زبدة الحلب من تاريخ حلب - ج ٢

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]

زبدة الحلب من تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]


المحقق: الدكتور سهيل زكار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

الاسلامية من الموصل ، والشّرق ، ومصر ، والشّام ، «بعشترا» ، بعد أن أتته الأخبار أن البرنس «أرناط» يريد الخروج على الحاجّ ، فأقام قريبا من «الكرك» مشغلا خاطره ، ليلزم مكانه إلى أن وصل الحاج ، وتقدّم إلى الكرك ، وبثّ سراياه ، فنهبوا بلدها وبلد «الشوبك» ، وخربوه.

وأرسل إلى ولده الملك الأفضل ، فأخذ قطعة من العسكر ، فدخل إلى بلد عكا ، فأخربوا ونهبوا ، وخرج إليهم جمع من الداوية والاسبتاريّة ، فظفروا بهم ، وقتل منهم جماعة ، وأسر الباقون ، وقتل مقدّم الاسبتار.

وعاد السّلطان إلى العسكر ، وعرض العسكر قلبا وجناحين ، وميمنة وميسرة ، وجاليشيّة وساقة ، وعرّف كلّا منهم موضعة ، وسار على تعبئة ، فنزل «بالأقحوانة» (١) بالقرب من طبرية ، وكان القمص صاحبها (٢) قد انتمى إلى السّلطان ، لخلف جرى بينه وبين الفرنج. فأرسل الفرنج إليه البطرك والقسوس والرّهبان ، وتهدّدوه بفسخ نكاح زوجته ، وتحريمه ، فاعتذر ، وتنصّل ، ورجع عن السّلطان إليهم ، ثم ساروا كلّهم بجموعهم إلى «صفّورية» (٣).

فرحل السّلطان ، يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر ، وخلّف طبرية ورآء ظهره ، وصعد جبلها ، وتقدّم إلى الفرنج ، فلم يخرجوا من

__________________

(١) بوادي الأردن قرب عقبة أفيق. معجم البلدان.

(٢) كانت طبرية لزوجة القمص ـ الكونت ـ ريموند الثالث صاحب طرابلس.

(٣) على بعد ٧ كم غرب مدينة الناصرة. معجم بلدان فلسطين.

١٤١

خيمهم ، فنزل ، وأمر العسكر بالنّزول ، فلما جنّة اللّيل ، جعل في مقابلة الفرنج من يمنعهم من القتال ، ونزل إلى طبريّة جريدة ، وقاتلها ، وأخذها في ساعة من نهار ، ونهبوا المدينة وأحرقوها.

فلما سمع الفرنج بذلك ، تقدّموا إلى عساكر المسلمين ، فعاد السّلطان إلى عسكره ، والتقى الفريقان ، وجرى بينهما قتال ، وفرّق بينهما اللّيل ، وطمع المسلمون فيهم ، وباتوا يحرّض بعضهم بعضا.

فلما كان صباح السّبت لخمس بقين من الشهر ، طلب كل من الفريقين موضعه ، وعلم المسلمون أنّ «الأردنّ» من ورآئهم ، وبلاد القوم بين أيديهم ، فحملت العساكر الاسلاميّة من الجوانب ؛ وحمل القلب ، وصاحوا صيحة واحدة ، فهرب القمص في أوائل الأمر نحو «صور» ، وتبعه جماعة من المسلمين ، فنجا وحده ، فلم يزل سقيما حتى مات في رجب.

وأحاط بالباقين من كلّ جانب ، فانهزمت منهم طائفة ، فتبعها المسلمون فلم ينج منهم أحد. واعتصمت الطائفة الأخرى بتلّ حطّين ـ وحطّين : قرية عندها قبر شعيب عليه‌السلام ـ فضائقهم المسلمون على التلّ ، وأوقدوا النيران حولهم ، فقتلهم العطش ، وضاق الأمر بهم حتّى استسلموا للأسر ، فأسر مقدّموهم وهم : الملك كي (١) ، والبرنس أرناط صاحب الكرك وأخو الملك ، وابن الهنفري ، وأولاد الست (٢) ، وصاحب

__________________

(١) صحف بالأصل إلى «جفري».

