فرائد الأصول - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-04-4
الصفحات: ٤٣٩

[حجّة القول السادس](١)

التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره والجواب عنه :

حجّة القول السادس ـ على تقدير وجود القائل به ، على ما سبق التأمّل (٢) فيه (٣) ـ تظهر مع جوابها ممّا تقدّم في القولين السابقين (٤).

[حجّة القول السابع](٥)

التفصيل بين الحكم التكليفي والوضعي :

حجّة القول السابع ـ الذي نسبه الفاضل التوني قدس‌سره إلى نفسه ، وإن لم يلزم ممّا حقّقه في كلامه ـ : (٦) ما ذكره في كلام طويل له (٧) ، فإنّه بعد الإشارة إلى الخلاف في المسألة ، قال :

ولتحقيق المقام لا بدّ من إيراد كلام يتّضح به حقيقة الحال ،

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) في (ر) و (ص): «من التأمّل».

(٣) راجع الصفحة ٣٤ ـ ٣٥.

(٤) فحجّة عدم حجّيته في الحكم الكلّي هي حجّة القول الخامس المتقدّمة في الصفحة ١١٦ ، وحجّة عدم حجّيته في الامور الخارجيّة هو ما نقله في بيان الدليل الرابع في الصفحة ١١١ ، من : أنّ الأخبار لا يظهر شمولها للامور الخارجيّة.

(٥) العنوان منّا.

(٦) في (ه) زيادة : «هو ما ذكره في الوافية».

(٧) لم ترد «ما ذكره في كلام طويل له» في (ت) و (ظ) ، ولكن ورد بدلها في (ت): «هو ما ذكره في الوافية».

١٢١

كلام الفاضل التوني قدس‌سره

فنقول : الأحكام الشرعيّة تنقسم إلى ستّة أقسام :

الأوّل والثاني : الأحكام الاقتضائيّة المطلوب فيها الفعل ، وهي الواجب والمندوب.

والثالث والرابع : الأحكام الاقتضائيّة المطلوب فيها الترك ، وهي الحرام والمكروه.

والخامس : الأحكام التخييريّة الدالّة على الإباحة.

والسادس : الأحكام الوضعيّة ، كالحكم على الشيء بأنّه سبب لأمر أو شرط له أو مانع له. والمضايقة بمنع أنّ الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعيّ ، ممّا لا يضرّ فيما نحن بصدده.

إذا عرفت هذا ، فإذا ورد أمر بطلب شيء ، فلا يخلو إمّا أن يكون موقّتا أم لا.

وعلى الأوّل ، يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كلّ جزء من أجزاء ذلك الوقت ثابتا بذلك الأمر ، فالتمسّك في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنصّ ، لا بالثبوت في الزمان الأوّل حتّى يكون استصحابا ، وهو ظاهر.

وعلى الثاني ، أيضا كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار ، وإلاّ فذمّة المكلّف مشغولة حتّى يأتي به في أيّ زمان كان. ونسبة أجزاء الزمان إليه نسبة واحدة في كونه أداء في كلّ جزء منها ، سواء قلنا بأنّ الأمر للفور أم لا.

والتوهّم : بأنّ الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل الموقّت المضيّق ، اشتباه غير خفيّ على المتأمّل.

فهذا أيضا ليس من الاستصحاب في شيء.

١٢٢

ولا يمكن أن يقال : إثبات الحكم في القسم الأوّل فيما بعد وقته من الاستصحاب ؛ فإنّ هذا لم يقل به أحد ، ولا يجوز إجماعا.

وكذا الكلام في النهي ، بل هو الأولى بعدم توهّم الاستصحاب فيه ؛ لأنّ مطلقه يفيد التكرار.

والتخييري أيضا كذلك.

فالأحكام التكليفيّة الخمسة المجرّدة عن الأحكام الوضعيّة لا يتصوّر فيها الاستدلال بالاستصحاب.

وأمّا الأحكام الوضعيّة ، فإذا جعل الشارع شيئا سببا لحكم من الأحكام الخمسة ـ كالدلوك لوجوب الظهر ، والكسوف لوجوب صلاته ، والزلزلة لصلاتها ، والإيجاب والقبول لإباحة التصرّفات والاستمتاعات في الملك والنكاح ، وفيه لتحريم أمّ الزوجة ، والحيض والنفاس لتحريم الصوم والصلاة ، إلى غير ذلك ـ فينبغي أن ينظر إلى كيفيّة سببيّة السبب : هل هي على الإطلاق؟ كما في الإيجاب والقبول ؛ فإنّ سببيّته على نحو خاصّ ، وهو الدوام إلى أن يتحقّق المزيل ، وكذا الزلزلة ، أو في وقت معيّن؟ كالدلوك ونحوه ممّا لم يكن السبب وقتا ، وكالكسوف والحيض ونحوهما ممّا يكون السبب وقتا للحكم ، فإنّ السببيّة في هذه الأشياء على نحو آخر ؛ فإنّها أسباب للحكم في أوقات معيّنة.

وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء ؛ فإنّ ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الزمان الثابت فيه الحكم ، ليس تابعا للثبوت في جزء آخر ، بل نسبة السبب في اقتضاء الحكم في كلّ جزء نسبة واحدة. وكذا الكلام في الشرط والمانع.

فظهر ممّا ذكرناه : أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في

١٢٣

الأحكام الوضعيّة ـ أعني ، الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة من حيث إنّها كذلك ـ ووقوعه في الأحكام الخمسة إنّما هو بتبعيّتها ، كما يقال في الماء الكرّ المتغيّر بالنجاسة إذا زال تغيّره من قبل نفسه ، بأنّه يجب الاجتناب عنه في الصلاة ؛ لوجوبه قبل زوال تغيّره ، فإنّ مرجعه إلى أنّ النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغيّره ، فكذلك تكون بعده.

ويقال في المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة : إنّ صلاته كانت صحيحة قبل الوجدان ، فكذا بعده ـ أي : كان مكلّفا ومأمورا بالصلاة بتيمّمه قبله ، فكذا بعده ـ فإنّ مرجعه إلى أنّه كان متطهّرا قبل وجدان الماء ، فكذا بعده. والطهارة من الشروط.

فالحقّ ـ مع قطع النظر عن الروايات ـ : عدم حجّية الاستصحاب ؛ لأنّ العلم بوجود السبب أو الشرط أو المانع في وقت لا يقتضي العلم بل ولا الظنّ بوجوده في غير ذلك الوقت ، كما لا يخفى. فكيف يكون الحكم المعلّق عليه ثابتا في غير ذلك الوقت؟!

فالذي يقتضيه النظر ـ بدون ملاحظة الروايات ـ : أنّه إذا علم تحقّق العلامة الوضعيّة تعلّق الحكم بالمكلّف ، وإذا زال ذلك العلم بطروّ الشكّ ـ بل الظنّ أيضا ـ يتوقّف عن الحكم بثبوت ذلك الحكم الثابت أوّلا ، إلاّ أنّ الظاهر من الأخبار أنّه إذا علم وجود شيء ، فإنّه يحكم به حتّى يعلم زواله (١). انتهى كلامه ، رفع مقامه.

المناقشة في ما أفاده الفاضل التوني

وفي كلامه أنظار يتوقّف بيانها على ذكر كلّ فقرة هي مورد للنظر ، ثمّ توضيح النظر فيه بما يخطر في الذهن القاصر ، فنقول :

__________________

(١) الوافية : ٢٠٠ ـ ٢٠٣.

١٢٤

قوله أوّلا : «والمضايقة بمنع أنّ الخطاب الوضعيّ داخل في الحكم الشرعيّ ، لا يضرّ فيما نحن بصدده».

فيه : أنّ المنع المذكور لا يضرّ فيما يلزم من تحقيقه الذي ذكره ـ وهو اعتبار الاستصحاب في موضوعات الأحكام الوضعيّة ، أعني نفس السبب والشرط والمانع ـ وإنّما يضرّ (١) في التفصيل بين الأحكام الوضعيّة ـ أعني سببيّة السبب وشرطيّة الشرط ـ والأحكام التكليفيّة. وكيف لا يضرّ في هذا التفصيل منع كون الحكم الوضعيّ حكما مستقلا ، وتسليم أنّه أمر اعتباري منتزع من التكليف ، تابع له حدوثا وبقاء؟! وهل يعقل التفصيل مع هذا المنع؟!

[الكلام في الأحكام الوضعيّة](٢)

هل الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول ، أو لا؟

ثمّ إنّه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان أنّ الحكم الوضعيّ حكم مستقلّ مجعول ـ كما اشتهر في ألسنة جماعة (٣) ـ أو لا ، وإنّما مرجعه إلى الحكم التكليفي؟ فنقول :

__________________

(١) كذا في (ص) ، وفي غيرها بدل «وإنّما يضر» : «لا».

(٢) العنوان منّا.

(٣) منهم : العلاّمة في النهاية (مخطوط) : ٩ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣٧ ، والشيخ البهائي في الزبدة : ٣٠ ، والفاضل التوني في الوافية : ٢٠٢ ، والوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٩٥ ، والسيد بحر العلوم في فوائده : ٣ ، وكذا يظهر من القوانين ٢ : ٥٤ و ١ : ١٠٠ ، وهداية المسترشدين : ٣ ، واشارات الاصول : ٦ ، والفصول : ٢.

