ابن عبد الحكم
المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧
ابن الخطاب الصعيد وليس بينه وبينه حرمة ولا خاصّة ، وقد علمت أنه أخى من الرضاعة ، فكيف أعزله عمّا ولّاه غيرى؟!.
وقال له فيما حدثنا سعيد بن عفير : إنك لفى غفلة عما كانت تصنع بى أمّه ، وإن كانت لتخبأ لى العرق من اللحم فى ردنها حتى آتى.
قال ثم رجع إلى حديث الليث بن سعد ، قال : فغضب عمرو ، وقال : لست راجعا إلا على ذلك ، فكتب عثمان بن عفان إلى عبد الله بن سعد يؤمّره على مصر كلّها ، فجاءه الكتاب بالفيّوم. قال ابن عفير : بقرية منها تدعى دموشة (١).
قال الليث فى حديثه فجعل لأهل أطواب جعلا على أن يصبّحوا به الفسطاط فى مركبه ، وكان الذي جعل لهم كما يزعم آل عبد الله بن سعد خمسة دنانير ، قال الليث : فقدموا به الفسطاط قبل الصبح فأرسل إلى المؤذّن فأقام الصلاة حين طلع الفجر ، وعبد الله بن عمرو ينتظر المؤذّن يدعوه إلى الصلاة ؛ لأنه خليفة أبيه ، فاستنكر الإقامة. فقيل له صلّى عبد الله بن سعد بالناس.
وآل عبد الله يزعمون أن عبد الله بن سعد أقبل من غربىّ المسجد بين يديه شمعة ، وأقبل عبد الله بن عمرو ، من نحو داره بين يديه شمعة. فالتقت الشمعتان عند القبلة.
قال الليث فى حديثه : فأقبل عبد الله بن عمرو حتى وقف على عبد الله ابن سعد ، فقال : هذا بغيك ودسّك. فقال عبد الله بن سعد : ما فعلت وقد كنت أنت وأبوك تحسدانى على الصعيد ، فتعال حتى أولّيك الصعيد وأولّى أباك أسفل الأرض ولا أحسد كما عليه ، فلبث عبد الله بن سعد عليها أميرا محمودا ، وغزا فيها ثلاث غزوات كلهن لها (٢) شأن : إفريقية ، والأساود (٣) ، ويوم ذى الصّوارى. وسأذكر ذلك فى موضعه إن شاء الله.
قال : وكان عزل عمرو بن العاص عن مصر ، كما حدثنا يحيى بن عبد الله
__________________
(١) ضبطت فى أ ـ ضبط قلم ـ بفتح الدال وضمها مع ضم الميم. وفى ج : رسمت عبارة تدعى دموشة : بدعال موشه. وكذا د. وفى حاشية أ ، ب : قال ابن قديد : إنما هى شدموه كذا ذكر لى أبو الغيداق بن السرحى. وفى حاشية ج : قال أبو القاسم بن قديد قال لى أبو الغيداق بن السرحى إنما هى شدموه وما كان له بدموشه شىء وإنما هذا تصحيف الرواية ، وعلق عليها تورى بأن الصواب يبدو أنه شرموه.
(٢) أ ، ج ، د ، ك : «لهن».
(٣) أ : «والأساوده».
ابن بكير ، عن الليث بن سعد وتولية عبد الله بن سعد فى سنة خمس وعشرين.
ذكر انتقاض الإسكندرية
قال : عبد الرحمن (١) وقد كانت الإسكندرية كما حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، انتقضت وجاءت الروم عليهم منويل الخصىّ فى المراكب حتى أرسوا بالإسكندرية ، فأجابهم من بها من الروم ، ولم يكن المقوقس (٢) تحرّك ولا نكث.
وقد كان عثمان بن عفّان عزل عمرو بن العاص وولّى عبد الله بن سعد ، فلما نزلت الروم الإسكندرية ، سأل (٣) أهل مصر عثمان أن يقرّ عمرا حتى يفرغ من قتال الروم ؛ فإن له معرفة بالحرب وهيبة فى العدو ففعل ، وكان على الإسكندرية سورها ، فحلف عمرو بن العاص لئن أظهره (٤) الله عليهم ليهدمن سورها ، حتى تكون مثل بيت الزانية تؤتى من كل مكان ، فخرج إليهم عمرو فى البر والبحر.
قال عبد الرحمن (٥) وقال غير الليث : وضوى إلى المقوقس من أطاعه من القبط ، فأما الروم فلم يطعه منهم أحد ، فقال خارجة بن حذافة لعمرو : ناهضهم قبل أن يكثر مددهم (٦) ولا أمن (٧) أن تنتقض مصر كلّها ، فقال عمرو : لا ، ولكن أدعهم حتى يسيروا إلىّ ، فإنهم يصيبون من مرّوا به فيخزى الله بعضهم ببعض.
فخرجوا من الإسكندرية ومعهم من نقض من أهل القرى ، فجعلوا ينزلون القرية فيشربون خمورها ويأكلون أطمعتها وينتهبون ما (٨) مرّوا به ، فلم يعرض لهم عمرو (٩) حتى بلغوا نقيوس ، فلقوهم فى البرّ والبحر ، فبدأت الروم والقبط ، فرموا بالنشّاب فى الماء رميا
__________________
(١) عبد الرحمن : زيدت من ك.
(٢) ب : «للمقوقس».
(٣) ب ، ج : «سألت».
(٤) ب ، ك : «أظفره».
(٥) «قال عبد الرحمن و» زيدت من ك.
(٦) ج : «عددهم».
(٧) ك : «ولا آمن».
(٨) ج : «مما». د : «من».
(٩) ج : «عسر».
شديدا ، حتى أصابت النشّاب يومئذ فرس عمرو فى لبّته وهو فى البرّ فعفر (١) فنزل عنه عمرو ، ثم خرجوا من البحر فاجتمعوا هم والذين فى البرّ ، فنضحوا المسلمين بالنشّاب ، فاستأخر المسلمون عنهم شيئا ، وحملوا على المسلمين حملة ولّى المسلمون منها ، وانهزم شريك بن سمىّ فى خيله.
وكانت الروم قد جعلت صفوفا خلف صفوف ، وبرز يومئذ بطريق ممن جاء من أرض الروم على فرس له عليه سلاح مذهّب ، فدعا إلىّ البراز ، فبرز إليه رجل من زبيد يقال له حومل يكنّى أبا مذحج ، فاقتتلا طويلا برمحين يتطاردان (٢) ، ثم ألقى البطريق الرمح وأخذ السيف ، وألقى حومل رمحه وأخذ سيفه ، وكان يعرف بالنجدة ، وجعل يصيح : أبا مذحج ، فيجيبه : لبيك ، والناس على شاطىء النيل فى البرّ على تعبئتهم وصفوهم ، فتجاولا ساعة بالسيفين ، ثم حمل عليه البطريق فاحتمله وكان نحيفا ، ويخترط حومل حنجرا كان فى منطقته أو فى ذراعه ، فضرب به نحر العلج أوتر قوّته فأثبته ووقع عليه ، فأخذ سلبه ، ثم مات حومل بعد ذلك بأيّام رحمة الله عليه ، فرئى عمرو يحمل سريره بين عمودى نعشه حتى دفنه بالمقطّم.
