فتوح مصر والمغرب

ابن عبد الحكم

فتوح مصر والمغرب

المؤلف:

ابن عبد الحكم


المحقق: الدكتور علي محمّد عمر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٧

ولكنها مقادير ، ففرحت (١) بذلك الروم ، وشقّ ذلك على المسلمين ، وغضب عمرو بن العاص لذلك ، وكان مسلمة كثير اللحم ، ثقيل البدن. فقال عمرو بن العاص عند ذلك : ما بال الرجل المسّته الذي يشبه النساء يتعرّض مداخل الرجال ويتشبّه بهم؟ فغضب من ذلك مسلمة ، ولم يراجعه.

ثم اشتدّ القتال حتى اقتحموا حصن الإسكندرية ، فقاتلتهم (٢) العرب فى الحصن ، ثم جاشت عليهم الروم حتى أخرجوهم جميعا من الحصن إلّا أربعة نفر ، بقوا فى الحصن ، وأغلقوا عليهم باب الحصن ، أحدهم عمرو بن العاص ، والآخر مسلمة بن مخلّد ، ولم نحفظ (٣) الآخرين وحالوا بينهم وبين أصحابهم ولا تدرى الروم من هم ، فلما رأي ذلك عمرو بن العاص وأصحابه التجأوا إلى ديماس من حمّاماتهم ، فدخلوا فيه فاحترزوا به ، فأمروا روميّا أن يكلّمهم بالعربيّة ، فقال لهم : إنكم قد صرتم بأيدينا أسارى ، فاستأسروا ولا تقتلوا أنفسكم ، فامتنعوا عليهم ؛ ثم قال لهم : إن فى أيدى أصحابكم منّا رجالا أسروهم ونحن نعطيكم العهود ، نفادى بكم أصحابنا ، ولا نقتلكم ، فأبوا عليهم.

فلما رأى ذلك الرومىّ منهم قال لهم : هل لكم الى خصلة وهى نصف (٤) فيما بيننا وبينكم ، أن تعطونا العهد ونعطيكم مثله على أن يبرز منكم رجل ، ومنّا رجل ، فإن غلب صاحبنا صاحبكم استأسرتم لنا ، وأمكنتمونا من أنفسكم ، وإن غلب صاحبكم صاحبنا خلّينا سبيلكم إلى أصحابكم ، فرضوا بذلك وتعاهدوا عليه ، وعمرو ومسلمة وصاحباهما فى الحصن فى الديماس ، فتداعوا إلى البراز ، فبرز رجل من الروم قد وثقت الروم بنجدته وشدّته ، وقالوا : يبرز رجل منكم لصاحبنا. فأراد عمرو أن يبرز فمنعه مسلمة ، وقال : ما هذا؟ تخطئ مرّتين ، تشذّ عن (٥) أصحابك وأنت أمير ، وإنما قوامهم بك وقلوبهم معلّقة نحوك ، لا يدرون ما أمرك ، ثم لا ترضى حتى تبارز وتتعرض للقتل ، فإن قتلت كان ذلك بلاء على أصحابك. مكانك وأنا أكفيك إن شاء الله.

__________________

(١) تصحفت فى طبعة عامر إلى «ففرجت».

(٢) ب ، ج ، د ، ك : «فقاتلهم».

(٣) ك : «ولم يحفظ».

(٤) تصحفت فى طبعة عامر إلى «نضف».

(٥) فى سائر الأصول الخطية : «من» وكذا طبعة عامر.

١٠١

فقال عمرو : دونك ، فربّما فرجها الله بك ، فبرز مسلمة والرومىّ ، فتجاولا ساعة ، ثم أعانه الله عليه فقتله ، فكبّر مسلمة وأصحابه ، ووفى لهم الروم بما عاهدوهم عليه ، ففتحوا لهم باب الحصن ، فخرجوا ، ولا تدرى الروم أن أمير القوم فيهم ، حتى بلغهم بعد ذلك ، فأسفوا على ذلك ، وأكلوا أيديهم تغيّظا على ما فاتهم.

فلما خرجوا استحيا عمرو مما كان قال لمسلمة حين غضب ، فقال عمرو عند ذلك : استغفر لى ما كنت قلت لك ، فاستغفر له. وقال عمرو : ما أفحشت قطّ إلّا ثلاث مرار (١) ، مرّتين فى الجاهليّة ، وهذه الثالثة ، وما منهنّ مرّة إلا وقد ندمت واستحييت ، وما استحييت من واحدة منهنّ أشدّ مما استحييت مما قلت لك ، وو الله إنى لأرجو ألا أعود إلى الرابعة ما بقيت.

قال : ثم رجع إلى حديث عثمان ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : أقام عمرو بن العاص محاصرا الإسكندرية أشهرا ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب قال : ما أبطأوا (٢) بفتحها إلا لما أحدثوا.

حدثنا يحيى بن خالد ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : لما أبطأ على عمر بن الخطّاب فتح مصر ، كتب إلى عمرو بن العاص : أمّا بعد ، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر ؛ إنكم تقاتلونهم منذ سنتين ؛ وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحبّ عدوّكم ، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قوما إلا بصدق (٣) نيّاتهم ، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر ، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف ، إلا أن يكونوا غيّرهم ما غيّر غيرهم ؛ فإذا أتاك كتابى هذا ، فاخطب الناس ، وحضّهم على قتال عدوّهم ، ورغبهم فى الصبر والنيّة ، وقدّم أولئك الأربعة فى صدور الناس ، ومر الناس جميعا أن يكون (٤) لهم صدمة كصدمة رجل واحد ، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة ، فإنها ساعة تنزّل الرحمة ووقت الإجابة ، وليعجّ الناس إلى الله ، ويسألوه النصر على عّدوهم.

__________________

(١) ب ، د : «مرات».

(٢) فى السيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم «ما أبطأ».

(٣) إلا بصدق : ج «لا تصدق».

(٤) د : «يكونوا».

١٠٢

فلما أتى عمرا الكتاب ، جمع الناس ، وقرأ عليهم كتاب عمر ، ثم دعا أولئك النفر ، فقدّمهم أمام الناس ، وأمر الناس أن يتطهّروا ، ويصلّوا ركعتين ، ثم يرغبوا الى الله عزوجل ويسألوه النصر ، ففعلوا ففتح الله عليهم (١).