١٢٥

المشهور (١) ـ كما في شرح الزبدة (٢) ـ بل الذي استقرّ عليه رأي المحقّقين ـ كما في شرح الوافية للسيّد صدر الدين (٣) ـ : أنّ الخطاب الوضعيّ مرجعه إلى الخطاب الشرعيّ ، وأنّ كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء ، فمعنى قولنا : «إتلاف الصبيّ سبب لضمانه» ، أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها ، فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسر بقوله : «اغرم ما أتلفته في حال صغرك» ، انتزع من هذا الخطاب معنى يعبّر عنه بسببيّة الإتلاف للضمان ، ويقال : إنّه ضامن ، بمعنى أنّه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف.

ولم يدّع أحد إرجاع الحكم الوضعيّ إلى التكليف (٤) الفعليّ المنجّز حال استناد الحكم الوضعيّ إلى الشخص ، حتّى يدفع ذلك بما ذكره بعض من غفل عن مراد النافين (٥) : من أنّه قد يتحقّق الحكم الوضعيّ في مورد غير قابل للحكم التكليفي ، كالصبيّ والنائم وشبههما.

__________________

(١) من جملة المشهور : الشهيد الأوّل في الذكرى ١ : ٤٠ ، والقواعد والفوائد ١ : ٣٠ ، والمحقّق الخوانساري في مشارق الشموس : ٧٦ وستأتي عبارته ، وشريف العلماء في تقريرات درسه في ضوابط الاصول : ٦ ، مضافا إلى شارحي الزبدة والوافية كما اشير إليهما ، وغيرهم.

(٢) غاية المأمول في شرح زبدة الاصول ؛ للفاضل الجواد (مخطوط) : الورقة ٥٩.

(٣) شرح الوافية (مخطوط) : ٣٥٠.

(٤) في (ت) و (ظ): «التكليفي».

(٥) هو المحقّق الكلباسي في إشارات الاصول : ٧.

١٢٦

وكذا الكلام في غير السبب ؛ فإنّ شرطيّة الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لإنشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة ، وكذا مانعيّة النجاسة ليست إلاّ منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس ، وكذا الجزئيّة منتزعة من الأمر بالمركّب.

والعجب ممّن ادّعى (١) بداهة بطلان ما ذكرنا ، مع ما عرفت من أنّه المشهور والذي استقرّ عليه رأي المحقّقين. فقال قدس‌سره في شرحه على الوافية ـ تعريضا على السيّد الصدر ـ :

كلام السيد الكاظمي قدس‌سره

وأمّا من زعم أنّ الحكم الوضعيّ عين الحكم التكليفي ـ على ما هو ظاهر قولهم : «إنّ كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء» ـ فبطلانه غنيّ عن البيان ؛ إذ الفرق بين الوضع والتكليف ممّا لا يخفى على من له أدنى مسكة ، والتكاليف المبنيّة على الوضع غير الوضع ، والكلام إنّما هو في نفس الوضع والجعل والتقرير.

وبالجملة : فقول الشارع : «دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة» و «الحيض مانع منها» ، خطاب وضعيّ وإن استتبع تكليفا وهو إيجاب الصلاة عند الزوال وتحريمها عند الحيض ، كما أنّ قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)(٢) ، وقوله : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» (٣) ، خطاب تكليفيّ وإن استتبع وضعا ، وهو كون الدلوك سببا والإقراء مانعا.

__________________

(١) وهو المحقّق الكاظمي المعروف بالسيّد الأعرجي.

(٢) الإسراء : ٧٨.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٤٦ ، الباب ٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

١٢٧

والحاصل : أنّ هناك أمرين متباينين ، كلّ منهما فرد للحكم ، فلا يغني استتباع أحدهما للآخر عن مراعاته واحتسابه في عداد الأحكام. انتهى كلامه ، رفع مقامه (١).

مناقشة كلام السيد الكاظمي

أقول : لو فرض نفسه حاكما بحكم تكليفيّ ووضعيّ بالنسبة إلى عبده لوجد من نفسه صدق ما ذكرنا ؛ فإنّه إذا قال لعبده : «أكرم زيدا إن جاءك» ، فهل يجد المولى من نفسه أنّه أنشأ إنشاءين وجعل أمرين : أحدهما : وجوب إكرام زيد عند مجيئه ، والآخر : كون مجيئه سببا لوجوب إكرامه؟ أو أنّ الثاني مفهوم منتزع من الأوّل لا يحتاج إلى جعل مغاير لجعله (٢) ولا إلى بيان مخالف لبيانه ؛ ولهذا اشتهر في ألسنة الفقهاء «سببيّة الدلوك» و «مانعيّة الحيض» ، ولم يرد من الشارع إلاّ إنشاء طلب الصلاة عند الأوّل ، وطلب تركها عند الثاني؟

فإن أراد تباينهما مفهوما فهو أظهر من أن يخفى ، كيف! وهما محمولان مختلفا الموضوع.

وإن أراد كونهما مجعولين بجعلين ، فالحوالة على الوجدان لا البرهان.