ثم شدّ المسلمون عليهم ، فكانت هزيمتهم ، فطلبهم المسلمون حتى ألحقوهم بالإسكندرية ، ففتح الله عليهم وقتل منويل الخصىّ.
حدثنا الهيثم بن زياد أن عمرو بن العاص قتلهم حتى أمعن فى مدينتهم ، فكلّم فى ذلك فأمر برفع السيف عنهم ، وبنى فى ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجد ، وهو المسجد الذي بالإسكندرية الذي يقال له مسجد الرحمة ؛ وإنما سمّى مسجد الرحمة لرفع عمرو السيف هنالك. وهدم سورها كله.
وجمع عمرو ما أصاب منهم فجاءه أهل تلك القرى ممن لم يكن نقض ، فقالوا : قد كنا على صلحنا ، وقد مرّ علينا هؤلاء اللصوص فأخذوا متاعنا ودوابّنا وهو قائم فى يديك. فردّ عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه وأقاموا عليه البيّنة ، وقال بعضهم لعمرو : ما حلّ لك ما صنعت بنا ، كان لنا أن تقاتل عنّا لأنا فى ذمّتك ، ولم ننقض ، فأما من نقض فأبعده الله ، فندم عمرو ، وقال : يا ليتنى كنت لقيتهم حين خرجوا من الإسكندرية.
__________________
(١) ب ، ج ، ك : «فعقر»
(٢) د : «يتطاولان».
(١) وكان سبب نقض الإسكندرية هذا كما حدّثنا عن حيوة بن شريح ، عن الحسن ابن ثوبان ، عن هشام بن أبى رقيّة ، أن صاحب إخنا قدم على عمرو بن العاص فقال : أخبرنا ، ما على أحدنا من الجزية فيصبر لها؟ فقال عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة : لو أعطيتنى من الركن إلى السّقف ، ما أخبرتك ، إنما أنتم خزانة لنا إن كثّر علينا كثّرنا عليكم ، وإن خفّف عنّا خفّفنا عنكم ، فغضب صاحب إخنا (٢) ، فخرج إلى الروم فقدم بهم فهزمهم الله ، وأسر النبطىّ فأتى به عمرو ، فقال له الناس : اقتله ، فقال : لا ، بل انطلق فجئنا بجيش آخر (١).
حدثنا سعيد بن سابق ، قال : كان اسمه طلما ، وأن عمرا لمّا أتى به سوّره (٣) ، وتوّجه ، وكساه برنس أرجوان ، وقال له : ايتنا بمثل هؤلاء ؛ فرضى بأداء الجزية. فقيل لطلما ؛ لو أتيت ملك الروم؟ فقال : لو أتيته لقتلنى ، وقال قتلت أصحابى.
ذكر خراب خربة وردان
قال وكان عمرو حين توجّه إلى الإسكندرية خرب القرية التى تعرف اليوم بخربة وردان قال عبد الرحمن : واختلف علينا فى السبب الذي خربت له ، فحدثنا سعيد ابن عفير ، أن عمرا لما توجّه إلى نقيوس لقتال الروم عدل وردان (٤) لقضاء حاجته عند الصبح (٥) ، فاختطفه أهل الخربة فغّيبوه ، ففقده عمرو ، وسأل عنه وقفا أثره فوجدوه فى بعض دورهم ، فأمر بإخرابها وإخراجهم منها.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، قال : كان أهل الخربة رهبانا كلهم ، فغدروا بقوم من ساقة عمرو فقتلوهم بعد أن بلغ عمرو الكريون ، فأقام عمرو ووجّه إليهم وردان فقتلهم وخربها ، فهى خراب إلى اليوم.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، قال : كان أهل الخربة أهل توثّب وخبث ،
__________________
(١ ـ ١) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٥٩.
(٢) فى أ ، ج : «إجنا» والمثبت عن سائر النسخ. وقد ذكر ياقوت فى معجمه عند الحديث عن إخنا : «وجدته فى غير نسخة من كتاب فتوح مصر ، بالجيم».
(٣) ب ، ج : «سوده».
(٤) فى د ، زيادة : «مولى عمرو».
(٥) فى د. زيادة : «قريبا من خربة وردان».
فأرسل عمرو بن العاص إلى أرضهم ، فأخذ له منها جراب فيه تراب من ترابها ، ثم دعاهم فكلّمهم فلم يجيبوه إلى شىء فأمر بإخراجهم ، ثم أمر بالتراب ففرش تحت مصلّاه ، ثم قعد عليه ، ثم دعاهم فكلّمهم فأجابوه إلى ما أحبّ ، ثم أمر بالتراب فرفع ، ثم دعاهم فلم يجيبوه إلى شىء حتى فعل ذلك مرارا ، فلما رأى عمرو ذلك قال : هذه بلدة لا تصلح إلّا أن توطأ ، فأمر بإخرابها. والله أعلم.
ذكر بعض ما قيل فى فتح الإسكندرية الثانى
ثم رجع إلى حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : فلما هزم الله الروم أراد عثمان عمرا أن يكون على الحرب ، وعبد الله بن سعد على الخراج ، فقال عمرو : أنا إذا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها ، فأبى عمرو.
حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حرملة بن عمران ، عن تميم بن فرع المهرىّ ، قال : شهدت فتح الإسكندرية فى المرّة الثانية فلم يسهم لى ، حتى كاد أن يقع بين قومى وبين قريش منازعة ، فقال بعض القوم : أرسلوا إلى أبى بصرة الغفارى وعقبة بن عامر الجهنى فإنهما من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسلوهما عن هذا ، فأرسلوا إليهما فسألوهما ، فقالا : انظروا ، فإن كان أنبت فأسهموا له ، فنظر (١) إلىّ بعض القوم فوجدونى قد أنبتّ ، فأسهموا لى.
(*) حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن موسى بن علىّ ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص أنه فتح الاسكندرية الفتحة الأخيرة عنوة قسرا ، فى خلافة عثمان ابن عفان ، بعد موت عمر بن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : كان فتح الإسكندرية الأوّل سنة إحدى وعشرين وفتحها الآخر سنة خمس وعشرين بينهما أربع سنين.
حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : كان فتح الإسكندرية الأول سنة اثنتين وعشرين. وكان فتحها الآخر سنة خمس وعشرين.
__________________
(١) فى طبعة تورى : «فنظروا» والمثبت فى : ك.
(* ـ *) ساقط من طبعة عامر. وهو فى سائر الأصول يضاف إلى ذلك أن السيوطى أورده فى حسن المحاضرة ج ٢ ص ١٦٢ نقلا عن ابن عبد الحكم.
قال غير ابن لهيعة : وأقام عمرو بن العاص بعد فتح الإسكندرية شهرا ، ثم عزله عثمان وولّى عبد الله بن سعد.
قال غير ابن لهيعة فى حديثه عن يزيد بن أبى حبيب : وأقامت الخيس من البيما يقاتلون الناس سبع سنين بعد ما فتحت مصر ، مما يفتحون عليهم من تلك المياه والغياض*).
ذكر قدوم عمرو على عمر بن الخطاب
حدثنا عثمان بن صالح ، عن الليث بن سعد ، قال : عاش عمر بن الخطاب بعد فتح مصر ثلاث سنين قدم عليه عمرو فيها قدمتين. قال ابن عفير : استخلف فى إحداهما زكريّاء بن الجهم العبدرىّ على الجند ، ومجاهد بن جبر مولى بنى نوفل بن عبد مناف على الخراج وهو جدّ معاذ بن موسى النفّاط أبى اسحاق بن معاذ الشاعر فسأله عمر : من استخلفت؟ فذكر له مجاهد بن جبر ، فقال له عمر : مولى ابنت غزوان؟ قال : نعم. إنه كاتب ، فقال عمر : إن القلم (١) ليرفع بصاحبه.
وبنت غزوان هذه أخت عتبة بن غزوان ، وقد شهد عتبة بدرا.
(٢) حدثنا عبد الملك بن هشام. قال : حدثنا زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق ، قال : عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ، حليف بنى نوفل بن عبد مناف (٣) قال : وخطّة مجاهد بن جبر ، دار صالح صاحب السوق.
قال : ثم رجع إلى حديث ابن عفير ، قال : واستخلف فى القدمة الثانية عبد الله ابن عمرو. فحدثنا عبد الملك بن مسلمة. وعبد الله بن صالح ، قالا : حدثنا الليث ابن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عمرو بن العاص دخل على عمر بن الخطاب وهو على مائدته جاثيا على ركبتيه ، وأصحابه كلهم على تلك الحال وليس فى الجفنة فضل لأحد يجلس ، فسلّم عمرو على عمر فردّ عليهالسلام. قال (٣) عمرو بن العاص؟
__________________
(١) ب : «العلم».
(٢ ـ ٢) راجع ابن هشام ق ١ ص ٣٢٤. وقد تحرفت «حليف بنى نوفل بن عبد مناف» فى طبعة عامر إلى «حليف بنى وائل بن عبد مناف».
(٣) ك : «فقال».
قال : نعم. فأدخل عمر يده فى الثريد ، فملأها ثريدا ، ثم ناولها عمرو بن العاص ، فقال : خذ هذا. فجلس عمرو وجعل الثريد فى يده اليسرى ويأكل باليمنى ، ووفد أهل مصر ينظرون إليه ، فلما خرجوا قال الوفد لعمرو : أىّ شىء صنعت؟ فقال عمرو : إنه والله لقد علم أنى بما قدمت به من مصر لغنى عن الثريد الذي ناولنى ، ولكنه أراد أن يختبرنى ، فلو لم أقبلها للقيت منه شرّا.
حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى قبيل ، قال : دخل عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب وقد صبغ (١) رأسه ولحيته بسواد ، فقال عمر : من أنت؟ قال : أنا عمرو بن العاص. قال (٢) عمر : عهدى بك شيخا وأنت اليوم شاب ، عزمت عليك إلّا ما خرجت فغسلت هذا (٣).
حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : قدم عمرو بن العاص من مصر مرّة على عمر ، فوافاه على المنبر يوم الجمعة ، فقال : هذا عمرو بن العاص قد أتاكم ، ما ينبغى لعمرو أن يمشى على الأرض إلّا أميرا (٤).
حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن لهيعة عن مشرح بن عاهان ، عن عقبة بن عامر ، أن عمر رضى الله عنه قال : ما ينبغى لعمرو أن يمشى على الأرض إلّا أميرا. قال الليث ، وقال عمرو بن العاص : ما كنت بشىء أتجر منّى بالحرب.
ذكر وفاة عمرو بن العاص
قال ثم توفّى عمرو بن العاص فى سنة ثلاث ، وأربعين. حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : توفّى عمرو بن العاص سنة ثلاث وأربعين ، وفيها أمرّ عتبة بن أبى سفيان على أهل مصر ، وفيها غزا شريك بن سمّى لبدة المغرب.
قال : حدثنا أسد بن موسى ، وعبد الله بن صالح قالا : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن ابن شماسة أخبره أن عمرو بن العاص لمّا حضرته الوفاة دمعت عيناه ، فقال عبد الله بن عمرو : يا أبا عبد الله ، أجزع من الموت يحملك على هذا؟ قال :
__________________
(١) د : «وكان قد خضب».
(٢) ك : «فقال».
(٣) فى نسخة د ، زيادة : «فلما غسله قدم عليه».
(٤) فى د ، زيادة : «وقيل : قدم عليه مرات أخر ، والله أعلم».
لا ، ولكن ممّا بعد الموت ، فذكر له عبد الله مواطنه التى كانت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم والفتوح التى كانت بالشأم ، فلما فرغ عبد الله من ذلك قال : قد كنت على أطباق ثلاثة ، لو متّ على بعضهن علمت ما يقول الناس ، بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوسلم فكنت أكره الناس لما جاء به ، أتمنّى لو أنى قتلته ، فلو متّ على ذلك لقال الناس مات عمرو مشركا ، عدوّا لله ولرسوله ، من أهل النار ، ثم قذف الله الإسلام فى قلبى ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبسط إلىّ يده ليبايعنى ، فقبضت يدى ، ثم قلت : أبايعك على أن يغفر (١) لى ما تقدّم من ذنبى ، وأنا أظنّ حينئذ أنى لا أحدث فى الإسلام ذنبا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا عمرو ، إن الإسلام يجبّ ما قبله من خطيئة ، وإن الهجرة تجبّ ما بينها وبين الإسلام ، فلو متّ على هذا الطبق لقال الناس ، أسلم عمرو وجاهد مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم نرجو لعمرو عند الله خيرا كثيرا ثم أصبت إمارات وكانت فتن ، فأنا مشفق من هذا الطبق.
