سامرّاء دراسة في النشاة والبنية السكانية

د. صالح أحمد العلي

سامرّاء دراسة في النشاة والبنية السكانية

المؤلف:

د. صالح أحمد العلي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٠

أسواق سامرّاء :

أدرك المعتصم أهمية السوق فحدّد في تخطيطه الأول لسامرّاء مكانا لها ، وفي هذا يقول اليعقوبي : إن المعتصم «خطّ المسجد الجامع واختط الأسواق حول المسجد الجامع وذكر في مكان آخر ووسعت صفوف الأسواق ، وجعلت كل تجارة منفردة ، وكل قوم على حدتهم على مثل ما رسمت عليه أسواق بغداد» (١).

وفي كلامه عن شارع السريجة ، وهو الشارع الأعظم ، ذكر مواقع الرطابين وسوق الرقيق في مربعة فيها طرق متشعبة فيها الحجر والغرف والحوانيت للرقيق ، ثم مجلس الشرطة والحبس الكبير ومنازل الناس. والأسواق في هذا الشارع يمنة ويسرة مثل سائر البياعات والصناعات ، ويتّصل ذلك بخشبة بابك ، ثم السوق العظمى لا تختلط بها المنازل ، كل تجارة منفردة ، وكل أهل مهنة لا يختلطون بغيرهم ، ثم الجامع الكبير الذي لم يزل يجمع فيه إلى أيام المتوكل ، والأسواق من أحد الجانبين ، ومن الجانب الآخر القطائع والمنازل وأسواق أصحاب البياعات الدنيّة مثل أصحاب الفقاع والهرائس (٢).

يتبين من النص الأول أن تحديد مواقع الأسواق واختطاطها جرى منذ أول إنشاء سامرّاء ، وأن مواقعها جعلت حول المسجد الجامع ، أما النص الثاني فيظهر أن هذه الأسواق كانت في منطقة واحدة من شارع السريجة ، وهو الشارع الأعظم وعلى طرفيه ، ويوحي هذا النص أنه كان في سامرّاء «السوق العظمى» وهي متميزة عن بقية الأسواق ، ولكنها ليست بعيدة عنها ، يفصلهما مجلس الشرطة والحبس ، وهي ممتدة إلى خشبة بابك. أما السوق العظمى فتمتد إلى جامع المعتصم ، وفي آخره أسواق أصحاب الصناعات والبياعات الدنيّة.

وجاء في النص الأول أن الأسواق وسّعت صفوفها ، وجعلت فيها كلّ تجارة منفردة ، وكل أهل مهنة لا يختلطون بغيرهم. ولم يذكر اليعقوبي من هذه

__________________

(١) البلدان ٢٥٨.

(٢) المصدر نفسه ٢٦٠.

١٠١

الأسواق الفرعية غير سوقي الرطابين والرقيق وكانتا في أوله ، وأسواق أصحاب البياعات الدنيّة مثل أصحاب الفقاع والهرائس.

نظّم المعتصم أسواق سامرّاء على غرار أسواق الكرخ في بغداد حيث قال إنه أفرد كل تجارة في سوق ضمن السوق العظمى «على مثل ما رسمت عليه أسواق بغداد» ، وقد تحاشى المعتصم ما غاب عن أبي جعفر المنصور في تخطيطه الأول للمدينة المدوّرة وأطرافها في بغداد فسببت له بعض المشاكل الأمنية وحملته على أن ينقل في سنة ١٥٧ الأسواق وفي ناحية الكرخ وباب الشعير ، ويجعلها صفوفا وبيوتا لكل صنف ويعرفها الناس (١). ولكل تاجر وتجارة شارع معلوم وصفوف في تلك الشوارع ، وحوانيت وليس يختلط قوم بقوم ولا تجارة بتجارة ، ولا يباع صنف مع غير صنفه ، ولا يختلط أصحاب المهن من سائر الصناعات بغيرهم ، وكل سوق مفردة ، وكل أهل منفردون بتجارتهم ، وكل أهل مهنة معتزلون عن غير طبعتهم وقد وضع على أسواق بغداد خراج (٢).

ثم نمت سوق على شاطئ دجلة كانت فيها «الفرض والسفن والتجارات التي ترد من بغداد وواسط وكسكر وسائر السواد من البصرة والأبلة والأهواز وما اتصل بذلك ، ومن الموصل وعربايا وديار ربيعة وما اتصل بذلك» (٣).

أقيمت أسواق سامرّاء في موضعها الذي اختطّه لها المعتصم ، وأدى ازدهارها ونمو الحياة الحضرية فيها إلى ازدحامها ، فلما ولي الواثق الخلافة «زاد في الأسواق وعظمت الفرض التي تردها السفن من بغداد وواسط والبصرة والموصل» (٤) ، ولم تذكر المصادر المناطق التي زيدت فيها الأسواق ، ولعل الامتداد إلى خشبة بابك ترجع إلى زيادة الواثق.

__________________

(١) الطبري ٣ / ٤٣٣.

(٢) البلدان ٢٤٦ ، تاريخ بغداد للخطيب ١ / ١٢٣.

(٣) البلدان ٢٦٣.

(٤) المصدر نفسه ٢٦٥.

١٠٢

ولما ولي المتوكل الخلافة وبنى الجامع الجديد «جعل الطريق إليه من ثلاثة صفوف واسعة عظيمة من الشارع الذي يأخذ من وادي إبراهيم بن رباح ، في كل صف حوانيت فيها أصناف التجارات والصناعات والبياعات ، عرض كل صفّ مائة ذراع بالذراع السوداء ، لئلا يضيق عليه الدخول إلى المسجد في الجمع في جيوشه وجموع خيله ورجاله ، ومن كل صف إلى الصف الذي تليه دروب وسكك فيها قطائع جماعة من عامة الناس فاتسعت على الناس المنازل والدور ، واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت التي هي في صفوف الجامع» (١).

