فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

حدثنا عبد العزيز بن منصور اليحصبىّ ، عن عاصم بن حكيم ، عن أبى سريع الطائىّ ، عن عبيد بن تعلى ، قال : كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة.

حدثنا أحمد بن محمد ، عن عبد العزيز بن عمران ، عن سليمان بن أسيد عن ابن شهاب ، قال : إنما سمّي ذا القرنين أنه بلغ قرن الشمس من مغربها ، وقرن الشمس من مطلعها.

قال : وذكر بعض مشايخ أهل مصر عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب عمّن حدثه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه قال كان أوّل شأن الإسكندرية أن فرعون اتّخذ بها (١) مصانع ومجالس ، وكان أوّل من عمرها وبنى فيها ، فلم تزل (٢) على بنائه ومصانعه ، ثم تداولها الملوك ، ملوك مصر بعده ، فبنت دلوكة ابنة زبّاء منارة الإسكندرية ومنارة بوقير بعد فرعون ، فلما ظهر سليمان بن داود عليه‌السلام على الأرض اتّخذ بها مجلسا ، وبنى فيها مسجدا. ثم إنّ ذا القرنين ملكها ، فهدم ما كان فيها من بناء الملوك والفراعنة وغيرهم ، إلّا بناء سليمان بن داود ، لم يهدمه ولم يغيّره ، وأصلح ما كان رثّ منه ، وأقرّ المنارة على حالها. ثم بنى الإسكندرية من أوّلها بناء يشبه بعضه بعضا ، ثم تداولتها الملوك بعده من الروم وغيرهم ؛ ليس من ملك إلّا يكون له بها بناء يضعه بالإسكندرية يعرف به وينسب إليه.

قال : ويقال إن الذي بنى منارة الإسكندرية قلبطرة الملكة ، وهى التى ساقت خليجها حتى أدخلته الإسكندرية ، ولم يكن يبلغها الماء ، كان يعدل من قرية يقال لها كسّا قبالة الكريون ، فحفرته حتى أدخلته الاسكندرية ، وهى التى بلّطت قاعته.

قال ابن لهيعة : وبلغنى أنه وجد حجر بالإسكندرية مكتوب فيه : أنا شدّاد بن عاد ، وأنا الذي نصب العماد ، وحيّد الأحياد وسدّ بذراعه الواد ، بنيتهنّ إذ لا شيب ولا موت ، وإن الحجارة فى اللين مثل الطين. قال ابن لهيعة : والأحياد كالمغار. ويقال : إن الذي بنى الإسكندرية شدّاد بن عاد والله أعلم.

حدثنا إدريس بن يحيى الخولانى ، حدثنا عبد الله بن عيّاش القتبانى ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) ج : «لها».

(٢) ج : «يزل».

٦١

تبيع ، قال : خمسة مساجد بالإسكندرية : مسجد موسى النبي عليه الصلاة والسلام عند المنارة أقربها إلى الكنيسة (١) ، ومسجد سليمان عليه‌السلام ، ومسجد ذى القرنين أو الخضر عليهما‌السلام ، وهو الذي عند اللّبخات بالقيسارية ، ومسجد الخضر أو ذى القرنين عند باب المدينة حين تخرج من الباب ، ولكلّ واحد منهما مسجد ، ولكن لا ندرى أين هو ، ومسجد عمرو بن العاص الكبير.

حدثنا هانئ بن المتوكّل ، حدثنا عبد الرحمن بن شريح ، عن قيس بن الحجّاج ، عن تبيع ، قال : إن فى الإسكندرية مساجد خمسة مقدّسة ، منها : المسجد فى القيسارية التى تباع فيها المواريث ، ومسجد اللبخات ومسجد عمرو بن العاص.

وكانت الإسكندرية كما حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض : منّة وهى (٢) موضع المنارة وما والاها ، والإسكندرية وهى موضع قصبة الإسكندرية اليوم ، ونقيطة ؛ وكان على كلّ واحدة منهن سور ، وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن ؛ يحيط (٣) بهنّ جميعا.

حدثنا هانئ بن المتوكل ، حدثنا عبد الله بن طريف الهمدانى ، قال : كان على الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق.

حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، حدثنى ابن السدّىّ ، عن أبيه قال : كان أنف الاسكندر (٤) ثلاثة اذرع.

(٥) قال خالد وأبو حمزة : إن ذا القرنين لما بنى الإسكندرية رخّمها بالرخام الأبيض ؛ جدرها وأرضها ، وكان لباسهم فيها السواد والحمرة ؛ فمن قبل ذلك ليس الرهبان السواد من نصوع بياض الرخام ، ولم يكونوا يسرجون فيها بالليل من بياض الرخام ، وإذا كان

__________________

(١) ضبطت هذه العبارة فى ك ضبط قلم على النحو التالى : «أقرّ بها إلى الكنيسيّة».

(٢) ج ، د ، ك : «وهو».

(٣) ب ، د : «محيط».

(٤) ج ، د : «الإسكندرية».

(* ـ *) عن الأخبار التالية قارن بالسيوطى ج ١ ص ٨٦ ـ ٨٧ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

٦٢

القمر أدخل الرجل الذي يخيط (١) بالليل فى ضوء القمر فى بياض الرخام الخيط فى حجر (٢) الإبرة (٣).

قال ورأس الإسكندرية فيما ذكر بعض المشايخ لقد بنيت الإسكندرية ثلاثمائة سنة ، وسكنت ثلاثمائة سنة ، وخربت ثلاثمائة سنة ، ولقد مكثت سبعين سنة ما يدخلها أحد إلّا وعلى بصره خرقة سوداء ؛ من بياض جصّها وبلاطها ، ولقد مكثت سبعين سنة ما يستسرج فيها.

وأخبرنا ابن أبى مريم ، عن العطّاف بن خالد ، قال : كانت الإسكندرية بيضاء تضيء بالليل والنهار ، وكانوا إذا غربت الشمس لم يخرج أحد منهم من بيته ومن خرج اختطف ، وكان منهم راع يرعى على شاطئ البحر ، فكان يخرج من البحر شىء فيأخذ من غنمه ، فكمن له الراعى فى موضع حتى خرج ؛ فإذا جارية. فتشبّث بشعرها ، ومانعته نفسها ، فقوى عليها ، فذهب بها إلى منزله فأنست بهم فرأتهم لا يخرجون بعد غروب الشمس ، فسألتهم ، فقالوا : من خرج منا اختطف فهيّأت لهم الطلسمات ، فكانت أوّل من وضع الطلسمات بمصر فى الإسكندرية.

حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا إسماعيل بن عيّاش ، عن هشام بن سعد المدينى قال : وجد حجر (٤) بالإسكندرية مكتوب فيه ثم ذكر مثل حديث ابن لهيعة سواء ؛ وزاد فيه وكنزت فى البحر (٥) كنزا على اثنى عشر ذراعا لن يخرجه أحد حتى تخرجه أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

حدثنا محمد بن عبد الله البغدادى ، عن داود ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، قال : كان الرخام قد سخّر لهم حتى يكون من بكرة إلى نصف (٦) النهار بمنزلة العجين ، فإذا انتصف النهار اشتدّ*).

__________________

(١) د : «يتخبط».

(٢) ب : «رأس».

(٣) ج : «الإبر».

(٤) ج : «وجدوا حجرا».

(٥) ج : «وكنزت فى الأرض».

(٦) ج : «وسط».

٦٣

قال عبد الرحمن (١) وفى زمان شدّاد بن عاد ، بنيت الأهرام كما ذكر عن بعض المحدّثين ، ولم أجد عند أحد من أهل المعرفة من أهل مصر فى الأهرام خبرا يثبت ، وفى ذلك يقول الشاعر (٢) :

حسرت عقول أولى النهى الأهرام

واستصغرت لعظيمها الأحلام

ملس مبنّقة البناء شواهق

قصرت لغال (٣) دونهنّ سهام

لم أدر حين كبا التفكّر دونها

واستوهمت لعجيبها الأوهام

أقبور أملاك الأعاجم هنّ أم

طلّسم رمل كنّ أم اعلام؟

حدثنا (٤) أسد بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن نوف ، نحوه. ولم يذكر السرير.

(٥) فلما أن أغرق الله فرعون وجنوده كما حدثنا هانئ بن المتوكّل ، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب ، عن تبيع ، استأذن الذين كانوا آمنوا من السحرة موسى فى الرجوع إلى أهلهم ومالهم (٥) بمصر فأذن لهم ، ودعا لهم ، فترهّبوا فى رءوس الجبال ، وكانوا أوّل من ترهّب ، وكان يقال لهم الشيعة ، وبقيت طائفة منهم مع موسى عليه

__________________

(١) «عبد الرحمن» زيدت من ك.

(٢) القزوينى : آثار البلاد ، ص ٢٦٨. ياقوت : معجم البلدان ج ٥ ص ١٠٤. السيوطى : حسن المحاضرة ج ١ ص ٧٠.

(٣) ك : «لعال».

(٤) حدث هنا اضطراب فى النص ، وهو هكذا فى جميع الأصول. ولكن المستشرق تورى تنبه إليه فنبه عليه. وقد أشار تورى إلى أننا ربما كنا أمام إضافتين من المؤلف كان المراد وضعهما فى مواضع معينة. ولكن أمرا ما أبعدهما عن موضعهما اللائق بهما. ثم أشار تورى إلى الموضعين اللذين يجب أن يكونا فيهما. أما الإضافة الأولى وهى «حدثنا أسد بن موسى حدثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن نوف نحوه ولم يذكر السرير» فكان ينبغى وضعها ص ٤٧ س ٦ بعد كلمة «وأضلاعه». والإضافة الثانية وهى الخاصة بالروم والفرس والتى يبدأ الإسناد بها ب «حدثنا عبد الله بن صالح» فينبغى وضعها ص ٥٥ س ١٢ بعد كلمة «والروم قريش العجم».

(* ـ *) قارن السيوطى ج ١ ص ٥٩ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٥) كذا فى (ب) وهو يوافق ما فى السيوطى ج ١ ص ٥٩ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم. وفى أ ، ج ، د ، ك «أهله وماله».

٦٤

السلام حتّى توفّاه الله عزوجل ، ثم انقطعت الرهبانيّة بعدهم حتى ابتدعها بعد ذلك أصحاب المسيح عليه‌السلام*).

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن على بن أبى طلحة عن ابن عبّاس فى قوله (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ، فِي بِضْعِ سِنِينَ)(١) قال : غلبتهم فارس ، ثم غلبت الروم فارس فى أدنى الأرض ، يقول فى طرف الأرض الشام.

وقد اختلف فى البضع (٢) فحدثنا الحارث بن مسكين ، حدثنا ابن القاسم ، عن مالك بن أنس ، قال : البضع (٣) ما بين الثلاث إلى سبع.

حدثنا أسد ، حدثنا عبد الله بن خالد ، عن الكبى ، عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس قال : بضع سنين ، ما بين خمس إلى سبع.

حدثنا أسد ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبى الحويرث ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : البضع سنين ما بين خمس إلى سبع. ويقال البضع ما لم يبلغ العدد ما بين الواحد إلى أربع ، ويقال إلى سبع وتسع وعشر ، ويقال البضع ما بين العشرة إلى العشرين ، وكذلك كلّ عقد إلى المائة ، فإذا زاد على المائة انقطع البضع وصار نيّفا.

ذكر كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المقوقس

(*) حدثنا (٣) هشام بن إسحاق وغيره ، قال : لما كانت سنة ستّ من مهاجرة (٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الحديبية بعث إلى الملوك.

حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنى يونس بن يزيد ، عن ابن

__________________

(١) سورة الروم ١ ـ ٤.

(٢ ـ ٢) ساقط من طبعة عامر.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ص ٩٧ ـ ٩٨ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٣) ب : «حدثنا أبو عمر بن يوسف بن يعقوب بن حفص بن يوسف الكندى ، قال : حدثنا على بن الحسن ... الخ». ك : «حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا هشام ...».

(٤) لما كانت سنة ست من مهاجرة رسول الله : تحرفت فى طبعة عامر إلى «لما كانت سنة مهاجرة رسول الله».