فإذا أخرجتمونى فأسرعوا بى (٢) ، ولا تتبعنى مادحة (٣) ولا نار ، وشدّوا علىّ إزارى ، فإنى مخاصم ، وسنّوا علىّ التراب سنّا ، فإن يمينى ليست بأحقّ بالتراب من يسارى ، ولا تدخلنّ القبر خشبة ولا طوبة ، ثم إذا قبرتمونى فامكثوا عندى قدر نحر جزور وتقطيعها ، أستأنس بكم.
حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن أبى حبيب ، عن سويد بن قيس ، عن قيس بن سمىّ نحوه.
قال وقال عمرو : فو الله إنّى إن كنت لأشدّ الناس حياء من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ما ملأت عينى منه ، ولا راجعته (٤) بما أريد حتى لحق بالله حياء منه.
وصيّة عمرو بن العاص عند موته
حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد ، عن محمد بن طلحة ، عن إسماعيل ، أن عمرو بن العاص لمّا حضره الموت قال : ادعوا لى عبد الله ، فقال : يا بنىّ إذا أنا متّ فاغسلنى وترا ، واجعل فى آخر ماء تغسلنى به شيئا من كافور ، فإذا فرغت فأسرع
__________________
(١) د ، ك : «تغفر».
(٢) د : «بجنازتى».
(٣) ج : «نائحة».
(٤) ب : «راجعت».
بى ، فإذا أدخلتنى قبرى فسنّ علىّ التراب سنّا ، واعلم أنك تتركنى وحيدا خائفا ، اللهمّ لا أعتذر ، ولكنى أستغفر ، اللهمّ إنك أمرت بأمور فتركنا ، ونهيت فركبنا ، فلا برىء فأعتذر ، ولا عزيز فأنتصر ، ولكن لا اله إلا أنت لا إله إلا أنت ، ـ ثلاث مرّات ـ ثم قبض.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، أن عمرو ابن العاص لما حضرته الوفاة ذرفت (١) عيناه فبكى ، فقال له عبد الله : يا أبت ، ما كنت أخشى (٢) أن ينزل بك أمر الله إلا صبرت عليه ، قال له : يا بنىّ إنه نزل بأبيك خلال ثلاث : أما أولاهن فانقطاع عمله ، وأما الثانية فهول المطّلع ، وأما الثالثة ففراق الأحبّة وهى أيسرهن. اللهمّ أمرت فتوانيت ، ونهيت فعصيت ، اللهم ومن شيمك (٣) العفو والتجاوز.
حدثنا وهب الله بن راشد ، أخبرنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن حميد ابن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو ، أن عمرو بن العاص حين حضرته الوفاة قال : أى بنىّ ، إذا متّ فكفّنّى فى ثلاثة أثواب ، ثم أزّرنى فى أحدهنّ ، ثم شقّوا لى الأرض شقّا ، وسنّوا علىّ التراب سنّا ، فإنى مخاصم ، ثم قال : اللهمّ إنك أمرت بأمور ونهيت عن أمور ، فتركنا كثيرا مما أمرت به ، ووقعنا فى كثير مما نهيت عنه ، اللهمّ لا إله إلا أنت ، فلم يزل يردّدها حتى فاظ.
حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد ، حدثنا حرملة بن عمران التجيبى ، حدثنى يزيد بن أبى حبيب ، عن أبى فراس مولى عمرو بن العاص ، أن عمرا لما حضرته الوفاة قال لابنه عبد الله : إذا متّ فاغسلنى وكفّنّى ، وشدّ علىّ إزارى فإنى مخاصم ، فإذا أنت حملتنى فأسرع بى المشى ، فإذا أنت وضعتنى فى المصلّى وذلك فى يوم عيد فانظر إلى أفواه الطرق فإذا لم يبق أحد ، واجتمع الناس ، فابدأ فصلّ علىّ ، ثم صلّ العيد ، فإذا وضعتنى فى لحدى فأهيلوا علىّ التراب ، فإن شقّى الأيمن ليس بأحقّ بالتراب من شقّى الأيسر ، فإذا سوّيتم علىّ فاجلسوا عند قبرى قدر نحر جزور وتقيطعها ، أستأنس بكم.
فلما تقدّم عبد الله بن عمرو ليصلّى على أبيه كما حدثنا عبد الغفّار ابن داود. وعبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، عن ربيعة بن لقيط ، قال : والله ما
__________________
(١) أ : «دمعت».
(٢) ب : «أحسب».
(٣) ب ، ج ، ك : «شيمتك».
أحبّ أن لى بأبى أبا رجل من العرب ، وما أحبّ أن الله يعلم أنّ عينى دمعت عليه جزعا ، وأن لى حمر النعم ، ثم كبّر.
حدثنا سعيد بن عفير ، قال : ودفن بالمقطّم من ناحية الفجّ ، وكان طريق الناس يومئذ إلى الحجاز (١) ، فأحبّ أن يدعو له من مرّ به ، وفى ذلك يقول عبد الله بن الزبير :
ألم تر أنّ الدهر أخنت ريوبه (٢) |
|
على عمرو السهمىّ تجبى له مصر |
فأضحى نبيذا بالعراء وضلّلت |
|
مكائده عنه وأمواله الدثر |
ولم يغن عنه جمعه واحتياله |
|
ولا كيده حتّى أتيح له الدهر |
ذكر فتح إفريقية
ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره قال : فلما عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر ، وأمّر عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، كان يبعث المسلمين فى جرائد الخيل كما كانوا يفعلون (٣) فى أيام عمرو ، فيصيبون من أطراف إفريقيّة ويغنمون ، فكتب فى ذلك عبد الله بن سعد إلى عثمان ، وأخبره بقربهم من حرز المسلمين ، ويستأذنه فى غزوها.
فندب عثمان الناس لغزوها بعد المشورة منه فى ذلك ، فلما اجتمع الناس أمرّ عليهم عثمان الحارث بن الحكم إلى أن يقدموا على عبد الله بن سعد مصر فيكون إليه الأمر.
فخرج عبد الله بن سعد إليها ، وكان مستقرّ سلطان إفريقية يومئذ بمدينة يقال لها قرطاجنّة ، وكان عليها ملك يقال له جرجير ، كان هرقل قد استخلفه ، فخلع هرقل وضرب الدنانير على وجهه ، وكان سلطانه ما بين أطرابلس إلى طنجة.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : كان هرقل استخلف جرجير فخلعه.
قال : ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره قال : فلقيه جرجير فقاتله فقتله
__________________
(١) انظر السيوطى ج ١ ص ٢٢٤.
(٢) ب ، ج : «ديونه».
(٣) ج : «يقطعون».
