سامرّاء دراسة في النشاة والبنية السكانية

د. صالح أحمد العلي

سامرّاء دراسة في النشاة والبنية السكانية

المؤلف:

د. صالح أحمد العلي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٠

ذكر ابن خرداذبة الأبعاد بين هذه المواضع في وصفه الطريق بين بغداد والموصل فقال «من بغداد إلى البردان أربعة فراسخ ثم باحمشا ثلاثة فراسخ ثم إلى القادسية سبعة فراسخ ثم إلى سر من رأى ثلاثة فراسخ ثم إلى الكرخ فرسخان (١).

اختيار الموقع

تنسب بعض الروايات سبب اختيار المعتصم للرقعة التي أنشأ عليها سامرّاء إلى تنبؤ راهب ، فيروي اليعقوبي أن المعتصم ارتاد موقع سامرّاء «فقال له بعض الرهبان نجد في كتبنا المتقدمة أن هذا الموضع يسمى سرّ من رأى وأنه كان مدينة سام بن نوح ، وأنه سيعمّر بعد على يد ملك جليل عظيم مظفر منصور له أصحاب كأن وجوههم وجوه طير الفلاة ينزلها وينزلون فيها» «ويذكر أيضا أن الرشيد تنبأ للمعتصم ببناء المدينة» (٢).

رقعة أرض سامرّاء

تقع سامرّاء في رقعة من الأرض تتيح مجال الاستيطان فيها ، وقد درس العرب قدم تاريخ الاستيطان فيها وأرجعوا اشتقاق اسمها من اسم سام بن نوح ، والواقع أنه ورد في عدد من النقوش البابلية المكتشفة ذكر «سمارو» التي يرجّح أن سامرّاء مشتق منها (٣).

لا تذكر المصادر معلومات وافية عن أحوالها في العصر الساساني سوى أن بقربها القاطول الكسروي الذي تدل تسميته على أنه يرجع إلى ذلك العهد ، وأن الساسانيين عملوا على إعمار المنطقة بحفر ذلك النهر أو تجديده.

لم يرد اسم سامرّاء في أخبار الحوادث زمن الراشدين والأمويين ، وذكر

__________________

(١) المسالك ٩٣ ، الخراج لقدامة ٢١٤.

(٢) البلدان ٢٥٧.

(٣) انظر كتاب «الامبراطورية الفارسية» لهرزفيل.

٦١

الأزدي في تعليل ذلك فقال : إن سامرّاء كانت مدينة عظيمة عامرة كثيرة الأهل فخربت حتى صارت خربة ، وكان سبب خرابها أن أعراب ربيعة وغيرهم كانوا يغيرون على أهلها فرحلوا منها (١). والواقع أن هذه المنطقة تأثرت من الاضطرابات التي رافقت حركات الخوارج فيها مما حمل الأمويين على إقامة حامية عسكرية دائمة في الراذان لحفظ الأمن والسلام في المنطقة. ويقول المسعودي «إنها في القديم كانت عظيمة عامرة ، فلم تزل تتناقص على مر الأيام وكان آخر خرابها في أيام فتنة الأمين والمأمون» (٢).

إن الرقعة التي اختارها المعتصم لإنشاء مدينته بعد أن قرر التخلي عن الإقامة في القاطول ذكر عنها المسعودي فقال «كان هناك للنصارى دير عادي». وذكر في مكان آخر «أن موضع قصر المعتصم كان ديرا للنصارى فابتاعه منهم» (٣). وذكر اليعقوبي أن المعتصم عندما ارتحل من القاطول إلى سرّ من رأى فوقف في الموضع الذي فيه دار العامة ، وهناك دير للنصارى فاشترى من أهل الدير الأرض واختطّ فيه ، وصار إلى موضع قصر الجوسق على دجلة (٤). ويقول الأزدي إن المعتصم ابتاع أرض سامرّاء بخمسمائة ألف درهم من أصحاب دير كان هناك ، واشترى موضع البستان المعروف بالخاقاني بخمسة آلاف درهم (٥).

تلقي هذه النصوص الضوء على أسعار الأراضي عند بناء المدينة ، وتدل على أن المنطقة كانت قليلة السكان ، وربما قليلة المزارع أيضا.

يقول حفيد حاجب النعمان إن المعتصم لما نزل سامرّاء «ولّى راشدا المغربي كورتين تتصلان بسرّ من رأى ، وهما تكريت والطيرهان ، وأخرجهما من الموصل ، وبقي من كور الموصل ما ينسب إليها سبع كور». ولم يحدد هذا الحفيد أو غيره من المصادر حدود كلّ من تكريت والطيرهان ولعل سامرّاء كانت من الطيرهان.

__________________

(١) تاريخ الموصل ٤١٦.

(٢) التنبيه والإشراف ٣٠٩.

(٣) مروج الذهب ٣ / ٤٦٦ ، التنبيه والإشراف ٣٠٩.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٣ / ١٨٦.

(٥) تاريخ الموصل ٤١٦.

٦٢

وذكر ابن خرداذبه أن كور الموصل الطيرهان وتكريت والسن وباجرمي والبوازيج ، وكان ارتفاعها في عبرة سنة ٢٠٤ سبعمائة وثمانين ألف درهم.

