زبدة الحلب من تاريخ حلب - ج ٢

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]

زبدة الحلب من تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]


المحقق: الدكتور سهيل زكار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

إلى بلبيس ، وسار نور الدّين إلى طرف بلادهم ليمنعهم عن المسير ، فلم يلتفتوا ، وتركوا في بلادهم من يحفظها.

وسار ملك القدس في الباقين إلى بلبيس ، واستعان بجمع كثير كانوا خرجوا إلى زيارة القدس ؛ وأقام أسد الدّين ببلبيس ، وحصره الفرنج ، والعسكر المصريّ ثلاثة أشهر وهو يغاديهم القتال ويراوحهم ، فلم يظفروا منه بطائل ، مع أنّ سور بلبيس قصير ، وهو من طين (١).

فعند ذلك خرج نور الدّين لقصد بلاد الفرنج ، ونزل إلى حلب وجمع العساكر وأرسل إلى أخيه قطب الدّين صاحب الموصل ، وإلى فخر الدّين قرا أرسلان صاحب حصن كيفا وإلى نجم الدّين ألبي صاحب ماردين وغيرهم من أصحاب الأطراف واستنجد بهم.

فسار قطب الدّين ومقدّم عسكره زين الدّين علي كوچك ، وسيّر صاحب ماردين عسكره ؛ وأما صاحب الحصن فقال له خواصّة وندماؤه : «على أي شيء عزمت»؟ فقال : «على القعود ، فإنّ نور الدّين قد تحشّف من كثرة الصّوم والصّلاة ، فهو يلقي نفسه ومن معه في المهالك».

فلمّا جاء الغد أمر العسكر أن يتجهّر للغزاة فسألوه عمّا صدفه عن رأيه ، فقال : «إنّ نور الدّين إن لم أنجده خرجت بلادي عن يدي ، فانه قد كاتب زهادها والمنقطعين عن الدّنيا يستمدّ منهم الدّعاء ، ويطلب منهم أن

__________________

(١) انظر وليم الصوري ص ٨٩٤ ـ ٩٢٢.

٦١

يحثّوا المسلمين على الغزاة ، وقد قعد كلّ واحد منهم ومعه أتباعه وأصحابه ، وهم يقرؤون كتب نور الدّين ، ويبكون ، فأخاف أن يجتمعوا على لعنتي والدعاء عليّ». ثم تجهّز وسار بنفسه.

ولمّا اجتمعت العساكر خرج نور الدّين إلى حارم ، وحصرها ، ونصب المجانيق عليها ، وزحف إليها ، فخرج البرنس بيمند ، والقمص صاحب طرابلس ، وابن جوسلين والدوك مقدّم كبير من الروم. وابن لاون ملك الأرمن ، وجمعوا جميع من بقي من الفرنج بالسّاحل ، وقصدوا نور الدّين.

فرحل إلى أرتاح ليتمكّن منهم إن طلبوه (ويبتعدوا) عن البلاد إن لقوه ؛ وسيّر أثقاله إلى تيزين (١) ، فساروا فنزلوا على الصفيف (٢) ، ثم عادو إلى حارم ، فتبعهم نور الدّين على تعبئة الحرب ، فلمّا تقاربوا اصطفّوا للقتال فحمل الفرنج على ميمنة المسلمين ، وفيها عسكر حلب وصاحب الحصن ، فانهزم المسلمون حتّى وصلوا إلى جدارهم ؛ ونور الدّين واقف بازائهم على تلّ هناك يتضرّع إلى الله ، وهو مكشوف الرّأس.

وبقي راجل الفرنج فوق عمّ ، ممّا يلي حارم بالصّفيف ، فعطف عليهم زين الدّين عليّ كوچك في عسكر الموصل ، وكان نور الدين قد جعله كمينا في طرف العمق ، وآجام القصب ، فقتلهم عن آخرهم.

__________________

(١) تيزين من نواحي حلب ، كانت تعد من أعمال قنسرين. معجم البلدان.

(٢) في الروضتين نقلا عن العماد والأصفهاني «نزلوا على عم» الروضتين ج ١ ص ١٣٣ ، هذا ويوجد الآن في منطقة حارم قرية اسمها صفصافة.

٦٢

ورجعت الخيّالة من الفرنج خوفا على الرّاجل أن يتبعوا المسلمين ، فيقع المسلمون عليهم ، فوجدوا الأمر على ما قدّروه ، فرأوا الرّجالة منهم قتلى وأسرى ، واتّبعهم نور الدين مع من انهزم من المسلمين ، فأحاطوا بهم من جميع الجهات ، فاشتدّ الحرب ، وكثر القتل في الفرنج ، فوقعت عليهم الغلبة.

وعدل المسلمون إلى الأسر ، فأسروا صاحب أنطاكية ، وصاحب طرابلس ، والدّوك مقدّم الروم ، وابن جوسلين ، ولم يسلم إلّا مليح بن لاون ، قيل إنّ الياروقيّة أفرجوا له حتى هرب ، لأنّه كان خالهم ، وكان عدّة القتلى تزيد على عشرة آلاف.

