فرائد الأصول - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-04-4
الصفحات: ٤٣٩

ثبوت الحكم ... الخ» (١).

فإنّ (٢) الحاصل من النظر في كيفيّة شرطيّة الشرط أنّه :

قد يكون نفس الشيء شرطا لشيء على الإطلاق ، كالطهارة من الحدث الأصغر للمسّ ، ومن الأكبر للمكث في المساجد ، ومن الحيض للوطء ووجوب العبادة.

وقد يكون شرطا في حال دون حال ، كاشتراط الطهارة من الخبث في الصلاة مع التمكّن ، لا مع عدمه.

وقد يكون حدوثه في زمان ما شرطا للشيء فيبقى المشروط ولو بعد ارتفاع الشرط ، كالاستطاعة للحجّ.

وقد يكون تأثير الشرط بالنسبة إلى فعل دون آخر ، كالوضوء العذريّ المؤثّر فيما يؤتى به حال العذر.

فإذا شككنا في مسألة الحجّ في بقاء وجوبه بعد ارتفاع الاستطاعة ، فلا مانع من استصحابه.

وكذا لو شككنا في اختصاص الاشتراط بحال التمكّن من الشرط ـ كما إذا ارتفع التمكّن من إزالة النجاسة في أثناء الوقت ـ فإنّه لا مانع من استصحاب الوجوب.

وكذا لو شككنا في أنّ الشرط في إباحة الوطء الطهارة بمعنى النقاء من الحيض أو ارتفاع حدث الحيض.

وكذا لو شككنا في بقاء إباحة الصلاة أو المسّ بعد الوضوء

__________________

(١) لم ترد «فإنّ شيئا من الأقسام ـ إلى ـ ثبوت الحكم» في (ظ).

(٢) في (ت) و (ه) بدل «فإنّ» : «نعم».

١٤١

العذريّ إذا كان الفعل المشروط به بعد زوال العذر (١).

وبالجملة : فلا أجد كيفيّة شرطية الشرط مانعة عن جريان الاستصحاب في المشروط ، بل قد يوجب إجراءه فيه.

قوله : «فظهر ممّا ذكرنا أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يجري إلاّ في الأحكام الوضعيّة ، أعني : الأسباب والشروط والموانع».

لا يخفى ما في هذا التفريع ؛ فإنّه لم يظهر من كلامه جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعيّة بمعنى نفس الأسباب والشروط والموانع ، ولا عدمه فيها بالمعنى المعروف. نعم ، علم من كلامه عدم الجريان في المسبّبات أيضا ؛ لزعمه انحصارها في المؤبّد والموقّت بوقت محدود معلوم.

فبقي أمران : أحدهما : نفس الحكم الوضعيّ ، وهو جعل الشيء سببا لشيء أو شرطا. واللازم عدم جريان الاستصحاب فيها ؛ لعين ما ذكره في الأحكام التكليفيّة.

والثاني : نفس الأسباب والشروط.

ويرد عليه : أنّ نفس السبب والشرط والمانع إن كان أمرا غير شرعيّ ، فظاهر كلامه ـ حيث جعل محلّ الكلام في الاستصحاب المختلف فيه هي الامور الشرعيّة ـ خروج مثل هذا عنه ، كحياة زيد ورطوبة ثوبه. وإن كان أمرا شرعيّا ـ كالطهارة والنجاسة ـ فلا يخفى أنّ هذه الامور الشرعيّة مسبّبة عن أسباب ، فإنّ النجاسة التي مثّل بها في الماء

__________________

(١) لم ترد «وكذا لو شككنا في أنّ ـ إلى ـ زوال العذر» في (ت) و (ه) ، وكتب فوقها في (ص) و (ظ): «نسخة».

١٤٢

المتغيّر مسبّبة عن التغيّر ، والطهارة التي مثّل بها في مسألة المتيمّم مسبّبة عن التيمّم ؛ فالشكّ في بقائهما (١) لا يكون إلاّ للشكّ في كيفيّة سببيّة السبب الموجب لإجراء الاستصحاب في المسبّب ـ أعني النجاسة والطهارة ـ ، وقد سبق منه المنع عن جريان الاستصحاب في المسبّب.

ودعوى : أنّ الممنوع في كلامه جريان الاستصحاب في الحكم التكليفيّ المسبّب عن الأسباب إلاّ تبعا لجريانه في نفس الأسباب.

مدفوعة : بأنّ النجاسة ـ كما حكاه المفصّل عن الشهيد (٢) ـ ليست إلاّ عبارة عن وجوب الاجتناب ، والطهر الحاصل من التيمّم ليس إلاّ إباحة الدخول في الصلاة المستلزمة لوجوب المضيّ فيها بعد الدخول ، فهما اعتباران (٣) منتزعان من الحكم التكليفيّ.

قوله : «ووقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعيّتها ... الخ».

