فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

بين يديه ، وحضر موسى بن نصير فقال له سليمان : أتعرف هذا؟ قال : نعم ، أعلمه صوّاما قوّاما ، فعليه لعنة الله إن كان الذي قتله خيرا منه.

وكان قتل عبد العزيز بن موسى كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث ابن سعد ، فى سنة سبع وتسعين.

قال وكان سليمان عاتبا على موسى بن نصير فدفعه إلى حبيب بن أبى عبيدة وأصحابه ليخرجوا به إلى إفريقية ، فاستغاث بأيّوب بن سليمان فأجاره ، وشفع له إلى أبيه.

ويقال إن سليمان أخذ موسى بن نصير فغرم له مائة ألف دينار وألزمه ذلك ، وأخذ ما كان له ، فاستجار (١) بيزيد بن المهلّب ، فاستوهبه من سليمان فوهبه له وماله ، وردّ ذلك عليه ولم يلزمه شيئا.

ومكث أهل الأندلس بعد ذلك سنين لا يجمعهم وال.

وعزم سليمان على الحجّ فأخرج موسى بن نصير على نصب حجره ، فخرج حتى إذا كان بالمرّ (٢) توفّى. وكانت وفاته فى سنة سبع وتسعين فيما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد.

ثم ولى إفريقية محمد بن يزيد القرشىّ ، ولّاه سليمان بن عبد الملك بمشورة رجاء ابن حيوة ، وصرف عبد الله بن موسى سنة ستّ وتسعين.

حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث ، قال : أمّر محمد بن يزيد على. إفريقية سنة سبع وتسعين ، فلم يزل محمد بن يزيد واليا حتى توفّى سليمان بن عبد الملك.

وكانت وفاته كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة تسع وتسعين. فعزل وولى مكانه إسماعيل بن عبيد الله فى المحرّم سنة مائة على حربها وخراجها وصدقاتها ، وكان حسن السيرة ، ولم يبق فى ولايته يومئذ من البربر أحد إلّا أسلم ، فلم يزل واليا عليها حتى توفّى عمر بن عبد العزيز.

وكانت وفاته كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، يوم الجمعة لعشر

__________________

(١) أ : «فاستحاز». ج : «فاستخار».

(٢) المر : بطن من بطون إضم ، والمراد مكان نزولهم.

٢٤١

ليال بقين من رجب سنة إحدى ومائة. فعزل وولى مكانه يزيد بن أبى مسلم كاتب الحجّاج ، ولّاه يزيد بن عبد الملك فى سنة إحدى ومائة.

وعبد الله بن موسى بن نصير يومئذ بالمشرق ، فقدم مع يزيد بن أبى مسلم إلى إفريقية ، حتى إذا كان قريبا منها تلقّاه الناس ، فلما دخل القيروان عزم يزيد بن أبى مسلم على عبد الله بن موسى بن نصير أن ينصرف إلى منزله ، فمضى عبد الله إلى داره ، وأمر يزيد الناس باتّباعه حتى ظنّوا (١) أنه شريك معه ، فلما أدبر عبد الله ألحقه يزيد رسولا بأن أعدّ من مالك عطاء الجند خمس سنين.

ثم إنّ يزيد بن أبى مسلم أخذ موالى موسى بن نصير من البربر ، فوشم أيديهم وجعلهم أخماسا ، وأحصى أموالهم وأولادهم ، ثم جعلهم حرسه وبطانته ، وأخذ محمد بن يزيد القرشى فعذّبه وجلده جلدا وجيعا فاستسقاه فسقاه رمادا ، وكان محمد بن يزيد قد ولى عذاب يزيد بن أبى مسلم بالمشرق فى زمان الحجّاج ، فقال له يزيد : إذا أصبحت عذبتك حتى تموت أو أموت قبلك ، وكان قد بنى له فى السجن بيتا ضيّقا فجعله فيه ، وكساه جبّة صوف غليظة ، وطبع عليها بخاتم من رصاص.

فلما تعشّى يزيد بن أبى مسلم أتى فى آخر طعامه بعنب ، فتناول منه عنقودا ، وأهوى إليه رجل من حرسه يقال له حريز بالسيف فضربه ، حتى قتله ، واحتزّ رأسه ورمى به فى المسجد عتمة ، فأقبل غلام لمحمد بن يزيد ، فدخل عليه السجن فقال : أبشر فإن يزيد قد قتل ، فقال له محمد : قد كذبت ، وظنّ أنه دسّ إليه ، ثم اتّبعه آخر من غلمانه ثم آخر ، حتى توافوا سبعة ، فلما تيقّن محمد بموت يزيد أعتق العبيد.

قال ويقال بل كان حرس يزيد بن أبى مسلم حين قدم البربر ليس فيهم إلّا بترى ، وكانوا هم حرس الولاة قبله البتر خاصّة ، ليس فيهم من البرانس أحد فخطب يزيد بن أبى مسلم الناس فقال : إنى إن أصبحت صالحا وشمت حرسى فى أيديهم كما تصنع الروم ، فأشم فى يد الرجل اليمنى اسمه ، وفى اليسرى حرسى ، فيعرفوا بذلك من غيرهم ، فأنفوا من ذلك ، ودبّ بعضهم إلى بعض فى قتله ، وخرج من ليلته إلى المسجد لصلاة المغرب فقتلوه فى مصلّاه. وكان قتله كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد فى سنة ثنتين ومائة.

__________________

(١) ج : «يظنوا».

٢٤٢

فلما قتل يزيد بن أبى مسلم ، اجتمع الناس فنظروا فى رجل يقوم بأمرهم إلى أن يأتى رأى يزيد بن عبد الملك ، فتراضوا بالمغيرة بن أبى بردة القرشى ثم أحد بنى عبد الدار ، فقال له عبد الله ابنه أيّها الشيخ إنّ هذا الرجل قتل بحضرتك ، فإن قمت بهذا الأمر بعده لم آمن عليك أن يلزمك أمير المؤمنين قتله ، فقبل ذلك الشيخ ، فاجتمع رأى أهل إفريقية على محمد بن أوس الأنصارىّ ، وكان بتونس على غزو بحرها (١) ، فأرسلوا إليه فولّوه أمرهم ، وكتب إلى يزيد يخبره (٢) بما كان ، فبعث فى ذلك خالد بن أبى عمران وهو من أهل تونس ، فقدم على يزيد فقبل منهم (٣) وعفا عمّا كان من زلّتهم.

قال خالد بن أبى عمران : ودعانى يزيد خاليا فقال : أىّ رجل محمد بن أوس؟ فقلت : رجل من أهل الدين والفضل ، معروف بالفقه ، قال : فما كان بها قرشى؟ قلت بلى ، المغيرة بن أبى بردة ، قال : قد عرفته ، فما له لم يقم؟ قلت أبى ذلك وأحبّ العزلة ، فسكت.

