زبدة الحلب من تاريخ حلب - ج ٢

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]

زبدة الحلب من تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]


المحقق: الدكتور سهيل زكار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وجعلوا في بطسة ثالثة مقاتلة ، تحت قبو ، بحيث لا يصل إليهم نشّاب ، ويكونون تحت القبو ، ويقدّمون البطسة إلى البرج ، فأوقدوا النّار ، وضربوا النفط ، فانعكس الهواء عليهم ، فاحترقت البطسة ، وهلك من فيها ، واحترقت البطسة الثانية ، وأخذها المسلمون ، وانقلبت الثّالثة الّتي فيها القبو بمن فيها (١).

وفي هذه السنة ، في ربيع الأول ، أحرق المسلمون ما كان صنعه الفرنج من آلات الحرب والزحف إليهم ، وهي أبرجة عظيمة المقدار ، يزحف بها على عجل ، وفيها المقاتلة والجروخ ، والمجانيق ، فعمد لها رجل دمشقي يعرف «بعليّ بن النحاس» ، فرماها من السّور ، بقدور نفط متتابعة ، وصار فيها ريح غريبة ، كانت سببا لا حراق تلك الآلات وما فيها ومن فيها.

واشتد حصار الفرنج على عكّا ، وملّ من بها من الأجناد المقام ، ووصل اليهم من مصر مراكب فيها غلّة ، فاتلفوها بالاضاعة وبالتغريق ، تبرما بالمقام.

وفي ربيع الأول ، وصلت من بلاد الفرنج مراكب كثيرة ، فيها ألوف من مقاتلة الفرنج من أكبرهم ملكان : يعرف أحدهما بملك «الفرنسيس» والآخر بملك «انكتير» ، فاشتدّت وطأتهما على عكا ، وعظمت نكايتهما ، في سورها ، وقلّ ما بها من الميرة والسّلاح.

__________________

(١) انظر المحاسن اليوسفية ص ١٠٠ ـ ١٠١.

١٦١

فأمر السّلطان بأن أوسق مركب عظيم من «بيروت» ، واستكثر فيه من السّلاح والأقوات والمقاتلة ، وأظهر عليه زيّ الفرنج وشعارهم ، وأخذ قوم من أسارى الفرنج الّذين في قبضة المسلمين ، فتركوا على ظاهر المركب ، وأنزل معهم في المركب جماعة من المسلمين ممّن يعرف لغة الفرنج ، وتزيّوا بزيّ الفرنج ، وحلقوا شعورهم ، وأخذوا معهم خنازير ، ورفعوا على قلع المركب صليبا. وأوهموا الفرنج أنهم واصلون إليهم نجدة من بلادهم ، وأقلعوا داخلين إلى مرسى «عكا» ، مسلّمين على الفرنج بلغتهم ، مبشّرين لهم بأنّ وراءهم من المدد ، من تشتد به منتهم ، وتعزّ به نصرتهم ، فلم يرتب المحاصرون بذلك ، وأفرجوا لهم عن المرسى (١).

فدخلوا إلى «عكا» ، وأوصلوا إلى المسلمين بها ، ما كان معهم من الميرة والسلاح والرجال ، وتمّت هذه الحيلة ، وكانت من الفرص التي لا ينبغي أن تعاود فركن المسلمون إليها ، وطمعوا في أخرى مثلها ، فجهّزوا مركبا عظيما من «بيروت» أيضا ، وأودعوه مثل ما كان قبله من الآلات والسلاح والأقوات بما مبلغ قيمته خمسة آلاف دينار ، وجعل فيه سبعمائة من مقاتله المسلمين.

وكان خبرهم قد وصل إلى الفرنج ، فأخذوا عليهم الأرصاد ، فمكثوا أياما يلججون في البحر ، ويقاربون عكّا ، فلا يجدون في الدّخول مطمعا ، حتى صادفتهم مراكب «الانكتير» في حال قدومه من بلاده ، في إحدى

__________________

(١) انظر المحاسن اليوسفية ص ٩٧.

١٦٢

وعشرين مركبا فقاتلوا ذلك المركب الاسلامي يومين ، وثبت لهم مع قلّته ، فغرّق المسلمون من مراكب الفرنج ثلاثة.

ولما رأوا أنهم قد يئسوا من النجاة ، وأنّ الفرنج إن ظفروا بالمركب حصل لهم به قوة عظيمة ، وحصلوا في الأسر والذلّة ، عمد رجل حلبيّ حجّار من أهل «باب الأربعين» (١) ، يقال له «يعقوب» وكان مقدّم الجماعة إلى سفل المركب وأخذ قطّاعته ، وخسف المركب ، ودخل فيه الماء ، وغرق ، ولم يظفر الكفّار منه بشيء ، سوى رجلين تخطّفهما الفرنج من رأس المال ، واحتملوهما في مراكبهم ، فأخبروا بهذه الكائنة.

