صورة الأرض - ج ١

أبي القاسم بن حوقل النصيبي

صورة الأرض - ج ١

المؤلف:

أبي القاسم بن حوقل النصيبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
المطبعة: مطبعة بريل
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

لحرم اجتازت ببلد الروم على القسطنطينيّة (١) الى ناحيته ووصلوا الملك الذي كان فى أيّامهم شاكرين وكان خائفا عليهم من صاحب مصر غير أنّ للإسلام فيما عليه نفوس أهله وقلوبهم شأنا فى انتشار الكلمة وفساد (٢) الحال وكثرة العناد والخلاف والاشتغال بطلبه بعضهم لبعض ما خلا به (٣) للروم سربهم فطالت أيديهم الى ما كانت مغلولة عنه وأطماعهم محسومة منه ، (٩) وقد ذكرت هذا البحر وما عليه من المدن والبقاع من حدّ طنجة ونواحيها الى أرض مصر والى آخر الشأم من الثغور الى اولاس ممّا كان فى أيدى المسلمين ولهم وشكّلت ذلك الى أطراف بلد الروم وما دون الخليج وبعده من الأرض الصغيرة وأثبتّ فيه أكثر ما بعد الخليج من أرض القسطنطينيّة (٤) ونواحى بلبونس وجون البنادقين وأرض قلوريه والانكبرذه وافرنجه وروميه وجليقيه وما يحادّ من نواحى الاندلس ،

(١٠) [٦٠ ظ] وعلى هذا البحر وفى بلد الروم جبال لا تحدّ لكثرتها ومنها جبال اقليميه واقليميه مدينة كانت للروم قديما أتى عليها المسلمون وكان بعض أبواب طرسوس يدعى بباب اقليميه وينسب اليها وهذه الجبال آخذة ببلد الروم يمينا وشمالا ، وإذا جزت اقليميه وكانت بعيدة من شطّ البحر بنحو مرحلة نزلت المكان المعروف باللامس (٥) قرية على شطّ البحر كان الفداء يقع فيها بين المسلمين والروم فيكون الروم فى مراكبهم والمسلمون فى البرّ يفادون ، وتتّصل هذه الناحية بإقليم اجيا معدن الميعة (٦) التى تجلب الى جميع الأرض فى البرّ والبحر من هذا الرستاق والناحية ويمتدّ البحر الى انطاليه (٧) وبينهما أربعة أيّام فى البحر بطاروس جيّد ومثلها فى البرّ وانطاليه (٨) حصن منيع ورستاق عظيم مضاف الى حصن انطاليه وليس للملك عليه دخان ولا كلفة من صغير ولا كبير وبه مرتّبون للخرائط والبريد بالبغال والبراذين فى البرّ ومرتّبون فى البحر لنقل الحوائج والمتاع

__________________

(١) (القسطنطينيّة) ـ (القسطنطينه) ، (٣) (وفساد) ـ (وفساد) ، (٤) (ما خلا به) ـ (ما خلا) ، (١٠) (القسطنطينيّة) ـ (القسطنطينة) ، (١٦) (باللامس) ـ (بالأمس) ، (١٨) (الميعة) ـ (المبيعه) ، (٢٠) (انطاليه) ـ (انطاكيه) ، (٢١) (انطاليه) ـ (انطاكيه) ،

٢٠١

المختصّ بالملك ، ومن اجيا (١) المذكورة إذا أقلع فى البحر ملجّج (٢) الى مصر أربعة أيّام ، وبين انطاليه (٣) والقسطنطينيّة (٤) ثمنية أيّام فى البرّ على البريد وفى البحر على الطاروس خمسة عشر يوما والأرض التى بينهما عامرة مأهولة مسكونة لا تنقطع سابلتها من نواحى انطاليه ورستاقها وهو رستاق كثير الخير والمير الى خليج القسطنطينيّة وعلى الخليج سلسلة ممتدّة لا تعبر عنها سفن البحر إلّا بإذن وعلامة وعليها مرصد ، ويقع هذا الخليج فى بحر الروم من البحر المحيط على ما قدّمت ذكره من نفس الشمال على طرف البرّيّة التى لا تسلك بردا فيمضى بقتر من أقتار ياجوج وماجوج ثمّ يخترق بلاد الصقالبة ويقطعها (٥) قطعتين ويتوسّط بلد الروم ،

(١١) ومن ورائه الى المغرب بلاد اثيناس (٦) وروميه وكلاهما ذوات أعمال ورساتيق وبلدان ومدن مضافة اليها وبرسمها وقرى ومزارع وقصور وحصون وملوك على قدر صالح وروميه واثيناس (٧) مدينتان بهما مجمع النصارى وتقربان من البحر ، فأمّا اثيناس فهى دار حكمة اليونانيّين وبها تحفظ علومهم وحكمهم ، وروميه ركن من أركان ملك النصارى وبها كرسىّ النصارى ككرسىّ انطاكيه وكرسىّ الإسكندريّة والكرسىّ الذي ببيت المقدس محدث لم يك فى أيّام الحواريّين واتّخذوه (٨) بعدهم لتعظيم بيت المقدس ، ثمّ تتّصل أرض قلوريه بأرض الانكبرذه وأوّل ذلك أرض شلورى (٩) ثمّ نواحى ملف ومدينة ملف أخصب بلدان الانكبرذه وأنظفها وأجلّها أحوالا وأكثرها يسارا وأموالا ، وتتّصل أرض ملف بأرض نابل وهى مدينة صالحة الحال دون ملف فى أكثر أحوالها وأكثر أموال أهل نابل من الكتّان وثياب الكتّان وبها منه ثياب ليس بسائر الارض مثلها

__________________

(١) (اجيا) ـ (احيا) ، (٢) (ملجّج) ـ (ملحح) ، (٣) (انطاليه) ـ (انطاكيه) ، (٤) (والقسطنطينيّة) ـ (والقسطنطينّه) وكذلك فيما يلى من هذه القطعة ، (٩) (ويقطعها) ـ (ويقطعه) ، (١٠) (اثيناس) ـ (ايثناس) ، (١٢) (واثيناس) ـ (وايثناس) وكذلك فيما يلى ، (١٦) (واتّخذوه) ـ واتّخذه) ، (١٨) (شلورى) ـ (سورى)

٢٠٢

ولا ما يشاكلها ولا يستطاع ولهم ثوب (١) يعمل طوله مائة ذراع فى عشر (٢) أذرع ويباع الثوب منها بالدون فمن مائة وخمسين رباعىّ الثوب الى ما فوق ذلك بقليل وأنقص بكثير ، وتتّصل أرض نابل بأرض غيطه (٣) ثمّ تتّصل ديارهم بالافرنجة على ساحل البحر الى أن [تحاذى صقلّيّة وتجاوزها الى أن](٤) تتّصل بطرطوشه من أرض الاندلس ،