واتّهم الناس عبد الله بن موسى بن نصير أن يكون هو الذي عمل فى قتل يزيد بن أبى مسلم ، فولّى يزيد بن عبد الملك بشر بن صفوان الكلبى إفريقية وذلك فى سنة ثنتين ومائة وكان عامله على مصر ، فخرج إلى إفريقية ، واستخلف على مصر أخاه حنظلة ، فلما دخل إفريقية بلغه أن عبد الله بن موسى هو الذي دسّ لقتل يزيد بن أبى مسلم ، وشهد على ذلك خالد بن أبى حبيب القرشىّ وغيره ، فكتب بشر إلى يزيد بن عبد الملك ، فكتب يزيد إلى بشر بن صفوان يأمره بقتل عبد الله بن موسى بن نصير ، وهمّ بشر بتأخيره أيّاما ، فقال خالد بن أبى حبيب ومحمد بن أبى بكير لبشر بن صفوان : عجّل بقتله من قبل أن تأتيه (٤) عافيته من أمير المؤمنين.

وكانت أمّ عبد الله ابنة موسى بن نصير تحت الربيع صاحب خاتم يزيد. فكلّم يزيد فأمر بعافيته ، وجعلت أخته للرسول ثلاثة آلاف دينار إن هو أدركه ، وأمر بشر بقتل عبد الله بن موسى فقتل ، وقدم الرسول بعافيته بعد أن قتله فى ذلك اليوم ، وبعث برأسه مع سليمان بن وعلة التميمى إلى يزيد ، فنصبه.

__________________

(١) ب : «نحوها».

(٢) ب : «يعلمه».

(٣) ج : «منه».

(٤) ب : «تأتيك».

٢٤٣

ثم وفد بشر بن صفوان إلى يزيد بهدايا كان أعدّها له ، حتى إذا كان ببعض الطريق لقيته وفاة يزيد ؛ وكانت وفاته كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، ليلة الجملة لأربع ليال بقين من شعبان سنة خمس ومائة.

وقدم بشر بتلك الهدايا على هشام بن عبد الملك فردّه على إفريقية ، فقدمها ، وتتبّع أموال موسى بن نصير ، وعذّب عمّاله ، وولّى على الأندلس عنبسة بن سحيم الكلبى ، وعزل عنها الحرّ بن عبد الرحمن القيسى ، وقد كان بشر غزا البحر من إفريقية ، فأصابهم الهول ، فهلك لذلك من جيشه خلق كثير (١) ، ثم توفّى بشر بن صفوان من مرض يقال له الدبيلة فى شوّال سنة تسع ومائة.

حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : نزع بشر بن صفوان عن (٢) إفريقية فى سنة خمس ومائة ، وردّ إليها فى سنة ست ومائة ، ومات فى سنة تسع ومائة.

واستخلف بشر بن صفوان حين توفّى على إفريقية نغاش بن قرط الكلبى ، فعزله هشام ، وولّى عبيدة بن عبد الرحمن القيسى على إفريقية فى صفر سنة عشر ومائة.

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث ، قال : وولىّ عبيدة بن عبد الرحمن إفريقية فى المحرّم سنة عشر ومائة ، فلما قدم عبيدة إفريقية وجّه المستنير ابن الحبحاب الحرشىّ غازيا إلى صقليّة ، فأصابتهم ريح فغرقتهم ، ووقع المركب الذي كان فيه المستنير إلى ساحل أطرابلس ، فكتب عبيدة بن عبد الرحمن إلى عامله على أطرابلس يزيد بن مسلم الكندى ، يأمره أن يشدّه وثاقا ويبعث معه ثقة ، فبعث به (٣) فى وثاق ، فلما قدم على عبيدة جلده جلدا (٤) وجيعا وطاف به القيروان على أتان ، ثم جعل يضربه فى كل جمعة مرّة حتى أبلغ إليه ، وذلك أن المستنير أقام بأرض الروم حتى نزل عليه الشتاء ، واشتدّت أمواج البحر وعواصفه ، فلم يزل محبوسا عنده.

وكان عبيدة قد ولّى عبد الرحمن بن عبد الله العكّىّ على الأندلس ، وكان رجلا صالحا ، فغزا عبد الرحمن إفرنجة ، وهم أقاصى عدوّ الأندلس فغنم غنائم كثيرة ، وظفر

__________________

(١) ب : «كبير».

(٢) ج : «على».

(٣) ج : «معه».

(٤) أ : «حدا».

٢٤٤

بهم ، وكان فيما أصاب رجل من ذهب مفصّصة (١) بالدرّ والياقوت والزّبرجد ، فأمر بها فكسرت ، ثم أخرج الخمس ، وقسم سائر ذلك فى المسلمين الذين كانوا معه ، فبلغ ذلك عبيدة ، فغضب غضبا شديدا ، فكتب إليه كتابا يتواعده فيه ، فكتب إليه عبد الرحمن : إنّ السماوات والأرض لو كانتا رتقا لجعل الرحمن للمتّقين منهما مخرجا ، ثم خرج إليهم أيضا غازيا فاستشهد وعامّة أصحابه ؛ وكان قتله فيما حدثنا يحيى عن الليث فى سنة خمس عشرة ومائة.

فولّى عبيدة على الأندلس بعده عبد الملك بن قطن ، ثم خرج عبيدة إلى هشام بن عبد الملك ، وخرج معه بهدايا وذلك فى شهر رمضان سنة أربع عشرة ومائة.

حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : كان قدوم عبيدة بن عبد الرحمن من إفريقية سنة خمس عشرة ومائة ، وفيها أمّر ابن قطن على الأندلس.

وكان فيما خرج به من العبيد والإماء ومن الجوار المتخيّرة سبعمائة جارية ، وغير ذلك من الخصيان والخيل والدوابّ والذهب والفضّة والآنية.

واستخلف على إفريقية حين خرج عقبة بن قدامة التجيبىّ فقدم على هشام بهداياه (٢) واستعفاه فأعفاه ، وكتب إلى عبيد الله بن الحبحاب وهو عامله على مصر يأمره بالمصير (٣) إلى افريقية ، وولّاه إياها وذلك فى شهر ربيع الآخر من سنة ستّ عشرة ومائة.

فقدم عبيد الله بن الحبحاب إفريقية فأخرج المستنير من السجن وولّاه تونس ، واستعمل ابنه إسماعيل بن عبيد الله على السّوس ، واستخلف ابنه القاسم بن عبيد الله على مصر ، واستعمل على الأندلس عقبة بن الحجّاج ، وعزل عبد الملك بن قطن.

