فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

قال : ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره ، قال : فأقام فرعون ملك مصر خمسمائة سنة حتى أغرقه الله تعالى.

حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا خلّاد بن سليمان الحضرمىّ ، قال : سمعت أبا الأشرس يقول : مكث فرعون أربعمائة سنة ، الشباب يغدو عليه ويروح.

حدثنا أبى ، حدثنا خلّاد بن سليمان ، قال : سمعت إبراهيم بن مقسم ، قال : مكث فرعون أربعمائة سنة لم تصدّع (١) له رأس ، وكان يملك فيما يذكر ما بين مصر إلى إفريقية.

وكان يقعد على كراسى فرعون ، كما حدثنا أسد ، عن خالد ، عن الكلبىّ عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس ، مائتان عليهم الديباج وأساور الذهب.

وقد كان استعمل هامان على الناس ، فقال : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ)(٢) يعنى أنّ من كلّ سماء إلى سماء سبب ، وشغل الله فرعون بالآيات التى جاء بها موسى عليه‌السلام ولم يبن له هامان الصرح.

ذكر حمل عظام يوسف إلى الشام

قال : وفى زمانه حملت عظام يوسف عليه‌السلام من مصر إلى الشأم ، وكان سبب حمله فيما حدثنا محمد بن أسعد التغلبىّ ، عن أبى الأحوص ، عن سماك بن حرب ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أقبل وهو قافل من الشام ومعه زيد بن حارثة ، فمر ببيت شعر فرد وقد أمسى فدنا من البيت ، فقال : السلام عليكم فردّ ربّ البيت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ضيف. قال : انزل فبات فى قرّى ، فلمّا أصبح وأراد الرحيل قال الشيخ : أصيبوا من بقيّة قراكم ، فأصابوا ثم ارتحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما ظهر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفتح الله عليه ، جاء الشيخ على راحلته حتى أناخ بباب المسجد ثم دخل فجعل يتصفّح وجوه الرجال ، فقالوا له : هذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما حاجتك؟ قال : والله ما أدرى ، إلّا أنه نزل بى رجل فأكرمت قراه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وإنك لفلان؟ قال : نعم. قال : فكيف أمّ فلان؟ قال : بخير. قال : فكيف حالكم؟ قال : بخير ، وقد كان

__________________

(١) ج ، د «يصدع».

(٢) سورة غافر ٣٦ ، ٣٧.

٤١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له حين ارتحل من عنده : إذا سمعت بنبىّ قد ظهر بتهامة فأته فإنك تصيب منه خيرا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تمنّ ما شئت فإنك لن تتمنّى اليوم شيئا إلّا أعطيتكه قال فإنى أسألك ضأنا ثمانين ، قال : فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : يا عبد الرحمن بن عوف ، قم فأوفها إيّاه ، ثم أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أصحابه فقال : ما كان أحوج هذا الشيخ إلى أن يكون مثل عجوز موسى ، قال : قلنا يا رسول الله ، وما عجوز موسى؟ قال : بنت يوسف عمرت حتى صارت عجوزا كبيرة ذاهبة البصر ، فلمّا أسرى موسى ببنى إسرائيل غشيتهم ضبابة حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروه ، وقيل لموسى لن تعبر إلّا ومعك عظام يوسف ، قال : ومن يدرى أين موضعها ، قالوا : ابنته عجوز كبيرة ذاهبة البصر تركناها فى الديار ، قال : فرجع موسى ، فلمّا سمعت حسّه قالت : موسى ، قال موسى قالت : ما ردّك ، قال : أمرت أن أحمل عظام يوسف ، قالت : ما كنتم لتعبروا إلا وأنا معكم ، قال : دلّينى على عظام يوسف ، قالت : لا أفعل إلّا أن (١) تعطينى ما سألتك قال : فلك ما سألت ، قالت : خذ بيدى ، فأخذ بيدها فانتهت به إلى عمود على شاطئ النيل فى أصله سكّة من حديد موتّدة فيها سلسلة ، فقالت : إنا كنّا دفنّاه من ذلك الجانب فأخصب ذلك الجانب وأجدب ذا الجانب ، فحوّلناه الى هذا الجانب فأخصب هذا الجانب وأجدب ذاك (٢) ، فلما رأينا ذلك ، جمعنا عظامه فجعلناها فى صندوق من حديد وألقيناها فى وسط النيل ، فأخصب الجانبان جميعا قال : فحمل الصندوق على رقبته وأخذ بيدها فألحقها بالعسكر ، وقال لها : سلى ما شئت ، قالت : فإنى أسأل أن أكون أنا وأنت فى درجة واحدة فى الجنّة ، ويردّ علىّ بصرى وشبابى حتّى أكون شابّة كما كنت ، قال : فلك ذلك.

حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح عن ابن عبّاس ، قال : كان يوسف عليه‌السلام قد عهد عند موته أن يخرجوا بعظامه معهم من مصر ، قال : فتجهّز القوم وخرجوا فتحيّروا ، فقال لهم موسى : إنما تحيّركم هذا من أجل عظام يوسف ، فمن يدلّنى عليها؟ فقالت عجوز يقال لها سارح ابنة آشر بن يعقوب : أنا رأيت عمّى ـ تعنى يوسف حين دفن ـ فما تجعل لى إن دللتك عليه؟ قال : حكمك ،

__________________

(١) «إلا أن» بدلا منها فى ج ، د «حتى».

(٢) د «ذلك الجانب الآخر».

٤٢

قال : فدلّته عليها فأخذ عظام يوسف ثم قال : احتكمى ، قالت أكون معك حيث كنت فى الجنّة.

حدثنا عثمان بن صالح ، أخبرنى ابن لهيعة عمن حدّثه قال : قبر يوسف عليه‌السلام بمصر فأقام بها نحوا من ثلاثمائة سنة ، ثم حمل إلى بيت المقدس.

ذكر خروج بنى إسرائيل من مصر

قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره ، قال : ثم غرّق الله فرعون وجنوده فى اليمّ حين أتبع بنى إسرائيل وغرّق معه من أشراف أهل مصر وأكابرهم ووجوههم أكثر من ألفى ألف.

قال وكان سبب إتباع فرعون بنى إسرائيل كما حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد ابن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس ، أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى عليه‌السلام أن أسر بعبادى ، قال : وكان بنو إسرائيل استعاروا من قوم فرعون حليا وثيابا ، وقالوا : إن لنا عيدا نخرج إليه ، فخرج بهم موسى ليلا وهم ستّمائة ألف وثلاثة آلاف ونيّف ليس فيهم ابن ستّين ولا ابن عشرين سنة ، فذلك قول فرعون (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ)(١).

