ومياههم وهو طريق عامر غير أنّه مخوف ،

(٣٧) فهذه جوامع المسافات التى يحتاج الى علمها فأمّا ما بين ديار العرب لقبائلها من المسافات فقلّما تقع الحاجة اليه لغير أهل البادية والى معرفته ،

__________________

(٦) (وبيشة) ـ (؟؟؟) ، (١١) (نيّفا وخمسين) ، ـ (نيف وخمسون) ،

٤١

[بحر فارس]

(١) والذي يجب أن يذكر بعد ديار العرب بحر فارس لأنّه يشتمل على أكثر حدودها وتتّصل ديار العرب به وبكثير من بلدان الإسلام وتعتوره ثمّ أذكر جوامع ممّا يشتمل عليه هذا البحر ، وأبتدئ بالقلزم وساحله ممّا يلى المشرق فإنّه ينتهى الى ايلة ثمّ يطوف بحدود ديار العرب التى ذكرتها وأثبتّها قبل هذا من هنا الى عبّادان ثمّ يقطع عرض الدجلة وينتهى على الساحل الى مهروبان ثمّ الى جنّابه ثمّ يمرّ على سيف فارس الى سيراف ثمّ يمتدّ الى سواحل هرموز من وراء كرمان الى الديبل وسواحل الملّتان وهو [١٣ ب] ساحل السند وقد انتهى حدّ بلد الإسلام ثمّ ينتهى الى سواحل الهند ماضيا الى سواحل التبّت فيقطعها الى أرض الصين ، وإذا أخذت من أرض القلزم من جانب البحر الغربىّ على ساحله سرت فى مفاوز من حدود مصر حتّى تنتهى الى جزائر تعرف ببنى حدان وكان بها مراكب لمن أثر الحجّ تخطف بالحجّاج الى الجار وجدّة ثمّ تمتدّ فى مفاوز للبجة كان بها معدن الزمرّد وشىء من معادن الذهب الى مدينة على شطّ البحر يقال لها عيذاب (١) وهى (٢) محاذية للجار ثمّ يتّصل السيف الى سواكن وهى ثلث جزائر يسكنها تجّار الفرس وقوم من ربيعة ويدعى فيها لصاحب المغرب وهى محاذية لجدّة وبين سواكن وعيذاب (٣) سنجلة جزيرة بين رأس جبل دواى وجبل ابن جرشم وهى لطيفة وبها مغاص لللؤلؤ (٤) ويقصد فى كلّ حين بالزاد والرجال وبينها وبين جدّة

__________________

(١٥) (عيذاب) ـ (عيداب) ، (١٦) (١٥ ـ ٦) (وهى ... الثقيل) يفقد ذلك فى حط ، (١٨) (عيذاب) ـ (عيداب) ، (١٩) (لللؤلؤ) ـ (للّولو) ،

٤٢

يوم واحد وليلة والمتسحّل منها يصل الى جزيرة باضع وبينهما مجراوان ، ثمّ يخطف المستحل عنها الى دهلك أربعة مجار ومن دهلك الى زيلع ستّة مجار ، وباضع جزيرة ذات خير ومير وماشية وهى محاذية لحلى ، وجزيرة دهلك محاذية لعثر وجزيرة (١) زيلع فكأنّها بين غلافقة وعدن وجزيرة نجه وبربرة محاذية لأعمال عدن ومن هذه الجزائر أكثر جلود الدباغ بعدن واليمن من البقرىّ والملمّع والأدم الثقيل ، ثمّ يمتدّ البحر على بحر الحبشة ويتّصل بظهر بلد النوبة حتّى ينتهى الى بلدان الزنج وهى من أوسع تلك الممالك فيمضى السيف محاذيا لجميع بلدان الإسلام ، وقد انتهت مسافة هذا البحر من شرقه وغربه وقد تعترض فيها جزائر وأقاليم تختلف لا يعلمها إلّا من سافر فى البحر الى أن يحاذى أرض الصين ،

(٢) وهذه صورة بحر فارس ،

[١٤ ظ]

إيضاح ما يوجد فى صورة بحر فارس من الأسماء والنصوص ،

يقرأ فى أعلى الصفحة صورة بحر فارس وفى الزاويتين العليايين الجنوب والمشرق ، وفى أعلى الصورة يعطف ساحل البحر يمينا ويسارا وكتب عند العطف الى اليمين فى البرّ البحر المحيط وفى داخل البرّ برارى الجنوب الغامره ثمّ على الساحل الداخلىّ من الجانب الأيمن مبتدئا من الأسفل بلد الحبشه ، مفازة بين الزنج والحبشه ، بلد الزنج ، وبعد ذلك الى الأسفل بربره ، زيلع ، سواكن ، عيذاب (٢) ، جزائر بنى حدان وعند منتهى البحر القلزم ، وبين سواكن وعيذاب فى البرّ جبل دواى وجبل بن جرشم ، ويوازى هذا الساحل فى داخل البرّ نهر النيل وعند مبتدئه جبل القمر وعلى ضفّة النيل فى أسفل الصورة دنقله واسوان ، ويقرأ بين النيل والساحل البجه (٣) وبلد النوبه وفيه مدينة علوه ثمّ بين اسوان وعيذاب العلاقى ، وعن يسار ذلك الصعيد ، وفى الجانب الآخر من النيل الواحات ،

__________________

(٤) (وجزيرة نجه) ـ (وجزير ترنجه) ، (١٨) (عيذاب) ـ (عيداب) ، (٢١) (البجه) ـ (؟؟؟) ،

٤٣

ويبتدئ من عند القلزم ساحل ديار العرب وعليه من المدن رايه ، ايله ، عينونه ، طبا ، الجار ، جد ، السرين ، حلى ، الحمضه ، عثر ، الشرجه ، الحرده ، غلافقه (١) ، المخا ، عدن ، عمان ، وفى داخل هذه الديار مدينة مكه ، وبلد العرب وبلد الحجاز ، وعن يسار عمان بلد البحرين ثمّ نهر دجله ، وعند مبتدأ هذا النهر نواحى العراق ،