ولما وصل هذا الخبر إلى «عكا» قطع قلوب من بها ، وأسقط في أيديهم ، وهرب جماعة من الأمراء منها ، فألقوا أنفسهم في شخاتير صغار ، فأضعف ذلك قلوب من بقي بها ، وعظمت النكاية في سور المدينة ، وفشلوا ، وكاتبوا السلطان ، فأذن لهم في مصالحة الفرنج عن أنفسهم بالبلد.

فصالحوا الفرنج على تسليم البلد ، وجميع ما فيه من الآلات ، والعدد والأسلحة ، والمراكب ، وغير ذلك ، وعلى مائتي ألف دينار وألف وخمسمائة أسير ، مجاهيل الأحوال ، ومائة أسير معيّنين من جانبهم يختارونهم ، وصليب الصلبوت ، على أن يخرجوا سالمين بأنفسهم ، وذراريهم ، وأموالهم ، وقماشهم ، وضمنوا «للمركيس» عشرة آلاف دينار ، لأنّه كان

__________________

(١) انظر حوله بغية الطلب ص ٥٥ ـ ٥٦.

١٦٣

الواسطة ، ولأصحابه أربعة آلاف.

وحلف الفرنج لهم على ذلك ، وتسلّموا «عكا» ، في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة ، سنة سبع وثمانين وخمسمائة ، ونكثوا ذلك العهد ، وأسروا كلّ من كان بها من المسلمين ، وفرّقوا بينهم ، واستصفوا أموالهم ، وسلبوهم ثيابهم وأسلحتهم ، ثم قتلوا منهم ألفين ومائتين صبرا ، على دم واحد ، في يوم واحد ، حيث توهّموا فيهم أنهم فقراء ، ليس لهم مفاد ، وأسروا من رجوا منه أن يفتدى بمال ، أو يكون من السّلطان على بال (١).

وأقامو بعكّا نحو أربعين يوما ، و «الملك النّاصر» على حصارهم ، ثم خرجوا منها متوجهين إلى «عسقلان» ، فسار في عراضهم ، ليمنعهم أن يخرجوا من ساحل البحر ، فساروا من عكّا إلى «يافا» ، وهي مسيرة يوم واحد ، في شهر كامل ، لمضايقة السلطان لهم ، وجرى بينهم وبين المسلمين مناضلة ومطاردة ، فلما أشفق السّلطان من أخذهم «عسقلان» سبق إليها فهدمها ، وأخرج أهلها منها ، في شهر رمضان من سنة سبع.

فأقام الفرنج «بيافا» ، وانتقل السّلطان إلى «الرّملة» ، وشرع الفرنج في بنآء «يافا» وتحصينها ، ثم ساروا عنها ، فنزلوا بعسقلان ، وشرعوا في عمارتها ، ثم ساروا إلى «الدّاروم» ، فحصروها ثلاث مرات ، أخذوها في المرة الثالثة بالأمان.

وعاد السّلطان ، في ثالث ذي الحجة ، بالعساكر إلى البيت المقدّس ،

__________________

(١) انظر كتابي حطين ص ١٧٨ ـ ١٨٠.

١٦٤

وعمّره ، وحصّنه ، ووعّر طريقه ، وعمّق خندقه ، وجعل «الملك العادل» ، بازآء الفرنج «بالرّملة».

وتوفي الملك المظفّر تقيّ الدّين ، على «منازكرد» ، وهو محاصر لها ، بعد أن جرى له مصاف مع بكتمر صاحب «خلاط» ، وكسره تقيّ الدّين.

ودخلت سنة ثمان وثمانين ، والسّلطان بالبيت المقدّس ، والملك العادل في الرّملة ، وقد صار بيد الفرنج مما كان بيد المسلمين من الفتوح ، ما بين عكا و «الدّاروم» ، ولم يمكنهم مفارقة الساحل ، خوفا من أن يحول المسلمون بينهم وبين مراكبهم ، فتنقطع مادتهم.

وعصى فيها الملك المنصور بن تقيّ الدّين على السّلطان بميافارقين ، وحينى (١) ، وحرّان ، والرّها ، وسميساط ، والموزر ، فسيّر إليه ابنه الملك الأفضل وأقطعه تلك البلاد الشرقية ، فسار إلى حلب ومعه أخوه «الملك الظّافر» ، ووصلا إلى حلب. فأرسل السّلطان أخاه «الملك العادل» ، جريدة ، في عشرين فارسا من مماليكه ، وأمره أن يردّ «الملك الأفضل» ، ويطيّب قلب «الملك المنصور» ، ويعطيه ما يريد ، فوصل «الملك العادل» ، واجتمع بالملك المنصور ، وقرّر أمره.