(١٢) وفى هذا البحر جزائر صغار وكبار وجبال غامرة وعامرة للروم والمسلمين فأمّا المعمور بالإسلام والناس فصقلّيه وهى أكبرها وأكثرها [٦٠ ب] عدّة وأشدّها بأسا بمن حوته من ناقلة المغرب وهى ناحية قريبة من الافرنجة وقد قدمّت كثيرا من ذكرها (٥) ، وكان للمسلمين فى هذا البحر غير جزيرة جليلة وناحية مشهورة نبيلة فاستولى العدوّ عليها كقبرس واقريطش (٦) وكانتا جزيرتين كثيرتى (٧) الخير والمير والتجارة والوارد منها والصادر اليها رائج وكان أخذهما أحد الأسباب الزائدة فى أطماع الروم لأنّهما بما كان فيهما من الرجال والعدّة والعتاد كالنار لهيبها لا يفتر وأوارها (٨) لا يقصر ينكون فى بلد النصرانيّة صباح مساء نكاية بيّنة ظاهرة يوجبها لهم قربهم من مطالبهم ومجاورتهم للروم فى مساكنهم فصمدت النصرانيّة صمدهما ووكدت وكدهما الى أن فتحتا جميعا وملكتا ، وكانت قبرس على غير ما كانت اقريطش عليه من مواقفة كانت بين أهلها فيها وذلك أنّها لم تزل قسمين نصف للروم ونصف للمسلمين بها لهم أمير وحاكم وأيدى المسلمين مبسوطة على من جاورهم من النصارى والنصارى بهم شقّين ، (٩) وجزيرة اقريطش حرّة مذ كانت وفتحت فى أيدى المسلمين ولم يكن

__________________

(١) (ولا يستطاع ولهم ثوب) ـ حط (ولا يستطيع صانع فى جميع طرز الأرض وهو ثوب) ، (٢) (عشر) ـ (عشره) ويوجد فى حط (فى خمسة عشر الى عشر) ، (٣) (غيطه) ـ (عبطه) ، (٤) [تحاذى ... الى أن] مستتمّ عن حط ، (٩) (وقد ... ذكرها) وفى حط (طولها سبع مراحل فى أربع) ، (١١) (واقريطش) ـ (واقريطس) ، (١٢) (كثيرتى) ـ (كبيرتى) ، (١٣) (وأوارها) ـ (واوازها) ، (١٩) (شقّين) ـ (شوقين) أو (شرقين) والحرف الثانى معطّل بخطّ صغير ،

٢٠٣

للنصرانيّة فيها مدخل ولا مخرج وأهلها فى غاية الجهاد وفى حين الهدنة والمسالمة مصونة فى شرائط بينهم غزيرة مقرونة بالقهر والاستظهار (١) ، وميرقه جزيرة خطيرة لصاحب الاندلس وكذلك جبل الفلال (٢) مضاف الى ذلك العمل وليس ميرقه بالمدانية لصقلّيه فى حال من الأحوال وإن كانت ذات خصب ورخص وسائمة ونتاج وخير [فإنّها تقصر عن صقلّية فى العدّة والعتاد والقوّة على الجهاد وكثرة التجارة ووفور العمارة](٣) ، ومن الجزائر المشهورة غير العامرة جزيرة مالطه (٤) وهى بين صقلّيه واقريطش وبها الى هذه الغاية من الحمير التى قد توحّشت والغنم الكثير الغزير وبها من العسل أيضا ما يقصدها قوم بالزاد لاشتياره ولصيد الغنم والحمير فأمّا الغنم فتكسّد والحمير فيمكن الورود بها الى النواحى فتباع وتعتمل ، والذي سبّب هلاك الجزيرتين بعد قصد العدوّ لهما ما صار اليه أهلها من البغى والحسد والنكد حسب ما خامر أهل الثغور من ذلك الى استباحة الفساد والفسوق والغدر والغيلة والتضادّ والعناد فجعلوا عبرة للمعتبرين وموعظة للسامعين الناظرين ولن يصلح الله عمل المفسدين ولا يضيع أجر المحسنين (٥) ، وقد ذكرت أنّ من جبلة الى قبرس يومين (٦) ومنها الى جانب بلد الروم مثله وبقبرس المصطكى الجيّد والميعة الكثيرة والحرير والكتّان وبها (٧) من القمح والشعير والحبوب والخصب ما لا يوصف كثرة ، ولجبل الفلال (٨) الذي بنواحى افرنجه بأيدى المجاهدين عمارة وحرث ومياه وأراض تقوت من لجأ اليهم فلمّا وقع اليه المسلمون عمّروه وصاروا فى وجوه الافرنجة والوصول اليهم ممتنع لأنّهم يسكنون فى وجه الجبل فلا طريق اليهم ولا متسلّق عليهم إلّا من جهة هم منها آمنون ومقداره فى الطول نحو يومين ، (٩)

__________________

(٢) (١ ـ ٢) (وأهلها ... والاستظهار) يوجد فى حط مكان ذلك (إلّا على طريق الجهاد أو فى حين الهدنة والمسالمة يدخلونها على شرائط بينهم) ، (٣) (الفلال) ـ حط (القلال) ، (٦) (٥ ـ ٦) [فانّها ... العمارة] مأخوذ من حط ، (٧ العامرة) ـ تابعا لحط ـ (الغامرة) ، (٧) (مالطه) ـ (جالطه) ، (١٥) (١٤ ـ ١٥) (ولن ... المحسنين) سورة آل عمران (٣) الآية ١٦٥ وسورة يونس (١٠) الآية ٨١ ، (١٦) (يومين) ـ (يومان) ، (١٧) (وبها) ـ (وبهما) ، (١٨) (الفلال) ـ حط (القلال) ، (٢١) (يومين) ـ حط (ميلين) ،

٢٠٤

(١٣) وليس فى البحار أعمر حاشية من هذا البحر لأنّ العمارات من جنبتيه ممتدّة غير منقطعة ولا ممتنعة وسائر البحار تعترض فى شطوطها (١) المفاوز والمقاطع وقد ألحّ الروم فى هذا الوقت على سواحل الشأم بالغارة ونواحى مصر فهم يختطفون مراكبهم من كلّ أوب ويأخذونها من كلّ جهة ولا غياث ولا ناصر ومن للمسلمين بناظر والملك فيهم هامل شاغر والملك جمّاع منّاع [والعالم يسرق ولا يشبع و](٢) يفتى بالباطل على ما يبلع (٣) ولا يخاف معادا ولا مرجعا والفقيه ذئب أدرع فى كلّ بليّة يشرع وبكلّ ريح يسرى ويقلع والتاجر فاجر مسقع لا يعاف حراما ولا مطمعا (٤) والديار والأعشار (٥) بيد الأعداء متسلّمة والأملاك مغتصّة مصطلمة والأرض من أربابها الى الله تعالى متظلّمة ، وهذه جمل صفة بحر الروم وجزائره وما عليه ممّا يحتاج الى علمه ،