وذكر في مكان آخر أن وظيفتها تسعمائة ألف. وتجدر الإشارة إلى أنه كانت من كور الموصل شهرزور والصامغان وارتفاعها ٠٠ ، ٧٥٠ ، ٢ درهم. وكانت من كور الموصل في الجانب الشرقي الحديثة وحزة وبهدرا والمعلة والحناية وأواسط ارتفاعها ٠٠٠ ، ٣٠٠ ، ٦ درهم. وكانت من الموصل كور الجزيرة ، ونينوى والمرج (١).

لا يستبعد اعتماد المعتصم في اختيار رقعة الأرض على التنبؤ الذي ذكر في اختيار رقع مدن أخرى ، ففي اختيار موقع الفسطاط يروي ابن عبد الحكم أن عمرو بن العاص لما أراد التوجه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم أمر بنزع فسطاطه فإذا فيه يمام قد فرّخ ، فقال عمرو بن العاص لقد تحرّم منا بمتحرّم فلما قفل المسلمون من الإسكندرية فقالوا الفسطاط لفسطاط عمرو الذي كان قد خلّفه (٢).

ولما بحث أبو جعفر المنصور عن موقع المدينة التي اعتزم تأسيسها اختار المكان ، وثبّت عزمه مشورة راهب قال له تجدون في كتبكم أنه تبنى ههنا مدينة؟ قال الراهب : نعم ، يبنيها مقلاص ، قال أبو جعفر المنصور : أنا كنت أدعى مقلاصا في حداثتي ، قال فأنت صاحبها ، وكذلك لما أراد أن يبني الرافقة بأرض الروم احتج أهل الرقة ، وأرادوا محاربته ، وقالوا تعطل علينا أسواقنا ، وتذهب بمعاشنا وتضيق منازلنا ، فهمّ بمحاربتهم ، وبعث إلى راهب في الصومعة ، فقال : هل عندك علم أن يبنى هاهنا مدينة؟ فقال له : بلغني أن رجلا يقال له مقلاص يبنيها ، قال أنا مقلاص (٣). فبناها على بناء مدينة بغداد ، سوى السور وأبواب الحديد وخندق منفرد.

__________________

(١) المسالك لابن خرداذبة ٩٤ ؛ الخراج لقدامة بن جعفر ٢٤٥ ؛ وانظر عن كور الموصل تاريخ الموصل للازدي.

(٢) فتوح مصر ٩١ ، وانظر الفصل الذي كتبناه في كتابنا «عمر بن عبد العزيز» عن هذه التنبؤات.

(٣) الطبري ٣ / ٢٧٦.

٦٣

وصف الإصطخري الرقعة التي شيدت عليها سامرّاء فقال «إنها كلها في شرقي دجلة وليس معها في الجانب الشرقي ماء ، لكن عمارتها وزرعها وأشجارها فيما يقابلها من غربي دجلة» (١).

وذكر اليعقوبي أن الرقعة التي شيدت عليها سامرّاء كانت صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها إلا دير للنصارى بالموضع الذي صارت في دار السلطان المعروفة بالعامة (٢).

__________________

(١) المسالك ٨٥.

(٢) البلدان ٢٥٧ ، ٢٥٧.

٦٤

الفصل الخامس

المنطقة ومعالمها

منطقة سامرّاء

شيدت سامرّاء في منطقة من كورة الطيرهان (١) وكانت قبل خلافة المعتصم من كور الموصل في أقصى جنوبيها وتتاخم إقليم العراق الذي كان حدّه الأعلى في الجانب الشرقي الطيرهان من طسوج برز بينه جسابور ، وبإزائها من الجانب الغربي حربي من طسوج مسكن (٢). ولما شيد المعتصم سامرّاء أدخل تعديلات في التقسيمات الإدارية ، فذكر حفيد حاجب النعمان أن الموصل كانت ثماني عشرة كور وكان خراجها يجري مع المغرب ، ثم أخرج منها المهدي ثلاث كور هي شهر زور والصامغان وداريا ، وأخرج منها المأمون أربع كور هي باجرما وخانيجار والكرخ ودقوقا ، ثم استخلف المعتصم فلما نزل سرّ من رأى ولي راشد المغربي كورتين تتصلان بسرّ من رأى ، وهما تكريت والطيرهان وأخرجهما من الموصل ، وبقي من كور الموصل ما ينسب إليها وهي سبع كور ويذكر كذلك «فأما سرّ من رأى ، فمحدثة ابتناها المعتصم وضم إليها دقوقا وخانيجار وما يجري مع ذلك من طريق الموصل» (٣).

إن أبرز المعالم التي تحدد منطقة سامرّاء من شرقيها هي القاطول الأعلى الكسروي الذي يدل اسمه على أنه كان قائما منذ أيام الساسانيين ، يبلغ طوله من مأخذه من دجلة في الشمال إلى حصن القادسية في الجنوب أربعين كيلومترا.

__________________

(١) التنبيه والإشراف ٣٠٩.

(٢) المصدر نفسه ٣٥ الأعلاق النفيسة ١١٤٢.

(٣) الوزراء ١٢٢ ب.

