زبدة الحلب من تاريخ حلب - ج ٢

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]

زبدة الحلب من تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]


المحقق: الدكتور سهيل زكار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

بكاء عظيما ، وحضر عزاءه ، يومين بعد موته ، بالمدرسة التي أنشأها «أتابك» ، وجعل فيها تربة للسّلطان الملك الظّاهر ـ رحمهم‌الله ـ

وفي هذه السّنة :

وهي سنة إحدى وثلاثين

نزل الملك الكامل ، من مصر ، واتّفق مع أخيه الملك الأشرف ، على قصد بلاد السلطان «كيقباذ بن كيخسرو» ، للوحشة التي تجدّدت بينهم ، بسبب إستيلاء كيقباذ على بلاد «أخلاط» ، وانتزاعها من أيدي نواب «الملك الأشرف» ، وسارا من دمشق ، وخرج معهما الملك المجاهد ، صاحب حمص ، والملك المظفّر ، صاحب حماة ، ووصل معهم الملك الناصر ، صاحب الكرك ، ووصلوا إلى «منبج» باذن السلطان «الملك العزيز».

وسيّر الملك العزيز ، إليه إلى «منبج» ، الإقامة العظيمة ، والزردخاناه ، وعسكره ، ومقدّمه عمّه «الملك المعظّم» ، وساروا من ناحية «تل باشر» ، فنزل إليه «الملك الزّاهر داود بن الملك النّاصر».

وقدم إليه صاحب «سميساط» «الملك المفضل موسى» ، وصاحب «عين تاب» «الملك الصالح بن الملك الظّاهر» ، والملك المظفّر شهاب الدّين بن الملك العادل ، والملك الحافظ أخوه ، وغيرهم ، من الملوك ، حتى اجتمع في عسكره ستة عشر أميرا.

وسيّر ملك الروم إلى «الملك العزيز» ، وقال له : «أنا راض منك بأن

٢٤١

تمدّه بالأجناد والأموال ، على أن لا تنزل إليه أبدا». وأعفاه الملك الكامل ، من مثل ذلك ، ورضي كلّ واحد من الملكين بفعله.

وسار الملك الكامل في جيوشه ، في أوائل سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، إلى أن نزل على «نهر الأزرق» ، في طرف بلاد الروم ، وجاء عسكر الروم حتّى نزل قبليّ زّلى ـ بينها وبين الدّربند ـ والسّلطان معهم ، وصعد الرجالة إلى فم «الدّربند» ، بالقرب من نور كغال ، وبنوا عليه سورا ، وقاتلوا منه ، ومنعوا من يطلع إليه ، وقلّت الأقوات على العسكر الشّامي.

فرجع «الملك الكامل» ، وخرج إلى طرف بلد «بهسنى» ، ونزل على بحيرة أنزنيت ، ووصل إليه صاحب خرتبرت ، ودخل في طاعته ، وأشار عليه بالدّخول من جهته ، فسار إلى ناحية «خرتبرت».

ووقعت طائفة من عسكر الروم ، على طائفة من عسكر الملك الكامل ، وفيهم الملك المظفّر ـ صاحب حماة ـ وشمس الدين صواب ، فكسر العسكر الكامليّ ، واعتصم من نجا منهم «بخرتبرت» ، فحاصرهم ملك الرّوم إلى أن نزلوا بالأمان ، وأطلقهم ، واستولى «كيقباذ» على «خرتبرت» ، وعفا عن صاحبها ، وعوّضه عنها بأقطاع في بلاده.

ومرض «الملك الزّاهر» في العسكر ، فحمل مريضا إلى «البيرة» ، وقوي مرضه ، وطمع بعض أولاده بملكها ، وشرع في تحصينها وتقويتها ، وبلغ «الملك الزّاهر» ذلك ، فسيّر إلى السّلطان «الملك العزيز» ، واستدعاه إليه ، وأصعده إلى القلعة ، وأوصى إليه بالقلاع التي في يده ، والخزائن

٢٤٢

وعيّن لأولاده شيئا من ماله ، وتوفّى «بالبيرة» ، والسّلطان بها عنده ، في أوائل صفر ، من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.

وأقام السّلطان بها يرتّب أحوالها ، وأقام فيها واليا من قبله ، فاتّفق وفاة القاضي بهاء الدّين بحلب ، في يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر ، من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.