وبلى ذلك الى الأعلى قطعة من البرّ يقرأ فيها نواحى خوزستان ثمّ نواحى فارس ثمّ نواحى كرمان ، وعلى ساحل تلك القطعة من المدن مهروبان ، سينيز ، توج ، جنابه ، سهراف. حصن بن عماره ، سوروا ثمّ هرموز عند منتهى خليج من البحر ، والقطعة التى تليها يقرأ فيها نواحى المنصوره والملتان وبلد اسند ، وفيه نهر مهران ، ثمّ بلد الهند ونواحى التبّت وعن يسار ذلك بلد الصين ، وعلى ساحل هذه القطعة الديبل (٢) ، كنبايه ، سندان ، صيمور وفى بلد الصين على البحر خمدان ، ويقرأ على ساحل البرّ عند عطفه الى الشمال البحر المحيط ،

وفى بحر فارس من الجزائر مبتدئا من أعلى الصورة سوباره ، سربزه ، سرنديب ثمّ قرب ساحله الأيمن ، قنبلا (٣) ، وفى الخليج بين ديار العرب وفارس لافت ، خارك ، اوال ، وفى الخليج بين ديار العرب وساحل البجة دهلك ، باضع ، سنجله (٤) ،

وفى أسفل الصورة فى الزاويتين يقرأ المغرب والشمال ،

[١٤ ب] قد صوّرت هذا البحر وذكرت حدوده وسأصف ما يحيط به وما فى أضعافه مفصّلا ليقف عليه من قرأه ،

(٣) فأمّا ما كان عليه من القلزم الى أن يحاذى بطن اليمن (٥) فإنّه يسمّى بحر القلزم ومقداره نحو ثلثين مرحلة طولا وعرضه أوسع ما يكون عبره ثلث ليال ثمّ لا يزال يضيق حتّى يرى فى بعض جنباته الجانب الآخر حتّى ينتهى الى القلزم ثمّ يدور على الجانب الاخر من بحر القلزم وهو وإن كان بحرا ذا أودية ففيه جبال كثيرة قد علا الماء عليها وطرق السفن بها معروفة ولن يهتدى فيها إلّا بربّان يتخلّل بالسفينة فى

__________________

(٢) (غلافقه) ـ (علافقه) ، (٩) (الديبل) ـ (؟؟؟) ، (١٣) (قنبلا) ـ (؟؟؟) ، (١٤) (سنجله) ـ كأنّه (سبحله) ، (١٨) (اليمن) تابعا مع حط لصط وفى الأصل (البحر) وكذلك فى نسختى حط ،

٤٤

٤٥

أضعاف تلك الجبال بالنهار فأمّا بالليل فلا يسلك والماء به على غاية الصفاء فترى تلك الجبال فيه ، وفى هذا البحر ما بين القلزم وايلة مكان يعرف بتاران وهو أخبث ما فى هذا البحر من الأماكن وذلك أنّه دوّارة ماء كالدردور فى سفح جبل إذا وقعت الريح على ذروته انقطعت الريح قسمين فتنزل على شعبتين فى هذا الجبل متقابلتين فتخرج الريح من كمّى هاتين الشعبتين المتقابلتين فتثير (١) البحر وتتبلّد كلّ سفينة فيه تقع فى تلك الدوّارة باختلاف الريحين وتتلف فلا يسلم المركب بالواحدة إلّا ما شاء الله ، وإذا كان الجنوب أدنأ مهبّ فلا سبيل الى سلوكه ومقدار هذه الصورة (٢) الصعبة والمكان القبيح نحو ستّة أميال وهو الموضع الذي غرق فيه فرعون على ما يذكره الرواة ، وبقرب تاران موضع يعرف بجبيلان يهيج أيضا وتتلاطم أمواجه باليسير من الريح وهو موضع مخوف أيضا فلا يسلك بالصباء مغربا وبالدبور مشرقا ، وإذا حاذى ايلة ففيه سمك كثير كبير مختلف الألوان والأنواع ،

(٤) فإذا قابل بطن اليمن يسمّى بحر عدن الى أن يحاذى عدن ثمّ يسمّى بحر الزنج الى أن يحاذى عمان (٣) عاطفا على بحر فارس ، وهو بحر يعرض حتّى يقال أنّ عبره الى بلد الزنج سبعمائة فرسخ وهو بحر مظلم أسود لا يرى ممّا فيه شىء وبقرب عدن معدن اللؤلؤ يخرج ما يقع منه الى عدن ، فإذا جزت عمان الى أن تخرج من حدود الإسلام وتتجاوز الى قرب سرنديب فيسمّى بحر فارس وهو عريض البطن جدّا وفى عدوته بلدان الزنج ، وفى هذا البحر هوارات كثيرة ومعاطف صعبة وأجوان مختلفة وأشدّها ما بين جنّابه والبصرة فإنّه مكان يسمّى هور جنّابه وهو مكان مخوف لا يكاد تسلم منه سفينة فى هيجان البحر ، وفيه مكان يعرف بالخشبات من عبّادان على نحو ستّة أميال على جرى ماء دجلة الى البحر وربّما يرقّ الماء حتّى يخاف على السفن الكبار أن تسلكه خشية

__________________

(٦) (فتثير) ـ (فيثير) ، (٩) (الصورة) كذلك فى نسختى حط وغيّرها ناشر حط تخمينا الى (الهورة) ، (١٥) (عمان) ـ (عمانا) ،

٤٦

أن تجلس على الأرض إلّا فى وقت المدّ وبهذا الموضع أربع خشبات منصوبة قد بنى (١) عليها مرقب يسكنه ناظور يوقد بالليل ليهتدى به ويعلم به المدخل الى الدجلة وإذا ضلّت السفينة فيه خيف انكسارها لرقّة الماء ، وتجاه جنّابه مكان يعرف بخارك [١٥ ظ] وبه موضع اللؤلؤ يخرج منه الشيء اليسير إلّا أنّ النادر إذا وقع من هذا المكان فاق فى القيمة غيره ويقال أنّ الدرّة اليتيمة وقعت من هذا المعدن وبعمان وبسر نديب فى هذا البحر معدنان لللؤلؤ (٢) ولا أعلم معدنا لللؤلؤ إلّا ببحر فارس ، ولهذا البحر مدّ وجزر فى اليوم والليلة مرّتان من حدّ القلزم الى حدّ الصين حيث انتهى وليس لبحر المغرب من جانب المغرب ولا لبحر الروم من الجانب الشرقىّ مدّ ولا جزر إلّا ما بالبحر المحيط فى شمال الاندلس فإنّه من ناحية جبل العيون الى لب الى اكشنبه الى نواحى شلب وقصر بنى ورديسن الى المعدن ونواحى لشبونه وشنترين وشنتره فإنّ فيه مدّا وجزرا وزيادة تظهر ويرتفع (٣) الماء هناك فوق العشر الأذرع كارتفاعه بالبصرة ثمّ ينضب حتّى يرجع الى قدره الأوّل ، وفى هذا البطن الذي نسبته خصوصا الى فارس جزائر منها لافت وأوال وخارك (٤) وغيرها من الجزائر المسكونة التى ذكرتها وعددتها أيضا فى غربىّ بحر القلزم فيها مياه عذبة وزروع وماشية وضرع ، وهذه جملة من صفة هذا البحر فى حدود الإسلام وسأصف ما على سواحله صفة جامعة وأبتدئ بالقلزم منتهيا بالصفة لما على جنباته الى غايته إن شاء الله ،

