سامرّاء دراسة في النشاة والبنية السكانية

د. صالح أحمد العلي

سامرّاء دراسة في النشاة والبنية السكانية

المؤلف:

د. صالح أحمد العلي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٠

العلويون

إن تعبير «الهاشميون» يشمل العباسيين والعلويين الذين كان لهم في توجهاتهم السياسية تياران متباينان ، أحدهما الذي يتبناه المشايعون لزيد بن علي في موقفه المعتدل في الحكم على أبي بكر وعمر ، ولكنهم يرون وجوب مقاومة السلطان الذي لا يرتضونه بالسلاح ، وكانوا أقوى محرك للثورات العلوية على العباسيين. والتيار الثاني هو الذي يتبناه من سمّوا الاثني عشرية ، وموقفهم متشدد في الحكم على أبي بكر وعمر ، ولكنهم لا يؤيدون الثورات المسلحة (١) ، فمعارضتهم فكرية سلمية. وأشارت المصادر إلى الموقف المعتدل تجاههم لكلّ من هارون الرشيد (٢) ، والمأمون الذي استقبل وفدا منهم لدى عودته إلى بغداد وقال لهم تناسوا (٣) ، وأعلن التبرؤ من ذكر معاوية وتفضيل علي ، ونصح المعتصم بعد تسميته وليا للعهد بأن يحسن إلى السيّىء من العلويين وبمتابعة دفع صلاتهم فإن حقوقهم تجب من وجوه شتى (٤) وردّ إليهم فدك (٥).

لم يذكر للمعتصم والواثق موقف متشدد من العلويين الذين لم يزجوا أنفسهم في قضية خلق القرآن ، ويذكر الطبري أن عمر بن فرج كان يتولى أمرهم وكان يجري عليهم الرزق (٦). فلما ولي المتوكل الخلافة شدد على العلويين ، فهدم قبر الحسين وما حوله من المنازل والدور ؛ فتفرقوا (٧). ولما ولي المنتصر أظهر الميل إلى العلويين ، وترك البحث عن أخبارهم ، وأباح لهم زيارة قبر الحسين وأطلق أوقافهم (٨). وأيد العلويون المستعين في نزاعه مع المعتز.

__________________

(١) الطبري ٣ / ٦٠٥.

(٢) بغداد لطيفور ١٥.

(٣) المصدر نفسه ٦٩.

(٤) الطبري ٣ / ١١٣٩.

(٥) فتوح البلدان ٤٢ ـ ٤٣ ؛ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٦٩ ؛ معجم البلدان ٤ / ١٥٤.

(٦) الطبري ٣ / ١٥٢٦.

(٧) م. ن ٣ / ١٤٠٦.

(٨) م. ن ٣ / ١٥٦٣ ، ١٥٦٨ ؛ مروج الذهب ٤ / ٢٠٥١.

١٤١

وكان للعلويين ولأولادهم عطاء جار ، أسوة بالعباسيين ، وكانت عدتهم قريبا من ألفين ، وعدتهم مع العباسيين أربعة آلاف (١) ولا تذكر المصادر كم منهم كان يقيم في سامرّاء التي ضمت رفات الهادي والحسن العسكري وهو الإمام الحادي عشر ؛ وظل مدفنهما أبرز معالم سامرّاء العمرانية.

__________________

(١) الوزراء للصابي ٢٥ وتجدر الملاحظة أن عددا من الأمويين كانوا مقربين للعباسيين ذكر منهم ابن حزم في كتاب الأنساب الحسن بن محمد عم أبي الفرج الأصبهاني ، وعبد الله بن أحمد ابن هيثم (الأنساب ١٠٧) ومن أبرز الأمويين ابن أبي الشوارب. وقد أفضنا الكلام عن هذه التيارات في بحث يجري نشره.

١٤٢

الفصل العاشر

أهل الدواوين والوجهاء

الدواوين والكتاب

اقتضى اتخاذ سامرّاء مقرّا دائما للخلفاء أن تنتقل فيها المؤسسات الأمنية المتصلة بالخلافة بما فيها الحجابة والحراسة ، والمؤسسات المتعلقة بإدارة الدولة وماليتها العامة وتشمل المكاتبات والجبايات والنفقات ؛ وقد أشارت إلى ذلك المصادر ، فيقول اليعقوبي إن المعتصم لما أراد الإقامة بالقاطول قبل بنائه سامرّاء «أقطع القواد والكتاب والناس ، فابتنوا حتى ارتفع البناء ولما شيد سامرّاء اختط أماكن قصوره ، ثم احتفظ القطائع للقواد والكتّاب والناس ، وخط المسجد الجامع ، وخط الأسواق (١). وذكر المسعودي أنه عندما شيّدت سامرّاء نقلت إليها الدواوين والعمال وبيوت الأموال. إضافة إلى الدواوين المحلية المتعلقة بسامرّاء (٢). ونصّت بعض المصادر على الدواوين التي كانت في سامرّاء ومواقعها ، فذكر اليعقوبي في تاريخه «مال الخراج والضياع والبريد والمعاون» (٣) ، وذكر في كتاب البلدان خلال كلامه عن شارع السريجة وهو الشارع الأعظم «كانت القطائع تمر إلى ديوان الخراج الأعظم ، وهو في هذا

__________________

(١) البلدان ٢٥٨.

(٢) التنبيه والإشراف ٣٢١.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٣ / ٢١٣.