ويقال بل كان الوالى على الأندلس يومئذ عنبسة بن سحيم الكلبى ، فعزله ابن الحبحاب ، وولّى عقبة بن الحجاج ، فهلك عقبة بن الحجاج بالأندلس ، فردّ عبيد الله عليها عبد الملك بن قطن.

وغزّى عبيد الله حبيب بن أبى عبيدة الفهرى السّوس وأرض السودان ، فظفر بهم

__________________

(١) ج ، ك : «مفضضة».

(٢) أ : «بهدايا».

(٣) ج : «بالمسير».

٢٤٥

ظفرا لم ير مثله ، وأصاب ما شاء من ذهب ، وكان فيما أصاب جارية أو جاريتان من جنس تسمّيه البربر إجّان ، ليس لكلّ واحدة منهنّ إلّا ثدى واحد (١) ثم غزّاه أيضا البحر ، ثم انصرف.

وانتقضت البربر على عبيد الله بن الحبحاب بطنجة ، فقتلوا عامله عمر بن عبد الله المرادى ، وكان الذي تولّى ذلك ميسرة الفقير البربرىّ ثم المدغرىّ ، وهو الذي قام بأمر البربر وادّعى الخلافة وتسمّى بها وبويع عليها ، ثم استعمل ميسرة على طنجة عبد الأعلى بن جريج الإفريقى ، وكان أصله روميا وهو مولّى لابن نصير.

ثم سار إلى السّوس وعليها إسماعيل بن عبيد الله فقتله ، وذلك أوّل فتنة البربر بأرض إفريقية.

فوجّه عبيد الله بن الحبحاب خالد بن أبى حبيب الفهرى إلى البربر بطنجة ، ومعه وجوه أهل إفريقية من قريش والأنصار وغيرهم ، فقتل خالد وأصحابه لم ينج منهم أحد ، فسمّيت تلك الغزوة غزوة الأشراف. ويقال إن خالدا لقى ميسرة دون طنجة ، فقتل ومن معه.

ثم انصرف ميسرة إلى طنجة ، فأنكرت عليه البربر سيرته وتغيّره عمّا كانوا بايعوه عليه ، فقتلوه ، وولّوا أمرهم عبد الملك بن قطن المحاربىّ.

حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : كان بين ميسرة الفقير وأهل إفريقية من البربر (٢) .... وقتل إسماعيل بن عبيد الله وخالد بن أبى حبيب فى سنة ثلاث وعشرين ومائة.

فوجّه إليهم ابن (٣) الحبحاب حبيب بن أبى عبيدة ، فلما بلغ تلمسين أخذ موسى ابن أبى خالد مولى لمعاوية بن حديج ، وكان على تلمسين ، وقد اجتمع إليه من تمسّك بالطاعة ، فاتّهمه حبيب أن يكون له هوّى أو قد دسّ للفتنة ، فقطع يده ورجله ، وكان مقيما بتلمسين فى جيشه ، وقفل عبيد الله بن الحبحاب إلى هشام بن عبد الملك وذلك فى جمادى الأولى من سنة ثلاث وعشرين ومائة.

__________________

(١) ك : «واحدة».

(٢) بياض فى الأصول.

(٣) ج : «بابن».

٢٤٦

ثم وجّه هشام على إفريقية كلثوم بن عياض القيسى فى جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين ومائة ، وقدّم بلج بن بشر أمامه ، فلما قدم كلثوم إفريقية أمر أهل إفريقية بالجهاز (١) والخروج معه إلى البربر ، وقطع على أهل أطرابلس بعثا فخرج فى عدد كثير ، واستخلف على القيروان عبد الرحمن بن عقبة الغفارى ، وعلى الحرب مسلمة بن سوادة القرشى ، فثار عليه بعد خروج كلثوم يريد بربر طنجة ، عكّاشة بن أيّوب الفزارى من ناحية قابس ، وهو صفرىّ ، وأرسل أخا له ، فقدم سبرت ، فجمع بها زناتة ، وحصر أهل سوق سبرت فى مسجدهم ، وعليهم حبيب بن ميمون.

وبلغ الخبر صفوان بن أبى مالك وهو أمير على أطرابلس ، فخرج بهم ، فوقع على أخى الفزارى وهو محاصر أهل سبرت ، فقاتلهم ، فانهزم الفزارى وقتل أصحابه من زنانة وغيرهم ، وهرب إلى أخيه بقابس.

وخرج مسلمة بن سوادة فى أهل القيروان إلى عكّاشة بن أيّوب بقابس ، فقاتلهم ، فانهزم مسلمة وقتل عامّة (٢) من خرج معه ، ولحق بالقيروان ، وتحصّن عامّة من كان مع مسلمة من أهل القيروان وعليهم سعيد بن بجرة الغسّانى.

ويقال إن كلثوم بن عياض حين قدم من عند هشام خلّف القيروان ولم ينزل به ولم يدخله ، ونزل (٣) سبيبة ، وهى من مدينة القيروان على يوم ، فأفطر فيها ، وكتب إلى حبيب بن أبى عبيدة ألّا يفارق عسكره حتى يقدم عليه ، ثم شخص كلثوم غازيا حتى قدم على حبيب ، ثم رحلا (٤) جميعا بمن معهما إلى طنجة.

وكان كلثوم حين خرج إلى البربر قد قدّم بلج بن بشر القيسى على مقدّمته (٥) فى الخيل ، فلما قدم على حبيب رفضة وأهان منزلته ، ثم قدم كلثوم فتلقّاه حبيب فتهاون به أيضا ، ثم خطب كلثوم الناس على ديدبان له فطعن فى (٦) حبيب وشتمه وأهل بيته. وكان عبد الرحمن بن حبيب مع أبيه حبيب.

__________________

(١) ب ، ج : «بالجهاد».

(٢) ج : «جماعة».

(٣) ب : «ودخل».

(٤) ج : «دخلا».

(٥) ج : «تقدمته».

(٦) أ ، ب ، ك : «على».

٢٤٧

ثم نفذ كلثوم وحبيب ، فلما انتهى إلى مطلوبه من أرض طنجة تلقّته البربر بجموعهم ، وعليهم خالد بن حميد الزناتى ثم الهتورىّ عراة متجرّدين ، ليس عليهم الا السراويلات ، وكانوا صفريّة ، وجاءوا جردين ، فأشار حبيب بن أبى عبيدة على كلثوم أن يقاتلهم الرجّالة بالرجّالة ، والخيل بالخيل ، فقال له كلثوم : ما أغنانا عن رأيك يا بن أمّ حبيب.

فوجّه بلج بن بشر على الخيل ليدوسهم بها ، وكانت الخيل أوثق فى نفس كلثوم من الرجّالة. وأن بلجا أسرى ليله (١) حتى واقعهم (٢) عند الصبح ، واستقبلوه عراة متجرّدين ، فحملت عليهم الخيل فصاحوا وولّوا ورموا بالأوصاف ، فانهزم بلج جريحا ، وتساقطت الخيول على كلثوم وقد تأهّب وعبّى أصحابه ، فأرسل إلى حبيب بن أبى عبيدة فقال : إنّ أمير المؤمنين أمرنى أن أولّيك القتال ، وأعقد لك على الناس. فقال حبيب : قد فات الأمر.

