فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

فى أبيات له (١). وكان فيه صنم من رخام على خلقة المرأة عجب من العحب ، حتى كسرت فى السنة التى أمر يزيد بن عبد الملك فيها بكسر الأصنام ، وكان أمر بكسرها فى سنة اثنتين ومائة. وغرس له عبد العزيز نخله التى بالجيزة اليوم التى تعرف بجنان كعب ، عوضا من ذلك.

واختطّ الزبير بن العوّام داره التى بسوق وردان اليوم والخطّة لبلىّ ، وفيها السلّم الذي كان الزبير نصبه وصعد عليه الحصن ، وفيها كان عبد الله بن الزبير ينزل إذا قدم مصر فيما ذكر بعض المشايخ ، وقد كان عبد الملك بن مروان اصطفاها فردّها عليهم هشام بن عبد الملك ، ثم أخذها منهم يزيد بن الوليد ، فلم تزل فى أيديهم حتى كانت ولاية أمير المؤمنين أبى جعفر ، فكلّمه فيها هشام بن عروة ، وكانت لهشام ناحية من أبى جعفر فأمر بردّها عليهم ، وقال : ما مثل أبى عبد الله. ـ يريد الزبير ـ يؤخذ له شىء.

حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن الزبير بن العوّام اختطّ بالفسطاط.

واختطّ أبو بصرة الغفارىّ عند دار الزبير بن العوّام. وأقرّ عمرو بن العاص القصر لم يقسمه وأوقفه.

ولأهل مصر عن أبى بصرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أحاديث ، منها : حدثنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبى الخير ، عن أبى بصرة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إنّا راكبون غدا إلى يهود ، فإذا سلّموا عليكم فقولوا : عليكم (٢).

ومنها حديث الليث بن سعد ، عن خير بن نعيم ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن أبى تميم الجيشانى ، عن أبى بصرة الغفارى ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صلّى يوما صلاة العصر بالمخمّص ـ واد من أوديتهم ـ ثم انصرف ، فقال : إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فتوانوا عنها وتركوها ، فمن صلّاها منكم كتب الله له أجرها ضعفين ، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد (٣).

__________________

(١) راجع الكندى ص ٧٢.

(٢) مسند أحمد والنسائى فى كنز برقم ٢٥٣١٢ عن أبى بصرة.

(٣) مسلم والنسائى فى كنز برقم ١٩٣٨٨ عن أبى بصرة الغفارى.

١٤١

حدثناه عبد الله بن صالح. وحدثناه إدريس بن يحيى الخولانى ، عن ابن عيّاش القتبانى ، عن ابن هبيرة.

ومنها حديث الليث أيضا ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن كليب بن ذهل الحضرمى ، عن عبيد بن جبر ، أنه سافر مع أبى بصرة الغفارى فى رمضان ، فلما دفعوا (١) من الفسطاط دعا بطعام ونحن ننظر إلى الفسطاط ، فقلت له : نأكل ولو نريد أن ننظر إلى الفسطاط نظرنا (٢). فقال : أنرغب (٣) عن سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه! فأفطرنا.

ومنها حديث ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن أبى الهيثم ، عن أبى بصرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : الكافر يأكل فى سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل فى معى واحد. حدثناه سعيد بن عفير.

قال واختطّت أسلم مما يلى دار أبى ذرّ ومن خططها دار الصبّاح. والزقاق الذي فيه دار ابن بلادة الشرق منه لأسلم. ولهم أيضا من قصر ابن جبر إلى الحجّامين الذين بسوق بربر.

ويزعم بعض مشايخ أهل مصر قال : ولخزاعة داران : الدار التى تنسب إلى ابن نيزك (٤) كانت لرجل منهم يقال له الحارث بن فلان ، أو فلان بن الحارث. والدار التى إلى جانبها تليها القضاة (٥).

واختطّ الليثيّون الذين كانوا مع عمرو بن العاص وهم آل عروة بن شييم (٦) عند أصحاب القراطيس. واختطّ خلفهم بسر بن أبى أرطاة.

ولبنى معاذ من (٧) مدلج داران : إحداهما فى زقاق عبد الملك بن مسلمة كانت لأشهب الفقيه ، والأخرى فى عقبة سوق بربر فى الزقاق الذي فيه دار مصعب الزهرىّ.

__________________

(١) ب : «وقعوا».

(٢) ك : «لنظرنا».

(٣) ب ، ج ، ك : «أترغب».

(٤) ك : «ابن نيزل».

(٥) ك : «يليها الفضاء».

(٦) شييم : تصحفت فى طبعة عامر إلى «شبيم».

(٧) أ ، ج ، ك : «بن».

١٤٢

ولعنزة من ربيعة دور مجتمعة نحو من عشر ، ومسجد فى أصل العقبة التى عند دار ابن صامت.

واختطّ بلىّ خلف خارجة بن حذافة ، ثم مضوا بخطّتهم من دار عمرو بن يزيد إلى دار سلمة ودار واضح ، حتى حازوا (١) دار مجاهد بن جبر إلى درب الزجاج ، ثم مضوا حتى شرعوا فى أصحاب الزيت ، ثم مضوا يشرعون فى قبلة سوق وردان حتى بلغوا مسجد القرون ، ثم داخل الزقاق إلى مسجد بنى عوف من بلىّ ، وهو المسجد الذي فى الزقاق ودار ابن يبولة التى بسوق وردان من بلىّ (٢) جزاء (٣) الى المعاصير.

وكانت بلىّ إنما يقفون عن يمين راية عمرو بن العاص ، لأنّ أمّ العاص بن وائل بلويّة.

(٤) حدثنا عبد الملك بن هشام ، حدثنا زياد بن عبد الله ، عن محمد بن إسحاق أن أمّ العاص بن وائل امرأة من بلىّ (٥).

وإنما كثرت بلى بمصر كما حدثنا العبّاس بن طالب ، عن عبد الواحد بن زياد ، عن عاصم الأحول ، عن أبى عثمان النهدىّ ، قال : نادى رجل من بلىّ وهو حىّ من قضاعة بالشام ، يا آل قضاعة ، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فكتب إلى عامل الشام أن تسيّر (٥) ثلث قضاعة إلى مصر فنظروا (٦) فإذا بلىّ ثلث قضاعة ، فسيّروا إلى مصر.

