فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، ويحيى بن عبد الله بن بكير ، عن ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، أن أبا سالم الجيشانىّ سفيان (١) بن هانئ ، أخبره أن بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخبره أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «إنكم ستكونون أجنادا وإن خير أجنادكم أهل الغرب منكم ، فاتّقوا الله فى القبط ، لا تأكلوهم أكل الخضر (٢)».

حدثنا أبى ، حدثنا إسماعيل بن عيّاش ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «استوصوا بالقبط خيرا ، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوّكم (٣).

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن الليث وابن لهيعة. قال عبد الملك : وأخبرنا ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوصى عند وفاته أن تخرج اليهود من جزيرة العرب وقال : الله

__________________

(١) تصحفت فى طبعة عامر إلى «سيفان».

(٢) أورده المقريزى فى الخطط ج ١ ص ٢٥ ، والسيوطى فى حسن المحاضرة ج ١ ص ١٢ ، مع اختلاف فى اللفظ. والمراد بالجند الغربى ، جند مصر. والخضر : النبات الغض.

هذا وقد اختلفت المصادر بخصوص لفظة «الخضر» حيث وردت فى طبعة تورى مضبوطة بالشكل بفتح الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة. وكذا فى حسن المحاضرة ج ١ ص ١٢ بتحقيق الأستاذ أبو الفضل ، وضبطها بالشكل هكذا أيضا. وكذا ضبطها نفس الضبط الأستاذ عبد المنعم عامر فى طبعته لفتوح مصر. وفسرها كل منهما فى الهامش بقوله : «الحضر : هو الذي يتحين طعام الناس حتى يحضره».

وقد علق الدكتور حسين نصار فى مجلة المجلة عدد ٨٠ ص ١٠١ على ما ذهب إليه الأستاذ عبد المنعم عامر بقوله : «كذلك وقع تصحيف فى المتن فى مواضع متعددة ، منها. جاء فى ص ٤ س ٥ فى الوصية بالقبط : لا تأكلوهم أكل الحضر ـ وفسر المحقق الحضر بأنه الذي يتحين طعام الناس حتى يحضره. ـ ثم قال الدكتور حسين نصار : وأرجح أن الصواب : لا تأكلوهم أكل الخضر ـ أى النبات الغض. وهو كما قال ، حيث توجد هذه الرواية «الخضر» فى إحدى النسخ التى اعتمدت عليها طبعة تورى. كذلك توجد هذه اللفظة «الخضر» مضبوطة بالشكل هكذا فى مخطوطة مكتبة الحرم المكى من كتاب فتوح مصر ورقة ٣. وبنفس الضبط (ضم الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة) ص ٤ من مخطوطة كتاب حسن المحاضرة عن مكتبة الزاوية الحمزاوية. كما وردت لفظة «الخضر» أيضا بمعجمتين فى الخطط ج ١ ص ٢٥.

(٣) السيوطى : حسن المحاضرة ج ١ ص ١٣.

٢١

الله فى قبط مصر. فإنكم ستظهرون عليهم ، ويكونون لكم عدّة وأعوانا فى سبيل الله (١).

قال : وحدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن (٢) موسى بن أيّوب الغافقىّ ، عن رجل من الزّبد (٢) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرض ، فأغمى عليه ثم أفاق ، فقال : «استوصوا بالأدم الجعد» ثم أغمى عليه الثانية ثم أفاق ، فقال مثل ذلك ، قال : ثم أغمى عليه الثالثة فقال مثل ذلك ، فقال القوم : لو سألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأدم الجعد! فأفاق ، فسألوه فقال : «قبط مصر ؛ فإنهم أخوال وأصهار ، وهم أعوانكم على عدوّكم ، وأعوانكم على دينكم» قالوا : كيف يكونون أعواننا على (٣) ديننا يا رسول الله؟ قال : «يكفونكم أعمال الدنيا وتتفرّغون للعبادة ؛ فالراضى بما يؤتى إليهم كالفاعل بهم ، والكاره لما (٤) يؤتى إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم (٥).

(٥) حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن أبى هانئ الخولانىّ ، عن أبى عبد الرحمن الحبلىّ وعمرو بن حريث وغيرهما ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إنكم ستقدمون على قوم جعد رءوسهم فاستوصوا بهم خيرا ، فإنهم قوّة لكم وبلاغ إلى عدوّكم باذن الله تعالى ـ يعنى قبط مصر (٥).

حدثنا أبو الأسود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى هانئ ، أنه سمع الحبلىّ وعمرو بن حريث يحدّثان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله.

(٦) حدثنا عبد الملك بن هشام ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، عن ابن لهيعة ، حدثنى عمر مولى غفرة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «الله الله فى أهل الذمّة ، أهل المدرة السوداء ، السحم الجعاد ، فإن لهم نسبا وصهرا (٦).

__________________

(١) أخرجه صاحب الكنز برقم ٣٤٠٢٣ عن الطبرانى.

(* ـ *) قارن بالسيوطى فى حسن المحاضرة ج ١ ص ١٣.

(٢) فى حسن المحاضرة «المربد».

(٣) د «فى».

(٤) ب «بما».

(٥ ـ ٥) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢.

(٦ ـ ٦) راجع ابن هشام السيرة ق ١ ص ٦.

٢٢

(١) قال عمر مولى غفرة : صهرهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسرّر فيهم ، ونسبهم أن أمّ إسماعيل النبي عليه الصلاة والسلام منهم (١).

قال ابن وهب : فأخبرنى ابن لهيعة أن (٢) أمّ إسماعيل هاجر من أمّ العرب قرية كانت أمام الفرما من مصر (٢).

حدثنا عثمان بن صالح أخبرنا مروان القصّاص ، قال (٣) صاهر إلى القبط من الأنبياء صلوات الله عليهم ثلاثة ، : إبراهيم خليل الرحمن ، عليه الصلاة والسلام تسرّر هاجر ، ويوسف عليه الصلاة والسلام تزوّج بنت صاحب عين شمس ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسرّر مارية.

حدثنا هانئ بن المتوكّل ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب أن قرية هاجر ياق التى عند أمّ دنين (٣).

ودفنت هاجر حين توفّيت كما حدثنا ابن هشام ، عن زياد بن عبد الله ، عن ابن إسحاق فى الحجر (٤).

قال ابن هشام تقول العرب هاجر وآجر ، فيبدلون الألف من الهاء ، كما قالوا : هراق الماء وأراق الماء ونحوه (٥).

ذكر بعض فضائل مصر

حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة ، وبكر بن عمرو

__________________

(١ ـ ١) راجع ابن هشام السيرة ق ١ ص ٦.