وزحفت رجّالة البربر على أثر الخيل حتى خالطوا كلثوما وأصحابه ، فأقسم حبيب على ابنه عبد الرحمن إلا ينزل راجلا ، وأن يلزم بلجا فيكون معه أسفا على بلج ، فإنّى مقتول ، وهلك كلثوم وحبيب ومن معهما ، وانهزم الناس إلى إفريقية. وكان قتل كلثوم فى سنة ثلاث وعشرين ومائة.

حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : قتل كلثوم فى سنة أربع وعشرين ومائة ، قتلهم (٣) ميسرة ، وانهزم بلج بن بشر وثعلبة الجذامى وبقيّة من أهل الشأم إلى الأندلس ، فاتّبعهم أبو يوسف الهوّارىّ وكان طاغية من طواغى البربر فأدركهم ، فقاتلهم ، فقتل أبو يوسف ، وانهزم أصحابه ، ومضى بلج وثعلبة الى الأندلس.

وكان كلثوم قد كتب إلى أهل الأندلس وعليها عبد الملك بن قطن الفهرىّ ، يأمرهم بإمداده والخروج إليه ، فوافاهم بلج وقد وقعوا إلى مجاز الخضراء. وتقدّم عبد الرحمن بن حبيب أمام بلج إلى الأندلس ، فقدمها ، وأمر عبد الملك بن قطن ألّا يسمع لبلج ولا يطيعه ، ثم قدم بلج فأقام بالجزيرة ، وكتب إلى عبد الملك بن قطن يعلمه أنه

__________________

(١) ب : «ليلته».

(٢) ج : «وقفهم».

(٣) ج «قتله».

٢٤٨

خليفة كلثوم ، وشهد له بذلك ثعلبة الجذامى وأصحابه ، وكان الرسول فيما بينهما قاضى الأندلس ، فسلّم عبد الملك بن قطن الولاية لبلج على كره من عبد الرحمن بن حبيب ، فخرج عبد الرحمن من قرطبة كارها لولاية بلج.

ثم إنّ بلجا لمّا قدم قرطبة حبس عبد الملك بن قطن فى السجن ، وثار عبد الرحمن ابن حبيب ومعه أميّة بن عبد الملك بن قطن ، فجمعا لقتال بلج ، فأخرج بلج عبد الملك ابن قطن من السجن ، وقال له : قم فى المسجد فأخبر الناس أن كلثوما كتب إليك أنى خليفته ، فقام عبد الملك فقال : أيّها الناس ، إنّى والى كلثوم وإنى محبوس بغير حقّ ، فضرب بلج عنقه.

ثم قدم عبد الرحمن بن حبيب بجموع ، فخرج إليه بلج ومن معه من أهل الشأم ، وكان بينهم نهر ، فلمّا كان الليل عبر عبد الرحمن إلى قرطبة ، وخليفة بلج بها القاضى ، وقد كان القاضى اتّهم بدم عبد الملك بن قطن ، فأخذه عبد الرحمن بن حبيب فسمل عينيه ، وقطع يديه ورجليه ، وضرب عنقه وصلبه على شجرة ، وجعل على جثّته رأس خنزير ، وبلج لا يشعر ، ثم خرج من قرطبة فقاتله بلج ، فانهزم عبد الرحمن بن حبيب ، ثم جمع جمعا آخر فقتل بلج ومن معه.

ويقال إن بلجا لم يقتل ، إنما مات موتا.

حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : مات بلج فى سنة خمس وعشرين ومائة ، بعد قتله ابن قطن بشهر.

ثم افترق أهل الأندلس على أربعة أمراء ، حتى أرسل إليهم حنظلة بن صفوان الكلبى بأبى الخطّار الكلبى فجمعهم ، وسأذكر ذلك فى موضعه إن شاء الله.

وقد كان كلثوم بن عياض كتب إلى عامله على أطرابلس صفوان بن أبى مالك يستمدّه ، فخرج إليه بأهل أطرابلس حتى قدم قابس ، فانتهى إليه خبر كلثوم ومن معه ، فانصرف ، وقد كان خرج إليه سعيد بن بجرة ومن تحصّن معه من أصحاب مسلمة ابن سوادة الجذامى ، وتنحّى الفزارى إلى نهر يقال له الجمّة على اثنى عشر ميلا من قابس ، فلما رجع صفوان بن أبى مالك تحصّن سعيد بن بجرة وأصحابه بقابس. وخرج عبد الرحمن بن عقبة الغفارى فى أهل القيروان إلى الفزارى ، فلقيه فيما بين قابس وبين القيروان ، فانهزم الفزارى وقتل عامّة أصحابه.

ثم وجّه هشام بن عبد الملك حنظلة بن صفوان فى صفر سنة أربع وعشرين ومائة ،

٢٤٩

وكان عامله على مصر ، فلما قدم إفريقية كتب إليه أهل الأندلس وأهل الشأم وغيرهم يسألونه أن يبعث إليهم واليا ، فبعث أبا الخطّار ، فلما قدمها أدّوا إليه الطاعة ، فوليها ودانت له ، وفرق جمع بلج بن بشر وعبد الرحمن بن حبيب ، وأخرج ثعلبة بن سلامة فى سفينة إلى إفريقية ، ثم أخرج بعده عبد الرحمن بن حبيب ، وأخرج مع ثعلبة أهل الشأم ، فكانوا بالقيروان مع حنظلة.

ثم إن حنظلة بن صفوان أخرج عبد الرحمن بن عقبة الغفارى إلى عكّاشة بن أيّوب الفزارى ، وقد جمع جمعا بعد انهزامه من قابس ، فلقيه بمن معه ، فانهزم الفزارى وقتل عامّة أصحابه ، ثم جمع أيضا فلقيه عبد الرحمن بن عقبة فهزمه ، ثم جمع جمعا آخر ، وقدم عبد الواحد بن يزيد الهوّارى ثم المدهمى وكان صفريّا مجامعا للفزارى على قتال حنظلة بن صفوان ، فخرج إليهما عبد الرحمن بن عقبة فى أهل إفريقية ، فقتل عبد الرحمن بن عقبة وأصحابه ، وكان مقتل عبد الرحمن بن عقبة كما حدثنا يحيى ابن بكير ، عن الليث ، فى سنة أربع وعشرين ومائة.