١٤٣

الشارع الكبير ، ثم مجلس الشرطة والسجن وذكر في كلامه عن شارع أبي أحمد قطيعة الكتّاب وسائر الناس ، وقطيعة أحمد بن الرشيد في وسط الشارع ؛ وكان شارع الأسكر ، وهو الشارع الخامس يتصل بقطائع القواد الكتاب والوجوه (١).

وذكر الطبري ديوان الخراج الأعظم (٢) وبيت المال (٣) ولا ريب في أن جمع الكتاب وعدد من كبار المسؤولين ، متقاربين في سكناهم قرب الدواوين ومجلس الشرطة والحبس ، قرب المغاربة والخراسانية وبعض المغاربة ، له أهمية في العمل.

ويذكر اليعقوبي أن أحمد بن المدبر كانت له سبعة دواوين : ديوان الخراج والضياع والنفقات الخاصة والعامة والصدقات والمواريث والضياع .. (٤) وكان لإيتاخ الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة (٥).

ولما انتقل المتوكل إلى المدينة التي أنشأها في الماحوزة سنة ٢٤٧ نقل إليها الدواوين : ديوان الخراج وديوان الضياع وديوان الزمام وديوان الجند والشاكرية ، وديوان الموالي والغلمان ، وديوان البريد ، وجميع الدواوين (٦). والجملة الأخيرة توحي بدواوين أخرى نقلها لم يسمّها. وأفراد الضياع العامة والخاصة وذكر رؤسائها يدلّ على تزايد أهمية الضياع وتفرّدها بأساليب خاصة بالنظر لمكانة أصحابها ونفوذهم ، مما يتطلب أساليب خاصة في التعامل بها.

وللدواوين تقاليد في أساليب عملها تتطلب ثقافة وتدريبا خاصا ، وقد ألّف العرب عددا من الكتب تبين ما ينبغي على الكاتب أن يتعلمه ويتقنه من معارف تمتد من حسن الخط وإتقان اللغة والعلم بالأسلوب إلى معرفة بالحساب والهندسة وأبواب الجباية. ولم تكن الكتابة في الدواوين حكرا لجماعة معيّنة ، وإنما هي مفتوحة تدل على معلوماتنا عن أصول عدد من البارزين منهم على أن

__________________

(١) البلدان ٢٦٠.

(٢) الطبري ٣ / ١٨٢١.

(٣) المصدر نفسه ٣ / ١٥١٣.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٣ / ٢١٣.

(٥) البلدان ٢٦٧.

(٦) الطبري ٣ / ٦٣٨١.

١٤٤

أكثرهم من الأنبار ومن عدد من البلدان العراقية الأخرى. غير أن رسالة الجاحظ في ذم أخلاق الكتّاب تظهر ضيق نظرهم وغطرستهم وتعصّبهم للثقافة الفارسية وتقديرهم لكتبها ومادتها ، ولابدّ أن هذه المشاعر تجعلهم أقرب إلى الفرس ، إلا أنه لا توجد إشارة أو دليل على أنهم وثّقوا صلتهم بالعناصر الفارسية التي لم يكن لها صوت مسموع أو نشاط ثقافي خاص بهم في سامرّاء. وكان أكثرهم نصارى (١).

كانت الدولة تدفع للكتّاب رواتب شهرية تبعا لمكانتهم في العمل ، ووفق مستوى المعيشة ، وفي هذا يقول الجهشياري «كانت أرزاق الكتّاب والعمال في زمان أبي جعفر للرؤساء ثلاثمائة درهم للرجل ونحو ذلك ، وكذلك كانت في أيام بني أمية ، وعلى ذلك جرى إلى أيام المأمون ، فإن الفضل بن سهل وسع الجاري» (٢) ، ولم يذكر مقدار هذا التوسيع غير أن المعلومات المتفرقة عن أرزاق الكتّاب بعد عودة الخلافة إلى بغداد لم تكن أكبر كثيرا (٣) ، وكان رزق صاحب ديوان الرسائل أكثر من رزق صاحب الخراج ، ورزق المحرر أقل من رزق صاحب النسخ في ديوان الخراج (٤).

كان في الإدارة العليا بعض الاستقرار إلى نهاية خلافة المتوكل ، فقد ولي الوزارة ، وهي أعلى المناصب الإدارية ، الفضل بن مروان منذ أواخر خلافة المأمون إلى أن توفي في أول خلافة المعتصم ، فتلاه محمد بن عبد الملك الزيات الذي ظل وزيرا إلى أن نكبه المتوكل وولّى بعده محمد بن الفضل ، ثم تلاه عبد الله بن يحيى ؛ واستوزر المنتصر أحمد بن الخطيب الذي ظل في الوزارة إلى خلافة المستعين الذي ولّى بعده صالح بن يزداد ، ثم ابنه أحمد بن صالح ، ثم أحمد بن إسرائيل الذي ظل في الوزارة إلى زمن المعتز.

__________________

(١) الطبري ٣ / ٦٣٩ ، ١٤١٤.

(٢) الوزراء والكتاب للجهشياري ١٢٦ ، الطبري ٣ / ٤٢٥.

(٣) انظر : النفقات في الدولة العباسية لضيف الله الزهراني ٣٢٥.

(٤) في ذم أخلاق الكتاب للجاحظ ٤٨.

١٤٥

وولي محمد بن إسحاق بن إبراهيم الشّرط للمعتصم والواثق والمتوكل.

وولي الجيش عجيف بن عنبسة ، ثم إسحاق بن إبراهيم ، ثم ولّى المتوكل الشرط سليمان بن يحيى.

