فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

قال : فاختطّ عمرو بن العاص داره التى هى له اليوم عند باب المسجد ، بينهما الطريق. وداره الأخرى اللاصقة إلى جنبها ، وفيها دفن عبد الله بن عمرو بن العاص فيما زعم بعض مشايخ البلد لحدث كان يومئذ فى البلد.

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : توفّي عبد الله بن عمرو بن العاص بأرضه بالسبع من فلسطين. ويقال بل مات بمكّة ، والله أعلم. ويكنّى أبا محمد ، وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين. ولأهل مصر عنه عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قريب من مائة حديث.

والحمّام الذي يقال له حمّام الفأر. وإنما قيل له حمّام الفأر أن حمّامات الروم كانت ديماسات كبار ، فلما بنى هذا الحمّام ، ورأوا صغره ، قالوا : من يدخل هذا! هذا حمّام الفأر (١).

ودار عمرو التى هنالك. ويقال بل اختطّ عمرو لنفسه فى الموضع الذي فيه دار ابن أبى الرزّام.

واختطّ عبد الله ابنه هذه الدار الكبيرة التى عند المسجد الجامع ، وهو الذي بناها هذا البناء ، وبنى فيها قصرا على تربيع الكعبة الأولى.

واحتجّ من زعم أن هذه الدار الكبيرة التى عند المسجد هى خطّة عمرو نفسه بحديث ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن أبى تميم الجيشانىّ ، أنه سمع عمرو بن العاص ، يقول : أخبرنى رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إن الله قد زادكم صلاة فصلّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ، الوتر ، الوتر (٢) ألا إنّه أبو بصرة الغفارىّ.

قال أبو تميم الجيشانى : وكنت أنا وأبو ذرّ قاعدين ، فأخذ أبو ذرّ بيدى فانطلقنا إلى أبى بصرة ، فوجدناه عند الباب الذي إلى دار عمرو ؛ فقال أبو ذرّ : يا أبا بصرة ، أنت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : إن الله قد زادكم صلاة فصلّوها فيما بين العشاء إلى الصبح ، الوتر الوتر؟ قال : نعم. قال : أنت سمعته؟ قال : نعم.

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن ابن هبيرة. وحدثناه عمرو بن سوّاد ، عن

__________________

(١) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٣٥ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٢) مسند أحمد والطبرانى فى كنز برقم ١٩٥٤٧ عن أبى بصرة الغفارى.

١٢١

ابن وهب ، عن ابن لهيعة. وقد حدثنى طلق بن السمح ، عن ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن أبى تميم الجيشانى ببعضه.

ولهم عن عمرو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث عدّة. منها : حديث موسى بن علىّ ، عن أبيه ، عن أبى قيس ، مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو بن العاص ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب ، أكلة السحر (١). حدثناه أبي ، عن الليث ، عن موسى بن علىّ. وحدثناه عبد الله بن صالح ، عن موسى بن على نفسه.

ومنها حديث نافع بن يزيد ، عن الحارث بن سعيد العتقى ، عن عبد الله بن منين ـ من بنى (٢) عبد كلال ـ عن عمرو بن العاص ، قال : أقرأنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى القرآن خمس عشرة سجدة ، منها فى المفصّل ثلاث ، وفى سورة الحجّ سجدتان. حدثناه سعيد بن أبى مريم.

ذكر من اختطّ حول المسجد الجامع مع عمرو بن العاص

واختطّ حول عمرو والمسجد قريش ، والأنصار ، وأسلم ، وغفار ، وجهينة ، ومن كان فى الراية ممّن لم يكن لعشيرته فى الفتح عدد مع عمرو.

فاختطّ وردان مولى عمرو القصر الذي يعرف بقصر عمر بن مروان ، وإنما نسب إلى عمر بن مروان أن أنتناس صاحب الجند (٣) وخراج مسلمة ، سأل معاوية أن يجعل له منزلا قرب الديوان ، فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلّد ، يأمره أن يشترى له منزل وردان ، ويخطّ لوردان حيث شاء ، ففعل ، فأخذ أنتناس المنزل ، وبعث مسلمة مع وردان السمط مولى مسلمة ، وأمره أن يقطعه غلوة (٤) نشّابه ، فخرج معه حتى وقفا على موضع مناخ الإبل ، وكان ذلك فناء يتوسّع فيه (٥) المسلمون فيما بينهم وبين البحر ، فقال السمط لوردان : لنعلمنّ اليوم فضل غلاء (٦) فارس على الروم ، وكان السمط فارسيّا ، ووردان

__________________

(١) مسند أحمد ومسلم فى كنز برقم ٢٣٩٦٤ عن عمرو بن العاص.

(٢) من بنى : تحرفت فى طبعة عامر إلى «من بن».

(٣) الجند : (ب) «الخندق».

(٤) أ : «غلوءة. ب : «خلوه».

(٥) ب ، ج : «به».

(٦) ج : «غلام». ب «علا».

١٢٢

روميّا ، فمغط (١) السمط فى قوسه ونزع له بنشّابه فاختطّها وردان. فلما مات أنتناس أقطعت عمر بن مروان. ويكنّى وردان بأبى عبيد.

ويقال إن قصر عمر بن مروان من خطّة الأزد ، فابتاع ذلك عبد العزيز بن مروان ، فوهبه لأخيه عمر بن مروان ، وذلك أن ذلك الزقاق من قصر عمر بن مروان إلى الاصطبل ، والاصطبل من خطّة الأزد.

واختطّ قيس بن سعد بن عبادة فى قبلة المسجد الجامع ، دار الفلفل (٢) ، وكانت فضاء فبناها لمّا ولى البلد ، ولّاه إياه على بن أبى طالب ، ثم عزله ، فكان الناس يقولون إنها له حتى ذكر له ذلك ، فقال : وأىّ دار لى بمصر ، فذكروها له ، فقال : إنما (٣) تلك بنيتها (٤) من مال المسلمين لا حقّ لى فيها.

ويقال إن قيس بن سعد أوصى حين حضرته الوفاة ، فقال : إنى كنت بنيت دارا بمصر وأنا واليها ، واستعنت فيها بمعونة المسلمين ، فهى للمسلمين ، ينزلها (٥) ولاتهم.

ولهم عن قيس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثان. أحدهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : ربّ الدابّة أحقّ بصدر دابّته (٦). حدثناه أبو الأسود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد العزيز بن عبد الملك ابن مليل ، عن عبد الرحمن بن أبى أميّة (٧) ، عن قيس بن سعد.