وفي سنة ٢٤٥ شيّد المتوكل في الماحوزة على بعد ميلين من الكرخ مدينة الجعفرية ضمّت قصوره وإقطاعات ولاة عهوده وسائر أولاده وقوّاده وكتّابه وجنده والناس كافة وربطها مع الكرخ بشارع عرضه مائتا ذراع ، أقطع الناس على جانبيه ، وجدّ الناس في البناء الذي امتد واتصل من الدور والكرخ فسامرّاء وإلى بلكوارا في القادسية (ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ) (٢) ونقل إلى الجعفرية الدواوين.

شيّد المتوكل في الجعفرية أسواقا جعلت في موضع معتزل وجعل في كل مربعة وناحية سوقا ، وبنى المسجد الجامع ، (٣) أي إن الجعفرية لم تقتصر على سوق واحدة ، وإنما على عدة أسواق منها الرئيسية في موضع معتزل ، ومنها المتفرقة في المربعات والنواحي ، ولا بدّ أن هذه الأسواق كانت واسعة فيها سلع متعددة لسدّ حاجة هذه المدينة الكبيرة ، ولعل معظم أهلها والعاملين فيها انتقلوا من أسواق سامرّاء التي ضعفت بهذا الإعمار الجديد الذي لم يطل أمده لأن المتوكل لم يقم فيها إلا تسعة أشهر ثم قتل وولّي ابنه المنتصر الخلافة فعاد إلى سامرّاء وأمر الناس جميعا بالانتقال من الماحوزة ، وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سرّ من رأى ، فانتقل الناس وحملوا نقض المنازل إلى سرّ من رأى ،

__________________

(١) البلدان ٢٦٠.

(٢) م. ن ٢٦٦ ـ ٧.

(٣) م. ن ٢٦٦ ـ ٧.

١٠٣

وخربت قصور الجعفري ومنازله ومساكنه وأسواقه في أسرع مدة ، وصار موضعها موحشا لا أنيس فيه ولا سكن ، والديار بلاقع كأنها لم تعمّر ولم تسكن (١).

أهل السوق :

كان قوام السوق الحوانيت التي تعرض السلع المستوردة أو المصنّعة في سامرّاء والعاملين في ذلك. فتنظيم السوق وثيق الصلة بتنظيم أهلها والعاملين فيها. وأنشئت سامرّاء في منطقة سكانها قليلون. ولكن ، بالتعاون مع الجند الذين تقرّرت إقامتهم فيها صارت عملية تشييدها في غنى عن العمال غير الماهرين. ولابدّ أن استمرار نموّها أبقى الحاجة لهؤلاء العمال الذين استقر كثير منهم فيها وتحوّلوا من العمل في الأرض إلى العمل في المدينة ، ولعلهم كانوا أعظم من سمّاهم اليعقوبي «الناس» ونصّ على سكناهم في الشارع الأعظم ، وشارع أبي أحمد ، وشارع الحير ثم في الجعفرية وبالقرب من جامع المتوكل ، ومنع الأتراك من الاختلاط بهم.

ولابدّ أن هذه السوق الجديدة كانت تحتوي على أكثر أصناف السلع في السوق الأولى التي أقامها المعتصم ، وأن تشييد هذه السوق خفف الازدحام وآثاره في سوق المعتصم والتي من الأرجح أنها ظلت قائمة ، ولكن خفّ النشاط فيها ، كما أن كثيرا من الساكنين قربها من أهل الحرف نقلوا مساكنهم إلى أماكن قريبة من السوق الجديدة.

أسواق محلية :

قصد المعتصم من تخطيطه سامرّاء أن يجعلها مركزا واسعا ، ويقيم الأتراك في مراكز فرعية على مسافة من المركز ، وكان أبرز هذه المراكز الفرعية في المطيرة الواقعة في الأطراف الجنوبية الشرقية ، والكرخ الواقعة في الأطراف الشمالية الشرقية ، والحير في الجنوب.

__________________

(١) البلدان ٢٦٧.

١٠٤

فأما المطيرة فقد أنزلها الأفشين الأشروسني الذي بنى فيها قصرا وأقطع أصحابه الأشروسنية وغيرهم من المضمومين إليه حول داره ، وأمره المعتصم أن يبني هناك سويقة فيها حوانيت تجار فيما لابدّ منه ، ومساجد وحمّامات ، وكانت المطيرة تبعد فرسخين عن معمور مركز سامرّاء وليس في ذلك الموضع شيء من العمارات ثم أحدقت العماره فيه ، وكانت للحسن بن سهل قطيعة في آخر الأسواق تمتد إلى خشبة بابك ، فامتدّ بناء الناس من كل ناحية ، واتّصل البناء بالمطيرة حتى صارت قطيعة الحسن بن سهل وسط سرّ من رأى (١).

أما الكرخ فقد أقطعه أشناس وأصحابه «وضمّ إليه عدة من القواد الأتراك والرجال ، وأمره أن يبني المساجد والأسواق (٢) وأمر أشناس أن لا يطلق لغريب من تاجر ولا غيره مجاورتهم ، فأقطع قوما آخرين فوق الكرخ وسمّاه الدور.