٦٥

شهاب ، قال : حدثنى عبد الرحمن بن عبد القارىّ ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قام ذات يوم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهد ، ثم قال : أمّا بعد فإنى أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك العجم فلا تختلفوا علىّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم ، وذلك أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الأرض فبعث الحواريّين ، فأما القريب مكانا فرضى ، وأما البعيد مكانا فكره ، وقال : لا أحسن كلام من تبعثنى إليه ، فقال عيسى : اللهمّ أمرت الحواريّين بالذى أمرتنى فاختلفوا علىّ ؛ فأوحى الله إليه إنى سأكفيك ، فأصبح كل إنسان منهم يتكلّم بلسان الذي وجه إليهم (١).

فقال المهاجرون : يا رسول الله ، والله لا نختلف عليك أبدا فى شىء ، فمرنا وابعثنا ، فبعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ، وشجاع بن وهب الأسدى [إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى ، وعبد الله بن أبى حذافة السهمى (٢)] إلى كسرى ، وبعث دحية بن خليفة إلى قيصر ، وبعث عمرو بن العاص إلى ابنى الجلندى أميرى عمان ، ثم ذكر الحديث.

ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق وغيره ، قال : فمضى حاطب بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما انتهى إلى الإسكندرية وجد المقوقس فى مجلس مشرف على البحر ، فركب البحر ؛ فلما حاذى مجلسه ، أشار بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بين إصبعيه فلما رآه أمر بالكتاب فقبض ، وأمر به فأوصل إليه ، فلما قرأ الكتاب قال : ما منعه إن كان نبيا أن يدعو علىّ فيسلّط علىّ! فقال له ، حاطب : ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل به ويفعل! فوجم ساعة ، ثم استعادها فأعادها عليه حاطب ، فسكت ، فقال له حاطب : إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الربّ الأعلى فانتقم الله به ثمّ انتقم منه ؛ فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك. وإنّ لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه ، وهو الإسلام الكافى الله به فقد ما سواه ، وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد ، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ، ولكنّا نأمرك به ، ثم قرأ الكتاب :

بسم الله الرّحمن الرحيم ، من محمد رسول الله ، إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام

__________________

(١) ج : «إليه».

(٢) ساقط من طبعة تورى وأكملته من ابن هشام ق ٢ ص ٦٠٧.

٦٦

على من اتّبع الهدى ، أما بعد فانى أدعوك بدعاية (١) الإسلام ، فأسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين ، (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(٢).

فلما قرأه أخذه ، فجعله فى حقّ من عاج ، وختم عليه*).

حدثنا عبد الله بن سعيد المذحجى ، عن ربيعة بن عثمان ، عن أبان بن صالح ، قال : (٣) أرسل المقوقوس إلى حاطب ليلة (٤) ، وليس عنده أحد إلا ترجمان له فقال : ألا تخبرنى عن أمور أسألك عنها ، فإنى أعلم أن صاحبك قد تخيّرك حين بعثك! قال : لا تسألنى عن شىء إلا صدقتك ، قال إلام يدعو محمد؟ قال : إلى أن تعبد الله ، لا تشرك به شيئا ، وتخلع ما سواه ، ويأمر بالصلاة. قال : فكم تصلّون؟ قال : خمس صلوات فى اليوم والليلة ، وصيام شهر رمضان ، وحجّ البيت ، والوفاء بالعهد ، وينهى عن أكل الميتة والدّم. قال : من أتباعه؟ قال : الفتيان من قومه وغيرهم ، قال : فهل يقاتل قومه؟ قال : نعم ، قال : صفه لى ، قال : فوصفه بصفة من صفته (٥) ، لم آت عليها ، قال : قد بقيت أشياء ، لم أرك ذكرتها ؛ فى عينيه حمرة قلّما تفارقه ، وبين كتفيه خاتم النبوّة ، يركب الحمار ، ويلبس الشملة ، ويجتزئ بالتمرات (٦) والكسر ، لا يبالى من لاقى من عمّ ولا ابن عمّ ، قلت : هذه صفته قال : قد كنت أعلم أن نبيّا قد بقى ، وقد كنت أظنّ أن مخرجه الشام (٧) ، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله ، فأراه قد خرج فى العرب ، فى أرض جهد وبؤس ، والقبط لا تطاوعنى فى اتّباعه ، ولا أحبّ أن يعلم بمحاورتى إيّاك ، وسيظهر على البلاد وينزل أصحابه من بعده بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما هاهنا (٨) ، وأنا لا أذكر للقبط من هذا حرفا ، فارجع إلى صاحبك (٩).

__________________

(١) ب : «بداعية».

(٢) سورة آل عمران ٦٤.

(٣ ـ ٣) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٩٨ ـ ٩٩.

(٤) ب : «ليلا».

(٥) د : «صفاته».

(٦) ج : «بالثمرات».

(٧) د : «بالشام».

(٨) ب : «أهلها».

٦٧

ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق ، قال : ثم دعا كاتبا يكتب بالعربية فكتب لمحمد بن عبد الله ، من المقوقس عظيم القبط. سلام (١) أما بعد فقد قرأت كتابك ، وفهمت ما ذكرت ، وما تدعو إليه ، وقد علمت أن نبيّا قد بقى ؛ وقد كنت أظنّ أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم ، وبكسوة ، وأهديت إليك بغلة لتركبها. والسلام (٢).

(٢) حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن عبد القارىّ ، قال : لمّا مضى حاطب بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قبل المقوقس الكتاب ، وأكرم حاطبا ، وأحسن نزله ، ثم سرّحه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين ، إحداهما أمّ إبراهيم ، ووهب الأخرى لجهم بن قيس العبدرىّ ، فهى أمّ زكرياء بن جهم ، الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر ويقال : بل وهبها لحسان بن ثابت ، فهى أمّ عبد الرحمن بن حسان ؛ ويقال : بل وهبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمحمد بن مسلمة الأنصارى ، ويقال : بل لدحية بن خليفة الكلبى (٢).

حدثنا النضر بن سلمة السامىّ ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن أسامة بن زيد الليثى ، عن المنذر بن عبيد ، عن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت ، عن أمّه سيرين (٣) ، قالت : حضرت موت إبراهيم ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما صحت أنا وأختى ما ينهانا ؛ فلما مات نهانا عن الصياح.

