فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

نحيّيه ، فقال النجاشى : مرحبا ، ما أهديت إلى (١) يا صديقى؟ قال قلت : أيّها الملك ، قد أهديت لك (٢) هدايا ، قال : ثم قدّمت إليه هداياى (٣) فقبلها ، وبهجت (٤) بما قال لى ، قال فقلت له : أيها الملك ، إنى قد رأيت ببابك رسول محمد وهو لنا عدو ، أعطنيه أضرب عنقه ؛ فإنه رسول رجل هو لنا عدوّ ، قال : فمدّ يده ثم غضب وضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره. قال : فوددت لو أنّى انشقّت لى الأرض فدخلت فيها فرقا (٥) منه. ثم قال : تسألنى رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتى موسى أعطيكه لتقتله (٦)! قال قلت : أيها الملك ، فإن ذاك لكذلك أنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي يأتى موسى؟ قال : نعم ، والذي نفس النجاشىّ بيده. ويحك يا عمرو ، فأطعنى (٧) واتّبعه ، والذي نفسى بيده ليظهرنّ هو ومن اتّبعه على من سواهم على من (٨) خالفهم ، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قال قلت : أفتبايعنى له على الإسلام؟ قال : نعم ، قال : فبسط يده فبايعنى له ، فخرجت على أصحابى وقد حال رأيى عمّا كان عليه معهم.

قال : فانطلقت تهوى بى راحلتى حتى لقيت خالد بن الوليد ، قال قلت : أين يا أبا سليمان؟ قال : أريد والله أن اذهب فأسلم ؛ فقد والله استقام الشأن واستبان الميسم. قال فقلت : وأنا والله.

قال : فانطلقنا حتى جئنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدخلنا عليه المسجد ، فتقدّم خالد فبايعه (٩) ، ثم تقدّمت فبايعت ؛ فقلت : يا رسول الله ، أبايعك على أن يغفر (١٠) لى ما تقدّم من ذنبى ، ولم أذكر ما تأخّر ، قال فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بايع يا عمرو : فإن الإسلام يجبّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تجبّ ما كان قبلها*).

__________________

(١) ك : «لى».

(٢) د : «فذلك».

(٣) ب : «هدايا».

(٤) ج : «وتعجبت».

(٥) د : «خوفا».

(٦) ب ، ج : «تقتله».

(٧) د : «فأطعنى وأسلم».

(٨) على من : د ، ك : «ممن».

(٩) ب ، ج : «فبايع».

(١٠) ج : «تغفر».

٢٨١

حدثناه أسد بن موسى ، حدثنا يحيى بن أبى زائدة ، عن محمد بن إسحاق ،. وحدثنا عبد الملك بن هشام ، عن زياد بن عبد الله البكّائى ، عن محمد بن إسحاق.

وتوفّى عمرو بن العاص يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين ، وصلّى عليه عبد الله بن عمرو ، ودفن بالمقطّم من ناحية الفجّ : يكنىّ أبا عبد الله. وكان (١) طريق الناس يومئذ إلى الحجاز ؛ فأحبّ أن يدعو له من مرّ به. أخبرنا بذلك ابن عفير.

حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : قبر (٢) فى مقبرة المقطّم ممّن عرف من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسة نفر : عمرو بن العاص السهمىّ ، وعبد الله بن الحارث ابن جزء الزّبيدىّ ، وعبد الله بن حذافة السهمىّ ، وأبو بصرة الغفارىّ ، وعقبة بن عامر الجهنى.

وشرك أهل مصر فى الرواية عنه من أهل المدينة : قبيصة بن ذؤيب. قال عبد الرحمن : ولد عام الفتح ، وأبو مرة مولى عقيل بن أبى طالب واسمه يزيد ، وعروة ابن الزبير ، وقد اختلف فى سعيد بن المسيّب فقالوا : سمع منه ، وقالوا : بل إنما سمع من ابنه عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن شرحبيل. ومن أهل الكوفة : قيس بن أبى حازم.

ومن أهل البصرة : أبو عثمان النهدىّ وغيرهم.

وعبد الله بن عمرو بن العاص

ولهم عنه شبيه بمائة حديث. منها حديث رجاء بن أبى عطاء المعافرى ، عن واهب بن عبد الله المعافرى ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : من أطعم أخاه من الخبز حتى يشبعه (٣) ، وسقاه من الماء حتى يرويه (٤) ، بعّده الله من النار سبعة خنادق ، ما بين كل خندقين مسيرة خمسمائة عام. حدثناه إدريس بن يحيى ، وعبد الملك بن مسلمة.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن واهب بن عبد الله المغافرى ، عن عبد الله بن عمرو أنه رأى فى المنام كأنّه فى إحدى أصابعه عسل وفى الأخرى سمن ؛ فكأنه يلعقهما

__________________

(١) ب ، ج : «وكانت».

(٢) ب ، ج : «دفن».

(٣) ب : «أشبعه».

(٤) ب : «أرواه».

٢٨٢

فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فقال : إن عشت قرأت الكتابين التوراة والفرقان فكان يقرؤهما. حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، وأسد بن موسى.

ومنها حديث الليث بن عامر بن يحيى ، عن أبى عبد الرحمن الحبلىّ ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سيصاح برجل من أمّتى على رءوس الخلائق فتنشر (١) عليه تسعة وتسعون سجلا ، كل سجّل منها مدّ البصر ، ثم يقول الله له : أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتى الحافظون؟ فيقول : لا يا ربّ ، فيقول : أفلك عذر؟ فيهاب [الرجل](٢) فيقول : لا يا ربّ ، فيقول : بلى ، إنّ لك عندنا (٣) حسنتين ، وإنه لا ظلم عليك ، فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله ، فيقول : يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلّات؟ فيقال : إنك لا تظلم ، فتوضع السجلّات فى كفّة والبطاقة فى كفّة ؛ فطاشت السجلّات وثقلت البطاقة (٤)» ، فينجو من النار.

حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

وحدثنا أبى ، حدثنا بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن عامر بن يحيى ، عن أبى عبد الرحمن الحبلىّ ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : يؤتى بالعبد يوم القيامة ومعه تسعة وتسعون سجلا فى الذنوب والخطايا ؛ فيؤمر به إلى النار ، فإذا ذهب به نادى مناد لا تعجلوا ؛ فإنه قد بقى له ؛ فيؤتيى ببطاقة صغيرة فإذا فيها لا إله إلا الله.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن شراحيل بن يزيد ، قال : كان بينى وبين حنش ابن عبد الله كلام ، فقال : لو لا شىء سمعته من ابن عمرو لعلمت (٥) سمعته يقول ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : ثلاثة إذا أنا فعلتهن فما (٦) أبالى ما ركبت : إذا قرضت شعرا ، أو علقت تميمة ، أو شربت ترياقا. حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، ورواه حيوة بن شريح أيضا عن شراحيل بن يزيد.

ومنها حديث عبد الله بن عيّاش ، عن أبيه ، عن أبى عبد الرحمن الحبلى ، عن عبد

__________________

(١) ب ، ج ، ك : «فينشر».

(٢) ما بين المعقوفتين من ك ، وكنز العمال.

(٣) ب : «عندى».

(٤) أخرجه صاحب الكنز برقم ١١٠ عن البخارى والحاكم.

(٥) ب : «لقلت».

(٦) ب : «فلا».

٢٨٣

الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «من علم علما فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (١) حدثناه إدريس بن يحيى.

ومنها حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله ابن عمرو ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «ليؤيّدن (٢) الله الإسلام (٣) برجال ما هم من أهله» (٤) حدثناه المقرئ.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن أبى زرعة ، عن ابن عمرو ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن والذكر ـ أو الركن ـ» (٥) شكّ عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الحكم. حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

ومنها حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخىّ ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، * قال : «العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، أو سنّة قائمة ، أو فريضة عادلة» (٦) حدثناه معاذ بن الحكم.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن الحسن بن ثوبان الهوزنىّ ، عن هشام بن أبى رقيّة اللخمى ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لا طائر ، ولا عدوى ، ولا هامة ، ولا جدّ ، والعين حقّ» (٧) حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.

ومنها حديث نافع بن يزيد وابن لهيعة ، عن أبى هانئ الخولانى أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلى ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض ، وعرشه على الماء بخمسين ألف سنة» (٨) حدثناه أبو صدقة محمد بن عبد الأعلى ، عن نافع بن يزيد. وأبو الأسود عن ابن لهيعة حديث (٩) أحدهما نحو حديث صاحبه.

__________________

(١) أخرجه صاحب الكنز برقم ٢٩١٤٦ عن ابن النجار.

(٢) ج : «ليزيدن».

(٣) د : «هذا الدين».

(٤) أخرجه صاحب الكنز برقم ٢٩١٣٣ عن الطبرانى.

(٥) أخرجه صاحب الكنز برقم ٣٨٤٨٩.

(٦) أخرجه صاحب الكنز برقم ٢٨٦٥٩ عن أبى داود وابن ماجه والحاكم.

(٧) أخرجه صاحب الكنز برقم ٢٨٦٠٣ عن أحمد ومسلم.

(٨) أخرجه صاحب الكنز برقم ٤٩٨ عن مسلم.

(٩) ك : «حديثين».

٢٨٤

حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن أبى هانىء الخولانى بإسناده نحو حديثيهما.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن أبى هانئ ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلى ، يقول : إنه سمع عبد الله بن عمرو ، يقول : إنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «ما من غازية تغزو فى سبيل الله فيصيبون غنيمة إلّا تعجّلوا ثلثى أجرهم من الآخرة ، ويبقى لهم الثلث ، وان لم يصيبوا غنيمة تمّ لهم أجرهم» (١) حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.

ومنها حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عبد الله بن يعقوب ، عن عبد الله ابن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لله أضنّ بدم المؤمن من أحدكم بكريمة ماله حتى يقبضه على فراشه» (٢) حدثناه المقرئ.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن سويد بن قيس ، أخبره عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «رباط يوم فى سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه» (٣) حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم وأبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.

ومنها حديث يحيى بن أيّوب ، عن أبى قبيل ، أنه حدثه ، أنه كان عند عبد الله ابن عمرو بن العاص ، فتذاكرنا (٤) فتح القسطنطينيّة ورومية أيّهما (٥) تفتح قبل ، فدعا عبد الله بصندوق له طخم ، قلنا : وما الطخم؟ قال : الحلق. فقال : كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نكتب ما يقول ، لا أو نعم. فقلنا أىّ المدينتين تفتح قبل يا رسول الله؟ قال : «مدينة هرقل» (٦) يريد القسطنطينيّة. حدثناه سعيد بن عفير.

وقد خالف ابن لهيعة ، يحيى بن أيّوب فى هذا الحديث ، والله أعلم بالصواب.

حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى قبيل ، عن عمير بن مالك ، أنه كان عند ابن عمرو ، فذكروا (٧) فتح القسطنطينيّة ورومية ، أيّهما تفتح أوّل ؛

__________________

(١) أخرجه صاحب الكنز برقم ١٠٦٢٥ عن أحمد ومسلم وأبى داود والنسائى وابن ماجه.

(٢) أخرجه صاحب الكنز برقم ١١٢٤٣.

(٣) مسند أحمد فى كنز ج ٤ ص ٢٨٤.

(٤) ب : «فتذاكر».

(٥) ج : «أنها».

(٦) مسند أحمد فى كنز العمال ج ١٤ ص ٢٤٠.

(٧) ج : «فتذكروا».

٢٨٥

فاختلفوا فى ذلك ؛ فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق فيه قراطيس ، فقال : تفتحون القسطنطينيّة ، ثم تغزون بعثا إلى رومية ؛ فيفتح الله عليكم ، وإلّا فأنا عند الله من الكذّابين (١).