قد عرفت وستعرف (٤) أيضا : أنّه لا خفاء في أنّ استصحاب النجاسة لا يعقل له معنى إلاّ ترتيب أثرها ـ أعني وجوب الاجتناب في الصلاة والأكل والشرب ـ ، فليس هنا استصحاب للحكم التكليفيّ ، لا ابتداء ولا تبعا ، وهذا كاستصحاب حياة زيد ؛ فإنّ حقيقة ذلك هو الحكم بتحريم عقد زوجته والتصرّف في ماله ، وليس هذا استصحابا لهذا التحريم.

__________________

(١) كذا في (ظ) و (ه) ، وفي غيرهما : «بقائها».

(٢) حكاه في الوافية : ١٨٤ ـ ١٨٥ ، وراجع القواعد والفوائد ٢ : ٨٥.

(٣) في (ت): «أمران اعتباريّان».

(٤) انظر الصفحة ١١٢ و ٢٩٢.

١٤٣

بل (١) التحقيق ـ كما سيجيء (٢) ـ : عدم جواز إجراء الاستصحاب في الأحكام التي تستصحب موضوعاتها ؛ لأنّ استصحاب وجوب الاجتناب ـ مثلا ـ إن كان بملاحظة استصحاب النجاسة فقد عرفت أنّه لا يبقى بهذه الملاحظة شكّ في وجوب الاجتناب ؛ لما عرفت (٣) : من أنّ حقيقة حكم الشارع باستصحاب النجاسة هو حكمه بوجوب الاجتناب حتّى يحصل اليقين بالطهارة. وإن كان مع قطع النظر عن استصحابها فلا يجوز الاستصحاب ؛ فإنّ وجوب الاجتناب سابقا عن الماء المذكور إنّما كان من حيث كونه نجسا ؛ لأنّ النجس هو الموضوع لوجوب الاجتناب ، فما لم يحرز الموضوع في حال الشكّ لم يجر الاستصحاب ، كما سيجيء (٤) في مسألة اشتراط القطع ببقاء الموضوع في الاستصحاب (٥).

* * *

__________________

(١) في (ه) بدل «بل» : «فإنّ».

(٢) انظر الصفحة ٢٩٣.

(٣) في الصفحة السابقة.

(٤) انظر الصفحة ٢٨٩.

(٥) لم ترد «وليس هذا استصحابا ـ إلى ـ ببقاء الموضوع في الاستصحاب» في (ظ) ، ووردت بدلها العبارة التالية : «فليس هنا استصحاب لهذا التحريم ، فإنّ التحقيق عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التي تستصحب موضوعاتها ؛ إذ مع استصحابها ـ كالنجاسة ـ لا يبقى الشكّ في وجودها ؛ فإنّ حقيقة حكم الشارع باستصحاب النجاسة هو حكمه بوجوب الاجتناب ، وبدونه لا وجه لاستصحاب الأحكام ؛ لعدم إحراز الموضوع على وجه القطع ، كما ستعرف اشتراطه».

١٤٤

شبهة اخرى في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفيّة

ثمّ اعلم : أنّه بقي هنا شبهة اخرى في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفيّة مطلقا ، وهي : أنّ الموضوع للحكم التكليفيّ ليس إلاّ فعل المكلّف ، ولا ريب أنّ الشارع ـ بل كلّ حاكم ـ إنّما يلاحظ الموضوع بجميع مشخّصاته التي لها دخل في ذلك الحكم ثمّ يحكم عليه.

وحينئذ ، فإذا أمر الشارع بفعل ـ كالجلوس في المسجد مثلا ـ فإن كان الموضوع فيه هو مطلق الجلوس فيه الغير المقيّد بشيء أصلا ، فلا إشكال في عدم ارتفاع وجوبه إلاّ بالإتيان به ؛ إذ لو ارتفع الوجوب بغيره كان ذلك الرافع من قيود الفعل ، وكان الفعل المطلوب مقيّدا بعدم هذا القيد من أوّل الأمر ، والمفروض خلافه.

وإن كان الموضوع فيه هو الجلوس المقيّد بقيد ، كان عدم ذلك القيد موجبا لانعدام الموضوع ، فعدم مطلوبيّته ليس بارتفاع الطلب عنه ، بل لم يكن مطلوبا من أوّل الأمر.

وحينئذ فإذا شكّ في الزمان المتأخّر في وجوب الجلوس ، يرجع الشكّ إلى الشكّ في كون الموضوع للوجوب هو الفعل المقيّد ، أو الفعل المعرّى عن هذا القيد.

ومن المعلوم عدم جريان الاستصحاب هنا ؛ لأنّ معناه إثبات حكم كان متيقّنا لموضوع معيّن عند الشكّ في ارتفاعه عن ذلك الموضوع ، وهذا غير متحقّق فيما نحن فيه.

