فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

عمران ، قال : وسألت سليمان بن يسار عن النفل فى الغزو ، فقال : لم أر أحدا صنعه غير ابن حديج ، نفلنا إفريقية النصف بعد الخمس ، ومعنا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المهاجرين الأولين ناس كثير ، فأبى جبلة بن عمرو الأنصارى أن يأخذ منه شيئا.

ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره ، قال : فانتهى إلى قونية ، وهى موضع مدينة قيروان (١) ، ثم مضى إلى جبل يقال له القرن ، يعسكر (٢) إلى جانبه ، وبعث عبد الملك بن مروان إلى مدينة يقال لها جلولاء فى ألف رجل ، فحاصرها أياما ، فلم يصنع شيئا فانصرف راجعا ، فلم يسر إلا يسيرا (٣) حتى رأى فى ساقة الناس غبارا شديدا ، فظنّ أن العدوّ قد طلبهم ، فكّر جماعة من الناس لذلك ، وبقى من على مصافّهم ، وتسرّع سرعان الناس ، فإذا مدينة جلولاء قد رقع حائطها ، فدخلها المسلمون ، وغنموا ما فيها ؛ وانصرف عبد الملك إلى معاوية بن حديج.

فاختلف الناس فى الغنيمة ، فكتب فى ذلك إلى معاوية بن أبى سفيان فكتب ، إن العسكر ردء للسرّية ، فقسم ذلك بينهم ، فأصاب كل رجل منهم لنفسه مائتى دينار ، وضرب للفرس بسهمين ، ولصاحبه بسهم ، قال عبد الملك : فأخذت لفرسى ولنفسى ستّمائة دينار ، واشتريت بها جارية.

قال : ويقال بل غزاها معاوية بن حديج بنفسه ، فحاصرهم فلم يقدر عليهم ، فانصرف آيسا منها ، وقد جرح عامّة أصحابه ، وقتل منهم ، ففتحها الله بعد انصرافه بغير خيل ولا رجال ، فرجع إليها ومن معه ، وفيها السبى لم يردّهم أحد ، فغنموا ، وانصرف منها راجعا إلى مصر.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : غزا معاوية بن حديج إفريقية ثلاث غزوات. أما الأولى فسنة أربع وثلاثين قبل قتل عثمان ، وأعطى عثمان مروان الخمس فى تلك الغزوة ، وهى غزوة لا يعرفها كثير من الناس ؛ والثانية سنة أربعين ؛ والثالثة سنة خمسين.

__________________

(١) ب ، ج ، ك : «قيروان إفريقية».

(٢) ب : «بعسكر». ج ، د ، ك : «فعسكر».

(٣) ك : «قليلا».

٢٢١

عقبة بن نافع. قال ثم خرج (١) إلى المغرب بعد معاوية بن حديج عقبة بن نافع الفهرىّ سنة ستّ وأربعين ، ومعه بسر بن أبى أرطاة ، وشريك بن سمىّ المرادى ، فأقبل حتى منزل بمغمداش من سرت. وكان توجّه بسر إليها. كما حدثنا يحيى بن عبد الله ابن بكير ، عن الليث بن سعد سنة ست وعشرين من سرت. فأدركه الشتاء ، وكان مضعّفا ، وبلغة أن أهل ودّان قد نقضوا عهدهم ، ومنعوا ما كان بسر بن أبى أرطاة فرض عليهم.

وكان عمرو بن العاص قد بعث إليها بسرا قبل ذلك وهو محاصر لأهل أطرابلس ، فافتتحها. فخلّف عقبة بن نافع جيشه هنالك ، واستخلف عليهم عمر بن علىّ القرشى ، وزهير بن قيس البلوىّ ، ثم سار بنفسه وبمنّ (٢) خفّ معه أربعمائة فارس وأربعمائة بعير ، وثمانمائة قربة حتى قدم ودّان فافتتحها ، وأخذ ملكهم ، فجدع أذنه. فقال : لم فعلت هذا بى وقد عاهدتنى؟ فقال عقبة : فعلت هذا بك أدبا لك ، إذا مسست أذنك ذكرته ، فلم تحارب العرب. واستخرج منهم ما كان بسر فرضه عليهم ، ثلاثمائة رأس وستّين رأسا.

ثم سألهم عقبة : هل من ورائكم أحد؟ فقيل له : جرمة. وهى مدينة فزّان العظمى ، فسار إليها ثمانى ليال من ودّان ، فلما دنا منها أرسل ، فدعاهم إلى الإسلام ، فأجابوا ، فنزل منها على ستّة أميال ، وخرج ملكهم يريد عقبة ، وأرسل عقبة خيلا فحالت بين ملكهم وبين موكبه ، فأمشوه راجلا حتى أتى عقبة وقد لغب ، وكان ناعما ، فجعل يبصق الدم ، فقال له : لم فعلت هذا بى وقد أتيتك طائعا؟ فقال عقبة : أدبا لك إذا ذكرته لم تحارب العرب. وفرض عليه (٣) ثلاثمائة عبد وستين عبدا. ووجّه عقبة الرحّل (٤) من يومه ذلك إلى المشرق.

ثم مضى على جهته من فوره ذلك إلى قصور فزّان ، فافتتحها قصرا قصرا ، حتى انتهى إلى أقصاها فسألهم : هل من ورائكم أحد؟ قالوا : نعم ، أهل خاوار ، وهو قصر عظيم على رأس المفازة فى وعورة على ظهر جبل ، وهو قصبة كوار.

__________________

(١) ا ، ب ، ج : «رجع».

(٢) ا ، ج ، ك : «ومن».

(٣) د ، ج ، ك : «عليهم».

(٤) أ ، ج : «الرجل».

٢٢٢

فسار إليهم خمس عشرة ليلة ، فلما انتهى (١) تحصّنوا ، فحاصرهم شهرا ، فلم يستطع لهم شيئا. فمضى أمامه على قصور كوّار فافتتحها ، حتى انتهى إلى أقصاها ، وفيه ملكها ، فأخذه فقطع إصبعه ، فقال : لم فعلت هذا بى؟ قال : أدبا لك ، إذا أنت نظرت إلى إصبعك لم تحارب العرب. وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستين عبدا.

فسألهم : هل من ورائكم أحد؟ فقال الدليل : ليس عندى بذلك معرفة ولا دلالة ، فانصرف عقبة راجعا ، فمرّ بقصر خاوار ، فلم يعرض له ، ولم ينزل بهم ، وسار ثلاثة أيام ، فأمنوا وفتحوا مدينتهم ، وأقام عقبة بمكان اسمه اليوم ماء فرس ، ولم يكن به ماء ، فأصابهم عطش شديد ، أشفى منه عقبة وأصحابه على الموت ، فصلّى عقبة ركعتين ، ودعا الله.

وجعل فرس عقبة يبحث بيديه فى الأرض حتى كشف عن صفاة ، فانفجر منها الماء ، فجعل الفرس يمصّ ذلك الماء ، فأبصره عقبة ، فنادى فى الناس ، أن احتفروا ؛ فحفروا سبعين حسيا فشربوا ، واستقوا ، فسمّى لذلك ماء فرس.