وكذا لو أراد كونهما مجعولين بجعل واحد ؛ فإنّ الوجدان شاهد على أنّ السببيّة والمانعيّة في المثالين اعتباران منتزعان ، كالمسببيّة والمشروطيّة والممنوعيّة ، مع أنّ قول الشارع : «دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة» ليس جعلا للإيجاب استتباعا ـ كما ذكره ـ بل هو

__________________

(١) الوافي في شرح الوافية (مخطوط) : الورقة ٢٤٣.

(٢) في (ص) زيادة : «الأوّلي».

١٢٨

إخبار عن تحقّق الوجوب عند الدلوك.

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّه لا معنى لكون السببيّة مجعولة فيما نحن فيه حتّى يتكلّم أنّه بجعل مستقلّ أو لا ؛ فإنّا لا نعقل من جعل الدلوك سببا للوجوب ـ خصوصا عند من لا يرى (كالأشاعرة) الأحكام منوطة بالمصالح والمفاسد الموجودة في الأفعال ـ إلاّ إنشاء الوجوب عند الدلوك ، وإلاّ فالسببيّة القائمة بالدلوك ليست من لوازم ذاته ، بأن (١) يكون فيه معنى يقتضي إيجاب الشارع فعلا عند حصوله ، ولو كانت لم تكن مجعولة من الشارع ، ولا نعقلها أيضا صفة أوجدها الشارع فيه باعتبار الفصول المنوّعة ولا (٢) الخصوصيّات المصنّفة والمشخّصة.

هذا كلّه في السبب والشرط والمانع والجزء.

الكلام في الصحّة والفساد

وأمّا الصحّة والفساد ، فهما في العبادات : موافقة الفعل المأتيّ به للفعل المأمور به ومخالفته له ، ومن المعلوم أنّ هاتين ـ الموافقة والمخالفة ـ ليستا بجعل جاعل.

وأمّا في المعاملات ، فهما : ترتّب الأثر عليها وعدمه ، فمرجع ذلك إلى سببيّة هذه المعاملة لأثرها وعدم سببيّة تلك (٣).

فإن لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفيّ ـ كالبيع لإباحة التصرّفات ، والنكاح لإباحة الاستمتاعات ـ فالكلام فيها يعرف ممّا سبق في السببيّة وأخواتها.

__________________

(١) في (ه) بدل «بأن» : «بل».

(٢) في (ص) شطب على «لا».

(٣) في (ت) و (ه) زيادة : «له».

١٢٩

وإن لوحظت سببا لأمر آخر ـ كسببيّة البيع للملكيّة ، والنكاح للزوجيّة ، والعتق للحريّة ، وسببيّة الغسل للطهارة ـ فهذه الامور بنفسها ليست أحكاما شرعيّة. نعم ، الحكم بثبوتها شرعيّ. وحقائقها إمّا امور اعتباريّة منتزعة من الأحكام التكليفيّة ـ كما يقال : الملكيّة كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه ، والطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة ، نقيض النجاسة ـ وإمّا امور واقعيّة كشف عنها الشارع.

فأسبابها على الأوّل ـ في الحقيقة ـ أسباب للتكاليف ، فتصير سببيّة تلك الأسباب (١) كمسبّباتها امورا انتزاعيّة.

وعلى الثاني ، يكون أسبابها كنفس المسبّبات امورا واقعيّة مكشوفا عنها ببيان الشارع.

وعلى التقديرين فلا جعل في سببيّة هذه الأسباب.

وممّا ذكرنا تعرف الحال في غير المعاملات من أسباب هذه الامور ، كسببيّة الغليان في العصير للنجاسة ، وكالملاقاة لها ، والسبي للرقّية ، والتنكيل للحريّة ، والرضاع لانفساخ الزوجيّة ، وغير ذلك. فافهم وتأمّل في المقام ؛ فإنّه من مزالّ الأقدام.

* * *

رجوع إلى كلام الفاضل التوني

قوله (٢) : «وعلى الأوّل يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كلّ جزء من أجزاء ذلك الوقت ثابتا بذلك الأمر ، فالتمسّك في ثبوت الحكم

__________________

(١) في (ه) زيادة : «في العادة».

(٢) رجوع إلى مناقشة كلام الفاضل التوني قدس‌سره.

١٣٠

في الزمان الثاني بالنصّ ، لا بثبوته في الزمان الأوّل حتّى يكون استصحابا».

أقول : فيه : أنّ الموقّت قد يتردّد وقته بين زمان وما بعده فيجري الاستصحاب.

ما أورد عليه

واورد عليه تارة : بأنّ الشكّ قد يكون في النسخ (١).

واخرى : بأنّ الشكّ قد يحصل في التكليف كمن شكّ في وجوب إتمام الصوم لحصول مرض يشكّ في كونه مبيحا للإفطار (٢).