وكذا الكلام في غير الوجوب من الأحكام الأربعة الأخر ؛ لاشتراك الجميع في كون الموضوع لها هو فعل المكلّف الملحوظ للحاكم بجميع مشخّصاته ، خصوصا إذا كان حكيما ، وخصوصا عند القائل بالتحسين والتقبيح ؛ لمدخليّة المشخّصات في الحسن والقبح حتّى الزمان.

١٤٥

وبه يندفع ما يقال : إنّه كما يمكن أن يجعل الزمان ظرفا للفعل ، بأن يقال : إنّ التبريد في زمان الصيف مطلوب ، فلا يجري الاستصحاب إذا شكّ في مطلوبيّته في زمان آخر ، أمكن أن يقال : إنّ التبريد مطلوب في الصيف ، على أن يكون الموضوع نفس التبريد والزمان قيدا للطلب ، وحينئذ فيجوز استصحاب الطلب إذا شكّ في بقائه بعد الصيف ؛ إذا الموضوع باق على حاله (١).

توضيح الاندفاع : أنّ القيد في الحقيقة راجع إلى الموضوع ، وتقييد الطلب به (٢) أحيانا في الكلام مسامحة في التعبير ـ كما لا يخفى ـ فافهم.

وبالجملة : فينحصر مجرى الاستصحاب في الامور القابلة للاستمرار في موضوع ، وللارتفاع عن ذلك الموضوع بعينه ، كالطهارة والحدث والنجاسة والملكيّة والزوجيّة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك.

ومن ذلك يظهر عدم جريان الاستصحاب في الحكم الوضعيّ (٣) أيضا إذا تعلّق بفعل الشخص.

الجواب عن هذه الشبهة

هذا ، والجواب عن ذلك : أنّ مبنى الاستصحاب ـ خصوصا إذا استند فيه إلى الأخبار ـ على القضايا العرفيّة المتحقّقة في الزمان السابق التي ينتزعها العرف من الأدلّة الشرعيّة ، فإنّهم لا يرتابون في أنّه إذا ثبت تحريم فعل في زمان ثمّ شكّ في بقائه بعده ، أنّ (٤) الشكّ في هذه

__________________

(١) في (ظ) زيادة : «في الحالين» ، وفي نسخة بدل (ص): «في الحالتين».

(٢) لم ترد «به» في (ظ).

(٣) لم ترد «الوضعي» في (ظ).

(٤) في (ه) و (ت) بدل «أنّ» : «فإنّ».

١٤٦

المسألة في استمرار الحرمة لهذا الفعل وارتفاعها ، وإن كان مقتضى المداقّة العقليّة كون الزمان قيدا للفعل. وكذلك الإباحة والكراهة والاستحباب.

نعم قد يتحقّق في بعض الواجبات مورد لا يحكم العرف بكون الشكّ في الاستمرار ، مثلا : إذا ثبت في يوم وجوب فعل عند الزوال ، ثمّ شككنا في الغد أنّه واجب اليوم عند الزوال ، فلا يحكمون باستصحاب ذلك ، ولا يبنون على كونه ممّا شكّ في استمراره وارتفاعه ، بل يحكمون في الغد بأصالة عدم الوجوب قبل الزوال. أمّا لو ثبت ذلك مرارا ، ثمّ شكّ فيه بعد أيّام ، فالظاهر حكمهم بأنّ هذا الحكم كان مستمرّا وشكّ في ارتفاعه ، فيستصحب.

ومن هنا ترى الأصحاب يتمسّكون باستصحاب وجوب التمام عند الشكّ في حدوث التكليف بالقصر ، وباستصحاب وجوب العبادة عند شكّ المرأة في حدوث الحيض ، لا من جهة أصالة عدم السفر الموجب للقصر ، وعدم الحيض المقتضي لوجوب العبادة ـ حتّى يحكم بوجوب التمام ؛ لأنّه من آثار عدم السفر الشرعيّ الموجب للقصر ، وبوجوب العبادة ؛ لأنّه من آثار عدم الحيض ـ بل من جهة كون التكليف بالتمام وبالعبادة عند زوال كلّ يوم أمرا مستمرّا عندهم وإن كان التكليف يتجدّد يوما فيوما ، فهو في كلّ يوم مسبوق بالعدم ، فينبغي أن يرجع إلى استصحاب عدمه ، لا إلى استصحاب وجوده.

والحاصل : أنّ المعيار حكم العرف بأنّ الشيء الفلانيّ كان مستمرّا فارتفع وانقطع ، وأنّه مشكوك الانقطاع. ولو لا ملاحظة هذا التخيّل العرفيّ لم يصدق على النسخ أنّه رفع للحكم الثابت أو لمثله ؛ فإنّ عدم التكليف في وقت الصلاة بالصلاة إلى القبلة المنسوخة دفع في الحقيقة

١٤٧

للتكليف ، لا رفع.