وطلب «الكمال ابن العجمي» قضاء حلب ، وكاتب السلطان في ذلك ، فلم يجبه إلى ذلك. وسار السلطان من «البيرة» إلى «حارم» ، فخرج ابن العجمي إليه ، إلى «حارم» ، فمنعه الدّخول اليه ، وبذل له في قضاء حلب ستّين ألف درهم ، وأن يحمل في كل سنة ، للسّلطان ، من فواضل أوقاف الصدقة ، ومن كتابة الشروط ، خمسين ألف درهم ، فلم يصغ السّلطان إلى شيء من ذلك ، وكتب إلى القاضي زين الدّين ، كتابا يأمره بأن يحكم بين النّاس ، على جاري عادته ، إلى أن يدخل الى المدينة ، فلما دخل السلطان اجتهد «ابن العجمي» في قبول ما بذله ، وبذل شيئا كثيرا غير ذلك ، لخواصّ السّلطان ، وحسنوا للسّلطان قبول ما بذله ، وإجابته الى ما سأله ، فجرى على مذهب أبيه وجدّه في الاحسان ، ولم يبع منصب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالأثمان ونظر في مصلحة الرعيّة ، وأرضى الله ونبيّه ، وقلّد القضاء بمدينة حلب وأعمالها ، في يوم الجمعة ، الرابع عشر ، من شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، القاضي زين الدّين أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن ، بن علوان ـ المعروف بابن الأستاذ ـ وكان نائب القاضي بهاء الدّين في الحكم.

٢٤٣

وأما الملك الكامل ، فانه عاد في تلك الجيوش العظيمة ، ولم يحظ بطائل ، ودخل فصل الشتاء ، وحال بين الفريقين ، وعاد كلّ إلى بلاده ، ولما خرج فصل الشتاء ، خرج «علاء الدين كيقباذ» الى الجزيرة ، والرّها ، والرقة ، وسبى عسكره أهل البلاد كما يسبى الكفّار ، وذلك في ذي الحجة ، من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، وسار «الملك الكامل» نحوها ، فاندفع ملك الرّوم ، فعاد «الملك الكامل» ، واستولى على البلاد ، وخرّب قلعة الرّها وبلدها ، وسيّر إليه السلطان العسكر الى الشّرق ، والزّردخاناه ، وذلك في الجماديين ، سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.

ودام «الملك العزيز» ، في ملكه بحلب ، وسمت همّته إلى معالي الأمور ، ومال إلى رعيته ، وأحسن إليهم الى أن دخلت سنة أربع وثلاثين وستمائة ، فغضب على وزيره «زين الدّين بن حرب» ، وألزمه داره بقلعة حلب ، وولّى الديوان مكانه ، الوزير «جمال الدّين الأكرم أبا الحسن عليّ بن يوسف القفطيّ الشيباني».

وخرج في أواخر شهر صفر إلى «النقرة» ، ثم توجّه منها الى «حارم» ، وحضر في الملقة (١) ، لرمي البندق ، واحتاج الى أن اغتسل بماء بارد ، فحمّ ، ودخل إلى حلب ، فالتقاه النّاس ، وهو موعوك ، ودامت به الحمّى ، الى أن قوي مرضه ، واستحلف الناس لولده الملك «النّاصر صلاح الدّين يوسف بن الملك العزيز». وسيّرني إلى أخيه «الملك الصالح» إلى عين

__________________

(١) كذا بالأصل ، ولعله أراد «الملقى» أو أنها تصحيف «الحلقة».

٢٤٤

تاب ، يستحلفه له ، ولابنه «الملك الناصر» ، وعدت ، وقد مات ، في شهر ربيع الأوّل ، من سنة أربع وثلاثين وستمائة.

وتولّى تدبير دولته الأميران : شمس الدين لؤلؤ الأميني ، وعزّ الدين عمر بن محلّى ووزير الدولة القاضي «جمال الدين الأكرم» و «جمال الدّولة اقبال الخاتوني» ، يحضر بينهم في المشورة.

واذا اتّفق رأيهم على شيء ، دخل جمال الدّولة إقبال الخاتوني ، إلى جدّة السّلطان «الملك النّاصر» ، والدة «الملك العزيز» ، وعرّفها ما اتّفق رأي الجماعة عليه ، فتأذن لهم في فعله ، والعلامات على التواقيع ، والمكاتبات إلى الستر العالي الخاتوني ، والدة الملك العزيز. فاتّفق رأيهم ، على أن سيّروا القاضي زين الدّين ـ قاضي حلب ـ والأمير بدر الدّين بدر بن أبي الهيجاء ، إلى مصر ، رسولين إلى «الملك الكامل» ، ليحلّفاه «للملك النّاصر» ، ويتوثّقا من جهته ، واستصحبا معهما كزاغند السّلطان الملك العزيز ، وزرديته ، وخوذته ، ومركوبه.

فلما وصلا إليه ، أظهر الألم والحزن لموته ، وقصّر في إكرامهما وعطائهما ، وحلف للملك الناصر ، على الوجه الذي اقترح عليه ، وخاطب الرسولين بما يشيران به ، عنه ، من تقدمة «الملك الصالح بن الملك الظّاهر» ، على العسكر ، وأن تكون تربية «الملك الناصر» إليه ، فلم ير الجماعة ذلك.

واتّفق بعد ذلك بمدّة ، أن سيّر الملك الكامل خلعة للملك الناصر ،

٢٤٥

بغير مركوب ، وسيّر عدّة خلع لأمراء الدّولة ، وسيّر مع رسول مفرد خلعة «للملك الصالح» ، على أن يجيء اليه إلى «عين تاب» ، فاستشعر أرباب الدّولة التّدبير من ذلك ، وحصل عند جدّة السّلطان وحشة من ذلك.