(٢) صاحبة طبريا.

١٤٢

جبيل ، ومقدّم الداويّة ، ومقدّم الاسبتار ، وأمم لا يقع عليها الإحصاء ، حتى كان الرّجل المسلم يقتاد منهم عشرين فرنجيا ، في حلقهم حبل.

وأسروا من المصافّ ، ومن بلاد الفرنج أكثر من ثلاثين ألفا من الفرنج ، ما بين رجل ، وامرأة ، وصبيّ ، وقتل من المقدّمين وغيرهم خلق لا يحصى ؛ ولم يجر على الفرنج منذ خرجوا إلى السّاحل مثل هذه الوقعة.

وكان من جملة الغنيمة في يوم المصاف صليب الصّلبوت ، وهو قطعة خشب مغلّفة بالذّهب ، مرصّعة بالجوهر ، يزعمون أنّ ربّهم صلب عليها ، وضربت في يديه المسامير ، أحضروه معهم المصاف تبرّكا به ، ورفعوه على رمح عال.

فأمّا مقدّم الداويّة والاسبتار ، فاختار السّلطان قتلهم فقتلوا ، وأما الملك «كي» ، فإنّه أكرمه ، وجلس له في دهليز الخمية ، واستحضره ، وأحضر معه «البرنس أرناط» ، وناول الملك «كي» شربة من جلّاب بثلج ، فشرب منها وكان على أشدّ حال من العطش ، ثم ناول الملك بعضها «ابرنس أرناط» ، فقال السّلطان للتّرجمان : «قل للملك : أنت الّذي سقيته ، وإلّا ما سقيته أنا». وأراد بذلك عادة العرب أنّ الأسير إذا أكل أو شرب ممّن أسره أمن.

وكان السّلطان قد نذر مرّتين إن أظفره الله به أن يقتله : إحداهما لما أراد المسير إلى مكّة والمدينة ، وبعثرة قبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمرّة الأخرى أنّ السّلطان كان قد هادنه ، وتحالفا على أمن القوافل

١٤٣

المتردّدة من الشّام إلى مصر ، فاجتاز به قافلة عظيمة ، غزيرة الأموال ، كثيرة الرّجال ، ومعها جماعة من الأجناد ، فغدر بهم الملعون ، واخذهم وأموالهم وقال لهم : «قولوا لمحمد يجيء ينصركم» ، فبلغ ذلك السّلطان وسيّر إليه ، وهدّده ، ولامه ، وطلب منه ردّها فلم يجب ، فنذر أن يقتله متى ظفر به.

فالتفت السّلطان إلى «ارناط» ، وواقفه على ما قال ، وقال له : «ها أنا أنتصر لمحمد». ثم عرض عليه‌السلام ، فلم يفعل. فسلّ السيف ، وضربه به ، فحلّ كتفه ، وتمّم عليه من حضر ، وأخذ ورمي على باب الخيمة.

فلما رآه الملك على تلك الصّورة لم يشكّ في أنّه يثنّي به ، فاستحضره ، وطيّب قلبه ، وقال : «لم تجر عادة الملوك أنّهم يقتلون الملوك ، ولكنّ هذا طغى ، وتجاوز حدّة فجرى ما جرى».

ثم إنّ السّلطان أصبح يوم الأحد ، الخامس والعشرين ، فنزل على «طبرية» ، وتسلّم قلعتها بالأمان من صاحبتها ثم رحل منها يوم الثلاثاء إلى «عكّا» ، فنزل عليها يوم الأربعاء سلخ الشّهر ، وقاتلها يوم الخميس مستهلّ جمادى الأولى ، فأخذها ، واستنقذ منها أربعة آلاف أسير من المسلمين ، وأخذ جميع ما فيها ، وتفرّق العسكر.