ونظير ذلك ـ في غير الأحكام الشرعيّة ـ ما سيجيء : من إجراء الاستصحاب في مثل الكرّية وعدمها (١) ، وفي الامور التدريجيّة المتجدّدة شيئا فشيئا (٢) ، وفي مثل وجوب الناقص بعد تعذّر بعض الأجزاء (٣) فيما لا يكون الموضوع فيه باقيا إلاّ بالمسامحة العرفيّة ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٨١.

(٢) انظر الصفحة ٢٠٥.

(٣) انظر الصفحة ٢٨٠.

١٤٨

[حجّة القول الثامن](١)

التفصيل بين ما ثبت بالإجماع وغيره ونسبته الى الغزالي

حجّة القول الثامن وجوابها يظهر بعد بيانه وتوضيح القول فيه. فنقول :

قد نسب جماعة (٢) إلى الغزاليّ القول بحجّيّة الاستصحاب وإنكارها في استصحاب حال الإجماع ، وظاهر ذلك كونه مفصّلا في المسألة.

وقد ذكر في النهاية (٣) مسألة الاستصحاب ، ونسب إلى جماعة منهم الغزاليّ حجّيته ، ثمّ أطال الكلام في أدلّة النافين والمثبتين ، ثمّ ذكر عنوانا آخر لاستصحاب حال الإجماع ، ومثّل له بالمتيمّم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة ، وبالخارج من غير السبيلين من المتطهّر ، ونسب إلى الأكثر ومنهم الغزاليّ عدم حجّيّته.

ظاهر كلام الغزالي إنكار الاستصحاب مطلقا

إلاّ أنّ الذي يظهر بالتدبّر في كلامه المحكيّ في النهاية : هو إنكار الاستصحاب المتنازع فيه رأسا وإن ثبت المستصحب بغير الإجماع من الأدلّة المختصّة دلالتها بالحال الأوّل المعلوم انتفاؤها في الحال الثاني ؛ فإنّه قد يعبّر عن جميع ذلك باستصحاب حال الإجماع ، كما ستعرف

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) مثل التفتازاني في حاشية شرح مختصر الاصول : ٢٨٥ ، والسيّد الصدر في شرح الوافية (مخطوط) : ٣٤١ ، والمحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٥١ ، مضافا إلى العلاّمة في النهاية.

(٣) نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٠٧ ـ ٤١٢.

١٤٩

منشأ نسبة هذا التفصيل إلى الغزالي

في كلام الشهيد ; (١) ، وإنّما المسلّم عنده استصحاب عموم النصّ أو إطلاقه الخارج عن محلّ النزاع ، بل عن حقيقة الاستصحاب حقيقة. فمنشأ نسبة التفصيل إطلاق الغزاليّ الاستصحاب على استصحاب عموم النصّ أو إطلاقه ، وتخصيص عنوان ما أنكره باستصحاب حال الإجماع ، وإن صرّح في أثناء كلامه بإلحاق غيره ـ ممّا يشبه في اختصاص مدلوله بالحالة الاولى ـ به في منع جريان الاستصحاب فيما ثبت به (٢).

قال في الذكرى ـ بعد تقسيم حكم العقل الغير المتوقّف على الخطاب إلى خمسة أقسام : ما يستقلّ به العقل كحسن العدل ، والتمسّك بأصل البراءة ، وعدم الدليل دليل العدم ، والأخذ بالأقلّ عند فقد دليل على الأكثر ـ :

الخامس : أصالة بقاء ما كان ، ويسمّى استصحاب حال الشرع وحال الإجماع في محلّ الخلاف ، مثاله : المتيمّم ... الخ ، واختلف الأصحاب في حجّيته ، وهو مقرّر في الاصول (٣). انتهى.

ونحوه ما حكي عن الشهيد الثاني في مسألة أنّ الخارج من غير السبيلين ناقض أم لا؟ وفي مسألة المتيمّم ... الخ (٤) ، وصاحب الحدائق في

__________________

(١) وذلك بعد أسطر.

(٢) لم ترد «به» في (ر) ، (ص) و (ه). وفي (ت) زيادة : «كما» ، وفي (ص) زيادة : «كما ستعرف في كلام الشهيد».

(٣) الذكرى : ٥.

(٤) تمهيد القواعد : ٢٧١.

١٥٠

الدرر النجفيّة (١) ، بل استظهر هذا من كلّ من مثّل لمحلّ النزاع بمسألة المتيمّم ، كالمعتبر (٢) والمعالم (٣) وغيرهما (٤).