وجعل في كل موضع سويقة فيها عامة حوانيت الفاميين وهم باعة البقول والقصابين ومن أشبههم ممن لابدّ لهم منهم ، ولا غنى لهم عنهم. (٣) ويوحي هذا النص أن هذه السويقات كانت للأتراك ولم يشغلها غرباء. أما خاقان عرطوج الذي أقطع مع أصحابه قرب الجوسق ، ووصيف الذي أقطع مع أصحابه عند الحير (٤) ، فلم تذكر في قطائعهم أسواق ولعل الاعتماد في ذلك كان على السوق الرئيسية.

أما أهل الصناعات والحرفيون من أهل المهن ، فكان لابدّ من جلبهم من المناطق الأخرى. وقد ذكر اليعقوبي منهم من جلب من البصرة والكوفة ومصر ، وأشار إلى أنه جلب أيضا من بلاد أخرى لم يسمّها والراجح أنه جلب من كل بلد صنّاع صناعة واحدة كالحرفيين الذين جلبوا من الكوفة والبصرة ، وبذلك تنسقت أصولهم الجغرافية مع حرفهم ، إلا أن الدولة عاملتهم على أساس حرفهم وراعت تميّز هذه الحرف ، ولعل أكثر الصناع أسكنهم المعتصم في الجانب الغربي.

__________________

(١) البلدان ٢٥٦.

(٢) م. ن ٢٥٨.

(٣) م. ن ٢٥٩.

(٤) م. ن ٢٢٨.

١٠٥

تشمل السوق حوانيت لبيع السلع ، وربما لمعالجة بعضها. ولم تذكر في سلعها صناعات واسعة كالنسيج وغيره ، ويبدو أن أكثر الأعمال فيها تتصل ببيع المنتوجات وليس صناعتها ، ولم يرد ذكر صناعة تميزت بها سامرّاء أو كانت تصدّرها ، فسلعها استهلاكية تعتمد على ما تستورده من مواد أوّلية أو مصنوعات.

لم يذكر للتجّار في سامرّاء دور متميز ، ولعل تجّار بغداد كانت لهم الهيمنة على العمليات التجارية في سامرّاء ، وأن بغداد احتفظت بمركزها التجاري العالمي ، وجعلت من سامرّاء مركزا فرعيا تابعا لها ، ومما يؤيّد هذا أنه لم يرد ذكر للخانات والفنادق في سامرّاء التي كانت ترتبط ببغداد وبالموصل بالطريقين النهري والبري ، والآخر كان يسلك الجانب الشرقي من دجلة ، وفي هذا يقول اليعقوبي : «اتصلت العمارة والمنازل بين بغداد وسرّ من رأى في البر والبحر ، أعني في دجلة وجانبي دجلة» (١).

يقول اليعقوبي : «وبلغت غلّات سامرّاء ومستغلاتها وأسواقها عشرة آلاف ألف درهم في السنة» (٢) وهذا المبلغ قريب من نظيره في بغداد حيث كانت أجرة الأسواق ببغداد في الجانبين جميعا مع رحا البطريق وما اتصل بها في كل سنة اثني عشر ألف ألف درهم ، (٣) علما بأن جباية بغداد تدخل فيها موارد رحا البطريق ، وهي في الراجح احتفظت بالتجارة العالمية.

ولابدّ أن تنامي سامرّاء وتزايد السكان فيها أدّيا إلى ازدحام السكن وارتفاع الأسعار فامتدت العمارات فيها ، بعد أن كانت قطائع وهبتها الدولة. وكانت قطيعة الحسن بن سهل في آخر الأسواق وبين خشبة بابك والمطيرة ، وليس في ذلك الموضع يومئذ شيء من العمارات ، ثم أحدقت العمارة به حتى صارت قطيعة الحسن بن سهل وسط سرّ من رأى ، وامتد بناء الناس من كل ناحية واتصل البناء بالمطيرة (٤).

__________________

(١) البلدان ٢٤٥.

(٢) م. ن ٢٦٠.

(٣) م. ن ٣٥٤.

(٤) م. ن ٢٥٩.

١٠٦

وجرى أيضا توسّع في جهة الحير حيث كلما اجتمعت إلى إقطاعات لقوم هدم الحائط وبني خلف حائط غيره «واتسع الناس في البناء بسرّ من رأى أكثر من اتساعه في بغداد (١) وأصبح الجريب من الأرض كبيرا» (٢) ثم شيّد المتوكل جامعه الجديد وانتقل إلى أطرافه الناس ، فاتسعت على الناس المنازل والسوق واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت والأسواق التي في صفوف المسجد الجامع (٣). ولا ريب في أن امتداد رقعة السكن وسعة الأراضي يخففان من غلاء أسعارها ، كما أن النشاط الاقتصادي الذي ساد فيها بسبب تتابع الأعمال أمن موارد لحياة معاشية طيبة ، فلم يذكر حدوث موجات غلاء فيها.

الجانب الغربي وإعماره

وصف الإصطخري الجانب الغربي من دجلة فقال : وتكريت من غربها إلى أن تنتهي إلى الأنبار بين دجلة والفرات قليلة العمارة ، وإنما العمارة منها ما يحاذي سامرّاء أميالا يسيرة ، والباقي بادية (٤). ويقول : سامرّاء كلها في شرقي دجلة ، وليس منها في الجانب الشرقي كله ، وعمارتها وزروعها وأشجارها فيما يقابلها من غربي دجلة (٥). إن هذا الإعمار يرجع إلى انخفاض نسبي وانبساط في الأرض ، وأن تربتها ليست كلسية ، واعتمدت في زراعتها على نهر الإسحاقي الذي قال عنه سهراب : وأوله أسفل من تكريت بشيء يسير في غربي دجلة ، عليه ضياع وعمارات ، يمر بطيرهان ويجيء إلى قصر المعتصم المعروف بقصر الجص ، ويسقي الضياع التي هناك في غربي مدينة سرّ من رأى

__________________

(١) البلدان ٢٦٣.