ويقال بل كانت دار الفلفل ، ودار الزلابية التى إلى جنبها لنافع بن عبد القيس الفهرىّ. ويقال بل هو عقبة بن نافع ، فأخذها قيس بن سعد منه وعوّضه منها دار

__________________

(١) ك : «فغمط».

(٢) فى طبعتى تورى وعامر «الفلفل» بكسر الفاءين. وعلق عليه د. حسين نصار بقوله : «دار الفلفل بكسر الفاءين. وجاء فى تاج العروس : نسب الصغانى الكسر للعامة ، ومنعه صاحب المصباح أيضا ، وصوبوا كلامه».

(٣) ب ، ج : «إنها».

(٤) ك : «بنيناها».

(٥) ج : «تنزلها».

(٦) مسند أحمد والطبرانى فى كنز برقم ٢٤٩٦٤ عن قيس بن سعد.

(٧) فى كل المخطوطات : عبد الرحمن بن أبى أمّه. والمثبت فى النص مستفاد مما ورد فى حاشية نسخة أ ، ونص الحاشية كذا قيده السلفى عبد الرحمن بن أبى مه فى أصله الذي سمعته عليه ، وكذا وجدته فى أصل مقروء على ابن قديد : ابن أبى أمه ، أيضا. و... فى تاريخ ابن يونس عبد الرحمن بن أبى أميّة.».

١٢٣

الفهريّين التى فى زقاق القناديل. ويقال بل كانت تلك الدار خطّة عقبة بن نافع ، ويقال بل كانت دار الفلفل لسعد بن أبى وقّاص فتصدّق بها على المسلمين ، واقتصر على داره التى بالموقف ، والله أعلم. ويقال إن داره التى بالموقف التى تعرف بالفندق ليس هو خطّة لسعد ، وإنما كان لمولى (١) سعد فمات فورثها عنه آل سعد. وإنما سمّيت دار الفلفل ؛ لأن أسامة بن زيد التنوخىّ إذ كان واليا على خراج مصر ، وابتاع من موسى بن وردان فلفلا بعشرين ألف دينار كان كتب فيه الوليد بن عبد الملك أراد أن يهديه إلى صاحب الروم ، فخزنه فيها ، فشكا ذلك موسى بن وردان إلى عمر بن عبد العزيز حين ولى الخلافة ، فكتب أن يدفع إليه.

حدثنا طلق بن السمح ، حدثنا ضمام بن إسماعيل ، حدثنى موسى بن وردان ، قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز فحدّثته بأحاديث عمّن أدركته من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكنت عنده بمنزله ، أدخل إذا شئت وأخرج إذا شئت ، فكنت أحدّثه عمّن أدركت من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألته الكتاب إلى حيّان بن سريج فى عشرين ألف دينار أستوفيها مرح ثمن فلفل ليكتب إليه يدفعها (٢) إلىّ ، فقال لى : ولمن العشرون الألف الدينار؟ قلت : هى لى. قال : ومن أين هى لك؟ قلت له : كنت تاجرا ، فضرب بمخصرته ثم قال : التاجر فاجر ، والفاجر فى النار. ثم قال : اكتبوا إلى حيّان بن سريج (٣) ، فلم أدخل عليه بعدها ، وأمر حاجبه ألا يدخلنى عليه.

وصارت دار الزلابية للحكم بن أبى بكر. ويقال بل دار الزلابية خطّة عبدة بن عبدة.

واختطّ مسلمة بن مخلّد دار الرمل ، واختطّ مع مسلمة فيها ، أبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واختطّ معهم عقبة بن عامر الجهنىّ ، فلما ولى مسلمة بن مخلّد سأله معاوية داره فأعطاه إياها ، وخطّ له فى الفضاء داره ذات الحمّام التى بسوق (٤) وردان. ثم صارت

__________________

(١) تحرفت فى طبعة عامر إلى (مولى).

(٢) ج : «ليدفعها لى».

(٣) تصحفت فى طبعة عامر إلى (سريح).

(٤) التى بسوق : (ج) «إلى سوق».

١٢٤

إلى بنى أبى بكر بن عبد العزيز ، فحازها بنو العبّاس مع ما حيز من أموال بنى مروان. فامتدح ابن شافع صالح بن علىّ فأقطعه إياها.

وإنما صارت لبنى أبى بكر بن عبد العزيز ، أن مسلمة بن مخلّد توفّى ولم يترك ذكرا ، فورثته ابنته أمّ سهل ابنة مسلمة ، وإليها تنسب منية أمّ سهل مع (١) زوجتيه وعصبته بنى أبى دجانة ، فتزوّج عبد العزيز امرأتى مسلمة بعد وفاته ، وقضى عنه عشرين ألف دينار كانت عليه ، وتزوّج أبو بكر بن عبد العزيز ابنته ، أمّ سهل ابنة مسلمة.

وكان الذي صار إليهم من ربع (٢) مسلمة بالميراث الذي ورثوا عن نسائهم.

فكانت دار مسلمة من رحا الكعك إلى حمّام سوق وردان ، مما صار لعبد العزيز ولأبى بكر بن عبد العزيز ، وكان لأبى بكر من منية أم سهل ما ورثه عن امرأته أمّ سهل.

وما كان فى أيدى الناس غيرهم من ذلك مما كان لابن الأشتر الصدفىّ ، ولبنى وردان ، ولحمّادة ابنة محمد ، ولموسى بن علىّ ، فمن حقوق عصبة مسلمة مما باعه يحيى بن سعيد الأنصارى ، وكان العصبة قد وكّلوه بذلك ، وبهذا السبب قدم يحيى بن سعيد مصر.

وكانت الدار المعروفة بدار المغازل بالحمراء مما باع يحيى بن سعيد أيضا ، فاشتراها منه ابن وردان وابن مسكين.

وكان مسلمة بن مخلّد ، كما حدثنا سعيد بن عفير ، عن ابن لهيعة ، أحسبه أيّام عمرو على الطواحين. واشترى معاوية أيضا دار عقبة بن عامر ، وخطّ له فى الفضاء قبالة الطريق إلى دار محفوظ بن سليمان ، وكانت من الخطّ الأعظم إلى البحر.

ويقال بل مسلمة بن مخلّد أقطعها عقبة على ابنته أمّ كلثوم ابنة عقبة ، وقد يجوز أن يكون مسلمة إنما أقطعها لعقبة بأمر معاوية عوضا من الذي أخذ منه من داره.

