فرائد الأصول - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-04-4
الصفحات: ٤٣٩

فإنّ المستفاد من هذه وأمثالها : أنّ المراد بعدم النقض عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف لليقين السابق ، نظير قوله عليه‌السلام : «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء» (١).

هذا ، ولكنّ الإنصاف : أنّ شيئا من ذلك لا يصلح لصرف لفظ «النقض» عن ظاهره.

لأنّ قوله : «بل ينقض الشكّ باليقين» معناه رفع الشكّ ؛ لأنّ الشكّ ممّا إذا حصل لا يرتفع إلاّ برافع.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «من كان على يقين فشكّ» ، فقد عرفت (٢) أنّه كقوله : «إذا شككت فابن على اليقين» غير ظاهر في الاستصحاب (٣) ، مع إمكان أن يجعل قوله عليه‌السلام : «فإنّ اليقين لا ينقض بالشكّ ، أو لا يدفع به» قرينة على اختصاص صدر الرواية بموارد النقض ، مع أنّ الظاهر من المضيّ : الجري على مقتضى الداعي السابق وعدم التوقّف (٤) إلاّ لصارف ، نظير قوله عليه‌السلام : «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك» (٥) ونحوه ، فهو أيضا مختصّ بما ذكرنا.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٣٦ ، الباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ١ ، وفيه بدل «فدخلت» : «ثمّ دخلت».

(٢) راجع الصفحة ٦٨ ـ ٦٩.

(٣) كذا في (ظ) ، وفي غيره بدل «أنّه ـ إلى ـ الاستصحاب» : «الإشكال في ظهوره في اعتبار الاستصحاب ، كقوله : «إذا شككت فابن على اليقين».

(٤) كذا في (ظ) و (ه) ، وفي غيرهما بدل «التوقّف» : «الوقف».

(٥) الوسائل ٥ : ٣٢٩ ، الباب ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ١.

٨١

وأمّا قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشكّ» فتفرّع الإفطار للرؤية عليه من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان إلى أن يحصل الرافع.

وبالجملة : فالمتأمّل المنصف يجد أنّ هذه الأخبار لا تدلّ على أزيد من اعتبار اليقين السابق عند الشكّ في الارتفاع برافع.

٨٢

[حجة القول الأوّل] : (١)

الاستدلال على الحجية مطلقا بوجوه :

احتجّ للقول الأوّل بوجوه :

الوجه الأوّل والمناقشة فيه

منها : أنّه لو لم يكن الاستصحاب حجّة لم يستقم استفادة الأحكام من الأدلّة اللفظيّة ؛ لتوقّفها على أصالة عدم القرينة والمعارض والمخصّص والمقيّد والناسخ وغير ذلك.

وفيه : أنّ تلك الاصول قواعد لفظيّة مجمع عليها بين العلماء وجميع أهل اللسان في باب الاستفادة ، مع أنّها اصول عدميّة لا يستلزم القول بها القول باعتبار الاستصحاب مطلقا ، إمّا لكونها مجمعا عليها بالخصوص ، وإمّا لرجوعها إلى الشكّ في الرافع.

الوجه الثاني

ومنها : ما ذكره المحقّق في المعارج ، وهو : أنّ المقتضي للحكم الأوّل ثابت ، والعارض لا يصلح رافعا ، فيجب الحكم بثبوته في الآن الثاني. أمّا أنّ المقتضي ثابت ، فلأنّا نتكلّم على هذا التقدير. وأمّا أنّ العارض لا يصلح رافعا ؛ فلأنّ العارض احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم ، لكنّ احتمال ذلك معارض باحتمال عدمه ، فيكون كلّ منهما مدفوعا بمقابله ، فيبقى الحكم الثابت سليما عن الرافع (٢) ، انتهى.

وفيه : أنّ المراد بالمقتضي ؛ إمّا العلّة التامّة للحكم أو للعلم به

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) المعارج : ٢٠٦ و ٢٠٧.

٨٣

ـ أعني الدليل ـ ، أو المقتضي بالمعنى الأخصّ.

وعلى التقدير الأوّل (١) ، فلا بدّ من أن يراد من ثبوته ثبوته في الزمان الأوّل ، ومن المعلوم عدم اقتضاء ذلك لثبوت المعلول أو المدلول في الزمان الثاني أصلا.

وعلى الثاني (٢) ، فلا بدّ من أن يراد ثبوته في الزمان الثاني مقتضيا للحكم.

المناقشة في الوجه الثاني

وفيه ـ مع أنّه أخصّ من المدّعى ـ : أنّ مجرّد احتمال عدم الرافع لا يثبت العلم ولا الظنّ بثبوت المقتضى ، بالفتح.