٦٥

قدّم سهراب أوسع وصف في الكتب العربية للقاطول الكسروي وما عليه من المعالم فقال «القاطول الأعلى الكسروي أوله أسفل دور الحارث بشيء يسير مماس لقصر المتوكل على الله المعروف بالجعفري ، وعليه هناك قنطرة حجارة ، ثم يمر إلى الإيتاخية وعليه هناك قنطرة كسروية ، ثم يمر إلى المحمدية وعليه هناك جسر زوارق ، ثم يمر إلى الأجمة قرية كبيرة ، ثم يمر إلى الشاذروان ، ثم يمر إلى المأمونية وهي قرية كبيرة ، ثم يمر إلى القناطر ، وهذه قرى عامرة وضياع متصلة ، ثم يمر إلى قرية يقال لها صولي وبعقوبا ويسمى هناك تامرا.

وفي الأطراف الجنوبية من منطقة سامرّاء تجري القواطيل الثلاثة وصف سهراب مجراها فقال : الثلاثة القواطيل أوائلها كلها موضع واحد أسفل مدينة سرّ من رأى بفرسخين بين المطيرة وبركوارا ، ويسمى الأعلى منها اليهودي وعليه قنطرة وصيف مادا إلى أن يصبّ القاطول الكسروي أسفل القناطر ، والثاني يقال له المأموني وهو الأوسط ويمر بقرى وضياع وهو طسوج من السواد ومصبه في القاطول الكسروي أسفل قرية القناطر. والثالث يقال له أبو الجند وهو الأسفل وهو أجلّها وأعمرها شاطئا يمر بين ضياع وقرى ويتفرع منه أنهار تسقي الضياع التي على شاطئ دجلة الشرقي ، ويصبّ أكثرها إلى دجلة ، ثم يمر إلى طفر وعليه هناك جسر ، ثم يمر في القاطول الكسروي فوق صلوى بأربعة فراسخ (١). إن هذين النصين المتكاملين هما أشمل ما في كتب البلدان يجري في الأطراف الشرقية من منطقة سامرّاء وهما يظهران أن القاطول الأعلى الكسروي هو أبرز معلم لحدودها الشرقية ، ولم تذكر المصادر دور الحارث ، ولعله خطأ من الناسخ وصوابه دور عربايا غير أن نص سهراب مقتضب ، تكمله معلومات إضافية وردت في كتب البلدانيين والمؤرخين ، ويتضح من حصيلتها أن الأطراف الشمالية الشرقية القاصية من منطقة سامرّاء فيها ثلاثة معالم عمرانية بارزة تدل أسماؤها على أنها كانت قائمة منذ ما قبل الإسلام ، وهذه المعالم هي الدور والكرخ والماحوزة.

__________________

(١) سهراب ١٥٠ ، وانطر معجم البلدان ٤ / ١٦.

٦٦

الدور

فأما الدور فإن اليعقوبي يقول إن المعتصم أقطع أشناس الكرخ ، وأقطع أقواما آخرين ما فوق الكرخ وسماه الدور (١). ويقول إن المتوكل لما بنى المتوكلية «أقطع الناس بها القطائع وجعلها فيما بين الكرخ المعروف وبين القاطول المعروف بكسرى ، ودخلت الدور والقرية المعروفة بالماحوزة فيها ويقول في كلامه عن الجعفرية واتصل البناء من الجعفرية إلى الموضع المعروف بالدور ثم بالكرخ وسرّ من رأى مادا إلى الموضع الذي كان فيه ينزل ابنه أبو عبد الله المعتز ، ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه ، فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ» (٢) ويقول في مكان آخر «اتصل البناء من بلكوارا إلى آخر الموضع المعروف بالدور أربعة فراسخ» (٣). ويتبين من هذين النصين أن الدور كانت آخر حدود الإعمار في أوج توسع سامرّاء ، إلا أنه ذكر للمسافة بين بلكوارا والدور تقديرين : سبعة وأربعة فراسخ خلالها الدور والقطائع والمساجد والحمّامات.

ذكر البلاذري أن المعتصم عندما شيد سامرّاء أنزل أشناس مولاه فيمن ضم إليه من القواد كرخ فيروز ، وأنزل بعض قواده الدور المعروف بالعربائيين (٤). ويقول إن المعتصم أقطع فوق الكرخ وكان الدور وبنى لهم خلالها الدور والقطائع والمساجد والحمّامات ، وإن الدور والقرية المعروفة بالماحوزة دخلت في المتوكلية (٥) ، ويقول ياقوت دور عربايا بين سامرّاء وتكريت تعرف بدور عرباي (٦) ، ويذكر أن دير الطواوبي متصل بكرخ جدان يشرف على حدود آخر الكرخ على بطن يعرف بالبني ، فيه مزدرع يتصل بالدور وبنيانها وهي الدور

__________________

(١) البلدان ٢٥٩.

(٢) م. ن ٢٦٦ ـ ٧.

(٣) م. ن ٢٦٥.

(٤) فتوح البلدان ٢٩٦.

(٥) المصدر نفسه ٢٩٧.

(٦) معجم البلدان ٢ / ٦٥.

٦٧

المعروفة بدور عربايا ، وهو قديم كان منظرة لذي القرنين ، ويقال لبعض الأكاسرة ، فاتخذه النصارى ديرا في أيام الفرس (١) وكان من أبرز من أوطنهم المعتصم فيهم الموالي.