وكانت دار أبى رافع قد صارت إلى مولاه السائب مولى أبى رافع ، فاشتراها منه معاوية ، وأقطع السائب فى الفضاء عند حيز الوزّ.

ويقال بل اختطّ المقداد بن الأسود دارا كانت إلى جنب دار الرمل ، وكانت إلى

__________________

(١) ب ، ج : «و».

(٢) ك : «ربع».

١٢٥

جنبها دار لعقبة بن عامر هى خطّته ، فابتاع عقبة دار المقداد بن الأسود فهدمها ، وهدم داره ، فبناهما جميعا دارا لرملة ابنة معاوية فكتب إليه معاوية : لا حاجة لنا (١) بها ، فاجعلها للمسلمين.

وبرملة سمّيت دار الرمل (٢) لأنهم كانوا يقولون دار رملة ، فحرّفت العامّة ذلك ، وقالوا : دار الرمل.

ويقال إنما سمّيت دار الرمل (٣) لما ينقل إليها من الرمل لدار الضرب.

سمعت يحيى بن بكير فيما أحسب يقوله ولا أعلمنى سمعت ذلك من غيره.

يكنّى المقداد أبا معبد.

حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبى عبّاد ، حدثنا حمّاد بن شعيب ، عن منصور ، عن هلال بن يساف (٣) ، قال : استعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المقداد على سريّة ، فلما رجع قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف رأيت الإمارة أبا معبد؟ قال : خرجت يا رسول الله وما أرى أن لى فضلا على أحد من القوم ، فما رجعت إلا وكأنهم عبيد لى. قال : كذلك الإمارة أبا معبد ، إلا من وقاه الله شرّها. قال : والذي بعثك بالحق لا أعمل على عمل أبدا.

قال ويقال بل كتب معاوية حين استخلف إلى عقبة بن عامر يسأله أن يسلّمها ليزيد لقربها من المسجد ، ويعطيه ما هو خير منها ، ففعل ، فأقطعه معاوية داره التى بسوق وردان وبناها له ، وبنى سفل دار الرمل ليزيد ، وأقطع معاوية أيضا يزيد قرية من قرى الفيّوم ، فأعظم الناس ذلك وتكلّموا فيه ، فلما بلغ ذلك معاوية كره قالة الناس ، فردّ تلك القرية إلى الخراج كما كانت للمسلمين ، وجعل دار الرمل للمسلمين تنزلها ولاتهم ، ولم يكن بنى منها إلا سفلها ، حتى بنى علوها القاسم بن عبيد الله بن الحبحاب.

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى قبيل ، عن فضالة بن عبيد ، قال : كنّا عند معاوية يوما وعنده معاوية بن حديج ، وكان معاوية

__________________

(١) ج : «لها».

(٢ ـ ٢) ساقط من طبعة عامر.

(٣) تحرفت فى طبعة عامر إلى «كساف».

١٢٦

كالجمل الطنّىّ (١) ، يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى ، يرمى (٢) بالكلمة فإن ذلّت العرب (٣) أمضاها ، وإن أنكروها لم يمضها. فقال ذات يوم : ما أدرى فى أىّ كتاب الله تجدون هذا الرزق والعطاء؟ فلو أنّا حبسناه ، فضرب معاوية بن حديج بين كتفيه مرارا حتى ظننّا أنه يجد ألم ذلك ، ثم قال : كلّا والذي نفسى بيده يا بن أبى سفيان ، أو لنأخذنّ (٤) بنصولها ثم لتقفنّ على أنادرها ، ثم لا تخلص منها إلىّ دينار ولا درهم ، فسكت معاوية.

ويكنّى معاوية بن أبى سفيان بأبى عبد الرحمن ، ومعاوية بن حديج بأبى نعيم.

وكان الديوان كما حدثنا سعيد بن عفير ، عن ابن لهيعة ، فى زمان معاوية أربعين ألفا ، وكان منهم أربعة آلاف فى مائتين مائتين.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن رزين بن عبد الله مثله. وزاد فكان إنما يحمل إلى معاوية ستمائة ألف فضل أعطيات الجند.

حدثنا هانئ ، حدثنا ضمام ، عن أبى قبيل ، قال : كان معاوية بن أبى سفيان قد جعل على كلّ قبيلة من قبائل العرب رجلا ، فكان على المعافر رجل يقال له الحسن ، يصبح كل يوم فيدور على المجالس ، فيقول : هل ولد الليلة فيكم مولود؟ وهل نزل بكم نازل؟ فيقال : ولد لفلان غلام ، ولفلان جارية ، فيقول : سمّوهم ، فيكتب. ويقال (٥) نزل بها رجل من أهل اليمن بعياله فيسمّونه وعياله ، فإذا فرغ من القبائل (٦) كلّها أتى الديوان.

وكان الديوان كما حدثنا سعيد بن عفير ، عن ابن لهيعة فى زمان معاوية أربعين ألفا ، وكان منهم أربعة آلاف فى مائتين مائتين.

__________________

(١) كالجمل الطنّىّ : ج : «كالجبل الطبّى». ك «كالجمل البطىء». والطنّىّ : الرجل الجسيم. وقد تصحفت فى طبعة عامر إلى «الظنى».

(٢) ب : «ويرمى». ج : «يومى».

(٣) ك : «فإن ذلت لها العرب».

(٤) ب : أو لتأخذن».

(٥) ب : «ويقال بل نزل».

(٦) أ ، ج ، ك : «القبيل».

١٢٧

قال ابن عفير فى حديثه عن ابن لهيعة ، قال : فأعطى مسلمة بن مخلّد أهل الديوان أعطياتهم ، وأعطيات عيالاتهم وأرزاقهم ، ونوائبهم ونوائب البلاد من الجسور ،. وأرزاق الكتبة ، وحملان القمح إلى الحجاز ، وبعث إلى معاوية بستّمائة ألف دينار فضلا.

قال ابن عفير : فنهضت الإبل فلقيهم برح بن حسكل ، فقال : ما هذا! ما بال ما لنا يخرج من بلادنا؟ ردّوه. فردّ حتى وقف على المسجد فقال : أخذتم عطاءكم (١) وأرزاقكم وعطاء عيالاتكم ونوائبكم؟ قالوا : نعم. فقال : لا بارك الله لهم.

قال : وخطّة برح بن حسكل عند دار زنين فى الزقاق الذي يعرف بخلف (٢) القمّاح.