__________________

(٢) (البحار ... شطوطها) تابعا لحط وفى الأصل (السواحل تعترض فيها) ، (٦) [والعالم ... لا يشبع و] مستتمّ عن حط ، (٧) (يبلع) ـ (يبلغ) ، (٩) (مطمعا) ـ (مطمع) (١٠) ، (والأعشار) ـ (والعشار)،

٢٠٥

٢٠٦

[الجزيرة]

(١) وهذه الصورة شكل الجزيرة ،

[٦١ ظ]

إيضاح ما يوجد فى صورة الجزيرة من الأسماء والنصوص ،

قد رسم فى نصف الصورة الأيمن من أعلاها الى أسفلها نهر الفرات ويوازيه عن اليسار نهر دجلة ، وكتب عن يمين نهر الفرات فى الزاوية العليا صورة الجزيرة وتحت ذلك الجنوب وفى الزاوية السفلى المغرب ، وعلى ضفّة الفرات من هذا الجانب من المدن الكوفه ، بالس ، سميساط (١) ، ومن أسفل بالس فى البرّ منبج (٢) وحلب ، (٣)

وفى أعلى الصورة تخرج بعض الأنهار من الفرات الى اليسار وعلى النهر الأوّل من أعلاه سورا ثمّ يليه نهر الملك وعليه القصر ثمّ نهر صرصر وعليه صرصر ثمّ نهر عيسى ويخرج منه نهر الصراه ، ثمّ رسمت فى الجانب الأيسر من الفرات من المدن الانبار ، هيت ، الداليه ، الرحيه ، قرقيسيا ، الخانوقه ، الرافقه ، الرقه ، الجسر ، جربلص (٤) ، وبين هيت والدالية فى النهر عانه (٥) ، وبين الخانوقة والرافقه يصبّ نهر الخابور فى الفرات وعليه من المدن العبيديه ، تنينير ، الجحشيه ، طلبان ، سكير (٦) العباس ، عرابان ، ومن أعلى هذه المدن بحيرة كتب عندها المنخرق (٧) وعن يسارها ماكسين ، وينتهى عند عريان وادى الحيال وهو آت من جبل سنجار ، وكتب من أعلى ذلك هذه ديار لقبائل من ربيعه وهى برارىّ ينتجع مراعيها وتسلك على السمت بالنجوم على غير طريق ، وفوق ذلك حدّ العراق ،

__________________

(٨) (سميساط) ـ (جرييص) ويجوز هذا التصحيح بمقابلة بعض صور الإصطخرىّ ، (٩) (منبج) ـ (؟؟؟) ، (١٠) (حلب) ـ (؟؟؟) ، (١٢) (جربلص) ـ (جرباص) ، (١٣) (عانه) ـ (؟؟؟) ، (١٤) (سكير) ـ (سكر) ، (١٥) (المنخرق) ـ (المنجنيق) ،

٢٠٧

وعلى الجانب الأيمن من دجلة من المدن بغداذ وتكريت وبينهما نهر الاسحاقى ، ثمّ الموصل ، بلد ، طنزى (١) ، آمد ، وعلى الطريق من بلد الى الجسر من المدن برقعيد ، اذرمه ، نصيبين ، دارا ، كفرتوثا ، رأس عين ، تل بنى سيار ، حران ، ومن حران يأخذ طريق الى الأسفل الى سروج ، وبين هذا الطريق ونهر دجلة رسم جبل تتّصل به مدينتا ماردين والرها ، وكتب فى هذا القسم من الصورة على خطّ منعطف ديار مضر ثمّ قاطعا لدجلة ديار بكر ، وعن يمين آمد مدينة حينى ،

وعلى دجلة فى الجانب الأيسر من المدن بغداذ مرّة ثانية ثمّ البردان ، عكبرا ، الجويث ، (٢) العلث ، الكرخ ، سرّ من رأى ، الدور ، السن ، الحديثه ، فيشابور ، ثمنين ، (٣) التل ، وبحذاء آمد ارزن ، وعن يسار ذلك ميافارقين ، (٤) ويقرأ عن يمين القسم الأعلى من الجبل الموازى لدجلة جبل بارما وفى طرفه الآخر فى الزاوية المشرق ، ويصبّ فى دجلة عند السن الزاب الصغير ومن أسفله الزاب الكبير وبينهما من المدن الراجه ، جنبون ، كفرعزى ، وقد تطلّس أسماء مدينتين يجوز أن تكون إحداهما اربل ، ومن أسفل الزاب الكبير بين دجلة والجبل سوق الاحد ومعلثايا وكتب هنا عند الطرف الآخر من الجبل هذا الجبل متّصل بجبال ارمينيه وجبل الثمنين (٥) ويتّصل بجبل اللكام وجميع جبال بلد الروم ، ثمّ يلى تحت ذلك نهر الزرم ثمّ نهر سربط ثمّ نهر ساتيدما وبين هذين النهرين نواحى ارمينيه وفى زاوية الصورة الشمال،

(٢) [٦١ ب] فأمّا الجزيرة التى بين دجلة والفرات فتشتمل (٦) على ديار ربيعة ومضر ومخرج الفرات من داخل بلد الروم على ما شكّلته مجتازا من ملطيه على يومين ويجرى ببنها (٧) وبين المدينة المعروفة كانت بشمشاط للمسلمين ويمرّ على سميساط (٨) ونواحى جسر منبج وعلى بالس الى الرقّة وقرقيسيا والرحبة وهيت والانبار وينقطع الحدّ (٩) عن الفرات ممّا يلى الجزيرة بالانبار

__________________

(٢) (طنزى) ـ (طبرى) ، (٨) (الجويث) ـ (الحويث) (٩) ، (ثمنين) ـ (بمنين) ، (١٠) (ميافارقين) قد قطع أوّله بطرف الورقة ، (١٤) (الثمنين) ـ (التنين) ، (١٧) (فتشتمل) ـ (وتشتمل) ، (١٩) (بينها) ـ (بينهما) ، (٢٠) (سميساط) ـ (شميشاط) ، (٢١) (الحدّ) يفقد فى الأصل وإنّما يوجد فى غير موضعه بين كلمتى (الشمال) و (فيكون) الآتيتين ،

٢٠٨

[ثمّ يعود حدّ الجزيرة](١) فى سمت الشمال فيكون الى تكريت (٢) الحدّ العراق وتكريت على دجلة وينتهى الحدّ منها مصاعدا على دجلة الى السنّ (٣) ممّا يلى الجزيرة والى الحديثة والموصل ويصعد بصعود دجلة الى الجزيرة المعروفة بابن عمر ثمّ يتجاوزها الى آمد فيكون ما فى غربها من حدّ ارمينيه (٤) ثمّ يعود الحدّ مغرّبا على البرّ الى سميساط ثمّ ينثنى الى مخرج (٥) ماء الفرات فى حدّ الإسلام من حيث ابتدائه ، ومخرج دجلة وإن كان من حدود بلد الروم فطويلا ما كان فى يد المسلمين وحيّز (٦) الإسلام من بعده بمراحل ، وعلى شرقىّ دجلة وغربىّ الفرات مدن وقرى تنسب الى الجزيرة وهى خارجة عنها ونائية منها وسأذكرها بما يدلّ على حالها ،