(*) حدثنا عبد الملك بن هشام ، حدثنا زياد بن عبد الله البكّائى ، عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة أن صفوان بن المعطّل ضرب حسان بن ثابت بالسيف قال ابن إسحاق فحدثنى محمد بن إبراهيم التيمى أن ثابت بن قيس بن شمّاس وثب على صفوان بن المعطّل حين ضرب حسان فجمع يديه إلى عنقه بحبل [ثم انطلق به إلى دار بنى الحارث بن الخزرج] فلقيه عبد الله بن رواحة فقال : ما هذا؟ فقال : ضرب حسان

__________________

(١ ـ ١) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٩٨.

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٩٩.

(٣) أ ، ج ، ك : «شيرين».

(* ـ *) راجع ابن هشام ، ق ٢ ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦ وما بين المعقوفتين مكمل منه.

٦٨

بالسيف! والله ما أراه إلا قد قتله ، قال : هل علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشىء ممّا صنعت؟ قال : لا ، قال : لقد اجترأت أطلق الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكروا ذلك له فدعا حسّان وصفوان بن المعطّل فقال آذانى يا رسول الله وهجانى فاحتملنى الغضب فضربته فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أحسن يا حسّان فى الذي قد أصابك ، قال : هى لك فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عوضا منها بيرحا وهى قصر بنى حديلة اليوم [بالمدينة] كانت مالا لأبي طلحة تصدّق بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطاها حسّان فى ضربته وأعطاه سيرين أمة قبطيّة فولدت له عبد الرحمن بن حسان*).

حدثنا هانئ بن المتوكّل ، حدثنا ابن لهيعة قال حدثنى يزيد بن أبى حبيب أن المقوقس لما أتاه كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضمّه : إلى صدره وقال : هذا زمان يخرج فيه النّبيّ الذي نجد نعته (١) وصفته فى كتاب الله وإنّا لنجد صفته أنه لا يجمع بين أختين (٢) فى ملك يمين ولا نكاح وأنه يقبل الهديّة ولا يقبل الصدقة وأن جلساءه المساكين وأن خاتم النّبوة بين كتفيه ثم دعا رجلا عاقلا ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها وهما من أهل حفن من كورة أنصنا فبعث بهما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهدى له بغلة شهباء وحمارا أشهب وثيابا من قباطىّ مصر وعسلا من عسل بنها وبعث إليه بمال صدقة وأمر رسوله أن ينظر من جلساؤه وينظر إلى ظهره هل يرى شامة كبيرة (٣) ذات شعر ففعل ذلك الرسول فلما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قدّم إليه الأختين والدابّتين والعسل والثياب وأعلمه أن ذلك كله هديّة ، فقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الهديّة وكان لا يردّها من (٤) أحد من الناس. قال فلما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه وكره أن يجمع بينهما ، وكانت إحداهما تشبه الأخرى فقال : اللهمّ اختر لنبيّك فاختار الله له مارية ، وذلك أنه قال لهما : قولا نشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فبدرت مارية فتشهّدت وآمنت قبل أختها ومكثت أختها ساعة ثم تشهّدت وآمنت ، فوهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أختها لمحمد بن مسلمة الأنصارى وقال بعضهم : بل وهبها لدحية بن خليفة الكلبىّ.

__________________

(١) ب : «بعثه».

(٢) ب : «الأختين».

(٣) فى ب زيادة : «بين كتفيه».

(٤) د : «على».

٦٩

(*) قال فحدثنا هانئ بن المتوكّل ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن عبد الرحمن بن شماسة المهرى أحسبه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمّ إبراهيم أمّ ولده القبطية (١) ، فوجد عندها نسيبا كان لها قدم معها من مصر ، وكان كثيرا ما يدخل عليها فوقع فى نفسه شىء فرجع فلقيه عمر ابن الخطاب فعرف ذلك فى وجهه فسأله فأخبره فأخذ عمر السيف ثم دخل على مارية وقريبها عندها ، فأهوى إليه بالسيف فلما رأى ذلك كشف عن نفسه وكان مجبوبا ليس بين رجليه شىء ، فلما رآه عمر رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ جبريل أتانى فأخبرنى أنّ الله قد برّأها وقريبها وأن فى بطنها غلاما منى وأنه أشبه الخلق بى وأمرنى أن أسميّه إبراهيم وكنّانى بأبى إبراهيم (*).

وحدثنا دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد ابن أبى حبيب عن الزهرىّ عن أنس قال : لما ولدت أمّ إبراهيم إبراهيم كأنه وقع فى نفس النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منه شىء حتى جاءه جبريل فقال السلام عليك يا أبا إبراهيم.

ويقال إن المقوقس بعث معها بخصىّ فكان يأوى إليها.

(*) حدثنا أحمد بن سعيد الفهرى (٢) حدثنا مروان بن يحيى الحاطبىّ حدثنى إبراهيم بن عبد الرحمن بن أدعج قال حدثنى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه (قال : حدثنى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه) (٣) عن جدّه حاطب بن أبى بلتعة قال بعثنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزلنى فى منزل وأقمت عنده ليالى ثم بعث إليّ وقد جمع بطارقته فقال إنى (٤) سأكلّمك بكلام وأحبّ أن تفهمه عنى قال قلت هلم قال أخبرنى عن صاحبك أليس هو بنبىّ؟ قال قلت : بلى هو رسول الله ، قال : فما له حيث كان هكذا لم يدع على

__________________

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٠٠ ـ ١٠١.

(١) ك : «على أم ولده أم إبراهيم القبطية».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٠٠ ـ ١٠١.

(٢) الفهرى : تصحفت فى طبعة عامر «القهرى».

(٣) ساقط من طبعة عامر.

(٤) ب : «لى».