(٥) فأمّا القلزم فمدينة على شفير البحر ونحره ومنتهى هذا البحر اليها وهى فى عقم هذا البحر من آخر لسانه وليس بها زرع ولا شجر ولا ماء وماؤهم يحمل اليهم من أبآر بعيدة ومياه منها على نأى وهى تامّة العمارة بها فرضة مصر والشأم ومنها تحمل حمولات الشأم ومصر الى الحجاز

__________________

(٢) (بنى) ـ (دنى) ، (٧) (لللؤلؤ) ـ (للّؤلؤ) وكذلك مرّة ثانية ، (١٣) (١٠ ـ ١٣) (إلّا ... ويرتفع) يكتب فى حط مكان ذلك (غير بحر فارس وهو أن يرتفع) فقط ، (١٥) (خارك) ـ كأنّه (خارل) ،

٤٧

واليمن وسواحل هذا البحر وبينها وبين مصر مرحلتان ، ثمّ تنتهى الى شطّ البحر فلا تكون بها قرية ولا مدينة سوى مواضع بها ناس مقيمون على صيد من هذا البحر وشىء من النخيل يسير حتّى تنتهى الى تاران وجبيلان وما حاذى جبل الطور الى ايلة ، وايلة هذه مدينة صغيرة عامرة بها زرع يسير وهى مدينة لليهود الذين حرّمت عليهم صيود السبت وجعل منهم القردة والخنازير على ما يذكر أهل الرواية وبها فى أيدى يهودها عهد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ الى مدين والجار وجدّة مواضع غير مأهولة بالناس ، وما انتهى على هذا البحر فى عطوف اليمن الى عمان والبحرين الى عبّادان فقد وصفته فى صفة ديار العرب ،

(٦) وأمّا عبّادان فحصن صغير عامر على شطّ البحر ومجمع ماء دجلة وهو رباط كان فيه المحاربون للصفريّة والقطريّة وغيرهم من متلصّصة البحر وبها على دوام الأيّام مرابطون ، [قال (١) كاتب هذه الأحرف اجتزت بعبّادان سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة وهى جزيرة فى وسط الدجلة وماء الفرات عند مصبّهما فى البحر واختلاط ماء البحر بهما وفيها رباط يسكنه جماعة الصوفيّة والزهّاد وليس بينهم المرأة البتّة وفى هذه الجزيرة مسجد من جانب الشرق وفيه ودائع وأمانات غير مسلّمة الى أحد من الناس وقد قرّر الجماعة بتلك البقعة أنّ كلّ من أخذ من عبّادان شيئا على سبيل الجناية والسرقة فإنّ السفينة تغرق لا محالة بزعمهم حتّى أنّهم قد رسخوا فى قلوب الناس أنّ تراب عبّادان إن حمله أحد بغير أمر أولئك الجماعة فإنّ تلك السفينة التى فيها من ذلك التراب تغرق وليس كما زعموا ، وبعبّادان بئر يزعم الشيعة أنّ الرجل إذا وقف عليها وأقسم على الماء بكلّ اسم خلق الله فإنّ الماء لا يتحرّك فإذا أقسم عليه بعلىّ رضوان الله عليه فإنّ الماء يفور ويصعد الى شفير البئر فمضيت الى تلك البئر وأقسمت عليها بما زعموا فو الله ما تحرّك ماؤها ولا تزعزع من موضعه ففكّرت وقلت هذه الجزيرة فى وسط الماء وهذا الماء فى اليوم والليلة يمدّ ويجزر مرّتين ومادّة هذه البئر من ذلك الماء ولا يبعد أن يتحرّك الماء فى البئر عند الزيادة وقد اتّفق فى تلك الساعة من لا يهتدى الى حقائق الأشياء ، أمّا المدّ والجزر فإنّه من أعجب الأشياء وذلك أنّه يبتدئ بالمدّ عند طلوع القمر ولا يزال يتزايد الى أن يصير القمر فى وسط السماء ثمّ يبتدئ بالجزر الى أن يحصل القمر فى أفق المغرب ثمّ يبتدئ بالمدّ

__________________

(١٢) (١٢ ـ ٣) [قال ... الأصل] من مضافات حب ٨ ظ ،

٤٨

الى أن يصير القمر فى درجة الرابع وتد الأرض ويبتدئ بالنقصان الى وقت طلوع القمر ويعود فى الزيادة وتختلف أوقاته باختلاف طلوع القمر ومغيبه وتبارك الله أحسن الخالقين ، نعود الى نسخة الأصل ،] ثمّ يقطع عرض الدجلة فيصير على ساحل هذا البحر الى مهروبان من حدّ فارس ويعترض فيه أماكن تمنع من السلوك إلّا فى الماء وذلك أنّ مياه خوزستان تجتمع الى الدورق وحصن مهدىّ والباسيان فتتّصل (١) بماء البحر ومهروبان مدينة صغيرة عامرة وهى فرضة الرجان وما والاها من أدانى فارس وبعض خوزستان ثمّ ينتهى [١٥ ب] البحر على الساحل الى سينيز وهى مدينة أكبر من مهروبان ومنها يقع هذا السينيزىّ الذي يحمل الى الآفاق ثمّ ينتهى البحر الى جنّابه وهى مدينة أكبر من مهروبان أيضا وهى فرضة لسائر فارس خصبة شديدة الحرّ وعلى نحر البحر بهذا السيف ما بين جنّابه ونجيرم قرى ومزارع ومساكن متفرّقة شديدة الحرّ ، ثمّ ينتهى الى سيراف وهى الفرضة العظيمة لفارس وهى مدينة جليلة وأبنيتها ساج وتتّصل أبنيتها الى جبل يطلّ على البحر وليس بها ماء (٢) يحمد ولا زرع ولا ضرع وهى من أغنى بلد بفارس ثمّ يتجاوزها على الساحل فى مواضع منقطعة تعترض بها جبال ومفاوز الى أن ينتهى الى حصن ابن عمارة (٣) وهو حصن منيع علىّ على نحر البحر وليس بجميع فارس حصن أمنع منه ويقال أنّ صاحبه هو الذي قال الله تعالى فيه وكان (٤) وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا ، وينتهى على ساحل هذا البحر الى هرموز وهى فرضة لكرمان مدينة غنّاء كثيرة النخل حارّة جدّا ، [وتعرف (٥) بالتير وهى مساكن بين جبلين فى شعب ممتدّ وصلتها سنة تسع وثلثين وخمس مائة وكان عميدها إذ ذاك محمّد بن المرزبان من أهل شيراز الملقّب بصاحب السيف والقلم ولعمرى إنّه كان مستحقّا لهذا اللقب إذ كانت له أريحيّة خازميّة ومروءة خلقيّة وأهلها ذوو مروءة ظاهرة ورياسة كاملة وكان بها عدّة من التجّر ذوى اليسار من جملتهم رجل يعرف بحسن بن العبّاس له مراكب تسافر الى