كانت المناصب وخاصة المتصلة بالأمور المالية تدرّ على شاغليها موارد كبيرة ، لم تذكرها المصادر ، وإنما يستدل عليها مما روي عن مصادرات بعضهم ، فقد صادر الواثق إسرائيل على ثمانين ألف دينار ، والحسن بن وهب على أربعة عشر ألف دينار ، وسليمان بن وهب كاتب إيتاخ على مائتي ألف دينار ، وأحمد بن الخطيب وكتّابه ألف ألف دينار ، وعبد الله بن مخلد عشرة آلاف ، ونجاح ستين ألف دينار ، وأبو الوزير مائة وأربعين ألف دينار ، وإسحاق ابن سعد خمسين ألف دينار (١).

وصادر المتوكل محمد بن عبد الملك الزيات وغلامه سروج تسعين ألف درهم ، وعمر بن فرج ثلاثين ألف دينار إضافة إلى مائة وخمسين ألف دينار كانت مخبأة في داره ، ثم صالحه على عشرة آلاف دينار (٢) ، وصادر إبراهيم النصراني على سبعين ألفا ، وعبد الله وأحمد ثلاثين ألفا (٣) ، وإسحاق بن سعد خمسين ألفا ، وعبد الله بن مخلد اثني عشر الفا (٤).

ولابدّ أن عددا آخر امتلك أتباعه مبالغ لم تصادر ، وبعضها غير قليلة ، واشترى المستعين من المعتز والمؤيد بعد عزلهما عن ولاية العهد جميع مالهم ضمن الدور والمنازل والضياع والقصور بعشرين ألف ألف دينار (٥).

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٣٣١ ـ ٦ ، وفي رواية أربعين ألف دينار ٣ / ١٤٤٣.

(٢) م. ن ٣ / ، ستة عشر ألف ألف ٣ / ١٤١.

(٣) م. ن ٣ / ١٣٨٧.

(٤) م. ن ٣ / ١٤٤٥.

(٥) م. ن ٣ / ١٥٠٧.

١٤٦

رجال الإدارة الرئيسيّون في عهد الخلافة العباسية في سامرّاء

ک : تذکرة ابن حمدون ، ع : المسجدت المسبوک؛ وذکر ابن حبب أسماء متولي الشرطة

الخلفة

الوزر

الحاجب

الحرس

الشرط

المعتصم

الفضل بن مروان ع ک

محمد بن حماد ع

عجف ع ک

محمد بن إبراهم (المحبر ٣٧)