ويقال إن عمرو بن العاص استشار مسلمة بن مخلّد كما حدثنا عثمان بن صالح ، عمّن حدثه ، قال : أشر علىّ فى قتال هؤلاء ، فقال له مسلمة : أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة وتجارب من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتعقد له على الناس ، فيكون هو الذي يباشر القتال ويكفيك. قال : عمرو ومن ذلك؟ قال : عبادة بن الصامت. قال : فدعا عمرو عبادة فأتاه ، وهو راكب على فرسه ، فلما دنا منه أراد النزول ، فقال له عمرو : عزمت عليك إن نزلت ناولنى سنان رمحك. فناوله إياه ، فنزع عمرو عمامته عن رأسه وعقد له ، وولّاه قتال الروم. فتقدّم عبادة مكانه ، فصافّ الروم وقاتلهم ، ففتح الله على يديه الإسكندرية من يومهم ذلك.

حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم ـ قال : لما أبطأ على عمرو بن العاص فتح الإسكندرية استلقى على ظهره ، ثم جلس فقال : إنى فكّرت فى هذا الأمر فإذا هو لا يصلح آخره إلا من (٢) أصلح أوّله ، يريد الأنصار ؛ فدعا عبادة بن الصامت ، فعقد له ، ففتح الله على يديه (٣) الإسكندرية فى يومه ذلك (٤).

ثم رجع إلى حديث يحيى بن أيّوب ، وخالد بن حميد ، قال : حاصروا الإسكندرية تسعة أشهر بعد موت هرقل وخمسة قبل ذلك ، وفتحت يوم الجمعة لمستهلّ المحرّم سنة عشرين.

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن بكير بن عبد الله ، عن بسر بن سعيد ، عن جنادة بن أبى أميّة ، قال : دعانى عبادة بن الصامت يوم الإسكندرية ، وكان على قتالها ، فأغار العدوّ على طائفة من الناس ولم يأذن لهم بقتالهم ،

__________________

(١) عن هذين الخبرين قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢٠ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٢) أ : «لمن».

(٣) ب ، ج ، د : «يده».

(٤) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢٠.

١٠٣

فسمعنى ، فبعثنى أحجز بينهم ، فأتيتهم ، فحجزت بينهم ، ثم رجعت إليه ، فقال : أقتل أحد من الناس هنالك؟ قلت : لا. قال : الحمد لله الذي لم يقتل أحد منهم عاصيا.

قال : وحدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن مالك بن أنس ، أن مصر فتحت سنة عشرين.

قال فلما هزم الله تبارك وتعالى الروم وفتح الإسكندرية كما حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، وهرب الروم فى البر (١) والبحر خلّف عمرو بن العاص بالإسكندرية ألف رجل من أصحابه ، ومضى عمرو ومن معه فى طلب من هرب من الروم فى البرّ ، فرجع من كان هرب من الروم فى البحر (٢) إلى الاسكندرية ، فقتلوا من كان فيها من المسلمين إلا من هرب منهم ، وبلغ ذلك عمرو بن العاص ، فكرّ راجعا ، ففتحها وأقام بها ، وكتب إلى عمر بن الخطّاب : إن الله قد فتح علينا الإسكندرية عنوة بغير عقد ولا عهد ، فكتب إليه عمر بن الخطّاب يقبّح رأيه ، ويأمره ألا يجاوزها (٣).

قال ابن لهيعة : وهو فتح الإسكندرية الثانى. وكان سبب فتحها هذا كما حدثنا إبراهيم بن سعيد البلوى ، أن رجلا يقال له ابن بسّامة كان بوّابا ، فسأل عمرو بن العاص أن يؤمنه على نفسه وأرضه وأهل بيته ، ويفتح له الباب ، فأجابه عمرو إلى ذلك ، ففتح له ابن بسّامة الباب ، فدخل عمرو ، وكان مدخله هذا من ناحية القنطرة التى يقال لها قنطرة سليمان ، وكان مدخل عمرو بن العاص الأوّل من باب المدينة الذي من ناحية كنيسة الذهب. وقد بقى لابن بسّامة عقب بالإسكندرية إلى اليوم.

حدثنا هانئ بن المتوكّل ، حدثنا ضمام بن إسماعيل المعافرى ، قال : قتل من المسلمين من حين كان من أمر الإسكندرية ما كان إلى أن فتحت اثنان وعشرون رجلا (٤).

وبعث عمرو بن العاص كما حدثنا عثمان بن صالح ، عن ابن لهيعة ، معاوية بن

__________________

(١) ب : «الجزاير».

(٢) فرجع من كان هرب من الروم فى البحر إلى الإسكندرية ، ك : «فرجع من كان هرب من الروم فى البر ، ورجع من كان هرب من الروم فى البحر إلى الإسكندرية».

(٣) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢١ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٤) قارن بالسيوطى ج ١ ص ٢٢١ ـ ١٢٢

١٠٤

حديج وافدا إلى عمر بن الخطاب بشيرا (١) بالفتح ، فقال له معاوية : ألا تكتب معى (٢)؟ فقال له عمرو : وما أصنع بالكتاب : ألست رجلا عربيّا تبلغ الرسالة ؛ وما رأيت وحضرت!

فلما قدم على عمر أخبره بفتح الإسكندرية ، فخرّ عمر ساجدا ، وقال : الحمد لله.

وحدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا موسى بن علىّ ، عن أبيه ، أنه سمعه يقول : سمعت معاوية بن حديج يقول : بعثنى عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب بفتح الإسكندرية ، فقدمت المدينة فى الظهيرة ، فأنخت راحلتى بباب المسجد ، ثم دخلت المسجد ، فبينا أنا قاعد فيه إذ خرجت جارية من منزل عمر بن الخطاب ، فرأتنى شاحبا علىّ ثياب. السفر ، فأتتنى ، فقالت : من أنت؟ قال : فقلت : أنا معاوية بن حديج ، رسول عمرو بن العاص ، فانصرفت عنّى ثم أقبلت تشتدّ ، أسمع (٣) حفيف إزارها على ساقها أو على ساقيها حتى دنت منى ، فقالت : قم فأجب أمير المؤمنين يدعوك ، فتبعتها (٤) ، فلما دخلت فإذا بعمر بن الخطاب يتناول رداءه بإحدى يديه ، ويشدّ إزاره بالأخرى ، فقال : ما عندك؟ فقلت : خير يا أمير المؤمنين ، فتح الله الإسكندرية. فخرج معى إلى المسجد ، فقال للمؤذّن أذّن فى الناس الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، ثم قال لى : قم فأخبر أصحابك.