وسار إلى حارم فملكها في شهر رمضان من السنة ، وبث سراياه في أعمال أنطاكية ، فنهبوها وأسروا أهلها ، وباع البرنس بمال عظيم وأسرى من المسلمين (١).

ثمّ سار في هذه السّنة إلى دمشق ، بعد أن أذن لعسكر الموصل وديار بكر بالعود إلى بلادهم ، ثمّ خرج إلى بانياس ، فحصرها وقاتلها ، وكان معه أخوه نصرة الدّين أمير أميران ـ وكان قد رضي عنه وسامحه ـ وهو على حارم ، بعد أن دخل إلى الفرنج ، فأصابه سهم أذهب إحدى عينيه ، فقال له : «لو كشف لك عن الأجر الّذي أعدّ لك لتمنّيت ذهاب الأخرى» ، وجدّ في حصارها وفتحها ، وملأ القلعة بالذّخائر والرّجال ، وشاطر الفرنج

__________________

(١) انظر وقارن الروضتين ج ١ ص ١٣٣ ـ ١٣٤.

٦٣

في أعمال طبرية ، وقرّروا له على ما سوى ذلك مالا في كل سنة.

ووصل خبر فتح حارم وبانياس إلى الفرنج النّازلين على بلبيس ، فأرادوا العود إلى بلادهم ، فراسلوا أسد الدّين في الصّلح رجاء أن يلحقوا بانياس ، فاتّفق الحال على أن يعود إلى الشّام ، ويسلّم ما بيده من أعمال مصر إلى أهلها ، ولم يكن عنده علم بما جرى لنور الدّين بالشّام ، وكانت الذّخائر قد قلّت عنده ببلبيس.

وخرج من الدّيار المصرية إلى الشّام ، وجاء الفرنج ليدركوا بانياس ، فوجدوا الأمر قد فات ، وكشف أسد الدّين الديار المصرية ، واستصغر أمر من بها.

ودخلت سنة إحدى وستّين وخمسمائة ، فسار نور الدّين إلى المنيطرة (١) جريدة في قلة العسكر ، على غفلة من الفرنج ، وحصر حصنها ، وأخذه عنوة ، وقتل من به ، وسبى وغنم غنيمة كثيرة ، وأيس الفرنج من استرجاعه بعد أن تجمّعوا له وتفرّقوا.

وتحدّث أسد الدّين مع نور الدّين ، في عوده إلى الدّيار المصريّة ، فلمّا رأى جدّه سيّره إليها في ألفي فارس من خيار العسكر ، في سنة اثنتين وستّين وخمسمائة.

فسار على البرّ ، وترك بلاد الفرنج على يمينه ، فوصل الديار المصريّة

__________________

(١) حصن بالشام قرب طرابلس. معجم البلدان.

٦٤

وعبر النّيل إلى الجانب الغربي عند أطفيح (١) ، وحكم على البلاد الغربيّة ، ونزل بالجيزة مقابل مصر ، فأقام نيّفا وخمسين يوما.

فأرسل شاور واستنجد بالفرنج ، فسار أسد الدّين إلى الصّعيد ، وبلغ إلى موضع يعرف بالبابين (٢) ؛ وسارت العساكر المصريّة والفرنجيّة خلفه ، فوصلوا إليه وهو على تعبئة وقد جعل أثقاله في القلب ليتكثّر بها ؛ وجعل ابن أخيه صلاح الدين في القلب ، وأوصاهم متى حملوا عليه أن يندفع بين أيديهم قليلا ، فإذا عادوا فارجعوا في أعقابهم.

واختار من يثق بشجاعته ، ووقف بهم في الميمنة ، فحمل الفرنج على القلب ، فاندفع بين أيديهم غير مفرقين ، فحمل أسد الدّين بمن معه على من بقي منهم ، فهزمهم ووضع السّيف فيهم ، وأكثر القتل والأسر ، وعاد الذين حملوا على القلب فوجدوا أصحابهم قد مضوا قتلا وأسرا فانهزموا.

وسار أسد الدّين إلى الاسكندريّة ، ففتحها باتّفاق من أهلها ، واستناب بها صلاح الدين ، وعاد إلى الصّعيد ، وجبى أمواله.

وتجمّع الفرنج والمصريّون ، وحصروا صلاح الدّين بالاسكندريّة ، فصبروا على الحصار إلى أن عاد أسد الدّين ، فوقع الصّلح على أن بذلوا لأسد الدين خمسين ألف دينار ، سوى ما أخذ من البلاد ، وأن الفرنج

__________________

(١) بلد بالصعيد الأدنى من أرض مصر ، على شاطىء النيل في شرقيه. معجم البلدان.