قدم الطبري في تاريخه أوسع المعلومات عن أهل الدور في كلامهم عن الحوادث التي جرت في زمن المستعين (٢) ، ثم في زمن المعتز (٣) والمهتدي (٤).

ويتبين من معلومات هذه الحوادث أنهم مقاتلة أتراك ، وأن لهم قوادا (٥) وأن أحوالهم المعاشية السيئة كانت الدافع لتمردهم على الخلفاء ، ولم تشر المعلومات إلى الجماعات التي سكنتها. ويبدو أنها كانت مركز حركة تجارية ، فيذكر الطبري أنه في سنة ٢٧٤ دخل صديق الفرغاني دور سامرّاء فأغار على أموال التجار ، وأكثر العيث في الناس ، وكان صديق هذا يخفر أول الطريق ثم تحوّل حاربا يقطع الطريق (٦).

الكرخ :

وفي جنوب الدور تقع الكرخ التي يتردد ذكرها في الأخبار أكثر من غيرها ، واسمها الكامل كرخ فيروز ، وهو اسم يرتبط فيه «الكرخ» ومعناه بالآرامية «القلعة» بفيروز الذي ربما كان المقصود به فيروز بن يزدجرد ، والد قباذ ، وكان قد حكم أكثر من عشرين سنة مرت خلالها الدولة الساسانية بأحداث كثيرة. ذكر البلاذري أن المتوكلية «فيما بين الكرخ المعروف بفيروز وبين القاطول المعروف بكسرى» (٧) ، وذكر ياقوت كرخ سامرّاء وهو أقدم من سامرّاء ، فلما بنيت سامرّاء

__________________

(١) معجم البلدان ٢ / ٦٧٥ ، وانظر «الروض المعطار» للحميري ٣٣٠.

(٢) الطبري ٣ / ١٥١٣ ، ١٥٤٤.

(٣) م. ن ٣ / ١٧١٠.

(٤) م. ن ٣ / ١٧٩٦ ـ ١٨٢٢.

(٥) م. ن ٣ / ١٧٩٩.

(٦) م. ن ٣ / ٢١١٣.

(٧) فتوح البلدان ٢٩٧ ، معجم البلدان ٢ / ٥٩ وقد يدل هذا على أنها لم تكن على القاطول ، ومما يؤيد ذلك أن سهراب لم يذكرها في كلامه عن مجرى القاطول.

٦٨

اتصل بها وهو إلى الآن باق وخربت سامرّاء (١) ، ويذكر أن سامرّاء خربت حتى لم يبق فيها إلا موضع المشهد .. ومحلة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامرّاء (٢). وذكر ابن خرداذبه أن الكرخ إحدى محطات الطريق بين بغداد والموصل ، وهي تلي سامرّاء ، وبينهما فرسخان ، ثم بعدها بسبعة فراسخ جبلتا (٣). وذكر المقدسي أن الكرخ مدينة متصلة بسامرّاء وأعمر منها من نحو الموصل (٤) ، وذكر في وصف محطات الطريق بين بغداد والموصل القادسية ثم الكرخ وبينهما مرحلة ، ولم يذكر محطة في سامرّاء (٥). وذكر ياقوت أن دير الطواويس بسامرّاء متصل بكرخ جدان يشرف عند حدّه ، وآخر الكرخ على بطن يعرف بالسيف فيه المزدرع يتصل بالدور وبنيانها ، وهو الدور المعروف بعربايا ، وهو قديم كان منظرة لذي القرنين ، ويقال لبعض الأكاسرة ، واتخذه النصارى ديرا أيام الفرس (٦).

قصر أشناس

إن أبرز ما في الكرخ قصر أشناس وهو موضع مدينة قديمة على ارتفاع من الأرض (٧). وأشناس من رجال المعتصم ، كان معه في قتال الخوارج زمن خلافة إبراهيم بن المهدي ، ثم كان معه عندما غزا المأمون بلاد الروم ففتح حصن سندس ، وشارك في فتح عمورية (٨) ، وقد استخلفه المعتصم على سامرّاء عندما خرج إلى السن ، وأجلسه على كرسي وتوّجه ووشّحه (٩) ، وبقي ذا حظوة

__________________

(١) معجم البلدان ٣ / ٦٥٦.

(٢) المصدر نفسه ٣ / ١٩.

(٣) المسالك والممالك ٩٣.

(٤) أحسن التقاسيم ١٢٢.

(٥) المصدر نفسه ١٣٤ ـ ٥.

(٦) معجم البلدان ٢ / ٦٥٧.

(٧) المصدر نفسه ٣ / ١٩ سهراب ١٢٧.

(٨) الطبري ٣ / ١٢٣٦ ، ١٢٤٤ ، ١٢٤٨ ، ١٢٤٩ ، ١٢٦١.

(٩) المصدر نفسه ٣ / ١٣٠٣.

٦٩

عند الواثق الذي توجّه وألبسه وشاحين (١) وتوفي سنة ٢٣٠ (٢).

ويقول اليعقوبي إن المعتصم أقطع أشناس الموضع المعروف بالكرخ وضم إليه عدة من قواد الأتراك والرجال وأمره أن يبني المساجد والأسواق (٣).