(٢) م. ن ٢٣٤.

(٣) م. ن ٢٦٥ ـ ٦.

(٤) المسالك ٨٧.

(٥) المصدر نفسه ٨٥.

١٠٧

المعروفات بالأولى والثانية والثالثة إلى السابعة ، ويصب في دجلة بإزاء المطيرة (١).

لم تذكر العمارات التي كانت على الإسحاقي ، وأكثرها فيما يظهر منذ زمن المعتصم ، واقتصر سهراب على القول بأن عليه عمارات وضياع وقصر الجص ، ولم يسمّ أيّا من الضياع السبع التي عليه.

أورد اليعقوبي أشمل ما وصلنا من وصف للجانب الشرقي فقال : ولما فرغ المعتصم من الخطط ووضع الأساس للبناء في الجانب الشرقي من دجلة ، وهو جانب سرّ من رأى ، عقد جسرا إلى الجانب الغربي من دجلة ، فأنشأ هناك العمارات والبساتين والأجنة ، وحفر الأنهار من دجلة ، وصيّر إلى كل قائد عمارة ناحية من النواحي وحمل النخل من بغداد والبصرة وسائر السواد ، وحملت الغروس من الجزيرة والشام والجبل والريّ وخراسان وسائر البلدان ، فكثرت المياه في هذه العمارة في الجانب الشرقي بسرّ من رأى وصلح النخل وثبتت الأشجار ، وزكت الثمار ، وحسنت الفواكه ، وحسن الريحان والبقل ، وزرع الناس أصناف الزروع والرياحين والبقول والرطاب ، وكانت الأرض مستريحة ألوف السنين ، فزكا كل ما غرس فيها وزرع بها حتى بلغت غلة العمارات بالنهر المعروف بالإسحاقي وما عليه ، والإيتاخي ، والعمري ، والعبد الملكي ، ودالية ابن حماد ، والمسروري ، وسيف ، والعربات المحدثة ، وهي خمس قرى ، والقرى السفلى وهي سبع قرى ، والأجنة والبساتين ، وخراج الزرع أربعمائة ألف دينار في السنة.

وأقدم المعتصم من كل بلد من يعمل عملا من الأعمال أو يعالج مهنة من مهن العمارة ومن سائر البلدان من أهل كل مهنة وصناعة ، فأنزلوا مع عيالهم بهذه المواضع ، وأقطعوا فيها وجعل هناك أسواقا لأهل المهن بالمدينة ، وحمل المعتصم إلى سامرّاء صناع القراطيس مع تربتها ومائها وأمرهم باتخاذه هناك ولم يخرج إلا الخشن الذي يتكسر (٢).

__________________

(١) سهراب ١٢٧.

(٢) البلدان لليعقوبي ٢٦٣ ـ ٤ ، الروض المعطار للحميري ٢٥٣.

١٠٨

يتبين من الفقرة الأخيرة من نص اليعقوبي أن الجانب الغربي أوطنه الحرفيين الذين أقدمهم من سائر البلاد من أهل كل مهنة وصناعة ، وخص بالذكر من أوردهم من البصرة والكوفة ومصر. وذكر أن كل هؤلاء أنزلوا بعيالهم بهذه المواضع ، وأقطعوا فيها ، وجعل هناك أسواقا لأهل المهن بالمدينة. ولم تحدّد المصادر مواقع هذه الأسواق التي لابدّ أنها كانت متقاربة وغير بعيدة عن منازلهم التي يكوّن مجموعها مدينة لم تسمّها المصادر بذلك. وقد يشير توكيله قائدا بعمارة كل ناحية إلى أنه كانت لهم عدة مجموعات سكنية ؛ وفي أيّ حال فكلّهم أغراب ، ومن مدن عربية ، إذ لم يشر إلى استقدامه ذوي مهن من مدن أعجمية ، وإن كان أشار إلى جلبه من سائر البلدان وهي عبارة عامة.

استورد المعتصم المهنيين لإعمار بلد نشأ في قفر ، ولابدّ أن الذين أسكنهم في الجانب الغربي كانوا يعملون في إعمار الجانب الشرقي ، فعمله محاولة لفصل الحرفيين في السكن عن الجانب الشرقي.

وأولى المعتصم اهتماما خاصا بالإعمار الزراعي في الجانب الغربي ؛ ويسّر لنجاحه توافر الماء وصلاحية التربة ، ويبدو أن اهتمامه الأكبر كان بالبساتين وأشجار النخيل والفواكه والبقول والرياحين والرطاب ؛ مما يعين على اكتفائها الذاتي من هذه المنتوجات ويقلل اعتمادها الخطر على المستورد من البلاد الأخرى ؛ ومن الطبيعي أن هذه المنتوجات لاستهلاك أهل الجانب الشرقي ، وقد وصف المسعودي المعتصم بأنه يحب العمارة ، إعمار الأرض التي يجبى بها وعليها يزكو الخراج وتكثر الأموال وتعيش البهائم وترخص الأسعار ويتسع المعاش (١).

وعقد المعتصم جسرا ، لم تحدد المصادر موقعه بدقة ، يربط بين الجانبين وييسّر نقل السلع. ولعله كان على شارع الخليج ، وهو الشارع الذي على دجلة حيث الفرض والسفن والتجارات التي ترد من بغداد وواسط وكسكر السواد ، ومن البصرة والأبلة والأهوار وما اتصل بذلك. وفي هذا الشارع قطائع المغاربة

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٤٦٢.