(٢ ـ ٢) هذه عبارة أ ، ج ، د ، ك. مع زيادة كلمة «كانت» بعد «هاجر» فى د. وضبط كلمة «قرية» ضبط قلم بكسرتين تحت التاء فى ك. وعبارة هذه النسخ توافق ما فى : ابن هشام ، السيرة ق ١ ص ٦ ، وابن الكندى : فضائل مصر ص ٢٦ وياقوت مادة «أم العرب» والخطط ج ١ ص ٢٥ ، وحسن المحاضرة (مخطوط) ورقة ٣. أما عبارة ب فهى «هاجر أم العرب من قرية كانت أمام الفرما من مصر». وهى تتفق مع عبارة كتاب التبيين فى أنساب القرشيين لابن قدامة المقدسى ص ٨٦. وكذا عبارة حسن المحاضرة المطبوع ج ١ ص ١٣.

(٣ ـ ٣) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٣ ـ ١٤.

(٤) ابن هشام ق ١ ص ٥.

(٥) ابن هشام ق ١ ص ٦.

٢٣

الخولانىّ ، يرفعان الحديث إلى عبد الله بن عمرو ، قال : (١) قبط مصر أكرم الأعاجم كلّها ، وأسمحهم يدا ، وأفضلهم عنصرا وأقربهم رحما بالعرب عامّة ، وبقريش خاصّة ، ومن أراد أن يذكر (٢) الفردوس ، أو (٣) ينظر إلى مثلها فى الدنيا ، فلينظر إلى أرض مصر حين تخضرّ زروعها (٤) وتنّور ثمارها (١).

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو المعافرىّ ، عن كعب الأحبار ، قال : من أراد أن ينظر إلى شبه الجنّة فلينظر إلى مصر إذا أخرفت ، وقال غير أبى الأسود : إلى أرض مصر إذا أزهرت (٥).

وقال غير ابن لهيعة : وكان منهم السحرة فآمنوا (٦) جميعا (٧) فى ساعة واحدة ، ولا نعلم (٨) جماعة أسلمت فى ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط.

قال : وكانوا كما حدثنا عثمان بن صالح ، عن ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة السبئىّ ويزيد بن أبى حبيب المالكىّ ، يزيد بعضهم على بعض فى الحديث ، اثنى عشر ساحرا رؤساء وتحت يدى (٩) كلّ ساحر (١٠) منهم عشرون عريفا ، تحت يدى كلّ عريف منهم ألف من السحرة ، فكان جميع السحرة مائتى ألف وأربعين ألفا ، ومائتين واثنين وخمسين إنسانا ، بالرؤساء والعرفاء. فلما عاينوا ما عاينوا ، أيقنوا أن ذلك من السماء ، وأن السحر لا يقوم لأمر الله ، فخرّ الرؤساء الاثنى عشر عند ذلك سجّدا فاتّبعهم العرفاء ، واتّبع العرفاء من (١١) بقى ، وقالوا : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ، رَبِّ مُوسى وَهارُونَ)(١٢).

__________________

(١ ـ ١) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٨.

(٢) ب «ينظر».

(٣) ب «و».

(٤) ج «تخضّر زرعها».

(٥) قارن السيوطى ج ١ ص ١٨.

(٦) ك «آمنوا».

(٧) ب «كلهم».

(٨) ب «يعلم».

(٩) ج «يد».

(١٠) ج «واحد».

(١١) ج «ما».

(١٢) سورة الأعراف ، ٢٢٢.

٢٤

(١) حدثنا هانئ بن المتوكّل حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب ، أن تبيعا قال : فكانوا من أصحاب موسى صلوات الله عليه (١) ولم يفتتن منهم أحد مع من افتتن من بنى إسرائيل فى عبادة العجل.

حدثنا هانئ بن المتوكل حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب أن تبيعا كان يقول : ما آمن جماعة قطّ فى ساعة واحدة ، مثل جماعة القبط.

حدثنا أبو صالح حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أنه بلغه أن كعب (٢) الأحبار كان يقول : مثل قبط مصر كالغيضة ، كلّما قطعت نبتت حتّى يخرّب الله بهم وبصناعتهم جزائر الروم (٢).

(٥) وكانت مصر كما حدثنا عبد الله بن صالح وعثمان بن صالح ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن عبد الرحمن بن شماسة المهرىّ ، عن أبى رهم السماعىّ قناطر وجسورا بتقدير وتدبير ، حتّى إنّ الماء ليجرى تحت منازلها وأقنيتها (٣) فيحبسونه كيف شاءوا ويرسلونه كيف شاءوا ؛ فذلك قول الله عزوجل فيما حكى من قول فرعون : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)(٤) ، ولم يكن فى الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر (٥).

(*) وكانت الجنّات بحافتى النيل من أوّله إلى آخره فى الجانبين جميعا ، ما بين أسوان إلى رشيد ، وسبعة خلج : خليج الإسكندرية ، وخليج سخا ، وخليج دمياط ، وخليج منف ، وخليج الفيّوم ، وخليج المنهى ، وخليج سردوس ؛ جنات متّصلة لا ينقطع منها شئ عن شىء ، والزرع (٥) ما بين الجبلين ، من أوّل مصر إلى آخرها ممّا يبلغه الماء ، وكان جميع أرض مصر كلهّا تروى من ستّة عشر ذراعا لما قدّروا ودبّروا من قناطرها وخلجها

__________________

(١ ـ ١) ساقط من طبعة عامر.

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٩.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٩.

(٣) كذا فى أ ، ب ، ج. وحسن المحاضرة المطبوعة. وفى د ، وفتوح مصر طبعة عامر «وأقبيتها». وفى ك والخطط وحسن المحاضرة (مخطوط) «وأفنيتها».

(٤) الزخرف : ٥١.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٩.

(٥) ب «والزروع».

٢٥

وجسورها ، فذلك قوله عزوجل : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ)(١).

قال : والمقام الكريم المنابر كان بها ألف منبر*).

قال : وأما خليج الفيّوم والمنهى فحفرهما (٢) يوسف ـ عليه‌السلام ـ وسأذكر كيف كان ذلك فى موضعه ، إن شاء الله.

وأمّا خليج سردوس فإن الذي حفره هامان.