قال ثم اختطّت بنو بحر مما يلى بلىّ ، وهم قوم من الأزد فى لخم ، ثم شرعوا إلى البحر.

ثم اختطّت بعدهم الحمراء ، وسأذكر حديثهم فى موضعه إن شاء الله.

ثم شرعت طائفة من سلامان إلى البحر ، ثم شرعت من بعدهم طائفة من فهم وكنانة فهم ثم الحمراء أيضا إلى القنطرة.

__________________

(١) تصحفت فى طبعة عامر إلى «جازوا».

(٢) من بلى : سقطت من طبعة عامر.

(٣) ك : «جرا».

(٤ ـ ٤) ابن هشام ق ٢ ص ٦٢٣.

(٥) ك : «يسيّر».

(٦) فنظروا : سقطت من طبعة عامر.

١٤٣

وكان أوّل القبائل بلىّ أهل الراية مما يلى بلىّ بن عمرو ، والراية قريش ومن معها.

وإنما سمّيت الراية لراية عمرو بن العاص. حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : الراية قريش كانت معهم راية عمرو بن العاص. ويقال إنما سمّيت الراية أن قوما من أفناء القبائل من العرب كانوا قد شهدوا مع عمرو بن العاص الفتح ، ولم يكن من قومهم عدد فيقفوا مع قومهم تحت رايتهم ، وكرهوا أن يقفوا تحت راية غيرهم ، فقال لهم عمرو : أنا أجعل راية لا أنسبها إلى أحد أكثر من الراية تقفون تحتها ، فرضوا بذلك ، فكان كلّ من لم يكن لقومه عدد وقف تحتها ، فقيل الراية من أجل ذلك والله أعلم.

والحجر من الأزد فمسجد العيثم حتى تبلغ زقاق السمىّ (١) ثم يرفا ثم شجاعة ثم ثراد ، ثم لقيتها هذيل وفهم ، ثم قطعت هذيل بينهم وبين سلامان حتى انتهت هذيل إلى سويقة عدوان ، وهى السويقة التى عند زقاق المكّى. فدار سبرة والزقاق الذي كان ينزله ابن الأغلب إلى هذه السويقة لهذيل ، والزقاق من كتّاب إسماعيل إلى منزل بنانة لفهم.

ومسجد العيثم بناه الحكم بن أبى بكر بن عبد العزيز بن مروان ، فهو من الاصطبل ، وكان الاصطبل للأزد فاشتراه منهم الحكم فبناه ، وكان يجرى على الذي يقرأ فى المصحف الذي وضعوه فى المسجد الذي يقال له مصحف أسماء من كراه فى كل شهر ثلاثة دنانير ، فلما حيزت أموالهم وضمّت إلى مال الله وحيز الاصطبل فيما حيز كتب بأمر المصحف إلى أمير المؤمنين أبى العبّاس ، فكتب أن أقرّوا مصحفهم فى مسجدهم على حاله ، وأجروا على الذي يقرأ فيه ثلاثة دنانير من مال الله فى كل شهر.

وكان سبب المصحف فيما حدثنا يحيى بن بكير وغيره يزيد بعضهم على بعض ، أن الحجّاج بن يوسف كتب مصاحف وبعث بها إلى الأمصار ، ووجّه بمصحف منها إلى مصر ، فغضب عبد العزيز بن مروان من ذلك ، وقال : يبعث إلى جند أنا به بمصحف ، فأمر فكتب له هذا المصحف الذي فى المسجد الجامع اليوم ، فلما فرغ منه قال : من وجد فيه حرف خطإ فله رأس أحمر وثلاثون دينارا ، فتداوله القراء فأتى رجل من أهل الحمراء

__________________

(١) ك : «السهمى».

١٤٤

فنظر فيه ثم جاء إلى عبد العزيز فقال : قد وجدت فى المصحف حرف خطإ ، قال : مصحفى! قال : نعم. فنظروا فإذا فيه (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً)(١) فاذا هى مكتوبة نجعة ، قد قدّمت الجيم قبل العين ، فأمر بالمصحف فأصلح ما كان فيه ثم أمر له بثلاثين دينارا ورأس (٢) أحمر.

ثم توفّى عبد العزيز فاشتراه فى ميراثه أبو بكر بن عبد العزيز بألف دينار. ثم توفّى أبو بكر فبيع فى ميراثه فاشترته أسماء ابنة أبى بكر بن عبد العزيز بسبعمائة دينار فأمكنت منه الناس وشهرته فنسب إليها. ثم توفّيت أسماء فاشتراه الحكم بن أبى بكر فجعله فى المسجد ، وأجرى على الذي يقرأ فيه ثلاثة دنانير فى كل شهر من كراء الاصطبل ، والحكم بن أبى بكر الذي بنى المسجد المعروف اليوم بقبّة سوق وردان.

قال : ثم عدوان حتى تنتهى إلى السوق ، ثم لقيتهم سلامان ، فدار ابن أبى الكنود شارعة فى سويقة عدوان ، وزقاق المكّى خطّة دارس (٣) ، ونفر من يرفا ، ثم مضت سلامان حتى شرعوا فى البحر إلى جنان حوىّ ، ثم اعترضتهم كنانة من فهم ، فلهم من زقاق ابن رفاعة حتى يشرعوا فى البحر. ثم تلقّى سلامان من تلقاء جنان حوىّ بنو يشكر من لخم فجنان حوىّ ، وسفح الجبل الغربى ليشكر بن جزيلة من لخم. وثمّ خطّة علىّ بن رباح اللخمى بالحمراء عند جنان حوىّ على يسارك وأنت ذاهب تريد القنطرة.

قال : واختطّت مهرة أوّل ما دخلت بدار الخيل وما والاها على سفح الجبل الذي يقال له جبل يشكر مما يلى الخندق إلى شرقىّ العسكر الى جنان بنى مسكين اليوم ، مسجد مهرة هنالك قبّة سوداء ، حتى أدخله طريف الخادم فى دور الخيل حين بناها.

وكان جنان بنى مسكين اليوم خطّة لرجل من مهرة يقال له الجرّاح ، فمات ولم يترك عقبا ، فقدم شريح بن ميمون المهرىّ فورثه وتزوّج امرأته وعقد له على البحر ، فلم يكن يعلم مددىّ نال من الشرف فى زمانه ما نال ، إلّا أن توبة (٤) بن نمر الحضرمى كان مدديّا فولى القضاء.