الله ، وكان الذي ولى قتله فيما يزعمون عبد الله بن الزبير ، وهرب جيش (١) جرجير ، فبثّ عبد الله بن سعد السرايا وفرّقها ، فأصابوا غنائم كثيرة ، فلما رأى ذلك رؤساء أهل إفريقية ، طلبوا إلى عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم مالا على أن يخرج من بلادهم ، فقبل منهم ذلك ورجع إلى مصر ، ولم يولّ عليهم أحدا ، ولم يتّخذ بها قيروانا.
فكانت غنائم المسلمين يومئذ كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، عن أبى الأسود ، عن أبى أويس ، قال أبو الأسود مولّى لنا قال : غزونا مع عبد الله بن سعد إفريقية ، فقسم بيننا الغنائم بعد إخراج الخمس ، فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار ، للفرس ألفا دينار ، ولفارسه ألف دينار ، وللراجل ألف دينار. فقسم لرجل من الجيش توفّى بذات الحمام فدفع إلى أهله بعد موته ألف دينار.
حدثنا يوسف بن عدىّ ، حدثنا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، عن عبد الرحمن ابن أبى هلال ، عن أبى الأسود ، أن أبا أوس مولّى لهم قديما حدّثه ، أن رجلا خرج فى غزوة إفريقية فمات بذات الحمام ، فقسم له ، فكان سهمه يومئذ ألف دينار.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا الليث بن سعد ، عن غير واحد ، أن عبد الله ابن سعد غزا إفريقية وقتل جرجير ، فأصاب الفارس يومئذ ثلاثة آلاف دينار ، والراجل ألف دينار. قال غير الليث من مشايخ أهل مصر : فى كل دينار دينار وربع.
قال : ثم رجع الى حديث عثمان بن صالح وغيره قال : فكان جيش عبد الله ابن سعد ذلك عشرين ألفا.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، قال : كانت مهرة فى غزوة عبد الله ابن سعد وحدهم ستّمائة رجل. وغنث من الأزد سبعمائة رجل. وميدعان سبعمائة ، وميدعان من الأزد.
وكان على مقاسمها كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن أزهر بن يزيد الغطيفى ، شريك بن سمىّ ، فباع ابن زرارة المدينىّ تبرا بذهب ، بعضه أفضل من بعض ، ثم لقيه المقداد بن الأسود فذكر ذلك له ، فقال
__________________
(١) ب : «خميس».
المقداد : إن هذا لا يصلح. فقال له ابن زرارة : فضلها لك هبة. قال شريك : ما أحبّ أن لى ما تحوز (١) وإنى أرجع به.
وكانت ابنة جرجير كما حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، وسعيد بن عفير ، قد صارت لرجل من الأنصار فى سهمه ، فأقبل بها منصرفا قد حملها على بعير له ، فجعل يرتجز :
يا بنة جرجير تمشّى عقبتك |
|
إنّ عليك بالحجاز ربتك |
لتحملنّ من قباء قربتك
قالت : ما يقول هذا الكلب؟ فأخبرت بذلك فألقت نفسها عن البعير الذي كانت عليه ، فدقّت عنقها فماتت.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، أن عبد الله بن سعد هو الذي فتح إفريقية ، ونقل (٢) هو الذي افترع إفريقية ، وأنه كان يوضع بين يديه الكوم من الورق فيقال للأفارقة من أين لكم هذا؟ قال : فجعل إنسان منهم يدور كالذى يلتمس الشيء حتى وجد زيتونة فجاء بها إليه ، فقال : من هذا نصيب الورق. قال : وكيف؟ قال : إن الروم ليس عندهم زيتون ، فكانوا يأتونا فيشترون منا الزيت فنأخذ هذا الورق منهم.
وإنما سمّوا الأفارقة فيما حدثنا عثمان بن صالح ، عن ابن لهيعة وغيره ، أنهم من ولد فارق بن بيصر ، وكان فارق قد حاز لنفسه من الأرض ما بين برقة إلى إفريقية ، فبالأفارقة سميت إفريقيّة.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا بكر بن مضر ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن قيس بن أبى يزيد ، عن الجلاس بن عامر ، عن عبد الله بن أبى ربيعة ، قال : صلّى عبد الله بن سعد للناس بإفريقية المغرب ، فلما صلّى ركعتين سمع جلبة فى المسجد فراعهم ذلك ، وظنّوا أنهم العدوّ ، فقطع الصلاة ، فلما لم ير شيئا خطب الناس ثم قال : إن هذه الصلاة اختضرت (٣) ، ثم أمر مؤذّنه فأقام الصلاة ثم أعادها.
__________________
(١) ب ، ج : «تحوزون».
(٢) ب ، ج : «ويقال بل».
(٣) كذا قرأها الدكتور حسين نصار فى تصويباته لطبعة عامر. وفسرها بقوله : «أى قطعت قبل تمامها ، من الاختضار وهو الموت فى سن الشباب». وفى طبعة تورى وعامر «اختصرت» بالحاء المهملة.
قال : وبعث عبد الله بن سعد ، كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة بالفتح عقبة بن نافع. ويقال بل عبد الله بن الزبير ، وذلك أصحّ. وسار ـ زعموا عبد الله بن الزبير ـ على راحلته إلى المدينة من إفريقية عشرين ليلة.
حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنى المنذر بن عبد الله الحزامى ، عن هشام بن عروة ، أن عبد الله بن سعد بعث عبد الله بن الزبير بفتح إفريقية ، فدخل على عثمان فجعل يخبره بلقائهم العدوّ وما كان فى تلك الغزوة ، فأعجب عثمان فقال له : هل تستطيع أن تخبر الناس بمثل هذا؟ قال : نعم. فأخذ بيده حتى انتهى به إلى المنبر ثم قال له : اقصص عليهم ما (١) أخبرتنى. فتلكأ عبد الله بدئا ، فأخذ الزبير قبضة حصباء وهمّ أن يحصبه بها ؛ ثم تكلّم كلاما أعجبهم ، فكان الزبير يقول : إذا أراد أحدكم أن يتزوّج المرأة ، فلينظر إلى أبيها وأخيها ، فلن يلبث أن يرى ربيطة منها ببابه ، لما كان يرى من شبه عبد الله بن الزبير بأبى بكر.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا الليث بن سعد ، قال : بعث عبد الله بن سعد عبد الله بن الزبير وكان فى الجيش بالفتح ، فقدم على عثمان بن عفان ، فبدأ به قبل أن يأتى أباه الزبير بن العوّام ، فخرج عثمان إلى المسجد ومعه ابن الزبير ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر الذي (٢) أبلى الله المسلمين على يدى عبد الله ابن سعد ، ثم قال : قم يا عبد الله بن الزبير فحدّث الناس بالذى شهدت.