حدثنا أسد ، حدثنا المسعودىّ ، عن أبى إسحاق ، عن أبى عبيدة ، قال : خرجوا من مصر وهم ستّمائة ألف وسبعون ألفا ، فقال فرعون : إن هؤلاء لشرذمة قليلون.

قال : ثم رجع إلى حديث أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس ، قال : وخرج فرعون ومعه خمسمائة ألف سوى المجنّبتين والقلب.

قال خالد : وحدثنا أبو سعيد ، عن عكرمة قال : لم يخرج فرعون من زاد على الأربعين ولا دون العشرين ، فذلك قول الله عزوجل : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ)(٢) يعنى استخف قومه فى طلب موسى.

__________________

(١) سورة الشعراء ٥٤ ، ٥٥.

(٢) سورة الزخرف ٢٤.

٤٣

قال : وكان بنو إسرائيل كما حدثنا عبد الله بن صالح ، عن موسى بن علىّ ، عن أبيه ، إنّ بنى إسرائيل كانوا الربع من آل فرعون.

حدثنا أسد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : خرج موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببنى إسرائيل فلما أصبح فرعون أمر بشاة فأتى بها فأمر بها تذبح ثم قال : لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع عندى خمسمائة ألف من القبط فاجتمعوا إليه ، فقال لهم فرعون : إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون ، وكان أصحاب موسى عليه‌السلام ستّمائة ألف وسبعين الفا.

قال فسلك موسى وأصحابه طريقا يابسا فى البحر فلما خرج آخر أصحاب موسى وتكامل آخر أصحاب فرعون. اضطرم عليهم البحر فما رئى سواد أكثر (١) من يومئذ ، وغرق فرعون فنبذ على ساحل البحر حتى ينظروا اليه.

حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال : لما انتهى موسى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه فمشى على الماء وأقحم غيره خيولهم فرسبوا فى الماء ، وخرج فرعون فى طلبهم حين أصبح وبعد ما طلعت الشمس ، فذلك قوله عزوجل (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)(٢) فدعا موسى عليه‌السلام ربّه عزوجل ، فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه وقيل له (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) ففعل (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)(٣) يعنى الجبل ، فانفلق فيه اثنا عشر طريقا ، فقالوا : إنّا نخاف أن توحّل فيه الخيل ، فدعا موسى ربّه فهبّت عليهم الصبا فجفّ ، فقالوا : إنّا نخاف أن يغرق منّا ولا نشعر ، فقال بعصاه فثقب الماء ، فجعل بينهم كوّى حتى يرى بعضهم بعضا ثم دخلوا حتى جاوزوا البحر ، وأقبل فرعون حتى انتهى إلى الموضع الذي عبر منه موسى وطرقه على حالها ، فقال له أدلاؤه : إنّ موسى قد سحر البحر حتى صار كما ترى ، وهو قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً)(٤) يعنى كما هو.

__________________

(١) د «أكبر».

(٢) سورة الشعراء ٦١.

(٣) سورة الشعراء ٦٣.

(٤) سورة الدخان ٢٤.

٤٤

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن علىّ بن أبى طلحة ، عن ابن عبّاس فى قوله : رهوا قال : سمتا.

(١) حدثنا حفص بن عمر العدنىّ ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : طريقا (٢).

حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى صخر عن محمد بن كعب القرظىّ ، قال : طريقا مفتوحا.

حدثنا أبو سهل أحمد بن عبد الرحيم ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا إسرائيل ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد ، قال : مفتوحا.

وحدّثنا عن سعيد بن أبى عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : سهلا دمثا.

قال وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرهو ، السهل.

ثم رجع إلى حديث أسد ، عن خالد بن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس ، فخذ هاهنا حتى نلحقهم (٢) ، وهو مسيرة ثلاثة أيام فى البرّ وكان فرعون يومئذ على حصان ، وأقبل جبريل عليه‌السلام على فرس أنثى فى ثلاثة وثلاثين من الملائكة فتفرقّوا فى الناس ، وتقدّم جبريل عليه‌السلام فسار بين يدى فرعون وتبعه فرعون وصاحت الملائكة فى الناس ، الحقوا الملك ، حتى إذا دخل آخرهم ولم يخرج أوّلهم التقى البحر عليهم فغرقوا ، فسمع بنو إسرائيل وجبة حين التقى فقالوا : ما هذا؟ قال موسى : غرق فرعون وأصحابه ، فرجعوا ينظرون فألقاهم البحر على الساحل.

حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا الحسن بن بلال ، عن حمّاد بن سلمة ، عن علىّ بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عبّاس ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لما أغرق (٣) الله آل فرعون ، قال فرعون : آمنت بالذى آمنت به بنو اسرائيل ، قال جبريل : يا محمد ، لو رأيتنى وأنا آخذ من حال البحر فأدسّه فى فى فرعون مخافة أن تدركه الرحمة.

حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا أبو علىّ ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن

__________________

(١ ـ ١) ساقط من طبعة عامر.

(٢) د «تلحقهم».

(٣) أ«غرق».

٤٥

السائب ، عن مجاهد ، قال : كان جبريل بين بنى إسرائيل وبين آل فرعون ، فجعل يقول لبنى إسرائيل : ليلحق آخركم بأوّلكم ، ويستقبل آل فرعون فيقول : رويدكم ليلحقكم آخركم ، فقالت بنو إسرائيل : ما رأينا سائقا (١) أحسن سياقا (٢) من هذا. وقال آل فرعون : ما رأينا وازعا أحسن زعة من هذا ، فلما انتهى موسى وبنو إسرائيل إلى البحر ، قال مؤمن آل فرعون : يا نبىّ الله ، أين أمرت ، هذا البحر أمامك وقد غشينا آل فرعون ، فقال : أمرت بالبحر ، فأقحم مؤمن آل فرعون فرسه فردّه التيّار فقال : يا نبىّ الله ، أين أمرت؟ فقال : بالبحر ، قال : فأقحم أيضا فرسه فردّه التيّار ، فجعل موسى عليه‌السلام لا يدرى كيف يصنع ، وكان الله عزوجل قد أوحى إلى البحر أن أطع موسى ، وآية (٣) ذاك إذا ضربك بعصاه.

قال ثم رجع إلى حديث أسد ، عن خالد ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس ، قال : وخرج فرعون ومقدّمته خمسمائة ألف سوى المجنّبتين والقلب.