حدثنا عبد الله بن صالح وعثمان بن صالح ، قالا : حدثنا ابن لهيعة ، عن يحيى بن ميمون الحضرمىّ ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، (٣) أنّ فرعون استعمل هامان على حفر خليج سردوس ، فلما ابتدأ حفرة أتاه أهل كلّ قرية يسألونه أن يجرى الخليج تحت قريتهم ، ويعطونه مالا ، قال : وكان يذهب به إلى هذه القرية من نحو المشرق ، ثم يردّه إلى قرية من نحو دبر القبلة ، ثم يردّه إلى قرية فى الغرب ، ثم يردّه إلى أهل قرية فى القبلة ، ويأخذ من أهل كلّ قرية مالا ، حتّى اجتمع له فى ذلك مائة ألف دينار ، فأتى بذلك يحمله إلى فرعون ، فسأله فرعون عن ذلك ، فأخبره بما فعل فى حفره ، فقال له فرعون : ويحك ، إنه ينبغى للسيّد أن يعطف على عباده (٤) ، ويفيض عليهم ولا يرغب فيما بأيديهم ، ردّ على أهل كلّ قرية ما أخذت ، منهم فردّه كلّه على أهله. قال : فلا يعلم بمصر خليج أكثر (٥) عطوفا منه لما فعل هامان فى حفره (٣).

وكان هامان كما حدثنا أسد ، عن خالد بن عبد الله ، عن محدّث حدّثه ، نبطيّا.

وكانت بحيرة الإسكندرية ـ كما حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد ـ كرما كلّها لامرأة المقوقس ؛ فكانت تأخذ خراجها منهم الخمر بفريضة عليهم ، فكثر الخمر عليها حتّى ضاقت به ذرعا ، فقالت : لا حاجة لى فى الخمر أعطونى دنانير ،

__________________

(١) الدخان : ٢٥ ، ٢٦.

(٢) طبعة عامر «فحفرها» تحريف.

(٣ ـ ٣) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٤. وياقوت مادة «سردوس» والمقريزى ج ١ ص ٧٠ ـ ٧١ وهم ينقلون عن ابن عبد الحكم.

(٤) ب «عبيده».

(٥) د «أكبر».

٢٦

فقالوا : ليس عندنا ، فأرسلت عليهم الماء فغرقتها (١) ، فصارت بحيرة يصاد فيها الحيتان حتّى استخرجها بنو العبّاس. فسدّوا جسورها وزرعوا فيها.

ذكر نزول القبط بمصر وسكناهم بها

(٢) حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهعة ، عن عيّاش بن عبّاس القتبانىّ ، عن حنش بن عبد الله الصنعانىّ ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال : كان لنوح ـ عليه‌السلام ـ أربعة من الولد : سام بن نوح ، وحام بن نوح ، ويافث بن نوح ، ويحطون بن نوح : وإن نوحا عليه‌السلام رغب إلى الله عزوجل ، وسأله أن يرزقه الاجابة فى ولده وذرّيّته حين تكاملوا بالنماء والبركة ، فوعده ذلك ، فنادى نوح ولده وهم نيام عند السحر ، فنادى ساما فأجابه يسعى ، وصاح سام فى ولده فلم يجبه أحد منهم إلّا ابنه أرفخشذ ، فانطلق به معه حتّى أتياه ، فوضع نوح يمينه على سام ، وشماله على أرفخشذ بن سام ، وسأل الله عزوجل أن يبارك فى سام أفضل البركة ، وأن يجعل الملك والنبوّة فى ولد أرفخشذ (٢).

(*) ثم نادى حاما فتلفّت يمينا وشمالا ولم يجبه ، ولم يقم إليه هو ولا أحد من ولده ، فدعا الله عزوجل نوح أن يجعل ولده أذلاء ، وأن يجعلهم عبيدا لولد سام.

قال : وكان مصر بن يبصر بن حام نائما إلى جنب جدّه حام ، فلمّا سمع دعاء نوح على جدّه وولده ، قام يسعى إلى نوح فقال : يا جدّى ، قد أجبتك ، إن لم يجبك أبى ، ولا أحد من ولده ، فاجعل لى دعوة من دعوتك (٣). ففرح نوح عليه‌السلام ، ووضع يده على رأسه ، وقال : اللهمّ إنه قد أجاب دعوتى ؛ فبارك فيه وفى ذرّيّته وأسكنه الأرض المباركة ، التى هى أمّ البلاد ، وغوث العباد ، التى نهرها أفضل أنهار الدنيا ، واجعل فيها أفضل البركات ، وسخّر له ولولده الأرض ، وذلّلها لهم ، وقوّهم عليها (*).

قال ثم دعا ابنه يافث ، فلم يجبه هو ولا أحد من ولده ، فدعا الله عزوجل عليهم أن يجعلهم شرار الخلق.

__________________

(١) ج «فغرقها».

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٤.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٤.

(٣) د «دعائك».

٢٧

قال ثم دعا ابنه يحطون فأجابه ، فدعا الله عزوجل له أن يجعل له البركة ، فلم يكن له ولد ولا نسل.

فعاش سام مباركا حتّى مات ، وعاش ابنه أرفخشذ بن سام مباركا حتّى مات ، وكان الملك الذي يحبّه الله والنّبوة والبركة فى ولد أرفخشذ بن سام.

وكان أكبر ولد حام كنعان بن حام ، وهو الذي حبل (١) به فى الرجز فى الفلك فدعا عليه نوح ، فخرج أسود ، وكان فى ولده الجفآء والملل والجبروت ، وهو أبو السودان والحبش كلّهم ، وابنه الثانى كوش بن حام وهو أبو السند والهند ، وابنه الثالث فوط بن حام وهو أبو البربر ، وابنه الأصغر الرابع بيصر بن حام وهو أبو القبط كلّهم.

وحدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا سليمان بن بلال. وحدثنا يحيى بن عبد الله ابن بكير ، حدثنا الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيّب ، قال : ولد نوح النّبيّ عليه‌السلام ثلاثة نفر : سام وحام ويافث ، فولد كلّ واحد من الثلاثة ثلاثة ، فسام أبو العرب وفارس والروم ، ويافث أبو الصقالبة والترك ويأجوج ومأجوج ، وحام أبو السودان والبربر والقبط.

ثم رجع إلى حديث عثمان ، قال : فولد بيصر بن حام أربعة ، مصر بن بيصر وهو أكبرهم والذي دعا له نوح صلوات الله عليه بما دعا له ، وفارق بن بيصر ، وماح بن بيصر ، وياح بن بيصر.

قال غير عثمان : فولد مصر أربعة : قفط بن مصر ، وأشمن بن مصر ، وأتريب بن مصر ، وصا بن مصر.