__________________

(٦) (فتتّصل) ـ (فيتّصل) ، (١٤) (ماء) ـ (ما) ، (١٦) (ابن عمارة) ـ (بن عماره) ، (١٨) (وكان ... غصبا) سورة الكهف (١٨) الآية ٧٨ ، (٢٠) (٢٠ ـ ٤) [وتعرف ... والشرح] من مضافات حب ٨ ب ،

٤٩

أقصى بلاد الهند والصين ومبلغ مضاربيه ... وكان له غلمان زنوج يضربون على باب مسجده خمس نوب فنقل ذلك الى ملك كرمان وهو محمّد بن ارسلان شاه فقال لو ضرب خمسين نوبة لما اعترضت له رجل يتحصّل فى خزائنى من مراكبه فى كلّ سنة نحو من مائة ألف دينار وأنافسه فى الريح الهابّة ، عدنا الى الصفة والشرح ،] ثمّ يسير عليه آخذا شطّه الى الديبل (١) وهى مدينة عامرة وبها مجمع التجارة وهى فرضة لبلد السند وبلد السند فهو المنصورة وأراضى الزطّ والمعروفون (٢) بالبدهه متّصلين بالملّتان ، ثمّ ينتهى الى ساحل بلدان الهند الى أن يتّصل بساحل التبّت والى ساحل الصين ثمّ لا يسلك بعد ذلك ، (٧) وإذا أخذت من القلزم غربىّ هذا البحر فإنّه ينتهى الى برّيّة قفرة لا شىء فيها إلّا ما قدّمت ذكره من الجزائر والبجة فى أعراض تلك البرّيّة وهم أصحاب أخبية شعر وألوانهم أشدّ سوادا من الحبشة فى زىّ العرب ولا قرى لهم ولا مدن ولا زرع إلّا ما ينقل اليهم من مدن الحبشة ومصر والنوبة وينتهى فى حدّهم ما بين الحبشة وأرض مصر وأرض النوبة معدن الزمرّد والذهب ويأخذ هذا المعدن من قرب اسوان على أرض مصر نحو عشر مراحل حتّى ينتهى على البحر الى حصن يسمّى عيذاب (٣) وبه مجمع لربيعة تجتمع اليه يعرف بالعلاقىّ فى رمال وأرض مستوية وفى بعضها جبال (٤) ما بينها وبين اسوان وأموال هذا المعدن تقع الى مصر وهو معدن تبر لا فضّة فيه وهو بأيدى ربيعة وهم أهله خاصّة ،

(٨) وكانت البجة أمّة تعبد الأصنام بهذه الناحية وما استحسنوه الى سنة إحدى وثلثين فإنّ عبد الله بن أبى سرح لمّا فتح مدينة اسوان وكانت مدينة أزليّة قديمة وكان عبر اليها من الحجاز قهر (٥) جميع من كان بالصعيد وبها من فراعنة البجة وغيرهم وأسلم أكثر البجة إسلام تكليف

__________________

(٥) (الديبل) ـ (الديبل) ، (٧) (والمعروفون) ـ (المعروفون) وكذلك فى نسختى حط وغيّره ناشر حط الى (المعروفين) كأنّه تابع للزطّ وقد لا يصحّ ذلك التغيير لأن الزطّ والبدهه أمّتان مختلفتان كما يظهر فى صفة بلاد السند ، (١٥) (عيذاب) ـ (عيداب) ، (١٧) (١٦ ـ ١٧) (وفى بعضها جبال) يقرأ مكان ذلك فى حط (لا جبل بها) ثمّ يفقد كلّ ما يتبع الى ابتداء القطعة (١١) ، (٢١) (قهر) ـ (وقهر) ،

٥٠

وضبطوا بعض شرائط الإسلام وظاهروا بالشهادتين ودانوا ببعض الفرائض وفيهم كرم وسماحة فى إطعام الطعام فسامحهم فى الأخذ عليهم وهم بادية أغتام (١) متوغّلون فى الجبال والآجام فى عدد لا يحاط به فجرت أحكامهم على سنن كانت لهم جاهليّة الى بعض أحكام يستعملونها إسلاميّة وسآتى بما رأيته منهم معاينة ومشاهدة ونقلته مفاوهة ومشافهة ،

(٩) حدّثنى أبو المنيع كثير بن أحمد [١٦ ظ] الجعدىّ الاسوانىّ أنّ اسوان افتتحها عبد الله بن أبى سرح سنة إحدى وثلثين وافتتح هيف وهى المدينة التى تجاه اسوان عن غربىّ النيل وقد تدعى قرية الشقاف وافتتح ابلاق وهى مدينة فى وسط ماء النيل على حجر ثابتة فى وسط الماء منيعة كالجزيرة وبينها وبين اسوان ستّة أميال وبحذائها على النيل من جهة المشرق مسجد الردينىّ وقصر آليه وتحت المسجد بيعة للنوبة وهو آخر حدّ الإسلام وأوّل حدّ النوبة ، ولم يزل المسلمون مستظهرين على جميع من جاورهم هناك من النوبة والبجة الى سنة أربع ومائتين فإنّ البجة كانت تمتار من قفط وهى مدينة تحاجز قوص وكان للبجة رئيس يدخل الى قفط يعرف بمحا فيمتار البرّ والتمر على مرّ أوقاته فيكرم ويعظم وكان لأهل قفط أيضا رئيس يعرف بإبراهيم القفطىّ فخرج حاجّا فى جماعة من أهله يريد عينونا والعبر اليها من ناحية جزائر بنى حدان على طريق طلفه فتطرّق بمحا البجاوىّ وجماعته التى صحبته على طريق الزيارة وكان بتلك الأرض فى غاية الخبرة فاجتمعت البجة الى محا رئيسهم فقالت لا بدّ من قتل هذا المسلم لمعرفته بديارنا ومقارّنا ومظانّ مياهنا ولسنا نأمنه فدافعهم عن ذلك فغلبوه على رأيه واتّفقوا على إتاهته فأتاهوه فمات عطشا ومن كان معه وكان له ولد صغير فرقّ له بعض البجة فسرّيه بالحيلة الى ناحية اتفوا من الصعيد فأوصله أهلها الى قفط فأخبرهم بحال أبيه (٢) فأسرّوا ذلك ولم يظهروه وأتى محا على عادته ليمتار فى ثلثين رجلا من وجوه قومه