١٠٩

كلهم أو أكثرهم ، والموضع المعروف بالأزلاخ الذي عمر بالرجّالة المغاربة في أول ما اختطّت سرّ من رأى (١).

ولما ولي الواثق الخلافة زاد في الأسواق وعظمت الفرض التي تردها السفن من بغداد وواسط والبصرة والموصل. ذكر اليعقوبي أن خراج ما على الإسحاقي بلغ أربعمائة ألف دينار (٢).

__________________

(١) البلدان لليعقوبي ٢٦٣.

(٢) المصدر نفسه ٢٦٥.

١١٠

الفصل السابع

قصور الخلفاء

قصور المعتصم

عرف المعتصم باهتمامه بعمارة الأرض وبناء القصور ، ولم تكن له لذة في تزيينها وإنما كانت غايته الإتقان ، وكانت في سامرّاء إقامته الدائمة إبّان خلافته فلم يغادرها خلال السنوات الست من خلافته غير أشهر قليلة من سنة ٢٢٣ في حملته على عمورية (١) : وذكر اليعقوبي أن المعتصم بنى العمارات والقصور وصيّر في كل بستان قصرا فيه مجالس وبرك وميادين (٢). وأنه لما عزم على تشييد سامرّاء أحضر المهندسين فقال اختاروا أصحّ هذه المواضع ، فاختاروا عدة مواضع للقصور ، وصيّر إلى كل رجل من أصحابه بناء قصر : فصيّر إلى خاقان عرطوج أبي الفتح بن خاقان بناء الجوسق الخاقاني ، وإلى عمر بن فرج بناء القصر المعروف بالعمري ، وإلى أبي الوزير بناء القصر المعروف بالوزيري (٣). وذكر ابن الفقيه أن المعتصم بنى ثمانية قصور ، فمن القصور : الجوسق ، والعبد الملكي ، وقصر الجص ، وقصر القصور ، وعمورية ، وقصر المطامير ، وقصر الأماني ، والقصر الخاقاني (٤). وسياق كلام ابن الفقيه يرجّح ، وإن لم يجزم ، أن تكون هذه القصور في سامرّاء ، غير أنه لم يذكر قصري

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٣٢٦.

(٢) البلدان لليعقوبي ٦٤.

(٣) المصدر نفسه ٢٥٨.

(٤) البلدان لابن الفقيه ١٥٠ (مخطوطة مشهد).

١١١

العمري والوزيري اللذين ذكرهما اليعقوبي ، كما أنه جعل الجوسق الخاقاني قصرين هما الجوسق والخاقاني : وقد انفرد ابن الفقيه في ذكر هذه القصور ، عدا قصر الجص ، ولعل العبد الملكي منسوب إلى محمد بن عبد الملك الزيات.

ويظهر نص اليعقوبي أن هذه القصور كانت متفرقة ، وأن المهندسين هم الذين اختاروا أصلح المواضع لتشييدها ، غير أن اليعقوبي ذكر من أشرف على البناء ولم يذكر أسماء المهندسين أو الشروط التي رأوا توافرها في اختيار الأصلح. وقد يدل اختفاء ذكرها على أنها كانت بعيدة عن مواقع الأحداث التي مرت بسامرّاء ، وأنها أهملت أو هدمت وخربت في وقت مبكر. أما العمري فإن المسعودي يذكر أن المعتصم «أنزل بعض الفراغنة الموضع المعروف بالعمري والجسر» (١) وقد يكون استعمال المسعودي كلمة «الموضع» من أخطاء النساخ وصحيحها كلمة «القصر» ، وأنه هدم مؤخرا ، وظل اسمه يطلق على موضعه ولكن لا نعلم متى هدم ، ويذكر أنه تزوج فيه الحسن بن الأفشين بنت أشناس ، ونص على أنه قصر المعتصم (٢) ، وكلام المسعودي يدل على أن موقع العمري قرب الجسر.

أما الوزيري فإن المسعودي يذكر أن المعتصم لما اشترى دير النصارى بسامرّاء بنى قصره فيه فأسس بنيانه ، وهو الموضع المعروف بالوزيرية ، بسرّ من رأى ، واليها يضاف التين الوزيري (٣) ، فيكون الوزيري اسم الموضع الذي بنى القصر عليه ، وكان للأفشين متاع بالوزيرية (٤).

ويذكر الطبري أنه في أحد حوادث الاضطراب في زمن المهتدي وافى موسى في رجاله حتى صار إلى قنطرة في ناحية الوزيرية يوم الجمعة (٥) ، وعسكر المهتدي في الحير وقرب منهم ثم خرج إلى الجوسق وعليه السلاح.

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٤٦٧.

(٢) م. ن ٣ / ٤٣٠.

(٣) م. ن ٣ / ٤٦٧.

(٤) الطبري ٣ / ١٣١٨.

(٥) المصدر نفسه ٣ / ١٨١٥.

١١٢

أما قصر الجص فإن ياقوت يذكر أنه قصر عظيم قرب سامرّاء بناه المعتصم للنزهة فوق الهاروني (١) ، وكان أحمد بن المعتصم يسكن قصر الجص (٢) ولعله بني له ، فقد ذكر سهراب ما يحدد موقعه حين قال إن نهر الإسحاقي أوله أسفل من تكريت ويجيء إلى الطيرهان ، ويصير إلى قصر المعتصم بالله المعروف بقصر الجص ويسقي الضياع هناك في غربي مدينة سرّ من رأى المعروفة الأولى والثانية والثالثة إلى السابعة ويصبّ في دجلة إزاء المطيرة (٣) ، وفي قصر الجص أقام مؤنس ، وفي خلال إقامته احترق سقف من سقوف القصر (٤) وعنده قتل عضد الدولة بختيار بن معز الدولة (٥) وفيه مات البتاني (٦).