(٢) على عشرة أميال من المنية. وليم الصوري ص ٩١١ ـ ٩١٣ مع وصف المعركة بتفاصيل مفيدة جدا.

٦٥

لا يقيمون في البلاد ، فاصطلحوا على ذلك ، وعاد إلى الشّام ، وتسلّم المصريّون الاسكندرية (١).

وأمّا نور الدّين فإنّه جمع العساكر في هذه السّنة ، ودخل من حمص إلى بلاد الفرنج ، فنازل عرقة ، ونهب بلدها ، وخرّب بلادهم ، وفتح صافيتا والعريمة ، وعاد إلى حمص ، وخرج إلى بانياس ، وخرج إلى هونين (٢) ، فانهزم الفرنج عنه وأحرقوه ، فوصل إليه نور الدين من الغد ، فخرب سوره وعاد.

وكان حسّان صاحب منبج قد مات ، وأقطع نور الدّين منبج ولده غازي بن حسّان ، فعصى عليه في هذه السّنة ، فسيّر إليه عسكرا ، وأخذوها منه فأقطعها أخاه قطب الدّين ينال بن حسّان ، وهو الّذي ابتنى المدرسة الحنفيّة بمنبج.

وفي سنة ثلاث وستّين وخمسمائة ، نزل شهاب الدّين مالك بن عليّ بن مالك صاحب قلعة جعبر ليتصيّد ، فأخذه بنو كلاب أسيرا وحملوه إلى نور الدّين في رجب ، فاعتقله وأحسن إليه ، ورغّبه في الأقطاع فلم يجبه ، فعدل إلى الشدّة والعنف.

ثمّ سيّر إليها عسكرا فلم يقدر على فتحها ، فعدل إلى اللّين مع صاحبها ، إلى أن اتّفق الحال على أن عوّضه عنها بسروج وبزاعا والملوحة (٣) ،

__________________

(١) انظر وليم الصوري ص ٩١٣ ـ ٩٢٢.

(٢) هونين حصن بجبل عاملة في جنوب لبنان الحالي. انظر معجم البلدان.

(٣) الملوحة قرية كبيرة من قرى حلب.

٦٦

وسلّم إليه القلعة في سنة أربع وستّين ، وقيل لمالك : «أيّما أحبّ إليك سروج أو القلعة؟» فقال : «هذه أكثر مالا ، وأمّا العزّ ففارقناه بالقلعة».

وفي هذه السّنة أطلق نور الدّين في بلاده بعض ما كان قد بقي من المظالم والمؤن.

ثمّ إنّ الفرنج طمعوا في الدّيار المصريّة فصعدوا إليها في سنة أربع وستّين وخمسمائة ، وأخذوا بلبيس ، وساروا إلى القاهرة فقاتلوها ؛ وسيّر العاضد يستغيث إلى نور الدّين ، وسيّر شعور نسائه في الكتب ، فوصله الرّسول وهو بحلب ، وبذل له ثلث بلاد مصر ، وأن يكون أسد الدّين مقيما عندهم.

وكتبوا إلى أسد الدّين بمثل ذلك ، فوصل إلى نور الدين إلى حلب من حمص وقد عزم على الايفاد إليه ، فأمره بالتجهّز إلى مصر ، وأعطاه مائتي ألف دينار سوى الثّياب والسّلاح والدّواب ، وحكمه في العسكر والخزائن فاختار ألفي فارس ، وأخذ المال وجمع ستّة آلاف فارس ، وسار هو ونور الدّين إلى دمشق ، فوصلها سلخ صفر ، ورحل إلى رأس الماء (١).

وأضاف إلى أسد الدّين جماعة من الأمراء منهم : عزّ الدّين جورديك ، وغرس الدّين قلج ، وشرف الدّين برغش ، وعين الدّولة بن ياروق ، وقطب الدّين ينال بن حسّان ، وصلاح الدّين ابن أخيه.

__________________

(١) نبع السريا في حوران الذي تشرب منه بلدة الشيخ مسكين.

٦٧

وسار أسد الدّين ، فلمّا قارب مصر رحل عنها الفرنج إلى بلادهم ، ووصل أسد الدّين إلى القاهرة سابع جمادى الآخرة ، ودخل إليها واجتمع بالعاضد ، وخلع عليه وعاد إلى خيامه ، وفي نفس شاور منه ما فيها ، ولا يتجاسر على إظهاره.

وكان شاور يخرج في الأحيان إلى أسد الدّين يجتمع به ، فخرج في بعض الأيّام على عادته فلم يجده في الخيام ، وكان قد مضى لزيارة قبر الشّافعي ـ رضى الله عنه ـ فلقيه صلاح الدّين ، وجورديك ، في جمع من العسكر وخدموه ، وأعلموه أنّ أسد الدّين قد مضى للزيّارة فقال : «نمضي إليه» فساروا جميعا ، فساوره صلاح الدّين وجورديك ، وألقياه إلى الأرض ، فهرب عنه أصحابه وأخذ أسيرا.