(٣) قد اتّفق العلماء بمسالك الأرض وبعض الحسّاب المشار اليهم بعلم الهيئة فيما تواضعوه من صفات الأرض أنّها مصوّرة بصورة طائر فالبصرة ومصر الجناحان والشأم الرأس والجزيرة الجؤجؤ واليمن الذنب وهذه حكاية ما رأيتها قطّ مقرّرة وإذا كان الأمر كذلك ففارس وسجستان وكرمان وطبرستان واذربيجان وخراسان ليست من الأرض ولا معدودة فى حسابها أم الأرض هو ما ذكروه دون غيرها وهذا قول يحتاج الى تقرير بفهم جامع وفكر صحيح ليقف على حق ذلك من باطله وموقع الجزيرة قريب ممّا قالوه إن وجب أن يكون الشأم رأسا لهذا الطائر وأظنّ قائل ذلك عنى (٧) غير ما أرادوه وقصد سوى ما نقلوه ومتى أراد بذلك ديار العرب خاصّة فهذه صفتها ،

ي (٤) والجزيرة إقليم جليل بنفسه شريف كان بسكّانه وأهله رفه بخصبه كثير الجبايات لسلطانه إذ كانت الأحوال والأموال والدخل على سلطانه

__________________

(١) [ثمّ ... الجزيرة] مستتمّ عن حط ، (٢) (الى تكريت) ـ (من تكريت) ، (٣) (السنّ) ـ (السن) ، (٤) (فيكون ... ارمينيه) مكان ذلك فى حط (فينقطع حينئذ حدّ الجزيرة وتصعد دجلة على أقلّ من يومين فى حدّ ارمينيه) ، (٥) (مخرج) تابعا مع حط لصط وفى الأصل (مجمع) وكذلك فى نسختى حط ، (٧) (وحيّز) ـ (وحيّن) ، (١٨) (عنى) ـ (عنا) ،

٢٠٩

داخل من وجوهه وخارج من مظانّه وقد اختلّت وتغيّرت وانتقلت أملاكها وباد رجالها وأربابها وتنصّر أبطالها ، وسمعت رئيسا من علماء البغداذيّين يذكرها فقال كانت معدن الأبطال وعنصر الرجال وينبوع الخيل (١) والعدّة وينبوت الحيل والشدّة ،

(٥) فأمّا حدودها ومسافاتها فمن مخرج ماء الفرات فى حدّ ملطيه الى سميساط يومان ومن سميساط الى جسر منبج أربعة أيّام ومن الجسر الى بالس أربعة أيّام و [من بالس](٢) الى الرقّة يومان ومن الرقّة الى الانبار عشرون يوما ومن الانبار الى تكريت يومان فى نفس البرّيّة ومن تكريت الى الموصل خمسة (٣) أيّام ومن الموصل الى آمد أربعة عشر يوما ومن آمد الى سميساط ثلثة أيّام ومن سميساط الى ملطيه ثلثة أيّام ، ومن الموصل الى بلد مرحلة ومن بلد الى نصيبين خمس مراحل ، ومن الموصل الى سنجار ثلثة أيّام ومن سنجار الى نصيبين خمسة أيّام ومن نصيبين الى رأس العين ثلاث مراحل ومن رأس العين الى الرقّة أربعة أيّام ، ومن رأس العين الى حرّان ثلثة أيّام [ومن حرّان الى جسر منبج يومان ، ومن حرّان الى الرها يوم ومن الرها الى سميساط يوم ، ومن حرّان الى الرقّة ثلاثة أيّام] ، (٤) ومن الرقّة الى قرقيسيا أربعة أيّام ومدينة الخانوقة فى وسط الطريق ومن الخانوقة الى عرابان أربع مراحل ومن عرابان الى الحيال مرحلتان ومنها الى سنجار نصف مرحلة ومن سنجار الى ماكسين مرحلتان ومن ماكسين الى المنخرق (٥) يوم ومن المنخرق الى الفرات يوم ، والمنخرق بحيرة [بين ماكسين والفرات](٦) استدارتها مساحة جريب أو أزيد بقليل [٦٢ ظ] وفيها ماء أزرق عذب كالزجاج الملوّح لا يعرف قعرها ولا يعلم كميّة مائها وذلك أنّها اعتبرت ليعرف قرارها ومقدار مائها بمائين (٧) أذرع

__________________

(٤) (الحيل) ـ (الحيل) ، (٧) [من بالس] مستتمّ تابعا لحط عن صط ، (٩) (خمسة) وفى حط وصط (ستّه) ، (١٦) (١٤ ـ ١٦) [ومن حرّان ... أيّام] مستتمّ عن حط ، (١٩) (المنخرق) يوجد فى الصورة (المنجنيق) ، (٢٠) [بين ... والفرات] مستتمّ عن حط ، (٢٢) (بمائين) ـ (بمايين) وفى حط (بألوف) ،

٢١٠

حبال بمثقّلات فلم يوجد لها قرار ولا فى يد الخلف عن السلف منها أثر ولا خبر ، وعلى ظهر الخابور وبنواحى عرابان وبالبعد من الخابور عن مرحلة مدن كثيرة قد غلبت عليها البادية فحكمهم دون أهلها فيها أمضى وأمرهم فى غلّاتهم وأموالهم أنفذ وأعلى كالعبيديّة وتنينير والجحشيّة وطلبان وهذه مدن عليها أسوار لا تحصنها وقد لجأ الى الخفائر والأذمّة أهلها فكلّمن ساقهم تبعوه وكلّمن خافوه أطاعوه فإذا ملك الفرات سلطان قادر أمنوا وإذا ضعف السلطان بنواحيهم هلكوا وغنموا ،

(٦) وكان من أجلّ بقاع الجزيرة وأحسن مدنها وأكثرها فواكه ومياها ومتنزّهات وخضرة ونضرة الى سعة غلّات من الحبوب والقمح والشعير والكروم الرائعة الزائدة على حدّ الرخص نصيبين وهى مدينة كبيرة فى مستواة من الأرض ومخرج مائها عن شعب جبل يعرف ببالوسا وهو أنزه مكان بها حتّى ينبسط فى بساتينها ومزارعها ويدخل الى كثير من دورها ويغدق (١) البرك التى فى قصورها ، وكان لهم مع ذلك فيما بعد من المدينة ضياع مباخس كبار جليلة عظيمة غزيرة السائمة والكراع دارّة الغلّات والنتاج معروفة الفرسان مشهورة الشجعان الى ديارات للنصارى وبيع وقلّايات تقصد للنزهة وتنتجع للفرحة والفرج ،