ولما شغب الأتراك على المهتدي صاروا به إلى دار أشناس وقد صيّروها مسجدا جامعا لهم (٤). ويقول إن المتوكل عندما شيّد المتوكلية مدّ الشارع الأعظم من دار أشناس التي بالكرخ وهي التي صارت للفتح بن خاقان مقدار ثلاثة فراسخ إلى قصوره (٥).

الماحوزة :

الماحوزة هي المعلم العمراني الثالث البارز في الأطراف الشمالية الشرقية من منطقة سامرّاء ، واسمها آرامي معناه «البلدة» وهو يدل على قدمها ، غير أن المعلومات الواسعة عنها لم تتوافر إلا عندما اختارها المتوكل لتشييد مدينته التي أرادها أن تحلّ محلّ سامرّاء مقرا للخلافة والإدارة.

ذكر البلاذري أن المتوكل أحدث مدينة سماها المتوكلية وعمّرها وأقام بها وأقطع الناس فيها القطائع وجعلها فيما بين الكرخ المعروف بفيروز وبين القاطول المعروف بكسرى وخلت الدور والقرى المعروفة بالماحوزة ، وبنى بها مسجدا جامعا وكان يسميها المتوكلية (٦).

وذكر الطبري أنه في سنة ٢٤٥ أمر المتوكل ببناء الماحوزة وسماها الجعفري ، وأقطع القواد وأصحابه فيها ، وجدّ في بنائها وتحوّل إلى المحمدية ليتمّ أمر الماحوزة (٧). وذكر أنه في سنة ٢٤٦ تحوّل المتوكل إلى المدينة التي

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٣٣٠.

(٢) المصدر نفسه ٣ / ١٧٩٧.

(٣) البلدان ٢٦٦.

(٤) م. ن ٢٥٨.

(٥) م. ن ٢٥٨.

(٦) فتوح البلدان ٢٩٧ ، معجم البلدان ٢ / ٥٩.

(٧) الطبري ٣ / ١٤٣٧.

٧٠

بناها في الماحوزة ونزلها يوم عاشوراء من هذه السنة (١). وذكر كذلك لما كانت صبيحة اليوم الذي بويع فيه المنتصر شاع الخبر في الماحوزة وهي المدينة التي كان جعفر بناها وأن الخبر شاع في أهل سامرّاء وتوافى الجند والشاكرية بباب العامة بالجعفرية وغيرهم من الغوغاء والعوام فحملوا على الناس فدفعوهم إلى الثلاثة الأبواب (٢).

وذكر ياقوت أن الجعفرية قرب سامرّاء بموضع يقال له الماحوزة (٣) وأن المتوكلية مدينة بناها المتوكل على الله قرب سامرّاء وسماها الجعفرية أيضا سنة ٢٤٦ ، وبها قتل في شوال سنة ٢٤٧ فانتقل الناس عنها وخربت (٤) ، وذكر اليعقوبي «عزم المتوكل على أن يبني مدينة ينتقل بها وتنسب إليه ويكون له بها للذكر فأمر محمد بن موسى المنجم ومن يحضره من المهندسين أن يختاروا موضعا ، فوقع اختيارهم على موضع يقال له الماحوزة ، وقيل إن المعتصم قد كان على أن يبني هناك مدينة».

الجعفرية :

ذكرت المصادر الجعفرية مفردة أيضا ، فذكر الطبري أنه في سنة ٢٤٦ صلى المتوكل فيها صلاة الفطر بالجعفرية وصلى عبد الصمد بن موسى في مسجد جامعها ، ولم يصل بسامرّاء أحد (٥) ، وذكر أن المنتصر أقام في منزله وكان بالجعفرية (٦).

وفي موضع قصر المتوكل بالجعفرية قتل شيرويه أباه فيروز (٧).

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٤٤٩.

(٢) المصدر نفسه ٣ / ١٤٧٩.

(٣) معجم البلدان ٣ / ١٨ ، ٢ / ٣٨٦.

(٤) المصدر نفسه ٤ / ٤١٣.

(٥) الطبري ٣ / ١٤٥٢.

(٦) المصدر نفسه ٣ / ١٤٥٤.

(٧) مروج الذهب ٤ / ٢٦.

٧١

الإيتاخية والمحمدية :

يقول سهراب في وصف مجرى القاطول الكسروي بعد أن يمر مماسّا لقصر المتوكل على الله المعروف بالجعفري ، وعليه هناك قنطرة حجارة ، ثم يمر إلى الإيتاخية وعليه هناك قنطرة كسروية ، ثم يمر إلى المحمدية وعليه هناك جسر زوارق ثم يمر إلى الأجمة (١) ويتبين من هذا أن الإيتاخية ليست بعيدة عن الجعفرية ، وأن المحمدية في جنوبها. ولكنه لم يحدد الأبعاد بين هذه المعالم.

إن الإيتاخية منسوبة إلى إيتاخ ، وهو من القواد الأتراك (٢) وكان في الأصل مملوكا لسلام بن الأبرش فاشتراه المعتصم (٣) وكان من كبار القواد في حملة المعتصم على عمورية ، وكان مقرّبا للمعتصم وولّي اليمن ، وأرسل لحرب خارجي (٤) وكان كاتبه سليمان بن وهب ، وولّي الحج ، ثم غضب عليه المتوكل وقتله (٥) وذكر له اليعقوبي قطيعة قرب باب البستان في سامرّاء (٦).