ومنها حديث قباث بن رزين ، عن شيخ من المعافر ـ يذكر منه فضل وصلاح ـ أن رجلا يقال له عبّاد ، ممن يلزم عبد الله بن عمرو كان من الصلحاء ، كان يقرأ القرآن فيقرن بين السور فى الركعة الواحدة ، فبلغ ذلك عبد الله بن عمرو ؛ فأتاه عبّاد يوما فقال له عبد الله بن عمرو : يا خائن أمانته ، ثلاث مرّات ، فاشتدّ ذلك على عبّاد ؛ فقال له : غفر الله لك ، أىّ أمانة بلغك أنى خنتها؟ قال : ألم أخبر أنك تجمع بين السور فى الركعة الواحدة! قال : إنى لأفعل ذلك ، قال : وكيف بك (٢) يوم تأخذك كلّ سورة بركعتها وسجدتيها ، أما إنّى لم أقل لك إلّا كما قال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. حدثناه عبد الله بن صالح.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن حيىّ بن عبد الله ، عن أبى عبد الرحمن الحبلى ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق وهم يحفرون حول المدينة ؛ فتناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفأس فضرب به ضربة ؛ فقال : هذه الضربة يفتح الله بها كنوز الروم ، ثم ضرب الثانية ؛ فقال : هذه يفتح الله بها كنوز فارس ، ثم ضرب الثالثة ؛ فقال : هذه الضربة يأتى الله بأهل اليمن أعوانا وأنصارا. حدثنا عبد الملك بن مسلمة.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو المعافرى ، عن أبى عبد الرحمن الحبلى ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله ، قال : «من صمت نجا» (٣) حدثناه المقرئ وأبو الأسود.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن أبى هبيرة الكحلانى ـ مولى لعبد الله ابن عمرو ـ عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خرج إليهم ذات يوم فى المسجد فقال : «إنّ ربّى حرّم علىّ الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنّين» (٤) حدثناه طلق بن السمح اللخمى.

__________________

(١) ج ، ك : «الكاذبين».

(٢) ب ، ج : «فكيف لك».

(٣) الترمذى ومسند أحمد فى كنز العمال ج ٣ ص ٣٥١.

(٤) البخارى ومسلم فى كنز العمال ج ١٦ ص ٧٣.

٢٨٦

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن حيىّ بن عبد الله المعافرى ، عن أبى عبد الرحمن الحبلى ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر فى ثلاثمائة وخمسة عشر من المقاتلة كما خرج طالوت ، فدعا لهم حين خرج : اللهمّ إنهم حفاة فاحملهم ، اللهمّ إنهم عراة فاكسهم ، اللهمّ إنهم جياع فأشبعهم ؛ ففتح الله لهم يوم بدر وأقبلوا وما منهم رجل إلا وهو آخذ برأس جمل أو جملين ، واكتسوا وشبعوا.

حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

ومنها حديث عبد الله بن عيّاش القتبانى ، عن عبد الله بن عياض ، عن أبى رزين الغافقى ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو ، يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «إن الذي يمرّ بين يدى أخيه وهو يصلّى متعمّدا يتمنّى يوم القيامة لو أنه شجرة يابسة» (١) حدثناه إدريس بن يحيى.

ومنها حديث عبد الله بن عيّاش ، عن عيسى بن هلال الصدفىّ ، عن عبد الله ابن عمرو ، أن رجلا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أقرئنى ؛ فقال : اقرأ ثلاثا من ذات الراء ، فقال : يا رسول الله ، كبرت سنّى ، وضعف عظمى ، وثقل لسانى ؛ فقال : اقرأ ثلاثا من ذات حم ، فقال مثل ذلك ، فقال : اقرأ ثلاثا من ذات سبح ، فقال مثل ذلك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقرأ ؛ فأقرأه (إِذا زُلْزِلَتِ) فلما فرغ ، قال : يا رسول الله ، علّمنى شيئا أعمل به ، فقال : صلاة الخمس ، وحجّ البيت ، وصيام رمضان ، وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، فلما أدبر الرجل ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علىّ بالرجل ، فلما أتى به ، قال : إنى قد أمرت بالأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمّة ، قال : أفرأيت إن لم أجد إلّا شاة أهلى؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قص (٢) شاربك ، وقلّم أظفارك ، واحلق عانتك ، فتلك تمام ضحيتك عند الله. حدثناه إدريس بن يحيى.

وحدثنا المقرئ حدثنا سعيد بن أبى ايّوب ، حدثنى عيّاش بن عبّاس ، عن عيسى ابن هلال ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه.

ومنها حديث المفضّل بن فضالة ونافع بن يزيد ، عن ربيعة بن سيف ، عن أبى عبد الرحمن الحبلى ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قبرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) أخرجه صاحب الكنز برقم ١٩٢٤٨ عن الطبرانى.

(٢) ب : «قص من».

٢٨٧

فلما رجعنا وحاذى بابه إذا هو بامرأة مقبلة لا نظنّه عرفها ، فقال : يا فاطمة من أين جئت؟ قالت : جئت من عند أهل هذا الميّت (١) ، رحّمت إليهم ميّتهم وعزّيتهم. قال : فلعلّك بلغت معهم الكدى ، قالت : معاذ الله أن أبلغ معهم الكدى ، وقد سمعتك تذكر فيهم ما تذكر ، فقال : لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنّة حتى يراها جدّك أبو أبيك.

قال نافع فى حديثه : حتى يراها جدّ أبيك. والكدى المقابر. حدثناه سعيد بن أبى مريم عن نافع بن يزيد.

قال وحدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم وأبو الأسود النضر بن عبد الجبّار وعبد الله بن صالح ، عن المفضّل بن فضالة.

وشركهم فى الرواية عنه من أهل المدينة : سعيد بن المسيّب ، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن. ومن أهل مكّة : عمرو بن أوس الثقفى ، ويوسف بن ماهك ، وابن أبى مليكة. ومن أهل الكوفة : مسروق بن الأجدع ، وخيثمة بن عبد الرحمن ، وعامر الشعبى.