واختطّ قيس بن أبى العاص السهمى داره التى عند دار ابن رمّانة ، وكانت دار ابن رّمانة بينها وبين المسجد ، ودخل بعضها فى المسجد حين زاد فى عرضه عبد الله بن طاهر ، وقد كان عمرو بن العاص ولّاه القضاء.

حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : كان قيس بن أبى العاص بمصر ، ولّاه عمرو بن العاص القضاء.

واختطّ إلى جانب قيس بن أبى العاص عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدىّ مما يلى زقاق البلاط دار ابن رمّانة وما يليها ، فاشترى ذلك عبد العزيز بن مروان ، فوهب لابن رمّانة حين قدم عليه ما بنى ، وكان ما بقى للأصبغ بن عبد العزيز ، وكانت دار عبد الله تلى المسجد وقبلىّ بابها اليوم مرحاض بيت المال. وكان ابن رمّانة مع عبد العزيز بن مروان فى الكتّاب ، وكان عبد العزيز قد وهب لابن رمّانة خاتما كان له ، فلما صار عبد العزيز إلى ما صار إليه ، قدم عليه ابن رمّانة من الحجاز على بعير ليس عليه إلا فروة (٣) له ، فقال للحاجب : استأذن لى على الأمير ، فكأن الحاجب تثاقل عنه ، فقال له ابن رمّانة : استأذن لى اليوم أستأذن لك غدا ، فدخل الحاجب على عبد العزيز فأخبره بقوله فقال : أدخله ، فلما دخل عليه ابن رمّانة وكلّمه أخرج الخاتم لعبد العزيز فعرفه ، فنزع عبد

__________________

(١) ج : «أعطياتكم».

(٢) تصحفت فى طبعة عامر إلى «بحلف».

(٣) ب ، ج ، ك : «فرو».

١٢٨

العزيز خاتم نفسه فدفعه إلى ابن رمّانة ، وبنى له داره ، وغرس له نخلهم الذي لهم اليوم بناحية حلوان.

وعبد العزيز أيضا الذي غرس لعمير بن مدرك نخله الذي بالجيزة الذي يعرف بجنان عمير. وكان سبب ذلك كما حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، أن عمير بن مدرك كان غرسه أصنافا من الفاكهة ، فلما أدرك سأل عبد العزيز أن يخرج إليه ، فخرج معه عبد العزيز إليه ، فلما رآه قال له عبد العزيز : هبه لى ، فوهبه له ، فأرسل عبد العزيز إلى صاحب الجزيرة فقال له : لئن أتت عليه الجمعة وفيه شجرة قائمة لأقطعنّ يدك ، وكان بالجزيرة خمسمائة فاعل عدّة لحريق (١) إن كان فى البلاد أو هدم. فأتى بهم (٢) صاحب الجزيرة فكانوا يقطعون الشجرة بحملها وعمير يرى حسرات ، فلما فرغ من ذلك ، أمر فنقل إليه الودىّ من حلوان ، وغرسه نخلا ، فلما أدرك خرج إليه عبد العزيز وخرج بعير معه ، فقال له : أين هذا من الذي كان؟ فقال عمير : وأين أبلغ أنا ما بلغ الأمير؟ قال : فهو لك ، وحبّسه على ولدك (٣). فهو لهم إلى اليوم.

واختطّ إلى جنب عبد الله بن الحارث ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويقال بل هو عجلان مولى قيس بن أبى العاص. وهى الدار التى زادها فى المسجد سلمة مولى صالح ابن علىّ.

واختطّ عبادة بن الصامت إلى جانب ابن رمّانة ، وأنت تريد إلى سوق الحمّام ، وهى الدار التى كان يسكنها جوجو المؤذّن ، ودار إلى جنبها ، فابتاع أحدهما عبد العزيز ابن مروان فكانت له ، وصارت الأخرى لبنى (٤) مسكين.

واختطّ خارجة بن حذافة غربىّ المسجد بينه وبين دار ثوبان قبالة الميضأة القديمة إلى أصحاب الحنّاء إلى أصحاب السويق بينه وبين المسجد الطريق.

وكان الربيع بن خارجة يتيما فى حجر عبد العزيز ، فلما بلغ اشترى منه داره بعشرة آلاف دينار للأصبغ بن عبد العزيز ، فلما ولى عمر بن عبد العزيز ركب اليه

__________________

(١) فى طبعة عامر : «لحرق».

(٢) ب ، ك : «فأتاهم».

(٣) أ : «أولادك».

(٤) ج : «لابن».

١٢٩

وأخرج له (١) كتاب حبس الدار ، فردّها عليه بعد أن يدفع إليه الثمن ، فسأله أن يعطى كراءها ، فقال : أمّا الكراء فلا ، الكراء بالضمان ، فردّها عليه ولم يأمر له بالكراء.

قال الليث بن سعد : فرأيت الربيع فيها وأنا إذ ذاك غلام. ثم خاصم فيها الأصبغ إليه ، وابن شهاب قاضيه يومئذ ، فقضى ابن شهاب لابن خارجة بالدار ، وقبضها ، أنه لا يجوز اشتراء الولىّ ممن يلى أمره ثم خاصم إلى يزيد بن عبد الملك بعد عمر ، فقضا له بالكراء فسلّمها له بنو الأصبغ حتى مات يزيد ، ثم رفعوا إلى هشام بن عبد الملك ، فقضى ألّا كراء عليهم ، فردّ الكراء إلى بنى الأصبغ.

وخارجة بن حذافة كما حدثنا شعيب بن الليث ، وعبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أوّل من بنى غرفة بمصر ، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب ، فكتب إلى عمرو بن العاص : سلام ، أما بعد ، فإنه بلغنى أن خارجة بن حذافة بنى غرفة ، ولقد أراد خارجة أن يطلع على عورات جيرانه ، فإذا أتاك كتابى هذا فاهدمها إن شاء الله والسلام.

ولأهل مصر عن خارجة بن حذافة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث واحد ، ليس لهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيره. وهو حديث الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن عبد الله بن راشد الزوفىّ ، عن عبد الله بن أبى مرّة الزوفىّ ، عن خارجة بن حذافة ، قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : إن الله قد أمدّكم (٢) بصلاة هى خير لكم من حمر النعم ، الوتر جعله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر (٣). حدثناه أبى ، وشعيب بن الليث ، وعبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد.