__________________

(١) سورة ص : ٢٣.

(٢) ك : «أو رأس».

(٣) ك : «دارش».

(٤) توبة : تصحفت فى طبعة عامر إلى «ثوبة».

١٤٥

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث ، قال : قدمت سفن إفريقيّة سنة ثمان وتسعين عليهم ابن أبى بردة ، فغزوا هم (١) وأهل مصر عليهم شريح بن ميمون فشتوهم والسفن الأولى عمر (٢) بن هبيرة وأبو عبيدة على أهل المدينة بالبنطس.

وكانت منازل مهرة قبلىّ (٣) الراية مما يلى منازل ابن سعد بن أبى سرح حوزا حازوه ، وكانوا إذا أتوا لجمعة ربطوا خيولهم ، ثم نقلهم عمرو بن العاص بعد ذلك وضمّهم إليه ، وعطلوا منازلهم هنالك ، فذهبت مهرة بخطّتها حتى لقيت غافقا فى السوق ولقوا الصدف ولقوا غنثا مما يلى الغرب.

واختطّت لخم. فاختطّت قبلىّ ثقيف مما يلى السرّاجين فالدار التى صارت لعيّاش بن عقبة لهم ودار الزّلابية ، ومضوا بخطّتهم إلى عقبة مهرة إلى زقاق أبى حكيم ، ومعهم نفر من جذام ، ثم انحدروا فى زقاق وردان مولى ابن أبى سرح.

وثمّ خطّة أبى رقيّة اللخمىّ ، ومنزله هنالك قائم بحاله لم يغيّر ، يقابل المسجد الذي عند دور بنى وردان.

ثم انحدروا إلى مسجد عبد الله فما كان عن يمينك وأنت تريد المسجد الجامع فى الطريق إلى دور الوردانيّين من مسجد عبد الله فهو للخم ، وما كان عن يسارك فلغافق. ثم جازت لخم بخطّتها إلى دور مطر التى بسوق بربر فإنّ الأزد تلقّاهم بدور أبى مريم وباقى خطّتها فإن ذلك لحجر وحاء. ومسجد حاء المسجد الذي عند دار إسحاق بن متوكل ذو المنارة ، والمسجد الذي على الطريق وأنت تريد إلى محرس أبى حبيب مجلس كان لهم يجلسون فيه ، فإذا أقيمت الصلاة خرجوا من خوخات لهم ثلاث شوارع إلى الطريق فإذا صلّوا رجعوا إلى مجلسهم.

ثم يلقون خثيما ومازنا من الأزد مما يلى دار ابن فليح. ثم يلقون تنوخا مما يلى دار البراء بن عثمان بن حنيف. ثم يلقون غنثا من الأزد مما يلى دار ابن برمك ، التى كانت الوكلاء تنزلها ، فذلك الزقاق والرحبة وما شرع فى مسجد عبد الله من دار ابن الهيثم

__________________

(١) ب ، ج ، ك : «فغزوهم».

(٢) أ ، ب ، ك : «عمرو».

(٣) ك : «قبل».

١٤٦

الأيلى وما بينهما فلغنث من الأزد إلى منزل أشهب ، وإذا سلكت زقاق أشهب فما كان عن يمينك وأنت تريد الموقف فهو لغافق ، وما كان عن يسارك فهو للأزد حتى تنتهى إلى الموقف.

والموقف كان لابنة مسلمة بن مخلّد فتصدّقت به على المسلمين. ودار أبى قدامة أيضا مما كانت تصدّقت به ، ودار إبراهيم بن صالح ، وهى دار بنى عبد الجبّار من غافق.

ثم مضت الأزد حتى أخذت ما شرع فى السويقة قبالة دار سعيد بن عفير ، وزقاق الروّاسين حتى تنتهى إلى دار حوىّ ودار عبد الرحمن بن هاشم.

ثم تلقى مما يلى السويقة العتقاء ، وهم قليل ، ومسجد العتقاء هنالك مشهور ، وللعتقاء من دار زياد الحاجب حتى تهبط إلى بيطار بلال إلى السوق.

وكان زبيد بن الحارث الحجرىّ حجر حمير كان عداده فى العتقاء ، وكان عريفهم. وكان سعيد بن الجهم يقول لعبد الرحمن بن القاسم : أنت منا ، فيضيق لذلك ، يعنى أن زبيد بن الحارث من حجر ، وأنه مولى لهم.

وكان عبد الرحمن بن القاسم يتولّى العتقاء.

فإذا جئت من السويقة وأنت تريد المسجد الجامع ، فما كان عن يمينك فللأزد ، وما كان عن يسارك مما يلى محرس أبى حبيب فلهم.

ثم تلقاهم شجاعة بسقيفة الغزل ، وتلقاهم فهم عند كتّاب إسماعيل ، وتلقاهم بنو شبابة الأزد عند دار حوىّ. فما كان على الخطّ الأعظم إذا انتهيت إلى درب دار حوىّ وتركته وأممت العسكر فهو لفهم حتى تبلغ العسكر ، وتلك خطّة بنى شبابة من فهم.

ولبنى شبابة أيضا المسجد الذي له المنارة التى تخرجك إلى سقيفة تركيّ ، ولهم أيضا المسجد الذي فى رحبة السّوسىّ.

وإذا هبطت من درب حوىّ البحرىّ وقعت فى هذيل. فما كان عن يمينك وأنت تريد الخندق فلهذيل ، وما كان عن يسارك فلدهنة من الأزد حتى تلقى يشكر من لخم فى جبل يشكر.

ثم اختطّت غافق بين مهرة ولخم ، ثم مضوا بخطّتهم حتى برزوا إلى الصحراء مما

١٤٧

يلى الموقف ، ولقوا من وجه مهبّ الشمال لخما وغنثا ، ولقوا مما يلى القبلة الصدف ومهرة.

واختطّت فاتّسعت خطّتها لكثرتهم. وكانت غافق كما حدّثنا عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ثلث الناس مدخل عمرو بن العاص مصر.

ولغافق من درب السرّاجين إلى دور بنى وردان. فما كان عن يمينك فلغافق حتى تنتهى إلى مسجد فهم الجمرات ، ثم جرى إلى الصّفا الى مسجدى حذران ، وحذران بطن من غافق إلى مسجد أحدب وإلى مسجد الزمام.

وفى موضع مسجد الزمام دفن محمد بن أبى بكر الصدّيق فيما يزعمون.