ثم رجع عقبة إلى خاوار من غير طريقه التى كان أقبل منها ، فلم يشعروا به حتى طرقهم ليلا ، فوجدهم مطمئنّين قد تمهّدوا فى أسرابهم ، فاستباح ما فى المدينة من ذرّيّاتهم (٢) وأموالهم ، وقتل مقاتلتهم.

ثم انصرف راجعا فسار حتى نزل بموضع زويلة اليوم ، ثم ارتحل حتى قدم على عسكره بعد خمسة أشهر ، وقد جمّت خيولهم وظهرهم (٣) ، فسار متوجّها إلى المغرب وجانب الطريق الأعظم ، وأخذ إلى أرض مزاتة ، فافتتح كل قصر بها ، ثم مضى إلى صفر (٤) فافتتح قلاعها وقصورها ، ثم بعث خيلا إلى غدامس ، فافتتحت غدامس ؛ فلما انصرفت إليه خيله سار إلى قفصة فافتتحها وافتتح قصطيلية.

ثم انصرف إلى القيروان ، فلم يعجب بالقيروان الذي كان معاوية بن حديج بناه

__________________

(١) فلما انتهى : ب «فلا انتهى إليه» ، ج ، د «فلما انتهى إليها».

(٢) ب ، ج : «ذراريهم».

(٣) د : «وظهورهم».

(٤) صفر : مكانها بياض فى أ ، ب. وفى د ، ك : «مضى فافتتح». وفى ج : «مضى إلى صف. وذكر تورى أنها يحتمل أن تكون صفر. هذا والتكملة من طبعة عامر ص ٢٦٤.

٢٢٣

قبله ، فركب والناس معه حتى أتى موضع القيروان اليوم ، وكان واديا كثير الشجر كثير القطف ، تأوى إليه الوحوش والسباع والهوامّ ، ثم نادى بأعلى صوته : يا أهل الوادى ، ارتحلوا رحمكم الله. فإنا نازلون ؛ نادى بذلك ثلاثة أيام ، فلم يبق من السباع شىء ولا الوحوش والهوامّ إلّا خرج ، وأمر الناس بالتنقية والخطط ، ونقل الناس من الموضع الذي كان معاوية بن حديج نزله إلى القيروان اليوم ، وركز رمحه وقال : هذا قيروانكم.

(*) حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا الليث بن سعد ، أن عقبة بن نافع غزا إفريقية ، فأتى وادى القيروان ، فبات عليه هو وأصحابه حتى إذا أصبح وقف على رأس الوادى ، فقال : يا أهل الوادى ، اظعنوا ، فإنّا نازلون. قال ذلك ثلاث مرّات ، فجعلت الحيّات تنساب والعقارب وغيرها مما لا يعرف من الدوابّ ، تخرج ذاهبة ، وهم قيام ينظرون إليها من حين أصبحوا حتى أوجعتهم الشمس ، وحتى لم يروا منها شيئا ، فنزلوا الوادى عند ذلك.

قال الليث : فحدثنى زياد بن العجلان ، أن أهل إفريقية أقاموا بعد ذلك أربعين سنة ، ولو التمست حيّة أو عقرب بألف دينار ما وجدت (*).

أبو المهاجر. قال : ثم عزل عقبة بن نافع فى سنة إحدى وخمسين (١) ، عزله مسلمة ابن مخلّد الأنصارى ، وهو يومئذ والى البلد من قبل معاوية بن أبى سفيان ، ومسلمة بن مخلّد أوّل من جمعت له مصر والمغرب.

وكانت ولاية مسلمة بن مخلّد كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، سنة سبع وأربعين ، وولّى أبا المهاجر دينارا مولى الأنصار ، وأوصاه (٢) حين ولّاه أن يعزل عقبة أحسن العزل ، فخالفه أبو المهاجر ، فأساء عزله وسجنه ، وأوقره حديدا حتى (٣) أتاه الكتاب من الخليفة بتخلية سبيله وإشخاصه إليه ، فخرج عقبة حتى أتى قصر الماء ، فصلّى ، ثم دعا ، وقال : اللهمّ لا تمتنى حتى تمكّنّى من أبى المهاجر دينار بن أمّ

__________________

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(١) ب ، ج ، د ، ك : «وستين». يراجع بخصوص رواية سنة إحدى وخمسين ابن أبى دينار فى كتاب المؤنس فى أخبار إفريقية وتونس. وانظر الطبرى وتاريخ اليعقوبى.

(٢) د : «ووصاه».

(٣) د : «حين».

٢٢٤

دينار (١) ، فبلغ ذلك أبا المهاجر ، فلم يزل خائفا منذ بلغته دعوته ، فلما قدم عقبة مصر ركب إليه مسلمة بن مخلّد ، فأقسم له بالله لقد خالفه ما صنع أبو المهاجر ، ولقد أوصيته بك خاصّة.

وقد كان قيل لمسلمة : لو أقررت عقبة فإن له جزالة (٢) وفضلا ، فقال مسلمة : إن أبا المهاجر صبر علينا فى غير ولاية ولا كبير نيل ، فنحن نحبّ أن نكافئه.

فلما قدم أبو المهاجر إفريقية كره أن ينزل فى الموضع الذي اختطّه عقبة بن نافع ، ومضى حتى خلّفه بميلين ، فابتنى ونزل.

وكان الناس قبل أبى المهاجر كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة.

وأحمد بن عمرو ، عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، يغزون إفريقية ثم يقفلون منها إلى الفسطاط ، وأوّل من أقام بها حين غزاها أبو المهاجر مولى الأنصار ، أقام بها الشتاء والصيف ، واتّخذها منزلا ، وكان مسلمة بن مخلّد الذي عقد له على الجيش الذين خرجوا معه إليها ، فلم يزالوا بها حتى قتل ابن الزبير ، فخرجوا منها.

ثم قدم عقبة على معاوية بن أبى سفيان فقال له : فتحت البلاد وبنيت المنازل ومسجد الجماعة ، ودانت لى (٣) ، ثم أرسلت عبد الأنصار فأساء عزلى. فاعتذر إليه معاوية وقال : قد عرفت مكان مسلمة بن مخلّد من الإمام المظلوم ، وتقديمه إيّاه ، وقيامه بدمه ، وبذل (٤) مهجته ، وقد رددتك على عملك.

ويقال : إن معاوية ليس هو الذي ردّ عقبة بن نافع ، ولكنه قدم على يزيد بن معاوية بعد موت أبيه ، فردّه واليا على إفريقية ، وذلك أصحّ لأن معاوية توفّى سنة ستّين.

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : توفّى معاوية بن أبى سفيان سنة ستين.

مقتل عقبه بن نافع : ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره ، قال : فخرج عقبة

__________________

(١) فى : د زيادة «وكان مجاب الدعوة».

(٢) ب ، ج : «جرأة».

(٣) د : «ودانت لى المغرب».

(٤) ب : «وبذله».