(*) قال خالد : وحدثنا أبو سعيد ، عن عكرمة قال : لم يخرج مع فرعون من زاد على أربعين سنة ومن دون العشرين ، وذاك قوله تبارك وتعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ)(٤) يعنى استخفّ قومه فى طلب موسى.

قال : وحدثنا أسد عن إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : خرج موسى ببنى إسرائيل ، فلما أصبح فرعون أمر بشاة فأتى بها فأمر بها تذبح ، ثم قال : لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع عندى خمسمائة ألف فارس من القبط فاجتمعوا إليه ، فقال لهم فرعون : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)(٥) وكان أصحاب موسى ستّمائة ألف وسبعين ألفا. قال : فسلك موسى وأصحابه طريقا يابسا فى البحر ، فلما خرج آخر أصحاب موسى وتكامل آخر أصحاب فرعون اضطرم عليهم البحر ، فما رئى سواد أكثر من يومئذ. قال : وغرق فرعون فنبذ على ساحل البحر حتى نظروا اليه (*).

__________________

(١) ج «سابقا» وفى د «سياقا».

(٢) ج «سبقا».

(٣) د «وأنه».

(* ـ *) ساقط من د ، وطبعة عامر.

(٤) سورة الزخرف ٥٤.

(٥) سورة الشعراء ٥٤.

٤٦

ويقال أن موسى عليه‌السلام قتل عوجا بمصر.

حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا أبو إسحاق ، قال زهير : أراه عن نوف ، قال : كان طول سرير عوج الذي قتله موسى ثمانمائة ذراع وعرضه أربعمائة ، وكانت عصا موسى عليه‌السلام عشرة أذرع ، ووثبته حين وثب إليه عشرة أذرع ، وطول موسى كذا وكذا ، فضربه فأصاب كعبه ، فخرّ على نيل مصر ، فجسّره للناس عاما يمرّون على صلبه وأضلاعه.

ذكر الملكة دلوكة

قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره ، قال : فبقيت مصر بعد غرقهم ليس فيها من أشراف أهلها أحد ، ولم يبق بها الّا العبيد والأجراء والنساء ، فأعظم أشراف من بمصر من النساء أن يولّين منهم أحدا ، وأجمع (١) رأيهنّ أن يولّين امرأة منهنّ يقال لها دلوكة بنت زبّاء ، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب ، وكانت فى شرف منهنّ وموضع ، وهى يومئذ بنت مائة سنة وستّين سنة ، فملّكوها ، فخافت أن يتناولها ملوك الأرض فجمعت نساء الأشراف ، فقالت لهنّ : إنّ بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد ، ولا يمدّ عينه إليها ، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا ، وذهب السحرة الذين كنّا نقوى بهم ، وقد رأيت أن أبنى حصنا أحدق به جميع بلادنا ، فأضع (٢) عليه المحارس من كلّ ناحية ، فإنّا لا نأمن أن يطمع فينا الناس ، فبنت جدارا أحاطت به على جميع أرض مصر كلّها المزارع والمدائن والقرى ، وجعلت دونه خليجا يجرى فيه الماء ، وأقامت القناطر والترع ، وجعلت فيه محارس ومسالح على كلّ ثلاثة أميال محرس ومسلحة ، وفيما بين ذلك محارس صغار على كلّ ميل ، وجعلت فى كلّ محرس رجالا ، وأجرت عليهم الأرزاق ، وأمرتهم أن يحرسوا (٣) بالأجراس ، فإذا أتاهم أحد يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض بالأجراس ، فأتاهم الخبر من أىّ وجه كان فى ساعة واحدة ، فنظروا فى ذلك فمنعت بذلك مصر ممّن أرادها.

__________________

(١) ب «وأجمعن».

(٢) ب «وأصنع».

(٣) د «يجرسوا».

٤٧

قال عثمان : وفرغت من بنائه فى ستّة أشهر ، وهو الجدار الذي يقال له جدار العجوز بمصر ، وقد بقيت بالصعيد منه (بقايا كثيرة (١)).

ذكر عمل البرابى

قال عثمان بن صالح فى حديثه : (٢) وكان ثمّ عجوز ساحرة ، يقال لها تدورة وكانت السحرة تعظمها وتقدّمها فى علمهم وسحرهم ، فبعثت إليها دلوكة ابنة زبّا : إنّا قد احتجنا إلى سحرك ، وفزعنا إليك ، ولا نأمن أن يطمع فينا الملوك ، فاعملى لنا شيئا نغلب به من حولنا ، فقد كان فرعون يحتاج إليك ، فكيف وقد ذهب أكابرنا وبقى أقلّنا. فعملت بربى من حجارة فى وسط مدينة منف ، وجعلت له أربعة أبواب كلّ باب منها إلى جهة القبلة ، والبحر والغرب والشرق ، وصوّرت فيه صور الخيل والبغال والحمير والسفن والرجال ، وقالت لهم : قد عملت لكم عملا يهلك به كلّ من أرادكم من كلّ جهة تؤتون منها برّا أو بحرا ، وهذا ما يغنيكم عن الحصن ويقطع عنكم مئونته ، فمن أتاكم من أىّ جهة ، فإنّهم إن كانوا فى البرّ على خيل أو بغال أو إبل أو فى سفن أو رجّالة تحرّكت هذه الصور من جهتهم التى يأتون منها فما فعلتم بالصور من شىء أصابهم ذلك فى أنفسهم على ما تفعلون بهم. فلما بلغ الملوك حولهم أنّ أمرهم قد صار إلى ولاية النساء ، طمعوا فيهم ، وتوجّهوا إليهم ، فلما دنوا من عمل مصر ، تحرّكت تلك الصور التى فى البربى فطفقوا لا يهيّجون تلك الصور بشىء ولا يفعلون بها شيئا إلّا أصاب ذلك الجيش الذي أقبل إليهم مثله ، إن كانت خيلا فما فعلوا بتلك الخيل المصوّرة فى البربى من قطع رءوسها أو سوقها أو فقء أعينها ، أو بقر بطونها أثر مثل ذلك بالخيل التى أرادتهم. وإن كانت سفنا أو رجّالة فكمثل ذلك ، وكانوا أعلم الناس بالسحر وأقواهم عليه ، وانتشر ذلك فتناذرهم الناس (٣).

ذكر ملوك مصر بعد العجوز دلوكة

(*) وكان نساء أهل مصر حين غرق من غرق منهم مع فرعون من أشرافهم ولم

__________________

(١) ب «بقية كبيرة».

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٧ ـ ٤٨.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٨ ـ ٤٩.