وخارجة بن حذافة العدوىّ

ولهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث واحد ، ليس لهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيره. وهو حديث الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن عبد الله بن راشد الزوفىّ ، عن عبد الله بن أبى مرّة الزوفى ، عن خارجة بن حذافة ، قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فقال : «إن الله قد أمدّكم بصلاة (٢) هى خير لكم من حمر النعم ؛ الوتر جعله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر» (٣) حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم وشعيب بن الليث وعبد الله بن صالح.

وحدثناه أبى أيضا عن بكر بن مضر عن خالد بن يزيد ، عن أبى الضحّاك عبد الله ابن أبى مرّة ، عن خارجة بن حذافة.

ولهم عنه حكايات فى نفسه ، منها ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة والحارث بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن جبير ، أنه رأى خارجة بن حذافة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يمسح على الخفّين.

__________________

(١) ج : «البيت المنير».

(٢) أمدّكم بصلاة : د : «زادكم صلاة وأمدكم بصلاة».

(٣) أخرجه صاحب الكنز برقم ١٩٥١٧ عن أحمد والترمذى وابن ماجه.

٢٨٨

حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم وأبو الأسود النضر بن عبد الجبّار. ولم يرو عنه أحد غير أهل مصر.

وبسر بن أبى أرطاة وربّما قالوا بسر بن أرطاة العامرىّ

ولهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث واحد ، ليس لهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيره. وهو حديث ابن لهيعة ، عن عيّاش بن عباس ، عن شييم بن بيتان ، عن جنادة بن أبى أميّة ، عن بسر بن أبى أرطاة ، أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «لا تقطع الأيدى فى الغزو» (١) قال : حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، وأسد بن موسى.

ولهم عنه حكايات فى نفسه. منها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : كان بسر إذا ركب البحر قال : أنت بحر وأنا بسر ، علىّ وعليك الطاعة لله ، سيروا على بركة الله.

وروى عنه من أهل الشأم يونس بن ميسرة ، ولم يرو عنه غير أهل مصر وأهل الشأم. ويكنّى أبا عبد الرحمن وتوفّى بالشأم أيام معاوية.

والمستورد بن شدّاد الفهرىّ

ولهم عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديث ستّة أحاديث أو ما (٢) أشبهها. منها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو المعافرى ، قال : سمعت أبا عبد الرحمن عبد الله ابن يزيد الحبلى ، يقول : سمعت المستورد بن شدّاد ، يقول : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه وهو يتوضّأ بالجحفة. حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم ، وسعيد بن عفير ، وأبو الأسود ، يزيد أحدهم الحرف ونحوه.

ومنها حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن المستورد بن شدّاد ، قال : بينا أنا فى مجلس فيه عمرو بن العاص إذ قلت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : إنّ أشدّ الناس عليكم بنو أختكم بسمة بنت إسماعيل الروم إنما هلاكهم (٣) مع الساعة ، فقال عمرو : ألم أنهك عن هذا؟ حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم ، وأبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، وعبد الملك بن مسلمة.

__________________

(١) أبو نعيم فى كنز العمال ج ٥ ص ٥٥٥.

(٢) أ ، ب : «وما».

(٣) ج : «هلاككم».

٢٨٩

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن حديج بن أبى عمرو ، قال : سمعت المستورد بن شدّاد ، يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : لكل أمّة أجل ، وإنّ لأمّتى مائة سنة ، فإذا مرّ على أمّتى مائة سنة أتاها ما وعدها. حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن هانىء بن معاوية الصدفى ، عن المستورد بن شدّاد ، قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مات وهو مشرك فلا تسل عنه ، ومن مات وقد قتل مؤمنا متعمّدا فلا تسل عنه ، ومن مات وهو عاص فلا تسل عنه. قال بكر وحدثنى أبو عبد الرحمن الحبلى عن المستورد بن شدّاد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا إلّا أنه يرجى له.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن المستورد بن شدّاد ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «من ولى لنا عملا ولم يكن له خادم فليكتسب خادما ، ومن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا ، ومن لم يكن له دابّة فليكتسب دابّة ؛ فمن أصاب سوى ذلك فإنه غال أو سارق» (١) حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

وشركهم فى الرواية عنه من أهل الكوفة ، قيس بن أبى حازم ويقال أبو إسحاق الهمدانى ، لم يرو عنه غير أهل مصر وأهل الكوفة.

وعبد الله بن سعد بن أبى سرح العامرىّ

وكان والى البلد فى خلافة عثمان بن عفّان مجموعا له. ولهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث واحد ، وهو حديث ابن لهيعة ، قال : حدثنا عيّاش بن عبّاس القتبانى ، عن الهيثم ابن شف ، عن عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعشرة من أصحابه معه ؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والزبير وغيرهم على جبل إذ تحرّك بهم الجبل ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اسكن حراء ؛ فإنه ليس عليك إلّا نبىّ أو صدّيق أو شهيد» (٢). حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.

ليس لهم عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث غيره. وحديث آخر مرسل بشكّ ، وهو

__________________

(١) أخرجه صاحب الكنز برقم ١٤٩٢٥ عن الطبرانى ومسلم.

(٢) أخرجه صاحب الكنز برقم ٣٣٠٩٦ عن الطبرانى.