ثم ارجع إلى حمّام سهل. فما كان عن يسارك وأنت تريد مهرة فلغافق ، وثم زقاق حمد من غافق الذي قبالة حمّام سهل الذي للنساء ، وفيه مسجد أبى موسى الغافقى ليس فى الزقاق مسجد غيره.

ولأبى موسى صحبة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واسم أبى موسى عبد الله بن مالك. ولهم عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثان.

حدثنا محمد بن يحيى الصدفى ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث أن يحيى بن ميمون الحضرمى حدثه عن وداعة الحمدىّ ، حدثه أنه سمع أبا موسى الغافقى يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من افترى علىّ كذبا فليتبوّأ بيتا أو مقعدا من النار (١).

حدثنا أسد بن موسى ، وسعيد بن عفير ، قالا : حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن سليمان ، عن ثعلبة أبى الكنود ، عن عبد الله بن مالك ، أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إذا توضأت وأنا جنب أكلت وشربت ، ولا أصلّى ولا أقرأ حتى أغتسل.

ثم جرى إلى زقاق الموزة فإذا جاوزت زقاق الموزة إلى مسجد سيبان وهو المسجد ذو القبّة الذي عند دار خالد بن عبد السلام الصدفى ، وسيبان من مهرة فما كان عن يسارك وأنت تريد إلى سقيفة جواد فلغافق ، وما كان عن يمينك فللصدف إلى مسجد أحدب

__________________

(١) الطبرانى فى كنز برقم ٢٩٢٢٩. وأبو نعيم فى كنز برقم ٢٩٢١٩ عن أبى موسى الغافقى.

١٤٨

إلى ما فوق ذلك إلى الدرب الذي يخرجك إلى الصحراء ، غير أن دار ابن سابور وهى الدار التى صارت لإسماعيل بن أسباط خطّة رجل من حمير.

وللربّانيّين أيضا من غافق من دار مطر ، ما كان عن يمينك وأنت تريد إلى مسجد عبد الله. وعبد الله الذي ينسب إليه المسجد هو عبد الله بن عبد الملك بن مروان. وكان عبد الملك ولّاه مصر بعد موت عبد العزيز بن مروان. وكانت ولايته فى جمادى سنة ستّ وثمانين ، كما حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، وكان حدثا. وكان أهل مصر يسمّونه مكيّسا (١) ، وهو أول من نقل الدواوين إلى العربيّة ، وإنما كانت بالعجميّة ، وهو أول من نهى الناس عن لباس البرانس.

ثم إلى دار ابن هجالة الغافقى ، فإذا بلغت دار ابن هجالة فلغافق ما كان عن يمينك وعن شمالك. وفى دار ابن هجالة الغافقى كان تغيّب محمد بن أبى بكر حين دخل عمرو بن العاص مصر عام المسنّاة. وكانت المسنّاة كما حدثنّا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، فى صفر سنة ثمان وثلاثين.

وكانت للغافقى أخت ضعيفة ، فلما أقبل معاوية بن حديج ومن معه فى طلب قتلة عثمان ، قالت أخت الغافقى : من تطلبون؟ محمد بن أبى بكر؟ أنا أدلّكم عليه ولا تقتلوا أخى ، فدلّتهم عليه ، فلما أخذ قال : احفظوا فىّ أبا بكر. فقال معاوية بن حديج : قتلت سبعين من قومى بعثمان وأتركك وأنت قاتله! فقتله.

وهى الدار الملاصقة بمسجد (٢) الزنج تعمل على بابها النعال السنديّة وفى داخلها الأرحاء.

ولغافق من مسجد بادى إلى دار إبراهيم بن صالح إلى مسجد إبراهيم القرّاط ، وتلك دهنة غافق.

ولغافق من الخطّة أكثر مما ذكرنا ، غير أن هذه جملها.

واختطّت الصدف قبلىّ مهرة ، فمضوا بخطّتهم حتى برزوا بطرف منها ، فلقوا حضر موت دون الصحراء ، ولقوا مما يلى القبلة بنى سعد من تجيب ، ولقوا آل أيدعان بن

__________________

(١) ك : «مكنس».

(٢) ك : «لمسجد».

١٤٩

سعد ، ولقوا بطرف منها سلهما من مراد ، ثم لقوا حضر موت حالوا (١) بينهم وبين الصحراء.

وكانت راية الأجدوم مدخل عمرو مع حيّان ـ أو حبّان ـ بن يوسف ، فلما استقرّت الصدف عرّف عليهم عمران بن ربيعة ، فأقام عريفا سنين ، ثم عرّف ابنه ، ولم يزل بالبلد منهم قوم لهم شرف وسخاء كان منهم ابن سليك الصدفى.

واختطّت حضر موت وبطن من يحصب فيهم فى موضعهم اليوم فى زمان عثمان ابن عفّان إلا عبد الله بن المتهلّل. ودخل مع عمرو بن العاص الفسطاط من حضرموت عبد الله بن كليب من الأشباء ، خطّته فى آل أيدعان عند دار ابن الروّاغ. ومالك بن عمرو بن الأجدع من الحارث. وداره دار هبيرة بن أبيض. والملامس بن جذيمة بن سريع ، وخطّته عند الصّفا عند دار الفرج بن جعفر. ونمر بن زرعة بن نمر بن شاجى البسّىّ (٢). والأعين بن نمر بن مالك بن سريع. وأبو العالية مولى لهم وهو جدّ أبى قنان.

وكانوا مع أخوالهم فى تجيب ، ثم قدمت مادّتهم فى أيام عثمان ، فاختطّوا شرقىّ سلهم والصدف حتى أصحروا ، فتحوّل إليهم من أراد التحوّل ممّن كان منهم بتجيب.

واختطّ بمكانهم عبد الله بن كليب من الأشباء خطّته فى بنى أيدعان عند دار ابن الروّاغ. وكان أخوه قيس بن كليب فى حجّاب عمرو بن العاص أيام معاوية ، وهو فتّى شابّ جميل فرآه معاوية مع عمرو فقال : من هذا الفتى؟ فقال عمرو : أحد حجّابى.

فقال معاوية : ما يعان من حجبه مثل هذا.