ولهم عنه حكايات فى نفسه ، وكان خارجة بن حذافة على شرط عمرو بن العاص ، أيام عمرو (٤) وأيام معاوية حتى قتله الخارجىّ ، وذلك أن عمرو بن العاص كان أصابه فى بطنه شىء فتخلّف فى منزله ، وكان خارجة يعشّى الناس ، فضربه الحرورىّ وهو

__________________

(١) د : «إليه».

(٢) ك : «أمركم».

(٣) مسند أحمد والترمذى وابن ماجه والدار قطنى فى كنز برقم ١٩٥١٧ عن خارجة بن حذافة.

(٤) ك : «عمر». وانظر الولاة والقضاة للكندى ص ١٠ ، ٣١.

١٣٠

يظنّ أنه عمرو ، فلما علم أنه ليس عمرا ، قال : أردت عمرا وأراد الله خارجة. فكان عمرو يقول : ما نفعنى بطنى قطّ إلا ذلك اليوم.

حدثنا معاوية بن صالح ، حدثنا يحيى بن معين ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، قال : ذهب حرورىّ ليقتل عمرو بن العاص بمصر ، فلما قدمها إذا رجل جالس يغدّى قد ولى شرطة عمرو ، فظنّ أنه عمرو ، فوثب عليه فقتله ، فلما أدخل على عمرو قال : أما والله ما أردت غيرك ، قال : لكن الله لم يردنى ، فقتل الرجل.

وقد قيل إن خارجة إنما قتل بالشام ، والله أعلم.

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الهقل بن زياد ، عن معاوية بن يحيى الصدفىّ ، حدثنى الزهرىّ ، قال : تعاقد (١) ثلاثة نفر من أهل العراق عند الكعبة على قتل معاوية وعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة ، فأقبلوا بعد ما بويع معاوية على الخلافة حتى قدموا إيلياء ، فصلّوا من السحر فى المسجد ما قدر لهم ثم انصرفوا ، فسألوا بعض من حضر المسجد من أهل الشام ، أىّ ساعة يوافون فيها خلوة أمير المؤمنين ، فإنّا رهط من أهل العراق أصابنا غرم فى أعطياتنا ونريد أن نكلّمه وهو لنا فارغ ، فقال لهم : امهلوا حتى إذا ركب دابّته فاعترضوا له فكلّموه ، فإنه سيقف عليكم حتى تفرغوا من كلامه.

فتعجّلوا ذلك ؛ فلما خرج معاوية لصلاة الفجر كبّر ، فلما سجد السجدة الأولى ، انبطح أحدهم (٢) على ظهر الحرسىّ الساجد بينهم وبينه حتى طعن معاوية فى مأكمته ، يريد فخذه ، بخنجر ، فانصرف معاوية وقال للناس : أتمّوا صلاتكم ، وأخذ الرجل فأوثق ، ودعى لمعاوية الطبيب فقال الطبيب : إن هذا الخنجر إلّا يكن مسموما فإنه ليس عليك بأس ، فأعدّ الطبيب العقاقير التى تشرب إن كان مسموما ، ثم أمر بعض من يعرفها من تبّاعه أن يسقيه إن عقل لسانه حتى يلحس الخنجر ، ثم نحسه فلم يجده مسموما ، فكبّر وكبّر من عنده من الناس. ثم خرج خارجة بن حذافة ، وهو أحد بنى عدىّ بن كعب من عند معاوية إلى الناس ، فقال : هذا أمر عظيم ليس بأمير المؤمنين بأس بحمد الله وأخذ يذكّر الناس وشدّ عليه أحد الحروريّين الباقيين يحسبه عمرو بن العاص فضربه بالسيف على

__________________

(١) ب : «تحالف».

(٢) ج : «رجل منهم».

١٣١

الذّؤابة فقتله ، فرماه الناس بالثياب ، وتعاونوا (١) عليه أخذوه وأوثقوه ، واستلّ الثالث السيف فشدّ على أهل المسجد ، وصبر له سعيد بن مالك بن شهاب ، وعليه ممطر تحته السيف مشرج على قائمه ، فأهوى بيده فأدخلها الممطر على شرج السيف فلم يحلّها حتى غشيه الحرورىّ فنحاه لمنكبه ، فضربه ضربة خالطت سحره ، ثم استلّ سعيد السيف فاختلف هو والحرورىّ ضربتين ، فضرب الحرورىّ ضربة العين أذهب (٢) عينه اليسرى ، وضربه سعيد فطرح يمينه بالسيف وعلاه بالسيف حتى قتله ، ونزف سعيد فاحتمل نزيفا ، فلم يلبث أن توفّي ، فقال وهو يخبر من (٣) يدخل عليه : أما والله لو شئت لنجوت مع الناس ، ولكنى تحرجت أن أولّيه ظهرى ومعى السيف. ودخل رجل من كلب فقال : هذا طعن معاوية؟ قالوا : نعم. فامتلخ السيف فضرب عنقه ، فأخذ الكلبىّ فسجن ، وقيل له قد اتّهمت بنفسك ، فقال : إنما قتلته غضبا لله ، فلما سئل عنه وجد بريئا فأرسل.

ودفع قاتل خارجة إلى أوليائه من بنى عدىّ بن كعب ، فقطعوا يديه ورجليه ، ثم حملوه حتى جاءوا به العراق ، فعاش كذلك حينا ، ثم تزوّج امرأة فولدت له غلاما فسمعوا أنه ولد له غلام فقالوا : لقد عجزنا حين نترك قاتل خارجة يولد له الغلمان ، فكلّموا معاوية فأذن لهم بقتله فقتلوه.

وقال الحرورىّ الذي قتل خارجة : أمّا والله ما أردت إلا عمرو بن العاص. فقال عمرو حين بلغه : ولكن الله أراد خارجة.

فلما قتل خارجة ولّي عمرو بن العاص شرطه السائب بن هشام بن عمرو ، أحد بنى مالك بن حسل ، وهشام بن عمرو هو الذي كان قام فى نقض الصحيفة التى كان (٤) كتبت قريش على بنى هاشم ألا يناكحوهم ، ولا ينكحوا إليهم ، ولا يبتاعوا منهم شيئا حتى يسلّموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) ب : «وتقاووا».

(٢) ك : «أذهبت».

(٣) من : ب ، ج : «لمن».

(٤) ب ، ج ، ك : «كانت».