وثالثة : بأنّه قد يكون أوّل الوقت وآخره معلوما ولكنّه يشكّ في حدوث الآخر والغاية ، فيحتاج المجتهد في الحكم بالوجوب أو الندب أو الحكم بعدمهما عند عروض ذلك الشكّ إلى دليل عقليّ أو نقليّ غير ذلك الأمر (٣).

عدم ورود شيء ممّا اورد عليه

هذا ، ولكنّ الإنصاف : عدم ورود شيء من ذلك عليه.

أمّا الشكّ في النسخ ، فهو خارج عمّا نحن فيه ؛ لأنّ كلامه في الموقّت من حيث الشكّ في بعض أجزاء الوقت ، كما إذا شكّ في جزء ممّا بين الظهر والعصر في الحكم المستفاد من قوله : «اجلس في المسجد من الظهر إلى العصر» ، وهو الذي ادّعى أنّ وجوبه في الجزء المشكوك ثابت بنفس الدليل.

وأمّا الشكّ في ثبوت هذا الحكم الموقّت لكلّ يوم أو نسخه في

__________________

(١) هذا الإيراد للمحقّق الكاظمي في الوافي (مخطوط) : الورقة ٢٤٤.

(٢) هذا الإيراد للمحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٥٣.

(٣) هذا الإيراد للسيّد الصدر في شرح الوافية (مخطوط) : ٣٥١.

١٣١

هذا اليوم ، فهو شكّ لا من حيث توقيت الحكم ، بل من حيث نسخ الموقّت.

فإن وقع الشكّ في النسخ الاصطلاحي لم يكن استصحاب عدمه من الاستصحاب المختلف فيه ؛ لأنّ إثبات الحكم في الزمان الثاني ؛ لعموم الأمر الأوّل للأزمان ولو كان فهم هذا العموم من استمرار طريقة الشارع ، بل كلّ شارع (١) على إرادة دوام الحكم ما دامت تلك الشريعة ، لا من (٢) عموم لفظيّ زمانيّ.

وكيف كان ، فاستصحاب عدم النسخ لدفع احتمال حصول التخصيص (٣) في الأزمان ، كاستصحاب عدم التخصيص لدفع احتمال المخصّص في الأفراد ، واستصحاب عدم التقييد لدفع إرادة المقيّد من المطلق.

والظاهر : أنّ مثل هذا لا مجال لإنكاره ، وليس إثباتا للحكم في الزمان الثاني لوجوده في الزمان الأوّل ، بل لعموم دليله الأوّل ، كما لا يخفى.

وبالجملة : فقد صرّح هذا المفصّل بأنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يجري في التكليفيّات ، ومثل هذا الاستصحاب ممّا انعقد على اعتباره الإجماع بل الضرورة ، كما تقدّم في كلام المحدّث الأسترابادي (٤).

__________________

(١) في (ظ) بدل «شارع» : «آمر».

(٢) في (ظ) زيادة : «حيث».

(٣) في (ر) ، (ظ) و (ه) بدل «حصول التخصيص» : «خصوص المخصّص».

(٤) تقدّم كلامه في الصفحة ٢٨ و ٤٤.

١٣٢

ولو فرض الشكّ في النسخ في (١) حكم لم يثبت له من دليله ولا من الخارج عموم زماني (٢) ، فهو خارج عن النسخ الاصطلاحي ، داخل فيما ذكره : من أنّ الأمر إذا لم يكن للتكرار يكفي فيه المرّة ، ولا وجه للنقض به في مسألة الموقّت ، فتأمّل (٣).

وأمّا الشكّ في تحقّق المانع ـ كالمرض المبيح للإفطار ، والسفر الموجب له وللقصر ، والضرر المبيح لتناول المحرّمات ـ فهو الذي ذكره المفصّل في آخر كلامه بجريان الاستصحاب في الحكم التكليفي تبعا للحكم الوضعي ؛ فإنّ السلامة من المرض الذي يضرّ به الصوم شرط في وجوبه ، وكذا الحضر ، وكذا الأمن من الضرر في ترك المحرّم ، فإذا شكّ في وجود شيء من ذلك استصحب الحالة السابقة له وجودا أو عدما ، ويتبعه بقاء الحكم التكليفيّ السابق ، بل (٤) قد عرفت فيما مرّ (٥) عدم (٦) جريان الاستصحاب في الحكم التكليفي إلاّ مع قطع النظر عن استصحاب موضوعه ، وهو (٧) الحكم الوضعيّ في المقام.

__________________

(١) في (ه) و (ت) بدل «النسخ في» : «ارتفاع» ، وفي (ر): «في نسخ حكم».

(٢) في (ظ) زيادة : «دخل في الاستصحاب المختلف فيه».

(٣) لم ترد «فتأمّل» في (ظ) وشطب عليها في (ص).