حدثنا عثمان بن صالح ويحيى بن خالد عن ابن لهيعة ، وعبد الله بن خالد ، يزيد أحدهما على صاحبه ، وقد كان عثمان ربّما قال : حدثنى خالد بن نجيح ، عن ابن لهيعة ، وعبد الله بن خالد ، قالوا : فكان أوّل من سكن بمصر بعد أن غرّق (٢) الله قوم نوح بيصر ابن حام بن نوح ، فسكن منف ـ وهى أوّل مدينة عمّرت بعد الغرق ـ هو وولده وهم ثلاثون نفسا ، قد بلغوا وتزوّجوا ، فبذلك سمّيت ماقة ـ وماقة بلسان القبط ثلاثون ـ قال :

__________________

(١) طبعة عامر «وهو الذي حيل به فى الزجر فى الفلك» تصحيف.

(٢) د ، ك «أغرق».

٢٨

وكان بيصر بن حام قد كبر وضعف ، وكان مصر أكبر ولده ، وهو الذي ساق أباه وجميع إخوته إلى مصر ، فنزلوا بها ، فبمصر بن بيصر سمّيت مصر مصر. فحاز له ولولده ما بين الشجرتين خلف العريش إلى أسوان طولا ، ومن برقة إلى أيلة عرضا. قال : ثم إن بيصر بن حام توفّى فدفن فى موضع أبى هرميس. قال غير عثمان : فهى أول مقبرة قبر فيها بأرض مصر.

قال : ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره ، قال : (١) ثم إن بيصر بن حام توفّى واستخلف ابنه مصر ، وحاز كلّ واحد من إخوة مصر قطعة من الأرض لنفسه ، سوى أرض مصر التى حاز لنفسه ولولده. فلمّا كثر ولد مصر وأولاد أولادهم ، قطع مصر لكل واحد من ولده قطيعة يجوزها لنفسه ولولده ، وقسم لهم هذا النيل. قال : فقطع لابنه قفط موضع قفط ، فسكنها ، وبه سمّيت قفط ، وما فوقها إلى أسوان وما دونها الى أشمون فى الشرق والغرب. وقطع لأشمن من أشمون فما دونها إلى منف فى الشرق والغرب ، فسكن أشمن أشمون فسمّيت به. وقطع لأتريب ما بين منف إلى صا ؛ فسكن أتريب ، فسمّيت به. وقطع لصا ما بين صا إلى البحر ، فسكن صا ؛ فسمّيت به ، فكانت مصر كلّها على أربعة أجزاء : جزأين بالصعيد ، وجزأين بأسفل الأرض (٢).

قال : ثم توفّى مصر بن بيصر فاستخلف ابنه قفط بن مصر ، (٣) ثم توفّى قفط بن مصر ، فاستخلف أخاه أشمن بن مصر ، ثم توفّى أشمن بن مصر ، فاستخلف أخاه أتريب ابن مصر ، ثم توفّى أتريب بن مصر ، فاستخلف أخاه صا بن مصر. ثم توفّى صا بن مصر ، فاستخلف ابنه تدارس بن صا. ثم توفّى تدارس بن صا ، فاستخلف ابنه (٢) ماليق بن تدارس ، ثم توفّى ماليق بن تدارس فاستخلف ابنه خربتا بن ماليق ، ثم توفّى خربتا بن ماليق ، فاستخلف ابنه كلّكن بن خربتا ؛ فملكهم نحوّا من مائة سنة ثم توفّى ولا ولد له ، فاستخلف أخاه ماليا بن خربتا ، ثم توفّى ماليا بن خربتا ، فاستخلف ابنه طوطيس بن ماليا ، وهو الذي كان وهب هاجر لسارة امرأة إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام (٣).

__________________

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٥.

(١ ـ ١) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٦.

(٢) ب «أخاه».

٢٩

ذكر دخول إبراهيم مصر

(*) وكان سبب دخول إبراهيم عليه الصلاة والسلام مصر كما حدثنا أسد بن موسى وغيره ، أنه لما أمر بالخروج عن أرض قومه ، والهجرة إلى الشام ، خرج ومعه لوط وسارة ؛ حتى أتوا حرّان ، فنزلها ، فأصاب أهل حرّان جوع ، فارتحل بسارة يريد مصر ، فلما دخلها ذكر جمالها لملكها ، ووصف له أمرها (*).

وكان حسن سارة كما حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عبد الله بن خالد ، عن خالد ابن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس قال : كان حسن سارة حسن حواء.

قال : ثم رجع إلى حديث أسد وغيره ، قال : (١) فأمر بها ، فأدخلت عليه ، وسأل إبراهيم عليه‌السلام قال له : ما هذه المرأة؟ قال : أختى ؛ فهّم الملك بها ، فأيبس الله يديه ورجليه ، فقال لإبراهيم هذا عملك فادع الله لى ؛ فو الله لا أسوؤك فيها. فدعا الله له فأطلق الله يديه ورجليه ، وأعطاهما (٢) غنما وبقرا. وقال : ما ينبغى لهذه أن تخدم نفسها ، فوهب لها هاجر (١).

وكان أبو هريرة يقول : فتلك أمّكم يا بنى ماء السماء ، يريد العرب.

حدثونا عن عبد الله بن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن أيّوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبى هريرة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إن ابراهيم قدم أرض جبّار ومعه (٣) سارة ، وكانت أحسن الناس ، فقال : لها : إنّ هذا الجبّار إن يعلم أنك امرأتى يغلبنى عليك ، فإن سألك فأخبريه أنك أختى ، فإنك أختى فى الإسلام. فلما دخل الأرض رآها بعض أهل الجبار فأتاه فقال : لقد دخلت أرضك امرأة لا ينبغى أن تكون إلّا لك ، فأرسل إليها فأتى بها ، وقام إبراهيم إلى الصلاة ، فلما دخلت (٤) عليه لم يتمالك أن بسط يده

__________________

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٥٢.

(١ ـ ١) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٥٢.

(٢) أ ، د «وأعطاها». ك «فأعطاها».

(٣) ج «وكانت معه».

(٤) ج ، د ، ك «أدخلت».

٣٠

إليها ، فقبضت يده قبضة شديدة ، فقال لها : ادعى الله أن يطلق يدى فلا أضرّك ، ففعلت ، فعاد فقبضت يده أشدّ من القبضة الأولى. قال لها مثل ذلك ، ففعلت ، فعاد فقبضت أشدّ من القبضتين الأوّلتين ، قال : ادعى الله أن يطلق يدى فلك الله ألّا اضرّك ، ففعلت ، وأطلقت يده ، فدعا الذي جاء بها فقال : إنك إنما أتيتنى بشيطان ، ولم تأتنى بإنسان فأخرجها من أرضى ، فأعطاها هاجر ، فأقبلت تمشى ، فلما رآها إبراهيم عليه‌السلام انصرف فقال لها : مهيم (١)؟ قالت : خيرا ، كفّ الله يد الفاجر وأخدم خادما. قال أبو هريرة فتلك أمّكم يا بنى ماء السماء.