١٣٢

(١) وفيه يقول حسّان بن ثابت :

هل توفينّ بنو أميّة ذمّة

عهدا كما أوفى جوار هشام

من معشر لا يغدرون بجارهم

للحارث بن حبيّب بن سخام

واذا بنو حسل أجاروا ذمّة

أوفوا وأدّوا جارهم بسلام

قال ابن هشام : سخام (٢). وخالف ابن هشام غيره من أهل العلم بالشعر. فقال : إنما هى سحام (٢).

وقد كان خارجة بن حذافة القرشىّ ، ثم من بنى عدىّ بن كعب ، قد بنى غرفة فى عهد عمر بن الخطاب فأشرفت ، فشكت (٣) جيرانه إلى عمر بن الخطاب. فكتب (٤) إلى عمرو بن العاص ، أن انصب سريرا فى الناحية التى شكيت ، ثم أقم عليه (٥) رجلا لا جسيما ولا قصيرا ، فإن أشرفت فسدّها.

فسئل يزيد من حدّثك بهذا الحديث؟ فقال : مشايخ الجند.

قال : واختطّ عبد الرحمن بن عديس البلوىّ الدار البيضاء ، ويقال بل كانت الدار البيضاء صحنا بين يدى المسجد ودار عمرو بن العاص موقفا لخيل المسلمين على باب المسجد ، حتى قدم مروان بن الحكم مصر فى سنة خمس وستّين فابتناها لنفسه دارا ، وقال : ما ينبغى للخليفة (٦) أن يكون ببلد لا يكون له بها دار ، فبنيت له فى شهرين (٧).

__________________

(١ ـ ١) ابن هشام ق ١ ص ٣٨١.

(٢) ك : «شحام».

(٣) ك : «فركب». وكذا سائر المخطوطات التى اعتمد عليها تورى.

(٤) أ ، ك : «فكتب عمر».

(٥) ج : «عليها».

(٦) ب ، ج : «لخليفة».

(٧) بعدها فى أ ، ك : «قال أبو القاسم بن قديد : وأخبرنى عبيد الله بن سعيد بن عفير ، قال : حدثنا أبى ، قال قال البناءون لمروان : نبنى لك بناء لا يقيم أكثر من مائة سنة ، وكان قال لهم : أريد أن تبنوها أطول ما يكون من البناء. قال : فبنيت له ، قال : فأخبرنى أبى ، قال : إنى لرائح إلى المسجد فى أيام المهدى لتمام مائة سنة ، فلما صرت فى أول زقاق القناديل إذا الناس راجعون ، فقلت : ما لهم؟ فقالوا : وقعت دار البيضاء كلها فى مرة واحدة ، وكانت بنيت له فى أربعين يوما».

١٣٣

وابن عديس ممن بايع تحت الشجرة ، ولأهل مصر عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث واحد ، ليس لهم عنه غيره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن ابن شماسة ، أن رجلا حدثه عن عبد الرحمن بن عديس أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : تخرج (١) ناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة يقتلهم الله فى جبل لبنان والجليل (٢). أو الجليل وجبل لبنان (٣).

واختطّ عبد الله بن عديس أخو عبد الرحمن بن عديس عند القبّة (٤) ، دار المعافرىّ.

وكانت دار بنى جمح بركة يجتمع (٥) فيها الماء ، فقال عمرو بن العاص : خطّوا لابن عمّى إلى جانبى ، يريد وهب بن عمير الجمحىّ ، وهو ممن كان شهد الفتح ، فردمت وخطّت له.

ويقال بل هو عمير بن وهب بن عمير. ويقال بل هى قطيعة من معاوية. وكان عمير قد قدم مصر فى أيام معاوية بن أبى سفيان فكتب أن يبنى له دار ، وكان ما هنالك فضاء ليس لأحد فيه دار ، وكانت (٦) مغيضا للمياه ، وهذا مما يحتجّ به على أن ما حول المسجد كان فضاء لموقف خيل المسلمين ، كما فعل عمرو بن العاص حين قدم عليه من بنى سهم من لم يكن شهد الفتح ، فبنى لهم دار السلسلة التى فى غربىّ المسجد.

حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث بن سعد ، قال : كان وهب بن عمير أمير أهل مصر فى غزوة عمّورية سنة ثلاث وعشرين ، وأمير أهل الشام أبو الأعور السلمى.

__________________

(١) ك : «يخرج».

(٢) كذا فى طبعة تورى ، وهو يوافق ما فى مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور ، ج ١٤ ص ٣٠٥ ، وفى (ج) والخليل وكذا ابن الأثير فى ترجمة عديس برقم ٣٣٥٢ ، وابن حجر فى الإصابة ترجمة رقم ٥١٦٧ : وكنز برقم ٣١٢٤٣ عن الطبرانى والبيهقى فى السنن.

(٣) ابن منده والطبرانى والدار قطنى وابن عساكر فى كنز برقم ٣١٢٤٣ عن عبد الرحمن بن عديس.

(٤) ج : «العقبة».

(٥) ب : «يجتمع».

(٦) ج : «وكان».

١٣٤

واختطّ ابن الحويرث السهمىّ إلى جانب دار بنى جمح وقبلىّ دار زكريّاء بن الجهم العبدرىّ.

واختطّت ثقيف فى ركن المسجد الشرقىّ إلى السرّاجين ، وكانت دار أبى عرابة خطّة حبيب بن أوس الثقفى الذي كان نزل عليه يوسف بن الحكم بن أبى عقيل ومعه ابنه الحجّاج بن يوسف مقدم مروان بن الحكم مصر. ثم لثقيف ما كان متّصلا بدار أبى عرابة إلى الدرب الذي يخرجك إلى دار فرج.

واختطّ زكريّاء بن الجهم العبدرىّ داره التى فى زقاق القناديل ، وهى دار عبّاس ابن شرحبيل اليوم ذات الحنيّة.

واختطّ عبد الرحمن وربيعة ابنا شرحبيل بن حسنة دور (١) عباس بن شرحبيل الأخرى التى إلى جانبها ، ودار سلمة بن عبد الملك الطحاوىّ.

حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : كان ربيعة بن شرحبيل بن حسنة على المكس.

قال : واختطّ أبو ذرّ الغفارىّ دار العمد ذات الحمّام ، التى أخذ بركة بن منصور الكاتب بيرها ، بابها فى زقاق القناديل ، وبابها الآخر مما يلى دار بركة ، ومن هنالك راجعا إلى سوق بربر إلى قصر ابن جبر قبلك (٢) خطّة غفار ، وكان ابن جبر قد والى غفار.