٢٩٠

حديث ضمام بن إسماعيل ، عن عيّاش بن عبّاس القتبانى ، قال : لما حصروا الإسكندريّة قال لهم صاحب المقدّمة : لا تعجلوا حتى آمركم برأيى ، فلما فتح الباب دخل رجلان فقتلا ؛ فبكى صاحب المقدّمة ، قال ضمام : أظنّه عبد الله بن سعد ، فقيل له : لم بكيت وهما شهيدان؟ قال : ليت أنّهما شهيدان ، ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يدخل الجنّة عاص ، وقد أمرت ألا يدخلوا ، فدخلوا بغير إذن. حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

ولهم عنه حكايات فى نفسه. منها حديث ابن لهيعة ، عن ابن أبى جعفر ، عن أبى سعيد الغافقى ، أنه سمع عبد الله بن سعد بن أبى سرح وهو على المنبر ، يقول : لا تسقوا دوابّكم الخمر ؛ فإنها رجس من عمل الشيطان. حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : حدثنى العلوىّ ، عن عبد الله بن ربيعة ، قال : غزونا مع عبد الله بن سعد إفريقيّة ، فصلّى لهم صلاة ، فبينا هم فى صلاتهم إذ فزع الناس ؛ فانصرفوا ؛ فقال لهم عبد الله بن سعد : إنّ هذه الصلاة قد اختضرت (١) ؛ فأعيدوا صلاتكم ، فأعاد بهم الصلاة وأعادوا. حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا بكر بن مضر ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن قيس بن أبى يزيد ، عن الجلاس بن عامر ، عن عبد الله بن ربيعة ، قال : صلّى عبد الله ابن سعد للناس بإفريقيّة المغرب ، فلما صلّى ركعتين سمع جلبة فى المسجد ؛ فأرعبهم ذلك وظنّوا أنهم العدوّ ؛ فقطع الصلاة ، فلما لم ير شيئا خطب الناس وقال : إن هذه الصلاة اختضرت (٢) ، وأمر مؤذّنه فأقام الصلاة ثم أعادها.

لم يرو عنه غير أهل مصر. وتوفّى بعسقلان فى أيّام معاوية بن أبى سفيان قبل اجتماع الناس عليه. يكنّى أبا يحيى ، ويقال توفّى عبد الله بن سعد سنة ستّ وثلاثين ، وكان والى البلد بمصر بعد عمرو بن العاص.

__________________

(١) اختضرت : لدى تورى وعامر «اختضرت» وفى ك «اختصرت» والمثبت قراءة د. حسين نصار فى تعليقه على طبعة عامر بقوله : «إن هذه الصلاة قد احتضرت» والصواب «اختضرت» أى قطعت قبل تمامها ، من الاختضار وهو الموت فى سن الشباب.

(٢) ك : «اختصرت».

٢٩١

وممّن دخلها من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممن شركوا الناس فى الرواية عنه وأغربوا به عليهم فى الحديث.

الزبير بن العوّام

ولهم عنه حديث واحد. وهو حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عمّن سمع عبيد الله بن المغيرة ، يقول : سمعت سفيان بن وهب الخولانى ، يقول : «لما افتتحنا (١) مصر بغير عهد (٢) قام الزبير فقال : اقسمها يا عمرو ؛ فقال عمرو : لا أقسمها حتى أوامر أمير المؤمنين ، فقال الزبير : والله لتقسمنّها كما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر ، فقال عمرو : والله لا أقسمها حتى أوامر أمير المؤمنين ، فكتب إلى عمر بن الخطّاب ؛ فكتب اليه عمر : أقرّها حتى يغزو منها حبل الحبلة» (٣) حدثناه يوسف بن عدّى ، عن عبد الله بن المبارك. قال : وحدثناه عبد الملك بن مسلمة.

قال ابن لهيعة : وحدثنى يحيى بن ميمون ، عن عبيد الله بن المغيرة ، عن سفيان بن وهب نحوه.

وتوفى بوادى السباع سنة ستّ وثلاثين ، قتله ابن جرموز. ويكنّى أبا عبد الله.

وعبد الله بن عمر بن الخطّاب

ولهم عنه شبيه بثمانية أحاديث كلّها أغربوا بها. منها حديث أبى شريح عبد الرحمن بن شريح ، عن شراحيل بن بكيل ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين نزل تحريم الخمر ؛ فأمر بآنية الخمر فجمعها (٤) فى موضع واحد ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غدا وهو آخذ بيدى اليسرى بيده اليمنى ، فأقبل عمر بن الخطّاب ؛ فحوّلنى عن يساره وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدى اليمنى بيده اليسرى ، وأخذ عمر ابن الخطّاب بيده اليمنى يده اليسرى ، فسرنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما بيننا ، فأقبل أبو بكر فسرّح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدى وحوّل عمر عن يساره ، وأخذ بيد أبى بكر بيده اليمنى يده

__________________

(١) ب : «فتحنا».

(٢) ب : «بغير عهد ولا عقد».

(٣) أخرجه صاحب الكنز برقم ١١٦٣٩. وحبل الحبلة بفتح الحاء والباء فيها قال فى النهاية : يريد حتى يغزو أولاد الأولاد.

(٤) أ ، ب : «فجعلها» وفى د «فجمعت».

٢٩٢

اليسرى ، فسرنا حتى أتينا الآنية التى جمعت وفيها الخمر والزقاق ، فقال : ائتونى بشفرة أو مدية ، فحسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذراعية وأخذ الشفرة ، فقال عمر وأبو بكر : يا رسول الله ، نحن نكفيك ، فقال شقّوها على ما فيها من غضب الله ، الخمر حرام ، لعن شاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومشتريها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وعاصرها ، ومعتصرها ، والقيّم عليها ، وآكل ثمنها (١). حدثناه طلق بن السمح.

قال : حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، وأبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، وعبد الملك بن مسلمة ، قالوا : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى طعمة قال : سمعت ابن عمر يذكر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه.

قال عبد الملك بن مسلمة قال ابن لهيعة : وكان أبو طعمة أوّل من أقرأ أهل مصر.

حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، وعبد الله بن صالح ، قالا : حدثنا الليث بن سعد. قال أبى : وحدثنى ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، أنه سمع ثابت بن يزيد الخولانى يذكر أنه كان له عم يبيع الخمر ويتجر فيها ، فحججت فأتيت عبد الله بن عبّاس فذكرت ذلك له ، فقال : يا أمّة محمد ، لو كان كتاب بعد كتابكم أو نبىّ بعد نبيّكم لأنزل عليكم كما أنزل على من كان قبلكم ، ولكن أخّر عنكم إلى يوم القيامة ، وليس بأخفّ عليكم هى حرام وثمنها حرام.