وأرسلوا إلى أسد الدّين فحضر في الحال ، وجاءه التّوقيع في الحال بالوزارة على يد خادم خاص ، ويقول : «لا بدّ من رأسه» ، جريا على عادتهم في وزرائهم أنّ الذي يقوى على الآخر يقتله ، فقتل وأنفذ رأسه إلى العاضد (١).

وأنفذ إلى أسد الدّين خلعه الوزارة ، فسار ودخل القصر ، وترتّب وزيرا في سابع عشر شهر ربيع الآخر ، ودام آمرا ناهيا إلى أن عرض له خوانيق ، فمات في الثّاني والعشرين من جمادى الآخرة (٢).

__________________

(١) انظر لمزيد من التفاصيل وليم الصوري ص ٩٢٨ ـ ٩٣٦.

(٢) توفي نتيجة نهمه وتخليطه بالطعام انظر ما ذكره ابن الأزرق الفارقي ص ٥٣١٩ من الموسوعة الشامية.

٦٨

وفوّض الأمر بعده إلى ابن أخيه ، وكان جماعة من الأمراء الذين كانوا مع أسد الدّين قد تطاولوا إلى الوزارة ، منهم : عين الدّولة بن ياروق ، وسيف الدّين المشطوب ، وشهاب الدّين محمود الحارميّ ـ خال السّلطان صلاح الدّين ـ وقطب الدّين ينال بن حسّان.

فأرسل العاضد إلى صلاح الدّين ، وأحضره عنده ، وولّاه الوزارة بعد عمّه ، وخلع عليه ، ولقّبه بالملك النّاصر ، فاستتبّت أحواله ، وبذل المال ، وتاب عن شرب الخمر ، وأخذ في الجدّ والتشمير في أموره كلّها ، وكان الفقيه عيسى الهكّاري معه ، فميّل الأمراء الذين كانوا قد طمعوا بالوزارة إلى الانقياد إليه ، فأجابوا سوى عين الدّولة بن ياروق ، فإنّه امتنع ، وعاد إلى نور الدّين إلى الشّام.

فاستمرّ الملك الناصر بالدّيار المصريّة وزيرا ، وهو نائب عن نور الدّين ، وكان إذا كتب إليه كتابا يكتب : «الأمير الاسفهسلار ، وكافّة الأمراء بالدّيار المصريّة يفعلون كذا». وتكتب العلامة على رأس الكتاب ، ولا يذكر اسمه.

وسيّر الملك النّاصر ، وطلب أباه نجم الدّين وأهله ، فسيّرهم نور الدّين إليه مع عسكر ، واجتمع معهم من التّجّار خلق عظيم ، وذلك في سنة خمس وستّين.

وخاف نور الدّين عليهم من الفرنج ، فسار في عساكره إلى الكرك فحصره ونصب عليه المجانيق ، فتجمّع الفرنج ، وساروا إليه وتقدّمهم ابن

٦٩

الهنفري ، وابن الرقيق (١) ، فرحل نور الدّين نحوهما قبل أن تلحقهما بقيّة عساكر الفرنج فرجعا خوفا منه واجتمعا ببقيّة الفرنج.

وسلك نور الدّين وسط بلادهم ، فنهب وأحرق ما في طريقه إلى أن وصل إلى بلاد الاسلام ، فنزل على عشترا (٢) على عزم الغزاة ، فأتاه خبر الزّلازل الحادثة بالشّام ، فإنّها خربت حلب خرابا شنيعا ، وخرج أهلها إلى ظاهرها.

وتواترت الزّلازل بها أيّاما متعدّدة ، وكانت في ثاني عشر شوّال من السّنة يوم الاثنين طلوع الشمس ، وهلك من النّاس ما يزيد على خمسة آلاف نفر ذكر وانثى ، وكان قد احترق جامع حلب وما يجاوره من الأسواق قبل ذلك في سنة أربع وستّين وخمسمائة ، فاهتمّ نور الدّين في عمارته وإعادته والأسواق التي تليه إلى ما كانت عليه ، وقيل : إنّ الاسماعيليّة أحرقوه.

وبلغه أيضا وفاة مجد الدّين ابن دايته ، أخيه من الرضاعة بحلب ، في شهر رمضان سنة خمس وستّين وخمسمائة ، فتوجّه نور الدّين إلى حلب ، فوجد أسوارها وأسواقها قد تهدّمت.

ونزل على ظاهر حلب حتى أحكم عمارة جميع أسوارها ، وبنى الفصيل الدائر على البلد ، وهو سور ثان.

__________________

(١) في الروضتين ج ١ ص ١٨٣ : «وساروا اليه وان ابن الهنفري وفيليب بن الرقيق وهما فارسا الفرنج في وقتهما في المقدمة إليه».

(٢) على مقربة من بلدة نوى في حوران سورية.

٧٠

ورمّم نوّابه ما خرب من الحصون والقلاع مثل بعلبك ، وحمص وحماة ، وبارين ، وغيرها.