٤٨

يبق إلّا العبيد والأجراء لم يصبرن عن الرجال فطفقت المرأة تعتق عبدها وتتزوّجه ، وتتزوّج الأخرى أجيرها ، وشرطن على الرجال ألا يفعلوا شيئا إلّا بإذنهنّ فأجابوهنّ إلى ذلك ؛ فكان أمر النساء على الرجال.

قال عثمان : فحدّثنى ابن لهعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن القبط على ذلك إلى اليوم ، اتّباعا لمن مضى منهم ؛ لا يبيع أحدهم ولا يشترى إلّا قال : أستأمر امرأتى. فملكتهم دلوكة بنت زبّا عشرين سنة تدبّر أمرهم بمصر ، حتى بلغ صبىّ من أبناء أكابرهم وأشرافهم يقال له دركون بن بلوطس ، فملّكوه عليهم ، فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحوا من أربعمائة سنة.

قال ثم مات دركون بن بلوطس ، فاستخلف ابنه بودس بن دركون ، ثم توفّى بودس بن دركون ، فاستخلف أخاه لقاس بن تدارس ، فلم يمكث إلّا ثلاث سنين حتى مات ، ولم يترك ولدا فاستخلف أخاه مرينا بن مرينوس.

قال ثم توفّى مرينا بن مرينوس ، فاستخلف استمارس بن مرينا ، فطغى وتكبّر وسفك الدم ، وأظهر الفاحشة ، فأعظموا ذلك ، وأجمعوا على خلعه فخلعوه ، وقتلوه وبايعوا رجلا من أشرافهم يقال له بلوطس بن مناكيل ، فملكهم أربعين سنة ، ثم توفّى بلوطس بن مناكيل ، فاستخلف ابنه مالوس بن بلوطس.

ثم توفّى مالوس بن بلوطس ، فاستخلف أخاه مناكيل بن بلوطس بن مناكيل فملكهم زمانا ثم توفّى ، فاستخلف ابنه بولة بن مناكيل ، فملكهم مائة سنة وعشرين ، وهو الأعرج الذي سبى ملك بيت المقدس ، وقدم به إلى مصر ، وكان بولة قد تمكّن فى البلاد ، وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد ممّن كان قبله بعد فرعون ، وطغى فقتله الله تعالى ، صرعته دابّته ، فدقّت عنقه فمات.

حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، حدثنا الكلاعىّ ، عن تبيع ، عن كعب ، قال : لمّا مات سليمان بن داود عليه‌السلام ملك بعده مرحب عمّ سليمان فسار إليه ملك مصر ، فقاتله ، وأصاب الأترسة الذهب التى عملها سليمان عليه‌السلام ، فذهب بها*).

وأخبرنى شيخ من أهل مصر من أهل العلم أن المخلوع الذي خلعه أهل مصر إنما

٤٩

هو بولة ، وذلك أنه دعا الوزراء ومن كانت الملوك قبله تجرى عليهم (١) الأرزاق والجوائز ، فكأنّه استكثر ذلك ، فقال لهم : إنى أريد أن أسألكم عن أشياء فإن أخبرتمونى بها زدت فى أرزاقكم ورفعت من أقداركم ، وإن أنتم لم تخبرونى بها ضربت أعناقكم ، فقالوا له : سلنا عمّ شئت ، فقال لهم : أخبرونى ما يفعل الله تبارك وتعالى فى كلّ يوم ، وكم عدد نجوم السماء وكم مقدار ما تستحقّ الشمس فى كلّ يوم على ابن آدم ، فاستأجلوه فأجّلهم فى ذلك شهرا ، فكانوا يخرجون فى كلّ يوم إلى خارج مدينة منف فيقفون فى ظلّ قرموس يتباحثون ما هم فيه ثم يرجعون وصاحب القرموس ينظر اليهم ، فأتاهم ذات يوم فسألهم عن أمرهم فأخبروه ، فقال لهم : عندى علم ما تريدون إلّا أن لى قرموسا لا أستطيع أن اعطّله ، فليقعد رجل منكم مكانى يعمل فيه وأعطونى دابّة كدوابّكم وألبسونى ثيابا كثيابكم ففعلوا وكان فى المدينة ابن لبعض ملوكهم قد ساءت حالته فأتاه القرموسىّ فسأله القيام بملك أبيه وطلبه فقال : ليس يخرج هذا يريد الملك من مدينة منف ، فقال : أنا أخرجه لك ، وجمع له مالا ، ثم أقبل القرموسىّ حتى دخل على بولة ، فأخبره أن عنده علم ما سأل عنه ، فقال له : أخبرنى كم عدد نجوم السماء؟ فأخرج القرموسىّ جرابا (٢) من رمل (٣) كان معه فنثره بين يديه ، وقال له : مثل عدد هذا ، قال : وما يدريك؟ قال : مر من يعدّه ، قال : فكم مقدار ما تستحقّ الشمس كلّ يوم على ابن آدم؟ قال : قيراطا ، لأنّ العامل يعمل يومه إلى الليل فيأخذ ذلك فى أجرته ، قال : فما يفعل الله عزوجل كلّ يوم؟ قال له : أريك ذلك غدا ، فخرج معه حتى أوقفه على أحد وزرائه الذي أقعده القرموسىّ مكانه ، فقال له : يفعل الله عزوجل كلّ يوم أن يذلّ قوما ويعزّ قوما ويميت قوما ، ومن ذلك أن هذا وزير من وزرائك قاعد يعمل على قرموس ، وأنا صاحب قرموس على دابّة من دوابّ الملوك ، وعلىّ لباس من لباسهم أو كما قال له ، وأنّ فلان بن فلان قد أغلق عليك مدينة منف ، فرجع مبادرا فإذا مدينة منف قد أغلقت ، ووثبوا مع الغلام على بولة فخلعوه فوسوس فكان يقعد على باب مدينة منف يوسوس ويهذى فذلك قول القبط إذا كلّم أحدهم بما لا يريد قال : شجناك من بولة ، يريد بذلك الملك لوسوسته. والله أعلم.

__________________

(١) ب «عليه».

(٢) ج «جراجا».

(٣) أ ، د «الرمل».

٥٠

(١) قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال : ثم استخلف مرينوس بن بولة فملكهم زمانا ثم توفّى ، واستخلف ابنه قرقورة بن مرينوس ، فملكهم ستّين سنة ثم توفّى واستخلف أخاه لقاس بن مرينوس ؛ وكان كلّما انهدم من ذلك البربى الذي فيه الصور شىء لم يقدر أحد على إصلاحه إلّا تلك العجوز وولدها وولد ولدها وكانوا أهل بيت لا يعرف ذلك غيرهم فانقطع أهل ذلك البيت وانهدم من البربى موضع فى زمان لقاس بن مرينوس فلم يقدر أحد على إصلاحه ومعرفة علمه وبقى على حاله وانقطع ما كانوا يقهرون به الناس وبقوا كغيرهم إلّا أنّ الجمع كثير والمال عندهم.