والمراد من معارضة احتمال الرافع باحتمال عدمه الموجبة للتساقط : إن كان سقوط الاحتمالين فلا معنى له ، وإن كان سقوط المحتملين عن الاعتبار حتّى لا يحكم بالرافع ولا بعدمه ، فمعنى ذلك التوقّف عن الحكم بثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ لا ثبوته.

وربما يحكى إبدال قوله : «فيجب الحكم بثبوته» ، بقوله : «فيظنّ ثبوته» (٣) ، ويتخيّل أنّ هذا أبعد عن الإيراد ، ومرجعه إلى دليل آخر ذكره العضدي (٤) وغيره (٥) ، وهو : أنّ ما ثبت في وقت ولم يظنّ عدمه

__________________

(١) في (ت) و (ه): «التقديرين الأوّلين».

(٢) في مصحّحة (ه) بدل «الثاني» : «الثالث».

(٣) انظر غاية المأمول (مخطوط) : الورقة ١٢٨ ، وكذا القوانين ٢ : ٥٢.

(٤) انظر شرح مختصر الاصول ٢ : ٤٥٤.

(٥) مثل العلاّمة في نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٠٧ ، والمحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٥٣.

٨٤

فهو مظنون البقاء. وسيجيء ما فيه (١).

ثمّ إنّ ظاهر هذا الدليل دعوى القطع ببقاء الحالة السابقة واقعا (٢) ، ولم يعرف هذه الدعوى من أحد ، واعترف بعدمه في المعارج في أجوبة النافين ، وصرّح بدعوى رجحان البقاء (٣).

ويمكن أن يريد به : إثبات البناء (٤) على الحالة السابقة ولو مع عدم رجحانه ، وهو في غاية البعد عن عمل العقلاء بالاستصحاب في امورهم.

والظاهر أنّ مرجع هذا الدليل إلى أنّه إذا احرز المقتضي وشكّ في المانع ـ بعد تحقّق المقتضي وعدم المانع في السابق ـ بني على عدمه ووجود المقتضي.

ويمكن أن يستفاد من كلامه السابق (٥) في قوله : «والذي نختاره» ، أنّ مراده بالمقتضي للحكم دليله ، وأنّ المراد بالعارض احتمال طروّ المخصّص لذلك الدليل ، فمرجعه إلى أنّ الشكّ في تخصيص العامّ أو تقييد المطلق لا عبرة به ، كما يظهر من تمثيله بالنكاح والشكّ في حصول الطلاق ببعض الألفاظ ، فإنّه إذا دلّ الدليل على أنّ عقد النكاح يحدث علاقة الزوجيّة ، وعلم من الدليل دوامها ، ووجد في الشرع ما ثبت

__________________

(١) انظر الصفحة ٨٧.

(٢) لم ترد «واقعا» في (ظ).

(٣) المعارج : ٢٠٩.

(٤) في (ر) و (ه): «البقاء».

(٥) السابق في الصفحة ٥٢.

٨٥

كونه رافعا لها ، وشكّ في شيء آخر أنّه رافع مستقلّ أو فرد من ذلك الرافع أم لا ، وجب العمل بدوام الزوجيّة ؛ عملا بالعموم إلى أن يثبت المخصّص. وهذا حقّ ، وعليه عمل العلماء كافّة.

نعم ، لو شكّ في صدق الرافع على موجود خارجيّ لشبهة ـ كظلمة أو عدم الخبرة ـ ففي العمل بالعموم حينئذ وعدمه ـ كما إذا قيل : «أكرم العلماء إلاّ زيدا» فشكّ في إنسان أنّه زيد أو عمرو ـ قولان في باب العامّ المخصّص ، أصحّهما عدم الاعتبار بذلك العامّ. لكن ، كلام المحقّق قدس‌سره في الشبهة الحكميّة ، بل مفروض كلام القوم أيضا اعتبار الاستصحاب المعدود من أدلّة الأحكام فيها ، دون مطلق الشبهة الشاملة للشبهة الخارجيّة.

هذا غاية ما أمكننا من توجيه الدليل المذكور.

لكنّ الذي يظهر بالتأمّل : عدم استقامته في نفسه ، وعدم انطباقه على قوله المتقدّم : «والذي نختاره» (١) ، كما نبّه عليه في المعالم (٢) وتبعه غيره (٣) ، فتأمّل.

الوجه الثالث

ومنها : أنّ الثابت في الزمان الأوّل ممكن الثبوت في الآن الثاني ـ وإلاّ لم يحتمل البقاء ـ فيثبت بقاؤه ما لم يتجدّد مؤثّر العدم ؛ لاستحالة خروج الممكن عمّا عليه بلا مؤثّر ، فإذا كان التقدير تقدير عدم العلم بالمؤثّر فالراجح بقاؤه ، فيجب العمل عليه.

__________________

(١) في (ر) زيادة : «وإخراجه للمدّعى عن عنوان الاستصحاب».