قال ابن وهب : وأخبرنى ابن أبى الزناد ، عن أبيه ، عن الأعرج ، عن أبى هريرة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه. قال : فقام إليها فقامت توضّأ (٢) تصلّى ثم قالت : اللهمّ إنّى كنت آمنت بك وبرسولك ، وأحصنت فرجى إلّا على زوجى ، فلا تسلّط علىّ الكافر ، فغطّ حتى ركض برجله. قال الأعرج قال أبو سلمة قال أبو هريرة ، قالت : اللهم إن يمت يقال هى قتلته.

حدثنا أسد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن حارثة بن مضرّب ، عن على بن أبى طالب عليه‌السلام ، أن سارة كانت بنت ملك من الملوك ، وكانت قد أوتيت حسنا ، فتزوّجها إبراهيم عليه‌السلام ، فمرّ بها على ملك من الملوك فأعجبته ، فقال لإبراهيم : ما هذه؟ فقال له ما شاء الله أن يقول ، فلمّا خاف إبراهيم وخافت سارة أن يدنو منها ، دعوا الله عليه ، فأيبس الله يديه ورجليه» فقال : لإبراهيم : قد علمت أن هذا عملك ، فادع الله لى ، فو الله لا أسوؤك فيها ، فدعا له ، فأطلق الله يديه ورجليه ، ثم قال الملك : إنّ هذه لامرأة لا ينبغى أن تخدم نفسها ، فوهب لها هاجر فخدمتها ما شاء الله ، ثم إنها غضبت (٣) عليها ذات يوم ، فحلفت لتغيرنّ منها ثلاثة أشياء ، فقال تخفضينها (٤)

__________________

(١) هذا اللفظ مما أخذه الدكتور حسين نصار على طبعة القاهرة ص ١٥ ، حيث ذكر أن محقق هذه الطبعة علق على كلمة «مهيم» بقوله : «كذا فى الأصل. ولم أجد لهذا اللفظ معناه ولعله سؤال عما حدث» ثم استطرد الدكتور نصار فقال : «واللفظ موجود فى تاج العروس الذي قال عنه : «كلمة استفهام أى ما حالك وما شأنك».

(٢) د «فتوضأت».

(٣) ب «عصمت».

(٤) ج «تخفضيها».

٣١

وتثقبين أذنيها ، ثم وهبتها لإبراهيم على ألا يسوءها فيها ، فوقع عليها ، فعلقت (١) ، فولدت إسماعيل بن ابراهيم عليهما‌السلام.

قال : وكانت سارة كما حدثنا وثيمة بن موسى ، عن سلمة بن الفضل وعمرو بن الأزهر ، أو أحدهما ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن ، عن أبى هريرة حين رأت أنها لا تلد أحبّت أن تعرض هاجر على إبراهيم ، فكانت تمنعها الغيرة.

وكانت هاجر كما حدثنا وثيمة بن موسى ، عن سلمة بن الفضل وعمرو بن الأزهر ، أو أحدهما أو كلاهما ، عن ابن إسحاق ، أوّل من جرّت ذيلها لتخفى أثرها على سارة ، وكانت سارة قد حلفت لتقطعنّ منها عضوا ، فبلغ ذلك هاجر فلبست درعا لها وجرّت ذيلها لتخفى أثرها ، وطلبتها سارة فلم تقدر عليها ، فقال إبراهيم : هل لك أن تعفى عنها؟ قالت : فكيف بما حلفت؟ قال : تخفضينها فيكون ذلك سنّة للنساء ، فتبرءين يمينك ففعلت ، فمضت (٢) السنّة بالخفض.

ذكر ظفر العمالقة بمصر وأمر يوسف

(٣) قال : ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره ، قال : ثم توفّى طوطيس بن ماليا فاستخلف ابنته خروبا ابنة طوطيس ؛ ولم يكن له ولد غيرها وهى أوّل امرأة ملكت. قال : ثم توفّيت خروبا ابنة طوطيس. فاستخلفت ابنة عمّها زالفا ابنة ماموم بن ماليا فعمرت دهرا طويلا ، وكثروا ونموا وملأوا أرض مصر كلّها فطمعت فيهم العمالقة فغزاهم الوليد ابن دومع فقاتلهم قتالا شديدا ثم رضوا أن يملّكوه عليهم ؛ فملكهم نحوا من مائة سنة ، فطغى وتكبّر ، وأظهر الفاحشة ، فسلّط الله عليه سبعا فافترسه فأكل لحمه. (٣)

قال : والعماليق كما حدثنا عبد الملك بن هشام ، من ولد عملاق ، ويقال عمليق ابن لاوذ بن سام (٤).

حدثنا أبو الأسود ، وأسد بن موسى ، ويحيى بن عبد الله بن بكير ، عن ابن لهيعة ،

__________________

(١) ب «فبلّغت». أ ، ج «فتلقت».

(٢) د «فمرت».

(٣ ـ ٣) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٦.

(٤) ابن هشام ق ١ ص ٧٧.

٣٢

عن يزيد بن عمرو المعافرى ، عن ابن حجيرة ، قال : استظلّ سبعون رجلا من قوم موسى فى قحف رجل من العماليق.

قال : (١) فملكهم من بعده ابنه الريّان بن الوليد بن دومغ ـ وهو صاحب يوسف النّبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ أرسل إليه الملك فأخرجه من السجن (١).

حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح عن ابن عباس قال : فأتاه الرسول ، فقال : ألق عنك ثياب السجن ، والبس ثيابا جددا وقم إلى الملك ؛ فدعا له أهل السجن ، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فلمّا أتاه رأى غلاما حدثا ، فقال : أيعلم هذا رؤياى ، ولا يعلمها السحرة والكهنة؟ وأقعده قدامه ، وقال له : لا تخف.

قال عثمان وغيره فى حديثهما : فلما استنطقه وساءله عظم فى عينه ، وجلّ أمره فى قلبه ، فدفع إليه خاتمه وولّاه ما خلف بابه.

(٣) حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس ، قال : وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير ، وأعطاه دابة مسرجة مزينة كدابّة الملك ، وضرب بالطبل بمصر أنّ يوسف خليفة الملك (٢).

حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، حدثنى أبو سعيد ، عن عكرمة ، أن فرعون قال ليوسف : قد سلّطتك على مصر ، غير أنى أريد أن أجعل كرسيّى أطول من كرسيك بأربع أصابع ، قال يوسف : نعم.

قال : ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره ، قال : وأجلسه على السرير ، ودخل الملك بيته مع نسائه ، ففوّض أمر مصر كلّها إليه ، فبسبب عبارة رؤيا الملك ملك يوسف مصر.

(*) حدثنا أسد بن موسى ، حدثنى الليث بن سعد قال : حدثنى مشيخة لنا ، قال : اشتدّ الجوع على أهل مصر ، فاشتروا الطعام بالذهب حتّى لم يجدوا ذهبا ، فاشتروا بالفضّة حتى لم يجدوا فضّة ، فاشتروا بأغنامهم حتى لم يجدوا غنما ، فلم يزل يبيعهم الطعام حتى لم يبق لهم فضّة ولا ذهب ولا شاة ولا بقرة فى تلك السنتين فأتوه فى

__________________

(١ ـ ١) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٦ ـ ٣٧.

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٧.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٧.

٣٣

الثالثة فقالوا له : لم يبق لنا إلّا أنفسنا وأهلونا وأرضونا. فاشترى يوسف أرضهم كلّها لفرعون ، ثم أعطاهم يوسف طعاما يزرعونه (١) على أن لفرعون الخمس*).

ذكر استنباط الفيّوم

(٢) قال : وفى ذلك الزمان استنبطت الفيّوم ، وكان سبب ذلك كما حدثنا هشام بن إسحاق أن يوسف عليه الصلاة والسلام لمّا ملك مصر ، وعظمت منزلته من فرعون ، وجاوزت سنّه مائة سنة ، قال وزراء الملك له : إنّ يوسف قد ذهب علمه ، وتغيّر عقله ، ونفدت حكمته ، فعنّفهم فرعون ، وردّ عليهم مقالتهم ، وأساء اللفظ لهم ، فكفّوا ثم عاودوه بذلك القول بعد سنين ، فقال لهم : هلمّوا ما شئتم من أىّ شىء أختبره به.

وكانت الفيوم يومئذ تدعى الجوبة ؛ وإنما كانت لمصالة ماء الصعيد وفضله ـ فاجتمع رأيهم على أن تكون هى المحنة التى يمتحنون بها يوسف عليه الصلاة والسلام فقالوا لفرعون : سل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها ، ويخرجه منها ، فتزداد بلدا إلى بلدك ، وخراجا إلى خراجك. فدعا يوسف فقال : قد تعلم مكان ابنتى فلانة منّى ، وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها بلدا ، وإنى لم أصب لها إلّا الجوبة ؛ وذلك أنه بلد بعيد قريب ، لا يؤتى من وجه من الوجوه إلّا من غابة وصحراء.

قال غير هشام : فالفيوم وسط مصر كمثل مصر فى وسط البلاد ، لأن مصر لا تؤتى من ناحية من النواحى إلا من [صحراء أو مفازة (٣) وكذلك هى ليست تؤتى من ناحية من النواحى من مصر إلّا من](٣) مفازة وصحراء.

قال هشام فى حديثه : (*) وقد أقطعتها إيّاها فلا تتركنّ وجها ولا نظرا إلا بلّغته فقال يوسف : نعم أيّها الملك ، متى أردت ذلك فابعث إلىّ ؛ فإنى إن شاء الله فاعل قال : إنّ أحبّه إلىّ وأوفقه أعجله. فأوحى إلى يوسف أن تحفر (٤) ثلاثة خلج : خليجا من أعلى

__________________

(١) ب «يزرعون به».

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٧ ـ ٣٨.

(٣) ما بين المعقوفتين ساقط من طبعة عامر.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٨ ـ ٣٩.

(٤) ج ، د «يحفر».

٣٤

الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا ، وخليجا شرقيّا من موضع كذا إلى موضع كذا ، وخليجا غربيّا من موضع كذا إلى موضع كذا ؛ فوضع يوسف العمّال ، فحفر خليج المنهى (من أعلى أشمون (١)) إلى اللاهون ، وأمر البنّائين أن يحفروا اللاهون ، وحفر خليج الفيّوم وهو الخليج الشرقى ، وحفر خليجا بقرية يقال لها تنهمت من قرى الفيوم ، وهو الخليج الغربىّ. فخرج ماؤها من الخليج الشرقىّ فصبّ فى النيل ، وخرج من الخليج الغربىّ فصبّ فى صحراء تنهمت إلى الغرب فلم يبق فى الجوبة ماء. ثم أدخلها الفعلة ، فقطع ما كان فيها من القصب والطرفاء وأخرجه منها ، وكان ذلك ابتداء جرى النيل ، وقد صارت الجوبة أرضا ريفيّة بّريّة (٢) وارتفع ماء النيل ، فدخل فى رأس المنهى ، فجرى فيه حتى انتهى إلى اللاهون فقطعه إلى الفيوم ، فدخل خليجها فسقاها ، فصارت لجّة من النيل. فخرج إليها الملك ووزراءه ، وكان هذا كلّه فى سبعين يوما. فلما نظر إليها الملك قال لوزرائه أولئك : هذا عمل ألف يوم فسمّيت الفيوم ، وأقامت تزرع كما تزرع غوائط مصر*).

قال : (*) وقد سمعت فى استخراج الفيوم وجها غير هذا. حدثنا يحيى بن خالد العدوىّ ، عن ابن لهعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن يوسف النّبيّ ـ عليه‌السلام ـ ملك مصر وهو ابن ثلاثين سنة ، فأقام يدبّر أمرها أربعين سنة ، فقال أهل مصر : قد كبر يوسف واختلف رأيه ، فعزلوه وقالوا : اختر لنفسك من الموات أرضا نقطعكها لنفسك وتصلحها ، ونعلم رأيك فيها. فإن رأينا من رأيك وحسن تدبيرك ما نعلم أنك فى زيادة من عقلك رددناك إلى ملكك ، فاعترض البرّيّة فى نواحى مصر فاختار موضع الفيوم فأعطيها ، فشقّ إليها خليج المنهى من النيل حتى أدخله الفيوم كلّها ، وفرغ من حفر ذلك كلّه فى سنة (٤).

وبلغنا أنه إنما عمل ذلك بالوحى ، وقوى على ذلك بكثره الفعلة والأعوان فنظروا فإذا الذي أحياه يوسف من الفيوم لا يعلمون له بمصر كلّها مثلا ولا نظيرا ، فقالوا : ما كان يوسف قط أفضل عقلا ولا رأيا ولا تدبيرا منه اليوم ، فردّوا إليه الملك ، فأقام ستّين

__________________

(١) ساقط من طبعة عامر.