محمد بن حماد ک

وصف ع ک

محمد بن عبد الملک الزات ک

أشناس ع ک

الواثق

محمد بن عبد الملک ع ک

إبتاخ ع ک

إسحاق بن ح معاذ عک

محمد بن إسحاق إبراهم

وصف ع ک

أحمد بن عبد الملک الزات ع

المتوکل

محمد بن عبد الملک الزات

وصف ع ک

سلمان بن ح بن معاذ

محمد بن معاذ إبراهم بن إسحاق

محمد بن الفضل الجرجرائي ع ک

محمد بن عاصم ع

عبد الله بن ح بن خاقان ع ک

عقوب ع

قوصرة ع

المرزبان ع

إبراهم ع

سهل بن سعد ع

الحسن بن مخلد ع

بقا ع ک

سعد ک

المنتصر

أحمد بن الخطب ک

وصف ع

المستعن

أحمد بن الخطب ک

اوتامش ع

صالح بن زداد ع ک

بقاع

١٤٧

الخلفة

الوزر

الحاجب

الحرس

الشرط

أحمد بن زداد ک

وصف ع ک

أحمد بن زداد ک

أحمد بن اسرائل ک

أحمد بن اسرائل ک

المعتز

أحمد بن إسرائل ک

سعد بن صالح ک

المعتز

أحمد بن إسرائل ک

جعفر بن محمد ک

جعفر بن محمد ک

عس بن فرخانشاه ک

عس بن فرخانشاه ک

المعتمد

عبدالله بن ح بن خاقان ک

موس رفا ع ک

المعتمد

عبدالله بن ح بن خاقان ک

الحسن بن مخلد ک

نخخ ک

الحسن بن مخلد ک

أحمد بن صالح بن بندارم

بکتمر الزکي ک

أحمد بن صالح بن بندارم

محمد بن عبدالله

محمد بن عبدالله

عقوب بن أحمد

١٤٨

الخلفة

ولاة الخراج

ولاة الضاع

المعتصم

الفضل بن مروان / الطبري ٣/١٣٧٩

الفضل بن مروان / الجهشاري ١٨٨/١٩١ نشوار ٨/٢٢

ح بن خاقان / نشوار المحاضرة ٨/٢٢١

أبو الفضل عون بن هارون / نشوار ٨/٢٧١، ٣١

الواثق

إبراهم بن راح / أعتاب الکتاب ١٤٥

عمر بن فرج الرخجي

المتوکل

الفضل بن مروان / الطبري ٣/١٣٧٩

أبراهم بن العباس / الطبري ٣ /١٤٣٥، أعتاب الکتاب ١٤٥، ١٥٠

ح بن خاقان / الطبري ٣ / ١٤٤٧، نشوار ٨/٣٣

نشوار ٦٦/٨، الأغاني ١٠ / ٥٢

عبدالله بن ح بن خاقاقن / الطبري ٣ / ١٤٢٧

الحسن بن مخلد / الطبري ٣ / ١٤٤١، التذکرة، المسجد

موس بن عبدالله / الطبري ٣/١٤٤١، الفهرست ١٣٠

إبراهم بن راح / الطبري ٣ / ١٤٣٥، ١٤٤١، نشوار ٨/٦٦

المنتصر

دلل الطبري ٣ / ٥٨٣

ابو الفرج / اعتاب الکتاب ١٤٥

أبو جعقر بن إسرائل/ المسجد المسبوک ٣٤٣

محمد بن هارون / الطبري ٣ / ١٥٤٩

إبراهم نامؤد المسجد

الستعن

أحمد بن صالح بن زداد / المسجد المسبوک

الحسن بن مخلد / المسجد التذکرة الحمدونة

أبو الحجار / الطبري ٣ / ١٥٤٩

الفضل بن مروان

عس بن فرخانشاه / الطبري ٣ / ١٨١٤

المعتز

محمد بن إبراهم بن مسعده / الطبري ٣ / ١٥٥٠

سلمان بن ار / الطبري ٣/١٧٢٦

عس بن فرخانشاه / الطبري ٣ / ١٦٤٠

الحسن بن مخلد / المسجد المسبوک

المهتدي

عبدالرحمن بن محمد بن زداد / نشوار ١٧١٨

سلمان بن سار / الطبري ٣ / ١٥٥٠

المسجد

أحمد بن صالح الصرفني. التذکرة الحمدونة

١٤٩

مستخرج دوان الخراج:

جعفر المعلوف سنة ٢٤٦

الطبري ٣/١٤٤٤

زمام الخراج:

منصور بن بسام

الطبري ٣/١١٨٢

زمام الضاع:

أبو صالح بن زداد

الطبري ٣/١٤٤٦

ضاع المستعن :

دلل

الطبري ٣/١٥١٧

ضاع إتاخ:

قدامة بن زاد النصراني

الطبري ٣/١٣٨٥

دوان جش الشاکرة:

عتاب بن عتاب

مروج الذهب ٤/٥٦

دوان زمام النفقات:

أبو الوزر

الطبري ٣/١٣٧٩

إبراهم بن العباس

ببوت الأموال للمستعن:

أوتامش

الطبري ٣/١٥١٣

التوقع والتتبع عل العمال:

نافع بن ساعد

الطبري ٣/١٤٤١

نجاح بن سلمة

الطبري ٣/١٤٤١

توقع دوان التفقات:

عبداللبن ح بن خاقان

محمد بن عبدالرحمن بن خاقان

الطبري ٣ / ١٤١

أخبار الخاصة والعامة وبسامراء والهاروني ومالها

الطبري ٣ / ١٢٩٦

الأخبار:

إبراهم بن عناب

الطبري ٣/١٤٠٦

المعونة:

إبتاخ وإسحاق بن إبراهم

الطبري ٣ / ١٣٨٢

إسحاق بن إبراهم

المظالم

محمد بن أحمد بن أبي دواد

الطبري ٣/١٤١٠

محمد بن عقوب الربع

ح بن أکثم

الطبري ٣/١٥١٠

کتاب:

الفضل بن مروان

الطبري ٣/١١٨٢

محمد بن عبد الملک الزات

الطبري ٣ / ١١٨٤

محمد بن الفضل الجرجرائي

الطبري ٣/١٣٧٩/١٤٠٧

عبدالله بن ح بن خاقان

الطبري ٣/١٤٠٧

دوان الرسائل:

سعد بن حمد

الطبري ٣/١٥١٤

کتاب ام المستعن:

سلمة بن سعد النصراني

الطبري ٣/١٥١٣

١٥٠

الوجوه وأهل النباهة :

يقول اليعقوبي «انتقل الوجوه والجلة والقوّاد وأهل النباهة من سائر الناس مع المعتصم إلى سرّ من رأى في سنة ٢٢٣ ، ثم اتصل بهم المقام في أيام الواثق والمتوكل ، ولم تخرب بغداد ولا نقصت أسواقها لأنهم لم يجدوا فيها عوضا ، لأنه اتصلت العمارة والمنازل بين بغداد وسرّ من رأى في البر والبحر ، أعني في دجلة وفي جانبي دجلة» (١).

حدّد اليعقوبي المنتقلين من بغداد مع المعتصم «الوجوه والجلّة والقواد وأهل النباهة من سائر الناس» ، وأن مقامهم في سامرّاء دام حتى نهاية خلافة المتوكل (٢٢٣ ـ ٢٤٥) أي قرابة ربع قرن كانت الأحوال فيها مستقرة وللخلافة مكانتها العليا المطلقة. وقد يوحي هذا النص أن تدهور سامرّاء بدأ منذ مقتل المتوكل الذي تلاه تدهور الأحوال المالية واضطراب الأمن بسبب الانقلابات العسكرية المتتابعة.

لم يفصل اليعقوبي في «الوجوه والجلة وأهل النباهة من سائر الناس» ولعله قصد المقربين من الخلافة ورجال الحكم والإدارة المثقفين عموما ، ويلاحظ أن إقطاعات المعتصم في سامرّاء لغير القادة والجند اقتصرت على إقطاعات لأربعة من رجال الأسرة العباسية ، وإقطاعات لكبار رجال الدواوين ، ولطبيب واحد هو بختيشوع ، ولعل الوافدين على سامرّاء أبيح لهم البناء ، ولم يقطعوا إقطاعات واسعة ، ويقول ابن الداية إن المعتصم لما بنى سامرّاء أمر الموالي والقواد باللحاق به (٢) ، ولم يخرج معه من أهل بيته إلا العباس بن المأمون وعبد الوهاب بن علي ، وذكر الطبري أن المهتدي بايعه هاشميون والقضاة والمعدلون وأصحاب المراتب (٣).