فقمت فأخبرتهم ، ثم صلّى ، ودخل منزله ، واستقبل القبلة ، فدعا بدعوات ، ثم جلس ، فقال : يا جارية ، هل من طعام؟ فأتت بخبز وزيت. فقال : كل ، فأكلت على حياء ؛ ثم قال : (٥) كل فإن المسافر يحبّ الطعام ، فلو كنت آكلا لأكلت معك ، فأصبت على حياء ، ثم قال : (٦) يا جارية ، هل من تمر؟ فأتت بتمر فى طبق ، فقال : كل. فأكلت على حياء ، ثم قال : ما ذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال : قلته (٦) أمير المؤمنين قائل.

قال : بئس ما قلت أو بئس ما ظننت ، لئن نمت النهار لأضيّعنّ الرعيّة ، ولئن نمت الليل لأضيعنّ نفسى ، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟.

__________________

(١) د ، ك : «بشيرا له».

(٢) د : «معى كتابا».

(٣) ج : «لم نسمع».

(٤) ب : «فاتبعتها».

(٥ ـ ٥) ساقط من طبعة عامر.

(٦) ب : «قلت إن».

١٠٥

ثم كتب عمرو بن العاص بعد ذلك ، كما حدثنا إبراهيم بن سعيد البلوىّ (١) إلى عمر بن الخطّاب أمّا بعد ، فإنى فتحت مدينة لا أصف ما فيها ، غير أنى أصبت فيها أربعة آلاف منية بأربعة آلاف حمّام ، وأربعين ألف يهودىّ عليهم الجزية ، وأربعمائة ملهى للملوك.

قال : حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ضمام بن إسماعيل ، عن أبى قبيل ، أن عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية وجد فيها اثنى عشر ألف بقّال ، يبيعون البقل الأخضر.

حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثنا ابن مقلاص ، عن يحيى بن عبد الله بن داود ، قال : أراه عن حيوة بن شريح ، أن عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية وجد فيها اثنى عشر ألف بقّال.

حدثنا هانئ بن المتوكّل ، حدثنا محمد بن سعيد الهاشمىّ ، قال : ترحّل من الإسكندرية فى الليلة التى دخلها عمرو بن العاص ـ أو فى الليلة التى خافوا فيها دخول عمرو ـ سبعون ألف يهودىّ.

(*) حدثنا هانئ بن المتوكّل ، عن موسى بن أيّوب ، ورشدين بن سعد ، عن الحسن ابن ثوبان ، عن حسين بن شفىّ بن عبيد ، قال : كان بالإسكندرية ، فيما أحصى من الحمّامات اثنا عشر ديماسا ، أصغر ديماس منها يسع ألف مجلس ، كل مجلس منها يسع جماعة نفر. وكان عدّة من بالإسكندرية من الروم مائتى ألف من الرجال ، فلحق بأرض الروم أهل القوّة ، وركبوا السفن ، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار ، فحمل فيها ثلاثون ألفا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل ، وبقى من بقى من الأسارى ممن بلغ الخراج ، فأحصى يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان. فاختلف الناس على عمرو فى قسمهم ، وكان أكثر الناس يريدون قسمها ، فقال عمرو : لا أقدر على قسمها ، حتى أكتب إلى أمير المؤمنين ، فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها ، ويعلمه أن المسلمين طلبوا قسمها ، فكتب إليه عمر : لا تقسمها ، وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين ، وقوّة

__________________

(١) تصحفت فى طبعة عامر إلى «العلوى».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢٢ ـ ١٢٣ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

١٠٦

لهم على جهاد عدوّهم ، فأقرّها عمرو ، وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج ، فكانت مصر صلحا كلّها بفريضة دينارين دينارين على كل رجل ، لا يزاد على أحد منهم فى جزية رأسه أكثر من دينارين ، إلا أنه يلزم بقدر ما يتوسّع فيه من الأرض والزرع إلا الإسكندرية (١) ، فإنهم كانوا يؤدّون الخراج والجزية على قدر ما يرى من وليّهم (٢) ، لأن الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد ، ولم يكن لهم صلح ولا ذمّة*).

وقد كانت قرى من قرى مصر ـ كما حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ـ قاتلت فسبوا (٣) ، منها قرية يقال لها بلهيب ، وقرية يقال لها الخيس ، وقرية يقال لها سلطيس ، فوقع سبايهم بالمدينة وغيرها ، فردّهم عمر بن الخطاب إلى قراهم ، وصيّرهم وجماعة القبط أهل ذمّة (٤).

حدثنا عثمان بن صالح ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عمرا سبى أهل بلهيب وسلطيس وقرطسا وسخا ، فتفّرقوا ، وبلغ أوّلهم المدينة حين (٥) نقضوا ، ثم كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بردّهم ، فردّ من وجد منهم.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عمر بن الخطاب كتب فى أهل سلطيس خاصّة : من كان منهم فى أيديكم فخيّروه بين الإسلام ، فإن أسلم فهو من المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، وإن اختار دينه فخلّوا بينه وبين قريته ، فكان البلهيبىّ خيّر يومئذ فاختار الإسلام.

(*) ثم رجع إلى حديث عثمان ، عن يحيى بن أيّوب ، أن أهل سلطيس ومصيل وبلهيب ، ظاهروا الروم على المسلمين فى جمع كان لهم ، فلما ظهر عليهم المسلمون استحلّوهم وقالوا : هؤلاء لنا فىء مع الإسكندرية ، فكتب عمرو بن العاص بذلك إلى عمر ابن الخطاب ، فكتب إليه عمر بن الخطاب أن تجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات

__________________

(١) إلا الإسكندرية ب : «إلا أهل الإسكندرية».

(٢) ك : «على قدر ما يرى من وليهم».

(٣) ك : «فسبوا».

(٤) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢٣ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٥) ج : «حتى».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢٣ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

١٠٧

ذمّة للمسلمين ، ويضربون عليهم الخراج ، ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط قوّة للمسلمين على عدوّهم ، ولا يجعلون فيئا ولا عبيدا. ففعلوا ذلك*).