(٤) في (ص) بدل «بل» : «و».

(٥) راجع الصفحة ١١٣ ـ ١١٥.

(٦) في (ر) ونسخة بدل (ص) بدل «بل قد عرفت فيما مرّ عدم» : «بل يمكن أن يقال بعدم».

(٧) لم ترد «موضوعه وهو» في (ر) ، وفي (ص) كتب عليها : «نسخة».

١٣٣

مثلا : إذا أوجب الشارع الصوم إلى الليل على المكلّف بشرط سلامته من المرض الذي يتضرّر بالصوم ، فإذا شكّ في بقائها وحدوث المرض المذكور وأحرز الشرط أو عدم المانع (١) بالاستصحاب أغنى عن استصحاب المشروط ، بل لم يبق مجرى له ؛ لأنّ معنى استصحاب الشرط وعدم المانع (٢) ترتيب آثار وجوده ، وهو ثبوت المشروط مع فرض وجود باقي العلل الناقصة ، وحينئذ فلا يبقى الشكّ في بقاء المشروط (٣).

وبعبارة اخرى : الشكّ في بقاء المشروط مسبّب عن الشكّ في بقاء الشرط ، والاستصحاب في الشرط وجودا أو عدما مبيّن لبقاء المشروط أو ارتفاعه ، فلا يجري فيه الاستصحاب ، لا معارضا لاستصحاب الشرط ؛ لأنّه مزيل له ، ولا معاضدا ، كما فيما نحن فيه.

وسيتّضح ذلك في مسألة الاستصحاب في الامور الخارجيّة (٤) ، وفي بيان اشتراط الاستصحاب ببقاء الموضوع إن شاء الله تعالى (٥).

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن النقض الثالث عليه ـ بما إذا كان الشكّ في بقاء الوقت المضروب للحكم التكليفي ـ فإنّه إن جرى معه استصحاب الوقت أغنى عن استصحاب الحكم التكليفي ـ كما عرفت في الشرط ـ فإنّ الوقت شرط أو سبب ، وإلاّ لم يجر استصحاب الحكم

__________________

(١) لم ترد «أو عدم المانع» في (ت) و (ظ).

(٢) لم ترد «وعدم المانع» في (ت) و (ظ).

(٣) لم ترد «مع فرض ـ إلى ـ المشروط» في (ظ).

(٤) تقدّم الكلام عن الاستصحاب في الامور الخارجية في الصفحة ١١١.

(٥) انظر الصفحة ١٨٩.

١٣٤

التكليفي (١) ؛ لأنّه كان متحقّقا بقيد ذلك الوقت (٢).

فالصوم (٣) المقيّد وجوبه (٤) بكونه في النهار لا ينفع استصحاب وجوبه في الزمان المشكوك كونه من النهار ، وأصالة بقاء الحكم المقيّد بالنهار في هذا الزمان لا يثبت كون هذا الزمان نهارا ، كما سيجيء توضيحه في نفي الاصول المثبتة إن شاء الله (٥).

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه يكفي في الاستصحاب تنجّز التكليف سابقا وإن كان لتعليقه على أمر حاصل ، فيقال عرفا إذا ارتفع الاستطاعة المعلّق عليها وجوب الحجّ : إنّ الوجوب ارتفع. فإذا شكّ في ارتفاعها يكون شكّا في ارتفاع الحكم المتنجّز وبقائه وإن كان الحكم المعلّق لا يرتفع بارتفاع المعلّق عليه ؛ لأنّ ارتفاع الشرط لا يوجب ارتفاع الشرطيّة ، إلاّ أنّ استصحاب وجود ذلك الأمر المعلّق عليه كاف في عدم جريان الاستصحاب المذكور ، فإنّه حاكم عليه ، كما ستعرف.

نعم لو فرض في مقام (٦) عدم جريان الاستصحاب في الشكّ في الوقت ، كما لو كان الوقت مردّدا بين أمرين ـ كذهاب الحمرة واستتار

__________________

(١) في نسخة بدل (ص) زيادة : «أيضا».

(٢) في (ظ) زيادة : «وبقاؤه على هذا الوجه من التقييد لا يوجب تحقّق القيد وإحرازه ، والشكّ في القيد يوجب الشكّ في المقيّد ، فلا يجري الاستصحاب فيه».

(٣) في (ظ): «والصوم».

(٤) لم ترد «وجوبه» في (ظ).

(٥) في الصفحة ٢٣٣.

(٦) لم ترد «مقام» في (ت).

١٣٥

القرص ـ انحصر الأمر حينئذ في إجراء استصحاب التكليف ، فتأمّل.