ثم مضى عبد الواحد بن يزيد فأخذ تونس واستولى عليها ، وسلّم عليه بالخلافة ، ثم تقدّم إلى القيروان ، وانتبذ الفزارىّ بعسكره ناحية وكلاهما يريد القيروان يتبادران إليها أيّهما يسبق صاحبه فيغنم ، فلمّا رأى حنظلة ما غشيهم من جموع البربر مع الفزارى وعبد الواحد احتفر على القيروان خندقا ، وزحف إليهم عبد الواحد ، وكتب إلى حنظلة يأمره أن يخلّى له القيروان ومن فيه ، فأسقط فى أيديهم ، وظنّوا أنهم سيسبوا ، حتى إن كان حنظلة ليبعث الرسول (١) منهم (٢) ليأتيه بالخبر فما يخرج إلى مسيرة ثلاثة أميال (٣) إلّا بخمسين دينارا.

فلما غشيه عبد الواحد وكان من القيروان على شبيه بمرحلة بمكان يقال له الأصنام ، ونزل الفزارى من القيروان على ستّة أميال ، وكان مع عبد الواحد أبو قرّة العقيلى وكان على مقدّمته ، فكتب حنظلة إلى الفزارى كتابا يرثّيه (٤) فيه ويمنّيه ، رجاء ألا يجتمعا عليه فلا يقوى عليهما ، وخاف اجتماعهما.

__________________

(١) ب : «بالرسول».

(٢) ب ، ج : «معهم».

(٣) أ : «أيام».

(٤) ك : «يريّثه».

٢٥٠

وكان عكّاشة أقرب إلى حنظلة ، فصبّح عبد الواحد الأصنام بجموعه ، وزحف حنظلة إلى الفزارى لقربه منه ، وخرج معه بأهل القيروان ، فخرج قوم آيسون من الحياة للذى كانوا يتخوّفونه من سبى الذّرارىّ ، وذهاب النساء والأموال ، وجعل عليهم محمد ابن عمرو بن عقبة ، فلقيهم بالأصنام ، فهزم الله عبد الواحد وجمعه ، وقتل ومن معه قتلا ما يدرى ما هو ، وهرب من هرب منهم.

فلمّا فتح لحنظلة عاجل عكّاشة الفزارىّ من ليلته ، فقاتله بالقرن ، ولم يكن بلغ عكاشة هزيمة عبد الواحد ، فهزمه الله ومن معه من أصحابه ، وهرب عكاشه حتى انتهى إلى بعض نواحى إفريقية ، فأخذه قوم من البربر أسيرا حتى أتوا به إلى حنظلة فقتله.

وكان عبد الواحد ومن معه صفريّة ، يستحلّون سبى النساء.

وكان قتل عكاشة وعبد الواحد كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث ، سنة خمس وعشرين ومائة.

وقد كان حنظلة عند ما كان من حلول عبد الواحد بالأصنام وعكاشة بالقرن وقربا (١) من القيروان ، كتب إلى معاوية بن صفوان عامله على أطرابلس ، يأمره بالخروج إليه بأهل أطرابلس ، فخرج حتى انتهى إلى قابس ، فبلغه ما كان من هزيمة عبد الواحد وعكاشة ، فكتب إليه حنظلة فى بربر خرجوا بنفزاوة وسبوا أهل ذمّتها فامض إليهم ، فسار إليهم بمن معه ، فقاتلهم ، فقتل معاوية بن صفوان ، وقتل الصفريّة واستنقذ ما كانوا أصابوا من أهل الذمّة ، فبعث حنظلة إلى جيش معاوية ذلك زيد بن عمرو الكلبى ، فانصرف بهم إلى أطرابلس.

وكان عبد الرحمن بن حبيب بتونس ، وكان ثعلبة بن سلامة الجذامى مع حنظلة ، فلما بلغ من بإفريقيّة من أهل الشأم قتل الوليد بن يزيد ، خرج عامّة قوّادهم ، وخرج ثعلبة بن سلامة إلى المشرق.

وكان قتل الوليد كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، يوم الخميس لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة ، سنة ستّ وعشرين ومائة.

فخرج عبد الرحمن بن حبيب بتونس وجمع لقتل حنظلة بن صفوان وإخراجه

__________________

(١) ج : «وقرنا».

٢٥١

من إفريقية ، فلما بلغ ذلك حنظلة ، أرسل وجوه إفريقية إلى عبد الرحمن يدعوه إلى الدعة والكفّ عن الفتنة ، فساروا ، فلما كانوا ببعض الطريق بلغتهم (١) ولاية مروان بن محمد ، فأرادوا الانصراف ، وبلغ عبد الرحمن أن حنظلة قد أرسل إليه رسلا وكانوا خمسين رجلا ، وأنهم يريدون الانصراف ، فأرسل إليهم خيلا فأصرفتهم (٢) إليه ، ووجد (٣) عبد الرحمن عليهم لخروجهم إليه ، وكانوا قد كاتبوه قبل ذلك سرّا من حنظلة ، فلما بلغتهم ولاية مروان نزعوا عن ذلك ، فبعث بهم إلى تونس فى الحديد.

وكتب عبد الرحمن إلى حنظلة أن يخلّى له القيروان ، وأن يخرج منها ، وأجّله ثلاثة أيام. وكتب إلى صاحب بيت المال ألّا يعطيه دينارا ولا درهما إلّا ما حلّ له من أرزاقه ، فلما قرأ حنظلة الكتاب همّ بقتاله ، ثم حجزه عنه الورع ، وكان ورعا ، فخرج بمن خفّ معه من أصحابه من أهل الشأم ، وذلك فى جمادى الأولى (٤) سنة سبع وعشرين ومائة ، ودخل عبد الرحمن بن حبيب القيروان فى جمادى الآخرة سنة ستّ وعشرين ومائة.

ثم بعث عبد الرحمن أخاه ابن حبيب عاملا على أطرابلس ، فأخذ عبد الله ابن مسعود التجيبى وكان إباضيا ورئيسا فيهم ، فضرب عنقه ، واجتمعت الإباضيّة بأطرابلس ، فعزل عبد الرحمن أخاه ، وولّى حميد بن عبد الله العكّىّ.

وكان على الإباضيّة حين اجتمعت عبد الجبّار بن قيس المرادى ومعه الحارث بن تليد الحضرمى ، فحاصروا حميد بن عبد الله فى بعض قرى أطرابلس ووقع الوباء فى أصحابه فخرج بعهد وأمان ، فلما خرجوا أخذ عبد الجبّار بن قيس نصير بن راشد مولى الأنصار فقتله ، وكان من أصحاب حميد ، وكانوا يطلبونه بدم عبد الله بن مسعود التجيبى المقتول واستولى عبد الجبّار على زناتة وأرضها.

فكتب عبد الرحمن بن حبيب إلى يزيد بن صفوان المعافرى بولاية أطرابلس ، ووجّه مجاهد بن مسلم الهوّارى يستألف الناس ويقطع عن عبد الجبّار هوّارة وغيرهم ،

__________________

(١) ب ، ج : «تلقتهم».