ثم أتيت ابن عمر فذكرت له مثل ذلك فقال : سوف أخبرك عن الخمر ، نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحريم الخمر وأنا عنده فقال : من كان عنده منها شىء فليؤذنّى به كلّما جاءه أحد يخبره أن عنده منها شىء قال الوادى ، حتى إذا اجتمعت هناك قام إليها فأتى أبو (٢) بكر وعمر فمشى (٣) بينهما ، حتى إذا وقف عليها قال : أتعرفون هذه؟ قالوا : نعم ، هذه الخمر ، قال : «إنّ الله لعن الخمر ، وشاربها ، وساقيها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة اليه ، وبائعها ومشتريها ، وآكل ثمنها» قال الليث ثم دعا بالسّكّين فقال باعدوها ؛ ففعلوا ، ثم أخذها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرّق الزقاق. فقال الناس : إنّ فى هذه الزقاق

__________________

(١) أخرجه صاحب الكنز برقم ١٣٢٥٧ عن الطبرانى. وبرقم ١٣١٩١ عن الحاكم والبيهقى. وبرقم ١٣١٧٧ عن أبى داود.

(٢) ك «أبا بكر».

(٣) ب «فمشينا».

٢٩٣

المنفعة ، قال : أجل ، ولكن إنما أفعل ذلك لما فيها من سخط الله ، فقال عمر : أنا أكفيك يا رسول الله ، فقال : لا.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن قيصر مولى تجيب ، عن ابن عمر ، أنه كان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتاه (١) شيخ فقال : أقبّل وأنا صائم؟ قال : نعم. ثم جاءه شابّ من قبل أن يقوم من مجلسه ، فسأله ؛ فقال : لا. فنظر بعضنا إلى بعض فقال : «قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض ، إنّ الشيخ يملك نفسه» (٢).

حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار. وخالف (٣) أسد بن موسى فى هذا الحديث فقال : عبد الله بن عمرو ، والله أعلم.

قال عبد الرحمن بن عبد الحكم : وكأنّى رأيت المصريّين يقولون هو ابن عمر ، وقيصر مولى تجيب هو قيصر بن أبى بحريّة.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن أبى طعمة ، قال : كنت مع ابن عمر إذ جاءه رجل فسأله عن الصيام فى السفر ، فقال : لا تصم. قال إنّى أقوى على ذلك. قال ابن عمر سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفات» (٤). حدثناه النضر بن عبد الجبّار ، وعبد الملك بن مسلمة.

وكان ابن عمر شهد الفتح مع عمرو بن العاص ، وتوفى فى سنة ثلاث وسبعين ، يكنّى أبا عبد الرحمن.

والمقداد بن الأسود شهد بدرا

ولم عنه ثلاثة أحاديث عن نفسه ـ وليس لهم عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شىء ـ أحدها ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أنه سمعه يذكر أن المقداد بن الأسود كان غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية ؛ فلما رجعوا قال عبد الله للمقداد فى دار بناها : كيف ترى بنيان هذه الدار؟ فقال له المقداد : إن كان من مال الله فقد أفسدت ، وإن كان من مالك

__________________

(١) ب ، ج «فجاءه».

(٢) أخرجه صاحب الكنز برقم ٢٣٨٣٣ عن الطبرانى وأحمد.

(٣) ب «وخالفه».

(٤) مسند أحمد فى كنز العمال ج ٣ ص ٣٤.

٢٩٤

فقد أسرفت. فقال عبد الله لو لا أن يقول قائل أفسدت (١) مرّتين لهدمتها. حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

والآخر ابن لهيعة ، عن عيّاش بن عبّاس القتبانى عن أبى المعارك الودّانىّ ، أن رجلا من غافق كان له على رجل من مهرة مائة دينار فى زمان عثمان بن عفّان ، فغنموا غنيمة حسنة ، فقال الرجل أعجّل لك تسعين دينارا وتمحو عنّى المائة؟ وكانت مستأخرة ؛ فرضى بذلك الغافقىّ ، فمرّ بهما المقداد بن الأسود فأخذا بلجام دابّته ليشهداه ، فلما قصّ عليه القصّة قال : كلا كما قد أذن بحرب من الله ورسوله. حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، قال : حدثنى أزهر بن يزيد الغطيفى ، قال : كان على مقاسم الناس يوم جرجير شريك بن سمىّ فباع تبرا بذهب بعضه أفضل من بعض ، ثم لقيا المقداد بن الأسود فذكرا ذلك له ، فقال المقداد : إن هذا لا يصلح.

يكنّى أبا معبد. وتوفى سنة ثلاث وثلاثين ، وصلّى عليه عثمان بن عفّان.

ومعاوية بن أبى سفيان

ولهم عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثان : أحدهما حديث ابن لهيعة ، عن كعب بن علقمة ، قال : أخبرنا حسّان بن كريب الحميرىّ ، قال : سمعت ابن ذى الكلاع ، سمعت معاوية بن أبى سفيان يقول ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتركوا الترك ما تركوكم» (٢). حدثناه يحيى بن بكير.

والآخر حديث الليث بن سعد وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن سويد بن قيس ، عن معاوية بن حديج ، أنه سمع معاوية بن أبى سفيان يقول : سألت أمّ حبيبة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّى فى الثوب الذي يجامعها فيه؟» وقال أحدهما : «يضاجعها فيه» «فقالت : نعم ، إذا لم يكن فيه أذّى» (٣) حدثناه أبى ، وشعيب بن الليث ، وعبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد.

__________________

(١) أ«أفسد».

(٢) الطبرانى فى كنز العمال ج ٤ ص ٣٦٥.

(٣) أخرجه صاحب الكنز برقم ٢١٧٠٣.

٢٩٥

قال : وحدثناه أبى وعبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة.

وحدثناه أبى وإسحاق بن بكر بن مضر ، عن بكر بن مضر ، عن جعفر بن ربيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن سويد بن قيس ، عن معاوية بن حديج ، عن معاوية بن أبى سفيان مثله.