٢٢٥

ابن نافع سريعا بحنقه على أبى المهاجر حتى قدم إفريقية (١) ، فأوثق أبا المهاجر فى وثاق شديد ، وأساء عزله ، وغزا به معه إلى السّوس ، وهو فى حديد.

وأهل السوس بطن من البربر ، يقال لهم أنبية ، فجّول فى بلادهم ، لا يعرض له أحد ولا يقاتله ، فانصرف إلى إفريقية ، فلما دنا من ثغرها أمر أصحابه ، فافترقوا عنه ، وأذن لهم حتى بقى فى قلّة ، فأخذ على مكان يقال له تهوذة ، فعرض له (٢) كسيلة بن لمزم فى جمع كثير من الروم والبربر ، وقد كان بلغه افتراق الناس عن عقبة ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل عقبة ومن كان معه ، وقتل أبو المهاجر وهو موثق فى الحديد ، ثم سار كسيلة ومن معه حتى نزلوا الموضع الذي كان عقبة اختطّه ، فأقام به ، وقهر من قرب منه ، باب قابس وما (٣) يليه ، وجعل يبعث أصحابه فى كل وجه.

ويقال : بل خرج عقبة بن نافع إلى السوس ، واستخلف على القيروان عمر بن على القرشى وزهير بن قيس البلوى ، وكانت إفريقية يومئذ تدعى مزاق ، فتقدّم عقبة إلى السوس ، وخالفه رجل من العجم فى ثلاثين ألفا إلى عمر بن على وزهير بن قيس ، وهما فى ستة آلاف ، فهزمه الله.

وخرج ابن الكاهنة البربرىّ على إثر عقبة ، كلّما رحل عقبة من منهل دفنه ابن الكاهنة (٤) ، فلم يزل كذلك حتى انتهى عقبة إلى السوس ، ولا يشعر بما صنع البربرى ، فلما انتهى عقبة إلى البحر (٥) أقحم فرسه فيه حتى بلغ نحره ، ثم قال : اللهمّ إنى أشهدك (٦) ألا (٧) مجاز ، ولو وجدت مجازا لجزت.

وانصرف راجعا والمياه قد عوّرت ، وتعاونت عليه البربر ، فلم يزل يقاتل (٨) ،

__________________

(١) حتى قدم إفريقية : تحرفت فى طبعة عامر إلى «حتى توفّى فى إفريقية».

(٢) ب ، ج : «لهم».

(٣) أ : «ومن».

(٤) د : «كلما رحل عقبة من منزل ردمه ابن الكاهنة».

(٥) فى د زيادة : «ليس وراءه عمران».

(٦) ب : «أشهد». ج : «أسألك».

(٧) ك : «لا».

(٨) فى نسخة د ، ورد الخبر مختصرا : «وكان عقبة خرج فى فئة قليلة من عسكره إلى السوس ، وخلف عسكره بإفريقية ، وكان رجلا صالحا يغلّب التوكل ، لا يقاتل أحدا إلا بفئة قليلة ، ويطلب من الله النصر ، ويلح

٢٢٦

وأبو المهاجر معه فى الحديد ؛ فلما استحرّ الأمر أمر عقبة بفتح الحديد عنه ، فأبى أبو المهاجر ، وقال : ألقى الله فى حديدى ؛ فقتل عقبة وأبو المهاجر ومن معهما.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا الليث بن سعد أن عقبة بن نافع قدم من عند يزيد بن معاوية فى جيش على غزو المغرب ، فمرّ على عبد الله بن عمرو ، وهو بمصر ، فقال له عبد الله : يا عقبة ، لعلّك من الجيش الذين يدخلون الجنّة برحالهم ، فمضى بجيشه حتى قاتل البربر ، وهم كفّار ، فقتلوا جميعا.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن بحير (١) بن ذاخر المعافرى ، قال : كنت عند عبد الله بن عمرو بن العاص حين دخل عليه عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهرىّ ، فقال : ما أقدمك يا عقبة؟ فإنى أعلمك تحبّ الإمارة. قال : فإنّ أمير المؤمنين يزيد عقد لى (٢) على جيش إلى إفريقية. فقال له عبد الله بن عمرو : إيّاك أن تكون لعنة أرامل أهل مصر ، فإنى لم أزل أسمع أنه سيخرج رجل من قريش فى هذا الوجه ، فيهلك فيه.

فقدم إفريقية ، فيتبع (٣) آثار أبى المهاجر وضيّق عليه وحدّده ، ثم خرج إلى قتال البربر ، وهم خمسة آلاف رجل من أهل مصر ، وخرج بأبى المهاجر معه فى الحديد ، فقتل ، وقتل أصحابه ، وقتل أبو المهاجر معهم.

وكان مقتل عقبة بن نافع وأصحابه كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد فى سنة ثلاث وستين.

قال : ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره ، قال : ثم زحف ابن الكاهنة إلى القيروان يريد عمر بن علىّ وزهير بن قيس ، فقاتلاه قتالا شديدا ، فهزم ابن الكاهنة وقتل أصحابه ، وخرج عمر بن على وزهير بن قيس إلى مصر بالجيش لاجتماع ملأ البربر ، وأقام ضعفاء أصحابهما ومن كان خرج معهما من موالى إفريقية بأطرابلس.

__________________

فى السؤال ، وهو الذي فتح المغرب وما والاه ، رحمه‌الله تعالى ، وكان مقتله ـ قال الليث ـ فى سنة ثلاث وستين».

(١) بحير : تحرفت فى طبعة عامر إلى «بجير».

(٢) يزيد عقدلى : فى طبعة عامر «يريد العقدلى».

(٣) ج ، ك : «فتتبع».

٢٢٧

ويقال إن عبد العزيز بن مروان لما ولى مصر كتب إلى زهير بن قيس ، وزهير يومئذ ببرقة ، يأمره بغزو إفريقية ، فخرج فى جمع كثير ، فلما دنا من قونية وبها عسكر كسيلة ابن لمزم عبّأ زهير لقتاله ، فخرج إليه ، فاقتتلا ، فقتل كسيلة ومن معه ، ثم انصرف زهير قافلا إلى برقة.

ويقال بل حسّان بن النعمان الذي كان وجّه زهير بن قيس والله أعلم.

وكان مقتل كسيلة كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد فى سنة أربع وستين.

حسان بن النعمان : ثم قدم حسّان بن النعمان واليا على المغرب ، أمّره عليها عبد الملك بن مروان فى سنة ثلاث وسبعين ، فمضى فى جيش كبير حتى نزل أطرابلس ، واجتمع إليه بها من كان خرج من إفريقية وأطرابلس ، فوجّه على مقدّمته محمد بن أبى بكير ، وهلال بن ثروان اللّواتى ، وزهير بن قيس ، ففتح البلاد ، وأصاب غنائم كثيرة. وخرج إلى مدينة قرطاجنة ، وفيها الروم ، فلم يصب فيها إلا قليلا من ضعفائهم. فانصرف ، وغزا الكاهنة ، وهى إذ ذاك ملكة البربر ، وقد غلبت على جل (١) إفريقية ، فلقيها على نهر يسمّى اليوم نهر البلاء ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فهزمته ، وقتلت من أصحابه وأسرت منهم ثمانين رجلا ، وأفلت حسان ونفذ من مكانه إلى أنطابلس ، فنزل قصورا من حيز برقة فسمّيت قصور حسّان. واستخلف على إفريقية أبا صالح ، وكانت أنطابلس ولوبية ومراقية إلى حدّ أجدابية من عمل حسان.