قال الزبير : فوجدت فى نفسى على عثمان ، وقلت : يقيم غلاما من الغلمان لا يبلغ الذي يحقّ عليه ، والذي يجمل به ، فقام فتكلّم فأبلغ وأصاب ، فما فرغ حتى ملأهم عجبا. ثم نزل عثمان وقام عبد الله بن الزبير إلى أبيه ، فأخذ أبوه بيده ، وقال : إذا أردت أن تتزوّج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها قبل أن تتزوّجها ، كأنه يشبّهه ببلاغة أبى بكر الصدّيق جدّه.
قال وحدّثنيه ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، وقد قيل إن عبد الله بن سعد قد كان وجّه مروان بن الحكم إلى عثمان من إفريقية ، فلا أدرى أفى الفتح أم بعده (٣) ، والله أعلم.
__________________
(١) د : «بما».
(٢) ج : «الذين».
(٣) أ : «بعد».
حدثنا عبد الله بن معشر الأيلى : أن مروان بن الحكم أقبل من إفريقية ، أرسله عبد الله بن سعد ، ووجّه معه رجلا من العرب من لخم أو جذام ـ شكّ عبد الرحمن قال : فسرنا حتى إذا كنّا ببعض الطريق قرب الليل ، فقال لى صاحبى : هل لك إلى صديق لى هاهنا؟ قلت : ما شئت. قال : فعدل بى عن الطريق حتى أتى إلى دير ، واذا سلسلة معلّقة ، فأخذ السلسلة ، فحرّكها ، وكان أعلم منّى ، فأشرف علينا رجل ، فلما رآنا فتح الباب ، فدخلنا ، فلم يتكلّم حتى طرح لى فراشا ولصاحبى فراشا ، ثم أقبل على صاحبى يكلّمه بلسانه ، فراطنه حتى سؤت ظنّا ، ثم أقبل علىّ ، فقال : أيّ شىء قرابتك من خليفتهم؟ قلت : ابن عمّه. قال : هل أحد (١) أقرب إليه منك؟ قلت : لا ، إلا أن يكون ولده. قال : صاحب الأرض المقدّسة أنت؟ قلت : لا. قال : فإن استطعت أن تكون هو فافعل ؛ ثم قال : أريد أن أخبرك بشىء وأخاف أن تضعف عنه. قال : قلت : ألى تقول هذا؟ وأنا أنا. ثم أقبل على صاحبى فراطنه (٢) ، ثم أقبل علىّ فساءلنى (٣) عن مثل ذلك ، وأجبته بمثل جوابى ، فقال : إن صاحبك مقتول ، وإنّا نجد أنه يلى هذا الأمر من بعده صاحب الأرض المقدّسة ، فإن استطعت أن تكون ذلك فافعل ، فأصابتنى لذلك وجمة. فقال لى : قد قلت لك إنى أخاف ضعفك عنه. فقلت : وما لى لا يصيبنى ، أو كما قال ، وقد نعيت إلىّ سيّد المسلمين وأمير المؤمنين.
قال : ثم قدمت المدينة فأقمت شهرا لا أذكر لعثمان من ذلك شيئا ، ثم دخلت عليه وهو فى منزل له على سرير ، وفى يده مروحة ، فحدّثته بذلك ؛ فلما انتهيت إلى ذكر القتل بكيت وأمسكت. فقال لى عثمان : تحدّث ، لا تحدّثت. فحدّثته ، فأخذ بطرف المروحة يعضّها أحسبه ، قال عبد الرحمن : واستلقى على ظهره ، وأخذ بطرف عقبه يعركه ، حتى ندمت على إخبارى إياه ، ثم قال لى : صدق وسأخبرك عن ذلك ، لمّا غزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تبوك ، أعطى أصحابه سهما ، وأعطانى سهمين ، فظننت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما أعطانى ذلك لما كان من نفقتى فى تبوك ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : إنك أعطيتنى سهمين ، وأعطيت أصحابى سهما سهما ، فظننت أن ذلك لما كان من نفقتى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا. ولكن أحببت أن يرى الناس مكانك منى أو منزلتك منى ،
__________________
(١) ج : «أجد».
(٢) ب : «يراطنه».
(٣) ب ، ج : «فسألنى».
فأدبرت فلحقنى عبد الرحمن بن عوف فقال : ما ذا قلت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ ما زال يتبعك بصره. فظننت أنّ قولى قد خالف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأمهلت حتى إذا خرج إلى الصلاة أتيته فقلت : يا رسول الله ، إن عبد الرحمن بن عوف أخبرنى بكذا وكذا ، وأنا أتوب إلى الله ، أو كما قال. فقال : لا ، ولكنك مقتول ، أو قاتل ، فكن المقتول ، والله أعلم.
قال : عبد الرحمن : (١) وكان فتح إفريقية كما حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد ، سنة سبع وعشرين.
وفى تلك السنة كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن مالك بن أنس ، توفّيت حفصة زوج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
ذكر النوبة
قال : عبد الرحمن (٢) : غزا عبد الله بن سعد الأساود ، وهم النوبة ، كما حدثنا يحيى ابن عبد الله بن بكير سنة إحدى وثلاثين.
وحدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : كان عبد الله بن سعد بن أبى سرح عامل عثمان على مصر ، فى سنة إحدى وثلاثين ، فقاتله النوبة.
قال ابن لهيعة : وحدثنى الحارث بن يزيد ، قال : اقتتلوا قتالا شديدا ، وأصيبت يومئذ عين معاوية بن حديج وأبى شمر بن أبرهة ، وحيويل بن ناشرة ، فيومئذ سمّوا رماة الحدق ، فهادنهم عبد الله بن سعد إذ لم يطقهم. وقال الشاعر :
لم تر عينى مثل يوم دمقله |
|
والنخيل تعدو بالدروع (٣) مثقله |
قال ابن أبى حبيب فى حديثه : وإن عبد الله صالحهم على هدنة بينهم ، على أنهم لا يغزونهم ، ولا يغزوا النوبة المسلمين ، وأن النوبة يؤدّون كلّ سنة إلى المسلمين كذا وكذا رأسا من السبى ، وأن المسلمين يؤدّون إليهم من القمح كذا وكذا ، ومن العدس كذا وكذا ، فى كل سنة. قال ابن أبى حبيب : وليس بينهم وبين أهل مصر عهد ولا ميثاق ، إنما هى هدنة أمان بعضنا من بعض.
__________________
(١) عبد الرحمن : زيدت من ك.
(٢) عبد الرحمن : زيدت من ك.
(٣) أ : «فى الدروع».
قال ابن لهيعة : ولا بأس أن يشترى رقيقهم منهم ومن غيرهم. وكان أبو حبيب أبو يزيد بن أبى حبيب ـ واسمه سويد ـ منهم.
حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : سمعت يزيد بن أبى حبيب ، يقول : أبى من سبى دمقلة مولّى لرجل (١) من بنى عامر من أهل المدينة يقال له شريك ابن طفيل.
قال : وكان الذي صولح عليه النوبة كما ذكر بعض مشايخ أهل مصر ، على ثلاثمائة رأس وستين رأسا فى كل سنة ، ويقال بل على أربعمائة رأس فى كل سنة. منها لفىء المسلمين ثلاثمائة رأس وستون رأسا ، ولوالى البلد أربعون رأسا.
قال فزعم بعض المشايخ أن منها سبعة عشر مرضعا (٢). ثم انصرف عبد الله ابن سعد عنهم.
ويقال فيما ذكر بعض المشايخ المتقدّمين ، أنه نظر فى بعض الدواوين بالفسطاط ، وقرأه قبل أن ينخرق (٣) ، فإذا هو يحفظ منه : إنّا عاهدناكم وعاقدناكم أن توفونا فى كل سنة ثلاثمائة رأس وستّين رأسا وتدخلوا بلادنا مجتازين غير مقيمين ، وكذلك ندخل بلادكم ، على أنكم إن قتلتم من المسلمين قتيلا فقد برئت منكم الهدنة ، وعلى إن آويتم للمسلمين عبدا فقد برئت منكم الهدنة ، وعليكم ردّ أبّاق المسلمين ، ومن لجأ إليكم من أهل الذمّة.
قال : وزعم غيره من المشايخ أنه لا سنّة للنوبة على المسلمين ، وأنهم أوّل عام بعثوا بالبقط أهدوا لعمرو بن العاص أربعين رأسا ، فكره أن يقبل منهم ، فردّ ذلك على عظيم من عظماء القبط يقال له نستقوس ، وهو القيّم لهم فيها ، فباع ذلك ، واشترى لهم جهازا ، فاحتجّوا بذلك أن عمرا بعث إليهم القمح والخل (٤) وذلك أنهم زجروا عن القمح والخيل ، فكشفوا ذلك فى الزمان الأول فأصيبوا. هذه قصّتهم.
__________________
(١) فى طبعة تورى «مولى الرجل من بنى عامر ...». والمثبت من : ك.
(٢) مرضعا : تصحفت فى طبعة عامر إلى «موضعا».
(٣) ينخرق : تصحفت فى طبعة عامر إلى «ينحرق».
(٤) فى طبعة تورى «الخيل» وبالهامش أن الكلمة يمكن أن تقرأ «والخل» وما أثبتناه استؤنس فيه بما ورد فى فتوح البلدان للبلاذرى ، ص ٢٨١ : «قمحا وخلّ خمر».
ثم رجع الحديث. فتجمّع له فى انصرافه على شاطىء النيل البجة ، فسأل عنهم فأخبر بمكانهم (١) ، فهان عليه (٢) أمرهم ، فنفذ وتركه ، ولم يكن لهم عقد ولا صلح ؛ وأوّل من صالحهم عبيد الله بن الحبحاب.
ويزعم بعض المشايخ أنه قرأ كتاب ابن الحبحاب فإذا فيه : ثلاثمائة بكر فى كل عام حتى ينزلوا الريف مجتازين تجارا غير مقيمين ، على ألا يقتلوا مسلما ولا ذمّيّا ، فإن قتلوه فلا عهد لهم ولا يؤوا عبيد المسلمين ، وأن يردّوا أباقهم إذا وقعوا ؛ وقد عهدت هذا فى أيامهم يؤخذون به ؛ ولكل شاة أخذها بجاوىّ فعليه أربعة دنانير ، والبقرة عشرة ، وكان وكيلهم مقيما بالريف رهينة بيد المسلمين.
ذكر ذى الصوارى
قال عبد الرحمن (٣) : ثم غزا عبد الله بن سعد بن أبى سرح كما حدثنا يحيى ابن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد ، ذات الصّوارى فى سنة أربع وثلاثين.
وكان من حديث هذه الغزوة كما حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ابن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عبد الله بن سعد لما نزل ذات الصوارى أنزل نصف الناس مع بسر بن أبى أرطاة سرية فى البرّ ، فلما مضوا أتى آت إلى عبد الله ابن سعد ، فقال : ما كنت فاعلا حين ينزل بك هرقل فى ألف مركب فافعله الساعة.
قال غير الليث : إنما هو ابن هرقل لأن هرقل مات فى سنة تسع عشرة والمسلمون محاصرون الإسكندرية.
ثم رجع إلى حديث الليث عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : وإنما مراكب المسلمين يومئذ مائتا مركب ونيّف فقام عبد الله بن سعد بين ظهرانى الناس فقال : قد بلغنى أن هرقل قد أقبل إليكم فى ألف مركب ، فأشيروا علّى ؛ فما كلّمه رجل من المسلمين ، فجلس قليلا لترجع إليهم أفئدتهم ، ثم قام الثانية فكلّمهم ، فما كلّمه أحد ، فجلس ، ثم قام الثالثة ، فقال : إنه لا يبق شىء ، فأشيروا علىّ.
فقام رجل من أهل المدينة كان متطوّعا مع عبد الله بن سعد فقال : أيها الأمير إن
__________________
(١) ب ، ج : «بشأنهم».
(٢) ب : «عليهم».
(٣) عبد الرحمن : زيدت من ك.
الله جلّ ثناؤه يقول (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(١) فقال عبد الله : اركبوا باسم الله ، فركبوا ، وإنما فى كل مركب نصف شحنته ، قد خرج النصف الآخر الى البرّ مع بسر ، فلقوهم ، فاقتتلوا بالنبل والنشّاب ، وتأخر هرقل لئلا تصيبه الهزيمة ، وجعلت القوارب تختلف إليه بالأخبار ، فقال : ما فعلوا؟ قالوا : قد اقتتلوا بالنبل (٢) والنشّاب. فقال : غلبت الروم ، ثم أتوه ، فقال : ما فعلوا؟ (٣) قالوا : قد نفد النبل والنشاب ، فهم يرتمون بالحجارة. قال : غلبت الروم. ثم أتوه ، فقال : ما فعلوا؟ (٤) قالوا قد نفدت الحجارة ، وربطوا المراكب بعضها ببعض ، يقتتلون بالسيوف. قال : غلبت الروم.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : وكانت السفن إذ ذاك (٤) تقرن بالسلاسل عند القتال. فقال : فقرن مركب عبد الله يومئذ وهو الأمير بمركب من مركب العدوّ ، فكاد مركب العدوّ يجترّ مركب عبد الله إليهم ، فقام علقمة بن يزيد الغطيفى ، وكان مع عبد الله بن سعد فى المركب ، فضرب السلسلة بسيفه فقطعها.