وخرج نور الدّين إلى تلّ باشر ، فوصله الخبر بوفاة أخيه قطب الدّين بالموصل في ذي الحجّة ، وكان أوصى بالملك لابنه الأكبر عماد الدّين زنكي ، وكان طوع عمّه نور الدّين لكثرة مقامه عنده ، ولأنّه زوج ابنته.

ثمّ إنّ فخر الدّين عبد المسيح وخاتون ابنة تمرتاش بن إيلغازي زوجة قطب الدّين ، وهي والدة سيف الدّين غازي بن قطب الدّين اتفقا على صرف قطب الدّين عن وصيّته لابنه عماد الدّين إلى سيف الدّين غازي.

فرحل عماد الدّين إلى عمّه نور الدّين مستنصرا به ليعينه على أخذ الملك له ؛ فسار نور الدّين في سنة ستّ وستّين وخمسمائة ، وعبر الفرات عند قلعة جعبر في مستهلّ المحرّم ، وقصد الرّقّة فحصرها وأخذها ، ثم سار في الخابور ، فملكه جميعه ، وملك نصيبين ، وأقام بها يجمع العساكر ، وكانت أكثر عساكره في الشّام في مقابلة الفرنج.

فلمّا اجتمعت العساكر سار إلى سنجار فحصرها ، ونصب عليها المجانيق ، وفتحها فسلّمها إلى عماد الدّين زنكي ابن أخيه ، وجاءته كتب الأمراء بالموصل يبذلون له الطّاعة ، ويحثّونه على الوصول إليهم ، فسار إلى الموصل.

وكان سيف الدّين غازي وعبد المسيح قد سيّرا عزّ الدّين مسعود بن قطب الدّين إلى أتابك شمس الدّين إيلدكز صاحب أذربيجان وأصبهان ،

٧١

يستنجدانه على نور الدّين ، فأرسل إيلدكز إليه رسولا ينهاه عن التعرّض للموصل فقال نور الدين : «قل لصاحبك أنا أصلح لأولاد أخي منك ، فلا تدخل بيننا ، وعند الفراغ من إصلاح بلادهم يكون لي معك الحديث على باب همذان ، فانك قد ملكت هذه المملكة العظيمة ، وأهملت الثّغور حتّى غلب الكرج عليها ؛ وقد بليت أنا ولي مثل ربع بلادك بالفرنج ، فأخذت معظم بلادهم ، وأسرت ملوكهم».

وأقام على الموصل فعزم من بها من الأمراء على مجاهرة عبد المسيح بالعصيان ، وتسليم البلد إلى نور الدّين ، فعلم بذلك ، فأرسل إلى نور الدين في تسليم البلد على أن يقره بيد سيف الدّين ؛ وطلب الأمان لنفسه وعلى أن يمضي صحبته إلى الشّام ، ويقطعه ما يرضيه فتسلّم البلد ، وأبقى فيه سيف الدّين غازي.

وعاد إلى حلب فدخلها في شعبان من هذه السّنة.

وكتب إلى الملك النّاصر صلاح الدّين يأمره بقطع الخطبة العاضديّة وإقامة الخطبة المستضيئيّة العبّاسيّة ، فامتنع واعتذر بالخوف من قيام أهل الدّيار المصرية عليه ، وكان يؤثر أن لا يقطع الخطبة للمصريّين في ذلك الوقت ، خوفا من نور الدّين أن يدخل إلى الدّيار المصريّة فيأخذها منه ، وإذا كان العاضد معه امتنع وأهل مصر معه ، فلم يقبل عذره نور الدّين ، وألحّ عليه.

وكان العاضد مريضا فخطب للمستضيء في الديار المصريّة ، وتوفيّ

٧٢

العاضد ، ولم يعلم بقطع الخطبة ، وقيل : إنّه علم قبل موته ؛ وكان ذلك في سنة سبع وستّين وخمسمائة.

وفي هذه السّنة تتبّع نور الدّين رسوم المظالم والمؤن في جميع البلاد الّتي بيده ، فأزالها وعفى رسومها ومحا آثار المنكرات والفواحش ، بعد ما كان أطلق من ذلك في تواريخ متقدّمة ، وكان مبلغ ما أطلقه أوّلا وثانيا خمسمائة ألف وستّة وثمانين ألفا وأربعمائة وستّين دينارا.

وكان رأى وزيره موفّق الدّين خالد بن القيسراني في المنام كأنّه يفصل ثياب نور الدين ، ففسّر ذلك عليه ، ففكّر في ذلك ولم يردّ عليه جوابا ، فخجل وزيره وبقي أيّاما واستدعاه ، وقال : «تعال يا خالد ، اغسل ثيابي» ؛ وأمره فكتب توقيعا بازالة ما ذكرناه.