__________________

(١) البلدان ٢٥٤.

(٢) عيون الأنباء في طبقات الأطباء ٢٣٦.

(٣) الطبري ٣ / ١٧٩٤.

١٥١

ترجم الخطيب لثلاثة وعشرين نسبهم إلى «العسكر» (١) ولابدّ أنه قصد سامرّاء ، وورد في أخبار الخلفاء الذين اتخذوا مقامهم في سامرّاء أسماء عدد غير قليل من الشعراء والكتّاب والأدباء والأطباء والمهندسين والفلاسفة والعلماء والمغنّين والجواري ممن لابدّ أنهم كانوا مقيمين بصورة دائمة أو لمدة غير قصيرة فيها ، ولكن كتب التراجم التي ألّف أكثرها في بغداد ، لم تشر إلى أقامتهم في سامرّاء ، مما ترك انطباعا غير صحيح أنهم من بغداد التي نسب إليها كثير من النشاط الفكري في سامرّاء إبان ازدهارها ولا ريب في أن قصر مدة ازدهار سامرّاء وامتداده في بغداد عمل على دمج نشاط أهل سامرّاء ببغداد التي لابدّ أنها احتفظت بمكانتها العلمية وخصوصا في علوم اللغة والدين. وترجم ابن النديم لأحد عشر من أهل اللغة والأدب والحديث ذكر أنهم ولدوا أو تواجدوا في سامرّاء.

يظهر نص اليعقوبي الذي ذكرناه أعلاه أن قيام سامرّاء لم يؤدّ إلى تدهور الحياة الاقتصادية في بغداد التي احتفظت بأسواقها وما يتصل بها من نشاط تجاري ، ولم يرد ذكر لهجرة التجار من بغداد أو تحوّل المؤسسات التجارية إلى سامرّاء ، فظلت بغداد مركز التجارة العالمية ، وامتد نشاطها إلى سامرّاء التي لم تعمل على نقل التجارة إليها ، وإنما اقتصرت على نقل أصحاب الحرف لسد حاجاتها المحلية. وظلت مركز النشاط التجاري إلى أواخر الربع الأول من القرن الثالث.

إن اتخاذ الخلفاء سامرّاء مقرا لمقامهم ، ونقل معظم الجند والحاشية إليها رافقه استلامها جبايات الأقاليم مما أمن موارد مقنّنة ومنتظمة لمجموعات المهيمنين وقدرتهم على الصرف لتأمين حاجاتهم المعيشية. وقد أدى هذا إلى إنعاش الناس وأصحاب الصناعات والمهن والبياعات بمختلف أعمالهم التي تخدم هؤلاء المهيمنين من كبار رجال الجيش والإدارة إلى صغار الجند والكتّاب ، ولابدّ أن مشاريع الإرواء القائمة في الجانب الشرقي والتي فتحت

__________________

(١) بغداد مدينة السلام ٢ / ٢٢٦ ـ ٧.

١٥٢

في الجانب الغربي يسّر العمل والربح للفلاحين وأهل الزرع في هذه المنطقة ، كما يسّر لعدد من المتنفذين الحصول على ضياع واسعة ، وأفسح ضعف الرقابة على كبار رجال الإدارة حصولهم على ثروات ضخمة من الدلائل عليها مبالغ المصادرات التي ذكرها الطبري لعدد من كبار رجال الإدارة ، فيذكر أن المتوكل في سنة ٢٣٣ غضب على عمر بن فرج وكتب في قبض ضياعه وأمواله ، ثم صولح على عشرة آلاف ألف درهم وأخذ من محمد بن عبد الملك الزيات ما قيمته تسعون ألف دينار ، واستخرج من إبراهيم بن الجنيد النصراني سبعين ألف دينار ومن أبي الوزير نحوا من ستين ألف دينار ، ومن سعدون بن علي أربعين ألف دينار ، ومن عبد الله وأحمد بن سعدون نيفا وثلاثين ألف دينار عدا الضياع (١) ، ولعل آخرين لم تصادر أموالهم جنوا أرباحا من استغلال مناصبهم بأساليب منوعة ، وبمقادير متباينة.

ففي شارع السريجة قطائع قواد خراسان : هاشم بن بانيجور ، وهاشم والحمد بن علي المأموني ، وهارون بن نعيم ، وحزام بن غالب ، ثم يتلوها اصطبلات دواب الخليفة وشارع أبي أحمد ، وهو الشارع الثاني الموازي لشارع السريجة الأعظم ، كانت قطائع للخراسانية وبعض كبار رجال الدولة ، ثم تتصل الإقطاعات في هذا الشارع ، وعلى الدروب إلى يمينه ويساره إلى قطيعة بغا الصغير ، ثم قطيعة بغا الكبير ، ثم قطيعة سيما الدمشقي ، ثم قطيعة وصيف القديمة ، ثم قطيعة إيتاخ ، ويتصل ذلك إلى باب البستان وقصور الخليفة ؛ وظاهر النص أن هذه القطائع كانت متصلة ببعضها.

ظلت أكثر هذه الإقطاعات ثابتة لأصحابها ، وربما توارثوها ورثتهم من بعدهم ، غير أن بعضها تبدل أصحابها ، فإسحاق بن إبراهيم كانت قطيعته في آخر وادي السريجة ، ثم انتقل من قطيعته في أيام المتوكل فبنى على رأس الوادي واتسع في البناء ، وكانت قطائع الأفشين في المطيرة.