٧٠

قومه حيث (١) أخرجوه من بلده إلى غيرها قال فقلت له فعيسى بن مريم تشهد (٢) أنه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألّا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه فى السماء الدنيا فقال أنت حكيم جاء من عند حكيم هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد وأرسل معك مبذرقة يبذر قونك إلى مأمنك (٣) قال فأهدى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث جوار منهنّ أمّ إبراهيم وواحدة وهبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى جهم بن حذيفة العبدرى وواحدة وهبها لحسان بن ثابت وأرسل إليه بثياب مع طرف من طرفهم*) فولدت مارية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إبراهيم فكان من أحبّ الناس إليه حتى مات فوجد به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا حفص بن سليمان عن كثير بن شنظير عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرىّ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى على ابنه ابراهيم وكبّر عليه أربعا قال ورشّ الماء على قبره كما حدثنا ابن بكير. وحدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا قريش ابن حيّان عن ثابت البنانىّ عن أنس بن مالك قال دخلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبى سيف قين كان بالمدينة وكان ظئر إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتاه بإبراهيم فشمّه ثم دخلنا عليه وهو فى الموت فذرفت عيناه فقال له ابن عوف وأنت يا رسول الله قال إنها رحمة وأتبعها بالأخرى تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما لا يرضى ربّنا. وحدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم حدثنا مسلم بن خالد الزنجى عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء ابنة يزيد أنها حدثته قالت لما توفّى إبراهيم بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أبو بكر وعمر أنت أحقّ من علم الله حقّه قال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ولو لا أنه وعد صادق وموعد (٤) جامع وأن الآخر منّا يتبع الأوّل لوجدنا عليك يا إبراهيم أشدّ ممّا وجدنا وإنا بك لمحزونون.

حدثنا على بن معبد حدثنا عيسى بن يونس عن محمد بن أبى ليلى عن عطاء ابن أبى رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيد عبد الرحمن بن

__________________

(١) ج : «حين».

(٢) د : «نشهد».

(٣) د : «منامك».

(٤) ج «وموعود».

٧١

عوف فانطلق به إلى النخل الذي فيه ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه فوضعه فى حجره ثم بكى فقال له عبد الرحمن تبكى! أو لم تكن نهيت عن البكاء قال : لا ولكنى نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش وجوه وشقّ جيوب ورنّة شيطان ، وصوت عند نغمة لهو ومزامير شيطان وهذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم ولو لا أنه أمر حق ووعد صدق (١) وأنها سبيل مأتيّة لحزنّا عليك حزنا هو أشدّ (٢) من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الربّ.

حدثنا النضر بن سلمة ، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن السامىّ (٣) حدثنا حاتم (٤) ابن إسماعيل حدثنا أسامة بن زيد عن المنذر بن عبيد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أمّه سيرين أخت مارية قالت : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجة فى القبر يعنى قبر إبراهيم فأمر بها فسدت فقيل يا رسول الله فقال : أما إنما لا تضرّ ولا تنفع ولكن تقرّ بعين الحىّ وإن العبد إذا عمل عملا أحبّ الله أن يتقنه.

حدثنا دحيم حدثنا مروان بن معاوية عن إسرائيل عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال : كسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان (٥) لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فعليكم بالدعاء حتى ينكشفا.

قال ولما ولدت أمّ إبراهيم كما حدثنا القعنبىّ عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله ابن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما ولدت مارية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتقها ولدها وكان سنّ إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم مات كما حدثنا على بن معبد (٦) عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن رجل قد سمّاه عن البراء بن عازب ستّة عشر شهرا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن له ظئرا فى الجنّة يتمّ رضاعه. وحدثنا يزيد بن أبى سلمة عن

__________________

(١) د : «صادق».

(٢) د : «أثبت».

(٣) السامى : تحرفت فى طبعة عامر إلى «السلمى».

(٤) فى طبعة عامر «هاشم» تحريف.

(٥) ج : «لا ينكسفان».

(٦) فى طبعة عامر «سعيد» تحريف.

٧٢

عبد الرحمن بن زياد حدثنا الحجاج بن أرطأة عن أبى بكر بن عمرو عن يزيد بن البراء عن أبيه قال : لما توفّى إبراهيم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن له مرضعا فى الجنّة يتمّ بقيّة رضاعه.

ثم رجع إلى حديث يزيد بن أبى حبيب قال وكانت البلغة والحمار أحبّ دوابّه إليه وسمّى البغلة دلدل وسمى الحمار يعفور وأعجبه العسل فدعا فى عسل بنها بالبركة وبقيت تلك الثياب حتى كفن فى بعضها صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

حدثنا محمد بن عبد الجبّار حدثنا موسى بن داود عن سلّام عن عبد لملك بن عبد الرحمن عن الحسن العرنى عن أشعث بن طليق عن مرّة بن المطلب أو الطيّب عن عبد الله بن مسعود. وحدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا القاسم بن عبد الله عن عبيد الله بن عمر عن الثقة عن ابن مسعود قال قلنا يا رسول الله فيم نكفنك؟ قال : فى ثيابى هذه أو فى ثياب مصر. قال محمد بن عبد الجبار فى حديثه أو فى ثياب مصر أو فى حلّة قال أحدهما أو فى يمنة.

قال ابن أبى مريم قال ابن لهيعة وكان اسم أخت مارية قيصرا. (١) ويقال بل كان اسمها سيرين (٢).

وحدثنا عبد الملك بن مسلمة حدثنا ابن لهيعة عن الأعرج قال بعث المقوقس صاحب الإسكندرية بمارية وأختها حنّة فأسكنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى صدقته فى بنى قريظة.

وحدثنا هانئ بن المتوكّل حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب وابن هبيرة أن الحسن بن علىّ كلّم معاوية بن أبى سفيان فى أن يضع الجزية عن جميع قرية أمّ إبراهيم لحرمتها ففعل ووضع الخراج عنهم فلم يكن على أحد منهم خراج وكان جميع أهل القرية من أهلها وأقربائها فانقطعوا إلا بيتا واحدا قد بقى منهم أناس.

حدثنا عبد الملك بن [مسلمة حدثنا إسماعيل بن (٣)] عيّاش عن أبى بكر بن أبى

__________________

(١) ج : «قنصرا».

(٢) أ ، ك : «شيرين».

(٣) ساقط من طبعة عامر ، وتصحف فيه عياش إلى عباس.

٧٣

مريم عن راشد بن سعد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لو بقى إبراهيم ما تركت قبطيّا إلّا وضعت عنه الجزية وكانت وفاة مارية فى المحرّم سنة خمس عشرة ودفنت بالبقيع وصلىّ عليها عمر بن الخطاب. وكان الرسول بها من قبل المقوقس كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، ابن جبر.