(٢) المعالم : ٢٣٥.

(٣) مثل الفاضل الجواد في غاية المأمول (مخطوط) : الورقة ١٣٠.

٨٦

المناقشة في الوجه الثالث

وفيه : منع استلزام عدم العلم بالمؤثّر رجحان عدمه المستلزم لرجحان البقاء ، مع أنّ مرجع هذا الوجه إلى ما ذكره العضديّ وغيره (١) : من أنّ ما تحقّق وجوده ولم يظنّ عدمه أو لم يعلم عدمه ، فهو مظنون البقاء.

دعوى أنّ وجود الشيء سابقا يقتضي الظنّ ببقائه والجواب عنها

ومحصّل الجواب ـ عن هذا وأمثاله من أدلّتهم الراجعة إلى دعوى حصول ظنّ البقاء ـ : منع كون مجرّد وجود الشيء سابقا مقتضيا لظنّ بقائه ؛ كما يشهد له تتّبع موارد الاستصحاب.

مع أنّه إن اريد اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ النوعيّ ـ يعني لمجرّد (٢) كونه لو خلّي وطبعه يفيد الظنّ بالبقاء وإن لم يفده فعلا لمانع ـ ففيه : أنّه لا دليل على اعتباره أصلا.

وإن اريد اعتباره عند حصول الظنّ فعلا منه ، فهو وإن استقام على ما يظهر من بعض من قارب عصرنا (٣) : من أصالة حجّية الظنّ ، إلاّ أنّ القول باعتبار الاستصحاب بشرط حصول الظنّ الشخصيّ منه ـ حتّى أنّه في الموارد الواحد يختلف الحكم باختلاف الأشخاص والأزمان وغيرها ـ لم يقل به أحد فيما أعلم ، عدا ما يظهر من شيخنا البهائي قدس‌سره في عبارته المتقدّمة (٤) ، وما ذكره قدس‌سره مخالف للإجماع ظاهرا ؛ لأنّ بناء

__________________

(١) راجع الصفحة ٨٤ ، الهامش ٤ و ٥.

(٢) في (ر): «بمجرّد».

(٣) مثل المحقّق القمّي في القوانين : ٤٩٣ ، والوحيد البهبهاني في الرسائل الاصوليّة : ٤٢٩ ـ ٤٣٥ ، والمحقّق الكاظمي في الوافي (مخطوط) : الورقة ٢٩.

(٤) تقدّمت في الصفحة ٢١.

٨٧

العلماء في العمل بالاستصحاب في الأحكام الجزئيّة والكلّية والموضوعات ـ خصوصا العدميّات ـ على عدم مراعاة الظنّ الفعليّ.

ثمّ إنّ ظاهر كلام العضدي (١) ـ حيث أخذ في إفادته الظنّ بالبقاء عدم الظنّ بالارتفاع ـ أنّ الاستصحاب أمارة حيث لا أمارة ، وليس في الأمارات ما يكون كذلك. نعم ، لا يبعد أن يكون الغلبة كذلك.

وكيف كان ، فقد عرفت (٢) منع إفادة مجرّد اليقين بوجود الشيء للظنّ ببقائه.

وقد استظهر بعض (٣) تبعا لبعض ـ بعد الاعتراف بذلك ـ أنّ المنشأ في حصول الظنّ غلبة البقاء في الامور القارّة.

كلام السيد الصدر في المقام

قال السيّد الشارح للوافية ـ بعد دعوى رجحان البقاء ـ :

إنّ الرجحان لا بدّ له من موجب ؛ لأنّ وجود كلّ معلول يدلّ على وجود علّة له إجمالا ، وليست هي اليقين المتقدّم بنفسه ؛ لأنّ ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ، ويشبه أن يكون (٤) هي كون الأغلب في أفراد الممكن القارّ أن يستمرّ وجوده بعد التحقّق ، فيكون رجحان وجود هذا الممكن الخاصّ للإلحاق بالأعمّ الأغلب. هذا إذا لم يكن رجحان الدوام مؤيّدا بعادة أو أمارة ، وإلاّ فيقوى بهما. وقس

__________________

(١) انظر شرح مختصر الاصول ٢ : ٤٥٤.

(٢) في الصفحة السابقة.

(٣) استظهره صاحب القوانين تبعا للسيّد الشارح للوافية ، كما سيشير إليه في الصفحة ٩٠.

(٤) كذا في النسخ والمصدر ، والمناسب : «تكون».

٨٨

على الوجود حال العدم إذا كان يقينيّا (١). انتهى كلامه ، رفع مقامه.

المناقشة فيما أفاده السيد الصدر

وفيه : أنّ المراد بغلبة البقاء ليس غلبة البقاء أبد الآباد ، بل المراد البقاء على مقدار خاصّ من الزمان ، ولا ريب أنّ ذلك المقدار الخاصّ ليس أمرا مضبوطا في الممكنات ولا في المستصحبات ، والقدر المشترك بين الكلّ أو الأغلب منه معلوم التحقّق في موارد الاستصحاب ، وإنّما الشكّ في الزائد.