(٢) ج «تربة».

(* ـ *) قارن بالمقريزى : الخطط ج ١ ص ٢٤٥ ـ ٢٤٦.

٣٥

سنة أخرى ، تمام مائة سنة ، حتى مات يوم مات وهو ابن ثلاثين ومائة سنة (١) والله أعلم.

(*) قال : ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق ، قال : ثم بلغ يوسف ـ عليه‌السلام ـ قول وزراء الملك ، وأنه إنما كان ذلك منهم على المحنة منهم له ، فقال للملك : إنّ عندى من الحكمة والتدبير غير ما رأيت ؛ فقال له الملك : وما ذاك؟ قال : أنزل الفيوم من كلّ كورة من كور مصر أهل بيت ، وآمر أهل كلّ بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية ـ وكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر ـ فإذا فرغوا من بناء قراهم صيّرت لكلّ قرية من الماء بقدر ما أصيّر لها من الأرض ، لا يكون فى ذلك زيادة عن أرضها ولا نقصان ، وأصيّر لكلّ قرية ـ شربا فى زمان لا ينالهم الماء إلّا فيه ، وأصيّر مطآطئا للمرتفع. ومرتفعا للمطأطئ بأوقات من الساعات فى الليل والنهار ، وأصيّر لها قبضات فلا يقصّر بأحد دون حقّه ، ولا يزاد فوق قدره. فقال له فرعون : هذا من ملكوت السماء؟ قال : نعم. فبدأ يوسف ـ عليه‌السلام ـ فأمر ببنيان القرى ، وحدّ لها حدودا ، وكانت أوّل قرية عمّرت بالفيوم قرية يقال لها شانة ، وهى القرية التى كانت تنزلها بنت فرعون. ثم أمر بحفر الخليج وبنيان القناطر ، فلما فرغوا من ذلك استقبل وزن الأرض ووزن الماء ؛ ومن يومئذ أحدثت الهندسة ، ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك (*).

قال : (٢) وكان أوّل من قاس النيل بمصر يوسف ـ عليه‌السلام ـ وضع مقياسا بمنف ثم وضعت العجوز دلوكة ابنة زبّاء وهى صاحبة حائط العجوز مقياسا بأنصنا ، وهو صغير الذرع (٣) ومقياسا بإخميم. ووضع عبد العزيز بن مروان مقياسا بحلوان وهو صغير ، ووضع أسامة بن زيد التنوخىّ فى خلافة الوليد مقياسا بالجزيرة ؛ وهو أكبرها. حدثنا يحيى ابن بكير قال : أدركت القيّاس يقيس فى مقياس منف ويدخل بزيادته الفسطاط (٢).

__________________

(١) قارن بالخطط ج ١ ص ٢٤٦.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٣٩.

(٢ ـ ٢) قارن بالمقريزى ج ١ ص ٥٧ والسيوطى ج ٢ ص ٣٧٤ وكلاهما ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٣) ب «الذراع».

٣٦

ذكر دخول أهل يوسف مصر ووفاة يعقوب ودفنه

(*) قال : وفى زمان الريّان بن الوليد ، دخل يعقوب ـ عليه‌السلام ـ وولده مصر ، كما حدثنا هشام بن إسحاق ، وهم ثلاثة وتسعون (١) نفسا ، بين رجل وامرأة فأنزلهم يوسف ـ عليه‌السلام ـ ما بين عين شمس إلى الفرما وهى أرض ريفيّة بّرية.

حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس ، قال : دخل مصر يعقوب وولده وكانوا سبعين نفسا ، وخرجوا وهم ستّمائة ألف.

وحدثنا أسد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن مسروق ، قال : دخل أهل يوسف وهم ثلاثة وتسعون إنسانا ، وخرجوا وهم ستّمائة ألف (*).

وأدخل يوسف كما حدثنا أسد ، عن خالد بن عبد الله ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، عن ابن عبّاس أباه وخمسة من إخوته على الملك فسلّموا عليه ، وأمر أن يقطع لهم من الأرض ، وكان يعقوب لمّا دنا من مصر أرسل يهوذا إلى يوسف فخرج إليه يوسف فلقيه فالتزمه وبكى.

قال : ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق ، قال : (*) فلما دخل يعقوب على فرعون ، فكلّمه ـ وكان يعقوب عليه‌السلام شيخا كبيرا حليما حسن الوجه واللحية ، جهير الصوت ـ فقال له فرعون : كم أتى عليك أيّها الشيخ؟ قال : عشرون ومائة ، وكان بمين ساحر فرعون قد وصف صفة يعقوب ويوسف وموسى عليهم‌السلام فى كتبه ، وأخبر أن خراب مصر وهلاك أهلها يكون على أيديهم ، ووضع البربايات (٢) وصفات من تخرب مصر على يديه فلمّا رأى يعقوب قام إلى مجلسه فكان أوّل ما سأله عنه ، أن قال له : من تعبد أيّها الشيخ؟ قال له يعقوب : أعبد الله إله كلّ شىء ، فقال له : كيف تعبد ما لا ترى؟ قال له يعقوب : إنه أعظم وأجلّ من أن يراه أحد ، قال بمين : فنحن ترى آلهتنا.

__________________

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٠ ـ ٤١.

(١) د «وسبعون».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٠.

(٢) أ ، د «البربابات».

٣٧

قال يعقوب : إن آلهتكم من عمل أيدى بنى آدم ، من (١) يموت ويبلى ، وإنّ إلهى أعظم وأرفع ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، فنظر بمين إلى فرعون ، فقال : هذا الذي يكون هلاك بلادنا على يديه ، قال فرعون : أفى أيّامنا أو فى أيّام غيرنا؟ قال : ليس فى أيّامك ولا فى أيّام بنيك ، أيّها الملك ، قال الملك : هل تجد هذا فيما قضى به إلهكم؟ قال : نعم. قال : فكيف نقدر أن نقتل من يريد إلهه هلاك قومه على يديه! فلا تعبأ بهذا الكلام*).

(٢) حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، حدثنى أبو حفص الكلاعىّ ، عن تبيع (٣) عن كعب ، أن يعقوب عاش فى أرض مصر ست عشرة سنة ، فلما حضرته الوفاة قال ليوسف : لا تدفنّى بمصر ، وإذا متّ فاحملونى فادفنونى فى مغارة جبل حبرون.