ذكر دخول بخت نصّر مصر

قال ثم توفّى لقاس ، واستخلف ابنه قومس (٢) بن لقاس ، فملكهم دهرا. فلما قدم بخت نصّر بيت المقدس كما حدثنا وثيمة بن موسى وغيره وظهر على بنى إسرائيل وسباهم ، وخرج بهم إلى أرض بابل ، أقام إرميا بإيلياء وهى خراب ينوح عليها ويبكى ؛ فاجتمع إلى إرميا بقايا من بنى إسرائيل كانوا متفرقين حين بلغهم مقامه بإيلياء ، فقال لهم إرميا : أقيموا بنا فى أرضنا لنستغفر الله ، ونتوب إليه ، لعلّه يتوب علينا ، فقالوا : إنّا نخاف أن يسمع بنا بخت نصّر ، فيبعث إلينا ، ونحن شرذمة قليلون ؛ ولكنّا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به ، وندخل فى ذمّته ، فقال لهم إرميا : ذمّة الله عزوجل أوفى الذمم لكم ، ولا يسعكم أمان أحد من الأرض ، إن أخافكم فانطلق أولئك النفر من بنى إسرائيل إلى قومس بن لقاس واعتصموا به لما يعلمون من منعته ، وشكوا إليه شأنهم ، فقال : أنتم فى ذمّتى ، فأرسل إليه بخت نصّر إنّ لى قبلك عبيدا أبقوا منى ، فابعث بهم إلىّ. فكتب إليه قومس ما هم بعبيدك ؛ هم أهل النبوّة والكتاب وأبناء الأحرار ، اعتديت عليهم وظلمتهم (٣) ؛ فحلف بخت نصّر لئن لم يردّهم ليغزون (٤) بلاده ، وألحّا جميعا ، وأوحى الله إلى إرميا إنّى مظهر بخت نصّر على هذا الملك الذي اتّخذوه حرزا ، وإنهم لو أطاعوا

__________________

(١) من هنا إلى قوله : «فلم تزل مصر مقهورة من يومئذ» فى الصفحات التالية يقارن بما جاء فى السيوطى ج ١ ص ٤٩ ـ ٥١ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٢) د «قرمس».

(٣) وظلمتهم : (د) «ظلما».

(٤) أ«لنغزون».

٥١

أمرك ثم أطبقت عليهم السماء والأرض ، لجعلت لهم من بينهما مخرجا ، وإنى أقسم بعزّتى لأعلّمنّهم أنه ليس لهم محيص (١) ولا ملجأ إلّا طاعتى واتّباع أمرى ، فلما سمع بذلك إرميا رحمهم ، وبادر إليهم فقال : إن لم تطيعونى أسركم بخت نصّر وقتلكم ، وآية ذلك أنى رأيت موضع سريره الذي يضعه بعد ما يظفر بمصر ويملكها. ثم عمد فدفن أربعة أحجار فى الموضع الذي يضع فيه بخت نصّر سريره ، وقال : يقع كلّ قائمة من سريره على حجر منها ، فلجّوا فى رأيهم ، فسار بخت نصّر إلى قومس بن لقاس ملك مصر فقاتله سنة ، ثم ظفر بخت نصّر ، فقتل قومس وسبى جميع أهل مصر ، وقتل من قتل. فلما أراد قتل من أسر منهم وضع له سريره فى الموضع الذي وصف إرميا ووقعت كلّ قائمة من سريره على حجر من تلك الحجارة التى دفن ؛ فلما أتى بالأسارى ، أتى معهم إرميا. فقال له بخت نصّر : ألا أراك مع أعدائى بعد أن أمنتك وأكرمتك! فقال له إرميا : إنّما جئتهم محذّرا ، وأخبرتهم خبرك ، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك ، وأريتهم موضعه ؛ قال بخت نصّر : وما مصداق ذلك قال إرميا ارفع سريرك فإنّ تحت كلّ قائمة منه حجرا دفنته ، فلما رفع سريره وجد مصداق ذلك ، فقال لأرميا لو أعلم أن فيهم خيرا لوهبتهم لك. فقتلهم وأخرب مدائن مصر وقراها ، وسبى جميع أهلها ، ولم يترك بها أحدا حتى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها ساكن ؛ يجرى نيلها ، ويذهب لا ينتفع به. فأقام إرميا بمصر واتّخذ بها جنينة وزرعا (٢) يعيش به. فأوحى إليه : إنّ لك عن الزرع والمقام بمصر شغلا ، فكيف تسعك أرض وأنت تعلم سخطى على قومك ، فالحق بإيليا حتى يبلغ كتابى أجله. فخرج منها أرميا حتى أتى بيت المقدس ، ثم إن بخت نصّر ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة ، فعمروها ، فلم تزل مصر مقهورة من يومئذ.

وحدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم وأبو الأسود ، قالا : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى قبيل عن عبد الرحمن بن غنم الأشعرىّ ، أنه قدم من الشأم إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له عبد الله بن عمرو ، ما أقدمك إلى بلادنا؟ قال : أنت ، قال : لماذا؟ قال : كنت تحدّثنا أن مصر أسرع الأرضين خرابا ، ثم أراك قد اتّخذت فيها الرباع وبنيت فيها

__________________

(١) تحرفت فى طبعة عامر إلى «قميص».

(٢) ج «وزرعها».

٥٢

القصور واطمأننت فيها ، فقال : إن مصر قد أوفت خرابها حطمها (١) بخت نصّر فلم يدع فيها الّا السباع والضباع ، وقد مضى خرابها ، فهى اليوم أطيب الأرضين ترابا وأبعده خرابا ، ولن تزال فيها بركة ما دام فى شىء من الأرضين بركة.