كلام الغزاليّ

ولا بدّ من نقل عبارة الغزاليّ ـ المحكيّة في النهاية ـ حتّى يتّضح حقيقة الحال. قال الغزاليّ ـ على ما حكاه في النهاية (٥) ـ :

المستصحب إن أقرّ بأنّه لم يقم دليلا في المسألة ، بل قال : أنا ناف ولا دليل على النافي ، فسيأتي بيان وجوب الدليل على النافي ، وإن ظنّ إقامة الدليل فقد أخطأ ؛ فإنّا نقول : إنّما يستدام الحكم الذي دلّ الدليل على دوامه ، وهو إن كان لفظ الشارع فلا بدّ من بيانه ، فلعلّه يدلّ على دوامها عند عدم الخروج من غير السبيلين (٦) لا عند وجوده (٧). وإن دلّ بعمومه على دوامها عند العدم والوجود معا كان ذلك تمسّكا بالعموم ، فيجب إظهار دليل التخصيص. وإن كان بالإجماع (٨) فالإجماع إنّما انعقد على دوام الصلاة عند العدم دون الوجود ، ولو كان الإجماع شاملا حال الوجود كان المخالف له خارقا للإجماع ، كما أنّ المخالف في انقطاع الصلاة

__________________

(١) الدرر النجفيّة : ٣٤.

(٢) المعتبر ١ : ٣٢.

(٣) المعالم : ١٣١.

(٤) مثل الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٨٦ ، والذريعة ٢ : ٨٣٠.

(٥) نهاية الوصول (مخطوط) : ٤١٢.

(٦) لم ترد «من غير السبيلين» في النهاية.

(٧) في المستصفى بدل «عدم الخروج ـ إلى ـ وجوده» : «العدم لا عند الوجود».

(٨) في (ت) و (ر) بدل «بالإجماع» : «الإجماع» ، وفي (ظ) ومصحّحة (ص) : «إجماعا» ، وفي النهاية والمستصفى : «بإجماع».

١٥١

عند هبوب الرياح وطلوع الشمس خارق للإجماع ؛ لأنّ الإجماع لم ينعقد مشروطا بعدم الهبوب وانعقد مشروطا بعدم الخروج وعدم (١) الماء ، فإذا وجد فلا إجماع ، فيجب أن يقاس حال الوجود على حال العدم المجمع عليه لعلّة جامعة ، فأمّا أن يستصحب الإجماع عند انتفاء الإجماع فهو محال. وهذا كما أنّ العقل دلّ على البراءة الأصليّة بشرط عدم دليل السمع ، فلا يبقى له دلالة مع وجود دليل السمع ، فكذا هنا انعقد الإجماع بشرط العدم ، فانتفى الإجماع عند الوجود.

وهذه دقيقة : وهو أنّ كلّ دليل يضادّ (٢) نفس الخلاف فلا يمكن استصحابه مع الخلاف ، والإجماع يضادّه نفس الخلاف ؛ إذ لا إجماع مع الخلاف ، بخلاف العموم والنصّ ودليل العقل ، فإنّ الخلاف لا يضادّه ؛ فإنّ المخالف مقرّ بأنّ العموم بصيغته شامل لمحلّ الخلاف ؛ فإنّ قوله عليه وآله الصلاة والسلام : «لا صيام لمن لا يبيت الصّيام من اللّيل» (٣) شامل بصيغته صوم رمضان ، مع خلاف الخصم فيه ، فيقول : «اسلّم شمول الصيغة ، لكنّي أخصّصه (٤) بدليل» فعليه الدليل. وهنا ، المخالف لا يسلّم شمول الإجماع لمحلّ الخلاف ؛ لاستحالة الإجماع مع الخلاف ، ولا يستحيل شمول الصيغة مع الدليل. فهذه دقيقة يجب التنبّه لها.

ثمّ قال : فإن قيل : الإجماع يحرّم الخلاف ، فكيف يرتفع بالخلاف؟

__________________

(١) لم ترد «الخروج وعدم» في المستصفى.

(٢) في النهاية : «يضادّه».

(٣) المستدرك ٧ : ٣١٦ ، الباب ٢ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث الأوّل.

(٤) كذا في المستصفى ، وفي النهاية والنسخ : «أخصّه».

١٥٢

وأجاب : بأنّ هذا الخلاف غير محرّم بالإجماع ، ولم يكن المخالف خارقا للإجماع ؛ لأنّ الإجماع إنّما انعقد على حالة العدم ، لا على حالة الوجود ، فمن ألحق الوجود بالعدم فعليه الدليل.

لا يقال : دليل صحّة الشروع دالّ على الدوام إلى أن يقوم دليل على الانقطاع.

لأنّا نقول : ذلك الدليل ليس هو الإجماع ؛ لأنّه مشروط بالعدم ، فلا يكون دليلا عند الوجود (١) ، وإن كان نصّا فبيّنه حتّى ننظر هل يتناول حال الوجود أم لا؟

لا يقال : لم ينكروا (٢) على من يقول : الأصل أنّ ما ثبت دام إلى وجود قاطع ؛ فلا يحتاج الدوام إلى دليل في نفسه ، بل الثبوت هو المحتاج ، كما إذا ثبت موت زيد أو بناء دار كان دوامه بنفسه لا بسبب.