(٧) ولم تزل على ما ذكرته مذ أوّل الإسلام معروفة بكثرة الثمار ورخص الأسعار تتضمّن بمائة ألف دينار الى سنة ثلثين (٢) وثلثمائة فأكبّ عليها بنو حمدان بضروب الظلم والعدوان ودقائق الجور والغشم وتجديد كلف لم يعرفوها ورسم نوائب ما عهدوها الى المطالبة ببيع الضياع والمسقّف من العقار حتّى حمل ذلك بنى حبيب الى أن خرجوا بذراريّهم وعبيدهم ومواشيهم وخفّهم الذي يمكن بمثله النقلة ومن ساعدهم من جيرانهم وشاركهم فيما قصدوا به من الغصب لعقارهم فى نحو عشرة آلف (٣) فارس على فرس عتيق وسلاح شاكّ من درع وجوشن مذهّب ومغفر مدبّج وسيف يقلّ

__________________

(١٣) (ويغدق) ـ (و؟؟؟) ، (١٨) (ثلثين) ـ حط (ستّين) ، (٢٣) (نحو عشرة آلف) ـ حط (اثنى عشر ألف) وحب (نحو خمسة آلاف) ،

٢١١

شبهه ورمح خطىّ وآلة وعدّة لم تزل (١) على بلد الروم مطلّة يقمع بها شوكتهم ويسبى بها ذراريّهم ويخربون بالاستطالة حصونهم ويجوسون ديارهم يقدمهم نحو هذه العدّة من الجنائب العتاق والبغال الفره عليها الخدم والخول والموالى ، فتنصّروا بأجمعهم وأوثقوا ملك الروم من أنفسهم بعد أن أحسن لهم النظر فى إنزالهم على كرائم الضياع ونفائس الحبى والمتاع وخيّرهم القرى والمنازل ورفدهم بالنواحى الحسنة والمواشى العوامل (٢) فعادوا الى بلد الإسلام على بصيرة بمضارّه وعلم بأسباب فساده وخبرة بطرقه ومعرفة بجلّه ودقّه وقلوبهم تضطرم حقدا وتفور كيدا وتلتهب ضبّا (٣) ، وقد كاتبوا من خلّفوه وراسلوا من عرفوه ولا طفوه بذكر ما بلغوه ونالوه وكان الأكثر قد قصد فى ضياعه وحيل بينه وبين أملاكه ووظّف عليه ما لا يعرفه وألزم من الكلف ما لم يجر بمثله عليه رسم (٤) فأطمعوهم فيما نالوه وعرّفوهم ما وصلوا اليه وما جاؤوا فيه وله من قصد بلد الإسلام واجتياحه واصطلام نواحيه وبقاعه وأنّ ملكهم أيّدهم وقوّاهم وأنعم عليهم وآواهم فلحق بهم كثير من المتخلّفين عنهم وانتمى اليهم [٦٢ ب] من لم يك منهم فشنّوا الغارات على بلد الإسلام وافتتحوا حصن منصور وحصن زياد وساروا الى كفرتوثا ودارا فأتوا عليهما بالسبى والقتل وألحقوا أسوارهما بالأرض وضروا بذلك (٥) فصار لهم عادة وديدنا يخرجون فى كلّ سنة عند أوان الغلّات الى أن أتوا على ربض نصيبين نفسها والغربىّ من ضياعها وتعدّوا ذلك الى أن وصلوا الى جزيرة ابن عمر فأهلكوا نواحيها وسحقوا رأس العين وعملها وساروا الى نواحى الرقّة وبالس وعادوا الى ميافارقين وارزن فأخووا قراها وضياعها وعضدوا أشجارها وزروعها الى أن جعلت كالخاوية على عروشها ، وتزايدت ثقة الملك بهم والروم فى السكون اليهم الى أن جعلت لهم الأرزاق ورسمت لهم الأعطية وصاروا خاصّة الملك وآراء العرب أثقف

__________________

(١) (تزل) ـ (يزل) ، (٦) (العوامل) ـ (العامل) ، (٨) (ضبّا) ـ (صبا) ، (١١) (٩ ـ ١١) (وراسلوا ... رسم) يوجد مكان ذلك فى حط (ولاطفوا من عرفوه بقصد آل حمدان له فى ماله وضياعه) ، (١٦) (وضروا بذلك) ـ (وضرّوا ذلك) ،

٢١٢

من آراء الروم لما يقترن بهم من الجسارة والبسالة ففتحوا له المضائق وتقدّموه فى المسالك وأطمعوه على مرّ الأيّام وتعاقب الأعوام [.....](١) وهلاك السلطان وفقر الخواصّ والعوامّ فى انطاكيه والمصّيصة وحلب وطرسوس (٢) فدار لهم عليها ما كان القضاء قد سبق به والمقدار قد نفذ فيه ، وعمد (٣) الحسن بن عبد الله بن حمدان الى نصيبين واكتسح أشجارها وبذل ثمارها وعوّر أنهارها واستصفاها عمّن كان دخل الى بلد الروم واشترى من [بعض قوم واغتصب](٤) آخرين فملكها إلّا القليل وجعل مكان الفواكه الغلّات بالحبوب والسمسم والقطن والأرزّ فصار ارتفاعها أضعاف ما كانت عليه وزادت ريوعها وسلّمها الى من بقى من أهلها ولم يمكنهم النهوض عنها وآثروا فطرة الإسلام ومحبّة المنشأ وحيث قضوا ليانات (٥) الأيّام والشباب على مقاسمة النصف من غلّاتها الى [أىّ](٦) نوع كانت على أن يقدّر الدخل ويقوّمه عينا إن شاء أو ورقا ويعطى الحرّاث ثمن ما وجب له بحقّ المقاسمة فيكون دون الخمسين (٧) ولم يزالوا على ذلك معه ومع ولده الغضنفر الى أن لحقا بأسلافهما الدجّالين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا إذا منظرين (٨) ، وأهلها وقتنا هذا على أقبح ما كانوا عليه وفيه (٩) من تقدير من وليهم عليهم كابن الراعى لا رحمه‌الله ومن يشبهه يستغرق أكثر الغلّة وتقويم ما يبقى من سهم المزارع بثمن يراه المقدّر وحمل ما وقع بسهمه الى مخازنهم وأهرائهم ويرضح له منه بما يسمح به لبذره ويقدّر أنّه ممسك لرمقه وعيشه فى قوته ،

__________________

(٢) [....] الظاهر أن يفقد هنا بعض الكلمات ولعلّه يجوز استتمامه بما معناه [بما أخبروه به من اختلال البلدان] ، (٤) (وطرسوس) ـ (وطرطوس) ، (٥) (وعمد) يلى ذلك فى حط (المعروف كان بناصر الدولة) ، (٧) [بعض قوم واغتصب] مستتمّ عن حط ويلى (آخرين) فى حب (غصبا وجبرا) ، (١٠) (ليانات) ـ (ليئاتات) ، (١١) [أىّ] مستتمّ عن حط ، (١٣) (الخمسين) ـ حط (الخمس) ، (١٥) (١٤ ـ ١٥) [فما بكت ... منظرين] سورة الدخان (٤٤) الآية ٢٨ ، (١٦) (١٥ ـ ١٦) (وأهلها ... وفيه) مكان ذلك فى حط (وأهلها مع ولده فى وقتنا هذا على أقبح ما كانوا عليه مع والده) ،