ثم أن السلطان جرت له أحوال مع الفرنج ، ووقعات ، ومراسلات ، يطول الكتاب بتعدادها ، إلى أن انتظم الصلح بينه وبين الفرنج ، في حادي وعشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين ، لمدة ثلاث سنين

__________________

(١) بلدة في ديار بكر يقال لها حاني أيضا. الأعلاق الخطيرة ـ قسم الجزيرة ـ ص ٧٨٨.

١٦٥

وخمسة أشهر ، على أن سلّموا إلى المسلمين «عسقلان» ، و «غزة» ، و «الدّاروم». واقتصروا من البلاد السّاحلية على ما بين «صور» و «يافا» بعد أن فتح السلطان «يافا» ، وبقي القلعة.

واتفق ملوك الجزائر من الفرنج على تمليك الساحل رجلا منهم يعرف «بالكند هري» ، وزوّجوه بنت ملكهم القديم ، التي قد استقرّ عندهم أن يجعلوها على كلّ من ملكوه (١).

وسار السّلطان من القدس إلى بيروت في شوّال ، ووصل إلى خدمته صاحب أنطاكية «الابرنس» وولده «قومص طرابلس» ؛ وخلع عليهما ، وجدّد بينه وبينهما الهدنة والعقد.

وفي سادس عشري ذي القعدة ، دخل إلى دمشق ، بعد مدّة تقارب أربع سنين. وكان «الملك الظاهر» قد ودّعه من «القدس» ، ورحل إلى حلب في شهر رمضان ، وأخبرني القاضي بهاء الدّين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم : أنه ودّعه ، ثم سيّر إليه ، واستأذنه في مراجعته في أشياء فأدخله عليه ـ وكنت حاضرا ـ ثم قال للملك الظاهر : «أوصيك بتقوى الله فإنّها رأس كلّ خير : وآمرك بما أمرك الله به ، فانه سبب نجاتك ، وأحذّرك من الدّماء والدخول فيها والتقلّد لها ، فإنّ الدم لا ينام ، وأوصيك بحفظ قلوب الرعيّة ، والنّظر في أحوالهم ، فأنت أميني وأمين الله عليهم ، وأوصيك بحفظ قلوب الأمراء ، وأرباب الدّولة

__________________

(١) انظر كتابي حطين ص ١٨٢ ـ ١٨٤.

١٦٦

والأكابر ، فما بلغت ما بلغت إلّا بمداراة النّاس ، ولا تحقد على أحد ، فانّ الموت لا يبقي على أحد ، واحذر ما بينك وبين النّاس ، فانّه لا يغفر إلّا برضاهم ؛ وما بينك وبين الله يغفره الله بتوبتك إليه ، فانّه كريم».

وفي شهر ذي القعدة ، سلّم إلى «الملك المنصور» ما كان لأبيه بالشام ، وهو «منبج ، وحماة ، وسلمية ، ومعرّة النعمان» وانقضت سنة ثمان وثمانين.

والهدنة مع الفرنج مستمرّة ، و «الملك النّاصر» بدمشق ، «والملك الظّاهر» بحلب ، والملك العزيز بمصر ، والملك الأفضل ، وهو أكبر ولد السّلطان ، معه بدمشق.

فمرض السّلطان ، في اليوم الخامس عشر ، من صفر ، بحمّى حادة ، واختلط ذهنه في السّابع ، وحبس كلامه ، وانجذبت مادّة المرض إلى دماغه ، وتوفي ـ رحمه‌الله ـ في الثّالث عشر من مرضه ، في وقت الفجر ، من يوم الأربعاء ، السّابع والعشرين من صفر ، من سنة تسع وثمانين وخمسمائة.

وليس في خزانته من المال يوم وفاته سوى دينار واحد صوري ، وسبعة وأربعين درهما نقرة (١) ، ودعوته على المنابر من أقصى حضر موت في الجنوب إلى أوائل بلاد «أرانية» (٢) في الشّمال عرضا ، ومن طرابلس الغرب إلى باب همذان طولا. ونقودها من الدّراهم والدنانير مضروبة باسمه ، وعساكرها مطيعة لأمره ، سائرة تحت لوائه. ومن جملة ملكه ديار مصر ، والشّام

__________________

(١) أي من الفضة.

(٢) أرّان اقليم مشهور بين أذربيجان وأرمينية. معجم البلدان.

١٦٧

جميعه ، والجزيرة وديار بكر ، واليمن.

تلك المكارم لا قعبان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وكان وزيره القاضي «عبد الرحيم بن علي البيساني» ، صاحب البلاغة في الكتابه.