لأنّا نقول : هذا وهم باطل ؛ لأنّ كلّ ما ثبت جاز دوامه وعدمه ، فلا بدّ لدوامه من سبب ودليل سوى دليل الثبوت. ولو لا دليل العادة على أنّ الميّت لا يحيى والدار لا ينهدم إلاّ بهادم أو طول الزمان ، لما عرفنا دوامه بمجرّد ثبوته ، كما لو اخبر عن قعود الأمير وأكله ودخوله الدار ، ولم يدلّ العادة على دوام هذه الأحوال ، فإنّا لا نقضي بدوامها. وكذا خبر الشارع عن دوام الصلاة مع عدم الماء ليس خبرا عن دوامها مع وجوده ، فيفتقر في دوامها إلى دليل آخر (٣) ، انتهى.

__________________

(١) كذا في المستصفى ، ولكن في النسخ والنهاية : «عند العدم».

(٢) كذا في النسخ ، وفي النهاية : «لم ينكرون» ، وفي المستصفى : «بم تنكرون».

(٣) المستصفى ١ : ٢٢٤ ـ ٢٢٩ ، مع تفاوت يسير عمّا حكاه في النهاية.

١٥٣

ولا يخفى أنّ كثيرا من كلماته ـ خصوصا قوله أخيرا : «خبر الشارع عن دوامها» ـ صريح في أنّ هذا الحكم غير مختصّ بالإجماع ، بل يشمل كلّ دليل يدلّ على قضيّة مهملة من حيث الزمان بحيث يقطع بانحصار مدلوله الفعليّ في الزمان الأوّل.

نسبة شارح المختصر القول بحجّية الاستصحاب مطلقا إلى الغزالي

والعجب من شارح المختصر ؛ حيث إنّه نسب القول بحجّية الاستصحاب إلى جماعة منهم الغزاليّ ، ثمّ قال :

ولا فرق عند من يرى صحّة الاستدلال به بين أن يكون الثابت به نفيا أصليّا ، كما يقال فيما اختلف كونه نصابا : لم تكن الزكاة واجبة عليه والأصل بقاؤه ، أو حكما شرعيّا ، مثل قول الشافعيّة في الخارج من غير السبيلين : إنّه كان قبل خروج الخارج متطهّرا ، والأصل البقاء حتّى يثبت معارض ، والأصل عدمه (١) ، انتهى.

ولا يخفى : أنّ المثال الثاني ، ممّا نسب إلى الغزاليّ إنكار الاستصحاب فيه ، كما عرفت (٢) من النهاية ومن عبارته (٣) المحكيّة (٤) فيها.

كلام السيّد الصدر في الجمع بين قولي الغزالي

ثمّ إنّ السيّد صدر الدين جمع في شرح الوافية بين قولي الغزاليّ :

تارة : بأنّ قوله بحجّيّة الاستصحاب ليس مبنيّا على ما جعله القوم دليلا من حصول الظنّ ، بل هو مبنيّ على دلالة الروايات عليها ، والروايات لا تدلّ على حجّيّة استصحاب حال الإجماع.

__________________

(١) شرح مختصر الاصول : ٤٥٤.

(٢) راجع الصفحة ١٤٩.

(٣) في (ر) و (ص) بدل «عبارته» : «عبارة الغزالي».

(٤) في (ر) و (ص) زيادة : «عنه».

١٥٤

واخرى : بأنّ غرضه من دلالة الدليل على الدوام ، كونه بحيث لو علم أو ظنّ وجود المدلول في الزمان الثاني أو الحالة الثانية لأجل موجب لكان حمل الدليل على الدوام ممكنا ، والإجماع ليس كذلك ؛ لأنّه يضادّ الخلاف ، فكيف يدلّ على كون المختلف فيه مجمعا عليه؟ كما يرشد إليه قوله : «والإجماع يضادّه نفس الخلاف ، إذ لا إجماع مع الخلاف ، بخلاف النصّ والعموم ودليل العقل ، فإنّ الخلاف لا يضادّه». ويكون غرضه من قوله : «فلا بدّ له من سبب» الردّ على من ادّعى أنّ علّة الدوام هو مجرّد تحقّق الشيء في الواقع ، وأنّ الإذعان به يحصل من مجرّد العلم بالتحقّق ، فردّ عليه : بأنّه ليس الأمر كذلك ، وأنّ الإذعان والظنّ بالبقاء لا بدّ له من أمر أيضا ، كعادة أو أمارة أو غيرهما (١) ، انتهى.