ذكر ياقوت وقال البلاذري الإيتاخية تعرف بإيتاخ التركي ثم سماها المتوكل المحمدية باسم ابنه محمد المنتصر ، وكانت تعرف أولا بدير أبي الصفرة وهم قوم من الخوارج ، وهي بقرب سامرّاء (٧). ونقل ابن أبي أصيبعة في ترجمته سلمويه عن ابن الداية أن دير بني الصقر ، وهو الموضع الذي سمّي في أيام المعتصم والواثق بالإيتاخية ، وفي أيام المتوكل بالمحمدية (٨). لم أجد معلومات عن أبي الصفرة وديره ، وإنما ذكرت المصادر أن مما بنى المتوكل قصر بستان الإيتاخية وانفق عليه عشرة آلاف درهم (٩). ولما أمر المتوكل ببناء الماحوزة

__________________

(١) سهراب ١٢٧.

(٢) الطبري ٣ / ١٣٠٦.

(٣) البلدان ١٥٤.

(٤) الطبري ٣ / ١٣٢٨.

(٥) المصدر نفسه ١٣٣١ ، ١٣٣٥.

(٦) البلدان ٢٦٢.

(٧) معجم البلدان ٤ / ٤٣٠ ولم يرد النص في المطبوع من فتوح البلدان.

(٨) عيون الأنباء في طبقات الأطباء.

(٩) معجم البلدان ٣ / ١٧.

٧٢

تحوّل إلى المحمدية ليتم بناء الماحوزة (١). وقد أقبل منها سليمان بن عبد الله ابن طاهر بعد أن صار إلى الإيتاخية (٢).

المطيرة :

المطيرة من المعالم العمرانية البارزة في سامرّاء ، سمّيت باسم مطر بن فزارة الشيباني الخارجي الذي كان نشطا من زمن المامون. وفي المصادر معلومات تحدد موقعها ، فقد ذكر اليعقوبي أن المعتصم بعد تركه الإقامة ببغداد ارتاد عدة مواضع بالتتابع ، «ثم انتقل إلى القرية المعروفة بالمطيرة فأقام بها مدة ثم مد إلى القاطول فقال هذا أصلح المواضع».

ذكر سهراب معلومات عن مواقعها والمعالم العمرانية قربها فقال إن دجلة يحمل منه أيضا الثلاثة القواطيل ، أوائلها كلها موضع واحد أسفل مدينة سرّ من رأى بفرسخين بين المطيرة وبركوارا ، ويسمى الأعلى منها اليهودي ، وعليه قنطرة وصيف ، يمر مادا إلى أن يصب في القاطول الكسروي أسفل المأمونية (٣).

كان في المطيرة دير نصارى ، وفيها بيعة «محدثة بنيت في خلافة المأمون ونسبت إلى مطر بن فزارة الشيباني وكان يرى رأي الخوارج» (٤).

وبالقرب من المطيرة قنطرة وصيف وعندها دير ماري «وكان عامرا بالكثير من الرهبان ، ولأهل الهوى به كلام (٥). وبالمطيرة دير مار جرجس ، ودير ابن عبدون بن صاعد أخي صاعد بن مخلد» (٦).

نزل المعتصم المطيرة في آخر تنقلاته قبل استقراره على البناء في موقع

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٤٣٨.

(٢) المصدر نفسه ٣ / ١٨٢٥.

(٣) عجائب الأقاليم السبعة ١٢٨.

(٤) معجم البلدان ٢ / ٥٦٨ (عن البلاذري).

(٥) المصدر نفسه ٢ / ٦٩٣ (يذكر أن أبا الفرج والخالدي ذكراه).

(٦) المصدر نفسه ٢٥٩.

٧٣

سامرّاء ، ويذكر اليعقوبي أن المعتصم انتقل من باحمشا إلى المطيرة فأقام بها مدة ، ثم مدّ إلى القاطول فقال هذا أصلح المواضع ، فصيّر النهر المعروف بالقاطول وسط المدينة ويكون البناء على دجلة وعلى القاطول ، فابتدأ بالبناء ، وأقطع القواد والكتّاب والناس ، فبنوا حتى ارتفع البناء ، واختطت الأسواق على القاطول وعلى دجلة.

وسكن هو في بعض ما بني له ، وسكن بعض الناس أيضا ثم قال إن أرض القاطول غير طائلة ، وإنما هي حصى وأفهار ، والبناء بها صعب جدا وليس لأرضها سعة (١). ويتبين من هذا النص أن المعتصم شيد مدينة عند القاطول ، ولعل هذه المدينة لم تكن بعيدة عن المطيرة ، واختلطت بها عند توسع المطيرة ، فأغفلت المصادر ذكرها ، ولم يحدد اليعقوبي أي قاطول نزل المعتصم : الكسروي القديم أم أبا الجند الذي احتفره هارون الرشيد.