(*) وحدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنى الليث بن سعد ، عن أبى قبيل نحوه قال : فزعم بعض مشايخ أهل مصر أن الذي كان يعمل به بمصر على عهد ملوكها ، أنهم كانوا يقرّون القرى فى أيدى أهلها ، كلّ قرية بكراء معلوم ، لا ينقض عليهم إلّا فى كلّ أربع سنين من أجل الظمأ وتنقّل اليسار ؛ فإذا مضت أربع سنين نقض (٢) ذلك ، وعدّل تعديلا جديدا ، فيرفق بمن استحقّ (٣) الرفق ، ويزاد على من يحتمل (٤) الزيادة ، ولا يحمّل عليهم من ذلك ما يشقّ عليهم ؛ فإذا جبى الخراج وجمع ، كان للملك من ذلك الربع خالصا لنفسه يصنع به (٥) ما يريد ، والربع الثانى لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوّه ، والربع الثالث فى مصلحة الأرض وما يحتاج إليه من جسورها وحفر خلجها ، وبناء قناطرها ؛ والقوّة للمزارعين على زرعهم ، وعمارة أرضهم ، والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كلّ قرية من خراجها فيدفن ذلك فيها لنائبة تنزل ، أو جائحة بأهل القرية ؛ فكانوا على ذلك. وهذا الربع الذي يدفن فى كلّ قرية من خراجها ، هى كنوز فرعون التى تتحدّث الناس بها أنها ستظهر ، فيطلبها الذين يتبعون الكنوز (*).

وحدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى قبيل قال : (*) خرج وردان من عند مسلمة بن مخلّد وهو أمير على مصر ـ فمرّ على عبد الله بن عمرو مستعجلا ، فناداه : أين تريد يا أبا عبيد؟ قال : أرسلنى الأمير مسلمة أن آتى منف فأحفر له عن كنز فرعون. قال : فارجع إليه ، وأقرئه منّى السلام وقل له : إن كنز فرعون ليس لك ولا لأصحابك ، إنما هو للحبشة ، إنهم يأتون فى سفنهم يريدون الفسطاط ،

__________________

(١) ب «خربها» وفى د «حطها».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) أ ، ج «نقص».

(٣) ب ، د «يستحق».

(٤) ب «يستحق».

(٥) ب «فيه».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٥.

٥٣

فيسيرون حتى ينزلوا منف ، فيظهر لهم كنز فرعون ، فيأخذون منه ما يشاءون ، فيقولون : ما نبتغى غنيمة أفضل من هذه ، فيرجعون ، ويخرج المسلمون فى آثارهم فيدركونهم فيقتتلون فتهزم الحبش فيقتلهم المسلمون ويأسرونهم ؛ حتى إن الحبشىّ ليباع بالكساء*).

ذكر ظهور الروم وفارس على مصر

قال ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره ، قال : (١) ثم ظهرت الروم وفارس على سائر الملوك الذين فى وسط الأرض ، فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين يحاصرونهم ، وصابروهم القتال فى البرّ والبحر ، فلما رأى ذلك أهل مصر صالحوا الروم ، على أن يدفعوا إليهم شيئا مسمّى فى كلّ عام ، على أن يمنعوهم ويكونوا فى ذمّتهم. ثم ظهرت فارس على الروم ، فلما غلبوهم على الشام ، رغبوا فى مصر ، وطمعوا فيها ، فامتنع أهل مصر ، وأعانتهم الروم ، وقامت دونهم ، وألحّت عليهم فارس ، فلما خشوا ظهورهم عليهم صالحوا فارس ، على أن يكون ما صالحوا به الروم بين الروم وفارس ، فرضيت الروم بذلك حين خافت ظهور فارس عليها فكان ذلك الصلح على أهل مصر. وأقامت مصر بين الروم وفارس نصفين سبع سنين ، ثم استجاشت الروم ، وتظاهرت على فارس ، وألحّت بالقتال والمدد ، حتى ظهروا عليهم وخربوا مصانعهم (١) أجمع ، وديارهم التى بالشام ومصر ، وكان ذلك فى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقبل وفاته ، وبعد ظهور الإسلام ، فصارت الشام كلّها وصلح أهل مصر كلّه خالصا للروم ، ليس لفارس فى شىء من الشام ومصر شىء (*).

وحدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث بن سعد ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب قال : كان المشركون يجادلون المسلمين بمكّة فيقولون : الروم أهل كتاب وقد غلبتهم المجوس وأنتم تزعمون إنكم ستغلبون بالكتاب الذي معكم الذي أنزل على نبيّكم فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم فأنزل الله تبارك وتعالى (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ

__________________

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٥١.

(١) مصانعهم : د «مصانعتهم».

٥٤

وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ، بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١) قال ابن شهاب : وأخبرنى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه قال : لمّا أنزلت هاتان الآيتان ناحب أبو بكر بعض المشركين قبل أن يحرّم القمار على شىء إن لم تغلب الروم فارس فى سبع سنين فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لم فعلت؟ فكلّ ما دون العشر بضع ، فكان ظهور فارس على الروم فى سبع سنين ، ثم أظهر الله الروم على فارس زمان الحديبية ففرح المسلمون (٢) بنصر أهل الكتاب.

قال غير عثمان بن صالح ، عن الليث بن سعد (٣) وكانت الفرس قد أسّست بناء الحصن الذي يقال له باب اليون وهو الحصن الذي بفسطاط مصر اليوم فلما انكشفت جموع فارس عن الروم وأخرجتهم الروم من الشام ، أتمّت الروم بناء ذلك الحصن وأقامت به ، فلم تزل مصر فى ملك الروم حتى فتحها الله تعالى على المسلمين (٤).

وحدثنا سعيد بن تليد ، عن ابن وهب ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : يقال فارس والروم قريش العجم.

ذكر انكشاف فارس عن الروم

قال : وكان سبب انكشاف فارس عن الروم كما حدثنا عبد الله بن صالح عن الهقل بن زياد ، عن معاوية بن يحيى الصدفّى ، قال : حدثنى الزهرىّ ، قال : حدثنى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن ابن عبّاس أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه يسأل الهرمزان عظيم الأهواز عن الذي كان سبب انكشاف فارس عنهم ، فقال له الهرمزان : كان كسرى بعث شهربراز وبعث معه جنود فارس قبل الشام ومصر ، وخرّب عامّة حصون الروم وطال زمانه بالشام ومصر وتلك الأرض ، فطفق كسرى يستبطئه ويكتب إليه : إنك لو أردت أن تفتح مدينة الروم فتحتها ، ولكنك قد رضيت بمكانك وأردت طول الاستيطان (٤).

__________________

(١) سورة الروم ١ ـ ٥.

(٢) ب ، د «المؤمنون».

(٣ ـ ٣) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٥١.

(٤) أ ، ج ، د : «السلطان».

٥٥

وكتب إلى عظيم من عظماء فارس مع شهربراز يأمره أن يقتل شهربراز ويتولّى أمر الجنود ، فكتب إليه ذلك العظيم يذكر أن شهربراز جاهد (١) ناصح ، وأنه أبلى (٢) بالحرب منه.