ويقال إنما ردّهم عمر بن الخطاب لعهد كان تقدّم لهم.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، وابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن عوف بن حطّان ، أنه كان لقريات من مصر منها أمّ دنين وبلهيب عهد ، وأن عمر لما سمع بذلك كتب إلى عمرو بن العاص يأمره أن يخيّرهم ، فإن دخلوا فى الإسلام فذاك ، وإن كرهوا فارددهم إلى قراهم.

قال وكان من أبناء السلطيسيّات عمران بن عبد الرحمن بن جعفر بن ربيعة ، وأمّ عياض بن عقبة ، وأبو عبيدة بن عقبة ، وأمّ عون بن خارجة القرشىّ ثم العدوىّ ، وأمّ عبد الرحمن بن معاوية بن حديج ، وموالى أشراف بعد ذلك وقعوا عند مروان بن الحكم ، منهم : أبان ، وعمّه أبو عياض ، وعبد الرحمن البلهيبىّ.

ذكر من قال إن مصر فتحت بصلح

قال ثم رجع إلى حديث موسى بن أيّوب ، ورشدين بن سعد ، عن الحسن بن ثوبان ، عن حسين بن شفىّ ، أن عمرا لما فتح الإسكندرية ، بقى من الأسارى بها ممن بلغ الخراج وأحصى يومئذ ستّمائة ألف سوى النساء والصبيان.

فاختلف الناس على عمرو فى قسمهم فكان أكثر المسلمين يريدون قسمها ، فقال عمرو : لا أقدر على قسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين ، فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها ، وأن المسلمين طلبوا قسمها ، فكتب إليه عمر : لا تقسمها ، وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين وقوّة لهم على جهاد عدوّهم ، فأقّرها عمرو ، وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج ، فكانت مصر كلها صلحا بفريضة دينارين دينارين على كل رجل ، لا يزاد على أحد منهم فى جزية رأسه أكثر من دينارين إلا أنه يلزم بقدر ما يتوسّع فيه من الأرض والزرع إلا الإسكندرية فإنهم كانوا يؤدّون الخراج والجزية على قدر ما يرى من وليّهم (١) ؛ لأن الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد ، ولم يكن لهم صلح ولا ذمّة.

__________________

(١) ك : «على قدر ما يرى من وليهم».

١٠٨

حدثنا عثمان ، أخبرنا الليث ، قال : كان يزيد بن أبى حبيب ، يقول : مصر كلّها صلح إلا الإسكندرية ، فإنما فتحت عنوة.

حدثنا عثمان بن صالح ، عن بكر بن مضر ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، قال : حدثنى رجل ممن أدرك عمرو بن العاص ، قال : للقبط عهد عند فلان ، وعهد عند فلان ، فسمّى ثلاثة نفر.

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا يحيى بن أيّوب ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، عن شيخ من كبراء الجند ، أن عهد أهل مصر كان عند كبرائهم.

حدثنا هشام بن إسحاق العامرىّ ، عن الليث بن سعد ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، قال : سألت شيخا من القدماء عن فتح مصر ، فقال : هاجرنا إلى المدينة أيّام عمر بن الخطاب وأنا محتلم ، فشهدت فتح مصر. قلت له : فإن ناسا يذكرون أنه لم يكن لهم عهد ، فقال : ما يبالى ألّا يصلّى من قال إنه ليس لهم عهد ، فقلت : فهل كان لهم كتاب؟ فقال : نعم ، كتب ثلاثة : كتاب عند طلما صاحب إخنا ، وكتاب عند قزمان صاحب رشيد ، وكتاب عند يحنّس صاحب البرلس. قلت : كيف كان صلحهم؟ قال : دينارين على كل إنسان جزية وأرزاق المسلمين ، قلت : فتعلم ما كان من الشروط؟ قال : نعم ، ستّة شروط ، لا يخرجون من ديارهم ، ولا تنزع (١) نساؤهم ، ولا كفورهم ، ولا أرضيهم ، لا يزاد عليهم.

وحدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أنه حدثه عن أبى جمعة مولى عقبة ، قال : كتب عقبة بن عامر إلى معاوية بن أبى سفيان يسأله أرضا يسترفق فيها (٢) عند قرية عقبة ؛ فكتب له معاوية بألف ذراع فى ألف ذراع ، فقال له مولى له كان عنده : انظر أصلحك الله أرضا صالحة ، فقال عقبة : ليس لنا ذلك ، إنّ فى عهدهم شروطا ستّة ، ألا يؤخذ من أنفسهم شىء ، ولا من نسائهم ، ولا من أولادهم ، ولا يزاد عليهم ، ويدفع (٣) عنهم موضع (٤) الخوف من عدوّهم ، وأنا شاهد لهم بذلك.

__________________

(١) ج ، ك : «ولا تنتزع».

(٢) ب ، ج : «بها».

(٣) ج : «وندفع».

(٤) د : «مواضع».

١٠٩

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن أبى شريح عبد الرحمن بن شريح ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، عن أبى جمعة حبيب بن وهب ، قال : كتب عقبة ابن عامر إلى معاوية يسأله بقيعا فى قرية بينى فيه منازل ومساكن ، فأمر له معاوية بألف ذراع فى ألف ذراع ، فقال له مواليه ومن كان عنده : انظر إلى أرض تعجبك ، فاختطّ فيها وابتن ، فقال : ليس لنا ذلك ، لهم فى عهدهم ستّة شروط ، منها : ألا يؤخذ من أرضهم شىء ، ولا يزاد عليهم ، ولا يكلّفوا غير طاقتهم ، ولا يؤخذ ذراريهم ، وأن يقاتل عنهم عدوّهم من ورائهم.

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا يحيى بن أيّوب ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، عن رجل من كبراء الجند ، قال : كتب معاوية بن أبى سفيان إلى وردان أن زد على كل رجل منهم قيراطا ، فكتب وردان إلى معاوية : كيف تزيد عليهم وفى عهدهم ألا يزاد عليهم شىء ، فعزل معاوية وردان.