وابن جبر هذا كان رسول المقوقس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمارية وأختها ، وبما أهدى معهما. وتزعم القبط أن رجلا منهم قد صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريدون ابن جبر. وأبو ذرّ الذي كان عهد إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مصر ما عهد.

حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا رشدين بن سعد. وحدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن حرملة بن عمران ، عن عبد الرحمن بن شماسة المهرىّ ، قال : سمعت أبا ذرّ ، يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمّة ورحما ، فإذا رأيتم أخوين يقتتلان فى موضع لبنة

__________________

(١) ك : «دون». وفى طبعة عامر «دار».

(٢) ك : «فتلك».

١٣٥

فاخرج (١). فمرّ بعبد الرحمن ، وربيعة ابنى شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان فى موضع لبنة فخرج منها. قال ابن وهب : سمعت الليث يقول : لا أرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال له ذلك ، إلّا للذى كان من أمر أهل مصر فى عثمان. واختطّ إياس بن عبد الله القارىّ (٢) غربىّ دار بنى شرحبيل بن حسنة.

واختطّ رويفع بن ثابت ، وعقبة بن كريم ، الأنصاريّان ، مع ربيعة وعبد الرحمن ابنى شرحبيل بن حسنة.

واختطّ رويفع بن ثابت الأنصارىّ أيضا الدار التى صارت لبنى الصمّة. وتوفّى رويفع بن ثابت ببرقة ، وكان قد وليها.

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث ، قال : ولى رويفع بن ثابت أنطابلس سنة ثلاث وأربعين.

واختطّ أبو فاطمة الأزدىّ دار الدوسىّ ، والدار التى فيها أصحاب الحمائل اليوم.

ولهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث واحد ، وهو ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، حدثنى كثير الأعرج الصدفىّ ، قال : سمعت أبا فاطمة وهو معنا بذى الصوارى ، يقول : قال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أبا فاطمة ، أكثر من السجود فإنّه ليس (٣) مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة (٤).

حدثناه أبو الأسود ، وسعيد بن أبى مريم ، عن ابن لهيعة وقد رواه عنه غير (٥) أهل مصر.

قال والدار التى كان يسكنها عمرو بن خالد ، خطّة لرجل من بنى تميم.

وأصحاب السويق أيضا خطّة لرجل من بنى تميم ممن كان شهد الفتح ، ثم اشترى ذلك عمرو بن سهيل من بعده.

__________________

(١) مسند أحمد ومسلم فى كنز برقم ٣١٧٦٧ عن أبى ذر.

(٢) القارىّ : بالياء المشددة عن ابن حجر فى تبصير المنتبه ٣ / ١١٤٤. وقد تصحفت القارىّ فى طبعتى تورى وعامر إلى «القارئ» بالهمزة فوق الياء.

(٣) ج : «ليس من مسلم».

(٤) مسند أحمد وابن سعد فى كنز برقم ١٨٩٠٣ عن أبى فاطمة.

(٥) ج : «عن».

١٣٦

واختطّ عبد الله بن سعد بن أبى سرح داره اللاصقة بقصر الروم ، يقال لها دار الحنيّة. والدار التى يقال لها دار الموز ، وليس قصره هذا الكبير (١) الذي يعرف بقصر الجنّ خطّة ، وإنما بناه بعد ذلك فى خلافة عثمان بن عفّان ، أمر ببنائه حين خرج إلى المغرب لغزو إفريقيّة.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يذكر أن المقداد كان غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية ، فلما رجعوا قال عبد الله للمقداد فى دار بناها : كيف ترى (٢) بنيان هذه الدار؟ فقال له المقداد : إن كان من مال الله فقد أسرفت ، وإن كان من مالك فقد أفسدت. فقال عبد الله بن سعد : لو لا أن يقول قائل أفسد مرّتين لهدمتها. وكان عبد الله يكنّى بأبى يحيى.

ولهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث واحد ، ليس لهم عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيره ، وهو حديث ابن لهيعة ، عن عيّاش بن عباس القتبانى ، عن الهيثم بن شفى أبى الحصين ، عن عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، قال : بينا (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعشرة من أصحابه معه ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ والزبير وغيرهم على جبل ، إذ تحرّك بهم الجبل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اسكن حراء ، فإنه ليس عليك إلا نبىّ أو صدّيق أو شهيد (٤).

ولهم عنه حكايات فى نفسه ، لم يرو عنه غير أهل مصر.

واختطّ كعب بن ضنّة ويقال كعب بن يسار بن ضنّة العبسىّ الدار التى فى طرف زقاق القناديل مما يلى سوق بربر ، تعرف بدار النخلة. وكعب هو ابن بنت خالد بن سنان العبسىّ. أو ابن أخته. قال عبد الرحمن : أنا اشكّ.

وخالد بن سنان الذي تزعم فيه قيس أنه كان تنبّأ فى الفترة فيما بين النّبيّ وعيسى صلوات الله عليهما.

ولخالد بن سنان حديث فيه طول.

حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا الضحّاك بن شرحبيل

__________________

(١) ك : «وليس قصرها ذا الكبير».

(٢) ج : «نزيد».

(٣) ب ، ك : «بينما».

(٤) أخرجه صاحب الكنز برقم ٣٣٠٩٦ عن الطبرانى.

١٣٧

الغافقىّ ، أن عمّار بن سعد التجيبى أخبرهم أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص أن يجعل كعب بن ضنّة على القضاء ، فأرسل إليه عمرو فأقرأه كتاب أمير المؤمنين ، فقال كعب : لا والله لا ينجّيه الله من الجاهليّة وما كان فيها من الهلكة ، ثم يعود فيها بعد إذ نجّاه (١) الله منها ، فأبى أن يقبل القضاء فتركه عمرو (٢).

قال ابن عفير : وكان كعب بن ضنّة حكما فى الجاهلية.