قال : فكتب إليه كسرى يعزم عليه ليقتلنّه ، فكتب إليه أيضا يراجعه ويقول : إنه ليس لك عبد مثل شهربراز وأنك لو تعلم ما يدارى من مكايدة (٣) الروم عذرته.

فكتب إليه كسرى يعزم عليه ليقتلنّه وليتولّى أمر الجنود ، فكتب إليه أيضا يراجعه ، فغضب كسرى ، وكتب إلى شهربراز يعزم عليه ليقتلنّ ذلك العظيم فأرسل شهربراز إلى ذلك العظيم من فارس ، فأقرأه كتاب كسرى فقال له : راجع فىّ قال : قد علمت أن كسرى لا يراجع ، وقد علمت حسن صحابتى إيّاك ولكن جاءنى ما لا أستطيع تركه ، فقال له ذلك الرجل : ولا آتى أهلى ، فآمر فيهم بأمرى ، وأعهد إليهم عهدى؟ قال : بلى ، وذلك الذي أملك لك ، فانطلق حتى أتى أهله ، فأخذ صحائف كسرى الثلاث التى كتب إليه (٤) ، فجعلها فى كمّه ، ثم جاء حتى دخل على شهربراز ، فدفع إليه الصحيفة الأوّلة فقرأها شهربراز ، فقال له : أنت خير منّى ثم دفع إليه الصحيفة الثانية فاقترأها فنزل عن مجلسه ، وقال له : اجلس عليه ، فأبى أن يفعل ، فدفع إليه الصحيفة الثالثة ، فقرأها ، فلم يفرغ شهربراز من قراءتها حتى قال : أقسم بالله لأسوءنّ كسرى ، وأجمع المكر بكسرى. وكاتب هرقل ، فذكر له أن كسرى قد أفسد ، وجهّز بعوثا وابتليت بطول ملكه ، وسأله أن يلقاه بمكان نصف يحكمان الأمر فيه ، ويتعاهدان فيه ، ثم يكشف عنه جنود فارس ، ويخلّى بينه وبين المسّير إلى كسرى. فلما جاء هرقل كتاب شهربراز ، دعا رهطا من عظماء الروم فقال لهم : اجلسوا أنا اليوم أحزم الناس ، أو أعجز الناس ، قد أتانى ما لا تحسبونه وسأعرضه (٥) عليكم ، فأشيروا علىّ فيه. ثم قرأ عليهم كتاب شهربراز ، فاختلفوا عليه فى الرأى ، فقال بعضهم : هذا مكر من قبل كسرى. وقال بعضهم : أراد هذا العبد أن يلقاك ، وخاف من كسرى فيستغيث ، ثم (٦) لا يبالى ما لقى.

__________________

(١) ج : «مجاهد».

(٢) ب : «ابتلى».

(٣) أ ، ج ، ك : «مكابدة».

(٤) د : «كتبت».

(٥) ب : «تحتسبونه وسأعرض».

(٦) د : «بمن».

٥٦

قال هرقل : إنّ هذا الرأى ليس حيث ذهبتم إليه ، إنه ما طابت نفس كسرى أن يشتم هذا الشتم الذي أجد فى كتاب شهربراز ، وما كان شهربراز ليكتبه (١) إلىّ بهذا وهو ظاهر على عامّة ملكى إلّا من أمر حدث بينه وبين كسرى ، وإنى والله لألقينّه.

فكتب إليه هرقل ، قد بلغنى كتابك ، وفهمت الذي ذكرت ، وإنى لاقيك فموعدك بموضع كذا وكذا فاخرج معك بأربعة آلاف من أصحابى ، فإنى خارج بمثلهم ، فإذا بلغت موضع كذا وكذا فضع ممن معك خمسمائة ، فإنى سأضع بمكان كذا وكذا ، مثلهم ، ثم ضع بمكان كذا وكذا مثلهم حتى نلتقى أنا وأنت فى خمسمائة خمسمائة.

وبعث هرقل الرسل من عنده إلى شهربراز ، إن تمّ له يرسل إليه ، وإن أبى ذلك عجلوا إليه فى كتاب ، فرأى رأيه ففعل ذلك.

وسار هرقل فى أربعة آلاف التى خرج فيها ، لا يضع منهم أحدا حتى التقيا بالموضع ، ومع هرقل أربعة آلاف ومع شهربراز خمسمائة ، فلما رآهم شهربراز أرسل إلى هرقل ، أغدرت؟ فأرسل إليه هرقل ، لم أغدر ، ولكنى خفت الغدر من قبلك وأمر (٢) هرقل بقبّة من ديباج ، فضربت له بين الصفّين ، فنزل هرقل فدخلها ، ودخل بترجمان معه.

وأقبل شهربراز حتى دخل عليه ، فانتجى بينهما الترجمان حتى أحكما أمرهما واستوثق أحدهما من صاحبه بالعهود والمواثيق حتى فرغا من أمرهما.

فخرج هرقل وأشار إلى شهربراز بأن يقتل الترجمان لكى يخفى له السرّ فقتله شهربراز ، ثم انكشف شهربراز ، فجيّش الجيوش ، وسار هرقل إلى كسرى حتى أغار عليه ومن بقى معه ، فكان ذلك أوّل هلكة كسرى ، ووفى هرقل لشهربراز بما أعطاه من ترك أرض فارس ، وانكشف حين أفسد أرض فارس على كسرى ، فقتلت فارس كسرى ولحق شهربراز بفارس والجنود (٣).

__________________

(١) ب : ليكتب».

(٢) ب : «وأمرهم».

(٣) بفارس والجنود : د ، ك «والجنود بأرض فارس».

٥٧

ذكر بناء الاسكندريّة

قال فوجّه هرقل ملك الروم كما حدثنى شيخ من أهل مصر المقوقس أميرا على مصر ، وجعل إليه حربها وجباية خراجها ، فنزل الإسكندريّة.

وكان الذي بنى الإسكندريّة وأسّس بناءها ذو القرنين الرومىّ ، واسمه الإسكندر ، وبه سمّيت الإسكندريّة ، وهو أوّل من عمل الوشى ، وكان أبوه أوّل القياصرة.

حدثنا عبد الملك بن هشام ، قال : اسمه الإسكندر (١).

حدثنا وثيمة بن موسى ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، قال : الإسكندر هو ذو القرنين.

حدثنا عبد الملك بن هشام ، عن زياد بن عبد الله ، عن محمد بن إسحاق حدثنى من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه ، أنه رجل من أهل مصر اسمه مرزبّا بن مرزبة اليونانىّ ، من ولد يونان بن يافث بن نوح عليه‌السلام (٢).