ثم حجب بعد ذلك عبد العزيز بن مروان ، وفى قيس بن كليب يقول أبو المصعب البلوىّ فى قصيدته التى هجا فيها أشراف أهل مصر :

وظلت أنادى اللّكعاء قيسا

لتدخلنى (٣) وقد حضر الغداء

وليس بماجد الجدّات قيس

ولكن حضرميّات قماء

__________________

(١) ج : «فحالوا».

(٢) ك : «السبّى».

(٣) ب ، ك : «ليدخلنى».

١٥٠

وأعرض نفحة (١) ليربوع عنّى

يزيد بعد ما رفع اللواء

أشار بكفّه اليمنى وكانت

شمالا لا يجوز (٢) لها عطاء

أكلّم عائذا ويصدّ عنّى

ويمنعه السّلام الكبرياء

وجرف قد تهدّم جانباه

كريب ذاكم البرم العياء

وأمّا القحزمىّ فذاك بغل

أضرّ به مع الدبر الحفاء

وهذاك القصيّر من تجيب

ولو يسطيع ما نفض الخلاء

وتروى أضرّ به مع الدبر الخصاء.

قال وكان معاوية إذا قدم عليه أحد من أهل مصر سأله : هل تروى قصيد أبى المصعب؟ وهذه الأبيات فى قصيدة له ، يريد بيزيد يزيد بن شرحبيل بن حسنة ، وقيس قيس بن كليب الحاجب ، وعائذ بن ثعلبة البلوىّ. وقتل عائذ بالبرلّس فى سنة ثلاث وخمسين مع وردان مولى عمرو بن العاص ، وأبى رقيّة اللخمى (٣) ، وسأذكر حديثهم فى موضعه إن شاء الله. والقحزمىّ عمرو بن قحزم وكريب كريب بن أبرهة ، والقصيّر من تجيب زياد بن حناطة التجيبى ثم الخلاوىّ وهو صاحب قصر ابن حناطة الذي بتجيب.

ولم يزل الملامس بن جذيمة عريف حضر موت يدّعون له الأشباء والحارث ، حتى زمان معاوية بن أبى سفيان ، فإنه وقع بين مسلمة بن مخلّد وبين الملامس كلام ، فاستأذن الملامس معاوية فى النقلة إلى فلسطين بحضر موت ، فأذن له ، وكتب له بذلك إلى مسلمة ، فكره مسلمة ذلك ، فقال له رجل من حضر موت يقال له فلان بن مسلم : أنا أمشى بينهم فأكرّه إليهم الخروج ففعل ، فلما تنجّز الملامس ذلك من مسلمة قال له : إن رضى قومك ، ثم جمعهم فذكر لهم ما قال الملامس ، فقال رجل منهم : ما نفارق بلادنا. فقال له : من أنت؟ قال : أنا ابن أميّة. قال : فمن قومك؟ قال : بنو عوف. ثم تتابعوا على مثل قوله فكتبهم وعرّفهم.

__________________

(١) نفخه ـ نفحه ، تقرأ بالوجهين معا فى : أ ، ك.

(٢) ب : «يجاز».

(٣) اللخمى : تحرفت فى طبعة عامر إلى «الخمى».

١٥١

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عتبة بن أبى حكيم ، عن ابن شهاب ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : حضر موت خير من بنى الحارث (١).

حدثنا أبو الأسود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، أن معاوية بن أبى سفيان كتب إلى مسلمة بن مخلّد وهو على مصر : لا تولّى عملك إلا أزدىّ أو حضرمىّ ، فإنهم أهل الأمانة.

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن تبيع ، قال : لا يدرك أحد من حضر موت الدجّال.

قال : ثم اختطّت تجيب ، فأخذت بنو عامر شرقىّ الحصن قبلىّ منزل عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، ثم مضوا بخطّتهم حتى لقوا مهرة والصدف من مهبّ الشمال ، ولقوا سلهما عما يلى الشرق ، ولقوا وعلان من مراد ، وطرفا من خولان من مهبّ الجنوب ، ثم لقوا بنى غطيف وقبائل من مراد ، وحالت سلهم بينهم وبين الصحراء.

فخطّة كنانة بن بشر بن سلمان الأيدعىّ دار هبيرة ، وثمّ مسجده. ثم صارت بعد ذلك لعثمان بن يونس أبى السمح جدّ ابن دهقان لأمّه. وكان لكنانة سيف يقال له المقلّد ، صار إلى سعيد بن عبيد ، فكان سعيد يقول : إنما لتجيب سيفان ، عريض بنى حديج والمقلّد ، فقد صار المقلّد إلىّ.

قال : واختطّت خولان الشرق قبلىّ الحصن ومهبّ الجنوب ، ثم مضوا بخطّتهم حتى لقوا بنى وائل والفارسييّن فى السهل ، ولقوا تجيب ورعينا فى الجبل ، ولقوا بنى غطيف وبنى وعلان من مراد فى الشرق ، وتجيب من مهبّ الشمال ، فجاوزهم غطيف فتحوّل بينهم وبين خطّتهم.

وكان رائم بن ثعلبة الخولانى من الحياويّة يقال إنه رجل من كنانة معروف النسب فيهم ، وفيه يقول ابن جذل الطّعان :

من مبلغ خولان عنّى رسالة

يربّضها (٢) أبنا فراس بن مالك

__________________

(١) الطبرانى فى كنز برقم ٣٥١٢٨.

(٢) ك : «يريّضها».

١٥٢

بأنّ أخانا رائم الخير فيكم

مقيم بلا ذنب بأزل المهالك

إلى مالك ينمى إذا عدّ أصله

كنانة أهل المكرمات الموالك

فأجابه رجل من خولان ، فقال :

من مبلغ عنّى فراسا رسالة

فنحن لخولان بن عمرو بن مالك

إلى سبا الأملاك أصلى ومنبتى

يحدّثنى جدّى به غير هالك

قال : واختطّت مذحج بين خولان وتجيب. واختطّت وعلان مما يلى القصر ، ثم مضوا ينازلون خولان وتجيب هم وبنو غطيف.

ثم مضت مراد بخطّتها حتى لقوا قبائل نافع ورعين ، وفيهم بنو عبس بن زوف ، ثم مضوا بخطّتهم حتى لقوا بنى موهب من المعافر ، ولقوا السلف وسبأ وحالوا بينهم وبين الصحراء.

وقد غلط بعض الناس فى بنى عبس بن زوف والزقاق المنسوب إلى بنى عبس ، فقال : هم عبس قيس وليس كما قال.