المناقشة في ما أفاده السيّد الصدر

أقول : أمّا الوجه الأوّل ، فهو كما ترى ؛ فإنّ التمسّك بالروايات ليس له أثر في كلام الخاصّة الّذين هم الأصل في تدوينها في كتبهم ، فضلا عن العامّة.

وأمّا الوجه الثاني ، ففيه : أنّ منشأ العجب من تناقض قوليه ؛ حيث إنّ ما ذكره في استصحاب حال الإجماع ـ من اختصاص دليل الحكم بالحالة الاولى ـ بعينه موجود في بعض صور استصحاب حال غير الإجماع ، فإنّه إذا ورد النصّ على وجه يكون ساكتا بالنسبة إلى ما بعد الحالة الاولى ، كما إذا ورد أنّ الماء ينجس بالتغيّر ، مع فرض عدم إشعار فيه بحكم ما بعد زوال التغيّر ، فإنّ وجود هذا الدليل ـ بوصف

__________________

(١) شرح الوافية (مخطوط) : ٣٤٤.

١٥٥

كونه دليلا ـ مقطوع العدم في الحالة الثانية ، كما في الإجماع.

وأمّا قوله : «وغرضه من دلالة الدليل على الدوام كونه بحيث لو علم أو ظنّ بوجود المدلول في الآن الثاني ... إلى آخر ما ذكره».

ففيه (١) : أنّه إذا علم لدليل أو ظنّ لأمارة ، بوجود مضمون هذا الدليل الساكت ـ أعني النجاسة في المثال المذكور ـ فإمكان حمل هذا الدليل على الدوام :

إن اريد به إمكان كونه دليلا على الدوام ، فهو ممنوع ؛ لامتناع دلالته على ذلك ، لأنّ دلالة اللفظ لا بدّ له من سبب واقتضاء ، والمفروض عدمه.

وإن اريد إمكان كونه مرادا في الواقع من الدليل وإن لم يكن الدليل مفيدا له ، ففيه ـ مع اختصاصه (٢) بالإجماع عند العامّة ، الذي هو نفس مستند الحكم ، لا كاشف عن مستنده الراجع إلى النصّ ، وجريان مثله في المستصحب الثابت بالفعل أو التقرير ؛ فإنّه لو ثبت دوام الحكم لم يمكن حمل الدليل على الدوام ـ : أنّ هذا المقدار من الفرق لا يؤثّر فيما ذكره الغزاليّ في نفي استصحاب حال الإجماع ؛ لأنّ مناط نفيه لذلك ـ كما عرفت من تمثيله بموت زيد وبناء دار ـ احتياج الحكم في الزمان الثاني إلى دليل أو أمارة.

هذا ، وعلى كلّ حال ، فلو فرض كون الغزاليّ مفصّلا في المسألة بين ثبوت المستصحب بالإجماع وثبوته بغيره ، فيظهر ردّه ممّا ظهر من

__________________

(١) في (ر) ، (ص) و (ظ) زيادة : «أوّلا».

(٢) في نسخة بدل (ه): «اختصاص منعه».

١٥٦

تضاعيف ما تقدّم : من أنّ أدلّة الإثبات لا يفرّق فيها بين الإجماع وغيره ، خصوصا ما كان نظير الإجماع في السكوت عن حكم الحالة الثانية ، خصوصا إذا علم عدم إرادة الدوام منه في الواقع كالفعل والتقرير ، وأدلّة النفي كذلك لا يفرّق فيها بينهما أيضا.

و (١) قد يفرّق (٢) بينهما : بأنّ الموضوع في النصّ مبيّن يمكن العلم بتحقّقه وعدم تحقّقه في الآن اللاحق ، كما إذا قال : «الماء إذا تغيّر نجس» ، فإنّ الماء موضوع والتغيّر قيد للنجاسة ، فإذا زال التغيّر أمكن استصحاب النجاسة للماء.

وإذا قال : «الماء المتغيّر نجس» ، فظاهره ثبوت النجاسة للماء المتلبّس بالتغيّر ، فإذا زال التغيّر لم يمكن الاستصحاب ؛ لأنّ الموضوع هو المتلبّس بالتغيّر وهو غير موجود ، كما إذا قال : «الكلب نجس» ، فإنّه لا يمكن استصحاب النجاسة بعد استحالته ملحا.

فإذا فرضنا انعقاد الإجماع على نجاسة الماء المتّصف بالتغيّر ، فالإجماع أمر لبّيّ ليس فيه تعرّض لبيان كون الماء موضوعا والتغيّر قيدا للنجاسة ، أو أنّ الموضوع هو المتلبّس بوصف التغيّر.

وكذلك إذا انعقد الإجماع على جواز تقليد المجتهد في حال حياته ثمّ مات ، فإنّه لا يتعيّن الموضوع حتّى يحرز عند إرادة الاستصحاب. لكن هذا الكلام جار في جميع الأدلّة الغير اللفظيّة.