__________________

(٣) (أغتام) ـ (أغنام) ، (٢٣) (فأخبرهم بحال أبيه) ـ (فاخبره بحال ابنه) ،

٥١

فأنزلوهم فى بعض بيعهم وأتوا عليهم أجمعين ، واتّصل ذلك بالبجة فساروا اليهم وقد جلا بعض أهل قفط مغربين ففتحوها فى أحد شهور سنة أربع ومائتين وسبوا منها سبع مائة نسمة وقتلوا منها خلقا واسعا وكان بقفط حسنىّ له محلّ فقصد البجة فردّ عليه بعض السبى وانحدر أهل قفط الى مصر والسلطان ببعض شأنه مشغول فأقاموا يرفعون بمصر سبع سنين وكان بحوف (١) مصر رجل يعرف بحكم النابغىّ من قيس عيلان ثمّ من بنى نصر بن معوية ذو يسار وخير وجهاد فقصدوه وشكوا اليه فقال تجيئونى (٢) بكتاب القاضى وشيوخ البلد لأكفيكم ففعلوا ذلك فسار معهم فى سنة اثنتى عشرة ومائتين حتّى ورد الى قفط فى ألف رجل من قومه خمس مائة فارس وخمس مائة راجل وغزا البجة فأقام ببلدهم ثلث سنين يجوس ديارهم ويسبيهم ومناخه بالمكان المعروف يومنا هذا بماء حكم وهو عن مرحلة من عيذاب (٣) وعلى أربع مراحل من العلاقىّ واسترجع السبى عن آخره وقفل معاودا الى اسوان فنزلها ثمّ انحدر فأقام بطود مدينة كانت قريبا من قوص وملكها ومات بها بعد استجارة العلوىّ العمرىّ بحكم النابغىّ فستره وطالبه به السلطان فحلف أيمان البيعة أنّه لا يعرف له مكانا حانثا فخرج عن يمينه عن كلّ ما حنث فيه ، ثمّ دارت الأيّام وأتى هذا العلوىّ الى منزل حكم فسلبه بطود وقهره وشرّده عنه خلافا [١٦ ب] لما عامله به من الإحسان اليه وأخبارهما تطول ، وعند فتح قفط [....](٤) ما بنى سور اسوان وقوص فى سنة اثنتى عشرة وأعيدت الى ما كانت عليه قبل تخرّبها (٥) ،

(١٠) ثمّ إنّ البجة افتتحت انبوا مدينة من الصعيد كان بينها وبين

__________________

(٦) (بحوف) ـ (بجوف) ، (٧) (تجيئونى) ـ (تحيونى) ، (١٢) (عيذاب) ـ (؟؟؟) ، (١٨) [....] تفقد هنا فقرة توشك أن كانت تملأ سطرا واحدا فى النسخة التى استنسخ منها الأصل وقد يجوز استتمام المفقود ب (تخرّبت المدينة وبعد خروج البجة منها رجع أهلها وبنوا سور قفط مثل) أو ما فى معناه ، (٢٠) (تخرّبها ـ (تخرّب) ،

٥٢

اسوان مرحلة سنة اثنتين وثلثين ومائتين من المتوكّل وكان يلى اسوان وعينونا والحوراء عبيد بن جهم مولى المأمون وكانت انبوا مضافة اليه فركب من عينونا (١) والحوراء فى جلاب فأرسى بأقاصى جزيرة مصر بمعسكره فأثخن فى البجة قتلا وسبيا واستردّ ما سباه البجة من انبوا وعاد الى اسوان وعبر الى عينونا ، وكان فى بعض أصحابه من عاين التبر وآثار العمل فيه للروم بالجزيرة عند أوّل دخولهم مع عبيد بن جهم مولى المأمون فنكصوا الى البلد من سنتهم وصادف ذلك دخول محمّد بن يوسف الحسنىّ الأخيضر اليمامة وانقشاع أهلها من جوره الى أرض مصر والمعدن فى آلاف كثيرة فغلبوا على من كان بها من أهل الحجاز لسنتهم وفورهم وتكامل بالعلاقىّ قبائل ربيعة ومضر وهم جميع أهل اليمامة فى سنة ثمان [وثلثين](٢) ومائتين ووقع بين رجل منهم ورجل من البجة شحناء فسبّ البجاوىّ النّبيّ صلّى الله عليه فكتب بذلك الى المتوكّل فأنفذ رجلا من ولد أبى موسى الأشعرىّ يعرف بمحمّد القمىّ وكان فى محبسه مطالبا بدم لا ولىّ له فأنجده بما طلبه من الرجال والسلاح وخيّره حين أطلقه فيما يحتاج اليه فاختار ألف رجل منهم خمس مائة فارس وخزانة بعشرة آلف دينار فقبضها بمصر وسار بها الى اسوان وأتى العلاقىّ فأخذ من ربيعة ومضر واليمن ثلثة آلف رجل من كلّ بطن ألف رجل فلقى ملك البجة وكان إذ ذاك على بابا وهو فى مائتى ألف معهم ثمنون ألف نجيب فلمّا التقى الجمعان وعاين ذلك المسلمون هالهم وعظم عليهم فقال لهم القمىّ ما لنا من محيص فقاتلوا عن دمائكم وأحسابكم فإنّكم حاصلون وهمّ على بابا بكبس المسلمين لوقته فحال بينه وبين ما أراد الليل فرمى القمىّ حسك الحديد سورا على عسكره وبقيّة هذا الحسك وهذه الخزانة باسوان الى الآن وأنشأ القمىّ كتبا فى طوامير كتّان بالذهب وجعلها بخطّ جليل على الأسنّة ونادى (٣) عند طلوع الشمس هذه كتب أمير المؤمنين اليكم معاشر البجة وهم صافّون فلمّا رأت البجة ذلك استطرفته وتحلّلت من المصافّ