واستقرّ ملك ابنه السلطان «الملك الظّاهر غازي بن الملك النّاصر يوسف بن أيّوب» لحلب ، والبيرة ، وكفرطاب ، وعزاز ، وحارم ، وشيرز ، وبارين ، وتلّ باشر. واستقلّ بملك حلب ، وأنعم على رعيّته ، واستمال قلوبهم بالاحسان ، وعمل بوصيّة أبيه في الأفعال الحسان ، وشارك أهل حلب في سرورهم والحزن ، وقلّد أعناقهم أطواق الانعام والمنن ، وجالس الكبير منهم والصّغير ، واستمال الجليل والحقير.

وكان ـ رحمه‌الله ـ مع طلاقة وجهه ، من أعظم الملوك هيبة ، وأشدّهم سطوة ، وأسدّهم رأيا ، وأكثرهم عطاء ، وكانت الوفود في كلّ عام تزدحم ببابه من الشّعراء ، والقرّاء ، والفقراء ، وغيرهم. وكان يوسعهم فضلا وإنعاما ، ويوليهم مبرّة وإكراما.

ولم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد «سيف الدّولة بن حمدان» ما اجتمع ببابه ـ رحمه‌الله ـ وزاد على «سيف الدولة» في الحباء ، والفضل والعطاء.

وخرج صاحب الموصل «عزّ الدّين» ، باتفاق «عماد الدّين» وصاحب

١٦٨

ماردين ، لاستنقاذ حرّان والرّها ، من يد «الملك العادل» ، في شهر ربيع الآخر من هذه السنة ؛ ونزل بدنيسر.

ونزل «الملك العادل» بحرّان ، واستنجد بعساكر «الملك الظّاهر» و «الملك الأفضل» ، فسيّر الملك الظّاهر عسكره ومقدّمة الملك المنصور بن تقيّ الدّين ، ونزل الملك العادل على سروج فافتتحها. ومرض عزّ الدّين ، وعاد إلى الموصل عن غير لقاء.

ثم نزل الملك العادل على الرّقة ، فأخذها ، وأعطاها ابن أخيه «الملك الظافر». وسار بالعساكر إلى نصيبين ، وأقطع الخابور وبلد القنا ، ثم اصطلحوا في شهر رمضان.

وكان الياروقية ومقدّمهم «دلدرم» صاحب «تلّ باشر» ، قد تكبّروا وتحامقوا على الملك الظّاهر ، وقصّروا في خدمته ، في حياة أبيه. وكانوا يعظّمون «بدر الدين دلدرم» ، ويركبون كلّهم في خدمته حتى كأنه السلطان ، وكان بأيديهم من الأقطاع خير ضياع «جبل السّماق» ، وغيرها ؛ وملك الملك الظاهر حلب ، فسلكوا معه من الحماقة ، ما كانوا يسلكون من قبل ، فاعتقل مقدّمهم «دلدرم» في قلعة حلب ، وقيّده ، وأخرج الباقين عن حلب ، وقبض أقطاعهم ، وطلب من «دلدرم» تسليم «تلّ باشر» فامتنع ، وذلك في سنة تسعين وخمسمائة.

واتّفق أن وقع خلف بين الأفضل والملك العزيز ، بسبب أميرين من النّاصرية ، أحدهما ميمون القصري ، والآخر سنقر الكبير ، وكان بأيديهما

١٦٩

عدّة من القلاع ، فاستشعرا من الملك الأفضل أن يقبضهما ، فسارا إلى مصر ، وكاشفا «الأفضل» بالعصيان.

وطلبا من العزيز الكون في خدمته على أن يذّب عما في أيديهما ، فأقطع الملك الأفضل بلادهما ، وأقطعهما الملك العزيز نابلس ـ وكانت مقطعة مع ابن المشطوب ـ فامتنع من تسليمها إليهما ، وسار إلى الملك الأفضل فوقع الشرّ بينهما بسبب ذلك.

ونزل الملك العزيز إلى دمشق ، في جمادى الآخرة ، وأقطع بلدها ، وقاتلها ، فسيّر الملك الأفضل إلى عمّه ، وأعلمه بذلك ، فسار «الملك العادل» من بلاده شرقي الفرات جريدة ، واجتمع بالملك الظاهر غازي بحلب ، وأصعده إلى قلعة حلب ، وأنزله في الدار ، التي فيها ابنة الملك العادل «غازية خاتون» ، زوجة السلطان الملك الظّاهر. وطلب من الملك الظّاهر موافقته على المسير إلى نصره الملك الأفضل ، واصلاح ما في قلوب الملكين من المضاغنة ، فوافقه على ذلك. ثم قال له الملك العادل : «انا ضيفك ، ولا بدّ للضّيف من قرى ، وأطلب أن تكون ضيافتي منك دلدرم». فأجابه إلى ذلك وأطلقه.