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٣٧٧.

١٥٣

القصور والدور والمنازل والقطائع :

في المصادر أربعة مصطلحات عن أحوال الأراضي التي وزّعت هي الدور والقصور والمنازل والقطائع. فأما الدور والقصور فكانت لأفراد تختلف مساحاتها ، ولكنها من حيث العموم محدودة ، ويتميز القصر عن الدار بأنه أوسع مساحة وأفخم بناء وكثيرا ما يحاط ببساتين ومزروعات لزيادة تجميلها. أما المنازل فأكثر ما ذكرت مرتبطة بالجماعات ؛ فهي أقرب إلى ما نسميه اليوم الأحياء ؛ والأرجح أن رئيس الجماعة يقوم بتوزيعها على أفراد جماعته بالتساوي. ولم يرد خبر عن استياء أو احتجاج أيّ من الأفراد على هذا التوزيع ؛ وهي في الغالب تبيح لهم الحرية ، وإن لم تكن بمستوى الملكية الصرفة ؛ إذ قد ينقل الأفراد أو الجماعة منها دون أن يعطوا تعويضا ماليا عن ذلك.

أما القطائع فإنها تكون أوسع ، وقد تعطى للأفراد أو الجماعات ، وتسمّى باسم من تقطع له ، وله حق التصرف فيها ، ولكنها ليست ملكا صرفا ، إذ يمكن سحبها دون تعويض.

ذكر اليعقوبي في سامرّاء عشر إقطاعات منسوبة إلى جماعات ، وأربعا وثلاثين إقطاعة منسوبة إلى أفراد أو جماعات أو لكليهما. وسمّى من نسب إليه الإقطاع ، وحدّد بالتقريب مواقعها التي يدل سياق كلامه على أن المعتصم أقطعها عند بدء تأسيس سامرّاء ، ولم ترد إشارة إلى مساحة أيّ منها. وإن كان الراجح أن مساحاتها متباينة ، وأنها أعطيت للرئيس وجماعته ، فهي واسعة تستوعب الجماعة ، وأن الرئيس الذي سمّاه اليعقوبي كان يقوم بتوزيعها على أفراد الجماعة بصورة متساوية أو متقاربة بعد أن يقتطع لنفسه قطعة متميزة بمساحتها وموقعها ويبني منزلا أفخم من منازل أفراد الجماعة.

والإقطاعات كافة ، التي ذكرها اليعقوبي في الجانب الشرقي ، متقاربة لا تبعد كثيرا عن مقر إقامة الخليفة في الجوسق الخاقاني ؛ إلا أنه ذكر أربع إقطاعات في الأطراف الخارجية من سامرّاء.

١٥٤

الفصل الحادي عشر

منازل المغاربة والعرب

المغاربة :

يقول اليعقوبي في كلامه عن شوارع سامرّاء عندما خططها المعتصم إن أحد هذه الشوارع هو الشارع الذي على دجلة ويسمّى شارع الخليج. وفيه الفرض ومرسى السفن القادمة من بغداد محمّلة بسلعها ، وفي هذا الشارع قطائع المغاربة كلهم أو أكثرهم ، والموضع المعروف بالأزلاخ الذي عمر بالرجالة المغاربة في أول ما اختطّت سرّ من رأى (١).

قال المسعودي بعد كلام قصير عن جمع المعتصم الأتراك : «وقد كان المعتصم اصطنع قوما من حوف مصر ومن حوف اليمن وحوف قيس فسمّاهم المغاربة» (٢) لم أجد إشارة إلى حوف اليمن ، أو حوف قيس. أما حوف مصر فقد أسكن فيه الوليد بن رفاعة والي مصر قيسا سنة ١٠٩ (٣) ، وهو يمتد بين دمياط وأطراف حدود مصر الشرقية ، وقد حصلت فيه بعض الاضطرابات في أوائل زمن الخلفاء العباسيين ، ولكن لم يذكر حدوث اضطرابات فيه زمن خلافة المعتصم الذي أوقف العطاء على مقاتلة مصر سنة ٢١٣ ، أي قبل تأسيس سرّ

__________________

(١) البلدان ٢٥٧.

(٢) مروج الذهب ٣ / ٤٦٥.

(٣) الولاة للكندي ٧٦.

١٥٥

من رأى ، ولا تشير المصادر المصرية إلى نقل المعتصم مقاتلة من مصر إلى العراق ، سوى ما ورد في مادة «الأفشين» في دائرة المعارف الإسلامية أن الأفشين هو الذي جلب المغاربة من مصر وضمّهم إلى جيش المعتصم ، علما بأن ولاية الأفشين على مصر انتهت سنة ٢١٨ أي قبل تحوّل المعتصم من بغداد ، ولم يكن للأفشين تقدير لهم (١).

وكان الخلفاء العباسيون الأوائل قد استخدموا في جيشهم وحدات من الأفارقة كان لها إسهام في الدفاع عن بغداد لمّا حاصرتها قوات المأمون في قتالها الأمين ، ولكن المصادر لم تذكر معلومات عن زمن بدء استخدامهم وتطور دورهم أو تركيبهم القبلي وأصوله ، علما بأن كلمة (أفريقية) التي نسب إليها هؤلاء المقاتلة يقصد بها في الغالب بلاد شمال أفريقيا ، وأن المصادر ميزت بين هؤلاء الأفارقة وبين السودان والعبيد ، كما أنها كانت تميز في كثير من الأحيان بينهم وبين من تسمّيهم «البربر».