ويقال إن معاوية إنما عزل وردان كما حدثنا سعيد بن عفير ، أن عتبة بن أبى سفيان ، وفد إلى معاوية فى نفر من أهل مصر ، وكان معاوية ولّى عتبة الحرب ، ووردان الخراج ، وحويت (١) بن زيد الديوان ، فسأل معاوية الوفد عن عتبة ، فقال عبادة بن صمّل المعافرى : حوت بحر يا أمير المؤمنين ، ووعل برّ. فقال معاوية لعتبة : اسمع ما تقول فيك رعيّتك. فقال : صدقوا يا أمير المؤمنين ، حجبتنى عن الخراج ولهم علىّ حقوق ، وأكره أن أجلس فأسأل فلا أفعل فأبخل فضمّ إليه معاوية الخراج.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، وابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن عوف بن حطّان ، أنه قال كان لقريّات (٢) من مصر منهن (٣) أمّ دنين وبلهيب عهد ، وأن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما سمع بذلك كتب إلى عمرو بن العاص ، يأمره أن يخيّرهم ، فإن دخلوا فى الإسلام فذلك ، وإن كرهوا فارددهم إلى قراهم.

قال : وحدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ،

__________________

(١) تحرفت فى طبعة عامر إلى «حويث».

(٢) ب : «بقريات».

(٣) فى طبعة تورى : «منهم» والمثبت فى : ك ، وحسن المحاضرة ١ : ١٢٥ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

١١٠

عن يحيى بن ميمون الحضرمىّ ، قال : لما فتح عمرو بن العاص مصر صولح على جميع من فيها من الرجال من القبط ممّن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك ، ليس فيهم (١) امرأة ولا صبىّ ولا شيخ على دينارين دينارين ، فأحصوا لذلك فبلغت عدّتهم ثمانية آلاف ألف.

(*) حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، قال : سمعت حيوة بن شريح ، قال : سمعت الحسن بن ثوبان الهمدانىّ ، يقول : حدثنى هشام بن أبى رقيّة اللخمى ، أن عمرو ابن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر : إن من كتمنى كنزا عنده فقدرت عليه قتلته ، وإن نبطيّا (٢) من أهل الصعيد ، يقال له بطرس ، ذكر لعمرو أن عنده كنزا ، فأرسل إليه فسأله ، فأنكر وجحد ، فحبسه فى السجن ، وعمرو يسأل عنه : هل يسمعونه يسأل عن أحد؟ فقالوا : لا ، إنما سمعناه يسأل عن راهب فى الطور ، فأرسل عمرو إلى بطرس ، فنزع خاتمه من يده ، ثم كتب إلى ذلك الراهب ، أن ابعث إلىّ بما عندك ، وختمه بخاتمه ، فجاءه رسوله بقلّة شأميّة مختومة بالرصاص ، ففتحها عمرو ، فوجد فيها صحيفة مكتوب فيها : ما لكم تحت الفسقيّة الكبيرة ؛ فأرسل عمرو إلى الفسقيّة ، فحبس عنها الماء ، ثم قلع البلاط الذي تحتها ، فوجد فيها اثنين وخمسين إردبا ذهبا مضروبة ، فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد. فذكر ابن أبى رقيّة أنّ القبط أخرجوا كنوزهم شفقا أن يبغى على أحد منهم فيقتل ، كما قتل بطرس (٣).

حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عمرو بن العاص استحلّ مال قبطىّ من قبط مصر ، لأنه استقرّ عنده أنه يظهر الروم على عورات المسلمين ، ويكتب إليهم بذلك ، فاستخرج منه بضعة وخمسين إردبّا دنانير.

قال : ثم رجع إلى حديث يحيى بن أيّوب ، وخالد بن حميد ، قال : ففتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية ، وثلاث قريات ظاهرت الروم على المسلمين : (٣) سلطيس ، ومصيل ، وبلهيب ، فإنه كان للروم جمع فظاهروا الروم على المسلمين (٣) ، فلما ظهر عليها المسلمون استحلّوها وقالوا : هؤلاء لنا فىء مع الإسكندرية ، فكتب عمرو

__________________

(١) ب : «فيها».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢٣ ـ ١٢٤ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٢) فى السيوطى ج ١ ص ١٢٣ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم «قبطيا».

(٣ ـ ٣) ساقط من طبعة عامر.

١١١

ابن العاص بذلك إلى عمر بن الخطاب ، فكتب إليه عمر : أن تجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمّة للمسلمين ويضربون عليهم الخراج ، ويكون خراجهم وما صالح (١) عليه القبط كلّه قوّة للمسلمين ، لا يجعلون فيئا ولا عبيدا ، ففعلوا ذلك إلى اليوم.

ذكر من قال فتحت مصر عنوة

وقال آخرون : بل فتحت مصر عنوة بلا عهد ولا عقد.

(٢) حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، وعثمان بن صالح ، قالا : حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عمّن سمع عبيد الله بن المغيرة بن أبى بردة ، يقول : سمعت سفيان ابن وهب الخولانى ، يقول : إنا لما فتحنا مصر بغير عهد (٢) قام الزبير بن العوّام فقال : اقسمها يا عمرو بن العاص فقال عمرو : والله لا أقسمها. قال (٣) الزبير والله لتقسمنّها كما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر. قال (٣) عمرو والله لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين. فكتب إليه عمر : أقرّها حتى يغزو منها (٤) حبل الحبلة (*).

قال ابن لهيعة ، وحدثنى يحيى بن ميمون ، عن عبيد الله بن المغيرة ، عن سفيان بن وهب بهذا إلا أنه قال : فقال عمرو : لم أكن لأحدث فيهم شيئا حتى أكتب إلى عمر ابن الخطاب ، فكتب إليه ، فكتب إليه بهذا.

قال عبد الملك فى حديثه : وإن الزبير صولح على شىء أرضى به.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، وعثمان بن صالح ، قالا : حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، أن مصر فتحت عنوة.

حدثنا عبد الملك ، حدثنا ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، قال : سمعت أشياخنا يقولون : إن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد. قال ابن أنعم : منهم أبى يحدّثنا عن أبيه وكان ممّن شهد فتح مصر.

__________________

(١) ج : «وما صالحوا».

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢٦ ـ ١٢٧ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٢) د : «بغير عهد ولا عقد».

(٣) ك : «فقال».

(٣) ك : «فقال».

(٤) ك : «حتى يضروا منها».