(٢) أ : «فأصرفهم».

(٣) ج : «ووجه».

(٤) ب «الآخرة».

٢٥٢

فأقام مجاهد فى هوّارة أشهرا ثم طردوه. فلحق بيزيد بن صفوان بأطرابلس. فوجّه عبد الرحمن بن حبيب محمد بن مفروق فى خيل ، وكتب إلى يزيد بن صفوان بالخروج معه ، فخرجوا ، فلقيهم عبد الجبّار بن قيس والحارث بن تليد بمكان من أرض هوّارة ، فقتل يزيد بن صفوان ومحمد بن مفروق ، وانهزم مجاهد بن مسلم إلى أرض هوّارة.

فقفل عبد الرحمن بن حبيب واجتمع إليه جمع كثير ، فزحف بهم إلى عبد الجبّار والحارث بن تليد ، فلقيهم بأرض زناتة ، فانهزم عمرو بن عثمان وأصحابه. واستولى عبد الجبّار والحارث على أطرابلس كلّها.

ثم خرج عمرو بن عثمان إلى دغوغا ، ومعه مجاهد بن مسلم ، واتّبعه الحارث بن تليد ، فوجه عمرو من دغوغا إلى أرض الصحراء ، فأدركه الحارث ، فتقدّم عمرو إلى سرت ، فأدركته خيل الحارث ، فقتلوا نفرا من أصحابه ، ونجا عمرو على فرسه جريحا ، واحتوى الحارث على عسكره ، واستفحل أمر عبد الجبّار والحارث ، ثم اختلف أمرهما وتفاقم ما بينهما ، فاقتتلا ، فقتل عبد الجبّار والحارث جميعا.

فولّى البربر على أنفسهم إسماعيل بن زياد النفوسى ، فعظم شأنه وكثر بيعه ، فخرج إليه عبد الرحمن بن حبيب حتى إذا كان بقابس قدّم ابن عمّه شعيب بن عثمان فى خيل ، فلقى إسماعيل ، فقتل إسماعيل وأصحابه ، وأسر من البربر أسارى كثيرة.

وكان عبد الرحمن مقيما فى عسكره ولم (١) يشهد الوقعة ، فنهض حين فتح له إلى سوق أطرابلس ومعه الأسارى ، وكتب إلى عمرو بن عثمان فقدم عليه من أرض سرت ، وقدّم الأسارى ، فضرب أعناقهم وصلبهم ، واستعمل على أطرابلس عمرو بن سويد المرادىّ ، وأمره أن ينفّل (٢).

آخر (٣) الجزء الخامس (٤)

__________________

(١) أ : «لم».

(٢) نهاية القسم الذي قام بتحقيقه الأستاذ عبد المنعم عامر وأطلق عليه خطأ «القسم التاريخى».

(٣) ب «تم».

(٤) بعدها فى أ«وهو خمسة أسباع الكتاب» وفى ج «من فتوح مصر».

٢٥٣

ذكر قضاة مصر

ذكر كراهية العمل على القضاء. حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسى ، حدثنا عبد الله بن جعفر الزهرى ، عن عثمان بن محمد الأخنسى ، عن سعيد المقبرى ، عن أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من جعل قاضيا [فقضى] بين الناس فقد ذبح بغير سكّين (١).

حدثنا يعقوب بن محمد ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عثمان بن محمد ، عن الأعرج ، عن أبى هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله.

حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم وعبد الله بن صالح ، قالا : حدثنا الليث بن سعد ، عن ابن العجلان ، عن الغضبان بن يزيد البجلىّ ، أن رجلا من أمرائهم ولّى رجلا منهم القضاء فاستعفى فأبى عليه ، فلبث شيئا ثم تخلّص إليه فقام بين يديه فقال : هذا مقام العائذ ، (٢) من النار. فقال : ويحك ، وهل أملك من النار شيئا! قال : إنّى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : الحكّام ثلاثة : فرجل حكم فخسر (٣) فأهلك أموال الناس وأهلك نفسه ففى النار. وحكم علم (٤) فأهلك أموال الناس وأهلك نفسه ففى النار وحكم علم (٥) فعدل فأحرز أموال الناس وأحرز نفسه ففى الجنّة.

حدثنا محمد بن عبد الجبّار ، حدثنا الحمّانيّ ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبى هاشم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : القضاة ثلاثة اثنان فى النار وواحد فى الجنة : رجل علم علما فقضى بما علم فهو فى الجنّة ، ورجل جهل (٦) فقضى بالجهل ففى النار ، ورجل قضى بغير ما يعلم ففى النار.

حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا شعبة بن الحجّاج ، عن قتادة ، قال : سمعت أبا العالية يذكر عن علىّ وقد أدركه ، قال : القضاة ثلاثة : واحد فى الجنّة واثنان فى النار ، فأمّا الذي

__________________

(١) مسند أحمد ، وأبو داود وابن ماجه والحاكم فى كنز العمال ج ٦ ص ٩٥ وما بين المعقوفتين مكمل منه.

(٢) د ، ك : «العائذ بك».

(٣) أ ، ب : «جسر». ك : «فجسر».

(٤) ب ، د ، ك : «ورجل حكم على علم».

(٥) «وحكم علم» ب ، د «ورجل حكم على علم».

(٦) ج : «علم علما».

٢٥٤

فى الجنّة فرجل اجتهد فأصاب الحقّ فهو فى الجنّة ، ورجل جارّ متعمّدا فهو فى النار ، ورجل اجتهد رأيه (١) فأخطأ فهو فى النار (٢). فقلت لأبى العالية : ما ذنب هذا وقد اجتهد؟ قال : إذا كان لا يعلم ، فلم يقعد قاضيا يقضى.

قال عبد الرحمن ولم يسمع قتادة من أبى العالية إلّا ثلاثة أحاديث هذا أحدها.

قال وروى حيوة بن شريح ، عن مولى حسّان بن النعمان ، عن يحيى بن أبى عمرو الشيبانى ، أنه سمعه يقول : إن أبا هريرة كان يقول : من دعى إلى القضاء فقبل وهو يحسن فقضى بغير الحقّ فهو فى النار ، ومن دعى إلى القضاء فقبل وهو لا يحسن فقضى بغير الحقّ فهو فى النار ، ومن دعى إلى القضاء وهو يحسن فقبل فقضى بالحقّ فنفسه نجّى.

قال حيوة : وحدّثت عن عبد القدّوس بن حبيب ، عن الحسن ، أن عمر بن الخطّاب ، قال : القضاة ثلاثة : قاض قضى برشوة فهلك ، وقاض اجتهد فأخطأ فودّ لو أن أمّه لم تلده ، وقاض اجتهد فأصاب فأفلت ولم يكد يفلت.