وإن اريد بقاء الأغلب إلى زمان الشكّ (٢) :

فإن اريد أغلب الموجودات السابقة بقول مطلق ، ففيه :

أوّلا : أنّا لا نعلم بقاء الأغلب في زمان الشكّ.

وثانيا : لا ينفع بقاء الأغلب في إلحاق المشكوك ؛ للعلم بعدم الرابط بينها (٣) ، وعدم استناد البقاء فيها إلى جامع ـ كما لا يخفى ـ بل البقاء في كلّ واحد منها مستند إلى ما هو مفقود في غيره. نعم ، بعضها مشترك (٤) في مناط البقاء.

وبالجملة : فمن الواضح أنّ بقاء الموجودات المشاركة مع نجاسة الماء المتغيّر في الوجود ـ من الجواهر والأعراض ـ في زمان الشكّ في النجاسة ؛ لذهاب التغيّر المشكوك مدخليّته في بقاء النجاسة ، لا يوجب الظنّ ببقائها وعدم مدخليّة التغيّر فيها. وهكذا الكلام في كلّ ما شكّ في

__________________

(١) شرح الوافية (مخطوط) : ٣٢٥.

(٢) في (ت) و (ه) زيادة : «في بقاء المستصحب».

(٣) في (ظ) بدل «بينها» : «بينهما».

(٤) في نسخة بدل (ت): «متشارك» ، وفي (ظ) و (ه): «يتشارك».

٨٩

بقائه لأجل الشكّ في استعداده للبقاء.

كلام صاحب القوانين في المقام

وإن اريد به (١) ما وجّه به كلام السيّد المتقدّم (٢) صاحب القوانين ـ بعد ما تبعه في الاعتراف بأنّ هذا الظنّ ليس منشؤه محض الحصول في الآن السابق ؛ لأنّ ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ـ قال :

بل لأنّا لمّا فتّشنا الامور الخارجيّة من الأعدام والموجودات وجدناها مستمرّة بوجودها الأوّل على حسب استعداداتها وتفاوتها في مراتبها ، فنحكم فيما لم نعلم حاله بما وجدناه في الغالب ؛ إلحاقا له بالأعمّ الأغلب.

ثمّ إنّ كلّ نوع من أنواع الممكنات يلاحظ زمان الحكم ببقائه بحسب ما غلب في أفراد ذلك النوع ؛ فالاستعداد الحاصل للجدران القويمة يقتضي مقدارا من البقاء بحسب العادة ، والاستعداد الحاصل للإنسان يقتضي مقدارا منه ، وللفرس مقدارا آخر ، وللحشرات مقدارا آخر ، ولدود القزّ والبقّ والذباب مقدارا آخر ، وكذلك الرطوبة في الصيف والشتاء.

فهنا مرحلتان :

الاولى : إثبات الاستمرار في الجملة.

والثانية : إثبات مقدار الاستمرار.

ففيما جهل حاله من الممكنات القارّة ، يثبت ظنّ الاستمرار في الجملة بملاحظة حال أغلب الممكنات مع قطع النظر عن تفاوت أنواعها ،

__________________

(١) في (ر) و (ظ) بدل «وإن اريد به» : «ومن هنا يظهر ضعف».

(٢) أي : كلام السيّد شارح الوافية المتقدّم في الصفحة ٨٨.

٩٠

وظنّ مقدار خاصّ من الاستمرار بملاحظة حال النوع الذي هو من جملتها.

فالحكم الشرعيّ ـ مثلا ـ نوع من الممكنات قد يلاحظ من جهة ملاحظة مطلق الممكن ، وقد يلاحظ من جهة ملاحظة مطلق الأحكام الصادرة من الموالي إلى العبيد ، وقد يلاحظ من جهة ملاحظة سائر الأحكام الشرعيّة. فإذا أردنا التكلّم في إثبات الحكم الشرعيّ فنأخذ الظنّ الذي ادّعيناه من ملاحظة أغلب الأحكام الشرعيّة ؛ لأنّه الأنسب به والأقرب إليه ، وإن أمكن ذلك بملاحظة أحكام سائر الموالي وعزائم سائر العباد.