واتفق رأيهم ، على أن لبس السّلطان خلعته ، ولم يخلع على أحد من الأمراء شيء ، مما سيّره لهم ، وردّوا الرسول الوارد إلى الملك الصالح بخلعته ، ولم يمكنوه من الوصول إليه ، واستوحشوا من جهة «الملك الكامل».

وكان «الملك الأشرف» ، قد تتابعت من أخيه ، «الملك الكامل» أفعال أوجبت ضيق صدره ، وكان يغضّ على نفسه ، ويحتملها ، فمنها أنه أخذ بلاده الشرقيّة ، حين أعطاه دمشق ، وأخذ من مضافات دمشق ، مواضع متعدّدة.

واتفق أن «كيقباذ» ملك الرّوم ، أخذ «خلاط» ، فضاق ما في يد «الملك الأشرف» جدّا ، وكان ينزل إليه في كلّ سنة إلى دمشق ، في عبوره إلى الشّرق ، فيقيم بدمشق مدّة ، فيحتاج «الملك الأشرف» ، في ضيافته إلى جملة.

وقبض على أملاكه التي كانت له بحرّان ، والرقّة ، وسروج ، والرّها ، ورأس عين ، وعلى جميع تمليكاته التي ملكها بتلك الناحية ، وفتح آمد ، وهو في صحبته ، فلم يطلق له من بلادها شيئا ، وخذله في انتزاع «خلاط» من يد «الرّوميّ» ، فاتفق هو ، والملك المجاهد ـ صاحب حمص ـ والملك المظفّر ـ صاحب حماة ـ وعزموا على الخروج عليه ، وعيّن لكلّ واحد منهم

٢٤٦

شيء من بلاده ، وأرسل إلى الملكة «الخاتون» والأمراء بحلب ، وطلبوا موافقتهم على ذلك ، وخوّفوهم من جهته ، وذكروا ما تمتدّ أطماعه إليه فوافقوهم.

وتحالفوا عليه ، وسيّروا رسلا من جهتهم إلى ملك الروم «كيقباذ» ؛ يطلبون منه مثل ذلك. فوصلوا إليه ومات «كيقباذ» ، قبل اجتماعهم به فذكروا رسالتهم لابنه «كيخسرو» ، فحلف لهم على ذلك.

واتفقوا كلّهم على أن يرسلوا رسلا من جهتهم ، إلى «الملك الكامل» ، الى مصر ، ومعهم رسول من حلب ، وقالوا له : «إنّنا قد اتفقنا كلنا ، ونطلب منك أنّك لا تعود تخرج من مصر ، ولا تنزل إلى الشام» ، فقال لهم : «مبارك ، أنتم قد اتفقتم ، فما تطلبون من يمين ، احلفوا أنتم أيضا لي : أن لا تقصدوا بلادي ، ولا تتعرّضوا لشيء مما في يدي وأنا أوافقكم على ما تطلبون». ونزل رسوله ، ومرض «الملك الأشرف» ، واشتغل بمرضه ، وطال الى أن مات ـ على ما نذكره ـ.

ومما تجدّد في حلب ، في سنة أربع وثلاثين وستمائة : أنّ «شهاب الدّين» «صاحب شيزر» ، و «كمال الدين عمر بن العجمي» ، اتفقا ، على أن سيّرا من جهتهما رجلا ، يقال له «العزّ بن الأطغاني» إلى دمشق إلى «الملك الأشرف» ، وحدّثاه في أن يقصد حلب ، وأنهما يساعدانه بأموالهما ، وأوهمه صاحب «شيزر» أنّ معظم الأمراء بحلب ، يوافقونه على ذلك ، وأوهمه ابن العجمي أنّ أقاربه ، وجماعة كبيرة من الحلبيّين ، يتابعونه ، ويشايعونه ،

٢٤٧

ويوافقونه ، على ذلك ، واشترط على «الملك الأشرف» ، أن يولّيه قضاء حلب.

فمضى رسولهما إلى «الملك الأشرف» ، واجتمع ببعض خواصّه ، وذكر له الأمر الذي جاء فيه ، فلم يحضره اليه ، وأجابهما بأنّه : «لا تتصوّر أن يبدو مني غدر ، ولا قبيح في حقّ أحد من ذريّة الملك الظاهر» ، وأخبرني «فلك الدّين بن المسيري» أنّه هو الّذي كان المتكلّم بين «الملك الأشرف» ، وبين رسولهما.

ونمي هذا الخبر إلى الملكة ، والأمراء ، فسيّروا من يوقف الرسول واتّفق وصوله إلى حلب فقبض في «باب العراق» ، وأصعد إلى القلعة ، وسئل عن ذلك ، فأخبرهم بالحديث على فصّه ، فحبس الرّسول ، وحلقت لحيته ، وسيّر الى «دربساك» ، وحبس بها ، وأصعد «ابن العجمي» ، وصاحب شيزر ، واعتقلا بالقلعة ، وأخذت أموال صاحب شيزر جميعها ، ولم يتعرّض لأموال ابن العجمي ، تطييبا لقلوب أهله. وداما في الاعتقال ، من جمادى ، من سنة أربع وثلاثين الى أن مات الملك الكامل ، في سنة خمس وثلاثين وستمائة ، وأطلقا.