__________________

(٣) (عينونا) ـ (عينونا) ، (١١) [وثلثين] يفقد فى الأصل ، (٢٤) (ونادى) ـ (وبادأ) ،

٥٣

وقصدته وكان القمىّ قد حمل البنود على الفوالج والطبول فلمّا التفّت البجة بالطوامير ضربت (١) الطبول الزنجيّة فاضطربت صفوفهم فحمل عليهم القمىّ وقد التفّت جمالهم وشردت فهلك بتلك الغرّة عامّتهم ووطئتهم الجمال فقتل وأسر وسبى وأخذ على بابا أسيرا وكان قد قعد على ربوة وحلف ألّا يزول أو تنقلع الربوة فلمّا أسره القمىّ عاد به وبما معه من الغنيمة الى اسوان فباع ذلك وكان مبلغه خمسين ألف أوقية تبرا ، وأنفذ الى يركى (٢) ملك النوبة فأتاه طائعا فانحدر بالجميع الى بغداذ فى سنة ثمان هذه المؤرّخة فأدخلهما الى السلطان فنودى عليهما فبلغ ملك البجة سبعة دنانير وملك النوبة تسعة فأجرى (٣) لكلّ واحد منهما فى كلّ يوم مثل ثمنه وعاد الى [١٧ ظ] اسوان بعد مواقفتهما (٤) على أداء الجزية ، وأتى العلاقىّ وكان خلّف عليها أشهب ربيعة من بنى عبيد بن ثعلبة الحنفىّ وهو جدّ أبى عبد الله محمّد بن أحمد بن أبى يزيد بن بشر صاحب المحدثة وهى المدينة التى لربيعة محادّة لاسوان وأبو عبد الله هذا ابن عمّ أبى بكر إسحاق بن بشر صاحب العلاقىّ وكان قد مسّ الناس بالجور فرفع عليه الى القمىّ فقبض عليه فلم يجد لديه شيئا وكانت مروءة أشهب تستغرق عائده فحبسه طويلا ثمّ أطلقه وقد أحفظ أشهب فعل القمىّ به وكان فى جملة رجاله فعمل على قتله وقيل للقمىّ ذلك فقال لأن يلقى الله بدمى أحبّ الىّ من أن ألقاه بدمه فقتله أشهب فى سنة خمس وأربعين ومائتين ،

(١١) وزال مذ ذلك أمر السلطان بالعلاقىّ وهلك المتوكّل وضبطت البجة أطرافها والإسلام فى بعضها مريض ، وبلدهم بين النيل والبحر ويصل اليهم التجّار بالصوف والقطن والحيوان من الرقيق والإبل فيكون غاية ما يقطعونه من بلدهم ويمكنهم التصرّف فيه نواحى قلعيب وهى مواضع ذوات مياه فى أودية متّصلة بجبل يعرف بملاحيب وأكبر أوديته وادى بركه (٥)

__________________

(٢) (ضربت) ـ (طربت) ، (٧) (يركى) على التخمين وفى الأصل (يركى) ، (٩) (فأجرى) ـ (فاخرى) ، (١٠) (مواقفتهما) ـ (موافقتهما) ، (٢٤) (بركه) ـ (بركة) ،

٥٤

وبين قلعيب وبركه غياض عاديّة ذوات أشجار وربّما كان دائر الشجرة من أربعين ذراعا الى خمسين ذراعا وستّين ذراعا وأفنيتها مراتع الأفيلة والزرافات والسبع والكركدّن والنمر والفهد الى سائر الوحوش سائمة راتعة فى غيلها ومياهها وغياضها ، ويتّصل بحدّ ملاحيب من شقّه الشرقىّ واد يعرف بصيغيوات (١) كثير الماء أيضا والشجر والخمر والوحش وبنواحى بركه بطون كديم وهى المعروفة بعجات من البجة ويتّصل بها ممّا يلى سواحل البحر الجاسة بطون كثيرة فى السهل والجبل ، وكأنّ هذا الجبل آخذ بأوديتة من نواحى البحر (٢) المالح الى دكن وهى أرض مزارع أحواف يجرى اليها ماء النيل ويزرع عليها الذرة والدخن أهل النوبة ومن يحضر معهم من البجة وفى شقّ بركه قبائل كثيرة تعرف ببازين (٣) وباريه (٤) وهم أمم كثيرة قتالهم بالقسىّ والسهام المسمومة والحراب بغير درق ، ومن رسم باريه (٥) قلع ثناياها وبحر آذانها ويسكنون فى جبال وأودية ويقتنون البقر والشاء ويزرعون ، والذي بين وادى بركه وجبلها المدعوّ ملاحيب راجعا الى الإسلام قلعيب وانبوريت وجبال دروريت ومياه متّصلة وبلدان عامرة لبيواتيكه من قبائل البجة تزيد على الإحصاء ولا يبلغ عددها لتوغّلهم فى أعماق الصحارى ، وبركه تقارب جزيرة باضع وبينهما يوم وتكون نحو ثلث مراحل مملوءة ببطون قعصه وهى أجلّ بطون البجة الداخلة وأكثرها مالا وأعزّها ، (٦) ومن دون هؤلاء الماتين المتّصلون (٧) بدهرا وسيتراب وغركاى ودحنت الى الجبل المعروف بمسمار وتحاذى سواكن بطون تعرف برقابات (٨) وحنديبا وهم خفراء على الحدربيّة (٩) وخفارتهم لعبدك وهم تحت يده ، وعبدك (١٠) خال ولد أبى بكر إسحاق بن بشر صاحب العلاقىّ ، [١٧ ب] وبعض هؤلاء القوم فى خفارة كوك خال أبى القسم حسين بن علىّ بن بشر ،

__________________

(٥) (بصيغيوات) ـ (؟؟؟) ، (٨) (البحر) ـ (بحر) ، (١٠) (ببازين) ـ ببازه) ، (١١) (وباريه) ـ (وبازيه) ، (١٢) (باريه) ـ (بازيه) ، (١٧) (وأعزّها) ـ (واعزّهما) ، (١٨) (المتّصلون) ـ (المتّصلين) ، (١٩) (برقابات) ـ (؟؟؟) ، (٢٠) (الحدربيّة) ـ (الحدربية) ، (٢١) (عبدك) ـ كأنّه (عبدل) مرّتين ،