ويذكر اليعقوبي أن المعتصم أنشأ في الجانب الشرقي العمارات والأجنة ، وحفر الأنهار وصيّر إلى كل قائد عمارة ناحية من النواحي حتى بلغت غلة العمارات بالنهر المعروف والأجنة والبساتين وخراج الزرع أربعمائة ألف دينار في السنة (٧). إن النص الأول يشير إلى أن الجانب الشرقي شيّدت فيه قصور للقواد ، وهو يذكر قصورا لم يشر إليها سهراب ، ولا بدّ أن (الإيتاخي) الذي ذكره هو غير الإيتاخية التي تقع في الجانب الشرقي على القاطول الكسروي ثم صارت تسمّى المحمدية.

ولا بدّ أن «العمري» في هذا النص هو غير القصر المسمى بالاسم نفسه والذي يقع في الجانب الشرقي ، ومن القصور الثلاثة الأولى التي بناها المعتصم. أما العبد الملكي ، فالراجح أنه منسوب إلى محمد بن عبد الملك الزيات. ويبقى التساؤل عن فخامة هذه القصور ، والمبرر لبناء المعتصم أكثر من قصر واحد ، وعلاقة ذلك بمن سكن كل قصر أو أقام فيه.

__________________

(١) معجم البلدان ٤ / ١١٠.

(٢) الأنساب لابن حزم ٢٥.

(٣) سهراب ١٢٧.

(٤) عريب : تكملة تاريخ الطبري ١٤٦٧ والكتاب نقل من الجزء الثالث لكتاب «الأوراق».

(٥) تجارب الأمم لمسكويه ٢ / ٣٨١ ، ياقوت ٤ / ١١١.

(٦) أخبار الحكماء ٢٣١.

(٧) البلدان لليعقوبي ٢٦٣.

١١٣

وبمقارنة ما ذكره سهراب بما ذكره اليعقوبي ، فإن سهراب ذكر قصر الجص الذي يوحي في سياق ذكره بأنه أول العمارات ، ولم يسمّ الضياع السبع التي أشار إليها ، أما اليعقوبي فسمى القرى المحدثة ، وهي الإيتاخي ، والعمري ، والعبد الملكي ، ودالية ابن حماد ، والمسروري ، وسيف ، والعربات المحدثة ، وهي سبع ، ولم يذكر أسماء الخمس المحدثة التي أشار إليها ، كما أنه لم يذكر قصر الجص. وتجدر الإشارة إلى أن ابن الفقيه ذكر أن «المعتصم بنى الجوسق ، والعبد الملكي وقصر الجص ، وقصر القصور ، والعمورية ، وقصر المطامير» (١).

ولم يحدد مواقع هذه القصور التي حددت المصادر الأخرى منها الجوسق الغربي وقصر الجص في الجانب الشرقي.

ويذكر الطبري أن اللؤلؤة بني للواثق ، وظاهر النص يدل على أن المعتصم هو الذي بنى قصر اللؤلؤة الذي تنسب مصادر أخرى بناءه للمتوكل (٢).

وينقل الرشيدي عن الصولي قصر المعتصم بالميدان الذي كان فيه للعباسية ، وجعل في الإيوان المنقوش في صدره صورة عنقاء وينقل البيروني عن الصولي بناء المعتصم هذا القصر والاحتفال الذي أقامه في افتتاحه ثم يذكر أن المعتصم لم يعد إلى ذلك القصر وخرب فلم يجتمع فيه ممن حضر ذلك المجلس أحد (٣).

الجوسق :

يرد في الأخبار ذكر الجوسق أكثر من أي قصر آخر في سامرّاء مما يدل على أهميته. وقد بناه خاقان عرطوج للمعتصم (٤) ، ولذلك كثيرا ما كان يسمى الجوسق الخاقاني (٥) تمييزا له عن الجوسق في ميدان الصخر ، والجوسق

__________________

(١) البلدان لابن الفقيه ١٥٠.

(٢) الذخائر والتحف للرشيدي ١٢٩.

(٣) الجماهر في معرفة الجواهر ١٥٤.

(٤) البلدان ٢٥٨.

(٥) مروج الذهب ٣ / ٤٧٤ وانظر الدراسة القيمة لنورثج عن الخاقاني دار العامة ونشرها في مجلة الفتح الشرقية م ٢٣ ص ١٤٣ ـ ١٧٢ سنة ١٩٩٣.

١١٤

الإبراهيمي اللذين بناهما المتوكل (١) ، ولابدّ هو الذي ذكر عنه ابن الداية موضع الجوسق (٢).

كان الجوسق يقع على دجلة (٣) ولم تذكر المصادر مساحته وأبعاده وتفاصيل معالمه العمرانية ، وإنما ذكر الطبري أنه كانت في الجوسق خزائن فيها من الأموال والجواهر وفاخر الثياب ، (٤) وذكر أيضا فيه دواب الخاصة (٥).

وفي الجوسق إيوان كان ممن قعد فيه جعفر بن المعتمد ، وأبو أحمد بن المتوكل (٦). وبنى المعتز في الجوسق في الصحن الكامل بيتا قدرته له أمه ، ومثلت حيطانه وسقوفه فكان أحسن بيت رئي (٧).