وما حدث أيضا ، في سنة أربع وثلاثين ، أنّ أميرا من التركمان ، يقال له «قنغر» جمع إليه جمعا من التركمان ، بعد موت «الملك العزيز» ، وعاث في أطراف بلاد حلب ، من ناحية «قورس» ، وغيرها ، ونهب ضياعا متعدّدة ، وكان يغاز (١) ، ويدخل الى بلد الروم ، فخرج اليه عسكر من حلب ، فكسر

__________________

(١) كذا بالأصل ولعله أراد «يغزو» أو «يغير».

٢٤٨

ذلك العسكر ، ونهبه.

وتخوف أمراء حلب ، أن يكون ذلك بأمر «ملك الرّوم» ، فسيّروا رسولا إلى ملك الروم ، في معناه ، فأنكر ذلك ، وأمر بردّ ما أخذه ، من بلد حلب ، فردّ بعضه ، وانكف عن العيث والفساد.

وبذل «ملك الروم» من نفسه الموافقة ، والنصرة «للملك النّاصر» ، وكفّ من يقصد بلاده بأذى ، فسيّر له تقدمة سنيّة ، من حلب ، على يد «شرف الدين بن أمير جاندار» ، فأكرم الرّسول إكراما كثيرا ، وسيّر اليه رسول في الباطن ، وهو أوحد الدّين ـ قاضي خلاط ـ فاستحلفه على الموالاة «للملك الناصر» ، والذبّ عن بلاده ، ودفع من يقصدها.

واتفق أيضا ، في هذه السنة ، تحرّك الداويّة ، من «بغراس» ، وأغاروا في بلد «العمق» ، واستاقوا أغناما للتركمان ، ومواشي لغيرهم كثيرة.

فخرج «الملك المعظم بن الملك الناصر» يقدم عسكر حلب ، ونزلوا على «بغراس» وحصروها مدّة ، حتى ثغروا مواضع من سورها ، ونفد ما فيها من الذخائر ، وأشرفت على الأخذ ، فسيّر البرنس ـ صاحب أنطاكية ـ وشفع فيهم ، بعد أن كان مغاضبا لهم ، فرأوا المصلحة ، في إجابته إلى ذلك ، وعقدوا الهدنة مع الداويّة ، على «بغراس» ، ورحلوا عنها ، ولو أقاموا عليها يومين آخرين ، لما استطاع من فيها الصبر على المدافعة.

وسار العسكر عن «بغراس» ، بعد أن أخربوها ، وبلدها ، خرابا شنيعا ، ونزل العسكر الاسلامي بالقرب من «دربساك» ، فجمع «الداويّة»

٢٤٩

جموعهم ، واستنجدوا بصاحب «جبيل» وغيره ، من الفرنج ، وجمعوا راجلا كثيرا ، وساروا من جهة حجر «شغلان» إلى «دربساك» ، ظنا منهم أن يكبسوا الربض ، على غرّة من أهله ، وأن ينالوا منه غرضا ، فاستعدّ لهم من بالربض من الأجناد ، ونزل جماعة من أجناد القلعة ، وقاتلوهم في الربض ، قتالا شديدا ، وحموه منهم ، واشتغلوا بقتالهم ، إلى أن وصل الخبر إلى عسكر حلب ، فركبوا ، ووصلوا إليهم ، وقد تعب الفرنج ، وكلّت خيولهم ، فوقعوا عليهم ، فانهزم الفرنج هزيمة شنيعة ، وقتل منهم خلق عظيم ، واستولى المسلمون على فارسهم وراجلهم ، وكان فيهم جماعة من المقدّمين واختبأ منهم جماعة من الخيّالة ، وغيرهم ، خلف الأشجار في الجبل ، فأخذوا ، ولم ينج منهم إلّا القليل ، ودخلوا بالرؤوس والأسرى إلى حلب ، وكان يوما مشهودا وحبسوا في القلعة ، ثم أنزلوا الى الخندق.

واستولى المسلمون على فارسهم وراجلهم ، وكان فيهم جماعة من المقدّمين واختبأ منهم جماعة من الخيّالة ، وغيرهم ، خلف الأشجار في الجبل ، فأخذوا ، وكان يوما مشهودا وحبسوا في القلعة ، ثم أنزلوا إلى الخندق.

وفتّت هذه الوقعة في أعضاد «الداويّة» ، بالساحل ، ولم ينتعشوا بعدها ، وكانوا قد استطالوا على المسلمين والفرنج.