فأحسنت الكاهنة إسار من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بنى عبس ، يقال له خالد بن يزيد ، فتبنّته وأقام معها. فبعث حسّان إلى خالد رجلا ، فأتاه ، فقال له : إنّ حسان يقول لك ، ما يمنعك من الكتاب إلينا بخبر الكاهنة؟ فكتب خالد ابن يزيد إلى حسان كتابا وجعله فى خبزة ملّة ، ثم دفعها إلى الرسول ليخفى فيها الكتاب ، وليظنّ من رأى الخبزة أنها زاد الرجل. فخرجت الكاهنة وهى تقول : يا بنىّ ، هلاككم فيما تأكله الناس ؛ فكرّرت ذلك.

ومضى الرسول حتى قدم على حسان بالكتاب ، فيه علم ما يحتاج إليه ؛ ثم كتب

__________________

(١) ب : «كل».

٢٢٨

إليه أيضا كتابا آخر ، وجعله فى قربوس حفره ، ووضع الكتاب فيه ، وأطبق عليه حتى استوى وخفى مكانه. فخرجت الكاهنة أيضا ، وهى تقول : يا بنىّ ، هلاككم فى شىء من نبات الأرض ميّت ؛ فكرّرت ذلك.

ومضى حتى قدم على حسان ، فندب أصحابه ثم غزاها ، فلما توجّه إليها خرجت ناشرة شعرها ، فقالت : يا بنّى ، انظروا ما ذا ترون فى السماء؟ قالوا : نرى شيئا من سحاب أحمر ، قال : لا وإلهى ، ولكنها رهج خيل العرب ، ثم قالت لخاد بن يزيد : إنى إنما كنت تبنّيتك لمثل هذا اليوم ، أنا مقتولة (١) ، فأوصيك بأخويك هذين خيرا. فقال خالد : إنى أخاف إن كان ما تقولين حقّا ألّا يستبقيا. قالت : بلى ويكون أحدهما عند العرب أعظم شأنا منه اليوم ، فانطلق فخذ لهما أمانا ، فانطلق خالد فلقى حسّان فأخبره خبرها ، وأخذ لا بنيها أمانا.

وكان مع حسان جماعة من البربر من البتر ، فولّى عليهم حسان الأكبر من ابنى الكاهنة وقرّبه ، ومضى حسان ومن معه ، فلقى الكاهنة فى أصل جبل ، فقتلت وعامّة من معها فسمّيت ببئر (٢) الكاهنة ، ثم انصرف حسان فنزل بموضع قيروان إفريقية اليوم ، وكان مقيل (٣) الكاهنة. قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال : وبنى مسجد جماعتها ودوّن الدواوين ووضع الخراج على عجم إفريقية ، وعلى من أقام معهم على النصرانيّة من البربر وعامّتهم من البرانس إلّا قليلا من البتر. وأقام حسّان بموضعه حتى استقامت له البلاد ، ثم توجّه إلى عبد الملك بغنائمه فى جمادى الآخرة سنة ستّ وسبعين.

قال وحدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث بن سعد ، قال : قفل حسّان بن النعمان من إفريقية سنة ثمان وسبعين.

__________________

(١) أنا مقتولة : ب : «وإنى لمقتولة».

(٢) ببئر الكاهنة : فى طبعة تورى وعامر «بئر الكاهنة».

(٣) القائلة : نصف النهار. وتقيّل : نام فيه. وقد قرأ تورى الكلمة «مقتل» فتوهم بناء على ذلك وجود نقص بيض له فى الأصل ، يخص تاريخ المقتل المتوهم ، وكذا فى نشرة عامر. وما أثبتناه كان بالرجوع إلى نسخة الحرم المكى. وقد ساق كل من تورى وعامر هذا النص على النحو التالى «ومضى حسان ومن معه ، فلقى الكاهنة فى أصل جبل ، فقتلت وعامة من معها ، فسميت بئر الكاهنة ، وكان مقتل الكاهنة ... قال ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره ، قال : ثم انصرف حسان ، فنزل موضع قيروان إفريقية اليوم ، وبنى مسجد جماعتها ... إلخ».

٢٢٩

فلما مرّ حسان ببرقة أمّر على خراجها إبراهيم بن النصرانى ، ثم مضى ، فمرّ بعبد العزيز بن مروان ، وهو بمصر ، ثم نفذ إلى عبد الملك ، فسرّ عبد الملك بما أورد عليه حسان من فتوحه وغنائمه.

ويقال بل أخذ منه عبد العزيز كلّ ما كان معه من السبى ، وكان قد قدم معه من وصائف البربر بشىء لم ير مثله جمالا ، فكان نصيب الشاعر يقول : حضرت السبى الذي كان عبد العزيز أخذه من حسان مائتى جارية ، منها ما يقام بألف دينار.

مقتل زهير بن قيس : قال وأغارت الروم بعد حسّان على أنطابلس ، فهرب إبراهيم ابن النصرانىّ وخلّى أهل أنطابلس وأهل ذمّتها فى أيدى الروم ، فرأسوها (١) أربعين ليلة حتى أسرعوا فيها الفساد ، وبلغ ذلك عبد العزيز بن مروان ، فأرسل إلى زهير بن قيس ، وكان خرج مع (٢) حسان ، فلما بلغ مصر أقام بها ، فأمره عبد العزيز بالنهوض إلى الروم ، ولم يجتمع لزهير من أصحابه إلا سبعون رجلا ، وكان عارض من الصدف يقال له جندل بن صخر ، وكان فظّا غليظا ، فقال زهير لعبد العزيز بن مروان : أما إذ قد أمرتنى بالخروج فلا تبعثنّ معى جندلا عارضا ، فيحبس علىّ الناس لشدّته وفظاظته ، وكان عبد العزيز عاتبا على زهير بن قيس لأنه كان قاتله حين وجّهه أبوه مروان بن الحكم من ناحية أيلة من قبل أن يدخل مصر ، فقال له : ما علمتك يا زهير إلا جلفا جافيا. فقال له زهير : ما كنت أرى يا بن ليلى أن رجلا جمع ما أنزل الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قبل أن يجتمع أبواك جلف جاف ، ما هو بالجلف ولا الجاف ، أنا منطلق فلا ردّنى الله إليك.

فخرج حتى إذا كان بدرنة من طبرقة من أرض أنطابلس ، لقى الروم وهو فى سبعين رجلا ، فتوقّف لتلحق به الناس ، فقال له فتى شاب كان معه : جبنت يا زهير ، فقال : ما جبنت يا بن أخى ، ولكن قتلتنى وقتلت نفسك ، فلقيهم ، فاستشهد زهير وأصحابه جميعا ، فقبورهم هنالك معروفة إلى اليوم.