٢١٣

(٨) وأعمال نصيبين أربعة أرباع ولكلّ ربع منها عامل وحضرت فى سنة ثمان وخمسين وقد رفع تقديرها على توسّط الى أبى تغلب الغضنفر (١) بالموصل فكان حاصل دخلها من حنطة وأرزّ وشعير وحبوب عشرة آلف كّر وأخرج تقويم أسعارها على خمس مائة درهم الكرّ فكان المال عند التقدير المذكور خمسة آلف ألف درهم ، ورفع لها من الجماجم عن جواليها ولوازمها مع الزيادات فيها فكانت خمسة آلف دينار ، ورفع لها عن عشور أموال اللطف وهى (٢) ضرائب الشراب (٣) خمسة آلف دينار ، ورفع القوانين المأخوذة من عراصها عن الغنم والبقر والبقول والفواكه خمسة آلف دينار ، وما يقبض من الطواحين فى القصبة والضياع المقبوضة والمشتراة وغلّات العقار المسقّف من الخانات والحمّامات والحوانيت والدور ستّه عشر ألف دينار ، [٦٣ ظ] وكانت أعمال دارا فى الربع الشمالىّ وطور عبدين أيضا وهو من أعظم رساتيقها ، ورفع تقدير رستاق ابنين (٤) وهو مجاور لطور عبدين وكان لسيف الدولة بألفى كرّ حبوبا فقوّمت بألف ألف درهم ، ورفع عصيرها وأسقاؤها (٥) وجماجمها وعراصها وطواحينها بثلثين ألف دينار ، وهذا على أنّ البلد قد خرب وناسه قد هلكوا ليوبق الله متّلى ذلك بما أملى له وأسّسه من ظلمه وجوره ،

(٩) وبنصيبين عقارب قاتلة موصوفة مشهورة ، وبالقرب منها جبل ماردين ومن قرار الأرض الى ذروته نحو فرسخين وعليه قلعة [لحمدان ابن الحسن بن عبد الله بن حمدان] تعرف بالباز الأشهب لا يستطاع فتحها عنوة وبنواحيها حيّات موصوفة تفوق الحيّات فى سرعة القتل ومضاء المنيّة وبجبل ماردين جوهر للزجاج الجيّد ويحمل منه الى سائر بلدان الجزيرة والعراق وبلد الروم فيفضل على ما سواه بجوهريّة فيه ،

(١٠) وأمّا الموصل فمدينة على غربىّ دجلة صحيحة التربة والهواء وشرب أهلها من مائها وفيها نهر يقطعها اتّخذه بنو أميّة فى وسطها وبين

__________________

(٢) (الغضنفر) ـ حط (بن عبد الله بن حمدان) ، (٧) (وهى) ـ (وهو) (٨) ، (الشراب) ـ (السراب) ، (١٢) (ابنين) تابعا لحط ـ (اسر) ، (١٤) (وأسقاؤها) ـ (واسفاها) ،

٢١٤

مائها ووجه الأرض نحو ستّين ذراعا وزائد وناقص ولم يك بها كثير شجر ولا بساتين إلّا التافه القليل اليسير فلمّا تملّك (١) بنو حمدان ورجالهم غرسوا فيها الأشجار وكثرت الكروم وغزرت الفواكه وغرست النخيل والخضر ، وبها مسكن سلطان الجزيرة ودواوينها ومجتبى أموالها وارتفاعها ولها أقاليم (٢) ورساتيق ومدن كثيرة مضافة اليها وارتفاع وجبايات زادت على ما كانت عليه فى سالف الزمان لأنّ اللعين لا رحمه‌الله أخذ ممّن كان فى جملته وخدمه أملاكهم (٣) واشترى الكثير منها بالقليل التافه من أعشار أثمانها واستملك رباعها واحتوى على خارجها وداخلها واستعمل فيهم من الحال ما أثره من سيرته فى بلد نصيبين فزاد قائمة وتناهى كثرة وإسرافا وذلك أنّ للموصل أضعاف أعمال نصيبين فى فسحة الأعمال وكثرة الضياع وعظم المحلّ وغزر السكّان وأهل الأسواق إذ كانت أسواقها واسعة وأحوالها فى الشرف (٤) والفخم ظاهرة ، وهى مدينة أبنيتها بالجصّ والحجارة كبيرة غنّاء وأهلها عرب ولهم بها خطط وأكثرهم ناقلة الكوفة والبصرة وكانت من عظم الشأن بصورة أكابر البلدان وكان بها لكلّ جنس من الأسواق الاثنان والأربعة والثلاثة ممّا يكون فى السوق المائة حانوت وزائد وبها من الفنادق والمحالّ والحمّامات والرحاب والساحات والعمارات ما دعت اليها سكّان البلاد النائية فقطنوها وجذبتهم اليها برخصها وميرها وصلاح أسعارها فسكنوها ، وهى فرضة لاذربيجان وارمينيه والعراق والشأم ولها بواد وأحياء كثيرة تصيّف فى مصائفها وتشتو فى مشاتيها من أحياء العرب وقبائل ربيعة ومضر واليمن وأحياء الأكراد كالهذبانيّة (٥) والحميديّة واللاريّة (٦) وكانت بها بيوت فاخرة وقوم أهل مروءة ظاهرة لهم من التناية

__________________

(٢) (تملّك) ـ (تملا) ، (٤) (أقاليم) تابعا لحط وفى الأصل (اقليم) ، (٧) (٦ ـ ٧) (لأنّ ... أملاكهم) مكان ذلك فى حط (وذلك أنّ ابن حمدان المذكور اغتصبهم أيضا ضياعهم الخراجيّة) ، (١٢) (الشرف) ـ (السرف) ، (٢٠) (كالهذبانيّة) ـ حط (كالهكّاريّة) ، (٢١) (واللاريّة) ـ (والاريه) وفى حط (واللاويّة) تابعا لحو وفى حل (والاوّيّة) وغيّره ناشر حط فى ص. ٢٦٥ الى (والاويّة) ،