حدثنا أبو الأسود النضر ، بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة. عن عتبة بن أبى حكيم ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : أكثر القبائل فى الجنّة مذحج.

واختطّت القبائل المنسوبة إلى سبإ منهم ابن ذى هجران ومعهم السلف شرقىّ جنب مما يلى مراد ، ثم مضوا بخطّتهم بين المعافر وحضر موت حتى أصحروا.

واختطّت حمير قبلىّ خولان وشرقيّها وشرقى بديعة من مذحج ، فكانت يحصب قبلىّ المعافر حتى قطعوا الجبال.

واختطّت يافع ورعين شرقى خولان (١) ، ثم لقوا قبائل الكلاع ، ثم مضوا بين قبائل سبإ والمعافر وبين اصطبل قرّة بن شريك حتى أصحروا.

واختطّت المعافر وفيهم الأشعريّون والسّكاسك شرقى الكلاع ، فوليهم من ذلك الأكنوع وهم من الأشعريّين. وبنو موهب ثم السكاسك ثم المعافر وهم مختلطون. ثم

__________________

(١) خولان : تصحفت فى طبعة عامر إلى «حولان».

١٥٣

مضوا بخطّتهم حتى أصحروا ينازلون حمير وطائفة من خولان. وحمير والمعافر على الجبل موفون على قبائل مضر ، وليس فى هذا الجبل إلا هذه القبائل ، غير أن جهينة قد كانت نزلت بجرف ينّة (١).

وكانت المعافر قد نزلت إلى جنب عمرو بن العاص فأذاهم البعوض وكان جرى النيل. فشكوا (١) ذلك إلى عمرو وسأوه أن ينقلهم ، فقال : لا أجد قوما أحمل (٢) لى من أصحابى ، فنقل قريشا إلى موضعهم ، ونقل المعافر إلى موضعها التى هى به اليوم ، وقال عمرو لأصحابه : اغتنموا ، فكأنى أنظر إلى المسجد وما حوله قد صار فيه الناس ورغبوا فيه وإلى موضعهم قد خرب ، فكان كما قال.

حدثنا هانئ بن المتوكّل ، حدثنا ضمام بن إسماعيل ، عن أبى قبيل ، عن شفىّ بن ماتع ، قال : كان الناس إذا كان فزع خرجوا براياتهم ، وكان لكل قوم موقف ، فكان موقف المعافر تحت الكوم يريد بالإسكندرية.

وقصر فهد الذي بالمعافر ومسجد لسبإ خطّه هو فهد بن (٣) كثير بن فهد ، وكان ولى برقة أيام أسامة بن زيد الأولى ، وكان قد ولى جزيرة الصناعة ، وهو (٤) القصر الذي عند مسجد الزينة ، وفى الأشعريّين والسكاسك جاء الحديث.

حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك ، حدثنا الركن بن عبد الله بن سعد ، عن مكحول ، عن معاذ ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بعثه إلى اليمن حمله على ناقة ، وقال : يا معاذ انطلق حتى تأتى الجند ، فحيث (٥) بركت بك هذه الناقة فأذّن وصلّ وابن فيه مسجدا ، فانطلق معاذ حتى إذا انتهى إلى الجند ، دارت به ناقته ، وأبت أن تبرك. فقال : هل من جند غير هذا؟ قالوا : نعم. جند رخامة ، فلما أتاه دارت وبركت ، فنزل معاذ فنادى بالصلاة ثم قام فصلّى ، فخرج إليه ابن يخامر السّكسكىّ ، فقال : من أنت؟ قال : أنا رسول رسول ربّ العالمين. فقال : ما تريد؟ قال : أريد أن أقاتل من خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما

__________________

(١) ك : «نيّه». وقد تصحفت فى طبعة عامر إلى «تبّة».

(١) ك : «نيّه». وقد تصحفت فى طبعة عامر إلى «تبّة».

(٢) ج : «أجمل».

(٣) بن : تحرفت فى طبعة عامر إلى «به».

(٤) ك : «وهى».

(٥) أ ، ك : «فحيثما».

١٥٤

قصّ عليه معاذ ما أوصاه به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال له ابن يخامر : مرحبا بمن جئت من عنده ، ومرحبا بك. ابسط يدك ، فبايعه ووثب إليه ثلّة من الأشعريّين ، ووثب إليه الأملوك أملوك ردمان ، فقال ابن يخامر : إن العرصة (١) التى بنيت فيها المسجد لى ، فقال معاذ : خذ ثمنها ، فقال : لا ، بل هى لله والرسول. فقاتل معاذ من خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالثلّة من الأشعريّين والأملوك أملوك ردمان حتى أجابوه ، فكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنى قاتلت حتى أجابنى أهل اليمن بثلّة من الأشعريّين والسكاسك والأملوك أملوك ردمان. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهمّ اغفر للسكاسك والأملوك أملوك ردمان وثلّة من الأشعريّين.

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنى الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب أنه بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ألا أخبركم بخير قبائل؟ قالوا بلى. قال الأملوك أملوك ردمان وفرق من (٢) الأشعريّين وفرق من خولان والسكاسك والسّكون.

قال : واختطّت بنو وائل فى مهبّ الشمال ، ثم مضوا بخطّتهم شارعين على النيل حتى لقيت راشدة من لخم مما يلى الاصطبل. وبين طائفة منهم وبين يحصب وهم فى الجبل الفارسيّون وهم قليل.

ثم انحطّت (٣) طائفة من لخم خلف بنى وائل وشرعوا فى النيل ، ثم مضوا ينازعون يحصب وهم فى جبل حتى برزوا إلى أرض الحرث والزرع ، وكان بين القبائل فضاء من القبيل إلى القبيل ، فلما مدّت الأمداد فى زمان عثمان بن عفّان وما بعد ذلك وكثر الناس ، وسّع كلّ قوم لبنى أبيهم حتى كثر البنيان والتأم.

خطط الجيزة

(*) حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، وابن هبيرة يزيد أحدهما على صاحبه ، قال : فاستحبّت همدان ومن والاها الجيزة ، فكتب عمرو بن

__________________

(١) العرصة : تصحفت فى طبعة عامر إلى «العرضة».

(٢) من : تحرفت فى طبعة عامر إلى «بين».

(٣) ك : «اختطت».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٣٦.