٥٥

وعبدك وكوك رئيسا الحدارب أجمع وفيهم رئيسان رئيس لأهل كلّ بيت ذمام ورئيس يسوسهم (١) ، فأمّا بطون الحدارب فمنهم العريتيكه والسوتباروا والحوتمه والعكنبيرا والنجريروا والجنيتيكه ، والواخيكه والحربيب بطن واحد ويتفخّذ لهؤلاء القوم كلّ بطن الى نحو مائة فخذ ولكلّ فخذ رئيس أو رئيسان وجميعهم منتجعون لا حاضرة لهم وتكون بلادهم التى تمطر وتزرع وينتجعونها بمواشيهم طولا نحو شهرين مسيرة والعرض من البحر الى النيل ومشاتيهم على البحر المالح والسواحل ومصائفهم الأودية التى فى وسط البلد ذوات مياه مراع تقوم بهم وخريفهم فيما قارب النيل مغرّبين عن بلادهم بديار قليلة الشجر كثيرة نبات الأرض والغدران وطعامهم اللحم واللبن خاصّة وضعفاؤهم يأكلون الوحش كالغزال والنعام والحمار وهم مسلمون بالاسم ومياسيرهم لا يرون أكل الصيد ولا مخالطة آكله ولا استعمال آنية من استجاز ذلك واستحلّه ولا يحلبون فيها ولا يشربون ، ولغتهم لغة تعمّ البجة وجميعها أعجميّة ولبعضهم لغة يتفرّد بها ،

(١٢) وتتّصل بلادهم ببلاد النوبة والحبشة وهم نصارى وتقرب ألوانهم من العرب بين السواد والبياض وهم مفترقون مجتمعون الى أن يحاذوا (٢) عدن وما كان من جلود النمور والجلود البقريّة الملمّعة وأكثر جلود اليمن التى تدبغ للنعال فيقع من ناحيتهم الى عدن وعدوة اليمن ، والجميع أهل سلم وليست دارهم بدار حرب وعلى شطّ البحر بنواحيهم منهل يقال له زيلع فرضة للعبور الى الحجاز واليمن ، ثمّ يتّصل ذلك بمفاوز النوبة والنوبة نصارى أيضا وبلدهم أوسع من الحبشة فى نواحيه وعمارتهم أكثر ممّا بالحبشة ويخترق نيل مصر فيما بين مدنهم ونواحيهم وقراهم عامرة خصبة كثيرة التمر والزرع والخضر (٣) ،

__________________

(٢) (١ ـ ٢) (وفيهم .... يسوسهم) ـ (وفيهم رييسا لاهل كل بيت ذمام ورييس يسوسهم) ، (١٦) (١٥ ـ ١٦) (الى أن يحاذوا) ـ (الى يحاذون) ، (٢٢) (٢١ ـ ٢٢) (وقراهم .... والخضر) يقرأ مكان ذلك فى حط (وقراها حتّى يتجاوز ذلك الى قفار ومفاوز وبرارىّ يتعذّر مسلكها) ثمّ تفقد القطعتان (١٣) و (١٤) إلّا أنّ كلمات (ومفاوز وبرارىّ يتعذّر مسلكها) توجد فى آخر القطعة (١٤) ،

٥٦

(١٣) ومن أعمر بلادهم نواحى علوه وهى ناحية لها قرى متّصلة وعمارات مشتبكة حتّى أنّ السائر ليجتاز فى المرحلة الواحدة بقرى عدّة غير منقطعة الحدود ذوات مياه متّصلة بسواق من النيل وكان ملكهم وأنا بالناحية اسابيوس (١) كرجوه بن جوتى وقد خلا له فى ملكه سبع عشرة سنة وتوفّى فجلس ابن أخته اسطابنوس بن يركى (٢) وهو مقيم فيهم الى وقتنا هذا ومن سنّة جميع السودان إذا هلك الملك أن يقعد ابن أخته دون كلّ قريب وحميم من ولد وأهل ، وطول بلده من ناحية المقرّه الذي هو آخر ملك دنقله فى طاعة العلوىّ الى بلد كرسى آخذا على النيل ومسافة ذلك بالطول شهر واحد وعرضه من النيل الى تفلين ويكون ذلك ثمانى مراحل مشرّقة وفى خلال ذلك النهر المعروف بسنسابى ويفرع الى النيل وأصله من ناحية الحبشة والنهر المعروف بالدجن يأتى من بلد الحبشة فينقطع فى أعمال دجن ومزارعها ودجن هذه قرى متّصلة ذوات مياه ومشاجر وزرع وضرع ، والى وسط هذا الوادى تفلين قرى أيضا للبادية منهم [١٨ ظ] ينتجعونها للمراعى حين (٣) المطر ولهم ملك مسلم يتكلّم بالعربيّة من قبل صاحب علوه ويختصّ أهل تفلين بالإبل والبقر ولا زرع لهم فيهم مسلمون كثيرون من غير ناحية على دينهم يتجرون ويسافرون الى مكّة وغيرها ، ويجاور تفلين بازين أمم مقيمة فى أخصاص كالقرى لهم الماشية من البقر والزرع ورياستهم بأيدى شيوخهم وليس فيهم إلّا راجل وسلاحهم الحراب والمرّان ولا فارس فيهم وليس لأحد عليهم طاعة ولا دين لهم ولا هم متّصلون بشريعة غير الإقرار بالله وحده والتسليم له واسمه جلّ وعزّ عندهم أننه ، ومن تفلين الى وادى بركه ثلثة أيّام وقد تقدّم أنّ وادى بركه يجرى من بلد الحبشة مجتازا على بازين وآخذا الى ناحية البجة وينصبّ بين سواكن وباضع فى البحر المالح ، وفى أعالى بلد علوه نهر يجرى من المشرق يعرف باور وعليه مرنكه قبيل من النوبة فينصبّ فى النيل ومن أعلاه عن يومين نهر اتمتى وعليه من النوبة المعروفين بكرسى أمّة كثيرة