وفي الجوسق حبس المعتصم الأفشين ثم بنى له حبسا مرتفعا وسمّاه لؤلؤة داخل الجوسق وهو يعرف إلى الآن الأفشين ، (٨) وذكر المسعودي أن المستعين لما انحدر إلى بغداد اضطربت الفراغنة والأتراك وغيرهم إلى الموضع المعروف بلؤلؤة الجوسق (٩). وذكر مسكويه أن المعتصم بنى حبسا للأفشين شبيها بالمنارة وفي وسطها مقدار مجلسه والرجال ينوبون فيها كما يدور (١٠) ، وذكر الطبري أنه حبس في الجوسق كل من المعتز (١١) ، والمؤيد (١٢) ، وأبو أحمد (١٣) وكنجور (١٤) ولم يذكر في أي مكان من الجوسق.

__________________

(١) انظر فيما يلي ما كتبناه عن قصور المتوكل.

(٢) عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ١٣٦.

(٣) مروج الذهب ٣ / ٤٧٦ ، تاريخ اليعقوبي.

(٤) الطبري ٣ / ١٧١٦.

(٥) م. ن ٣ / ١٧٨٨.

(٦) م. ن ٣ / ١٧٨٧.

(٧) الديارات للشابشتي ١٧٩.

(٨) الطبري ٣ / ١٧١٧.

(٩) مروج الذهب ٤ / ٧٧.

(١٠) التجارب ٥١٩.

(١١) الطبري ٣ / ١٧٠٧.

(١٢) م. ن ٣ / ١٦٦٨.

(١٣) م. ن ٣ / ١٦٦٨.

(١٤) م. ن ٣ / ١٧٠٧.

١١٥

دفن في الجوسق من الخلفاء المعتصم (١) ، والمنتصر وهو أول خليفة من بني العباس أظهر قبره وذلك أن أمه حبشية سألت ذلك فأذن لها وأظهرته بسامرّاء (٢) ، كما دفن فيه المعتز عند قبر ابيه المنتصر (٣). أما الطبري فيذكر أن المعتز دفن مع المنتصر في ناحية قصر الصوامع (٤) ؛ وذكر المسعودي أن المعتز صلى عليه أحمد بن المتوكل على الله ودفن في داره (٥) ، وفي الجوسق نزل المنتصر بعد عشرة أيام من توليه الخلافة (٦) ، ونزل فيه أيضا كل من المهتدي (٧) والمعتمد (٨).

وفي الجوسق حوصر المستعين (٩) ، وأقام المهتدي فيه حولا كاملا (١٠) ، والمعتمد قبل أن ينتقل إلى الجانب الشرقي (١١). وردت عن بعض المعالم العمرانية للجوسق وما حوله معلومات متفرقة في ثنايا أخبار بعض الحوادث التي جرت في سامرّاء ، وخصوصا ما يتصل منها بالثورة على المهتدي. فقد ذكر اليعقوبي أن المعتصم «أقطع خاقان عرطوج مما يلي الجوسق الخاقاني وأمره بضمّ أصحابه ومنعهم من الاختلاط بالناس» (١٢) ولم تذكر المصادر موقع هذا الإقطاع ولا عدد أصحاب خاقان. وورد في المصادر ذكر عدد من أبواب الجوسق والمعالم العمرانية قرب كل باب. ومما ذكرته :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٣ / ٢٥٤ ، مروج الذهب ٣ / ٤٥٧.

(٢) تاريخ بغداد للحطيب ٣ / ٣٤٢.

(٣) المصدر نفسه ٢ / ٢٢١ ، وهو ينقل عن ابن أبي الدنيا أنه دفن بباب الصميدعي الذي لم أجد له ذكرا في المصادر.

(٤) الطبري ٣ / ١٧١٠.

(٥) مروج الذهب ٤ / ٣٨٤.

(٦) الطبري ٣ / ١٤٤٦ ، ١٥٠٢.

(٧) م. ن ٣ / ١٧٩١.

(٨) م. ن ٣ / ١٩٢٧.

(٩) م. ن ٣ / ١٥١٣.

(١٠) م. ن ٣ / ١٨٠٢ ، ١٨٠٤ ، ١٨١٨.

(١١) م. ن ٣ / ١٩٢٧.

(١٢) البلدان ٢٥٨.

١١٦

١١٧

١. باب المصاف وباب إيتاخ : فقد ذكر الطبري أن المهتدي خرج من الدار من باب المصاف ، حتى خرج إلى الباب المعروف بإيتاخ ثم إلى سويقة مسرور ، ثم إلى درب الواثق حتى خرج إلى باب العامة ، ثم «صار إلى باب السجن فأطلق من فيه ، ثم صار إلى دار أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد ، وكان أحمد بن جميل صاحب الشرطة نازلا فيه ، فدخل عليه ، فأخرج من ناحية ديوان الضياع ، ثم إلى الجوسق فحبس فيه عند أحمد بن خاقان ، وانتهب دار أحمد بن جميل» (١) ، وذكر الطبري في مكان آخر «أن دار أبي صالح بن عبد الله بن محمد بن يزداد» وهي بعد خشبة بابك وفيها أحمد بن جميل صاحب المعونة (٢).

٢. باب البستان : ذكر اليعقوبي «قطيعة إيتاخ ويتصل ذلك بباب البستان وقصور الخلفاء» (٣) ولعل هذا البستان هو البستان الخاقاني الذي ذكر الطبري أن المعتصم اشترى مكانه بخمسة آلاف درهم (٤) ، وأنه في الثورة في زمن المعتمد صار بغا إلى الجسر ثم خرج من البستان الخاقاني (٥).