ثمّ إنّ الظنّ الحاصل من جهة الغلبة في الأحكام الشرعيّة ، محصّله : أنّا نرى أغلب الأحكام الشرعيّة مستمرّة بسبب دليله الأوّل ، بمعنى أنّها ليست أحكاما آنيّة مختصّة بآن الصدور ، بل يفهم من حاله من جهة أمر خارجيّ عن الدليل أنّه يريد استمرار ذلك الحكم الأوّل من دون دلالة الحكم الأوّل على الاستمرار ، فإذا رأينا منه في مواضع عديدة أنّه اكتفى ـ حين إبداء الحكم ـ بالأمر المطلق القابل للاستمرار وعدمه ، ثمّ علمنا أنّ مراده من الأمر الأوّل الاستمرار ، نحكم فيما لم يظهر مراده ، بالاستمرار ؛ إلحاقا بالأغلب ، فقد حصل الظنّ بالدليل ـ وهو قول الشارع ـ بالاستمرار. وكذلك الكلام في موضوعات الأحكام من الامور الخارجيّة ؛ فإنّ غلبة البقاء يورث الظنّ القويّ ببقاء ما هو مجهول الحال (١) ، انتهى.

__________________

(١) القوانين ٢ : ٥٣ ـ ٥٤.

٩١

فيظهر وجه ضعف هذا التوجيه أيضا (١) ممّا أشرنا إليه (٢).

المناقشة فيما أفاده صاحب القوانين

توضيحه : أنّ الشكّ في الحكم الشرعي ، قد يكون من جهة الشكّ في مقدار استعداده ، وقد يكون من جهة الشكّ في تحقّق الرافع.

أمّا الأوّل ، فليس فيه نوع ولا صنف مضبوط من حيث مقدار الاستعداد ، مثلا : إذا شككنا في مدخليّة التغيّر في النجاسة حدوثا وارتفاعا وعدمها ، فهل ينفع في حصول الظنّ بعدم المدخليّة تتبّع الأحكام الشرعيّة الأخر ، مثل : أحكام الطهارات والنجاسات ، فضلا عن أحكام المعاملات والسياسات ، فضلا عن أحكام الموالي إلى العبيد؟

وبالجملة : فكلّ حكم شرعيّ أو غيره تابع لخصوص ما في نفس الحاكم من الأغراض والمصالح ، ومتعلّق بما هو موضوع له وله دخل في تحقّقه ، ولا دخل لغيره من الحكم المغاير له ، ولو اتّفق موافقته له كان بمجرّد الاتّفاق من دون ربط.

ومن هنا لو شكّ واحد من العبيد في مدخليّة شيء في حكم مولاه حدوثا وارتفاعا ، فتتبّع ـ لأجل الظنّ بعدم المدخليّة وبقاء الحكم بعد ارتفاع ذلك الشيء ـ أحكام سائر الموالي ، بل أحكام هذا المولى المغايرة للحكم المشكوك موضوعا ومحمولا ، عدّ من أسفه السفهاء.

وأمّا الثاني ـ وهو الشكّ في الرافع ـ فإن كان الشكّ في رافعيّة الشيء للحكم ، فهو أيضا لا دخل له بسائر الأحكام ؛ ألا ترى أنّ الشكّ في رافعيّة المذي للطهارة لا ينفع فيه تتبّع موارد الشكّ في

__________________

(١) لم ترد «أيضا» في (ر) و (ظ).

(٢) راجع الصفحة ٨٩.

٩٢

الرافعيّة ، مثل : ارتفاع النجاسة بالغسل مرّة ، أو نجاسة الماء بالإتمام كرّا ، أو ارتفاع طهارة الثوب والبدن بعصير العنب أو الزبيب أو التمر.

وأمّا الشكّ في وجود الرافع وعدمه ، فالكلام فيه هو الكلام في الامور الخارجيّة.

ومحصّله : أنّه إن اريد أنّه يحصل الظنّ بالبقاء إذا فرض له صنف أو نوع يكون الغالب في أفراده البقاء ، فلا ننكره ؛ ولذا يظنّ عدم النسخ عند الشكّ فيه. لكنّه يحتاج إلى ملاحظة الصنف أو النوع (١) حتّى لا يحصل التغاير ؛ فإنّ المتطهّر في الصبح إذا شكّ في وقت الضحى في بقاء طهارته وأراد إثبات ذلك بالغلبة ، فلا ينفعه تتبّع الموجودات الخارجيّة ، مثل : بياض ثوبه وطهارته وحياة زيد وقعوده وعدم ولادة الحمل الفلاني ، ونحو ذلك. نعم ، لو لوحظ صنف هذا المتطهّر في وقت الصبح المتّحد أو المتقارب فيما له مدخل في بقاء الطهارة ، ووجد الأغلب متطهّرا في هذا الزمان ، حصل الظنّ ببقاء طهارته.

وبالجملة : فما ذكره من ملاحظة أغلب الصنف فحصول الظنّ به حقّ ، إلاّ أنّ البناء على هذا في الاستصحاب يسقطه عن الاعتبار في أكثر موارده.