وسار الملك النّاصر من مصر غازيا ، فنازل حصن الشّوبك وحصره ، فطلبوا الأمان واستمهلوه عشرة أيّام ، فلمّا سمع نور الدّين بذلك سار عن دمشق ، فدخل بلاد الفرنج من الجهة الأخرى ، فقيل للملك الناصر : «إن دخل نور الدين من جانب وأنت من هذا الجانب ملك بلاد الفرنج ، فلا يبقى لك معه بديار مصر مقام ، وإن جاء وأنت ههنا فلا بدّ لك من الاجتماع به ، ويبقى هو المتحكم فيك بما شاء ؛ والمصلحة الرّجوع إلى مصر».

فرحل عن الشّوبك إلى مصر ، وكتب إلى نور الدّين يعتذر باختلال أمور الدّيار المصريّة وأنّ شيعتها عزموا على الوثوب بها ، فلم يقبل نور الدّين

٧٣

عذره ، وتغيّر عليه وعزم على الدّخول إلى الديار المصريّة (١).

فسمع الملك النّاصر ، فجمع أباه نجم الدّين وخاله شهاب الدّين ، وتقيّ الدّين عمر ، وغيرهم من الأمراء ، وأعلمهم ما بلغه من حركة نور الدّين واستشارهم ، فلم يجبه أحد ، فقام تقيّ الدّين ، وقال : «إذا جاءنا قاتلناه» ووافقه غيره من أهله ، فشتمهم نجم الدّين أيّوب والد الملك النّاصر ، وأقعد تقيّ الدّين ، وقال للملك النّاصر : «أنا أبوك ، وهذا شهاب الدّين خالك ، ونحن أكثر محبّة لك من جميع من ترى ؛ وو الله لو رأيت أنا وهذا خالك نور الدّين لم يمكننا إلّا أن نقبّل الأرض بين يديه ، ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسّيف لفعلنا ، فإذا كنّا نحن هكذا ، فما ظنّك بغيرنا ، وكلّ من نراه عندك ، فهو كذلك ، وهذه البلاد لنور الدّين ، ونحن مماليكه ونوّابه فيها ، فان أراد عزلك سمعنا وأطعنا ، والرّأي أن تكتب كتابا مع نجّاب وتقول له : بلغني أنّك تريد الحركة لأجل البلاد ، ولا حاجة إلى ذلك بل يرسل المولى نجّابا يضع في رقبتي منديلا ، ويأخذني إليك». وتفرّقوا.

فلمّا خلا نجم الدّين أيّوب بالملك النّاصر ، قال له : «كيف فعلت مثل هذا؟ أما تعلم أنّ نور الدّين إذا سمع عزمنا على منعه ومحاربته جعلنا أهمّ الوجوه إليه ، وحينئذ لا نقوى به ، وأمّا إذا بلغه طاعتنا له تركنا واشتغل بغيرنا ؛ والأقدار بيد الله ، وو الله لو أراد نور الدّين قصبة من قصب السّكّر

__________________

(١) انظر وليم الصوري ص ٩٤٨ ـ ٩٥٣.

٧٤

لقاتلته عليها حتّى أمنعه أو أقتل». ففعل ما أشار به عليه والده ، فترك نور الدّين قصده ، واشتغل بغيره.

وخرج نور الدّين بالعساكر ، ففتح حصن عرقة ، وصافيتا ، وعريمة (١) ، ونهب وخرّب بلاد الفرنج ثم هادنهم.

ثمّ إن الفرنج ساروا إلى بلد حوران في سنة ثمان وستّين للغارة ، فسار نور الدّين إليهم ، فنزل عشترا ، وسيّر عسكره إلى أعمال طبريّة ، فغنموا غنائم عظيمة ، وعادوا.

وكان نور الدّين قد استخدم مليح بن لاون ، ملك الأرمن ، وأقطعه أقطاعا من بلاد الإسلام ، وحضر معه حروبا متعدّدة فأنجده في هذه السّنة بطائفة من عسكره ، فدخل مليح إلى أذنه وطرسوس والمصّيصة ، وفتحها من يد ملك الرّوم ، وأرسل إلى نور الدّين كثيرا من غنائمهم وثلاثين أسيرا من أعيانهم (٢).

وقصد قلج أرسلان ذا النّون بن الدّانشمند صاحب ملطية وسيواس (٣) ، وأخذ بلاده ، وأخرجه عنها طريدا ، فاستجار بنور الدين ، ووصل إليه فأكرمه ، وسيّر إلى قلج أرسلان يشفع إليه في إعادة بلاده إليه ،

__________________

(١) قلعة قريبة من منطقة صافيتا.

(٢) انظر وليم الصوري ص ٩٦٢ ـ ٩٦٣.

(٣) هي الآن مركز ولاية في تركية وتبعد عن أنقره مسافة ٢٢٥ كم.

٧٥

فلم يفعل فسار نور الدّين إليه في هذه السّنة فابتدأ بكيسوم (١) ، وبهسنى (٢) ، ومرعش ، ومرزبان (٣) ، وما يليها ، وكان ملكه مرعش ، في أوائل ذي القعدة ، والباقي بعدها.