وكان مقتل زهير وأصحابه كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث ، فى سنة ستّ وسبعين.

قال : وكان بأملس من بريّة أنطابلس رجل من مذحج يقال له عطيّة بن يربوع

__________________

(١) ك : «فداسوها».

(٢) ج : «من».

٢٣٠

خرج بابن له هاربا من الوباء ، وكان فى تلك البرّيّة جماعة من المسلمين ، فاستغاثهم وركب فيمن حوله من الناس ، فاجتمع إليه سبعمائة رجل ، فزحف بهم إلى الروم ، فقاتلوهم فهزموهم ، واعتصموا بسفنهم ، وهرب من بقى منهم.

وبلغ ذلك عبد العزيز بن مروان ، فبعث إليها غلاما يقال له تليد ، ووجّه معه ناسا من أشراف أهل مصر فضبطها.

حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : أمّر على أنطابلس حين قتل زهير طارق ، فثقل على الناس إمامة تليد بهم ، لأنه عبد ، فبلغ ذلك عبد العزيز بن مروان فأرسل إلى تليد بعتقه ، وأقام بأنطابلس.

موسى بن نصير : وقدم حسّان بن النعمان من قبل عبد الملك متوجّها إلى المغرب ، فلما قدم مصر قال لعبد العزيز : اكتب إلى عبدك بالإعراض عن أنطابلس ، فقال له عبد العزيز : ما كنت لأفعل بعد إذ ضيّعتها فاستولت عليها الروم ، فقال حسان : إذا أرجع إلى أمير المؤمنين. فقال عبد العزيز : ارجع ، فانصرف حسان راجعا إلى عبد الملك ، وخلّف ثقله بمصر ، فقدم على عبد الملك وهو مريض ، ووجّه عبد العزيز موسى بن نصير إلى المغرب ، فأخبر حسّان عبد الملك بذلك ، فخّر عبد الملك ساجدا ، وقال : الحمد لله الذي أمكننى من موسى لشدّة أسفه عليه.

وكان عاملا لعبد الملك على العراق مع بشر بن مروان ، فعتب عليه عبد الملك وأراد قتله ، فافتداه منه عبد العزيز بمال لما رأى من عقل موسى بن نصير ولبّه ، وكان عنده بمصر. ثم لم يلبث حسّان بن النعمان إلا يسيرا حتى توفّى ، وقدم موسى بن نصير المغرب فى سنة ثمان وسبعين.

حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، قال : أمّر موسى بن نصير على إفريقية سنة تسع وسبعين.

فعزل أبا صالح ، وافتتح عامّة المغرب ، وواتر فتوحه كتب بها إلى عبد العزيز ابن مروان ، وبعث بغنائمه وأنهاها عبد العزيز إلى عبد الملك ، فسكّن ذلك من عبد الملك بعض ما كان يجد على موسى.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا الليث بن سعد ، أن موسى بن نصير حين

٢٣١

غزا المغرب بعث ابنه مروان على جيش ، فأصاب من السبى مائة ألف ، وبعث ابن أخيه فى جيش آخر فأصاب مائة ألف. فقيل لليث بن سعد ، من هم؟ فقال : البربر. فلما أتى كتابه بذلك (١) ، قال الناس : ابن نصير والله أحمق ، من أين له عشرون ألفا يبعث بها إلى أمير المؤمنين فى الخمس؟ فبلغ ذلك موسى بن نصير فقال : ليبعثوا (٢) من يقبض لهم عشرين ألفا.

ثم توفّى عبد الملك بن مروان ، وكانت وفاته كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شوّال سنة ستّ وثمانين ، واستخلف الوليد بن عبد الملك ، فتواترت فتوح المغرب على الوليد من قبل موسى ابن نصير ، فعظمت منزلة موسى عنده ، واشتدّ عجبه به.

ذكر فتح الأندلس

قال : ووجّه موسى بن نصير ابنه مروان بن موسى إلى طنجة مرابطا على ساحلها ، فجهد هو وأصحابه ، فانصرف ، وخلّف على جيشه طارق بن عمرو ، وكانوا ألفا وسبعمائة. ويقال بل كان مع طارق اثنى عشر ألفا من البربر إلّا ستّة عشر رجلا من العرب ، وليس ذلك بالصحيح. ويقال إن موسى بن نصير خرج من إفريقية غازيا إلى طنجة ، وهو أوّل من نزل طنجة من الولاة ، وبها من البربر بطون من البتر والبرانس ممّن لم يكن دخل فى الطاعة ، فلما دنا من طنجة بثّ السرايا فانتهت خيله إلى السوس الأدنى ، فوطئهم وسباهم ، وأدّوا إليه الطاعة ، وولّى عليهم واليا أحسن فيهم السيرة ، ووجّه بسر بن أبى أرطاة إلى قلعة من مدينة القيروان على ثلاثة أيّام ، فافتتحها ، وسبى الذرّيّة وغنم الأموال. قال : فسّميت قلعة بسر ، فهى لا تعرف إلّا به إلى اليوم.

ثم إن موسى عزل الذي كان استعمله على طنجة ، وولّى طارق بن زياد ، ثم انصرف إلى القيروان ، وكان طارق قد خرج معه بجارية له يقال لها أمّ حكيم ، فأقام طارق هنالك مرابطا زمانا ، وذلك فى سنة ثنتين وتسعين.

وكان المجاز الذي بينه وبين أهل الأندلس عليه رجل من العجم يقال له يليان صاحب سبتة ، وكان على مدينة على المجاز إلى الأندلس يقال لها الخضراء ـ

__________________

(١) ب : «ذلك».

(٢) ج : «ابعثوا».

٢٣٢

والخضراء ممّا يلى طنجة ـ وكان يليان يؤدّى الطاعة إلى لذريق صاحب الأندلس ، وكان لدريق يسكن طليطلة ، فراسل طارق يليان ولاطفه حتى تهاديا (١) ، وكان يليان قد بعث بابنة له إلى لذريق صاحب الأندلس ليؤدّبها ويعلّمها فأحبلها ، فبلغ ذلك يليان فقال لا أرى له عقوبة ولا مكافأة إلّا أن أدخل عليه العرب ، فبعث إلى طارق : إنّى مدخلك الأندلس ، وطارق يومئذ بتلمسين ، وموسى بن نصير بالقيروان ، فقال طارق : فإنى لا أطمئن إليك حتى تبعث إلىّ برهينة ، فبعث إليه بابنتيه ، ولم يكن له ولد غيرهما ، فأقرّهما طارق بتلمسين ، واستوثق منهما.

ثم خرج طارق إلى يليان وهو بسبته على المجاز ، ففرح به حين قدم عليه وقال له : أنا مدخلك الأندلس ، وكان فيما بين المجازين جبل يقال له اليوم جبل طارق ، فيما بين سبتة والأندلس ، فلما أمسى جاءه يليان بالمراكب ، فحمله فيها إلى المجاز ، فأكمن فيه نهاره ، فلما أمسى ردّ المراكب إلى من بقى من أصحابه ، فحملوا إليه حتى لم يبق منهم أحد ، ولا يشعر بهم أهل الأندلس ، ولا يظنّون إلّا أن المراكب تختلف بمثل ما كانت تختلف به من منافعهم.