والحاصل : أنّ النقض عليه بالنسبة إلى الحكم التكليفيّ المشكوك بقاؤه (١) من جهة الشكّ في سببه أو شرطه أو مانعة غير متّجه ؛ لأنّ مجرى الاستصحاب في هذه الموارد أوّلا وبالذات هو نفس السبب والشرط والمانع ، ويتبعه بقاء (٢) الحكم التكليفي ، ولا يجوز إجراء الاستصحاب في الحكم التكليفي ابتداء ، إلاّ إذا فرض انتفاء استصحاب الأمر الوضعيّ.

رجوع إلى كلام الفاضل التوني والتعليق عليه

قوله : «وعلى الثاني أيضا كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار ... الخ».

ربّما يورد عليه : أنّه (٣) قد يكون التكرار مردّدا بين وجهين ، كما إذا علمنا بأنّه ليس للتكرار الدائمي ، لكنّ العدد المتكرّر كان مردّدا بين الزائد والناقص.

وهذا الإيراد لا يندفع بما ذكره قدس‌سره : من أنّ الحكم في التكرار كالأمر الموقّت ، كما لا يخفى.

فالصواب أن يقال : إذا ثبت وجوب التكرار ، فالشكّ في بقاء ذلك الحكم من هذه الجهة مرجعه إلى الشكّ في مقدار التكرار ؛ لتردّده بين الزائد والناقص ، ولا يجري فيه الاستصحاب ؛ لأنّ كلّ واحد من المكرّر : إن كان تكليفا مستقلا فالشكّ في الزائد شكّ في التكليف المستقلّ ، وحكمه النفي بأصالة البراءة ، لا الإثبات بالاستصحاب ، كما لا يخفى.

__________________

(١) في (ت) و (ه) بدل «بقاؤه» : «في إبقائه» ، وفي (ظ) و (ص): «بإبقائه».

(٢) في غير (ص): «إبقاء».

(٣) «ربما يورد عليه أنّه» من (ظ).

١٣٦

وإن كان الزائد على تقدير وجوبه جزءا من المأمور به ـ بأن يكون الأمر بمجموع العدد المتكرّر من حيث إنّه مركّب واحد ـ فمرجعه إلى الشكّ في جزئيّة شيء للمأمور به وعدمها ، ولا يجري فيه أيضا الاستصحاب ؛ لأنّ ثبوت الوجوب لباقي الأجزاء لا يثبت وجوب هذا الشيء المشكوك في جزئيّته ، بل لا بدّ من الرجوع إلى البراءة أو قاعدة الاحتياط.

قوله : «وإلاّ فذمّة المكلّف مشغولة حتّى يأتي به في أيّ زمان كان».

قد يورد عليه النقض بما عرفت (١) حاله في العبارة الاولى (٢).

ثمّ إنّه لو شكّ في كون الأمر للتكرار أو المرّة كان الحكم كما ذكرنا في تردّد التكرار بين الزائد والناقص.

وكذا لو أمر المولى بفعل له استمرار في الجملة ـ كالجلوس في المسجد ـ ولم يعلم مقدار استمراره ، فإنّ الشكّ بين الزائد والناقص يرجع ـ مع فرض كون الزائد المشكوك واجبا مستقلا على تقدير وجوبه ـ إلى أصالة البراءة ، ومع فرض كونه جزءا ، يرجع إلى مسألة الشكّ في الجزئيّة وعدمها ، فإنّ (٣) فيها البراءة أو وجوب الاحتياط (٤).

__________________

(١) في (ت) ، (ص) و (ه): «ببعض ما عرفت».

(٢) راجع الصفحة ١٣١ ـ ١٣٢.

(٣) في (ص) بدل «فإنّ» : «فالمرجع».

(٤) لم ترد «فإنّ فيها البراءة أو وجوب الاحتياط» في (ظ) ، وكتب عليها في (ت): «نسخة».

١٣٧

قوله : «وتوهّم : أنّ الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل الموقّت المضيّق ، اشتباه غير خفيّ على المتأمّل».

الظاهر أنّه دفع اعتراض على تسويته في ثبوت الوجوب في كلّ جزء من الوقت بنفس الأمر بين كونه للفور وعدمه ، ولا دخل له بمطلبه وهو عدم جريان الاستصحاب في الأمر الفوري ؛ لأنّ كونه من قبيل الموقّت المضيّق لا يوجب جريان الاستصحاب فيه ؛ لأنّ الفور المنزّل ـ عند المتوهّم ـ منزلة الموقّت المضيّق :

إمّا أن يراد به المسارعة في أوّل أزمنة الإمكان ، وإن لم يسارع ففي ثانيها وهكذا.

وإمّا أن يراد به خصوص الزمان الأوّل فإذا فات لم يثبت بالأمر وجوب الفعل في الآن الثاني لا فورا ولا متراخيا.

وإمّا أن يراد به ثبوته في الآن الثاني (١) متراخيا.

وعلى الأوّل ، فهو في كلّ (٢) جزء من الوقت من قبيل الموقّت المضيّق.