١١٢

حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، عن ابن أنعم ، قال : سمعت أشياخنا يقولون : فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى الأسود ، عن عروة ، أن مصر فتحت عنوة.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى قنان أيوب بن أبى العالية ، عن أبيه. وأخبرنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن وهب ، عن داود بن عبد الله الحضرمىّ ، أن أبا قنان حدثه عن أبيه ، أنه سمع عمرو بن العاص يقول : لقد قعدت مقعدى هذا وما لأحد من قبط مصر علىّ عهد ولا عقد ، إلا أهل أنطابلس فإن لهم عهدا يوفى لهم به.

قال ابن لهيعة فى حديثه إن شئت قتلت (١) وان شئت خمست وان شئت بعت.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن عياض بن عبد الله الفهرىّ ، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن ، أن عمرو بن العاص فتح مصر بغير عقد ولا عهد ، وأن عمر بن الخطاب حبس درّها وصرّها أن يخرج منه شىء نظرا للإسلام وأهله.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن شريح ، عن يعقوب بن مجاهد ، عن زيد بن أسلم ، قال : كان تابوت لعمر بن الخطاب فيه كل عهد كان بينه وبين أحد ممن عاهده (٢) ، فلم يوجد فيه لأهل مصر عهد.

قال عبد الرحمن بن شريح : فلا أدرى أعن زيد حدّث أم شىء قاله. فمن أسلم منهم فأمّة ومن أقام منهم فذمّة.

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، وعبد الملك بن مسلمة ، قالا : حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الملك بن جنادة كاتب حيّان بن سريج (٣) من أهل مصر من موالى قريش ، قال : كتب حيان إلى عمر بن عبد العزيز يسأله أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم (٤) ، فسأل عمر عراك بن مالك ، فقال عراك : ما سمعت لهم بعهد ولا عقد ،

__________________

(١) ج : «فعلت».

(٢) ب ، ج : «عاهد».

(٣) تحرفت فى طبعة عامر إلى «سريح ،

(٤) فى طبعة عامر : «أحيائها».

١١٣

وانما أخذوا عنوة بمنزلة العبيد ، فكتب عمر إلى حيّان بن سريج أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم.

قال وسمعت يحيى بن عبد الله بن بكير ، يقول : خرج أبو سلمة بن عبد الرحمن يريد الإسكندرية فى سفينة ، فاحتاج إلى رجل يقذف به ، فسخّر رجلا من القبط ، فكلّم فى ذلك ، فقال : إنما هم بمنزلة العبيد إن احتجنا إليهم.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، عن الصلت بن أبى عاصم ، أنه قرأ كتاب عمر بن العزيز إلى حيّان بن سريج (١) ، أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن شريح ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، أن كاتب حيّان حدثه أنه احتيج (٢) إلى خشب لصناعة الجزيرة ، فكتب حيّان إلى عمر يذكر ذلك له ، وأنه وجد خشبا عند بعض أهل الذمّة ، وأنه كره أن يأخذ منهم حتى يعلمه ، فكتب إليه عمر : خذها منهم بقيمة عدل ، فإنى لم أجد لأهل مصر عهدا أفى لهم به.

حدثنا عبد الرحمن. قال : حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى حيّان بن سريج : إن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد.

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن أبى لبابة ، أن عمر بن عبد العزيز ، قال لسالم بن عبد الله : أنت تقول ليس لأهل مصر عهد؟ قال : نعم.

حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب فى رهبان يترهّبون بمصر فيموت أحدهم وليس له وارث. فكتب إليه عمر ، أن من كان منهم له عقب فادفع ميراثه إلى عقبه ، ومن لم يكن له عقب فاجعل ماله فى بيت مال المسلمين ، فإنّ ولاءه للمسلمين.

__________________

(١) تصحفت فى طبعة عامر إلى «سريح».

(٢) ج : «احتاج».

١١٤

(١) حدثنا يحيى بن خلد ، عن رشدين بن سعد ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، أنه قال : كان فتح مصر بعضها بعهد وذمّة ، وبعضها عنوة ، فجعلها عمر بن الخطاب رضى الله عنه جميعا ذمّة ، وحملهم على ذلك ؛ فمضى ذلك فيهم إلى اليوم (٢).

ذكر الخطط

(*) قال : حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية ورأى بيوتها وبناءها مفروغا منها ، همّ أن يسكنها ، وقال : مساكن قد كفيناها ، فكتب إلى عمر بن الخطّاب يستأذنه فى ذلك ؛ فسأل عمر الرسول : هل يحول بينى وبين المسلمين ماء؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، إذا جرى النيل. فكتب عمر إلى عمرو : إنى لا أحبّ أن تنزل المسلمين منزلا يحول الماء بينى وبينهم فى شتاء ولا صيف. فتحوّل عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط (*).

حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب. وحدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، عن الليث ، عن يزيد بن أبى حبيب أن عمر بن الخطاب ، كتب إلى سعد بن أبى وقّاص ، وهو نازل بمدائن كسرى ، وإلى عامله بالبصرة ، وإلى عمرو بن العاص وهو نازل بالإسكندرية ؛ ألا تجعلوا بينى وبينكم ماء ، متى أردت أن أركب إليكم راحلتى حتى أقدم عليكم قدمت. فتحوّل سعد بن أبى وقّاص من مدائن كسرى إلى الكوفة ، وتحوّل صاحب البصرة من المكان الذي كان فيه ، فنزل البصرة ، وتحوّل عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط.

(٢) قال : وإنما سمّيت الفسطاط كما حدثنا أبي عبد الله بن عبد الحكم ، وسعيد بن عفير ، أن عمرو بن العاص لمّا أراد التوجّه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم ، أمر بنزع فسطاطه ، فإذا فيه يمام قد فرخ ، فقال عمرو بن العاص : لقد تحرّم منّا بمتحرّم ، فأمر به فأقرّ كما هو ، وأوصى به صاحب القصر ، فلما قفل المسلمون من الإسكندرية ، فقالوا : أين ننزل؟ قالوا : الفسطاط ـ لفسطاط عمرو الذي كان خلّفه ، ـ وكان مضروبا فى موضع الدار التى تعرف اليوم بدار الحصى ، عند دار عمرو الصغيرة اليوم (٢).

__________________

(١ ـ ١) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٢٧ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(* ـ *) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٣٠ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

(٢ ـ ٢) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٣١ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم.