١٥٥

العاص إلى عمر بن الخطاب يعلمه بما صنع الله للمسلمين. وما فتح عليهم (١) ، وما فعلوا فى خططهم ؛ وما استحبّت همدان ومن والاها من النزول بالجيزة. فكتب إليه عمر ، يحمد الله على ما كان من ذلك ، ويقول له : كيف رضيت أن تفرقّ عنكّ أصحابك ، لم يكن ينبغى لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينهم وبينك بحر ، لا تدرى ما يفجؤهم فلعلّك لا تقدر على غياثهم حتى ينزل بهم ما تكره. فاجمعهم إليك فإن أبوا عليك ، وأعجبهم موضعهم. فابن عليهم من فىء المسلمين حصنا.

فعرض عمرو ذلك عليهم فأبوا ، وأعجبهم موضعهم بالجيزة ومن والاهم على ذلك من رهطهم ؛ يافع وغيرها ، واحبّوا ما هنالك ، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن الذي بالجيزة فى سنة إحدى وعشرين ، وفرغ من بنائه فى سنة اثنتين وعشرين.

قال غير ابن لهيعة من مشايخ أهل مصر : إن عمرو بن العاص لّما سأل أهل الجيزة أن ينضمّوا إلى الفسطاط ، قالوا : متقدّما (٢) قدّمناه فى سبيل الله ما كنّا لنرحل (٣) منه إلى غيره ، فنزلت يافع الجيزة ، فيها مبرّح بن شهاب ، وهمدان ، وذو أصبح ، فيهم أبو شمر بن أبرهة ، وطائفة من الحجر ، منهم علقمة بن جنادة أحد بنى مالك بن الحجر*).

وكانت منهم طائفة قد اختطّوا بالفسطاط أسفل من عقبة تنوخ ، قد بيّنت ذلك فى صدر كتابى.

قال : وقد كان دخل مع عمرو بن العاص قوم من العجم يقال لهم الحمراء والفارسيّون. فأمّا الحمراء فقوم من الروم فيهم بنو ينّة وبنو الأزرق وبنو روبيل. والفارسيّون قوم من الفرس وفيهم (٤) زعموا قوم من الفرس الذين كانوا بصنعاء ، وكان حامل لوائهم ابن ينّة ، وإليه تنسب سقيفة ابن ينّة التى بفسطاط مصر بالحمراء.

فقالت الروم والفارسيّون : إنّهم العرب ، وإنّا لا نأمنهم ونخاف الغدر من قبلهم ، قالوا : فما الرأى؟ قالوا : ننزل نحن فى طرف وأنتم فى طرف ، فإن يكن منهم غدر كانوا

__________________

(١) ب ، ج ، ك : «وما فتح الله عليهم».

(٢) أ ، ك : «متقدّم». ومثله عند السيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٣) أ ، ك : «لندخل».

(٤) ب : «ومنهم».

١٥٦

بيننا ، فقال بعضهم : فإن يكن منهم غدر كانوا بين لحيى الأسد ، وكنّا قد أخذنا بالوثقى.

فنزلت الروم الحمراء التى بالقنطرة ، ونزلت الفرس بناحية بنى وائل فمسجد الفارسيّين هنالك مشهور معروف.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن شيخ من موالى فهم ، عن علىّ بن رباح ، قال : قدم عمرو بن العاص بالحمراء والفارسيّين من الشام. قال ابن لهيعة : سمّاهم الحمراء لأنهم من العجم.

ذكر أخائذ الإسكندرية

قال وأما الإسكندرية فلم يكن بها خطط ، غير أن أبا الأسود النضر بن عبد الجبّار حدثنا ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن الزبير بن العوّام اختطّ بالإسكندرية.

وإنما كانت أخائذ من أخذ منزلا نزل فيه هو وبنو أبيه. وأن عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية أقبل هو وعبادة بن الصامت حتى علوا الكوم الذي فيه مسجد عمرو بن العاص ، فقال معاوية بن حديج : ننزل ، فنزل عمرو بن العاص القصر الذي صار لعبد الله ابن سعد بن أبى سرح ، ويقال إن عمرا وهبه له لمّا ولى البلد.

ونزل أبو ذرّ الغفارى منزلا كان غربىّ المصلّى الذي عند مسجد عمرو مما يلى البحر وقد انهدم ، ونزل معاوية بن حديج موضع داره التى فوق هذا التلّ ، وضرب عبادة ابن الصامت بناء فلم يزل فيه حتى خرج من الإسكندرية. ويقال إن أبا الدرداء كان معه والله أعلم.

حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، وابن هبيرة فى حديثهما ، قال : فلما استقامت لهم البلاد قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس ، وربع فى السواحل والنصف مقيمون معه (١) ، وكان يصيّر بالإسكندرية خاصّة الربع فى الصيف بقدر ستّة أشهر ، ويعقب بعدهم شاتية ستّة أشهر ، وكان لكل عريف قصر ينزل فيه بمن معه من أصحابه واتّخذوا فيه أخائذ.

__________________

(١) ك «معهم».

١٥٧

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، أن المسلمين لما سكنوها فى رباطهم ثم قفلوا ثم غزوا ، ابتدروا ، فكان الرجل يأتى المنزل الذي كان فيه صاحبه قبل ذلك فيبتدره فيسكنه ، فلما غزوا قال عمرو : إنى أخاف أن تخربوا المنازل إذا كنتم تتعاورونها ، فلما كان عند الكريون قال لهم : سيروا على بركة الله ، فمن ركز منكم رمحه فى دار فهى له ولبنى أبيه ، فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه فى منزل منها ، ثم يأتى الآخر فيركز رمحه فى بعض بيوت الدار ، فكانت الدار تكون لقبيلتين ، ثلاث ، وكانوا يسكنونها ، حتى إذا قفلوا سكنها الروم وعليهم مرمّتها.

فكان يزيد بن أبى حبيب ، يقول : لا يحلّ من كرائها شىء ولا بيعها. ولا يورّث ولا يورث منها شىء ، إنما كانت لهم يسكنونها فى رباطهم.

الزيادة فى المسجد الجامع

ثم إن مسلمة بن مخلّد الأنصارى زاد فى المسجد الجامع بعد بنيان عمرو له ، ومسلمة الذي كان أخذ أهل مصر ببنيان المنار للمساجد ، كان أخذه إيّاهم بذلك فى سنة ثلاث وخمسين ، فبنيت المنار وكتب عليها اسمه.