حدثنا عبد الله بن صالح ويحيى بن عبد الله بن بكير ، قالا : حدثنا الليث بن سعد ، عن ابن الهاد ، وحدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا نافع بن يزيد ، عن ابن الهاد. وحدثنا نعيم بن حمّاد ، حدثنا الدراوردىّ ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ابن الحارث التّيمىّ ، عن بشر بن سعيد ، عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو ابن العاص ، أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» (٣) فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم ، فقال : هكذا حدثنى أبو سلمة عن عبد الرحمن ، عن أبى هريرة.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن سلمة ابن أكسوم ، عن ابن حجيرة ، أنه سأل القاسم بن البرحىّ ، كيف سمعت عبد الله

__________________

(١) ب ، ج : «برأيه».

(٢) أخرجه صاحب الكنز برقم ١٤٩٨٠ عن الحاكم وابن عدى. ونصه هناك «القضاة ثلاثة : اثنان فى النار وواحد فى الجنة. رجل علم الحق فقضى به فهو فى الجنة. ورجل قضى للناس على جهله فهو فى النار. ورجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار».

(٣) البخارى ومسلم وأحمد فى مسنده والنسائى وابن ماجه فى كنز العمال ج ٦ ص ٧.

٢٥٥

ابن عمر (١) يخبر؟ قال : سمعته يقول : إن خصمين اختصما إلى عمر (٢) فقضى بينهما فسخط (٣) المقضىّ عليه ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا قضى القاضى فاجتهد فأصاب كان له عشرة أجور ، وإن اجتهد وأخطأ كان له أجر أو أجران.

حدثنا محمد بن عبد الجبّار حدثنا شبابة بن سوّار ، حدثنا الفرج بن فضالة ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عقبة بن عامر الجهنىّ ، أن خصمين اختصما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : اقض بينهما ، قلت : يا رسول الله ، أنت أحقّ بالقضاء ، قال : وإن كان. قلت فعلى ما ذا؟ قال : على إذا اجتهدت فأصبت فلك عشرة أجور ، وإن اجتهدت فأخطأت فلك أجر واحد.

حدثنا محمد بن عبد الجبّار ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا إسرائيل ، حدثنا عبد الأعلى عن بلال بن أبى موسى ، عن أنس بن مالك ، وكان الحجّاج أراد أن يجعل إليه قضاء البصرة ، فقال أنس : إنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ، ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله ملكا يسدّده» (٤).

حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيّب ، أن عمر بن الخطّاب اختصم إليه مسلم ويهودىّ ، فرأى أن الحقّ لليهودىّ فقضى له ، فقال اليهودىّ : والله لقد قضيت بالحقّ ، فضربه عمر بالدرّة ثم قال (٥) : وما يدريك؟ فقال اليهودىّ : إنّا نجد إنّه ليس قاض يقضى بالحقّ ، إلّا كان عن يمينه ملك ، وعن يساره ملك يسدّدانه ويوفّقانه للحق ما دام مع الحق. فإذا ترك الحقّ عرجا وتركاه.

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قال : كان (٦) القضاة فى بنى إسرائيل إذا كان لا تأخذه (٧) فى الله لومة لائم ، لم يسلّط على

__________________

(١) ج ، ك : «عمرو».

(٢) أ ، ج ، ك : «عمرو».

(٣) ب ، ك : «فتسخط».

(٤) أبو داود والترمذى والحاكم فى كنز العمال ج ٦ ص ٩٤.

(٥) ب : «فقال له».

(٦) د ، ك : «كانت».

(٧) د ، ك : «تأخذهم».

٢٥٦

جسده البلى ، ولا دابّة تأكل ثيابه قد يبست عليه لا تبلى ، وكان عابد منهم على ذلك ، وكانوا فى ذلك الزمان يجعل بعضهم على بعض فى البيوت ، وبعضهم فى الصناديق ، فأتاه أخ له فقال : ادعوا به أصلّى عليه ، فأتى به فإذا بدابّة قد خرقت (١) الكفن حتى خرجت من أذنه ، فأحزنه ذلك ، فلما نام لقيه (٢) روح صاحبه فقال : يا أخى ، رأيت حزنك على الدابّة (٣) التى خرجت من أذنى ، ولم يكن بحمد الله لشىء نكرهه ، جلس إلىّ رجلان : أحدهما لى فيه هوى ، والآخر لا هوى لى فيه ، فكان إصغائى إلى ذى الهوى ولم يكن إصغائى إلى الآخر ، وعلى ذلك بنعمة الله لقد حملتهما على مجلود الحقّ فى القضاء.

قال عبد الرحمن : وكان أوّل قاض استقضى بمصر فى الإسلام كما ذكر سعيد ابن عفير ، قيس بن أبى العاص السهمىّ ، فمات ، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يستقضى كعب بن يسار بن ضنّة العبسى. قال ابن أبى مريم وهو ابن بنت خالد بن سنان العبسى الذي تزعم عبس فيه أنه تنبّى (٤) فى الفترة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين عيسى بن مريم (٥) صلوات الله عليهما ولخالد بن سنان حديث فيه طول. فأبى كعب أن يقبل القضاء ، وقال : قضيت فى الجاهليّة ولا أعود إليه فى الإسلام (٦).

حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : كان قيس بن أبى العاص بمصر ، ولّاه عمرو بن العاص القضاء. وقد قيل إن أوّل من استقضى بمصر كعب بن ضنّة بكتاب عمر ، ولم يقبل ، والله أعلم.

حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد ، حدثنا حيوة بن شريح ، أخبرنا الضحّاك ابن شرحبيل الغافقى ، أن عمّار بن سعد التجيبى أخبرهم أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص : أن يجعل كعب بن ضنّة على القضاء ، فأرسل إليه عمرو فأقرأه كتاب

__________________

(١) ب ، ج ، ك : «أخرقت».

(٢) د : «لقى».

(٣) على الدابة ب : «علىّ للدابة».

(٤) أ ، ك : «تنبّئ».

(٥) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين عيسى بن مريم : د «عيسى ومحمد».

(٦) قارن بالكندى : الولاة والقضاة ص ٣٠١ ـ ٣٠٢.

٢٥٧

أمير المؤمنين ، فقال كعب : والله لا ينجيه الله من أمر الجاهلّية وما كان فيها من الهلكة ثم يعود فيها أبدا إذ أنجاه الله منها ، فأبى أن يقبل القضاة ، فتركه عمرو.

قال ابن عفير : وكان حكما فى الجاهليّة. وخطّة كعب بن ضنّة بمصر بسوق بربر فى الدار التى تعرف بدار النخلة.

فلما امتنع كعب أن يقبل القضاء ، ولّى عمرو بن العاص عثمان بن قيس بن أبى العاص القضاء (١).