وكان «العلم بن ماهان» في خدمة السّلطان «الملك الظاهر» ، في محلّ الوزارة ، فأشار عليه بقبض عمّه الملك العادل ، فامتنع ، وقال : «هذا عمّي ، ومحلّه محلّ الوالد». ونزل الملك «بدلدرم» من القلعة ، فمضى في يومه إلى «تلّ باشر».

١٧٠

وصعد الملك العادل والملك الظّاهر ، إلى نصرة الملك الأفضل ، بعد أن سلّم الملك الأفضل إلى الملك الظّاهر جبلة ، واللاذقية ، وبلاطنس وأعمال ذلك كلّه ، لينصره على أخيه. واجتمع الملك العادل ، والملك الظّاهر بالملك الأفضل ، وتأخّر الملك العزيز عن دمشق.

وجرت بين الملوك الثلاثة مراسلات أفضت إلى الاتّفاق والصّلح ، على أن تكون بلاد الملك الأفضل بحالها ، وما كان بيد «ميمون» و «سنقر» ، على حاله ، ويكونان في خدمة «الملك العزيز». ووقعت الأيمان والعهود على ذلك ، في شعبان من سنة تسعين وخمسمائة.

وعاد «الملك العزيز» إلى مصر ، و «الملك الظّاهر» إلى حلب ، والملك العادل إلى الشرق.

وفي سنة إحدى وتسعين اتّصل القاضي «بهاء الدّين أبو المحاسن ، يوسف بن رافع بن تميم» بخدمة «الملك الظاهر» ، وقدم إليه إلى حلب ، وولّاه قضاء حلب ووقوفها ، وعزل عن قضائها «زين الدين أبا البيان نبأ» نائب «محيي الدّين بن الزكي» ، وحلّ عنده بهاء الدّين في رتبة الوزارة والمشورة.

ثم إنّ «الملك الأفضل» استشعر من أخيه «الملك العزيز» أن ينزل إلى دمشق ، ويحاصرها ، في سنة إحدى وتسعين ، كما فعل في السّنة الخالية ، فسار إلى «قلعة جعبر» ، واجتمع بعمّه «الملك العادل. بها ، وفاوضه في

١٧١

الوصول إليه إلى دمشق ، لينصره على الملك العزيز إن وصل إلى دمشق ، إمّا بصلح أو بغيره ، فوافقه على ذلك.

وتوجّه الملك العادل إلى دمشق ، ثم عدل الملك الأفضل إلى حلب ، إلى أخيه الملك الظاهر ، ووصل إليه حلب ، وفاوضه في انجاده على الملك العزيز ، فلم يجد عنده نيّة صادقة في الحركة معه إلى دمشق ، واشترط عليه شرائط من جملتها أن صاحب «حماة» الملك المنصور محمّد بن تقي الدّين ، وعزّ الدّين بن المقدّم صاحب «بارين» ، و «بدر الدّين دلدرم بن ياروق» ، صاحب «تل باشر» ، كانوا كلّهم في طاعته ، ومضافين إليه ، وبلادهم من جملة بلاد الملك الظّاهر ، وأنهم كانوا من جملة أصحابه ، فانحرفوا عنه ، وانضافوا إلى عمه الملك العادل.

وكان الملك العادل قد شفع إليه في دلدرم ، وأطلقه لأجله ، وضمن له عنه الطاعة والقيام بما يجب ، فانضاف إلى عمّه.

وطلب «الملك الظّاهر» أنّ الملك العادل يقوم له ، بما جرى بينه وبينه من الشرط ، وأن لا يعرض لأتباعه المذكورين.

وسار الملك الأفضل إلى دمشق ، على أن يقرّر مع عمّه ما التمسه الملك الظّاهر. فلم يتّفق للملك الظّاهر شيء مما التمسه. فعاد بالكليّة عنهما ، وأرسل إلى الملك العزيز ، يحضّه ، ويحرضه على قصدهما لأن الملك الأفضل مال إلى الملك العادل ، وألقى أموره كلّها إليه.

١٧٢

ووصلت رسل الملك العزيز إلى الملك الظّاهر ، بموافقته معه ، ومعاضدته. وحلف له الملك الظّاهر ، في شهر رجب من السّنة.

ونزل الملك العزيز ، من مصر ، في شهر رمضان ؛ والأسدية والأكراد مخامرون عليه ، والملك العادل والملك الأفضل ، قد كاتباهم ، فمالوا إليهما لتقدمة الملك العزيز الناصريّة عليهم.