ولقيس أيضا الدار التى تعرف بدار الزير ، وهى اليوم لبنى وردان. وكان يقال لزقاق القناديل زقاق الأشراف ؛ لأن عمرا كان على طرفه مما يلى المسجد الجامع ، وكعب بن ضنّة على طرفه الآخر مما يلى سوق بربر ، وفيما بين ذلك دار عياض بن جريبة الكلبىّ ، وهبها له عبد العزيز بن مروان. ودار ابن مذيلفة الكلبى ، ودار ابن فراس الكنانى. ودار نافع ابن عبد القيس الفهرىّ ، ويقال بل هو عقبة بن نافع. ودار محمد بن عبد الرحمن الكنانى. ودار أبى ذرّ الغفارى. ودور ربيعة وعبد الرحمن ابنى شرحبيل بن حسنة وإياهم يتولّى بكر بن مضر. ودار زكرياء بن الجهم العبدرىّ. ودار إياس بن عبد الله القارىّ. ودار أبى حكيم مولى عتبة بن أبى سفيان بناها له معاوية بن أبى سفيان.

واختطّ ابن عبدة داره التى فى السرّاجين ، وفيها العقّابين اليوم ، وصارت لبنى مسكين.

وكانت دار نصر لرجل من قريش ، فمات ، فاشتراها عبد العزيز بن مروان فوهبها للإصبغ.

ودار سهل التى فيها السرّاجين وحمّام سهل كان ذلك (٣) لعبد الله بن عمرو بن العاص ، اشتراها فوهبها (٤) لابنته أمّ عبد الله ابنة عبد الله بن عمرو ، فتزوّجها عبد العزيز ابن مروان فأولدها سهلا وسهيلا ، فورثاها من أمّهما.

والقصر الذي يقال له قصر مارية ، كان خطّة لابن رفاعة الفهمى ، فوهبه لعبد

__________________

(١) ج : «أنجاه».

(٢) انظر الكندى : الولاة والقضاة ص ٣٠٢.

(٣) ك : «ذلك كله».

(٤) ك : «اشتراه فوهبه».

١٣٨

العزيز بن مروان فبناه لأمّ ولد له روميّة يقال لها مارية فنسب إليها. ويقال إنه عوّضه من ذلك موضعه بالحمراء.

ويقال بل ذلك خطّتهم ، ثم هدمه عيسى بن يزيد الجلودىّ مدخله مصر مع عبد الله بن طاهر ، فبناه سجنا ، وهو السجن الذي عند محرس بنانة (١) عند منزل عمرو بن سوّاد السرحىّ ، وبنانة (١) كانت حاضنة لبعض بنى مروان أو ظئرا لهم ، فنسب المحرس إليها.

ومارية أمّ محمد بن عبد العزيز ولم يعقّب.

وقد كان عمرو بن العاص كما حدثنا سعيد بن عفير ، عن ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، قد دعا خالد بن ثابت الفهمى جدّ بنى رفاعة ليجعله على المكس فاستعفاه ، فقال عمرو : ما تكره منه؟ قال : إن كعبا قال : لا تقرب المكس فإن صاحبه فى النار.

واختطّ جهم بن الصلت المطّلبى مما يلى أصحاب الزيت الدار التى تقابل حمّام بسر.

واختطّ ابن ملجم بالراية فى أصحاب الزيت الدار المبنىّ وجهها بالحجارة.

واختطّ إياس بن البكير وابنه تميم بن إياس الدار التى عند دار ابن أبرهة الدار التى فيها أصحاب الأوتاد النافذة إلى السوق ، وهو إياس بن البكير بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، حلفاء بنى عدىّ بن كعب.

واختطّ مجاهد بن جبر مولى بنت غزوان ، داره التى فى النحّاسين ، التى صارت لصالح صاحب السوق.

واختطّ أبو شمر بن أبرهة إلى جنب دار شييم (٢) الليثىّ.

واختطّ ابن وعلة إلى جنبه فأخذوا ومن معهم إلى سوق الحمّام والدور التى كانت لبنى مروان.

وأخبرنى حميد بن هشام الحميرىّ ، قال : ليس لابن أبرهة خطّة بفسطاط مصر ،

__________________

(١) بنانة : تصحفت فى طبعة عامر إلى «بناته».

(٢) شييم : تصحفت فى طبعة عامر إلى «شبيم» بالباء الموحدة بعد الشين.

١٣٩

وإنما خطّتهم بالجيزة ، وإنما صارت المنازل التى لهم بالفسطاط وراثة ورثوها من الوعليّة ؛ لأنهم كانوا صاهروا إلى ابن وعلة فصارت المنازل لهم بالميراث.

وكان بنو أبرهة أربعة : كريب بن أبرهة أبو رشدين ، وأبو شمر بن أبرهة ، ومعدى كرب بن أبرهة ، ويكسوم بن أبرهة.

حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : هاجر كريب بن أبرهة وأخوه أبو شمر بن أبرهة فى خلافة عمر بن الخطّاب.

حدثنا هارون بن عبد الله الزهرىّ ، حدثنا محمد بن عمر ، أخبرنى عبد الحميد بن جعفر ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عبد العزيز بن مروان سأل كريب بن أبرهة بن الصبّاح عن خطبة عمر بن الخطاب بالجابية ، أشهدتها؟ فقال : شهدتها وأنا غلام علىّ إزار أسمعها ولا أعيها ، ولكن أدلّك على من سمعها وهو رجل ، قال : من؟ قال : سفيان ابن وهب الخولانىّ. فأرسل إليه فسأله ، فقال أشهدت عمر بالجابية؟ قال : نعم. ثم ذكر الحديث.

حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ميمون بن يحيى ، عن مخرمة بن بكير ، عن يعقوب ابن عبد الله بن الأشجّ ، قال : قدمت مصر فى أيّام عبد العزيز بن مروان فرأيت كريب بن أبرهة يخرج من عند عبد العزيز وإن تحت ركابه خمسمائة رجل من حمير.

واختطّ كعب بن عدىّ العبادىّ فى القيساريّة ، فلما أراد عبد العزيز بناءها اشتراها منهم ، وخطّ لهم دارهم التى فى بنى وائل.

والحمّام الذي (١) يعرف (٢) اليوم بحمّام أبى مرّة ، كان خطّة لرجل من تنوخ ، هو (٣) جدّ ابن علقمة أو أبوه ، فسأله إياه عبد العزيز بن مروان ، فوهبه له فبناه حمّاما لزبّان بن عبد العزيز ، وبزبّان كان يعرف ، وفيه يقول الشاعر :

من كان فى نفسه للبيض (٤) منزلة

فليأت أبيض فى حمّام زبّان

لا روح فيه ولا شفر يقلّبه

لكنّه صنم فى خلق إنسان

__________________

(١) ب ، ج ، ك : «التى».

(٢) ك : «تعرف».

(٣) ك : «وهو».

(٤) ك : «للبيض».

١٤٠