ثم إن أبا بكر الصدّيق بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علىّ بن رباح اللخمىّ بعث حاطبا إلى المقوقس بمصر فمرّ على ناحية قرى الشرقية (١) فهادنهم وأعطوه فلم يزالوا على ذلك حتى دخلها عمرو بن العاص فقاتلوه فانتقض ذلك العهد. قال عبد الملك وهى أوّل هدنة كانت بمصر.

(٢) قال ابن هشام : اسم أبى بلتعة عمرو وحاطب لخمى (٣) وفى ذلك يقول حسان ابن ثابت كما حدثنا وثيمة بن موسى :

قل لرسل النّبيّ صاح الى النا

س شجاع ودحية بن خليفه

ولعمرو وحاطب وسليط

ولعمرو وذاك رأس الصحيفه

فى أبيات ذكر فيها رسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الملوك.

ذكر سبب دخول عمرو بن العاص مصر

قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح قال فلما كانت سنة ثمانى عشرة وقدم عمر الجابية خلا به عمرو بن العاص فاستأذنه فى المسير إلى مصر ، وكان عمرو قد دخل مصر فى الجاهليّة وعرف طرقها ورأى كثرة ما فيها ، وكان سبب دخول عمرو إياها كما حدثنا يحيى بن خالد العدوىّ عن ابن لهيعة ويحيى بن أيوب (٣) عن خالد بن يزيد أنه بلغه أن عمرا قدم إلى بيت المقدس لتجارة فى نفر من قريش فإذا هم بشمّاس من شمامسة الروم من أهل الإسكندرية قدم للصلاة فى بيت المقدس ، فخرج فى بعض

__________________

(١) ج : «شرقية».

(٢ ـ ٢) راجع ابن هشام ق ١ ص ٦٨٠.

(٣) من هنا إلى قوله «وتأثلته» فى الصفحات التالية قارن بالسيوطى ج ١ ص ٩٤ ـ ٩٦.

٧٤

جبالها يسيح (١) ، وكان عمرو يرعى إبله وإبل أصحابه ، وكانت رعية الإبل نوبا بينهم. فبينا عمرو يرعى إبله إذ مرّ به ذلك الشمّاس وقد أصابه عطش شديد فى يوم شديد الحرّ ، فوقف على عمرو فاستسقاه فسقاه عمرو من قربة له ، فشرب حتى روى ونام الشمّاس مكانه. وكانت إلى جنب الشمّاس حيث نام حفرة فخرجت منها حيّة عظيمة ، فبصر بها عمرو فنزع لها بسهم (٢) فقتلها ، فلما استيقظ الشماس نظر إلى حيّة عظيمة قد أنجاه الله منها. فقال : لعمرو : ما هذه؟ فأخبره عمرو أنه رماها فقتلها. فأقبل إلى عمرو فقبل رأسه وقال : قد أحيانى (٣) الله بك مرّتين ، مرّة من شدّة العطش ، ومرّة من هذه (٤) الحيّة. فما أقدمك هذه البلاد؟ قال : قدمت مع أصحاب لى نطلب الفضل فى تجارتنا. فقال له الشمّاس : وكم تراك ترجو أن تصيب فى تجارتك؟ قال : رجائى أن أصيب ما أشترى به بعيرا ، فإنى لا أملك إلّا بعيرين ، فأملى أن أصيب بعيرا آخر فتكون ثلاثة أبعرة.

فقال له الشمّاس : أرأيت دية أحدكم بينكم كم هى؟ قال : مائة من الإبل. قال له الشمّاس : لسنا أصحاب إبل إنما نحن أصحاب دنانير قال يكون ألف دينار فقال له الشمّاس : إنى رجل غريب فى هذه البلاد وإنما قدمت أصلّى فى كنيسة بيت المقدس وأسيح فى هذه الجبال (٥) شهرا جعلت ذلك نذرا على نفسى وقد قضيت ذلك وأنا أريد الرجوع إلى بلادى فهل لك أن تتبعنى إلى بلادى ولك عهد الله وميثاقه أن أعطيك ديتين لأن الله تعالى أحيانى بك مرّتين فقال له عمرو أين بلادك؟ قال : مصر فى مدينة يقال لها الإسكندرية فقال له عمرو لا أعرفها ولم أدخلها قطّ فقال له الشمّاس لو دخلتها لعلمت أنك لم تدخل قطّ مثلها فقال عمرو وتفى لى بما تقول وعليك بذلك العهد والميثاق؟ فقال له الشمّاس نعم لك الله علىّ بالعهد والميثاق أن أفى لك وأن أردّك إلى أصحابك فقال عمرو وكم يكون مكثى فى ذلك؟ قال شهرا تنطلق معى ذاهبا عشرا وتقيم عندنا عشرا وترجع فى عشر ولك علىّ أن أحفظك ذاهبا وأن أبعث معك من يحفظك راجعا فقال له عمرو أنظرنى حتى أشاور أصحابى فى ذلك فانطلق عمرو إلى

__________________

(١) ج : «شيخ».

(٢) د : «سهما».

(٣) ج : «أنجانى».

(٤) ج : «شدة».

(٥) ج : «البلاد».