ومات في هذه السّنة «علاء الدين كيقباذ» ـ ملك الروم ـ «بقيصرية» ، في أوائل شوّال ، من سنة أربع وثلاثين وستمائة ، وسيّرت رسولا إلى ابنه «غياث الدين كيخسرو» ، القائم في الملك بعده ، بالتّعزية ، وتجديد الأيمان عليه ، على القاعدة التي كانت مع أبيه ، فحلّفته على ذلك ، في ذي القعدة.

٢٥٠

وكان قد قبض على «قيرخان» ـ مقدّم الخوارزمية ـ فهرب من بقي منهم ، من بلاد الروم ، ونهبوا في طريقهم ما قدروا عليه ، وعبروا الفرات ، واستمالهم الملك الصالح بن الملك الكامل ، وأقطعهم مواضع في الجزيرة.

وتوفّي «الملك الأشرف» بدمشق ، لأربع خلون من المحرم من سنة خمس وثلاثين وستمائة. وأوصى بها لأخيه «الملك الصالح اسماعيل» ، وجدّد الأيمان مع الجماعة ، الذين كانوا وافقوا أخاه «الملك الأشرف».

فخرج «الملك الكامل» من مصر ، وقصد دمشق ، وسيّر من حلب نجدة إلى دمشق وكذلك سيّر «الملك المجاهد» ولده «المنصور» إليها ، ونزل «الملك الكامل» على دمشق ، وحصرها مدّة ، فرجع «الملك المظفّر» ـ صاحب حماة ـ عن موافقة الجماعة وداخل الملك الكامل ، وأطلعه على جميع الأحوال ، ووقع بينه وبين صاحب حمص اختلاف ، وطلب من صاحب حمص «سلمية» ، لتجري الموافقة على ما كان عليه.

فسيّرت من حلب ، ومعي الأمير «علاء الدّين طيبغا الظّاهري» ، ليوفّق بين صاحب حمص وصاحب حماة ، فأبى كلّ واحد منهما ، أن يجيب صاحبه إلى ما يريد. وكان مطلوب صاحب حماة أن يعطيه صاحب حمص «سلمية» والقلعة الّتي جدّدها «الملك المجاهد» المعروفة «بشميميس» (١). فقال «الملك المجاهد» : «هذه ثمينة لي ، وقد حلف لي على كلّ ما بيدي» ، وأبى أن يجيبه إلى ذلك.

__________________

(١) ما تزال تحمل الاسم نفسه قرب سلمية ، يراها على يمينه الخارج من سلمية إلى حماة.

٢٥١

فعدنا إلى «حماة» ، وذكرنا لصاحبها مقالة «الملك المجاهد» ، وأنّ في ما يحاوله نقضا للعهد ، فقال : «هو قد نقض عهدي ، وأنفذ واستفسد جماعة من عسكري» ، وعدّد له ذنوبا لا أصل لها ، وقال : «لا بدّ من قصده ، وإذا نزل الملك الكامل على حمص ، نزلت معه عليها وفعلت ما يصل إليه جهدي.

ولكن حلب ، أبذل نفسي ومالي دون الوصول إلى قرية منها ، ولا أرجع عن اليمين الّتي حلفت بها للسّتر العالي ، والملك الناصر».

فقلت : «فالمولى يعلم ما جرى بيننا وبين صاحب حمص ، من الأيمان ، وما نقض منها عهدا ، وإذا قصده قاصد إلى حمص يتعيّن إنجاده ونصرته ، وإذا وصل عسكر من حلب لنجدته ، فكيف يفعل المولى»؟ فتلجلج ، وقال : «أنا أقاتله ، ومن قاتلني قاتلته».

فكتبنا بذلك إلى حلب ، فجاء الأمر بالتوجّه إلى حلب ، فسرنا في الحال من غير توديع ، حتى وصلنا العبادي ليلة الاثنين ، مستهلّ جمادى الأولى ، من سنة خمس وثلاثين وستّمائة ، فلحقنا «المهماندار» (١) بالخلع والتّسفير ، فلم نقبل منه شيئا ، ووصلنا إلى حلب يوم الثلاثاء ، فتحقّق أنّه قد داخل «الملك الكامل» ، وأنه يطالعه بالمتجدّدات جميعها.

وأما دمشق ، فإنّ «الملك الكامل» ، لازم حصارها ، حتى صالحه «الملك الصّالح» ، على أن أبقى له بعلبك ، وبصرى ، وأخذ منه دمشق ، في تاسع

__________________

(١) أي مايماثل مدير المراسم.

٢٥٢

عشر جمادى الأولى ، من السّنة ، ولم يتعرّض لنجدة حلب ، وحمص ، بسوء. وخرجوا من دمشق إلى مستقرّهم.

ووصل «النّاصح» ، وعسكر حلب ، إلى حلب ، واستدعى «الملك المعظّم» ، وأقارب السلطان والأمراء ، وحلفوا للسّلطان «الملك الناصر» و «للخاتون الملكة» ، على طبقاتهم. ثمّ حلف بعد ذلك أكابر البلد ، ورؤساؤها. ثم حلف الأجناد والعامة ، واستعدّ الناس للحصار بالذّخائر ، والأقوات ، والحطب ، وما يجري مجراه ، ونقلت أحجار المناجيق إلى أبواب البلد ، واستخدم جماعة من الخوارزميّة ، وغيرهم.