٢١٥

يسار وبأملاكهم ويسارهم على الأيّام استطالة واقتدار كبنى فهد وبنى عمران من وجوه الأزد وأشراف اليمن وبنى شخاج (١) وبنى اود وبنى زبيد وبنى الجارود وبنى أبى خداش (٢) [٦٣ ب] والصداميّين (٣) والعمريّين وبنى هاشم وغير ذلك فمزّقهم جور بنى حمدان وبدّدهم فى كلّ صقع ومكان بعد انتزاع أملاكهم وقبض ضياعهم وإحواج أكثرهم الى قصد الأطراف والشتات فى أعماق الأكناف بعد أن كانوا مقصودين والى (٤) السؤال بعد أن لم يزالوا مسئولين فمن هالك فى نجف ومضطهد فى طرف ومعرّض نفسه للحين والتلف ، [أمّا فى زماننا هذا وهو سنة ستّين وخمس مائة فقد عمّرت عمارة لم تكن قطّ منذ أسّست حتّى أنّ العمارة قد استولت عليها ولم يبق بها موضع فامتدّت العمارة الى خارج السور وصار فى خارجها أسواق وحمّامات وفنادق وغير ذلك من المراقق ،](٥) وفى ذكر تقدير البلد ما يدلّ على ما كان عليه من العتاد والعدد ووصف ارتفاعه ما يعرب عن حاله وأصقاعه ومكانه وأوضاعه ويغنى عن الإطالة فى وصف شرفه وشأنه وقوانينه الواصلة الى سلطانه وهى الدليل على أوصاف أهله وشأنهم فى ذات أنفسهم ، وقد تقدّم القول بذلك وأنّ قوام الدنيا وأهلها بالأموال إذ محلّهم فى أنفسهم وكيفيّتهم فى عيشهم وسياستهم فى مروءاتهم بمقدار ما يملكونه وبه يمكنهم المروءة والأفضال والتصرّف فى كلّ جهة وحال وهذه عبرة لجميع العقلاء ومرآة لسائر الفهماء وإن خرج بالخصوص عن حدّ العموم فى هذه القضيّة قوم لم يحكم بهم ولا يلتفت الى سيرتهم وسياستهم ،

(١١) وللموصل نواح عريضة ورساتيق عظيمة وكور كثيرة غزيرة الأهل والقرى والقصور والمواشى الى غير ذلك من أسباب النتاج والسائمة من الأغنام والكراع فمن ذلك رستاق نينوى وكانت به مدينة فى سالف الزمان تجاه الموصل من الجانب الشرقىّ من دجلة آثارها بيّنة وأحوالها

__________________

(٢) (شخاج) ـ حط (شجاع) ، (٣) (خداش) ـ حط (خراش) ، (٤) (والصداميّين) ـ حط (والانباريّين) ، (٦) (والى) ـ (الى) ، (١١) (٨ ـ ١١) [أمّا ... المرافق] من مضافات حب ١٨ ب ،

٢١٦

ظاهرة وسورها مشاهد وكانت البلدة التى بعث الله تعالى الى أهلها يونس ابن متّى عليه السلم ، ويحادّ هذا الرستاق على جلالته وعظمه وقربه الى حوزته رستاق المرج وهو أيضا فسيح واسع كثير الضياع والماشية والكراع وفيه مدينة تعرف بسوق الأحد وفيها أسواق ولها موعد لأوقات يحضر فيها السوق يجتمع فيه المتاع وسائر التجارة والاكرة والأكراد وكانت مدينة كثيرة الخير خصبة تحادّ الجبل على نهر يقرب منها يطرح ماؤها الى الزابى الكبير ، ويجاور هذا الرستاق أرض حزة ورساتيقها وهو إقليم بينه وبين أعمال المرج الزابى الكبير وفيه مدينة تعرف بكفر عزى يسكنها قوم من الشهارجة نصارى ذو يسار وهى مدينة قصدة فيها أسواق وضياع وبها خير ورخص ومنها يمتار الأعراب وينزل فى نواحيها الأكراد ، وقردى وبازبدى (١) رستاقان عظيمان متجاوران فيهما الضياع الجليلة الخطيرة التى تكيل الضيعة دخلا فى كلّ سنة ألف كرّ حنطة وشعير أو حبوب قطان (٢) ولها من مرافق الجوالى بالجماجم وأموال اللطف ما يقارب دخل غيرها من الضياع ، ورستاق باهدرا وهو أيضا عظيم جليل الضياع والدخل والمرافق والعائدة ، ورستاق الخابور وفيه مدن كثيرة وأعمال واسعة تجاور رستاق سنجار ونواحى الحيال (٣) وللجميع من الدخل الكثير عن سائر وجوه الغلّات والفواكه اليابسة والرطبة ، ورستاق معلثايا وفيشابور وهما رستاقان خطيران معدودان فى نفائس الأعمال ومحاسن الكور بكثرة الغلّات والخيرات والتجارات ،

(١٢) وحضرت مدينة الموصل آخر دخلة دخلتها سنة ثمان وخمسين [٦٤ ظ] فألفيت ارتقاعها من الحاصل دون قسمة المزارعين بنينوى والمرج (٤) وكورة حزة (٥) ستّة آلف كرّ حنطة وشعيرا قيمتها من الورق ثلثة آلف ألف درهم ومن الحبوب والقطانى ثلثمائة كرّ قيمتها من العين عشرة آلف دينار

__________________

(١١) (بازبدى) ـ (؟؟؟) ، (١٣) (قطان) ـ (قطانى) ، (١٦) (الحيال) ـ (الجبال) ، (٢١) (بنينوى والمرج) ـ (بنيبوى المرج) ، (٢٢) (حزة) ـ (خره) ،

٢١٧

ومن الورق [.....](١) عن وجوه أوجب اجتباؤها (٢) من جوال وضمانات [ومرافق (٣) بيت المال] ردّت (٤) عينا عشرة آلف دينار دون ضياع وسمت بضياع الإخوة فى هذه النواحى [الثلاث](٥) المتقدّم ذكرها وهى أملاك بأيديهم ودخلها حاصل لهم استوفاه كتّابهم أربعة آلف كرّ حنطة وشعيرا قيمتها من الورق ألفا ألف درهم ، قال الرافع وتوابعها من مواجب بيت مال السلطان ألفا (٦) دينار قيمتها من الورق ثلثون ألف درهم ، وذكر أموال الناحية المتقبّل عراصها وجزائرها وبساتينها والمستغلّات المختزلة من أصحابها والمشتراة ومال اللطف والجوالى بألفى ألف درهم ، وذكر باعربايا وهى من نواحيها ورساتيقها وحدّها فقال من باعيناثا الى نهر سريا من دون اذرمه بفرسخ طولا وعرضها من نواحى سنجار الى أن تصاقب بازبدى (٧) والحاصل دون الواصل بحقّ (٨) المقاسمة الى الأكرة والمزارعين ثمنية آلف كرّ حنطة وشعيرا قيمتها من الورق دون زيادة الصنجة وحقّ الخزن أربعة آلف ألف درهم وفيها من الأحلاب والجوالى ، وعرصة برقعيد ألفا (٩) دينار قيمتها من الورق ثلثون ألف درهم ، وذكر بازبدى (١٠) فقال حدّها من الضيعة المعروفة بالمقبلة (١١) والأحمدىّ وباعوسا والبيضاء الى حدود الجزيرة ودخلها من الحنطة والشعير الحاصل ألفا كرّ قيمتها من الورق [ألف ألف درهم ولها من وجوه الأموال المذكورة المشهورة ألفا دينار وقيمتها](١٢) ثلثون ألف درهم (١٣) ، وباهدرا وهى من حدّ المغيثة الى الخابور ومن (١٤) معلثايا الى فيشابور والحاصل دون الواصل الى المزارعين بحقّ المقاسمة من الحنطة