٧٥

أصحابه فأخبرهم بما عاهده عليه الشمّاس وقال لهم تقيموا علىّ حتى أرجع إليكم ولكم علىّ العهد أن أعطيكم شطر ذلك على أن يصحبنى رجل منكم آنس به فقالوا نعم وبعثوا معه رجلا منهم ، فانطلق عمرو وصاحبه مع الشمّاس إلى مصر حتى انتهى إلى الإسكندرية ، فرأى عمرو من عمارتها وكثرة أهلها وما بها من الأموال والخير ما أعجبه ، وقال ما رأيت مثل مصر قطّ وكثرة ما فيها من الأموال ونظر إلى الإسكندرية وعمارتها وجودة بنائها وكثرة أهلها وما بها من الأموال فازداد عجبا. ووافق دخول عمرو الإسكندرية عيدا فيها عظيما يجتمع فيه ملوكهم وأشرافهم ولهم أكرة من ذهب مكلّلة يترامى بها ملوكهم وهم يتلقّونها بأكمامهم. وفيما اختبروا من تلك الأكرة على ما وضعها من مضى منهم أنها من وقعت الأكرة فى كمّه واستقرّت فيه لم يمت حتى يملكهم. فلما قدم عمرو الإسكندرية أكرمه الشمّاس الإكرام كلّه وكساه ثوب ديباج ألبسه إيّاه وجلس عمرو والشمّاس مع الناس. فى ذلك المجلس حيث يترامون بالأكرة وهم يتلقّونها بأكمامهم فرمى بها رجل منهم فأقبلت تهوى حتى وقعت فى كمّ عمرو فعجبوا من ذلك وقالوا ما كذبتنا هذه الأكرة قط إلّا هذه المرّة. أترى هذا الأعرابىّ يملكنا هذا ما لا يكون أبدا! وان ذلك الشمّاس مشى فى أهل الإسكندرية وأعلمهم أن عمرا أحياه مرّتين وأنه قد ضمن له ألفى دينار وسألهم أن يجمعوا ذلك له فيما بينهم ففعلوا ودفعوها إلى عمرو فانطلق عمرو وصاحبه وبعث معهما الشماس دليلا ورسولا وزودّهما وأكرمهما حتى رجع وصاحبه إلى أصحابهما ، فبذلك عرف عمرو مدخل مصر ومخرجها ورأى منها ما علم أنها أفضل البلاد وأكثره مالا. فلما رجع عمرو إلى أصحابه دفع إليهم فيما بينهم ألف دينار وأمسك لنفسه ألفا قال عمرو فكان أوّل مال اعتقدته وتأثّلته.

ذكر فتح مصر

حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، وعيّاش ابن عبّاس القتبانىّ وغيرهما ، يزيد بعضهم على بعض ، قال : (١) فلما قدم عمر بن الخطاب

__________________

(* ـ *) قارن بابن سعيد فى المغرب ص ١٩ ـ ٢٠.

٧٦

الجابية (١) قام إليه عمرو فخلا به وقال يا أمير المؤمنين ائذن (٢) لى أن أسير إلى مصر وحرّضه عليها وقال إنك إن فتحتها كانت قوّة للمسلمين وعونا لهم ، وهى أكثر الأرض أموالا وأعجزها عن القتال والحرب ، فتخّوف عمر بن الخطّاب على المسلمين ، وكره ذلك ، فلم يزل عمرو يعظّم أمرها عند عمر بن الخطّاب ويخبره بحالها ويهوّن عليه فتحها حتى ركن (٣) لذلك عمر ، فعقد له على أربعة آلاف رجل كلهم من عكّ. ويقال بل ثلاثة آلاف وخمسمائة.

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عمرو بن العاص دخل مصر بثلاثة آلاف وخمسمائة.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب مثله ، إلّا أنه قال : ثلثهم غافق.

قال ثم رجع إلى حديث عثمان (٤) قال : فقال له عمر : سر وأنا مستخير الله فى مسيرك ، وسيأتيك كتابى سريعا إن شاء الله ، فإن أدركك كتابى آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف ، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابى فامض لوجهك ، واستعن بالله واستنصره.

فسار عمرو بن العاص من جوف الليل ولم يشعر به أحد من الناس ، واستخار عمر الله فكأنه تخوّف على المسلمين فى وجههم ذلك ، فكتب إلى عمرو بن العاص أن ينصرف بمن معه من المسلمين ، فأدرك الكتاب عمرا وهو برفح ، فتخوّف عمرو بن العاص إن هو أخذ الكتاب وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر ، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه وسار كما هو حتى نزل قرية فيما بين رفح والعريش ، فسأل

__________________

(١) فى هامش أ : «اختلف فى قدوم عمر بن الخطاب الجابية ، فقيل : إنه فتح بيت المقدس فى سنة ست عشرة ، وفيها قدم الجابية ، وقيل بل عام بعد فتح المقدس حتى أتى الجابية فى سنة ثمان عشرة بعد عوده من سرغ فى سنة سبع عشرة ، وقال البخارى : إن عمر قدم الجابية سنة ثمان عشرة ، والتحقيق أن عمر قدم الشام أربع مرات ؛ مرتين فى سنة ست عشرة ، ومرتين فى سنة سبع عشرة ، لم يدخلها فى الأولى».

(٢) ب : «أتأذن».

(٣) ب : «أركن».

(٤) ج : «عثمان وغيره».

٧٧

عنها فقيل إنها من مصر (١) ، فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين ، فقال عمرو لمن معه : ألستم تعلمون أن هذه القرية من مصر؟ قالوا : بلى ، قال : فإنّ (٢) أمير المؤمنين عهد إلىّ وأمرنى إن لحقنى كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع ، ولم يلحقنى كتابه حتى دخلنا أرض مصر ، فسيروا وامضوا على بركة الله (٣).

ويقال بل كان عمرو بفلسطين ، فتقدّم بأصحابه إلى مصر بغير إذن فكتب فيه إلى عمر ، فكتب إليه عمر وهو دون العريش ، فحبس الكتاب فلم يقرأه حتى بلغ العريش فقرأه ، فإذا فيه : من عمر بن الخطّاب إلى العاص بن العاص ، أمّا بعد ، فإنك سرت إلى مصر ومن (٤) معك ، وبها جموع الروم ، وإنما معك نفر يسير ، ولعمرى لو كانوا ثكل أمّك ما سرت بهم ، فإن لم تكن بلغت مصر فارجع. فقال عمرو : الحمد لله ، أيّة أرض هذه؟ قالوا : من مصر ، فتقدّم كما هو*). حدثنا ذلك عثمان بن صالح عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب.

ويقال بل كان عمرو فى جنده على قيساريّة مع من كان بها من أجناد المسلمين ، وعمر بن الخطّاب إذ ذاك بالجابية ، فكتب سرّا ، فاستأذن إلى مصر ، وأمر أصحابه فتنحّوا كالقوم الذين يريدون أن يتنحّوا من منزل إلى منزل قريب ، ثم سار بهم ليلا ، فلما فقده أمراء الأجناد استنكروا الذي فعل ، ورأوا أن قد غرر ، فرفعوا ذلك إلى عمر ابن الخطّاب ، فكتب إليه عمر : إلى العاص بن العاص ، أما بعد ، فإنك قد غررت بمن معك ، فإن أدركك كتابى ولم تدخل مصر فارجع ، وإن أدركك وقد دخلت (٥) فامض واعلم أنى ممدّك. فيما حدثنا عبد الله بن مسلمة ، ويحيى بن خلد ، عن الليث بن سعد.