__________________

(٤) (اسابيوس) ـ (اساتيوس) ، (٥) (يركى) ـ (يزكى) ، (١٤) (حين) ـ (وحين) ،

٥٧

ويتّصلون ببلد الحبشة على هذا النهر وهذه الأنهار كبار غزار تتّصل بنهر سوبه الى بلد المقرّه (١) وهو بلد دنقله ويتّصل باسوان ، وذكر قوم أنّهم يجتازون فى أعالى هذا النهر أعنى النيل من أعالى بلد كرسى ببلد طبلى وهو منتهى ملك علوه على النيل فلا يخالطونهم ولا يتاجرونهم عراة حاسرين ولا يعلم ما غذاؤهم ولا كيفيّة سيرتهم وأهل كرسى أصحاب زفال وهو الجلد الذي يتّزرون به عرضا ويستخرج طوله من تحت الأفخاذ فيغرز عند السرّة فيما انعقد من الزفال ، ومن غرب النيل نهر يجرى من ناحية المغرب كبير غزير الماء يعرف بالنيل الأبيض وعليه قوم من النوبة وبين النيل الأبيض وعمود النيل المتقدّم ذكره ببلد علوه جزيرة لا يعرف لها غاية بها جميع الوحش ويسكنها النوبة والكرسى ومن لا يقدر لامتناع جانبه أن يحاط بمعرفته ، ومن غربىّ هذا النيل الأبيض أمّة يعرفون بالجبليّين فى طاعة ملك دنقله هو ملك المقرّه ومريس ومريس فهى من حدّ اسوان الى آخر بلد المقرّه ، وبين علوه وبين (٢) الأمّة المعروفة بالجبليّين مفازة ذات رمال الى بلد امقل وهو ناحية كبيرة (٣) ذات قرى لا تحصى وأمم مختلفة ولغات كثيرة متباينة لا يحاط بها ولا تبلغ غايتهم يعرفون بالاحديين وفيهم معادن الذهب الجيّد والتبر الخالص والحديد متّصلين بالمغرب الى ما لا يعرف منتهاه زيّهم زىّ المغاربة أرباب جمال وخيل براذين غير تامّة (٤) الخلق لقصرها وقرب لبودها وسلاحهم فيه درق كدرق المغاربة بيض وحراب وسيوفهم أيضا غير تامّة وفيهم جند يلبسون السراويلات المفتّحة الطوال ونعالهم كنعال المغاربة وهم على النصرانيّة وهم فى طاعة ملك علوه وبينهم وبين ملك علوه خمس مراحل ثلث منها مفازة ، وملوك النوبة اثنان ملك المقرّه وهو ملك دنقله وملك علوه وملك المقرّه تحت ملك علوه ،

__________________

(٢) (المقرّه) ـ (المقرّة) ، (١٣) (المقرّه ، وبين علوه وبين) ـ (المقرة وبلد علوة ، وبين) ، (١٤) (كبيرة) ـ (كثيرة) ، (١٨) (تامّة) ـ (تامه) ،

٥٨

(١٤) وأمّا [١٨ ب] بلد الحبشة فملكتهم مرأة مذ سنون كثيرة وهى القاتلة لملك الحبشة المعروف كان بالحضانى وهى مقيمة الى يومنا هذا مستولية على بلدها وما جاورها من بلد الحضانى فى دبور بلد الحبشة وهو بلد عظيم لا غاية له ومفاوز وبرارىّ يتعذّر مسلكها ،

(١٥) ثمّ ينتهى ذلك الى أرض الزنج ممّا يحاذى عدن ، وجميع بلد المقرّه فى يد ملك دنقله (١) وبيد ملك علوه من معادن التبر الغزير الكثير ما ليس مثله فى نواحى غيرهم من المواضع المشهورة باستخراجه وليس فيهم من يعرض له ولا يستخرجه خوفا من أن يشتهر فيغلب الإسلام عليه وهذه المعادن تمتدّ فى بلد الزنج على البحر وفيما بعد منه الى أن تتجاوز (٢) حدود الإسلام وتحاذى بعض بلدان الهند ، وقد ذكر قوم أنّ فى أطراف الزنج صرودا فيها زنج بيض وقد قدّمت أنّ بلدهم قليل العمارة قشف تافه الزرع إلّا ما اتّصل منه بمستقرّ الملك،

__________________

(٦) (دنقله) ـ (دنقلة) ، (٩) (٥ ـ ٩) (وجميع .... تتجاوز) يقرأ مكان ذلك فى حط (الى أن يمتدّوا على البحر ويتجاوزوا جميع) فقط ،

٥٩

[المغرب]

(١) وأمّا المغرب فبعضه ممتدّ على بحر المغرب فى غربيّه ولهذا (١) البحر جانبان شرقىّ وغربىّ وهما جميعا عامران ،

(٢) (٢) [وأمّا الغربىّ فمن مصر وبرقة الى افريقية وناحية تنس الى سبتة وطنجة فللعرب خاصّة وازيلى وما فى أضعاف هذا الإقليم ، وأمّا الشرقىّ فهو بلد الروم من حدود الثغور الشأميّة الى القسطنطينيّة الى نواحى رومية وقلورية والانكبردة والافرنجة وجليقية ثمّ باقى ذلك الى آخره للعرب فى يد أصحاب الاندلس ،]

(٣) (٣) [وقد صوّرت مدنه وذكرت أعماله وارتفاعها وما فيها من التجارات والمجالب الى ما سوى ذلك ممّا لجزيرة الاندلس على البحر وكنت جمعتها وبلد الروم ثمّ رأيت تفريقهما ووضع كلّ صورة منهما على حدة من صاحبتها وسآتى بحدودها بعد ، والذي يساير أرض الاندلس ويحاذيه من بلد الإسلام صقلّيّة وصقلّيّة تجاه اقليبية من أرض افريقية ثمّ تمتدّ أرض الاندلس على البحر ،]

(٤) وقد بدأت بذكر حدّه المحيط به من قبوله وحدّه من مصر الإسكندريّة على النيل وأرض الصعيد حتّى يمضى على ظهر الواحات الى برّيّة تنتهى الى أرض النوبة آخذا الى البحر المحيط وممتدّا الى حقيقة الغرب بنواحى أرض غانه وأرض اودغست ثمّ يستمرّ عاطفا

__________________

(٢) يكتب فى نسختى حط مكان القطعة (ا) (وأمّا المغرب فهو ممتدّ على بحر الروم ولبحره عمارتان تنقسم بنصفين فنصف من شرقىّ هذا البحر للعرب والروم ونصف من غربيّه ،) إلّا أنّه يوجد فى نسختى حط (بلد الروم) ، (٤) تفقد القطعة (٢) فى الأصل وهى مأخوذة من حط ، (٩) قد أخذت القطعة (٣) كذلك من حط ،

٦٠