وكان طارق فى آخر فوج ركب ، فجاز إلى أصحابه ، وتخلّف يليان ومن كان معه من التجّار بالخضراء ، ليكون أطيب لأنفس أصحابه وأهل بلده.

وبلغ (٢) خبر طارق ومن معه أهل الأندلس ومكانهم الذي هم به ، وتوجّه طارق ، فسلك بأصحابه على قنطرة من الجبل إلى قرية يقال لها قرطاجنّة ، وزحف يريد قرطبة ، فمرّ بجزيرة فى البحر ، فخلّف بها جارية له يقال لها أمّ حكيم ، ومعها نفر من جنده ، فتلك الجزيرة من يومئذ تسمّى جزيرة أمّ حكيم.

وقد (٣) كان المسلمون حين نزلوا الجزيرة ، وجدوا بها كرّامين ، ولم يكن بها غيرهم ، فأخذوهم ، ثم عمدا إلى رجل من الكرّامين فذبحوه ، ثم عضّوه وطبخوه ، ومن بقى من أصحابه ينظرون ، وقد كانوا طبخوا لحما فى قدور أخر ، فلما أدركت طرحوا ما كان طبخوه من لحم ذلك الرجل ، ولا يعلم (٤) بطرحهم له ، وأكلوا اللحم

__________________

(١) ب : «تهادنا».

(٢) ب : «فبلغ».

(٣) ج : «قد»

(٤) ك : «ولا يعلم أحد بطرحهم».

٢٣٣

الذي كانوا طبخوه ، ومن بقى من الكرّامين ينظرون إليهم ، فلم يشكّوا أنهم أكلوا (١) لحم صاحبهم ، ثم أرسلوا من بقى منهم ، فأخبروا أهل الأندلس أنهم يأكلون لحم (٢) الناس ، وأخبروهم بما صنع بالكرّام.

قال : وكان بالأندلس كما حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم وهشام بن إسحاق ، بيت عليه أقفال لا يلى ملك منهم إلّا زاد عليه قفلا من عنده ، حتى كان الملك الذي دخل عليه المسلمون ، فإنهم أرادوه على أن يجعل عليه قفلا كما كانت تصنع الملوك قبله ، فأبى ، وقال : ما كنت لأضع عليه شيئا حتى أعرف ما فيه ، فأمر بفتحه فإذا فيه صور العرب ، وفيه كتاب إذا فتح هذا الباب دخل هؤلاء القوم هذا البلد.

ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال : فلما جاز طارق تلقّته جنود قرطبة واجترأوا عليه للذى رأوا من قلّة أصحابه ، فاقتتلوا ، فاشتدّ قتالهم ، ثم انهزموا ، فلم يزل يقتلهم حتى بلغوا مدينة قرطبة.

وبلغ ذلك لذريق فزحف إليهم من طليطلة ، فالتقوا بموضع يقال له شذونة على واد يقال له اليوم وادى أمّ حكيم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل الله عزوجل لذريق ومن معه (٣).

وكان معتّب الرومىّ غلام الوليد بن عبد الملك على خيل طارق ، فزحف معتّب الرومىّ يريد قرطبة ، ومضى طارق إلى طليطلة فدخلها ، وسأل عن المائدة ، ولم يكن له همّ غيرها ، وهى مائدة سليمان بن داود التى يزعم أهل الكتاب.

قال وحدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث بن سعد قال : فتح لموسى بن نصير الأندلس ، فأخذ منها مائدة سليمان بن داود عليه‌السلام والتاج. فقيل لطارق : إن المائدة بقلعة يقال لها فراس ، مسيرة يومين من طليطة ، وعلى القلعة ابن أخت للذريق ، فبعث إليه طارق بأمانه وأمان أهل بيته ، فنزل إليه فأمّنه ووفى له ، فقال له طارق : ادفع إلىّ المائدة ، فدفعها إليه وفيها من الذهب والجوهر ما لم ير مثله.

فقلع (٤) طارق رجلا من أرجلها بما فيها من الجوهر والذهب ، وجعل لها رجلا

__________________

(١) ب : «أنهم إنما يأكلون». ج : «أنهم يأكلون». ك : «أنهم إنما أكلوا».

(٢) ك : «لحوم».

(٣) ج : «ومن كان معه».

(٤) أ : «فقطع».

٢٣٤

سواها ، فقوّمت المائدة بمائتى ألف دينار لما فيها من الجوهر ، وأخذ طارق ما كان عنده من الجوهر والسلاح والذهب والفضّة والآنية ، وأصاب سوى ذلك من الأموال ما لم ير مثله ، فحوى ذلك كلّه ، ثم انصرف إلى قرطبة وأقام بها. وكتب إلى موسى بن نصير يعلّمه بفتح الأندلس ، وما أصاب من الغنائم ، فكتب موسى إلى الوليد بن عبد الملك يعلّمه بذلك ، ونحله نفسه ، وكتب موسى إلى طارق ألّا يجاوز قرطبة حتى يقدم عليه ، وشتمه شتما قبيحا.

ثم خرج موسى بن نصير إلى الأندلس فى رجب سنة ثلاث وتسعين بوجوه العرب والموالى وعرفاء البربر ، حتى دخل الأندلس ، وخرج مغيظا على طارق ، وخرج معه حبيب ابن أبى عبيدة الفهرىّ ، واستخلف على القيروان ابنه عبد الله بن موسى ، وكان أسنّ ولده ، فأجاز من الخضراء ، ثم مضى إلى قرطبة فتلقّاه طارق فترضّاه ، وقال له : إنما أنا مولاك ، وهذا الفتح لك ، فجمع موسى من الأموال ما لا يقدر على صفته ، ودفع طارق كلّ ما كان غنم إليه.

قال ويقال بل توجّه لذريق إلى طارق وهو فى الجبل (١) ، فلما انتهى إليه لذريق خرج إليه طارق ، ولذريق يومئذ على سرير ملكه ، والسرير بين بغلين يحملانه ، وعليه تاجه وقفّازاه (٢) ، وجميع ما كانت الملوك قبله تلبسه من الحلية.

فخرج إليه طارق وأصحابه رجّالة كلّهم ليس فيهم راكب ، فاقتتلوا من حين بزغت الشمس إلى أن (٣) غربت ، وظنّوا أنه الفناء (٤) ، فقتل الله لذريق ومن معه ، وفتح للمسلمين ، ولم يكن بالمغرب مقتلة قطّ أكثر منها فلم يرفع المسلمون السيف عنهم ثلاثة أيام ، ثم ارتحل الناس إلى قرطبة.

قال ويقال إن موسى هو الذي وجّه طارقا بعد مدخله الأندلس إلى طليطلة ، وهى النصف فيما بين قرطبة وأربونة ، وأربونة أقصى ثغر الأندلس. وكان كتاب عمر بن عبد العزيز ينتهى إلى أربونة ، ثم غلب عليها أهل الشرك فهى فى أيديهم اليوم ، وأن طارق إنما أصاب المائدة فيها.