وإن بني على ملاحظة الأنواع البعيدة أو الجنس البعيد أو الأبعد ـ وهو الممكن القارّ ـ كما هو ظاهر كلام السيّد المتقدّم ، ففيه : ما تقدّم من القطع بعدم جامع بين مورد (٢) الشكّ وموارد الاستقراء ، يصلح

__________________

(١) في (ر) و (ظ) بدل «أو النوع» : «والتأمّل».

(٢) في (ه): «موارد».

٩٣

لاستناد البقاء إليه ، وفي مثله لا يحصل الظنّ بالإلحاق ؛ لأنّه لا بدّ في الظنّ بلحوق المشكوك بالأغلب من الظنّ أوّلا بثبوت الحكم أو الوصف للجامع (١) ، ليحصل (٢) الظنّ بثبوته في الفرد المشكوك.

وممّا يشهد بعدم حصول الظنّ بالبقاء اعتبار الاستصحاب في موردين يعلم بمخالفة أحدهما للواقع ؛ فإنّ المتطهّر بمائع شكّ في كونه بولا أو ماء ، يحكم باستصحاب طهارة بدنه وبقاء حدثه ، مع أنّ الظنّ بهما محال. وكذا الحوض الواحد إذا صبّ فيه الماء تدريجا فبلغ إلى موضع شكّ في بلوغ مائه كرّا ، فإنّه يحكم حينئذ ببقاء قلّته ، فإذا امتلأ واخذ منه الماء تدريجا إلى ذلك الموضع ، فيشكّ حينئذ في نقصه عن الكرّ ، فيحكم ببقاء كرّيته ، مع أنّ الظنّ بالقلّة في الأوّل وبالكرّية في الثاني محال.

ثمّ إنّ إثبات حجّية الظنّ المذكور ـ على تقدير تسليمه ـ دونه خرط القتاد ، خصوصا في الشبهة الخارجيّة التي لا تعتبر فيها الغلبة اتّفاقا ؛ فإنّ اعتبار استصحاب طهارة الماء من جهة الظنّ الحاصل من الغلبة ، وعدم اعتبار الظنّ بنجاسته من غلبة اخرى ـ كطين الطريق مثلا ـ ممّا لا يجتمعان. وكذا اعتبار قول المنكر من باب الاستصحاب مع الظنّ بصدق المدّعي لأجل الغلبة.

الوجه الرابع : بناء العقلاء

ومنها : بناء العقلاء على ذلك في جميع امورهم ، كما ادّعاه العلاّمة ; في النهاية (٣) وأكثر من تأخّر عنه.

__________________

(١) في (ر) و (ص): «الجامع».

(٢) كذا في (ت) و (ظ) ، وفي غيرهما : «فيحصل».

(٣) نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٠٧.

٩٤

وزاد بعضهم (١) : أنّه لو لا ذلك لاختلّ نظام العالم وأساس عيش بني آدم.

وزاد آخر (٢) : أنّ العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتّى الحيوانات ؛ ألا ترى أنّ الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي عهدت فيها الماء والكلأ ، والطيور تعود من الأماكن البعيدة إلى أوكارها ، ولو لا البناء على «إبقاء ما كان على ما كان» (٣) لم يكن وجه لذلك.

المناقشة في الوجه الرابع

والجواب : أنّ بناء العقلاء إنّما يسلّم في موضع يحصل لهم الظنّ بالبقاء لأجل الغلبة ، فإنّهم في امورهم عاملون بالغلبة ، سواء وافقت الحالة السابقة أو خالفتها ؛ ألا ترى أنّهم لا يكاتبون من عهدوه في حال لا يغلب فيه السلامة ، فضلا عن المهالك ـ إلاّ على سبيل الاحتياط لاحتمال الحياة ـ ولا يرسلون إليه البضائع للتجارة ، ولا يجعلونه وصيّا في الأموال أو قيّما على الأطفال ، ولا يقلّدونه في هذا الحال إذا كان من أهل الاستدلال ، وتراهم لو شكّوا في نسخ الحكم الشرعيّ يبنون على عدمه ، ولو شكّوا في رافعيّة المذي شرعا للطهارة فلا يبنون على عدمها.

وبالجملة : فالذي أظنّ أنّهم غير بانين في الشكّ في الحكم

__________________

(١) مثل المحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٧٥ ، وشريف العلماء في تقريرات درسه في ضوابط الاصول : ٣٥٤.

(٢) حكاه في الفصول : ٣٦٩.

(٣) لم ترد «على ما كان» في (ر) ، (ص) و (ظ).

٩٥

الشرعيّ من غير جهة النسخ على الاستصحاب.

نعم ، الإنصاف : أنّهم لو شكّوا في بقاء حكم شرعيّ فليس عندهم كالشكّ في حدوثه في البناء على العدم ، ولعلّ هذا من جهة عدم وجدان الدليل بعد الفحص ؛ فإنّها أمارة على العدم ؛ لما علم من بناء الشارع على التبليغ ، فظنّ عدم الورود يستلزم الظنّ بعدم الوجود.