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : أخذ مسلمة بن مخلّد الناس ببناء منار المساجد ووضع ذلك عن خولان ؛ لأنه كان صاهر إليهم ، وأسقط ذلك عنهم.

ثم هدم عبد العزيز بن مروان المسجد فى سنة سبع وسبعين وبناه. ثم كتب الوليد ابن عبد الملك فى خلافته إلى قرّة بن شريك العبسىّ وهو يومئذ واليه على أهل مصر.

وكانت ولاية قرّة بن شريك مصر فى سنة تسعين ، قدمها يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، وعزل عبد الله بن عبد الملك ، وفى ذلك يقول الشاعر (١) :

عجبا ما عجبت حين أتانا

أن قد امّرت قرّة بن شريك

وعزلت الفتى المبارك عنّا

ثمّ فيّلت فيه رأى أبيك

فهدمه كلّه وبناه هذا البناء ، وزوّقه ، وذهّب رءوس العمد التى فى مجالس قيس ، وليس فى المسجد عمود مذهّب الرأس إلا فى مجالس قيس ، وحوّل قرّة المنبر حين هدم

__________________

(١) انظر الكندى ص ٦٣ ، والسيوطى ج ١ ص ٥٨٧.

١٥٨

المسجد إلى قيساريّة العسل ، فكان الناس يصلّون فيها الصلوات ويجمّعون فيها الجمع ، حتى فرغ من بنيانه. والقبلة فى القيسارية إلى اليوم ، وكانت القبّة التى فى وسط الجزيرة بين الجسرين فى المسجد (١) الجامع. ثم زاد موسى بن عيسى الهاشمى بعد ذلك فى مؤخّره فى سنة خمس وسبعين ومائة. ثم زاد عبد الله بن طاهر فى عرضه بكتاب المأمون بالإذن له فى ذلك فى سنة ثلاث عشرة ومائتين. وأدخل فيه دار الرمل كلها إلا ما بقى منها من دار الضرب ، ودخلت فيه دار ابن رمّانة وغيرها من بعض الخطط التى ذكرناها.

فكان عمّال الوليد بن عبد الملك ، كما حدثنا سعيد بن عفير ، كتبوا إليه : إن بيوت الأموال قد ضاقت من مال الخمس ، فكتب إليهم أن ابنوا المساجد.

فأوّل مسجد بنى بفسطاط مصر المسجد الذي فى أصل حصن الروم عند باب الريحان قبالة الموضع الذي يعرف بالقالوس يعرف بمسجد القلعة (٢).

حدثنا حميد بن هشام الحميرى ، قال : كل مسجد بفسطاط مصر فيه عمد رخام فليس بخطّىّ.

وأوّل كنيسة بنيت بفسطاط مصر ، كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، عن بعض شيوخ أهل مصر ، الكنيسة التى خلف القنطرة أيام مسلمة بن مخلّد ، فأنكر ذلك الجند على مسلمة وقالوا له : أتقّر لهم أن يبنوا الكنائس! حتى كاد أن يقع بينهم وبينه شرّ ، فاحتجّ عليهم مسلمة يومئذ فقال : إنها ليست فى قيروانكم ، وإنما هى خارجة فى أرضهم ، فسكتوا عند ذلك ، فهذه خطط أهل مصر.

ذكر القطائع

قال : وقد كان المسلمون حين اختطّوا قد تركوا بينهم وبين البحر والحصن فضاء لتعريق دوابّهم وتأدييها ، فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولى معاوية بن أبى سفيان فاشترى خطّة مسلمة بن مخلّد منه ، وأقطعه داره التى بسوق وردان ، ثم اشترى خطّة عقبة بن عامر وأقطعه داره التى فى الفضاء عند أصحاب التبن ، وهى اليوم فى يدى فرج ، اشترى دار أبى رافع التى صارت للسائب مولاه ، وأقطع السائب الدار التى عند حيز الوزّ.

__________________

(١) ب ، ج : «مسجد».

(٢) ج : «الغفلة». ك : «الفعلة».

١٥٩

ثم ابتنى عبد العزيز دار الأضياف كانت لأضياف عبد العزيز. وأقطع معاوية أيضا سارية مولى عمر بن الخطّاب فى الزقاق الذي يعرف بحيز الوزّ ، فباعه ولده مقطّعا.

وأقطع عبد العزيز خالد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام دار مخرمة التى فى الفضاء وكانت له ، دار موسى بن عيسى النوشرىّ التى بالموقف.

قال : وكان خالد وعمر ابنا عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مع عبد الله بن الزبير ، وكان أبو بكر بن عبد الرحمن أخا لعبد الملك بن مروان وتربا له ، فلما ظهر عبد الملك بن مروان قال : لا سبيل إلى ما يكره عمر وخالد مع أبى بكر ، ولكن لله علىّ ألا يسكنان الحجاز ، فكتب إلى الحجّاج أن خيّرهما فى أىّ الأمصار شاءا فليلحقا بها ، فلحق خالد بعبد العزيز بن مروان فأقطعه دار مخرمة فى الفضاء وكانت له دار موسى بن عيسى التى بالموقف ، وأما عمر فلحق ببشر بن مروان بالعراق فله بواسط آثار كثيرة.

وأقطع عمارة بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط الدور التى تلى أصحاب التبن قبليا.

وكان أبو معيط يسمّى أبانا. حدثنى بذلك محمد بن إدريس الرازىّ ، وله يقول ضرار بن الخطّاب :

عين فابكى لعقبة بن أبان

فرع فهر وفارس الفرسان

وله يقول بعض الشعراء :

من سرّه شحم ولحم راكد

فليأت جفنة عقبة بن أبان

قال : وكان عبد الأعلى بن أبى عمرة وهو مولى لبنى شيبان على أخت موسى بن نصير وكانت له من عبد العزيز منزلة فخطّ له داره ذات الحمّام الذي يقال له حمّام التبن ، فلما قدم عبد الأعلى بن أبى عمرة من عند أليون صاحب الروم ، قال لعبد العزيز : قد أبليت المسلمين فى تأجيههم (١) إيّاى نصحا وبلاء حسنا ، فمر لى بأربع سوارى (٢) من خرب الإسكندرية ، فأمر له بها فهى على حوض حمّامه الأعظم.

__________________

(١) ك : «ناحيتهم».

(٢) أ ، ك : «سوار».

١٦٠