وكان دخول معاوية بن أبى سفيان مصر فى سنة سبع وثلاثين حتى بلغ سلمنت من كورة عين شمس. يكنّى أبا عبد الرحمن. وتوفى بدمشق سنة ستّين.

وممّا يبيّن أن معاوية قد دخل مصر أن عبد الله بن يوسف حدثنا ، قال : حدثنا محمد ابن المهاجر ، عن العباس بن سالم ، عن مدرك بن عبد الله الأزدى ـ أو أبى مدرك ـ قال : غزونا مع معاوية مصر ، فنزلنا منزلا ، فقال عبد الله بن عمرو لمعاوية : أتأذن لى أن أقوم فى الناس؟ فأذن له ؛ فقام على قوسه (١) ؛ فحمد لله وأثنى عليه ، ثم قال : إنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : رأيت فى منامى أن عمود الكتاب حمل من تحت رأسى فأتبعته بصرى فاذا هو كالعمود من النور يعمد به إلى الشأم ، ألا وإنّ الإيمان إذا وقعت الفتن ، بالشأم» (٢) ثلاث مرّات.

وعبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق

ولهم عنه حديث واحد ، هو حديث ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن بكر ابن سوادة ، عن أبى ثور ، عن عبد الرحمن بن أبى بكر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تحلّ الصدقة لغنىّ» (٣).

وعمّار بن ياسر

ولهم عنه حديث واحد ، وهو ابن لهيعة ، عن أبى عشانة الموهبىّ ـ من المعافر ـ قال : سمعت عمار بن ياسر ، يقول : أبشروا فوالله لأنتم أشدّ حبّا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم تروه من عامّة من رآه. حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.

__________________

(١) أ«فرسه».

(٢) أخرجه صاحب الكنز برقم ٤٤. ٣٥ عن الطبرانى وابن عساكر.

(٣) أخرجه صاحب الكنز برقم ١٦٥٠١ عن أبى داود والحاكم وأحمد والترمذى.

٢٩٦

وتوفى سنة سبع وثلاثين. يكنّى أبا اليقظان. وكان دخوله مصر أيّام عثمان ابن عفّان كما حدثنا عبد الحميد بن الوليد أبو زيد كبد.

وقد روى بعض الناس سمعت عمّار بن ياسر بذى الصّوارى.

وأبو أيّوب الأنصارىّ شهد بدرا واسمه خالد بن زيد

ولهم عنه تسعة أحاديث أغربوا بها ـ إلا حديثا واحدا رواه الناس معهم ، وهو حديث البصل ـ منها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : أخبرنى أبو عمران أسلم ، أنه سمع أبا أيّوب الأنصارى ، يقول : قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن بالمدينة وأخبر بعير لأبى سفيان مقبلة فقال : هل لكم أن نخرج فنتلقّى هذه العير لعلّ الله يغنمناها؟ قلنا : نعم ، فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا : ما ترون فى القوم؟ فإنهم قد أخبروا بخروجكم ، قلنا : والله يا رسول الله ، ما لنا طاقة بقتال العدوّ ؛ ولكنّا أردنا العير ، ثم قال : ما ترون فى قتال العدوّ؟ قلنا : لا طاقة لنا بقتالهم ، فقال المقداد بن عمرو : إنّا لا نقول كما قال قوم موسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)(١).

قال أبو أيّوب : فتمنّينا معشر الأنصار لو أنّا قلنا كما قال المقداد أحبّ إلينا من أن يكون لنا مال عظيم ، فأنزل الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)(٢) إلى قوله (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ثم أنزل الله (أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى قوله (كُلَّ بَنانٍ)(٣) وقال (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ)(٤) والشوكة الشرّ ، وغير الشوكة العير.

فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين إمّا العير وإمّا القوم طابت أنفسنا ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث رجلا لينظر ؛ فأقبل الرجل فقال : رأيت سوادا ولا أدرى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هم هم ، فأمرنا أن نتعادّ ؛ ففعلنا ؛ فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فأخبرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدّتنا فسرّ بذلك ، وحمد الله ، وقال : عدّة أصحاب طالوت.

ثم إنا اجتمعنا مع القوم فاصطففنا ، فبدرت منا بادرة فقال ابن رواحة : يا

__________________

(١) سورة المائدة ٢٤.

(٢) سورة الأنفال ٥.

(٣) سورة الأنفال ١٢.

(٤) سورة الأنفال ٧

٢٩٧

رسول الله ، إنى أريد أن أشير عليك ، ورسول الله أفضل ممّا يشار عليه ، إنّ الله أجلّ من أن يشكّ فى وعده ، فقال : يا بن رواحة ، لا تشكّنّ فى وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.

وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبضة من تراب فرمى بها فى وجوه القوم ؛ فانهزموا ؛ فأنزل الله عزوجل (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(١) فقتلنا وأسرنا ، فقال عمر بن الخطّاب : لا يكون أسرى ؛ فإنما (٢) نحن داعون (٣) ؛ فقلنا معشر الأنصار إنما حمل عمر حسد لنا ، فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم استيقظ ، فقال : ادع لى عمر ؛ فدعى ؛ فقال له : إن الله قد أنزل (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)(٤) الآية. حدثناه أبى عبد الله ابن عبد الحكم ، عن ابن لهيعة.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن أسلم أبى عمران ، عن أبى أيّوب الأنصارى ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : بادروا بصلاة المغرب طلوع النجم (٥). حدثناه عبد الملك بن مسلمة.

حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح ، أخبرنا يزيد بن أبى حبيب ، قال : حدثنى أبو عمران التجيبى ، أن عقبة بن عامر صلّى صلاة الغرب فأخّرها ونحن بالقسطنطينيّة ، ومعنا أبو أيّوب الأنصارى ، فقال له أبو أيّوب : يا عقبة ، أتؤخّر صلاة المغرب هذا التأخير وأنت من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيراك من لم يصحبه فيظنّ أنه وقتها! قال أبو عمران ، فقلت لأبى أيّوب : فمتى وقتها؟ فقال : كنّا نصلّيها حين تجب الشمس نبادر بها طلوع النجوم.