والكلام في اعتبار هذا الظنّ بمجرّده ـ من غير ضمّ حكم العقل بقبح التعبّد بما لا يعلم ـ في باب أصل البراءة (١).

كلام الشيخ الطوسي في العدة

قال في العدّة ـ بعد ما اختار عدم اعتبار الاستصحاب في مثل المتيمّم الداخل في الصلاة ـ : والذي يمكن أن ينتصر به طريقة استصحاب الحال ما أومأنا إليه من أن يقال : لو كانت الحالة الثانية مغيّرة للحكم الأوّل لكان عليه دليل ، وإذا تتبّعنا جميع الأدلّة فلم نجد فيها ما يدلّ على أنّ الحالة الثانية مخالفة للحالة الاولى ، دلّ على أنّ حكم الحالة الاولى باق على ما كان.

فإن قيل : هذا رجوع إلى الاستدلال بطريق آخر ، وذلك خارج عن استصحاب الحال.

قيل : إنّ الذي نريد باستصحاب الحال هذا الذي ذكرناه ، وأمّا غير ذلك فلا يكاد يحصل غرض القائل به (٢) ، انتهى.

__________________

(١) راجع مبحث البراءة ٢ : ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) العدّة ٢ : ٧٥٨.

٩٦

[حجة القول الثاني](١)

الاستدلال على عدم الحجية مطلقا بوجوه :

احتجّ النافون بوجوه :

منها : ما عن الذريعة وفي الغنية ، من أنّ المتعلّق بالاستصحاب يثبت الحكم عند التحقيق من غير دليل.

١ ـ دعوى أنّ الاستصحاب إثبات للحكم من غير دليل

توضيح ذلك : أنّهم يقولون : قد ثبت بالإجماع على من شرع في الصلاة بالتيمّم وجوب المضيّ فيها قبل مشاهدة الماء ، فيجب أن يكون على هذا الحال بعد المشاهدة. وهذا منهم جمع بين الحالتين في حكم من غير دليل اقتضى الجمع بينهما ؛ لأنّ اختلاف الحالتين لا شبهة فيه ؛ لأنّ المصلّي غير واجد للماء في إحداهما وواجد له في الاخرى ، فلا يجوز التسوية بينهما من غير دلالة ، فإذا كان الدليل لا يتناول إلاّ الحالة الاولى ، وكانت الحالة الاخرى عارية منه ، لم يجز أن يثبت فيها مثل الحكم (٢) ، انتهى.

المناقشة في ذلك

أقول : إن كان محلّ الكلام فيما كان الشكّ لتخلّف وصف وجوديّ أو عدميّ متحقّق سابقا يشكّ في مدخليّته في أصل الحكم أو بقائه ، فالاستدلال المذكور متين جدّا ؛ لأنّ الفرض (٣) عدم دلالة دليل الحكم الأوّل ، وفقد دليل عامّ يدلّ على انسحاب كلّ حكم ثبت في الحالة

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) الذريعة ٢ : ٨٢٩ ـ ٨٣٠ ، والغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٨٦ ، واللفظ للثاني.

(٣) في (ت) و (ص): «المفروض».

٩٧

الاولى في الحالة الثانية ؛ لأنّ عمدة ما ذكروه من الدليل هي الأخبار المذكورة ، وقد عرفت اختصاصها بمورد يتحقّق (١) معنى النقض ، وهو الشكّ من جهة الرافع.

نعم قد يتخيّل : كون مثال التيمّم من قبيل الشكّ من جهة الرافع ؛ لأنّ الشكّ في انتقاض التيمّم بوجدان الماء في الصلاة كانتقاضه بوجدانه قبلها ، سواء قلنا بأنّ التيمّم رافع للحدث ، أم قلنا : إنّه مبيح ؛ لأنّ الإباحة أيضا مستمرّة إلى أن ينتقض بالحدث أو يوجد الماء.

ولكنّه فاسد : من حيث إنّ وجدان الماء ليس من الروافع والنواقض ، بل الفقدان الذي هو وصف المكلّف لمّا كان مأخوذا في صحّة التيمّم حدوثا وبقاء في الجملة ، كان الوجدان رافعا لوصف الموضوع الذي هو المكلّف ، فهو نظير التغيّر الذي يشكّ في زوال النجاسة بزواله ، فوجدان الماء ليس كالحدث وإن قرن به في قوله عليه‌السلام ـ حين سئل عن جواز الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد ـ : «نعم ، ما لم يحدث أو يجد ماء» (٢) ؛ لأنّ المراد من ذلك تحديد الحكم بزوال المقتضي أو طروّ الرافع.

وكيف كان ، فإن كان محلّ الكلام في الاستصحاب ما كان من قبيل هذا المثال فالحقّ مع المنكرين ؛ لما ذكروه.