__________________

(١) ج : «الخيل».

(٢) ج : «وقفاز له».

(٣) ب : «حين».

(٤) ج : «العناء». ك : «العشاء».

٢٣٥

وكان لذريق يملك ألفى ميل من الساحل إلى ما وراء ذلك ، وأصاب الناس غنائم كثيرة من الذهب والفضّة.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا الليث بن سعد ، قال : إن كانت الطنفسة لتوجد (١) منسوجة بقضبان الذهب تنظم (٢) السلسلة من الذهب باللؤلؤ والياقوت والزّبرجد ، وكان البربر ربما وجدوها فلا يستطيعون حملها حتى يأتوا بالفأس ، فيضرب وسطها ، فيأخذ أحدهما نصفها والآخر نصفها لأنفسهم ، وتسير معهم جماعة والناس مشتغلون (٣) بغير ذلك.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا الليث بن سعد ، قال : لمّا فتحت الأندلس جاء إنسان إلى موسى بن نصير فقال : ابعثوا معى أدلّكم على كنز ، فبعث معه ؛ فقال لهم الرجل : انزعوا هاهنا ، فنزعوا. قال فسال عليهم من الزبرجد والياقوت شيئ لم يروا مثله قطّ ، فلما رأوه تهيّبوه ، وقالوا : لا يصدّقنا موسى بن نصير ، فأرسلوا إليه حتى جاء ونظر إليه.

حدثنا عبد الملك حدثنا الليث بن سعد ، أن موسى بن نصير حين فتح الأندلس كتب إلى [الوليد بن](٤) عبد الملك : إنها ليست بالفتوح ، ولكنّه الحشر.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد ، قال : لما افتتحت الأندلس أصاب الناس فيها غنائم ، فغلّوا فيها غلولا كثيرا ، حملوه (٥) فى المراكب وركبوا فيها ، فلما وسطوا (٦) البحر سمعوا مناديا يقول : اللهمّ غرّق بهم ، فدعوا الله وتقلدوا المصاحف. قال فما نشبوا أن أصابتهم ريح عاصفة ، وضربت المراكب بعضها بعضا حتى تكسّرت وغرق بهم.

__________________

(١) ب : «لتؤخذ».

(٢) ب ، ك : «بنظم».

(٣) ب : «يشتغلون».

(٤) أضيف ما بين المعقوفتين بعد مقارنته بما ورد ص ٢٣٢ س ٦ ـ ٨ ، ٢٢ ، ص ٢٣٥ س ٧ حيث أفادت هذه الأخبار أن موسى بن نصير إنما كتب إلى الوليد بن عبد الملك. ذلك لأن الخليفة عبد الملك كان قد توفى سنة ٨٦ ه‍ ، ولأن فتح الأندلس بدأ سنة ٩٢ ه‍.

(٥) ب : «جعلوه».

(٦) ج : «توسطوا».

٢٣٦

وأهل مصر ينكرون ذلك ويقولون : إن أهل الأندلس ليس هم الذين غرقوا ، وإنما هم أهل سردانية ، وذلك أن أهل سردانية كما حدثنا سعيد بن عفير لما توجّه إليهم المسلون عمدوا إلى مينا لهم فى البحر ، فسدّوه ، وأخرجوا منه الماء ، ثم قذفوا فيه آنيتهم من الذهب والفضّة ، ثم ردّوا عليه الماء بحاله ، وعمدوا إلى كنيسة لهم ، فجعلوا لها سقفا من دون سقفها ، وجعلوا ما كان لهم من مال بين السقفين.

فنزل رجل من المسلمين يغتسل فى ذلك الموضع الذي سكّروه (١) ، ثم أعادوا عليه الماء ، فوقعت رجله على شىء فأخرجه ، فإذا صحفة من فضّة ، ثم غاص أيضا فأخرج شيئا آخر ، فلما علم المسلمون بذلك حبسوا عنه الماء ، وأخذوا جميع تلك الآنية ، ودخل رجل من المسلمين ومعه قوس بندق إلى تلك الكنيسة التى رفعوا بين سقفيها مالهم ، فنظر إلى حمام فرماه ببندقه ، فأخطأه ، وأصاب شبحة خشب ، فكسرها ، وانهال عليهم المال ، فغلّ المسلمون يومئذ غلولا كثيرا. فإن كان الرجل ليأخذ الهرّ فيذبحها ويرمى بما فى جوفها ثم يحشوه مما غلّ ، ثم يخيط عليه ويرمى بها إلى الطريق ، ليتوهّم من رآها أنها ميتة ، فإذا خرج أخذها. وإن كان الرجل ينزع (٢) نصل سيفه فيطرحه ويملأ الجفن غلولا ويضع قائم (٣) السيف على الجفن.

فلما ركبوا السفن وتوجّهوا سمعوا مناديا ينادى ، اللهمّ غرّق بهم ؛ فتقلّدوا المصاحف فغرقوا جميعا إلا أبو عبد الرحمن (٤) الحبلى ، وحنش بن عبد الله السبائىّ ، فإنهما لم يكونا نديا من الغلول بشىء.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : سمعت أبا الأسود ، قال : سمعت عمرو بن أوس ، يقول : بعثنى موسى بن نصير أفتش أصحاب عطاء بن رافع مولى هذيل حين انكسرت مراكبهم ، فكنت ربّما وجدت الإنسان قد خبأ الدنانير (٥) فى خرقة فى شىء بين خصيتيه ، قال : فمرّ بى إنسان متّكئا على قصبة ، فذهبت أفتشه ، فنازعنى ، فغضبت ، فأخذت القصبة فضربته بها فانكسرت ، وانتثرت الدنانير منها ، فأخذت أجمعها.

__________________

(١) ج : «شكزوه».

(٢) ك : «لينزع».

(٣) ج : «قائمة».

(٤) إلا أبو عبد الرحمن : تحرفت فى طبعة عامر إلى «إلا عبد الرحمن».

(٥) ب : «الدينار».

٢٣٧

حدثنا عبد الملك ، حدثنا الليث بن سعد ، قال : بلغنى أن رجلا فى غزوة عطاء بن رافع أو غيره بالمغرب غلّ ، فتحمّل (١) بها حتى جعلها فى زفت ، فكان يصيح عند الموت ، من الزفت من الزفت.

قال : وأخذ موسى بن نصير طارق بن عمرو ، فشدّه وثاقا وحبسه ، وهمّ بقتله ، وكان معتّب الرومىّ غلاما للوليد بن عبد الملك ، فبعث إليه طارق : إنك إن رفعت أمرى إلى الوليد ، وأنّ فتح الأندلس كان على يدىّ ، وأن موسى حبسنى ، يريد (٢) قتلى ، أعطيتك مائة عبد ، وعاهده على ذلك. فلمّا أراد معتب الانصراف ودّع موسى بن نصير وقال له : لا تعجّل على طارق ولك أعداء ، وقد بلغ أمير المؤمنين أمره ، وأخاف عليك وجده ، فانصرف معتب وموسى بالأندلس.