قال ويقال : إن عمر بن الخطّاب كتب إلى عمرو بن العاص بعد ما فتح الشام : أن اندب الناس إلى المسير معك إلى مصر ، فمن خفّ معك فسر به وبعث به مع شريك بن عبدة ، فندبهم عمرو فأسرعوا إلى الخروج مع عمرو ، ثم إن عثمان بن عفان دخل على

__________________

(١) ب : «فقيل هى من أرض مصر».

(٢) د : «إن».

(٣) ب : «بركة الله وعونه».

(٤) ب : «بمن».

(٥) ج : «وقد دخلتها». د : «وقد دخلت مصر».

٧٨

عمر بن الخطّاب ، فقال عمر : كتبت إلى (١) عمرو بن العاص يسير إلى مصر من الشام ، فقال عثمان : يا أمير المؤمنينّ ، إن عمرا لمجرّأ ، وفيه إقدام وحب للإمارة ، فأخشى أن يخرج فى غير ثقة ولا جماعة ، فيعرّض المسلمين للهلكة رجاء فرصة لا يدرى (٢) تكون أم لا ، فندم عمر بن الخطاب على كتابه إلى عمرو إشفاقا ممّا قال عثمان ، فكتب إليه إن أدركك كتابى قبل أن تدخل مصر فارجع إلى موضعك ، وإن كنت دخلت فامض لوجهك.

(*) وكانت صفة عمرو بن العاص كما حدثنا سعيد بن عفير ، عن الليث بن سعد ، قصيرا عظيم الهامة ، ناتئ الجبهة ، واسع الفم ، عظيم اللحية ، عريض ما بين المنكبين ، عظيم الكفّين والقدمين. قال الليث يملأ هذا المسجد.

قال فلمّا بلغ المقوقس قدوم عمرو بن العاص إلى مصر ، توجّه إلى الفسطاط فكان يجهّز على عمرو الجيوش ، وكان على القصر رجل من الروم يقال له الأعيرج (٣) واليا عليه ، وكان (٤) تحت يدى المقوقس ، وأقبل عمرو حتى إذا كان بجبل الحلال نفرت معه راشدة وقبائل من لخم ، فتوجّه عمرو حتى إذا كان بالعريش أدركه النحر.

فحدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : فضحّى عمرو عن أصحابه يومئذ بكبش.

وكان رجل ممّن كان خرج مع عمرو بن العاص حين خرج من الشام إلى مصر كما حدثنا هانئ بن المتوكل ، عن أبى شريح عبد الرحمن بن شريح ، عن عبد الكريم بن الحارث أصيب بجمل له ، فأتى إلى عمرو يستحمله ، فقال له عمرو : تحمّل مع أصحابك حتى نبلغ (٥) أوائل العامر ، فلما بلغوا العريش جاءه فأمر له بجملين (٦) ، ثم قال له : لن تزالوا بخير ما رحمتكم أئمّتكم ، فإذا لم يرحموكم هلكتم وهلكوا.

__________________

(١) ج : «كتب إلىّ».

(٢) ج : «لا تدرى».

(* ـ *) قارن بابن سعيد فى المغرب ص ٢٠ ـ ٢١.

(٣) ج : «الأعرج».

(٤) ج : «وكانت».

(٥) ج ، د ، ك : «تبلغ».

(٦) أ ، د ، ك : «بحملان».

٧٩

قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح ، قال : فتقدّم (١) عمرو بن العاص فكان أول موضع قوتل فيه الفرما ، قاتلته الروم قتالا شديدا نحوا من شهر ، ثم فتح الله على يديه.

وكان عبد الله بن سعد ، كما حدثنا سعيد بن عفير على ميمنة عمرو بن العاص منذ توجّه من قيساريّة إلى أن فرغ من حربه.

وقال غير ابن عفير من مشايخ أهل مصر : وكان بالإسكندرية أسقف للقبط يقال له أبو بنيامين فلما بلغه قدوم عمرو بن العاص إلى مصر ، كتب إلى القبط يعلّمهم أنه لا تكون للروم دولة وأن ملكهم قد انقطع ، ويأمرهم بتلقّى عمرو. فيقال إن القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو أعوانا.

قال عثمان فى حديثه ثم توجّه عمرو لا يدافع الا بالأمر الخفيف ، حتى نزل القواصر*).

فحدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عبد الرحمن بن شريح ، أنه سمع شراحيل بن يزيد ، يحدّث عن أبى الحسين ، أنه سمع رجلا من لخم يحدث كريب بن أبرهة ، قال : كنت أرعى غنما لأهلى (٢) بالقواصر ، فنزل عمرو ومن معه فدنوت إلى أقرب (٣) منازلهم ، فإذا بنفر من القبط كنت قريبا منهم فقال بعضهم لبعض : ألا تعجبون من هؤلاء القوم يقدمون على جموع الروم ، وإنما هم فى قلّة من الناس ، فأجابه رجل آخر منهم ، فقال : إنّ هؤلاء القوم لا يتوجّهون إلى أحد إلا ظهروا عليه ، حتى يقتلوا خيرهم ، قال فقمت إليه فأخذت بتلابيبه فقلت : أنت تقول هذا. انطلق معى إلى عمرو بن العاص حتى يسمع الذي قلت فطلب إلىّ أصحابه وغيرهم حتى خلّصوه ، فرددت الغنم إلى منزلى ، ثم جئت حتى دخلت فى القوم.

قال عثمان فى حديثه فيقدم (٤) عمرو لا يدافع إلّا بالأمر الخفيف حتى أتى بلبيس ، فقاتلوه به نحوا من شهر حتى فتح الله عليه ، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر

__________________

(١) ب : «فقدم».

(٢) ج : «لأهل».

(٣) ب ، د : «قرب».

(٤) ك : «فتقدم».

٨٠