٣. باب الوزير : يذكر الطبري أن أبا داود أخرج الأفشين «من باب الوزير إلى محبسه» (٦) وذكر أن الأتراك كانوا يؤيدون المهتدي «فكتبوا إلى موسى بن بغا وبايكباك ، فوافى موسى في رجاله حتى صار إلى قنطرة في ناحية الوزيرية يوم الجمعة ، وعسكر المهتدي في الحير ، وقرب منهم ، ثم خرج إلى الجوسق ، وعليه السلاح .. وهرب المهتدي ومر على باب أبي الوزير (٧).

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٨٢١ ـ ٢ ، وذكر الطبري «المطبق» في سامرا (٣ / ١ / ١٨٠٨) ولم ترد معلومات توضح ما إذا كان هذا المطبق هو السجن نفسه ، أم كان بنايتين مختلفتين.

(٢) المصدر نفسه ٣ / ١٨١٧.

(٣) البلدان ٢٤٦.

(٤) الطبري ٣ / ١١٨٠.

(٥) م. ن ٣ / ١٦٩٦.

(٦) م. ن ٣ / ١٣١٣.

(٧) م. ن ٣ / ١٨١٨.

١١٨

٤. باب النزالة : وقد خرج منه الأتراك في زمن المهتدي بعد أن كانوا متجمعين في الجوسق (١).

٥. باب القناة : وقد خرج الثائرون على المهتدي من الدار مما يليه (٢).

دار العامة :

دار العامة من أبرز المعالم العمرانية المتصلة بالأعمال الإدارية في سامرّاء ، وقد تفردت بهذا الاسم عن القصور ، وتردد ذكرها وذكر باب العامة في المصادر مما يظهر أن الأعمال التي تجري فيها كانت تتصل بعامة الناس ولا تقتصر على ما ينحصر بالخليفة أو جماعة محددة أو ديوان محدد. وقد انفردت سامرّاء عن المدن كافة ، والأمصار الإسلامية الأخرى ببناء له مثل هذا الاسم ، وقد تردد ذكرها في عدد من الحوادث التي جرت في سامرّاء منذ زمن المعتصم مما يدل على قدم تأسيسها بالرغم من أن المصادر لم تذكرها ضمن المنشآت التي ذكرت أن المعتصم شيدها ، ولعل تسميتها بهذا الاسم يدل على أنها لم تكن مسكنا للخليفة أو لأسرته ، وأن أهميتها كانت ترجع إلى الأعمال التي كانت تجري فيها وليس إلى فخامة بنائها ، أي إنها كانت تختلف عن (القصور) بطراز بنائها وبالوظائف التي كانت تؤديها.

كانت دار العامة هي المركز الذي يقوم فيه الخلفاء بأداء أعمالهم الرسمية ، وذكر اليعقوبي دار الخليفة العامة التي يجلس فيها يوم الاثنين ويوم الخميس (٣) ، وذكر الطبري أن المازيار لما قدم سامرّاء جلس المعتصم في دار العامة (٤) ، وفي سنة ٣٦١ جلس المعتمد في دار العامة وأعلن قراره بتولية أولاده ولاية

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٨٢٤.

(٢) المصدر نفسه ٣ / ١٨٢٣.

(٣) البلدان ٢٦٢.

(٤) الطبري ٣ / ١٣٠٣.

١١٩

العهد بالتتابع (١). ولعل أعمالا أخرى مهمة كانت تتم في دار العامة لم يذكرها المؤرخون. ويقول اليعقوبي إن دير النصارى القائم قبل بناء سامرّاء كان بالموضع الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بالدار العامة وصار الدير بيت المال (٢) ، لم تكن الأعمال في دار العامة منحصرة بالخلفاء ، وإنما امتدت إلى أعمال الوزراء ، ففي هذه الدار جلس أحمد بن أبي دؤاد واستدعى الأفشين لاستجوابه (٣) ، وفيها قابل محمد بن عبد الملك الزيات أهل طرسوس عندما قدموا لبحث مبادلة الأسرى مع الروم (٤).

وفي دار العامة نزل يحيى بن أكثم في أيام المتوكل لمّا ولّاه قضاء القضاة (٥) ، ولعله كان يمارس في هذه الدار أعماله الرسمية.

ويذكر الطبري أنه في سنة ٢٧٠ «أسقطت مرتبة من كانت له مرتبة في دار العامة من بني أمية كابن أبي الشوارب والعثمانيين» (٦) ، وهذا يدل على أن دار العامة كانت مركز الإدارة وكانت تجري فيها التشريفات والمقابلات ، ولعله تحفظ سجلات لذلك.

والراجح أن دار العامة هي دار الخلافة نفسها التي أشار إليها الطبري في موضعين وذكر عن عقدها أنه «عقد محمد بن عبد الملك الزيات لإسحاق بن إبراهيم بن أبي خميصة مولى بني قشير من أهل أضاخ ، فيها على اليمامة والبحرين وطريق مكة ، مما يلي البصرة في دار الخلافة ، ولم يذكر أن أحدا عقد لأحد في دار الخلافة غير محمد بن عبد الملك الزيات (٧) ، وذكر أيضا أنه

__________________

(١) الطبري ٣ / ١٨٢٠.

(٢) البلدان ٢٥٥.

(٣) الطبري ٣ / ١٣١٠.

(٤) المصدر نفسه ٣ / ١٤٥٣.

(٥) البلدان لليعقوبي ٢٦٢.

(٦) الطبري ٣ / ١٥٣٠.

(٧) المصدر نفسه ٣ / ١٣٥٠.

١٢٠