فسأل عبد الله امرأته بعد ذلك بسيسة ابنة حمزة بن ليشرح ، وكانت مع عبد الله يومئذ ، وكان الناس يغزون بنسائهم فى المراكب ، من رأيت أشدّ قتالا؟ قالت : علقمة صاحب السلسلة. وكان عبد الله قد خطب بسيسة إلى أبيها ، فقال له : إنّ علقمة قد خطبها وله علىّ فيها وأى ، وإن يتركها أفعل (٥) ، فكلّم عبد الله علقمة فتركها ، فتزوّجها عبد الله بن سعد ، ثم هلك عنها عبد الله ، فتزوّجها بعده علقمة بن يزيد ، ثم هلك عنها علقمة ، فتزوّجها بعده كريب بن أبرهة ، وماتت تحته فى السنة التى قتل فيها مروان الأكدر بن حمام.
قال غير ابن لهيعة قتل مروان الأكدر بن حمام فى اليوم الذي ماتت فيه بسيسة ، فجاء الخبر إلى كريب بذلك ، فقال : حتى أفرغ من دفن هذه الجنازة ، فلم ينصرف حتى قتل ، فلام الناس يومئذ كريب بن أبرهة. وللأكدر بن حمام وقتله حديث أطول من هذا.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٤٩.
(٢) بالنبل : تحرفت فى طبعة عامر إلى «بالنيل».
(٣ ـ ٣) سقط من طبعة عامر.
(٤) وكانت السفن إذ ذاك تقرن : بدلا منها فى د «وكانت المراكب نقرن».
(٥) ك : «فافعل.
(*) قال غير ابن لهيعة : مشت الروم إلى قسطنطين بن هرقل فى سنة خمس وثلاثين فقالوا تترك الإسكندرية فى أيدى العرب وهى مدينتنا الكبرى! فقال : ما أصنع بكم ما تقدرون أن تمالكوا ساعة إذا لقيتم العرب ، قالوا : فاخرج على أنّا نموت.
فتبايعوا على ذلك ، فخرج فى ألف مركب يريد الإسكندرية ، فسار فى أيام غالبة (١) من الريح ، فبعث الله عليهم ريحا فغرقتهم إلّا قسطنطين نجا بمركبه ، فألقته الريح بسقلّيّة ، فسألوه عن أمره ، فأخبرهم (٢) ، فقالوا : شمّت (٣) النصرانيّة وأفنيت رجالها ، لو دخل العرب علينا لم نجد (٤) من يردّهم. فقال خرجنا مقتدرين فأصابنا هذا ، فصنعوا له الحمّام ، ودخلوا عليه ، فقال ويلكم ، تذهب رجالكم وتقتلون ملككم. قالوا : كأنه غرق معهم. ثم قتلوه ، وخلّوا من كان معه فى المراكب (*).
ذكر رابطة الإسكندرية
(*) حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن بهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب وعبد الله ابن هبيرة ، يزيد أحدهما على صاحبه ، قال : لمّا استقامت البلاد ، وفتح الله على المسلمين الإسكندرية قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس خاصّة ، الربع يقيمون ستّة أشهر ، ثم يعقبهم (٥) شاتية ستّة أشهر ، ربع (٦) فى السواحل ، والنصف الثانى مقيمون معه.
قال غيرهما : وكان عمر بن الخطاب يبعث فى كل سنة غازية من أهل المدينة ترابط بالاسكندرية ، وكاتب (٧) الولاة ، لا تغفلها وتكثّف رابطتها ، ولا تأمن الروم عليها.
وكتب عثمان إلى عبد الله بن سعد ، قد علمت كيف كان همّ أمير
__________________
(٧) ب ، ك : «وكانت».
(١) ب : «عالية».
(٢) ج : «وأمرهم».
(٣) ب : «سمّت».
(٤) لم نجد : ج «لم يجدوا».
(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٦٣.
(٥) د ، ك : «تعقبهم».
(٦) ك : «وربع».
(٧) ب ، ك : «وكانت».
المؤمنين بالإسكندرية ، وقد نقضت الروم مرّتين ، فألزم الإسكندرية رابطتها ، ثم أجر عليهم أرزاقهم ، وأعقب بينهم فى كل ستّة أشهر.
حدثنا طلق بن السمح ، حدثنا ضمام بن إسماعيل المعافرى ، حدثنا أبو قبيل ، أن عتبة بن أبى سفيان عقد لعلقمة بن يزيد الغطيفى على الإسكندرية ، وبعث معه اثنى عشر ألفا ، فكتب علقمة إلى معاوية يشكو عتبة حين غرّر به وبمن معه. فكتب إليه معاوية : إنى قد أمددتك بعشرة آلاف من أهل الشام ، وبخمسة آلاف من أهل المدينة ، فكان فيها سبعة وعشرون ألفا*).
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، أن علقمة بن يزيد كان على الإسكندرية ومعه اثنا عشر ألفا ، فكتب إلى معاوية : إنك خلّفتنى بالإسكندرية وليس معى إلا اثنا عشر ألفا ، ما يكاد بعضنا يرى بعضا من القلّة ، فكتب إليه معاوية : إنى قد أمددتك بعبد الله بن مطيع فى أربعة آلاف من أهل المدينة ، وأمرت معن بن يزيد السلمى أن يكون بالرملة فى أربعة آلاف ممسكين بأعنّة خيولهم ، متى يبلغهم عنك فزع يعبروا إليك.
قال ابن لهيعة : وكان عمرو بن العاص يقول : ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة.
ذكر من كان يخرج على غزو المغرب بعد عمرو
ابن العاص وفتوحه
معاوية بن حديج. قال : ثم خرج إلى المغرب بعد عبد الله بن سعد معاوية بن حديج التجيبى سنة أربع وثلاثين ، وكان معه فى جيشه عامئذ عبد الملك بن مروان ، فافتتح قصورا ، وغنم غنائم عظيمة (١) ، واتّخذ قيروانا عند القرن ، فلم يزل فيه حتى خرج إلى مصر ، وكان معه فى غزاته هذه جماعة من المهاجرين والأنصار.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة. وحدثنا يوسف بن عدىّ ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، نحوه عن ابن لهيعة ، عن بكير بن عبد الله ، عن سليمان بن يسار ، قال : غزونا إفريقية مع ابن حديج ومعنا من المهاجرين والأنصار بشر كثير ، فنفلنا ابن حديج النصف بعد الخمس ، فلم أر احدا أنكر ذلك إلّا جبلة بن عمرو الأنصارىّ.
وحدثنا يوسف بن عدى ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن خالد بن أبى
__________________
(١) ب : «كثيرة».