وفتح بعدها : قيسارية ، ونابلس ، وحيفا ، وصفّورية ، والناصرة ، والشقيف ، والفولة ، فأخذوها ، واستولوا على سكّانها ، وأموالها.

ورحل السّلطان من عكّا إلى «تبنين» ، وقاتلها ، وفتحها يوم الأحد

١٤٤

ثامن عشر جمادى الأولى ، ثم رحل منها إلى «صيدا» فتسلّمها يوم الأربعاء العشرين منه ، ثم سار إلى «بيروت» ، ففتحها في التاسع والعشرين منه ، ثم سلّمت «جبيل» إلى أصحابه وهو على بيروت.

ثم سار إلى «عسقلان» ، ونازلها يوم الأحد السادس عشر من جمادى الآخرة ، وتسلّمها يوم السبت سلخ جمادى الآخرة ، بعد أن تسلّم في طريقه مواضع «كالرّملة» «ويبنا» (١) و «الدّاروم». وأقام على عسقلان ، وتسلّم أصحابه غزة ، وبيت جبرين ، والنّطرون ، وبيت لحم ، ومسجد الخليل عليه‌السلام.

وسار إلى «بيت المقدس» ، فنزل عليه الأحد الخامس عشر من شهر رجب من سنة ثلاث وثمانين ، فنزل بالجانب الغربي ، وكان مشحونا بالمقاتلة من الخيّالة والرجّالة ، وكان عليه من المقاتلة ما يزيد على ستّين ألفا غير النسآء والصّبيان ، ثم انتقل إلى الجانب الشمالي ، يوم الجمعة العشرين من شهر رجب ونصب عليه المنجنيقات ، وضايقه بالزّحف ، والقتال ، وكثرة الرّماة ، حتى أخذ النّقب في السّور ، مما يلي «وادي جهنّم» ، في قرنة شمالية.

ولمّا رأوا ذلك وعلموا أن لا ناصر لهم ، وأنّ جميع البلاد التي افتتحها السّلطان صار من بقي من أهلها إلى «القدس» ، خرج عند ذلك إليه ابن

__________________

(١) كانت يبنا من اقطاعيات الفرنجة الهامة ، وهي تبعد ٧ كم عن البحر وكانت قبل عام ١٩٤٨ محطة قطار بين فلسطين ومصر ، معجم بلدان فلسطين.

١٤٥

بارزان (١) ، ملقيا بيده ، ومتوسطا لأمر قومه ، حتّى استقرّ مع السّلطان خروج الفرنج عنها بأموالهم وعيالهم ، وأن يؤدّوا الأمانة ، يؤدّوا عن كلّ رجل منهم عشرة دنانير ، وعن كلّ امرأة خمسة دنانير ، وعن كلّ طفل لم يبلغ الحلم دينارين. ومن عجز عن ذلك استرق ، فبلغ الحاصل من ذلك عن من خرج منهم مائتين وستّين ألف دينار صوريّة ، واسترقّ بعد ذلك منهم نحو ستّة عشر ألفا.

وكان السّلطان قد رتّب في كلّ باب أميرا أمينا لأخذ ما استقرّ عليهم ، فخانوا ، ولم يؤدّوا الأمانة ، فانه كان فيه ، على التّحقيق ، العدّة التي ذكرناها ، وأطلق «ابن بارزان» ثمانية عشر ألف رجل من الفقراء ، وزن عنهم ثلاثين ألف دينار.

وتسلّم القدس في يوم الجمعة السابع والعشرين ، من شهر رجب ، وأقيمت صلاة الجمعة فيه ، في الجمعة التي تلي هذه ، وهي رابع شعبان.

وخطب بالناس محيي الدّين بن زكيّ الدين ـ وهو يومئذ قاضي حلب ـ وأزيلت الصلّبان من قبّة الصخرة ، ومحراب داود ، وأزيل ما كان بالمسجد الأقصى من حوانيت الخمّارين ، وهدمت كنائسهم والمعابد ، وبنيت المحاريب والمساجد.