وسيّر طائفة من عسكره إلى سيواس ، فملكها ؛ وراسله قلج أرسلان في الصّلح ، وأتاه من أخبار الفرنج ما أزعجه فصالحه ، وأعطى سيواس ذا النّون ، وجعل معه قطعة من عسكره ، وشرط على قلج أرسلان إنجاده بعساكره إلى الغزاة.

واتّفق نور الدّين وصلاح الدّين على أن يصل كلّ واحد منهما من جهته ، وتواعدا على يوم معلوم على أن يتّفقا على قتال الفرنج ، وأيهما سبق أقام للآخر منتظرا ، إلى أن يقدم عليه ، فسبق صلاح الدّين ووصل إلى الكرك وحصره.

وسار نور الدين فوصل الرّقيم (٤) وبينه وبين الكرك مرحلتان ـ فخاف صلاح الدّين ، واتّفق رأيه ورأي أهله على العود إلى مصر لعلمهم بأنّهما متى اجتمعا كان نور الدّين قادرا على أخذ مصر منه.

فعاد إلى مصر ، وأرسل الفقيه عيسى إلى نور الدّين يعتذر عن رحيله

__________________

(١) انظر حولها الأعلاق الخطيرة ـ قسم حلب ـ ج ٢ ص ٤٤٢ ـ ٤٤٣.

(٢) انظر حولها بغية الطلب ص ٣٢٦.

(٣) انظر حولها بغية الطلب ص ٣٢٥.

(٤) قال ياقوت في معجمه : «وبقرب البلقاء من أطراف الشام موضع يقال له الرقيم ، يزعم بعضهم أن به أهل الكهف» والمعني بهذا منطقة البتراء بالأردن.

٧٦

بأنّه كان استخلف أباه نجم الدّين أيّوب على مصر ، وأنّه بلغه أنّه مريض ، ويخاف أن يحدث به حادث الموت فتخرج البلاد عن أيديهم ، ولم يكن مريضا ، وأرسل مع الفقيه عيسى من التّحف والهدايا ما يجلّ عن الوصف ، فجاء إليه فأعلمه برسالة صلاح الدّين ، فعظم ذلك عليه ولم يظهر التأثّر بذلك ، وقال : «حفظ مصر أهمّ عندنا».

واتّفق أنّ صلاح الدّين وصل إلى مصر فوجد أباه قد سقط عن الفرس ، وبقي أيّاما ومات ، وهو غائب عنه ، في السّابع والعشرين من ذي الحجّة من سنة ثمان وستّين وخمسمائة. (١)

وخاف صلاح الدّين من نور الدّين أن يدخل مصر فيأخذها منهم ، فشرع في تحصيل مملكة أخرى لتكون عدّة له بحيث أنّ نور الدّين إن غلبه إلى الديار المصريّة سار هو وأهله إليها وأقاموا بها.

فسيّر أخاه الأكبر تورانشاه بإذن نور الدّين له في ذلك ، وسيّره قاصدا عبد النبي بن مهديّ ، وكان دعا إلى نفسه ، وقطع خطبة بني العبّاس ، فمضى إليها ، وفتح زبيد وعدن ومعظم بلاد اليمن.

وصلاح الدّين على ما كان عليه من الطّاعة في الظّاهر لنور الدّين إلى أن اتّفق أن مرض نور الدّين بعلّة الخوانيق بدمشق ، وتوفّي بها يوم الأربعاء حادي عشر شوّال من سنة تسع وستّين وخمسمائة ، وكان قد شرع في التأهّب

__________________

(١) خير مصدر حول موضوع التوسع الأيوبي في اليمن هو كتاب «السمط الغالي الثمن في أخبار الملوك من الغز باليمن» لمحمد بن حاتم اليامي ـ ط ، بيروت ١٩٧٤.

٧٧

للدخول إلى الديار المصريّة وختن ولده الملك الصّالح اسماعيل بدمشق ، في خامس شوّال ، وأخرج صدقات كثيرة وكسوات للأيتام الّذين ختنهم معه.

واتّسع ملكه بحيث خطب له بالحرمحين الشّريفين وبلاد اليمن الّتي افتتحها شمس الملوك ، وانعمر بلد حلب في زمانه لعدله وحسن سيرته حتّى لم تبق مزرعة في جبل ولا واد إلّا فيها سكّان ولها مغلّ.

وصار على ظاهر حلب من العمارة والمساكن أكثر من المدينة ، مثل الحاضر السّليماني ، وخارج باب الأربعين ، وغير ذلك من الأبواب جميعها.

وارتفعت الأسعار مع كثرة المغلّات لكثرة العالم ، حتّى كانت الأسعار في السّنة الّتي مات فيها بعد ذلك الرّخص في السّنة التي مات فيها والده : الحنطة مكّوك ونصف بدينار ، والشّعير مكّوكان ونصف بدينار ، والعدس مكّوك ومصع بدينار ، والجلبان كذلك ، والقطن ستّة أرطال جوز بدينار.