قال وقد كان عمر بن الخطّاب قد كتب إلى عمرو بن العاص أن يفرض له فى الشّرف.

حدثنا شعيب بن الليث ، وعبد الله بن صالح ، ويحيى بن عبد الله بن بكير ، وعبد الملك بن مسلمة ، قالوا : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : كتب عمر ابن الخطاب إلى عمرو بن العاص ، أن افرض لكلّ من قبلك ممن بايع تحت الشجرة فى مائتين من العطاء وابلغ ذلك لنفسك بإمارتك ، وافرض لخارجة بن حذافة فى الشّرف لشجاعته ، وافرض لعثمان بن قيس بن أبى العاص فى الشرف لضيافته.

قال ودعا عمرو خالد بن ثابت الفهمى ليجعله على المكس فاستعفاه منه فكان شرحبيل بن حسنة على المكس ، وكان مسلمة بن مخلّد على الطواحين. قال عبد الرحمن : طواحين البلقس.

حدثنا ابن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، أن عمرا دعا خالد بن ثابت الفهمى جدّ ابن رفاعة ليجعله على المكس ، فاستعفاه منه ، فقال له عمرو : ما (٢) تكره منه؟ قال : إنّ كعبا قال : لا تقرب المكس ، فإن صاحبه فى النار.

حدثنا علىّ بن معبد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو الجزرىّ ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن عبد الرحمن التجيبى ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لا يدخل صاحب مكس الجنّة» (٣) قال عبد الرحمن بن عبد الله : ليس هو

__________________

(١) راجع الكندى : الولاة والقضاة ص ٣٠٢.

(٢) أ : «وما».

(٣) أخرجه صاحب الكنز برقم ٧٦٣٢ عن أحمد والحاكم.

٢٥٨

عبد الرحمن التجيبى ، إنما (١) هو عبد الرحمن بن شماسة المهرىّ ، ولكن هكذا حدثناه علىّ بن معبد.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن مخيّس بن ظبيان ، عن رجل من جذام ، عن مالك بن عتاهية ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : إذا لقيتم عشّارا فاقتلوه.

حدثنا ابن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : كان شرحبيل بن حسنة على المكس ، وكان مسلمة بن مخلّد على الطواحين.

قال : ثم ولى سليم بن عتر التجيبى القضاء فى أيام معاوية بن أبى سفيان ، وقد أدرك عمر بن الخطاب وحضر خطبته بالجابية ، وجعل إليه القصص والقضاء جميعا (٢).

حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا الحجّاج بن شدّاد الصنعانى ، أن أبا صالح سعيد بن عبد الرحمن الغفارى ، أخبره أن سليم بن عتر التجيبى كان يقصّ على الناس وهو قائم ، فقال له صلة بن الحارث الغفارى وهو من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والله ما تركنا عهد نبيّنا ولا قطعنا أرحامنا حتى قمت أنت وأصحابك بين أظهرنا (٣).

قال وكان سليم بن عتر ، كما حدثنا سعيد بن عفير أحد العبّاد المجتهدين وكان يقوم فى ليله (٤) فيبتدىء القرآن حتى يختمه ، ثم يأتى أهله فيقضى منهم حاجته ، ثم يقوم فيغتسل ، ثم يقرأ فيختم القرآن ، ثم يأتى أهله فيقضى منهم حاجته ، ربّما فعل ذلك فى الليلة مرّات ، فلما مات قالت امرأته : رحمك الله ، فو الله (٥) لقد كنت ترضى ربّك وتسرّ أهلك.

حدثنا ابن أبى مريم ومحمد بن عبد السلام ، عن ضمام بن إسماعيل ، عن سليم ابن عتر ، قال : خرجت من الإسكندرية ـ أحسبه قال حين قدمت من البحر ـ فدخلت فى غار فتعبّدت فيه سبعا ، ولو لا أنى خشيت أن أضعف لأتممتها عشرا.

__________________

(١) ب ، ج : «وإنما».

(٢) قارن بالكندى : الولاة والقضاة ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

(٣) قارن بالكندى ص ٣٠٤.

(٤) ب : «ليلته».

(٥) أ : «والله».

٢٥٩

أخبرنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علىّ بن رباح قال ، قال لى سليم بن عتر : إذا لقيت أبا هريرة فأقرئه منّى السلام ، وأخبره أنى قد دعوت له ولأمّه ، فلقيته فأخبرته (١) ، فقال : وأنا قد دعوت له ولأمّه.

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا موسى بن علىّ ، عن أبيه ، قال : خرجنا حجاجا من مصر ، فقال لى سليم بن عتر : اقرأ على أبى هريرة السلام ، وأخبره أنى قد استغفرت له ولأمّه (٢) الغداة ، قال : فلقيته فقلت ذلك له ، فقال أبو هريرة : وأنا قد استغفرت له ولأهله الغداة ، ثم قال أبو هريرة : كيف تركت أمّ خنّور؟ قال : فذكرت له من خصبها ورفاغتها (٣) ، فقال : أما إنّها أوّل الأرضين خرابا ، ثم على أثرها إرمينية ، فقلت : أسمعت ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : أو من كعب الكتابين.

حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا بكر بن مضر ، عن عبيد الله بن زحر ، عن الهيثم بن خالد ، عن ابن عمّه سليم بن عتر ، قال : لقينا كريب بن أبرهة راكبا ووراءه غلام له يمشى ، فقلنا : يا أبا رشدين ، ألا حملت الغلام! قال : وكيف أحمل علجا مثل هذا ، أو كما قال. قال : أفلا اتّخذت وصيفا صغيرا تحمله وراءك؟ قال : ما فعلت ، قال : أفلا أمرت الغلام يتقدّم أمامك حتى تلحقه! قال : ما فعلت. قال فإنى سمعت أبا الدرداء يقول : ما يزال العبد يزداد من الله تبعّدا (٤) كلمّا مشى خلفه.

قال : ثم ولى مسلمة بن مخلّد البلد ، وجمعت له مصر والمغرب ، وهو أوّل وال جمع له ذلك ، فولّى السائب بن هشام بن عمرو أحد بنى مالك بن حسل شرطه (٥). وفى هشام بن عمرو يقول حسّان بن ثابت :

هل توفينّ بنو أميّة ذمّة

حقّا كما أوفى جوار هشام

من معشر لا يغدرون بجارهم

لحارث بن حبيّب بن سخام

وإذا بنو حسل أجاروا ذمّة

أوفوا وأدّوا جارهم بسلام

__________________

(١) ج : «فأخبره».

(٢) ج ، ك : «ولأهله».

(٣) ب ، ج : «ورفاهتها».

(٤) ب ، ك : «بعدا».

(٥) راجع الكندى الولاة والقضاة ص ٣٨.

٢٦٠