وخرج الملك الظّاهر ، فنزل بقنسرين ، وعيّد بها عيد الفطر ، وعيّد الملك العزيز «بالفوّار» ، وعزم الملك العزيز على الرحيل إلى دمشق ، والنزول عليها ، ورحل أبو الهيجاء السمين والمهرانيّة ، والأسدية في رابع شوال. وساروا إلى دمشق.

ورحل الملك الظّاهر من «قنّسرين» إلى «قراحصار» ، قاصدا حصار منبج ـ وهي في يد الملك المنصور صاحب حماة ـ فلما وصل الملك الظّاهر إلى «بزاعا» ، وصله الخبر بأنّ العسكر خامر على الملك العزيز ، وأنّه رجع عن دمشق ؛ وسار الملك العادل والأفضل خلفه إلى مصر ، فعاد الملك الظّاهر إلى «قرا حصار» حتي انسلخ شوال ، ودخل حلب.

ووصله الخبر بأن الملك العادل والأفضل ، سارا خلف الملك العزيز إلى مصر ، ونزلا على «بلبيس» ، ودخل الملك العزيز إلى مصر ، واستقرّ أمره بها ، وعلم الملك العادل بأنّه لا يتمشّى أمرهما مع الملك العزيز ، فكتب إلى القاضي الفاضل ، وطلب الاجتماع به ، فألزمه الملك العزيز بالخروج إليه ، فاجتمع به ، وأصلح حاله مع الملك العزيز ، وشرط عليه أن يعفو عن

١٧٣

الأسدية. وقال للملك الأفضل : «أنا كان مقصودي الاصلاح بينكم ، وأن لا يقع على دولتكم خلل ، وقد حصل ذلك».

وتحالفوا ، وعاد الملك الأفضل ، ومعه أبو الهيجاء السمين ، وبقي الملك العادل مع الملك العزيز بمصر ، ووافقه ، فانحرف الملك الظّاهر عن الملك العزيز بذلك السبب ، ومال إلى الملك الأفضل.

وكان الملك العادل قد احتوى على الملك العزيز ، وأوقع في نفسه أن السّلطنة تكون له في بلاد الاسلام ، والخطبة والسكّة ، وكان يبلغه عن الملك الأفضل كلمات توجب الحنق عليه ، فاتّفق مع الملك العزيز على أن ينزلا جميعا إلى الشام ، لتقرير هذه القاعدة في جميع بلاد الاسلام.

فسيّر الملك الظّاهر أخاه الملك الزّاهر داود ، والقاضي بهاء الدين قاضي حلب ، وسابق الدين عثمان ، صاحب شيزر ، في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة إلى الملك العزيز ، لتسكين الفتنة ، والرجوع إلى ما فيه صلاح النيّة والموافقة بين الأهل.

فوصلوا والملك العادل ، والملك العزيز ، قد خرجا مبرزين إلى «البركة» في ربيع الأول من السّنة ، وأعادوا الرسل بغير زبدة ، فعرفوا الملك الأفضل في اجتيازهم عليه ، بما قد عزم الملك العزيز ، والملك العادل عليه ، من إقامة الخطبة والسكّة للملك العزيز ، وتعجّب من نقضهما الهدنة معه.

ولمّا وصلوا إلى حلب ، راسل الملك الظّاهر أخاه الأفضل ، في تحديد الصلح بينهما ، وتحالفا على المعاضدة والمناصرة. ووصل إلى الملك الظّاهر من

١٧٤

الأمراء : علم الدين قيصر الناصري ، أمير جاندار أبيه الملك الناصر ، فأقطعه اللاذقية ؛ وأخذها من ابن السّلار. وسيّر العلم بن ماهان ، ليعتبر ما في قلعتها ويسلّمها إلى قيصر ، ويجعل الأجناد فيها على حالهم ، ويحلّفهم للسلطان الملك الظّاهر.

وكان العلم بن ماهان ، إذ ذاك عند الملك الظّاهر في محلّ الوزارة ، فلما وصل إليها ، ودخل قلعتها طمع بالّلاذقية ، وحدثته نفسه بالعصيان ، واستحلف الأجناد لنفسه ، وخالفه بعضهم ، وامتنعوا ، وكتبوا إلى «الملك الظّاهر» ، وقبضوا على ابن ماهان. فسارع الملك الظّاهر ، وخرج إلى الّلاذقيّة ، وصعد إلى القلعة ، وأحضر ابن ماهان وقطع يده ، وقلع عينه ، وقتل غلاما من خواصّه ، وقطع لسان البدر بن ماهان قرابته وأذنية ، وسلخ العامل النصراني الذي كان بها.