يتضح من كلام المسعودي أن المعتصم هو الذي جلب هؤلاء المغاربة إلى سرّ من رأى ، وأنه أسكنهم فيها منذ أول تأسيسها. وذكر اليعقوبي أن المعتصم أسكنهم الشارع الذي على دجلة ويسمّى شارع الخليج ، وهناك الفرض ومرسى والسفن والتجارات التي ترد من بغداد وواسط وكسكر وسائر السواد من البصرة والأبلة والأهواز وما اتصل بذلك ، ومن الموصل وباعربابا وديار ربيعة وما اتصل بذلك ، وفي هذا الشارع قطائع المغاربة كلهم أو أكثرهم ، والموضع المعروف بالأزلاخ الذي عمر بالرجالة المغاربة في أول ما اختطّت سرّ من رأى (٢) ، وهذا الشارع مواز لدجلة ولا يخترق سامرّاء. ولما كان الجوسق الخاقاني يطل على دجلة ، فتكون قطائعهم بمحاذاة الجوسق ، ولعلها متصلة بقطائع لرجال من المغاربة في شارع السريجة ، وهو الشارع الأول ، ومن قطيعة راشد المغربي ، وقطيعة مبارك المغربي ، وسويقة مبارك ، وجبل جعفر الخياط

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٣١٣.

(٢) البلدان ٢٦٧.

١٥٦

وفيه قطيعته وقطيعة أبي الوزير (١) ، ولعله أفردهم عن قطائع بقية المغاربة ليميز مكانة أصحابها ، وأنها لم تكن كبيرة ، علما بأنه لم يذكر من قطيعة المغاربة على دجلة قطيعة لأحد.

إن هذين النصين يظهران أن المغاربة كانوا متواجدين منذ أول تخطيط سامرّاء ، وأن قطائعهم كانت في موضع فيه منشآت لها أهمية سياسية وأمنية ، هي الجوسق ودوائر الدولة والسوق ، ولابدّ أن المعتصم اختار لهم هذا المكان لثقته بإخلاصهم ، وإدراكه إمكان انسجامهم مع أهل الفرضة والسوق ، ومراجعي الدوائر ، فوجودهم في هذا المكان لا يثير مشاكل كالتي أثارها الأتراك في بغداد عندما أراد إيطانهم فيها.

ورد في أخبار الحوادث ذكر أربعة من رجال المغاربة هم مبارك المغربي وراشد المغربي ، ويحيى العكي وزيلة المغربي ، فأما مبارك فقد وجّهه المتوكل لاستخراج أموال إبراهيم عبد الحميد ، (٢) وذكر الطبري أن داره عند دار حبش في سامرّاء (٣). وأما راشد فإن المتوكل وجهّه لقبض أموال محمد بن عبد الملك الزيات (٤) وهذا يظهر مكانتهما عند المتوكل ، وقيامهما ببعض الأعمال الإدارية الانضباطية. غير أن المصادر لم تذكر العشيرة التي ينتسبان إليها. وذكر حفيد حاجب النعمان أن المعتصم لما نزل سرّ من رأى ولّى راشد المغربي كورتين تتصلان بسرّ من رأى هما تكريت والطيرهان اللتان أخرجهما من الموصل ، وأبقى إلى ما ينسب إلى الموصل سبع كور (٥). أما يحيى العكي فقد ذكره الطبري في حوادث حصار قوات المعتز للمستعين عندما تحصن في بغداد ، (٦)

__________________

(١) البلدان ٢٦١.

(٢) الطبري ٣ / ١٣٥٤.

(٣) م. ن ٣ / ١٥٠٥.

(٤) م. ن ٣ / ١٣٥٤.

(٥) الوزراء.

(٦) الطبري ٣ / ١٥٠٥.

١٥٧

وأما زيلة المغربي فكان من قوات المغاربة وورد اسمه في حصار جيش المعتز لبغداد زمن المعتصم (١).

ذكر الطبري أن المتوكل لما بويع بالخلافة «أمر للأتراك برزق أربعة أشهر ، والجند والشاكرية ومن يجري مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر ، وللمغاربة برزق ثلاثة أشهر ، فأبوا أن يقبضوا ، فأرسل إليهم قائلا : من كان منكم مملوكا فليمض إلى أحمد بن أبي دؤاد فليبعه ، ومن كان حرّا صيّرناه أسوة بالجند ، فرضوا بذلك ، فتكلم وصيف فيهم حتى رضي عنهم ، فأعطوا ثلاثة ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك» (٢). يظهر هذا النص أنه كان في المغاربة مماليك وأحرار ، وأنهم لم يكونوا جميعا أسوة بالجند ، وأن المتوكل أراد تقليص عددهم عقابا لهم ، وأراد إبقاء وضعهم ، وأن رزقهم كان أقل من رزق الترك ، وبعد أن رضي عنهم جعل رزقهم مساويا لرزق الأتراك ؛ علما بأن المصادر لم تذكر مقدار هذا الرزق وتنوّعه تبعا لمراتبهم.

يذكر الطبري أنه في سنة ٢٥٢ إبّان الحرب بين المعتز والمستعين قدّرت أرزاق الأتراك والمغاربة والشاكرية فكان مبلغ ما يحتاجون إليه في السنة مائتي ألف الف دينار ، وذلك خراج المملكة كلها سنتين (٣) أي إن أرزاقهم قدرت ضعف موارد الدولة للسنة الواحدة ، وهو مبلغ كبير جدا حتى بمقاييس ذلك الزمن علما بأن هذا النص إجمالي لا يوضح نصيب كل جماعة في الجيش أو تفصيل النظام المتبع لتقدير ما يصيب الجندي الواحد.