قال : وحدثنى شيخ من أهل مصر ، قال : كان من أهل لوبية ، كورة من كور مصر الغربيّة : قال ابن لهيعة : وأهلها روم. ويقال بل هو رجل من حمير ، قال تبّع :

قد كان ذو القرنين جدّى مسلما

ملكا تدين له الملوك وتحشد

بلغ المغارب والمشارق (٣) يبتغى

أسباب علم من حكيم (٤) مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها

فى عين ذى خلب وثأط حرمد

ويروى قد كان ذو القرنين قبلى مسلما.

وحدثنى عثمان بن صالح ، حدثنى عبد الله بن وهب ، عن عبد الرحمن بن زياد ابن أنعم ، عن سعد بن مسعود التجيبيّ ، عن شيخين من قومه ، قالا : كنّا بالإسكندريّة فاستطلنا يومنا ، فقلنا لو انطلقنا إلى عقبة بن عامر نتحدّث عنده ، فانطلقنا إليه ، فوجدناه

__________________

(١) ابن هشام ق ١ ص ٣٠٧.

(٢) ابن هشام ق ١ ص ٣٠٧.

(٣) ب ، د : «المشارق والمغارب».

(٤) د : «حليم».

٥٨

جالسا فى داره فأخبرناه أنّا استطلنا يومنا ، فقال : وأنا مثل ذلك ، إنما خرجت حين استطلته ، ثم أقبل علينا فقال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخدمه ، فإذا أنا برجال من أهل الكتاب معهم مصاحف أو كتب ، فقالوا : استأذن لنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فانصرفت إليه ، فأخبرته بمكانهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما لى ولهم ، يسألوننى عمّا (١) لا أدرى ، إنما أنا عبد لا علم لى إلّا ما علّمنى ربّى. ثم قال أبلغنى وضوءا فتوضّأ ، ثم قام إلى مسجد بيته ، فركع ركعتين ، فلم ينصرف حتى عرفت السرور فى وجهه والبشر ، ثم انصرف ، فقال : أدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابى فادخله قال فأدخلتهم (٢) ، فلما دفعوا إلى رسول الله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لهم : إن شئتم أخبرتكم عمّا (٤) أردتم أن تسألونى قبل أن تتكلّموا ، وإن أحببتم تكلّمتم وأخبرتكم! قالوا : بل أخبرنا قبل أن نتكلّم ، قال : جئتم تسألوننى عن ذى القرنين ، وسأخبركم كما (٥) تجدونه مكتوبا عندكم ؛ إن أوّل أمره أنه غلام من الروم ، أعطى ملكا ، فسار حتى أتى ساحل البحر من أرض مصر ، فابتنى عنده مدينة يقال لها الإسكندريّة فلما فرغ من بنائه أتاه ملك ، فعرج به حتى استقلّه فرفعه ، فقال : انظر ما تحتك فقال : أرى مدينتى ، وأرى مدائن معها ، ثم عرج به ، فقال : انظر ، فقال : قد اختلطت مدينتى مع المدائن فلا أعرفها.

ثم زاد فقال : انظر فقال : أرى مدينتى وحدها ولا أرى غيرها ، قال له الملك : إنما تلك الأرض كلّها والذي ترى يحيط بها هو البحر ، وإنّما أراد ربّك أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطانا فيها ، وسوف تعلّم الجاهل وتثبّت العالم ، فسار حتى بلغ مغرب الشمس ، ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس ، ثم أتى السدّين وهما جبلان ليّنان يزلق عنهما كلّ شىء ، فبنى السدّ ، ثم أجاز يأجوج ومأجوج ، فوجد قوما وجوههم وجوه الكلاب ، يقاتلون يأجوج ومأجوج ، ثم قطعهم فوجد أمّة قصارا يقاتلون القوم الذين وجوههم وجوه الكلاب ، ووجد أمّة من الغرانيق يقاتلون القوم القصار ، ثم مضى فوجد

__________________

(١) ج : «عن من».

(٢) ج : «فأدخلهم».

(٣) فلما دفعوا إلى رسول الله : تحرفت فى طبعة عامر إلى «فلما دفعوا رسول الله».

(٤) ج : «على ما».

(٥) د : «عما».

٥٩

أمّة من الحيّات تلتقم الحيّة منها الصخرة (١) العظيمة ، ثم أفضى إلى البحر المدير (٢) بالأرض. فقالوا نشهد أن أمره هكذا كما ذكرت ، وانّا نجده هكذا فى كتابنا.

(٣) وحدثنا عبد الملك بن هشام ، حدثنا زياد بن عبد الله البكّائى ، عن محمد بن اسحاق ، حدثنى ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان الكلاعىّ ـ وكان رجلا قد أدرك ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سئل عن ذى القرنين ، فقال : ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب.

قال خالد : وسمع عمر بن الخطّاب رضى الله عنه رجلا يقول : يا ذا القرنين ، فقال عمر اللهم غفرا ، أما رضيتم أن تسمّوا بالأنبياء حتى تسمّيتم بالملائكة (٤).

حدثنا وثيمة بن موسى عمّن أخبره ، عن سعيد بن أبى عروبة ، عن قتادة عن الحسن ، قال : كان ذو القرنين ملكا وكان رجلا صالحا.

قال : وإنما سمّى ذا القرنين كما حدثنا وثيمة (٤) ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبى حسين ، عن أبى الطفيل ، أن عليّا رضى الله عنه سئل عن ذى القرنين فقال : لم يكن ملكا ولا نبيّا ، ولكن كان عبدا صالحا ، أحب الله فأحبّه الله ، ونصح لله (٥) فنصحه الله ، بعثه الله عزوجل إلى قومه فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله ، ثم بعثه الى قومه فضربوه على قرنه فمات ، فسمّى ذا القرنين.

قال عبد الرحمن (٦) : ويقال : إنما سمى ذا القرنين لأنه جاوز قرن الشمس من المغرب والمشرق (٧) ، ويقال إنما سمّى ذا القرنين ، لأنه كان له غديرتان من (٨) رأسه من شعر يطأ فيهما فيما ذكر إبراهيم بن المنذر ، عن عبد العزيز بن عمران عن خازم بن حسين ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن.

__________________

(١) ج : «الشجرة».

(٢) ج : «المديد».

(٣ ـ ٣) راجع ابن هشام ق ١ ص ٣٠٧.

(٤) وثيمة : تحرفت فى طبعة عامر إلى «وشيمة».

(٥) ج : «الله».

(٦) من ك.

(٧) ب : «إلى المشرق».

(٨) ب ، ج : «فى».

٦٠