واحتوى على جميع ما كان لابن ماهان ، وفرّقه ، ودخل إلى حلب وهو معه ، فأركبه حمارا مقلوبا ، وعلى رأسه خفّ امرأة ، ويده معلّقة في عنقه. وطيف به على تلك الحال ، ولطم بالدرّة ، ثم صعدوا به إلى القلعة ، فالتقاه «ابن منيفة» بوّابها ، وقال له : «أريد حقي منك». وأخذ نعله من رجله ، ولطمه به لطما كثيرا ، وحبس في القلعة.

وتحدّث بعض النّاس أن الملك الظّاهر أراد أن يرجع عن إقطاع قيصر الّلاذقية ، فكتب إلى ابن ماهان يأمره بالعصيان ، ثم التزم بما فعل ، ولم يظهر صحة ذلك.

١٧٥

ولما دخل السلطان الملك الظّاهر من الّلاذقية ، سيّر عسكرا من عسكر حلب ، نجده لأخيه الملك الأفضل ، ووصل الملك العزيز والملك العادل ، فنزلا على دمشق ، وحصراها ، وتسلّمها الملك العزيز بمخامرة أوجبت دخول الملك العادل من «باب توما» ، والملك العزيز من باب «الفرج».

وخرج الملك الأفضل من القلعة ، وعوّض عن دمشق بصرخد ، فسار إليها ، ووصل «الملك الظافر» إلى أخيه «الملك الظاهر» إلى حلب ، فأكرمه ، واحتفل به ، وذلك في شعبان من سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.

وشرع «الملك الظاهر» في حفر الخنادق بحلب وتحصينها ، وسيّر القاضي بهاء الدّين ، وغرس الدّين قلج ، إلى الملك العزيز ، يطلب موافقته ، وكان قد رحل إلى مصر ، وأبقى الملك العادل بدمشق.

وخرج «الملك الظاهر» إلى «مرج دابق» ، وأقام بها ، وأظهر أن صاحب «مرعش» عاث في بلد «رعبان» ، وسيّر يقدمه عسكره إلى «عين تاب» ، فخاف صاحبها حسام الدّين بن ناصر الدّين ، وحفظ القلعة.

ونزل العسكر في الربض مظهرين أن لا غرض لهم في حصار القلعة ، بل لشدّة البرد والثلج. ثم أظهر أن صاحب مرعش سيّر إلى «الملك الظاهر» ، واعتذر ، وانقاد إلى طاعته ، وحلف له.

فرحل السّلطان إلى «الراوندان» ، وأقام بها ثلاثة أيام ، ورحل إلى «عزاز» ليلا ، وهي في أيدي نواب الأمير «سيف الدّين بن علم الدّين عليّ بن سليمان بن جندر» ، وكان مريضا بحلب ، فأراد السّلطان أن يصعد

١٧٦

إلى القلعة من شدّة المطر ، فمنعه من في القلعة أن يطلع إلّا باذن «سيف الدّين» ، فسار إلى «دربساك» وبها «ركن الدين الياس» ابن عمّ «سيف الدين» ، فقبض عليه.

وعاد إلى حلب مغضبا ، ودخل إلى دار سيف الدّين بنفسه ، وأخذه في محفّة ، وسيّره إلى «عزاز» ليسلمها ، ووكّل به «حسام الدّين عثمان بن طمان» ، فوصل معه إليها وسلّمها إلى نواب السّلطان «الملك الظاهر» ، وعادوا به إلى حلب.

ولما جرى على سيف الدين ذلك ، وكانت «دربساك» معه ، وفيها ماله ونوّابه ، وبها جماعة من أسرى الفرنج ، فأعملوا الحيلة ، وكسروا القيود ، وفتحوا خزانة السلاح ، ولبسوا العدد ، وقاموا في القلعة ، فاحتمى الوالي في القلعة مع جماعة من الأجناد ، والقتال عليهم. فعلم الملك الظاهر ، بذلك ، فخرج مجدّا في السير حتى وصل «درب ساك» ، فوجد الوالي قد انتصر على الأسرى ، وقتلهم.

وعاد السلطان إلى «حارم» ، ثم دخل إلى حلب ، فأقام حتى تقضّت سنة اثنتين وتسعين. ووصله القاضي «وقلج» بجواب الملك العزيز ، بانتظام الصلح بينه وبينه.

ورحل الملك العادل إلى بلاده الشرقية ، ووصل ابنه «الملك الكامل محمد» إلى حلب ، زائرا ابن عمه الملك الظّاهر ، وكان قد طلبه من أبيه ليزوره ، فالتقاه الملك الظاهر ، وأحسن ضيافته ثم سار إلى أبيه.