وإن شمل ما كان من قبيل تمثيلهم الآخر ـ وهو الشكّ في ناقضيّة الخارج من غير السبيلين ـ قلنا : إنّ إثبات الحكم بعد خروج الخارج

__________________

(١) في (ص) زيادة : «فيه».

(٢) المستدرك ٢ : ٥٤٤ ، الحديث ٢ ، وفيه بدل «أو يجد ماء» : «أو يجد الماء».

٩٨

ليس من غير دليل ، بل الدليل ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة ، مضافا إلى إمكان التمسّك بما ذكرنا في توجيه كلام المحقّق ; في المعارج ، لكن عرفت ما فيه من التأمّل (١).

ثمّ إنّه أجاب في المعارج عن الدليل المذكور : بأنّ قوله : «عمل بغير دليل» غير مسلّم ؛ لأنّ الدليل دلّ على أنّ الثابت لا يرتفع إلاّ برافع ، فإذا كان التقدير تقدير عدمه كان بقاء الثابت راجحا في نظر المجتهد ، والعمل بالراجح لازم (٢) ، انتهى.

وكأنّ مراده بتقدير عدم الرافع عدم العلم به ، وقد عرفت ما في دعوى حصول الظنّ بالبقاء بمجرّد ذلك ، إلاّ أن يرجع إلى عدم الدليل بعد الفحص الموجب للظنّ بالعدم.

٢ ـ لزوم القطع بالبقاء بناء على حجّية الاستصحاب

ومنها : أنّه لو كان الاستصحاب حجّة لوجب فيمن علم زيدا في الدار ولم يعلم بخروجه منها أن يقطع ببقائه فيها ، وكذا كان يلزم إذا علم بأنّه حيّ ثمّ انقضت مدّة لم يعلم فيها بموته أن يقطع ببقائه ، وهو باطل.

وقال في محكيّ الذريعة : قد ثبت في العقول أنّ من شاهد زيدا في الدار ثمّ غاب عنه لم يحسن اعتقاد استمرار كونه في الدار إلاّ بدليل متجدّد ، ولا يجوز استصحاب الحال الاولى (٣) وقد صار كونه في الدار في الزمان الثاني وقد زالت الرؤية ، بمنزلة كون عمرو فيها مع فقد الرؤية (٤).

__________________

(١) راجع الصفحة ٨٦.

(٢) المعارج : ٢٠٩.

(٣) في المصدر : «الحال الأوّل».

(٤) الذريعة ٢ : ٨٣٢.

٩٩

وأجاب في المعارج عن ذلك : بأنّا لا ندّعي القطع ، لكن ندّعي رجحان الاعتقاد ببقائه ، وهذا يكفي في العمل به (١).

المناقشة فيه

أقول : قد عرفت ممّا سبق منع حصول الظنّ كلّية ، ومنع حجّيته (٢).

٣ ـ لزوم التناقض بناء على الحجّية والمناقشة فيه

ومنها : أنّه لو كان حجّة لزم التناقض ؛ إذ كما يقال : كان للمصلّي قبل وجدان الماء المضيّ في صلاته فكذا بعد الوجدان ، كذلك يقال : إنّ وجدان الماء قبل الدخول في الصلاة كان ناقضا للتيمّم فكذا بعد الدخول ، أو يقال : الاشتغال بصلاة متيقّنة ثابت قبل فعل هذه الصلاة فيستصحب.

قال في المعتبر : استصحاب الحال ليس حجّة ؛ لأنّ شرعيّة الصلاة بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعيّة معه ، ثمّ إنّ مثل هذا لا يسلم عن المعارض ؛ لأنّك تقول : الذمّة مشغولة بالصلاة قبل الإتمام فكذا بعده (٣) ، انتهى.

وأجاب عن ذلك في المعارج : بمنع وجود المعارض في كلّ مقام ، ووجود المعارض في الأدلّة المظنونة لا يوجب سقوطها حيث تسلم عن المعارض (٤).

المناقشة فيه

أقول : لو بني على معارضة الاستصحاب بمثل استصحاب الاشتغال لم يسلم الاستصحاب في أغلب الموارد (٥) عن المعارض ؛ إذ قلّما ينفكّ مستصحب عن أثر حادث يراد ترتّبه على بقائه ، فيقال : الأصل عدم ذلك الأثر.

والأولى في الجواب : أنّا إذا قلنا باعتبار الاستصحاب لإفادته

__________________

(١ و ٤) المعارج : ٢٠٩.

(٢) راجع الصفحة ٨٧.

(٣) المعتبر ١ : ٣٢.

(١ و ٤) المعارج : ٢٠٩.

(٥) في (ص) و (ظ) بدل «في أغلب الموارد» : «في موضع».

١٠٠