وحبرون كما حدثنا أسد ، عن خالد ، عن الكلبىّ ، عن أبى صالح ، مسجد إبراهيم عليه‌السلام اليوم ، وبينه وبين بيت المقدس ثمانية عشر ميلا (٢).

(٥) ثم رجع إلى حديث الكلاعىّ ، عن تبيع ، عن كعب ، قال : فلما مات لطخوه بمرّ وصبر. قال غير أسد : وجعلوه فى تابوت من ساج. قال أسد فى حديثه : فكانوا يفعلون ذلك به أربعين يوما حتى كلّم يوسف فرعون وأعلمه أن أباه قد مات ، وأنه سأله أن يقبره فى أرض كنعان ، فأذن له وخرج معه أشرف (٤) أهل مصر حتى دفنه وانصرف.

حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عمّن حدّثه ، قال : قبر يعقوب بمصر فأقام بها نحوا من ثلاث سنين ، ثم حمل إلى بيت المقدس ؛ أوصاهم بذلك عند موته (٥) والله أعلم.

ذكر وفاة يوسف

(٥) قال : ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح ، قال : ثم مات الريّان بن الوليد

__________________

(١) ب «ممن».

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤١.

(٣) حاشية أ«تبيع بن عامر الحميرى ، أبو حمير ابن امرأة كعب الأحبار».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤١.

(٤) فى السيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم «أشراف».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤١.

(٥ ـ ٥) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤١.

٣٨

فملكهم من بعده ابنه دارم بن الريّان. قال غير عثمان : وفى زمانه توفّى يوسف صلوات الله عليه ، فلما حضرته الوفاة قال : إنكم ستخرجون من أرض مصر إلى أرض آبائكم ، كما حدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد الله ، حدثنى أبو حفص الكلاعىّ ، عن تبيع ، عن كعب ، فاحملوا عظامى معكم. فمات فجعلوه (١) فى تابوت ودفنوه*).

حدثنا محمد بن أسعد ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، قال : (٢) دفن يوسف صلوات الله عليه فى أحد جانبى النيل فأخصب الجانب الذي كان فيه ، وأجدب الآخر ، فحوّلوه إلى الجانب الآخر ، فأخصب الجانب الذي حوّلوه إليه وأجدب الجانب الآخر ؛ فلما رأوا ذلك جمعوا عظامه فجعلوها فى صندوق من حديد ، وجعلوا فيه سلسلة ، وأقاموا عمودا على شاطئ النيل ، وجعلوا فى أصله سكّة من حديد ؛ وجعلوا السلسلة فى السكة ، وألقوا الصندوق فى وسط النيل ، فأخصب الجانبان جميعا (٢).

وحدثنا العبّاس بن طالب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن يونس ، عن الحسن ، أن يوسف عليه‌السلام ألقى فى الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة ، ومكث إلى أن لقى يعقوب عليه‌السلام وأهله ثمانين سنة ثم عاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ، فمات وهو ابن مائة وعشرين سنة ويقال توفّى وهو ابن ثلاثين ومائة سنة.

ذكر ملوك مصر بعد زمان يوسف

(٣) ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره ، قال : ثم إنّ دارما طغى بعد يوسف عليه‌السلام وتكبّر ، وأظهر عبادة الأصنام ، فركب فى النيل فى سفينة فبعث الله عليه ريحا عاصفا فأغرقته ومن كان معه فيما بين طرا إلى موضع حلوان فملكهم من بعده كاشم بن معدان وكان جبّارا عاتيا (٣).

وحدثنا أسد بن موسى ، عن خالد بن عبد لله ، عن أبى حفص الكلاعىّ ، عن تبيع ، عن كعب ، قال : لما مات يوسف عليه‌السلام استعبد أهل مصر بنى إسرائيل.

__________________

(١) د «فجعلوها».

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٢.

(٣ ـ ٣) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٤٢.

٣٩

ثم رجع إلى حديث عثمان ، قال : ثم هلك كاشم بن معدان ، فملكهم بعده فرعون موسى قال غير عثمان : واسمه طلما قبطىّ من قبط مصر.

(١) وحدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت الليث بن سعد وابن لهيعة. أو أحدهما يقول : كان قبطيّا من قبط مصر ، يقال له طلما (١).

حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا عبد الله بن أبى فاطمة ، عن مشايخه قال : كان من فران بن بلىّ ، واسمه الوليد بن مصعب ، وكان قصيرا أبرش يطأ فى لحيته.

حدثنا سعيد بن عفير ، قال : حدثنا عن هانئ بن المنذر أنه كان من العماليق وكان يكنّى بأبى مرّة.

وحدثنا يزيد بن أبى سلمة ، عن جرير ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النّزال بن سبرة ، عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، قال : كان فرعون أثرم. ويقال بل هو رجل من لخم ، والله أعلم ،

فمن زعم أنّه من العماليق فقد ذكرنا السبب الذي به ملكت العماليق مصر ومن زعم أنه من فران بن بلىّ فإنّ سعيد بن عفير قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن أبى فاطمة ، عن مشايخه ، أن ملك مصر توفّى ، فتنازع الملك جماعة من أبناء الملك ـ ولم يكن الملك عهد ـ ولمّا عظم الخطب بينهم تداعوا إلى الصلح ، فاصطلحوا على أن يحكم بينهم أوّل من يطّلع من الفجّ فجّ الجبل ، فاطّلع فرعون بين عديلتى نطرون ، قد أقبل بهما ليبيعهما ، وهو رجل من فران بن بلىّ ، فاستوقفوه ، وقالوا : إنا قد جعلناك حكما بيننا فيما تشاجرنا فيه من الملك ، وآتوه مواثيقهم على الرضا. فلما استوثق منهم ، قال : إنى قد رأيت أن أملّك نفسى عليكم ؛ فهو أذهب لضغائنكم ، وأجمع لأموركم ، والأمر من بعد إليكم. فأمّروه عليهم لنفاسة بعضهم بعضا وأقعدوه فى دار الملك بمنف ، فأرسل إلى صاحب أمر كلّ رجل منهم ، فوعده ومنّاه أن يملّكه على ملك صاحبه ، ووعدهم ليلة يقتل فيها كلّ رجل منهم صاحبه ، ففعلوا. ودان له أولئك بالربوبيّة ، ولم يكن لهم تكبّر الملوك ، والله أعلم. فملكهم نحوا من خمسمائة سنة ، وكان من أمره وأمر موسى عليه‌السلام ما قصّ الله تبارك وتعالى من خبرهم فى القرآن.

__________________

(١ ـ ١) ساقط من طبعة عامر.

٤٠