١٧٧

وعصى «سربك» «برعبان» على الملك الظّاهر ، وقد كانت في يده ، عوّضة بها عن «حارم» وكان من مماليك أبيه الشجعان ، فأظهر الملك الظّاهر أنّه يخرج إلى الغزاة ، وخرج إلى «قنّسرين» ، ثم عطف من غير أن يعلم أحد حتى وصل إلى «رعبان» ، فنزل عليها ، وأقام أياما لا يقاتلها ، في شهر رمضان ، من سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.

واستغل بلدها ، فلبس «سربك» سلاحه ، وركب ، وحوله جماعة ، قد لبسوا ، وفتح باب القلعة ، ونزل إلى السّلطان ، والتمس منه العفو فعفا عنه. وردّ «رعبان» إليه ، وسار إلى حلب ، فأقام بها إلى أول ذي الحجة من سنة ثلاث وتسعين.

وكان الملك العادل قد سار إلى حلب ، فأقام بها إلى أول ذي الحجة من سنة ثلاث وتسعين.

وكان الملك العادل قد سار إلى «الغور» لحركة الفرنج ، واستصحب معه نجدة من الملك الظّاهر ، فوصلت رسله إلى السّلطان الملك الظاهر ، يخبره أن الفرنج قد عزموا على قصد جبلة واللّاذقية فخرج الملك الظاهر إلى «الأثارب» ، وسيّر الحجّارين والزرّاقين ، لهدم حصني جبلة والّلاذقية.

وسار «المبارز أقجا» لهدم «جبلة» ، فهدموا سورها ودورها ، وأجلى أهلها منها.

وسار غرس الدين قلج ، وابن طمان ، لهدم الّلاذقية ، فنقبوا القلعة ، وعلّقوها ، ورفعوا ذخائرها ، وهدموا المدينة ، وذهب أهلها ،

١٧٨

وبقي العسكر منتظرا وصول العدوّ ، ليلقوا النار في الأخشاب المحشوّة في الأنقاب ، فلم يصل أحد منهم.

وجاء البرنس في البحر تحت «المرقب» ، وطلب غرس الدّين وابن طمان فوصلا إليه ، وكلّماه على جانب البحر ، فأشار عليهما بأن لا تهدم الّلاذقية ، وأخبرهما أن الفرنج فتحوا «صيدا» و «بيروت» ، وعادوا إلى «صور».

فسيّرا وأعلما السلطان وهو «بريحا» (١) ، فأمر ببناء ما استهدم منها ، وسار إلى «حارم» ، فوصلها في محرّم سنة أربع وتسعين. وأقام بها مدّة ، ثم رحل إلى الّلاذقية ، فعمّرها وعمّر ضياعها ، وتوجه إلى حلب.

وتوفّي غرس الدّين قلج ، فعصى أولاده بالقلاع التي كانت بيده ، وهي : دركوش» ، و «الشغر» ، و «بكاس» ، و «شقيف الروج» ، وامتنعوا من تسليمها إلى الملك الظاهر ، فخرج إليها ، ونازلها ، وأخذ عليها النقوب ، واستنزلهم منها ، وصفح عن جرمهم ، وأجرى لهم المعيشة السنيّة ، وتقدّم عنده منهم : سيف الدين عليّ بن قلج.

__________________

(١) أرجح أنه قصد هنا أريحا جبل السماق ، لا أريحا فلسطين ، وتتبع بلدة أريحا الآن محافظة أدلب ، وتبعد عنها مسافة ١٣ كم وعن المعرة ٢٠ كم ، و ٦٠ كم عن جسر الشغور (الشغر).

١٧٩

ودخلت سنة خمس وتسعين

ومات الملك العزيز بمصر ، واختلف أمراؤها ، فمال الأسديّة إلى الملك الأفضل والناصريّة إلى الملك العادل. وانقاد الناصريّة على نيّات غير موافقة ، واستدعوا الملك الأفضل ، فسار من «صرخد» إلى مصر ودخلها ، وتلقّاه إخوته على مرحلتين منها ، واستوثقوا منه بالأيمان ، على أن يكون كافلا للملك المنصور «محمد بن الملك العزيز» ومربّيا له.

وخرج الجحاف ، وجهاركس ، إلى «ميمون» إلى القدس ، فقيّد «الملك الأفضل» أخاه «الملك المؤيّد» وجماعة من الأمراء كاتبوا «الملك العادل» ، وأرسل الملك الظّاهر وزيره نظام الدين أبا المؤيد محمد بن الحسين ، إلى أخيه الملك الأفضل ، مهنئا له بولاية مصر ، فأقام عنده مدّة ، والرسل تتردّد إليه من «الملك الظّاهر» في الاتفاق على الملك.

وكان الملك العادل ، إذ ذاك محاصرا «ماردين» ، وقد أشرف على أخذها ، فسار الملك الأفضل إلى دمشق ، وخرج الملك الظاهر إلى

١٨٠