وأبرز ما في المطيرة قصر الأفشين وكان عند إنشاء سامرّاء آخر البناء مشرقا على قدر فرسخين ، وقد تردد ذكر هذا القصر ، ولم تذكر المصادر هل كان هذا القصر من بناء المعتصم قبل نزول سامرّاء أم أن الأفشين بناه بعد بناء سامرّاء ، ويذكر اليعقوبي أن الأفشين أقطع أصحابه الأشروسنية وغيرهم من المضمومين إليه حول داره وأمره أن يبني فيما هناك سويقة فيها حوانيت للتجار فيما لابدّ منه ومساجد وحمّامات (٢).

ولما قتل الأفشين أقطع المعتصم «وصيفا دار الأفشين التي بالمطيرة ، وانتقل وصيف عن داره القديمة إلى دار الأفشين ، ولم يزل ينزلها ، وكان أصحابه ورجاله حوله (٣)».

من المعالم البارزة في أطراف المطيرة خشبة بابك الذي وصلته أبنية سامرّاء (٤) فكأنه كان في حدود إعمارها ، وهو جبل في آخر الأسواق ، وبقربه

__________________

(١) البلدان ٢٥٦.

(٢) م. ن ٢٥٩.

(٣) م. ن ٢٦٤.

(٤) م. ن ٢٦٠.

٧٤

قطيعة الحسن بن سهل (١) وكانت سمّيت بذلك لأن بابك صلب بدنه بسامرّاء فموضع خشبته مشهور (٢) وكانت هذه المنطقة على بعد فرسخين من العمران ، ولم يكن في ذلك الموضع شيء من العمارة ، ثم أحدث العمارة حتى صارت قطيعة الحسن بن سهل وسط سرّ من رأى ، وامتد بها الناس من كل ناحية ، واتصل البنيان بالمطيرة (٣).

وبالقرب من المطيرة وادي إسحاق بن إبراهيم ، سمّي بذلك لأن إسحاق بن إبراهيم انتقل من قطيعته أيام المتوكل ، فبنى على رأس الوادي ، واتسع البناء (٤).

أنزل المتوكل ابنه المؤيد في المطيرة ؛ وأنزل سنة ٢٦٥ ابنه المعتز خلف المطيرة مشرقا بموضع يقال له بلكوارا ، فاتصل البناء من بلكوارا إلى الموضع المدون بالدور أربعة فراسخ (٥).

يمتد وادي إسحاق بن إبراهيم بين المطيرة وشارع السريجة ، وهو الشارع الأعظم الذي تقع على جانبيه القطائع ممتدة في دروب تنفذ إلى دجلة من جهة وإلى شارع أبي أحمد من جهه أخرى ، وهو يمتد إلى قصر الواثق ودار العامة والخزائن ، وفيه ديوان الخراج الأعظم وقطائع المغاربة وبعض العباسيين وقطائع قواد خراسانيين وفيه أيضا الرطابون ، وسوق الرقيق ، ومجلس الشرطة ، والجامع القديم الذي بناه المعتصم ثم هدمه المتوكل. وهو يمتد إلى خشبة بابك (٦).

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الشارع الأعظم هو الذي ذكر اليعقوبي أن المتوكل عندما بنى الجعفرية في الماحوزة «مدّ الشارع الأعظم من دار أشناس

__________________

(١) البلدان ٢٥٩.

(٢) الطبري ٣ / ١٢٤١.

(٣) البلدان ٢٥٩.

(٤) المصدر نفسه ٢٦٠ ، وفي طرف وادي إسحاق بن إبراهيم يقع مسجد لجين أم المتوكل ، الطبري ٣ / ١٨٠٦.

(٥) البلدان ٢٦٥.

(٦) المصدر نفسه ٢٦١.

٧٥

التي بالكرخ ، وهي التي صارت للفتح بن خاقان ، ثلاثة فراسخ إلى المطيرة ، وجعل عرض الشارع الأعظم مائتي ذراع ، وقدّر أن يحفر في جانبي الشارع نهرين يجري فيهما الماء من النهر الكبير الذي يحفره» (١).

ويمتد من المطيرة عند قطائع الأفشين شارع برغامش الذي على ظهر القبلة منه قطائع الأتراك وعلى المشرق قطائع المغاربة (٢).

يتصل بوادي إسحاق بن إبراهيم واد هو أصل شارع الحير الأول الذي فيه دار أحمد بن الخطيب (٣). وهذا الوادي يمتد إلى وادي إبراهيم بن رباح (٤).

وهو الوادي الغربي الذي ينتهي به شارع أبي أحمد الذي أوله من المشرق دار بختيشوع الطبيب (٥) وهو مواز لشارع السريجة وفي جنوبيه ، وفي هذا الشارع قطيعة إبراهيم بن رباح وقطائع عدد من كبار رجال الإدارة ، وفي وسطه قطيعة أبي أحمد ، وتمتد عليه القطائع إلى باب البستان وقصور الخليفة ، ويمتد شارع الأسكر وهو شارع صالح العباسي ، من المطيرة إلى دار صالح التي على رأس الوادي (٦). ويدل السياق على أن هذا الوادي هو وادي إبراهيم بن رباح.