وأقام السّلطان على «القدس» ، ثم رحل عنه ، في الخامس والعشرين

__________________

(١) أنظر كتابي حطين ـ ط. دمشق ١٩٨٤ ص ١٦٧.

١٤٦

من شعبان ، فنزل على صور بعد أن قدم عليه ولده «الملك الظّاهر» ، من حلب في ثامن عشر شهر رمضان ، قبل وصوله إليها.

وكان نزوله على «صور» في ثاني عشرين من شهر رمضان ، وضايقها ، وقاتلها ، واستدعى أسطول مصر ، فكانت منه غرّة في بعض اللّيالي ، وظنّوا أنه ليس في البحر من يخافونه ، فما راعهم إلّا ومراكب الفرنج من «صور» قد كبستهم ، واخذوا منهم جماعة ، وقتلوا جماعة ، فانكسر نشاط السّلطان ، ورحل عنها في ثاني ذي القعدة ، وأعطى العساكر دستورا ، وساروا إلى بلادهم (١).

وأقام هو بعكا ، إلى أن دخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة ، وكان من «بهونين» (٢) قد أرسلوا إلى السّلطان ، وهو «بصور» ، فأمّنهم ، وسيّر من تسلّمها ، وسار السّلطان ، فنزل على حصن «كوكب» (٣) في أوائل المحرم من هذه السنة ، وكان قد جعل حولها جماعة يحفظونها من دخول قوة ، فأخذ الفرنج غرّتهم ليلا ، وكبسوهم بعفربلا (٤) وقتلوا مقدّمهم «سيف الدّين» أخا «الجاولي» ، فسار السلطان ، ونزل عليها بمن كان قد بقي من خواصّه بعكا ، وكان ولده «الملك الظّاهر» قد عاد عنه إلى حلب ، وعاد أخوه «الملك

__________________

(١) انظر كتابي حطين ص ١٧٠ ـ ١٧١.

(٢) هونين الآن في جنوب لبنان.

(٣) كوكب قلعة على الجبل المطل على مدينة طبرية حصينة رصينة. معجم البلدان.

(٤) سلف أن نقلنا عن ياقوت أن عفربلا : بلد بغور الأردن قرب بيسان وطبرية.

١٤٧

العادل» إلى مصر ، فحصره ، ثم رأى أنه حصن منيع ، فرحل عنه وجعل عليه قايماز النجمي محاصرا.

وسار إلى دمشق ، ثم سار من دمشق في النّصف من ربيع الأول إلى حمص ، فنزل على بحيرة «قدس» (١) ، ووصل إليه «عماد الدّين زنكي» صاحب سنجار ، وتلاحقت به العساكر ، واجتمعت عنده ، فنزل على تلّ قبالة «حصن الأكراد» ، في مستهل ربيع الآخر ، وسيّر إلى الملك الظاهر إلى حلب وإلى «الملك المظفر» ، بأن يجتمعا وينزلا «بتيزين» قبالة «انطاكية» لحفظ ذلك الجانب ، فسارا حتى نزلا «تيزين» في شهر ربيع الآخر وتواصلت إليه العساكر في هذه المنزلة.

ثم رحل يوم الجمعة رابع جمادى الأولى ، على تعبئة لقاء العدو ، ودخل إلى بلاد العدو ، وأغار على «صافيتا» و «العريمة» وغير ذلك من ولاياتهم ، ووصل إلى «انطرطوس» (٢) في سادس جمادى الأولى فوقف قبالتها ، ونظر إليها ، وسيّر من ردّ الميمنة ، وأمرها بالنزول على جانب البحر ، وأمر الميسرة بالنزول على البحر ، من الجانب الآخر ، ونزل في موضعه ، وأحدقت العساكر بها من البحر إلى البحر ، وزحف عليها ، فما استتمّ نصب الخيم حتى صعد الناس السور ، وأخذها بالسيف ، وغنم العسكر جميع ما بها ، وخرب سور البلد.

__________________

(١) هي بحيرة قطينة الحالية.

(٢) هي مدينة طرطوس الحالية.