ووصل «قنغر التركماني» فاستخدم بحلب ، وقدّم على التركمان. وقفز جماعة من العسكر الكاملي إلى حلب ، فاستخدموا ، وتتابعت الرسل إلى «ملك الرّوم» ، لطلب نجدة ، تصل إلى حلب ، من جهته ، فسيّر نجدة من أجود عساكره ، وعرض عليهم أن يسيّر غيرها ، فاكتفوا بمن سيّره.

وسيّر ملك الروم رسولا إلى «الملك الكامل» ، يخاطبه في الامتناع عن قصد حلب ، فأمر بالتبريز من دمشق ، لقصد حلب ، وأخرج الخيم والأعلام ، فمرض ، ومات بدمشق ، في قلعتها ، في حادي وعشرين ، شهر رجب ، من سنة خمس وثلاثين وستمائة ، ووصل خبر موته ، فعمل له العزاء بحلب ، وحضره السّلطان «الملك النّاصر» ، يومين ، وأمر العسكر ، في الحال ، بالخروج إلى معرّة النعمان ، فخرج ، ونازل معرّة النّعمان ، مع «الملك المعظّم» ، ووصل رسول «الملك المظفّر» ـ صاحب حماة ـ يتلطّف الحال ، فلم

٢٥٣

يلتفت إليه ، ولم يستحضر. وسيّرت المجانيق ، ونصبت على قلعة المعرّة.

ووصل في أثناء ذلك ، رسول من السّلطان «غياث الدّين كيخسرو» ، يطلب الوصلة إلى «الخاتون الملكة» ، بأن تزوّجه بنت السلطان «الملك العزيز» ، أخت السّلطان «الملك الناصر» ، وأن يزوّج السّلطان الملك الناصر ، أخت السلطان «غياث الدين» ، واستقرّ الأمر على ذلك ، واجتمع النّاس في دار السّلطان ، بالقلعة ، وعقد عقد السّلطان «غياث الدّين» على الستّ «غازية خاتون». وتولّيت عقد النكاح ، على مذهب الإمام أبي حنيفة ـ رضي‌الله‌عنه ـ لصغر الزّوجة ، على خمسين ألف دينار ، وقبل النّكاح ، عن السّلطان «غياث الدّين» الرسول الواصل من جهته ، «عزّ الدّين» ـ قاضي دوقات (١) حينئذ ـ ونثر الذّهب ، عند الفراغ من العقد.

ووصل ، عند ذلك ، الخبر بفتح «معرّة النّعمان» ، في تلك السّاعة ، على جناح طائر ـ وضربت البشائر للأمرين ، وذلك في تاسع شعبان (٢) من سنة خمس وثلاثين وستّمائة.

وسار العسكر فنازل «حماة» ، وابتنى صاحبها سورا من اللّبن ، على حاضرها ، من جهة القبلة ، ونهب عسكر حلب بلد «حماة» ورستاقها.

ووصل رسول من الملك «الصالح بن الملك الكامل» ، يشفع في صاحب حماة ، فلم يجب إلى سؤاله فيه ، واعتذر إليه بما بدا منه ، وطلب

__________________

(١) هي توقات عند ياقوت ، بلدة بين قونية وسيواس.

(٢) قراءة ترجيحية ، بسبب طمس مطلع السطر.

٢٥٤

الرّسول ، عن صاحبه ، الموافقة والمعاضدة ، وأن يسفروا في الصّلح ، بينه وبين «ملك الرّوم» ، فأجيب جوابا ، لم يحصل منه على طائل.

ووردت الرّسل من مصر ، من الملك العادل ، والملك الكامل ، يطلبون منه الموافقة ، بينه وبين صاحب حلب ، وأن يجروا منه ، على عادة أبيه ، في الصّلح ، وإقامة الدعوة له بحلب ، فلم يجب إلى شيء من ذلك ، ورجعت الرّسل بغير طائل.

وفي هذه السنة ، قبض على «قنغر التركماني» ، وحبس بقلعة حلب ، ونهبت خيمة ودوابّه.

وسيّرت من حلب ، في الرّابع من شوّال ، سنة خمس وثلاثين وستمائة ، إلى «بلاد الرّوم» ، لعقد الوصلة بين السّلطان «الملك النّاصر» ، والسّلطان «غياث الدين كيسخرو» ، على أخت السّلطان كيخسرو ، وهي ابنة خالة الملك العزيز ، والد الملك الناصر.

وسمع السلطان كيخسرو بوصولي ، وكان في عزم «كيخسرو» التوجّه إلى ناحية «قونية» ، فتعوّق بسببي ، وسيّر بولقا إلى «أقجا» دربند ، قبل وصولي «ابلستان» يستحثّني على الوصول ، ويعرّفني تعويقه بسببي ، ثم سير بولقا آخر ، فوصل إلى تحت «سمندو» يستحثّني على الوصول.