ولما بنى المتوكل جامعه الجديد ، وضع عنده شارعا يأخذ من وادي إبراهيم ابن رباح وتخرج منه طرق في ثلاثة صفوف واسعة ، عرض كل صف مائة ذراع بالسوداء ، وبين الصفوف دروب وسكك فيها قطائع جامعة من عامة الناس (٧).

ويتبين من هذا العرض أن ثلاثة من الشوارع الخمسة الرئيسية التي ذكرها اليعقوبي في سامرّاء كانت تنتهي عند المطيرة.

__________________

(١) البلدان ٢٦٦.

(٢) م. ن ٢٦١.

(٣) م. ن ٢٦٢.

(٤) م. ن ٢٦١.

(٥) م. ن ٢٦٢.

(٦) م. ن ٢٦٢.

(٧) م. ن ٢٦٥.

٧٦

٧٧

القادسية :

في جنوب المطيرة تقع القادسية ، يفصل بينها القاطول الذي يأخذ من دجلة من مكان بينهما وصف الشابشتي القادسية فقال إنها من أحسن المواضع لأهل الشراب ، ومناخا وللمطربين ، جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة والمواضع بينها وبين سامرّاء كلها متنزهات وبساتين (١).

وذكر ابن الداية كنيسة القادسية (٢) ، وذكر البيروني عيد دير القادسية في الجمعة الثالثة من تشرين الثاني (٣) ، ولابدّ أنها قادسية سامرّاء. وفي القادسية يقع دير السويس على شاطئ دجلة بقادسية سرّ من رأى ، وبين القادسية وسرّ من رأى أربعة فراسخ ، والمطيرة بينهما ، وهذه النواحي كلها متنزهات وكروم ، والقادسية من أحسن المواضع وأنزهها (٤).

ونقل ياقوت عن البلاذري أن دير السوس «هو دير بناه رجل من أهل السوس وسكنه هو ورهبانه معه فسمّي به وهو بنواحي سامرّاء في الجانب الغربي (٥)». وذكر الشابشتي أن دير مارماري بسرّ من رأى عند قنطرة وصيف ، وهو دير عامر كثير الرهبان حوله كروم وشجر ، وهو من المواضع النزهة والبقاع الطيبة الحسنة (٦) ، وقنطرة وصيف على نهر اليهودي الذي يأخذ من القاطول من فوهته.

وأشهر ما في القادسية قصر بلكوارا وفيه يقول الشابشتي «وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بركوارا ، ولما فرغ من بنائه وهبه إلى ابنه المعتز وجعل اعذاره فيه ، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلّها ، وبلغت النفقة عليه عشرين

__________________

(١) الديارات للشابشتي ١٥٠.

(٢) عيون الأنباء في طبقات الأطباء ٢٣٧.

(٣) الآثار الباقية للبيروني ١٠٥.

(٤) معجم البلدان ٣ / ٤٦٧ ، الشابشتي ١٥٠.

(٥) معجم البلدان ٣ / ١٣٣.

(٦) الشابشتي ١٤٩.

٧٨

٧٩

ألف ألف درهم (١) وذكر الرشيدي بعد وصفه المفصّل للاحتفال بتدشين قصر بلكوارا ، أن قصر القادسية سرّ من رأى بينه وبين سرّ من رأى أربعة فراسخ (٢) ، وذكر كذلك أن طول إيوان بلكوارا مائة ذراع ، وعرضه خمسون ، وفرش ببساط إبريسم من مخلفات هشام بن عبد الملك قوّم بعشرة آلاف درهم ، وكانت حفلة فخمة في افتتاحه ، وكان في صحن الدار في الإيوان أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر (٣).

ذكر اليعقوبي أن المتوكل أنزل ابنه أبا القاسم المؤيد بالمطيرة ، وأنزل ابنه المعتز خلف المطيرة مشرقا بموضع يقال له بلكوارا فاتصل البناء من بلكوارا إلى آخر الموضع المعروف بالدور مقدار أربعة فراسخ (٤) ، وقال في مكان آخر اتصل البناء من الجعفرية إلى الموضع المعروف بالدور ثم الكرخ وسرّ من رأى مادّا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه أبو عبيد الله المعتز ، ليس بين ذلك شيء فضاء ولا خراب ولا موضع لا عمارة فيه فكان ذلك سبعة فراسخ (٥).

وفي القادسية توفي المستعين (٦) ويقول الخطيب إن المهتدي ولد بالقاطول ، وذكر ياقوت أن القادسية قرية كبيرة من نواحي دجيل بين حربي وسامرّاء يعمل فيها الزجاج (٧) ، وكلامه يوحي أنها في الجانب الشرقي ، ولعله أخطأ التعبير. وقد وصفت مديرية الآثار العامة في نشرة لأطلال القادسية سورا عظيما يحيط ساحة مثمّنة كل ضلع من أضلاعها نحو ستمائة وأربعين مترا ، وذكرت أنها من اللّبن ، وفيها مائة وأربعون برجا.

__________________

(١) الشابشتي ١٥٠.

(٢) الذخائر والتحف ١٣٢.

(٣) الشابشتي ١٥٠ ـ ١٥٦.

(٤) البلدان ٢٥٩.

(٥) المصدر نفسه ٢٦٣.

(٦) الذخائر والتحف ١٣٢.

(٧) معجم البلدان ١٣٦.

٨٠