والله تعالى يرحمه

وقام الملك الصّالح بالملك بعده (١) ، وكان عمره إحدى عشرة سنة ، وحلف له الأمراء بدمشق. وخطب له الملك النّاصر صلاح الدّين بمصر ، وأرسل إليه رسولا يعزّيه ، ومعه دنانير مصرية عليها اسمه ، ويعلمه أنّه في طاعته ، وأنّ الخطبة أقيمت له بمصر.

وأمّا حلب فكان الوالي بقلعتها جمال الدّين شاذبخت ـ الخادم

__________________

(١) للصالح اسماعيل ترجمة مفيدة في بغية الطلب ص ١٨٢٢ ـ ١٨٢٦.

٧٨

الهنديّ عتيق نور الدّين ـ وهو الّذي بنى المدرسة (١) لأصحاب أبي حنيفة بحلب ، وقبر بها ، فوصله كتاب الطّير بوفاة نور الدّين ؛ فأمر في الحال بضرب الدّبادب (٢) ، والكوسات ، والبوقات ، وأحضر المقدّمين والأعيان بحلب ، والفقهاء والأمراء ، وقال : «قد وصل كتاب الطّائر ، يخبر أنّ مولانا الملك العادل قد ختن ولده ؛ وولّاه العهد بعده ، ومشى بين يديه».

فأظهروا السّرور بذلك ، وحمدوا الله تعالى ، فقال لهم : «تحلفون لولده الملك الصّالح ، كما أمر الملك العادل بأنّ حلب له ، وأنّ طاعتكم له وخدمتكم ، كما كانت لأبيه». فحلف النّاس على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم ، في ذلك اليوم ، ولم يترك أحدا منهم يزول من مكانه ، ثم قام إلى مجلس آخر ، ولبس ثياب الحداد ، وخرج إليهم وقال : «يحسن الله عزاءكم في الملك العادل ، فإنّ الله قد نقله إلى جنّات النّعيم».

وتوجّه المؤيّد بن العميد ، وعثمان زردك ، وهمام الدّين إلى حلب ، لإثبات ما في الخزائن بحلب ، وختمها بخاتم الملك الصّالح.

وكان وزير الملك العادل نور الدّين : موفّق الدّين خالد بن محمد بن نصر بن القيسراني ، رسولا عنه بمصر. فاتّفق رأي الجماعة على أن ولّوا وزارة الملك الصّالح : شهاب الدّين أبا صالح عبد الرّحيم بن أبي طالب بن

__________________

(١) يعرف موقعها الآن باسم جامع الشيخ معروف. الآثار الإسلامية ص ٧٢ ـ ٧٣.

(٢) أي الطبول. القاموس.

٧٩

العجمي ، وكان عدلا على خزائن نور الدّين.

وكان شمس الدّين عليّ ، ابن داية نور الدّين ، (١) أخو مجد الدّين لأمّه ، من أكبر الأمراء النّورية ، وأمر حلب راجع إليه وإلى إخوته في أيام نور الدّين ، وكان بحلب عند موت نور الدّين ، وسابق الدّين عثمان وبدر الدّين حسن أخواه ؛ فتولّى شمس الدّين عليّ تدبير حلب ، وصعد إلى القلعة ، وحصل بها مع شاذبخت ، والأمير بدر الدين حسن متولي الشّحنكية بالمدينة.

وكان نور الدّين قد سيّر إلى الموصل وغيرها من البلاد يستدعي العساكر ، بحجة الغزاة ، ومقصوده الطّلوع إلى مصر ، فسار سيف الدّين غازي بعسكر الموصل ، وعلى مقدّمته سعد الدّين كمشتكين الخادم ، وكان قد جعله نور الدّين واليا من قبله بالموصل ، فلما كانوا ببعض الطريق ، وصلتهم الأخبار بموت نور الدّين هرب سعد الدين كمشتكين إلى حلب جريدة.

وأمّا سيف الدّين فإنّه أخذ بلاد الجزيرة جميعها ، سوى قلعة جعبر ؛ فأرسل شمس الدّين عليّ بن الدّاية يطلب الملك الصالح إلى حلب ، ليمنع سيف الدّين ابن عمه من البلاد الجزرية ، فلم يمكنه الأمراء الّذين معه

__________________

(١) في بغية الطلب ص ١٨٢٣ : «وكان شمس الدين علي بن محمد ابن داية نور الدين بقلعة حلب مع شاذبخت ، وكان قد حدث نفسه بأمور ، واختلفت كلمة الأمراء ، وتجهز الملك الناصر صلاح الدين من مصر للخروج إلى الشام ، وطلب أن يكون هو الذي يتولى أمر الملك الصالح وتدبير ملكه».

٨٠