فأسرعت السّير ، حتى وصلت إلى «قيصريّة» ، والسّلطان في «الكيقباذية» ، فاستدعاني إليه ، ولم أنزل «بقيصريّة» ، واجتمعت به ، عند وصولي ، يوم الثلاثاء ، سادس عشر شوّال ، من سنة خمس وثلاثين وستمائة ،

٢٥٥

ووقعت الإجابة إلى عقد العقد. ووكّل السلطان «كمال الدّين كاميار» ، على عقد العقد معي ، على أخته «ملكة خاتون بنت كيقباذ». ودخلنا في تلك السّاعة إلى «قيصريّة» ، وأحضر قاضي البلدة ، والشّهود ، وعقدت العقد مع «كاميار» ، على خمسين ألف دينار سلطانيّة ، مثل صداق «كيخسرو» ، الذي كتب عليه لأخت السّلطان «الملك الناصر».

وأظهر في ذلك اليوم من التجمّل ، وآلات الذهب ، والفضة ، ما لا يمكن وصفه. ونثرت الدنانير الواصلة ، صحبتي ، وكانت ألف دينار ، ونثر في دار السلطان من الذّهب ، والدّراهم ، والثياب ، والسكّر ، شيء كثير.

وضربت البشائر في دار السّلطان ، وأظهر من السرّور والفرح ، ما لا يوصف.

وسيّرت ، في الحال ، بعض أصحابي إلى حلب ، مبشّرا بذلك كلّه ، فضربت البشائر بحلب ، وأفيضت الخلع على المبشّر ، وعدت إلى حلب ، فدخلتها يوم الخميس ، تاسع ذي القعدة ، والتقاني السلطان «الملك الناصر» ـ أعزّ الله نصره ـ يوم وصولي.

هذا كلّه ، والعسكر الحلبيّ محاصر «حماة». وكان قبل هذا العقد ، سيّر السلطان «كيخسرو» الأمير «قمر الدّين» الخادم ـ ويعرف بملك الأرمن ـ رسولا إلى حلب ، وعلى يده توقيع من السّلطان «الملك الناصر» ، بالرّها ، وسروج. واتّفق الأمر معه ، على أن خطب له الملك «المظفّر شهاب الدّين غازي» ـ ابن الملك العادل ـ وأقطعه حرّان ، وأقطع «الملك المنصور» ـ صاحب ماردين ـ سنجار ، ونصيبين ، و «الملك المجاهد» ـ صاحب

٢٥٦

حمص ـ عانة ، وغربا من بلد الخابور ، وكانت هذه البلاد في يد «الملك الصالح بن الملك الكامل». واتّفق الأمر ، على أن يأخذ السلطان «كيخسرو» آمد ، وسميساط ، وأعمالها.

وكان «الخوارزميّة» ، قد خرجوا على «الملك الصالح» ، واستولوا على البلاد ، وهرب «الملك الصّالح» منهم. فأنعم على الرّسول الواصل إلى حلب ، وأعطي عطاء وافرا ، وقبل التوقيع منه.

ولم تر الملكة «الخاتون» مضايقة ابن أخيها في البلاد ، ولم تتعرّض لشيء منها. وبلغه ذلك فسيّر إليها ، وعرض عليها تلك البلاد ، وغيرها ، وقال : «البلاد كلّها بحكمك ، وإن شئت إرسال نائب يتسلّم هذه البلاد ، وغيرها ، فأرسليه لأسلّم إليه ما تأمرين بتسليمه». فشكرته ، وطيّبت قلبه.

واتّفق بعد ذلك مع «الخوارزميّة» ، وأقطعهم : حرّان ، والرّها ، وغيرهما ، بعد أن كانوا اتفقوا مع «الملك المنصور» ـ صاحب ماردين ـ وقصدوا بلاد «الملك الصالح أيوب» ، وأغاروا عليها ، ونزلوا على حرّان ، وأجفل أهلها.

وخاف «الملك الصالح» ، فاختفى ، ثم ظهر «بسنجار» ، وحصره «بدر الدّين لؤلؤ» ـ صاحب الموصل ـ وكان قد ترك ولده الملك «المغيث» «بقلعة حرّان» ، فخاف من الخوارزميّة ، وسار مختفيا نحو «قلعة جعبر» ، فطلبوه ، ونهبوه ومن معه ، وأفلت في شرذمة من أصحابه ، ووصل إلى

٢٥٧

«منبج» مستجيرا بعمّته. فسيّر إليه من حلب ، وردّ عن الوصول إليها بوجه لطيف ، وقيل له : «نخاف أن يطلبك منّا سلطان الرّوم ، ولا يمكننا منعك منه» ، فعاد إلى حرّان ، ووصله كتاب أبيه يأمره بموافقة «الخوارزمية» والوصول إليه بهم لدفع «لؤلؤ» ، ففعل ذلك ؛ وسار «بالخوارزميّة» ، طالبين عسكر الموصل ، فانهزموا وأفرجوا عن سنجار ، وأدركهم الخوارزمية فقتلوا منهم ونهبوا أثقالهم ، وقوي «الملك الصالح» بهم.