فلما قدم معتب على الوليد أخبره بالذى كان من فتح الأندلس على يدى طارق ، وبحبس موسى إيّاه ، والذي أراد به من القتل ، فكتب الوليد إلى موسى يقسم له بالله لئن ضربته لأضربنّك ، ولئن قتلته لأقتلّن ولدك به ، ووجّه الكتاب مع معتب الرومى ، فقدم به على موسى الأندلس ، فلما قرأه أطلق طارقا وخلّى سبيله ، ووفى طارق لمعتب بالمائة العبد الذي كان جعل له.

وخرج موسى بن نصير من الأندلس بغنائمه وبالجوهر والمائدة ، واستخلف على الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسى ، وكانت إقامة موسى بالأندلس سنة ثلاث وتسعين وأربع وتسعين وأشهرا (٣) من سنة خمس وتسعين ، فلما قدم موسى إفريقية ، كتب إليه الوليد بن عبد الملك بالخروج إليه ، فخرج ، واستخلف على إفريقية ابنه عبد الله بن موسى ، وسار موسى بتلك الغنائم والهدايا حتى قدم مصر ، ومرض الوليد بن عبد الملك ، فكان يكتب إلى موسى يستعجله ، ويكتب إليه سليمان بالمكث والمقام ليموت (٤) الوليد ، ويصير ما مع موسى إليه. وخرج موسى حتى إذا كان بطبريّة أتته وفاة الوليد ، فقدم على سليمان بتلك الهدايا ، فسرّ سليمان بذلك.

__________________

(١) ج : «فتمحل».

(٢) ب ، ج ، ك : «وأنه يريد».

(٣) ج : «وشهرا».

(٤) ب : «فيموت».

٢٣٨

ويقال : إن موسى بن نصير حين قدم من الأندلس لم ينزل القيروان ، خلّفها ونزل قصر الماء (١) ، وضحّى هنالك ، ثم شخص وشخص معه طارق.

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد قال : قفل موسى بن نصير وافدا إلى أمير المؤمنين فى سنة ستّ وتسعين ، ودخل الفسطاط يوم الخميس لست ليال بقين من شهر ربيع الأوّل.

ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره ، وقال : فبينا (٢) سليمان يقلّب (٣) تلك الهدايا إذ انبعث رجل من أصحاب موسى بن نصير يقال له عيسى بن عبد الله الطويل من أهل المدينة ، وكان على الغنائم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله قد أغناك بالحلال عن الحرام ، وإنى صاحب هذه المقاسم ؛ وأن موسى لم يخرج خمسا من جميع ما أتاك به ، فغضب سليمان وقام عن سريره ، فدخل منزله ، ثم خرج إلى الناس فقال : نعم ، قد أغنانى الله بالحلال عن الحرام ، وأمر بإدخال ذلك بيت المال (٤) ، وقد كان سليمان قد أمر موسى بن نصير برفع حوائجه وحوائج من معه ، ثم الانصراف إلى المغرب.

قال ويقال بل قدم موسى بن نصير على الوليد بن عبد الملك ، والوليد مريض ، فأهدى إليه موسى المائدة ، فقال طارق : أنا أصبتها ، فكذّبه موسى. فقال للوليد : فادع بالمائدة ، فانظر هل ذهب منها شىء. فدعا بها الوليد ، فنظر فإذا برجل من أرجلها لا تشبه الرجل الأخرى ، فقال له طارق : سله يا أمير المؤمنين ، فإن أخبرك ؛ بما تستدل (٥) به على صدقه فهو صادق ، فسأله الوليد عن الرجل ، فقال : هكذا أصبتها. فأخرج طارق الرجل التى كان أخذ منها حين أصابها فقال : يستدلّ أمير المؤمنين بها على صدق ما قلت له ، وأنى أصبتها ، فصدّقه الوليد ، وقبل قوله ، وأعظم جائزته.

ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال : وكان عبد العزيز بن موسى بعد خروج

__________________

(١) ج : «قصرا لها».

(٢) ج : «فبينما».

(٣) ج : «يقبل».

(٤) وأمرنا بإدخال ذلك بيت المال : ج «وأمر بإدخاله فى مال المسلمين».

(٥) ب : «يستدل».

٢٣٩

أبيه قد تزوّج امرأة نصرانية ، بنت ملك من أهل الأندلس يقال إنها (١) ابنة لذريق ملك الأندلس الذي قتله طارق ، فجاءته من الدنيا بشىء كثير لا يوصف. فلما دخلت عليه قالت : ما لى لا أرى أهل مملكتك يعظّمونك ولا يسجدون لك كما كان أهل مملكة أبى يعظّمونه ويسجدون له؟ فلم يدر ما يقول لها ، فأمر بباب فنقب له فى ناحية قصره ، وجعله (٢) قصيرا ، وكان يأذن للناس فيدخل الداخل إليه من الباب حين يدخل منكّسا رأسه لقصر الباب ، وهى فى موضع تنظر إلى الناس منه ، فلما رأت ذلك قالت لعبد العزيز : الآن قوى ملكك.

وبلغ الناس أنه إنما نقب الباب لهذا ، وزعم بعض الناس أنها نصّرته ، فثار به حبيب ابن أبى عبيدة الفهرىّ وزياد بن النابغة التميمى وأصحاب لهم من قبائل العرب ، واجتمعوا (٣) على قتل عبد العزيز للذى بلغهم من أمره ، وأتوا إلى مؤذّنه فقالوا : أذّن بليل لكى نخرج إلى الصلاة ، فأذّن المؤذّن ثم ردّد التّثويب ، فخرج عبد العزيز ، فقال لمؤذّنه : لقد عجلت وأذّنت بليل.

ثم توجه إلى المسجد وقد اجتمع له أولئك النفر وغيرهم ممن حضر الصلاة ، فتقدّم عبد العزيز وافتتح يقرأ (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ)(٤) فوضع حبيب السيف على رأس عبد العزيز ، فانصرف هاربا حتى دخل داره ، فدخل جنانا له واختبأ فيه تحت شجرة ، وهرب حبيب بن أبى عبيدة وأصحابه ، واتّبعه زياد ابن النابغة ، فدخل على أثره ، فوجده تحت الشجرة ؛ فقال له عبد العزيز : يا ابن النابغة نجّنى ولك ما سألت ، فقال لا تذوق الحياة بعدها ، فأجهز عليه واحتزّ رأسه ، وبلغ ذلك حبيبا وأصحابه فرجعوا.

ثم خرجوا برأس عبد العزيز إلى سليمان بن عبد الملك ، وأمّروا على الأندلس أيّوب ابن أخت موسى بن نصير ، ومرّوا على القيروان وعليها عبد الله بن موسى بن نصير ، فلم يعرض لهم ، وساروا حتى قدموا على سليمان برأس عبد العزيز بن موسى فوضعوه

__________________

(١) ج : «لها».

(٢) ج : «وكان».

(٣) ب ، ج : «وأجمعوا».

(٤) سورة الواقعة ، الآيات ١ ـ ٣.

٢٤٠