إن الطبري في تاريخه الذي ضم أوسع المعلومات تفصيلا عن الحوادث السياسية والحربية في القرن الثالث الهجري ، ذكر المغاربة في خبرين ، فقال في أحدهما إن إيتاخ في سنة ٢٣٤ صار إليه الجيش والمغاربة والأتراك والموالي

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٥٦٢.

(٢) م. ن ٣ / ١٤٧٣.

(٣) م. ن ٣ / ١٦٨٥.

١٥٨

والبريد والحجابة ودار الخلافة (١) ، وفي الحملة التي أعدت على الكرّ حاصر المسلمون تفليس وكان المغاربة مشاركين في حصارها (٢).

تردد ذكر المغاربة في أخبار حوادث الاضطرابات التي حدثت بعد مقتل المتوكل ، وكانوا في هذه الحوادث مشاركين لمجموعات أخرى من الجيش ، واشتركوا مع الأتراك خاصة في عدد من الحوادث ، ولا سيما في تأييدهم المعتز ومقاتلة المستعين. فقد ذكر المستعين في رسالة شرح فيها موقفه وقال : «ثم إن هؤلاء الناكثين جمعوا جمعا من الأتراك والمغاربة ، ومن ولج في سوادهم ، ودخل في غمارهم» (٣) وأن المعتز «استنهض جيشا من سامرّاء من الأتراك والمغاربة» (٤) وقد قاتل المغاربة في إحدى هذه المعارك ببغداد ووصلوا سور باب الشماسية (٥) وصاروا مع الأتراك إلى أبواب مدينة السلام ، (٦) ثم قدم مزاحم بن خاقان مددا لمحاصري بغداد وقدم معه من كان معه من أصحابه من الخراسانية والأتراك والمغاربة ، وكانوا نحو ألف رجل (٧). وبذلك ازداد عدد محاصري بغداد وصارت «عدة الأتراك والمغاربة وحشوهم في الجانب الغربي اثني عشر ألف رجل» ورأسهم بايكباك ، وكانت عدة من كان مع أبي أحمد في الجانب الشرقي سبعة آلاف رجل خليفته عليهم الدرغمان الفرغاني ، ولم يكن بسامرّاء من قواد الأتراك ولا من قواد المغاربة إلا ستة نفر (٨).

وفي هذه الحوادث «كتب المعتز إلى مزاحم فأجاب الأتراك والفراغنة والمغاربة (٩) ، وشارك الأتراك والمغاربة في حصار باب بغواريا غربي (١٠) بغداد».

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٣٨٣.

(٢) م. ن ٣ / ١٤١٩.

(٣) م. ن ٣ / ١٥٦٩.

(٤) م. ن ٣ / ١٥٧١.

(٥) م. ن ٣ / ١٥٧٩.

(٦) م. ن ٣ / ١٥٨٢.

(٧) م. ن ٣ / ١٥٨٨.

(٨) م. ن ٣ / ١٥٩٥.

(٩) م. ن ٣ / ١٦١٩.

(١٠) م. ن ٣ / ١٦٢٤.

١٥٩

لم يدم التعاون بين الأتراك والمغاربة إذ إن المغاربة اجتمعت مع محمد بن راشد ونصير بن سعيد فغلبوا الأتراك على الجوسق وأخرجوهم منه ، وقال لهم كل يوم تقتلون خليفة وتخلعون آخر وتقتلون وزيرا .. وأخرجت المغاربة الأتراك من الجوسق وغلبوهم في بيت المال ، فاستعان الأتراك بأهل الكرخ ولكن المغاربة أعانتهم الغوغاء والشاكرية ، وضعف الأتراك وانقادوا للمغاربة ، فأصلح جعفر بن عبد الواحد بين الفريقين ، فاصطلحوا على أن لا يحدثوا شيئا ويكون في كل موضع يكون فيه رجل من أحد الفريقين يكون فيه آخر من الفريق الآخر (١).

قرّب المعتز المغاربة والفراغنة ورجّحهم على الأتراك فاستاء هؤلاء من عمله. وآخر ما ذكره الطبري عن المغاربة هو اتفاقهم مع الفراغنة على عزل المعتز (٢).

ذكر اليعقوبي في كلامه عن خطط سامرّاء أن في شارع أبي أحمد «قطائع المغاربة وقطائع العباسيين. ثم قطائع قواد خراسان وأسبابهم من العرب ، ومن أهل قم وأصبهان وقزوين والجبل وأذربيجان يمنة في الجنوب مما يلي القبلة فهو نافذ إلى شارع السريجة الأعظم (٣)». وكلمة «أسباب» غير واضحة ، وهي تمتد إلى أهل قم وأصبهان وقزوين والجبل وأذربيجان التي كان في كلّ منها مستوطنات عربية.

وذكر المسعودي أن المتوكل عندما جفا الموالي والأتراك ضم إلى وزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان نحوا من اثني عشر ألف من العرب والصعاليك وغيرهم برسم المعتز ، وكانوا في حجره (٤) ، ولم ترد إشارة أخرى إلى دور هؤلاء العرب ومواضع خططهم ولا إلى قوات عسكرية عربية في سامرّاء غير ما ورد في هذين النصين.

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٩٨١.

(٢) المصدر نفسه ٣ / ١٧٠٩.

(٣) البلدان ٢٦١.

(٤) التنبيه والإشراف ٣١٢.

١٦٠