ووصل عسكر «الروم» إلى آمد ، ونازلها ، وأخذ بعض قلاعها ، وتوجّه عسكر «الخوارزميّة» ، إلى جهتهم ، فرحلوا عن آمد. ولم ينالوا منها زبدة.

ووصل رسول «السلطان كيخسرو» عز الدّين ـ قاضي دوقات ـ إلى حلب في هذه السنة ، وتحدّث في إقامة الدّعوة «للسلطان كيخسرو» ، وضرب السكّة باسمه. وكان الأمراء والعسكر محاصرين «حماة» ، فتوقّفت الملكة في ذلك ، وأشير عليها بموافقته على ما طلب ، فأجابت وخطب له في بوم الجمعة «.........» (١) من سنة خمس وثلاثين وستمائة ، على منبر حلب.

وحضر في ذلك اليوم ، الأمير «جمال الدّولة إقبال» ، وصعد الرّسول إلى المنبر ، ونثر الدّنانير عند إقامة الدعوة ، ونثر «جمال الدولة» دنانير ودراهم ، وخلع على الدعاء ، وأظهر من السرور ، والاحتفال في ذلك

__________________

(١) فراغ بالأصل.

٢٥٨

اليوم ، شيء عظيم ، في مقابلة ما أظهر «بقيصرية» من الاحتفال يوم عقد الملك الناصر.

وطال الحصار على «حماة» ، ولم تكن «الملكة الخاتون» تؤثر أخذها من ابن أختها ، وانما أرادت التّضييق عليه ، لينزل عن طلب «معرّة النعمان».

وضجر العسكر ، فاستدعي إلى حلب المحروسة ، فوصل إليها في «.....» (١) من سنة ست وثلاثين وستمائة.

وكان الملك «الجواد يونس بن مودود بن الملك العادل» ، بعد موت «الملك الكامل» ، قد استولى على «دمشق» ، وعلى الخزائن ، التي كانت في صحبة «الملك الكامل» ؛ ويظهر الطاعة «للملك العادل» وأرسل إلى حلب ، رسولا يطلب منهم معاضدته ، وانتماءه ، فلم يصغوا إلى قوله ، وامتنعوا أن يدخلوا بينه وبين الملك العادل.

وخاف من «الملك العادل» ، فراسل الملك «الصالح أيّوب بن الملك الكامل» ، واتّفقا على أن تسلّم إلى «الملك الصالح» دمشق ، ويعوّضه عنها «بالرّقة» و «سنجار» و «عانة» ، فسار «الملك الصالح» ، من الشّرق ، و «الخوارزميّة» في صحبته ، في جمادى الأولى.

وتقدّم الملك الصالح إلى دمشق ، وتسلّمها من «الملك الجواد» ، في جمادى الآخرة من سنة ستّ وثلاثين ، وأرسل إلى عمّته إلى حلب ، يعرفها بذلك ، ويبذل من نفسه الموافقة على ما تريده ، ويطلب المساعدة له ،

__________________

(١) فراغ بالأصل.

٢٥٩

والمعاضدة على أخذ مصر ، فأجابته بأنّها : «لا تدخل بينه وبين أخيه ، وأنكما ولد أخي» ، ولم تجبه إلى ما اقترح.

وسار «الملك الجواد» إلى «الرّقة» ، فأخرجه «الخوارزمية» منها ، وسار إلى «سنجار» ، فأقام بها مدّة ، وخرج إلى «عانة» ، فسار بدر الدين لؤلؤ إلى سنجار ، بعملة كانت له فيها ، فاستولى عليها ، في شهر ربيع الأوّل ، من سنة سبع وثلاثين.

وأما الملك الصالح ، فإنّه صعد إلى «نابلس» ، وأقام بها ، وكاتب الأمراء المصريّين ، وعثر الملك العادل على قضيّتهم ، فقبض الذين كاتبوه ، ولم يتّفق للملك الصّالح ما أراد.

وساق عمّه «الملك الصالح اسماعيل» ، من بعلبك ، «والملك المجاهد» ـ صاحب حمص ـ منها ، ودخلا «دمشق» ، وملكها «الملك الصالح» ، وحصر القلعة يوما أو يومين ، وفتحها ، وذلك في شهر ربيع الأوّل ، من سنة سبع وثلاثين وستمائة. وقبض على «الملك المغيث» ابن الملك الصّالح ، وسجنه «بقلعة دمشق».

وسمع الملك الصّالح بن الكامل بذلك ، فتوجّه نحو دمشق ، حتى وصل إلى «العقبة» ، فلم يجد معه من عسكره من ينصحه ، فعاد إلى «نابلس» ، فسيّر «الملك الناصر» ـ صاحب الكرك ـ وقبض عليه ، وحمله مقيّدا إلى «الكرك» وسجنه بها.

وتجدّدت الوحشة بين «الملك الناصر» ، وبين «الملك الصالح» ،

٢٦٠