__________________

(١) في (ت) و (ر) بدل «و» : «نعم».

(٢) في (ص) بدل «وقد يفرق» : «وكذا لو فرق» ، وفي نسخة بدله : «ويمكن الفرق».

١٥٧

نعم (١) ، ما سيجيء (٢) وتقدّم (٣) ـ من أنّ تعيين الموضوع في الاستصحاب بالعرف لا بالمداقّة ولا بمراجعة الأدلّة الشرعيّة ـ يكفي في دفع الفرق المذكور ، فتراهم يجرون الاستصحاب فيما لا يساعد دليل المستصحب على بقاء الموضوع فيه في الزمان اللاحق ، كما سيجيء في مسألة اشتراط بقاء الموضوع إن شاء الله (٤).

__________________

(١) في (ر) ، (ظ) ، (ه) ونسخة بدل (ت) بدل «نعم» : «مع» ، وفي مصحّحة (ص) بدلها : «مع أنّ».

(٢) انظر الصفحة ٢٩٥.

(٣) راجع الصفحة ١٤٧.

(٤) في الصفحة ٢٨٩.

١٥٨

حجّة القول التاسع

التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع

وهو التفصيل بين ما ثبت استمرار المستصحب واحتياجه في الارتفاع إلى الرافع ، وبين غيره : ما يظهر من آخر كلام المحقّق في المعارج ـ كما تقدّم في نقل الأقوال (١) ـ حيث قال :

ما استدلّ به في المعارج على هذا القول

والذي نختاره أن ننظر في دليل ذلك الحكم ، فإن كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم ، كعقد النكاح فإنّه يوجب حلّ الوطء مطلقا ، فإذا وجد الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق ، فالمستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بها لو قال : «حلّ الوطء ثابت قبل النطق بها فكذا بعده» كان صحيحا ؛ فإنّ المقتضي للتحليل ـ وهو العقد ـ اقتضاه مطلقا ، ولا يعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء ، فيثبت الحكم عملا بالمقتضي.

لا يقال : إنّ المقتضي هو العقد ، ولم يثبت أنّه باق ، فلم يثبت الحكم.

لأنّا نقول : وقوع العقد اقتضى حلّ الوطء لا مقيّدا ، فيلزم دوام الحلّ ؛ نظرا إلى وقوع المقتضي ، لا إلى دوامه ، فيجب أن يثبت الحلّ حتّى يثبت الرافع. فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس ذلك عملا بغير دليل ، وإن كان يعني أمرا آخر وراء هذا فنحن مضربون عنه (٢) ، انتهى.

__________________

(١) راجع الصفحة ٥١ ـ ٥٢.

(٢) المعارج : ٢٠٩ و ٢١٠.

١٥٩

وحاصل هذا الاستدلال يرجع إلى كفاية وجود المقتضي وعدم العلم بالرافع لوجود المقتضى (١).

المناقشة في الدليل المذكور

وفيه : أنّ الحكم بوجود الشيء لا يكون إلاّ مع العلم بوجود علّته التامّة التي من أجزائها عدم الرافع ، فعدم العلم به يوجب عدم العلم بتحقّق العلّة التامّة ، إلاّ أن يثبت التعبّد من الشارع بالحكم بالعدم عند عدم العلم به ، وهو عين الكلام في اعتبار الاستصحاب.

الأول في الاستدلال على هذا القول

والأولى : الاستدلال له بما استظهرناه (٢) من الروايات السابقة ـ بعد نقلها ـ : من أنّ النقض رفع الأمر المستمرّ في نفسه وقطع الشيء المتّصل كذلك ، فلا بدّ أن يكون متعلّقة ما يكون له استمرار واتّصال ، وليس ذلك نفس اليقين ؛ لانتقاضه بغير اختيار المكلّف ، فلا يقع في حيّز التحريم ، ولا أحكام اليقين من حيث هو وصف من الأوصاف ؛ لارتفاعها بارتفاعه قطعا ، بل المراد به (٣) ـ بدلالة الاقتضاء ـ الأحكام الثابتة للمتيقّن بواسطة اليقين ؛ لأنّ نقض اليقين بعد ارتفاعه لا يعقل له معنى سوى هذا ، فحينئذ لا بدّ أن يكون أحكام المتيقّن كنفسه ممّا يكون مستمرّا لو لا (٤) الناقض.

هذا ، ولكن لا بدّ من التأمّل في أنّ هذا المعنى جار في المستصحب العدميّ أم لا؟ ولا يبعد تحقّقه ، فتأمّل.

__________________

(١) في (ت) كتب على «لوجود المقتضى» : «زائد».

(٢) راجع الصفحة ٧٨.

(٣) لم ترد «به» في (ظ).

(٤) في (ت) زيادة : «المتيقّن».

١٦٠