١١٥

وبنى عمرو بن العاص المسجد كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن الليث بن سعد ، وكان (١) ما حوله حدائق وأعنابا ، فنصبوا الحبال حتى استقام لهم ، ووضعوا أيديهم ، فلم يزل عمرو قائما حتى وضعوا القبلة ؛ وإن عمرا وأصحاب رسول لله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذين وضعوها.

واتّخذ فيه منبرا كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، عن أبى تميم الجيشانى ، قال : فكتب إليه عمر بن الخطاب : أمّا بعد ؛ فإنه بلغنى أنك اتّخذت منبرا ترقى (٢) به (٣) على رقاب المسلمين ، أو ما بحسبك (٤) أن تقوم قائما والمسلمون تحت عقبيك! فعزمت عليك لمّا كسرته.

(٥) حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبى الخير ، أن أبا مسلم الغافقىّ صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يؤذّن لعمرو بن العاص ، فرأيته يبخّر المسجد (٦).

قال : واختلط الناس. حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، أخبرنا ابن وهب ، عن يحيى ابن أزهر ، عن الحجّاج بن شدّاد ، عن أبى صالح الغفارىّ ، قال : كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب : إنّا قد اختططنا لك دارا عند المسجد الجامع. فكتب إليه عمر : أنّى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر! وأمره أن يجعلها سوقا للمسلمين.

قال ابن لهيعة : هى دار البركة ، فجعلت سوقا ، فكان يباع فيها الرقيق. هكذا قال ابن لهيعة.

قال وأما الليث بن سعد ، فإن عبد الملك حدثنا عنه ، أن دار البركة خطّة لعبد الله ابن عمر بن الخطاب ، فسأله إيّاها عبد العزيز بن مروان ، فوهبها له ، فلم يثبه منها شيئا.

حدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ،

__________________

(١) وكان ما حوله : (ب) «وكان بناء حوله».

(٢) ك : «ترقأ» هكذا ضبط قلم. وفى القاموس : رقأ فى الدرجة ، صعد. وهى المرقاة.

(٣) ترقى به : (ب) «ترقى فيه».

(٤) ب : «حسبك». د ، ك : «يحسبك».

(٥ ـ ٥) قارن بالسيوطى ج ١ ص ١٣٢ وهو ينقل عن ابن عبد الحكم ، وقد تحرف فيه الغافقى إلى اليافعى.

١١٦

الله بن عمر بن الخطاب ، فسأله إيّاها عبد العزيز بن مروان ، فوهبها له ، فلم يثبه منها شيئا.

حدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، قال : شهد عبد الله بن عمر فتح مصر واختطّ فيها دار البركة ، بركة الرقيق ، قال : فوهبتها لمعاوية رجاء أن يثيبنى منها ، حتى مات فهو فى حلّ (١).

وكان من حفظ من الذين شهدوا فتح مصر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قريش وغيرهم ، ومن لم يكن له برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صحبة ، كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة وغير عبد الملك قد ذكر بعض ذلك أيضا : الزبير بن العوّام ، وسعد بن أبى وقّاص ، وعمرو بن العاص ، وهو كان أمير القرم ، وعبد الله بن عمرو ، وخارجة بن حذاقة العدوىّ ، وعبد الله ابن عمر بن الخطّاب ، وقيس بن أبى العاص السهمىّ ، والمقداد بن الأسود ، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح العامرىّ ، ونافع بن عبد القيس الفهرىّ. (٢) ويقال بل هو عقبة بن نافع ، وأبو عبد الرحمن يزيد بن أنيس الفهرى. (٣) وأبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وابن عبدة ، وعبد الرحمن وربيعة ابنا شرحبيل بن حسنة ، ووردان مولى عمرو بن العاص ، وكان حامل لواء عمرو بن العاص.

وقد اختلف فى سعد بن أبى وقّاص ، فقيل : إنما دخلها بعد الفتح. حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن الليث بن سعد ، أن سعد بن أبى وقّاص قدم مصر.

وشهد الفتح من الأنصار : عبادة بن الصامت ، وقد شهد بدرا وبيعة العقبة ، ومحمد ابن مسلمة الأنصارىّ ، وقد شهد بدرا وهو الذي بعثه عمر بن الخطاب إلى مصر ، فقاسم عمرو بن العاص ماله ، وهو أحد (٣) من كان صعد الحصن مع الزبير بن العوّام ، ومسلمة ابن مخلّد الأنصارى يقال له صحبة.

حدّثونا عن وكيع ، حدثنا موسى بن علىّ ، عن أبيه ، قال : سمعت مسلمة بن

__________________

(١) بعدها فى ج : «قال على بن الحسن بن قديد : وحدثناه أحمد بن عمرو». وفى ك : «قال أبو القاسم بن قديد ، حدثناه أحمد بن عمرو ، قال عبد الرحمن : وكان من حفظ ...».

(٢ ـ ٢) ساقط من طبعة عامر.

(٣) ج ، ك : «آخر».

١١٧

مخلّد ، يقول : ولدت حين قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وتوفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا ابن عشر.

وكان قد ولى البلد فى أيام معاوية وصدرا من خلافة يزيد ، وتوفّى مسلمة بمصر سنة اثنتين وستّين. وأبو أيّوب الأنصارى واسمه خالد بن زيد ، وقد شهد بدرا ، وتوفّى بالقسطنطينة فى سنة خمسين. وأبو الدرداء ، واسمه عويمر.

قال ابن هشام : عويمر بن عامر ، ويقال : عويمر بن زيد (١).

ومن أفناء القبائل : أبو بصرة الغفارىّ ، واسمه حميل بن بصرة ، وأبو ذرّ الغفارى واسمه جندب بن جنادة. ويقال برير. (٢) قال ابن هشام : سمعت غير واحد من العلماء ، يقول : أبو ذرّ جندب بن جناده (٣).

حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : وكان أبو ذرّ ممن شهد الفتح مع عمرو بن العاص : وهبيب بن مغفل. ولهم عنه حديث واحد ، وهو حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن أسلم أبا عمران أخبره ، عن هبيب ابن مغفل أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من جره خيلاء ، يعنى إزاره وطئه فى النار (٣).

وإليه ينسب وادى هبيب الذي بالمغرب. وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدىّ ، وكان اسمه العاص ، فسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله.