١٤٨

وسار إلى حلب ، فوصل إليه ولده «الملك الظّاهر» في أثناء الطريق ، بالعساكر التي كانت «بتيزين». ووصل إلى «جبلة» في ثامن عشر يوم الجمعة ، فما استّم نزول العسكر حتى تسلّم البلد ، سلّمها إليه قاضيها وأهلها ، وكانوا مسلمين تحت يد الفرنج ، فعملوا عليها وسلّموها وبقيت القلعة ممتنعة ، وقاتل القلعة ، فسلّمت بالأمان يوم السبت تاسع عشر الشهر.

وسار عنها إلى «الّلاذقية» ، فنزل عليها يوم الخميس رابع عشري جمادى الأولى ، ولها قلعتان ، فقاتلها ، وأخذ البلد ، وغنموا منه غنيمة ، وفرّق اللّيل بين الناس ، وأصبح المسلمون يوم السبت ، واجتهدوا في قتال القلعتين ، ونقبوا في السور مقدار ستّين ذراعا ، فأيقن الفرنج بالعطب ، فطلبوا الأمان ، يوم الجمعة الخامس والعشرين من جمادى الأولى ، وسلموها يوم السبت.

ورحل عن الّلاذقيّة ، يوم الأحد ، فنزل على صهيون (١) ، ونزل عليها يوم الثلاثاء تاسع عشري جمادى الأولى ، واستدار العسكر حولها ، واشتدّ القتال عليها من جميع الجوانب ، فضربها منجنيق ولده «الملك الظاهر» ، حتى هدم قطعة من سورها تمكّن الصاعد الصعود منها ، وزحف عليها السّلطان بكرة الجمعة ، ثاني جمادى الآخرة ، فما كان إلّا ساعة حتى ارتقى

__________________

(١) غير اسمها ، برغم صحته بالعربية إلى قلعة صلاح الدين ، فصهيون اسم مشتق من الصهوة ، وصهوة الجبل أعلاه.

١٤٩

المسلمون على أسوار الربض ، فهجموه ، فانضم أهله إلى القلعة ، فقاتلهم المسلمون فصاحوا : الأمان ، وسلّموها على صلح القدس.

وأقام السلطان بها حتى تسلم عدّة قلاع ، «كالعيد» و «قلعة الجماهريين» و «حصن بلاطنس». ثم رحل ونزل على بكاس (١) ؛ وهي قلعة حصينة ، من أعمال حلب على جانب العاصي ، ولها نهر يخرج من تحتها ـ يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة على شاطىء «العاصي» ، وصعد السلطان جريدة إلى القلعة ، وهي على جبل مطل على العاصي ، فأحدق بها من كل جانب ، وقاتلها قتالا شديدا بالمنجنيقات والزحف ، وفتحها يوم الجمعة تاسع جمادى الآخرة عنوة ، وأسر من كان بقي فيها ، وغنم جميع ما كان فيها. وكان لها قلعة تسمى «الشّغر» قريبا منها يعبر من إحداهما إلى الأخرى بجسر ، فضربها بالمنجنيقات إلى أن طلبوا الأمان ، ثم سلمها أهلها بعد ثلاثة أيام ، يوم الجمعة سادس عشر الشهر ، ثم عاد السلطان إلى الثقل ، وسيّر ولده الملك الظّاهر إلى قلعة تسمى «سرمانية» يوم السبت ، فقاتلها قتالا شديدا ، وتسلّمها يوم الجمعة ثالث عشري الشّهر المذكور.

واتفق له هذه الفتوحات المتتابعة كلها في أيام الجمع ، وكذلك القدس يوم الجمعة.

ثم سار السلطان جريدة إلى «حصن برزية» وهو الذي يضرب به المثل في الحصانة ، ويحيط به أودية من سائر جوانبه ، وعلوها خمسمائة ذراع ونيف

__________________

(١) انظر النوادر السلطانية لابن شداد ـ ط. القاهرة ١٩٠٣ ص ٦٠ ـ ٦١.