وعلى الثاني ، فلا معنى للاستصحاب ، بناء على ما سيذكره ؛ من أنّ الاستصحاب لم يقل به أحد فيما بعد الوقت.

وعلى الثالث ، يكون في الوقت الأوّل كالمضيّق وفيما بعده كالأمر المطلق.

وقد ذكر بعض شرّاح الوافية (٣) : أنّ دفع هذا التوهّم لأجل

__________________

(١) لم ترد «في الآن الثاني» في (ظ).

(٢) في (ظ) بدل «فهو في كلّ» : «فكلّ».

(٣) هو المحقّق الكاظمي في الوافي في شرح الوافية (مخطوط) : الورقة ٢٤٤.

١٣٨

استلزامه الاحتياج إلى الاستصحاب لإثبات الوجوب في ما بعد الوقت الأوّل.

ولم أعرف له وجها.

قوله : «وكذا النهي».

لا يخفى أنّه قدس‌سره لم يستوف أقسام الأمر ؛ لأنّ منها ما يتردّد الأمر بين الموقّت بوقت فيرتفع الأمر بفواته ، وبين المطلق الذي يجوز امتثاله بعد ذلك الوقت ، كما إذا شككنا في أنّ الأمر بالغسل في يوم الجمعة مطلق ـ فيجوز الإتيان به في كلّ جزء من النهار ـ أو موقّت إلى الزوال؟ وكذا وجوب الفطرة بالنسبة إلى يوم العيد ، فإنّ الظاهر أنّه لا مانع من استصحاب الحكم التكليفيّ هنا ابتداء.

قوله : «بل هو أولى لأنّ مطلقه ... الخ».

كأنّه قدس‌سره لم يلاحظ إلاّ الأوامر والنواهي اللفظيّة البيّنة المدلول ، وإلاّ فإذا قام الإجماع أو دليل لفظيّ مجمل على حرمة شيء في زمان ولم يعلم بقاؤها بعده ـ كحرمة الوطء للحائض المردّدة بين اختصاصها بأيّام رؤية الدم فيرتفع بعد النقاء ، وشمولها لزمان بقاء حدث الحيض فلا يرتفع إلاّ بالاغتسال ، وكحرمة العصير العنبيّ بعد ذهاب ثلثيه بغير النار ، وحلّية عصير الزبيب والتمر بعد غليانهما ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ـ فلا مانع في ذلك كلّه من الاستصحاب.

قوله : «فينبغي أن ينظر إلى كيفيّة سببيّة السبب هل هي على الإطلاق ... الخ».

الظاهر أنّ مراده من سببيّة السبب تأثيره ، لا كونه سببا في الشرع وهو الحكم الوضعي ؛ لأنّ هذا لا ينقسم إلى ما ذكره من

١٣٩

الأقسام ، لكونه دائميّا في جميع الأسباب إلى أن ينسخ.

فإن أراد من النظر في كيفيّة سببيّة السبب تحصيل مورد يشكّ في كيفيّة السببيّة ليكون موردا للاستصحاب في المسبّب ، فهو مناف لما ذكره : من عدم جريان الاستصحاب في التكليفيّات إلاّ تبعا (١) للوضعيّات.

وإن أراد من ذلك نفي مورد يشكّ في كيفيّة سببيّة السبب ليجري الاستصحاب في المسبّب (٢) ، فأنت خبير بأنّ موارد الشكّ كثيرة ؛ فإنّ السببيّة (٣) قد تتردّد بين الدائم والموقّت ـ كالخيار المسبّب عن الغبن المتردّد بين كونه دائما لو لا المسقط وبين كونه فوريّا ، وكالشفعة المردّدة بين كونه مستمرّا إلى الصبح لو علم به ليلا أم لا ، وهكذا ـ والموقّت قد يتردّد بين وقتين ، كالكسوف الذي هو سبب لوجوب الصلاة المردّد وقتها بين الأخذ في الانجلاء وتمامه.

قوله : «وكذا الكلام في الشرط والمانع ... الخ».

لم أعرف المراد من إلحاق الشرط والمانع بالسبب ؛ فإنّ شيئا من الأقسام المذكورة للسبب لا يجري في (٤) المانع وإن جرى كلّها أو بعضها في المانع إن لوحظ كونه سببا للعدم ؛ لكنّ المانع بهذا الاعتبار يدخل في السبب ، وكذا عدم الشرط إذا لوحظ كونه سببا لعدم الحكم.

وكذا ما ذكره في وجه عدم جريان الاستصحاب بقوله : «فإنّ

__________________

(١) في (ت) و (ص) زيادة : «لجريانه».

(٢) في هامش (ص) زيادة : «كما هو الظاهر من كلامه».

(٣) في (ص) بدل «السببيّة» : «المسبّب» ، وفي (ر): «المسبّبيّة».

(٤) في (ر) و (ص) زيادة : «الشرط و».

١٤٠