__________________

(١) [...] يفقد فى الأصل وكذا فى نسختى حط ويجب استتمام أوّله تابعا لناشر حط ب (مائة وخمسون ألف درهم) ثمّ (وبها من الأموال) أو ما فى معناه ، (٢) (اجتباؤها) ـ (اجتباها) ، (٣) [ومرافق بيت المال] مستتمّ عن حط ، (٤) (ردّت) ـ (ردت) ، (٥) [الثلاث] مستتمّ عن حط ، (٦) (ألفا) ـ (الفى) ، (١٠) (بازبدى) ـ (بارندى) ، (١١) (بحقّ) ـ (نحو) ، (١٣) (ألفا) ـ (الفى) ، (١٤) (بازبدى) ـ (بارنذى) ، (١٥) (بالمقبلة) ـ (المقبلة) ، (١٧) (١٦ ـ ١٧) [ألف ألف ... وقيمتها] مستتمّ عن حط ، (١٨) (درهم) ـ (دينار) ، (١٩) (ومن) ـ (ومنها) ،

٢١٨

والشعير ثلثة آلف كرّ قيمتها مائة ألف دينار ، قال وبها من المال عن وجوه أسقائها ومياهها ثلثون ألف دينار ، قال وقردى (١) وهى الجزيرة المعروفة بابن عمر وجبل باسورين ونواحيه الى حدود باعيناثا الى طنزى وشاتان والحاصل دون الواصل الى المزارعين من الحنطة والشعير ثلثة آلف كرّ قيمتها مائة ألف دينار وبها من المال من وجوه (٢) الطواحين والجوالى وما أشبه ذلك ثلثون ألف دينار ، فالحاصل على التقريب من جميع أعمالها وجباياتها عن قيمة عين جبى من الورق [ستّة عشر ألف ألف درهم ومائتا ألف وتسعون ألف درهم] ، (٣)

(١٣) ومن أسافل الموصل مدينة تعرف بالحديثة وبينهما تسع فراسخ كثيرة الصيود واسعة الخير فى ضمن الموصل عملها وبالموصل تجتبى أموالها ولها عامل بذاته على استيفاء أموالها فربّما عملت بالأمانة وربّما كانت بضمان وقلّما ضمنت لأنّ أحوالها تزيد وتنقص ،

(١٤) وكان بالموصل فى وسط دجلة مطاحن تعرف بالعروب يقلّ نظيرها فى كثير من لأرص لأنّها قائمة فى وسط ماء شديد الجرية موثّقة بالسلاسل الحديد فى كلّ عربة منها أربعة أحجار (٤) ويطحن كلّ حجرين فى اليوم والليلة خمسين وقرا وهذه العروب من الخشب والحديد وربّما دخل فيها شىء من الساج ، وكانت ببلد المدينة التى عن سبعة فراسخ منها عروب كثيرة دارت إعمالا (٥) [٦٤ ب] وجهازا الى العراق فلم يبق منها شؤم ابن حمدان ولا من أهلها باقية ، [وبمدينة الحديثة منها عداد تعمل فى وسط دجلة وقد ملك بنو حمدان متاعها حسب ما ذكرته من حال الموصل وسائر ديار ربيعة وارتفاعها نحو خمسين ألف دينار ،](٦) وكان بالفرات للرقّة [وقلعة جعبر](٧) ما لا يدانى هذه العروب ولا ككثرتها ، وبمدينة

__________________

(٢) (وقردى) ـ (و؟؟؟) ، (٥) (من وجوه) ـ (ووجوه) ، (٨) (٧ ـ ٨) [ستّة ... درهم] مستتمّ عن حط وذلك بتمام الصحّة جملة المبالغ المعدودة ، (١٥) (أربعة أحجار) ـ حط (حجران) ، (١٨) (إعمالا) ـ (اعمالا) ، (٢١) (١٩ ـ ٢١) [وبمدينة ... دينار ،] مأخوذ من حط ، (٢٢) [وقلعة جعبر] مأخوذ من حب ١٩ ظ ،

٢١٩

تفليس فى نفس الكرّ منها شىء به تقوم أقوات أهل تفليس وهى دونها فى الفخم والعظم ، وبتكريت وعكبرا والبردان منها شىء باق ، ولم تبق بركة بنى حمدان بالموصل إلّا ستّة أو سبعة منها وليس ببغداذ شىء منها ، (١٥) وبلد المذكورة فكانت مدينة كثيرة الغلّات والأموال والجهاز والمشايخ المذكورين بالعراق فى حسن اليسار وسعة الأحوال الى أن وضع الملقّب بناصر الدولة عليهم يده واستفرغ فيهم جهده فلم يبق لهم باقية وبدّدهم فى كلّ قتر وزاوية ولم يبق لهم ثاغية (١) ولا راغية حتّى أكلتهم الشدائد وصبّت (٢) عليهم بشؤمه المصائب فهم كما قال بعض سكّان مكّة من خزاعة عند خروجهم منها

كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكّة سامر

وكان لبلد فى ظاهرها بين غربها وشمالها مكان يعرف بالاوسل نزه كثير الشجر والثمر والخضر والفواكه والكروم فقصدها اللعين المشؤوم بما قصد به الموصل فهو كالبور مع شرف حال هذا الاوسل ومكانه من الريع إذا زرع وفى أعاليه ساقية تسقى شيئا من الأرض إذا زرعت بماء تافه ترب ، (٣) (١٦) ومدينة سنجار على تسعة فراسخ من بلد وهى فى وسط البرّيّة وفى سفح جبل خصب ولها أنهار جارية وعيون مطّردة وأسقاء ومباخس وضياعها قريبة الحال وعليها سور من حجر يمنع عن أهلها عند تظافرهم وقد شابها من نسيم الزنيم ونالها من البلاء ما يشبه الزمان ، وبها مع رخص أسعارها وكثرة خيرها وفواكهها الصيفيّة فواكه شتويّة ممّا يكون اختصاصه فى بلاد الصرود كالسماق والجوز واللوز والزيتون والأترجّ والسمسم والرمّان الكبير المحفّف حبّه الدائم الى العراق والنواحى جهازه وحمله ، وبقرب سنجار بين شمالها وغربها الحيال (٤) وهو واد من أودية ديار ربيعة فيه مشاجر وضياع وكروم وخصب وأبّ يسكنه قوم من العرب قاطنين (٥) فيه

__________________

(٧) (ثاغية) ـ (باغيه) ، (٨) (وصبّت) ـ (وصبب) ، (١٤) (ترب) ـ (نزب) ، (٢٢) (الحيال) ـ (الجبال) ، (٢٣) (قاطنين) ـ (فاطنين) ،

٢٢٠