ومنها حديث الليث وحيوة بن شريح ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : حدثنى أسلم أبو عمران ، قال : كنا (٦) بالقسطنطينيّة وعلى أهل مصر عقبة بن عامر صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى أهل الشأم فضالة بن عبيد ، فخرج من أهل المدينة صف عظيم من الروم ،

__________________

(١) سورة الأنفال ١٧.

(٢) ب «إنما».

(٣) ب «راعون».

(٤) سورة الأنفال ٦٧.

(٥) ج «النجوم».

(٦) ج «كنا نصلى».

٢٩٨

وصففنا لهم صفا عظيما من المسلمين ، فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم ، ثم خرج إلينا وصاح الناس ، سبحان الله! ألقى بيده (١) إلى التهلكة فقام أبو أيّوب الأنصارى ، فقال : أيّها الناس ، إنكم لتأوّلون هذه الآية على هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار ، إنّه لمّا أعزّ الله دينه وكثّر ناصريه ، قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سرا من رسول الله : إنّ أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله عزوجل فى كتابه يردّ علينا ما هممنا به. (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(٢) فكانت التهلكة أن نقيم فى الأموال ونصلحها. فأمرنا بالغزو ، فما زال أبو أيّوب غازيا فى سبيل الله حتى قبضه الله. حدثناه عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد. وعبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثناه عن حيوة بن شريح.

ومنها حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن أبيه ، أنه قال : جمعنا وأبا أيّوب الأنصارى مرسى فى البحر ، فلما حضر غداؤنا أرسلنا إلى أبى أيّوب وأهل مركبه ، فأتانا أبو أيّوب فقال : دعوتمونى وأنا صائم ، فكان علىّ من الحقّ أن أجيبكم ، إنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنّ للمسلم على أخيه المسلم ستّ خصال واجبة ، فمن ترك خصلة منها فقد ترك حقا واجبا لأخيه عليه : إذا دعاه أن يجيبه ، وإذا لقيه أن يسلّم عليه ، وإذا عطس أن يشمّته ، وإذا مرض أن يعوده ، وإذا مات أن يتبع جنازته ، وإذا استنصح له أن ينصحه» (٣) قال حدثناه المقرئ.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن حيىّ بن عبد الله المعافرى ، عن أبى عبد الرحمن الحبلى ، عن أبى أيّوب الأنصارى ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من فرق بين والدة وولدها فرّق الله بينه وبين الأحبّة يوم القيامة» (٤) حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، وعثمان بن صالح.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن أبى عبد الرحمن ، أن أبا أيّوب أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقصعة فيها بصل ، فقال : «كلوا وأبى أن يأكله (٥) وقال : إنّى لست

__________________

(١) ب «بيديه».

(٢) سورة البقرة : ١٩٥.

(٣) أخرجه صاحب الكنز برقم ٢٤٨٣٩ عن الطبرانى.

(٤) أخرجه صاحب الكنز برقم ٢٥٠٢٢ عن أحمد والترمذى والحاكم.

(٥) أ ، ك «وأبى يأكله».

٢٩٩

كمثلكم» (١) وزعم أبو عبد الرحمن أن أبا أيّوب لم يكن يأكل البصل نيا ولا طبيخا.

وتوفّى بالقسطنطينيّة سنة إحدى وخمسين غازيا مع يزيد بن معاوية.

وعبادة بن الصامت قد شهد بدرا والعقبة

ولهم عنه أحاديث أغربوا بها. منها حديث ابن لهيعة ونافع بن يزيد ، عن سيّار ابن عبد الرحمن ، عن يزيد بن قودر ، عن سلمة بن شريح ، عن عبادة بن الصامت قال : أوصانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبع خلال ، قال : «لا تشركوا بالله شيئا وإن قطّعتم أو حرّقتم أو قتلتم ، ولا تتركوا الصلاة المكتوبة متعمّدين ؛ فمن تركها متعمّدا فقد خرج من الملّة ، ولا تركبوا المعصية فإنها من سخط الله ، ولا تشربوا الخمر فإنها رأس الخطايا كلّها ، ولا تفرّوا من القتل والموت وإن كنتم فيه ، ولا تعصين (٢) والديك ؛ وإن أمراك أن تخرج من الدنيا كلّها فاخرج ، ولا تضع عصاك عن أهلك ، وأنصفهم من نفسك» (٣) حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، عن ابن لهيعة وسعيد بن أبى مريم ، عن نافع بن يزيد.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، قال : حدثنى علىّ بن رباح ، أنه سمع جنادة بن أبى أميّة ، يقول : سمعت عبادة بن الصامت ، يقول : إن رجلا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أىّ العمل أفضل؟ قال : «إيمان بالله ، وتصديق وجهاد فى سبيله قال : أريد أهون من ذلك يا رسول الله ، قال : السماحة والصبر ، قال : أريد أهون من ذلك ، قال : لا تتّهم الله فى شىء قضى لك به» (٤) حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ويحيى بن بكير.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، عن أبى عبد الرحمن الحبلى ، عن عبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من نفس تموت لها عند الله خير تحبّ أن ترجع إليكم إلّا الشهيد ؛ فإنه يحبّ أن يرجع ، فيقتل مرّة أخرى» (٥) حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم.

__________________

(١) أخرجه صاحب الكنز برقم ٤٠٩١٢ عن أحمد والترمذى وابن حبان.

(٢) ج «ولا تغضبن».

(٣) أخرجه صاحب الكنز برقم ٤٤٠٥٠ عن الطبرانى.

(٤) أخرجه صاحب الكنز برقم ٦٣٦٣٩ عن أحمد وابن أبى شيبة وأبى يعلى والطبرانى.

(٥) أخرجه صاحب الكنز برقم ١٠٥٤٢ عن البخارى ومسلم وأحمد والترمذى.

٣٠٠