١٥٠

وسبعون ذراعا ، فتأمله وقوّى عزمه على حصاره ، واستدعى الثقل وبقية العسكر ، يوم السبت رابع عشري جمادى الآخرة. فنزل الثقل تحت الجبل.

وفي بكرة الأحد صعد السّلطان جريدة ، مع المقاتلة ، والمنجنيقات ، وآلات الحصار إلى الجبل ، فأحدق بالقلعة ، وركب المنجنيقات عليها فقاتلها ليلا ونهارا ، ثم قسم العسكر على ثلاثة أقسام ؛ يوم الثلاثاء ، ورتب كل قسم يقاتل شطرا من النهار ، بحيث لا يفتر القتال عليها.

وحضرت نوبة السّلطان ، فتسلّمها بنفسه ، وركب ، وصاح في النّاس ، فحملوا حملة الرجل الواحد ، وطلعوا إلى الأسوار ، وهجموها عنوة ، ونهبوا جميع ما فيها ، وأسروا من كان فيها ، وعاد السلطان إلى الثقل ، وأحضر صاحبها ومعه من أهله سبعة عشر نفرا ، فرّق له السّلطان ، وأطلقه مع جماعته ، وأنفذهم إلى صاحب «انطاكية» ، استمالة له ، فإنهم كانوا من أهله (١).

ثم سار السّلطان حتى نزل على «درب ساك» ، يوم الجمعة ثامن شهر رجب من السنة ، فقاتلها قتالا شديدا بالمنجنيقات ، وأخذ النقب تحت برج منها ، فوقع ، وحماه الفرنج بالرّجال ، ووقفوا فيه يحمونه عن كلّ من يروم الصعود فيه ، وجعلوا كلّما قتل منهم واحدا أقاموا غيره مقامه ، عوضا عن السّور.

__________________

(١) من الواضح أن مصدر ابن العديم هو ابن شداد ، لأنه كان من شيوخه ـ انظر النوادر السلطانية ص ٦١ ـ ٦٢.

١٥١

ثم طلبوا الأمان على أن ينزلوا بأنفسهم وثيابهم لا غير ، بعد مراجعتهم أنطاكية ، وتسلّمها السّلطان ، يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رجب ، وأعطاها علم الدين سليمان بن جندر.

وسار عنها بكرة السبت ، ثالث عشري الشّهر ، ونزل في مرج «بغراس» ، وأحدق بعض العسكر «ببغراس» ، وأقام (١) يزكا على باب أنطاكية بحيث لا يشذ عنه من يخرج منها ، وقاتل البلد مقاتلة شديدة حتى طلبوا الأمان ، وشرطوا استئذان أنطاكية ، وتسلّمها في ثاني شعبان من السنة (٢).

وفي ذلك اليوم عاد إلى الخيم ، وراسله أهل «أنطاكية» في طلب الصلح فصالحهم ، لشدّة ضجر العسكر ، وقلق عماد الدّين ـ صاحب سنجار ـ لطلب العود إلى بلاده ، واستقرّ الصّلح بينه وبين صاحب أنطاكية على أنطاكية لا غير ، دون غيرها من بلاد الفرنج ، على أن يطلقوا جميع أسرى المسلمين الذين عندهم ، وأن يكون ذلك إلى سبعة أشهر ، فإن جاءهم من ينصرهم وإلّا سلّموا البلد إلى السّلطان.

وطلبه ولده «الملك الظاهر» أن يتوجه معه إلى حلب ، فسار معه إليها ، ودخلها في حادي عشر شعبان ، وأقام بقلعتها ثلاثة أيام في ضيافة «الملك الظّاهر» ، وأنعم «الملك الظاهر» على جماعة كثيرة من عسكره ،

__________________

(١) اليزك : الطلائع.

(٢) انظر النوادر السلطانية ص ٦٢ ـ ٦٣.

١٥٢

فأشفق السّلطان عليه ، وسار من حلب في رابع عشر شعبان ، فوصل دمشق قبل دخول شهر رمضان.