حدثنا عبد الله بن صالح ، ويحيى بن عبد الله بن بكير ، قالا : حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى ، قال : توفّى رجل ممن قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عند القبر : ما اسمك؟

فقلت : العاص. (٤) وقال لابن عمرو : ما اسمك؟ فقال : العاصّ. وقال للعاص بن العاص : ما اسمك؟ فقال : العاص (٥). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : العاص أنتم عبد الله ، انزلوا ، قال : فوارينا صاحبنا ثم خرجنا من القبر وقد بدلت أسماؤنا. وكعب بن ضنّة العبسىّ ، ويقال : كعب بن يسار بن ضنّة. وعقبة بن عامر الجهنىّ يكنّى أبا حمّاد ، وهو كان رسول عمر

__________________

(١) ابن هشام ق ١ ص ٥٦٠.

(٢ ـ ٢) راجع ابن هشام ق ١ ص ٥٠٦.

(٣) مسند أحمد فى كنز ج ٣ ص ٥٣٠.

١١٨

ابن الخطاب إلى عمرو بن العاص حين كتب إليه يأمره أن يرجع إن لم يكن دخل أرض مصر. وأبو زمعة البلوىّ. وبرح (١) بن حسكل ، وكان ممن قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مهرة ، وشهد الفتح مع عمرو ، واختطّ. هكذا قال ابن عفير ، برح بن حسكل. والمهريّون يقولون برح بن عسكل. وجنادة بن أبى أميّة الأزدى. وسفيان بن وهب الخولانى ، وله صحبة.

حدثنا عمرو بن سوّاد ، حدثنا ابن وهب ، حدثنى عبد الرحمن بن شريح ، قال : سمعت سعيد بن أبى شمر السبائى ، يقول : سمعت سفيان بن وهب الخولانى ، يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : لا تأتى المائة وعلى ظهرها أحد باق (٢). قال : فحدّثت بها ابن حجيرة ، فقام فدخل على عبد العزيز بن مروان ، قال : فحمل سفيان وهو شيخ كبير حتى أدخل على عبد العزيز بن مروان ، فسأله عن الحديث فحدّثه ، فقال عبد العزيز : فلعلّه يعنى لا يبقى أحد ممن كان معه إلى رأس المائة. فقال سفيان : هكذا سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول.

ومعاوية بن حديج الكندى ، وهو كان رسول عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب بفتح الإسكندرية. وقد اختلف فى معاوية بن حديج ، فقال قوم : له صحبة ، واحتجوا فى ذلك ، بحديث حدّثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم ، وشعيب بن الليث ، وعبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، عن سويد بن قيس ، عن معاوية بن حديج ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صلى يوما فسلّم ثم انصرف وقد بقى من الصلاة ركعة ، فأدركه رجل فقال : قد بقيت من الصلاة ركعة ، فرجع فدخل المسجد فصلّى بالناس ركعة. فأخبرت بذلك الناس ، فقالوا : أتعرف الرجل؟ قلت : لا ، إلّا أن أراه.

__________________

(١) برح : بكسر أوله وسكون الراء بعدها مهملة. حسكل : لدى السيوطى فى حسن المحاضرة ج ١ ص ١٧٤ «عسكر : بضم العين المهملة وسكون السين المهملة وضم الكاف بعدها راء. كذا ضبطه ابن ماكولا ، ونسبه إلى قضاعة. وقال المنذرى : كان السلفى يقول : عسكل بلام. وقال ابن عبد الحكم : يقال : ابن حسكل ، والصواب عسكل». ولدى ابن الأثير فى أسد الغابة ج ١ ص ٢٠٨ وابن حجر فى الإصابة ج ١ ص ٢٨٤ «برح بن عسكر».

(٢) أخرجه صاحب الكنز برقم ٣٨٣٥٥ عن الطبرانى وابن عساكر عن سفيان بن وهب الخولانى.

١١٩

وقال آخرون : ليست له صحبة ، واحتجّوا بحديث حدّثناه يوسف بن عدىّ ، عن عبد الله بن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علىّ بن رباح ، قال : سمعت معاوية بن حديج ، يقول : هاجرنا على عهد أبى بكر رحمه‌الله ، فبينا نحن عندة إذ طلع المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه قدم علينا برأس ينّاق البطريق ، ولم يكن لنا به حاجة ، إنما هذه (١) سنّة العجم ، ثم قال : قم يا عقبة. فقام رجل يقال له عقبة ، فقال : إنى لا أريدك ، إنما أريد عقبة بن عامر ، قم يا عقبة ، فقام رجل فصيح قارئ ، فافتتح سورة البقرة ، ثم ذكر قتالهم وما فتح الله لهم ، فلم أزل أحبّه من يومئذ.

وعامر مولى جمل ، الذي يقال له عامر جمل ، شهد الفتح ، وهو مملوك ، وإنما قيل له عامر جمل ، أنه كان مع عمرو بن العاص عند معاوية بن أبى سفيان فقال عامر لعمرو (٢) : تكلّم ، فإننى من ورائك ، فقال له معاوية : ومن أنت؟ قال : أنا عامر مولى جمل ، فقال له معاوية : بل أنت عامر جمل ، فقيل له عامر جمل لقول معاوية ذلك.

منهم من أهل بدر ستّة نفر : الزبير بن العوّام ، وسعد بن أبى وقّاص ، والمقداد بن الأسود ، وعبادة بن الصامت ، وأبو أيّوب الانصارى ، ومحمد بن مسلمة. وقد كان عمّار ابن ياسر دخل مصر ، ولكن دخلها بعد الفتح فى أيام عثمان.

حدثنا عبد الحميد بن الوليد ، حدثنا أبو عبد الرحمن ، عن مجالد ، عن الشعبىّ ، أن عمّار بن ياسر دخل مصر فى أيام عثمان بن عفّان ، وجّهه إليها فى بعض أموره. ولهم عنه حديث واحد.

حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبى عشانة ، قال : سمعت أبا اليقظان عمّار بن ياسر ، يقول : أبشروا فو الله لأنتم أشدّ حبّا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عامّة من قد رآه.

قال : منهم من اختطّ بالبلد فذكرنا خطّته ، ومنهم من لم يذكر (٣) له خطّة ، فالله أعلم كيف كان الأمر فى ذلك.

__________________

(١) ب : «هى».

(٢) تحرفت فى طبعة عامر إلى (عمر).

(٣) ك : «نذكر».

١٢٠