فسار في أوائل شهر رمضان حتى نزل «صفد» ، ونصب عليها المناجيق ، وداومها بالقتال حتى تسلّمها بالأمان في رابع عشر شوال ، وكان أصحابه الذين جعلهم على حصار «الكرك» لازموا الحصار هذه المدّة العظيمة ، وصابرهم من بها من الفرنج ، حتى فنيت أزوادهم وذخائرهم ، وأكلوا دوابّهم ، فراسلوا أخا السّلطان «الملك العادل» ـ وكان قريبا منهم ، منازلا بعض القلاع ـ فطلبوا منه الأمان فأمّنهم وتسلّمها ، وتسلّم أيضا «الشوبك» ، وغيرها من القلاع التي تجاورها.

ثم سار السّلطان من «صفد» إلى «كوكب» (١) ، فنزل على سطح الجبل ، وأحدق العسكر بالقلعة ، وضايقها بالقتال ، حتى تمكّن النّقب من سورها ، فطلب أهلها الأمان فتسلّمها في النّصف من ذي القعدة (٢).

وسار بعد ذلك بمدّة إلى «بيت المقدس» فدخله يوم الجمعة ثامن ذي الحجة ، وسار إلى «عسقلان» مودعا أخاه «الملك العادل» وكان متوجها إلى مصر ، فأخذ من أخيه عسقلان ، وأعطاه «الكرك».

وتوجّه لتفقد البلاد السّاحلية ـ ودخلت سنة خمس وثمانين وخمسمائة ـ وهو بعكا. وتوجّه إلى دمشق فدخلها مستهل صفر.

__________________

(١) تعرف أيضا باسم كوكب الهوا وهي قرية إلى الشمال من بيسان. معجم بلدان فلسطين.

(٢) انظر المحاسن اليوسفية ص ٦٣ ـ ٦٥.

١٥٣

ثم توجه في الثالث من شهر ربيع الأول ، إلى «مرج فلوس» (١) محاصرا «لشقيف أرنون» (٢) ورحل من «مرج فلوس» فأتى «مرج عيون» ـ وهو قريب من شقيف أرنون ـ في سابع عشر ربيع الأول.

وضاق على الفرنج المجال ، وقلّت أزوادهم. فنزل «أرناط» صاحب الشقيف إليه ـ وكان عظيما فيهم ذا رأي ودهاء ـ فأظهر الطاعة والمودة للسّلطان ، ووعده بتسليم المكان وقال : «أريد أن تمهلني حتى أخلّص أولادي وأهلي من الفرنج ، وأسلم اليك الحصن ، وتعطيني موضعا أسكن فيه بدمشق ، وأقطاعا يقوم بي وبأهلي ، وتمكنني الآن من الاقامة بالشقيف ، حتى أخلّص أولادي» ، فأجابه السلطان إلى ذلك ، وجعل يتردّد إلى خدمته.

وكانت الهدنة بين أنطاكية وبينه قد قرب وقتها ، وخاطره مشغول بذلك ، وقد سيّر إلى تقي الدين أن يجمع من يقارب تلك الناحية من العساكر ، ويكون بازاء «أنطاكية».

وبلغه أيضا أن الفرنج قد تجمعوا «بصور» في جموع عظيمة ، وكان الأمر قد استقرّ مع «ارناط» أن يسلّم اليه «الشقيف» ، في جمادى الآخرة ، وهو مقيم «بمرج عيون» ينتظر الميعاد ، و «ارناط» في هذه المدّة يشتري الأقوات من سوق المسلمين ، ويقوي الشقيف ، والسّلطان يحسن الظن به ،

__________________

(١) في المحاسن اليوسفية ص ٦٥ : مرج برغوث.

(٢) ما تزال بقاياها في جنوب لبنان.

١٥٤

ولا يسمع فيه قول من يعلمه بغدره ومكره.

فلما بقي من المدّة ثلاثة أيام وحضر عنده «أرناط» قال له في معنى تسليم «الشّقيف» ، فاعتذر بأولاده وأهله ، وأنّ «المركيس» لم يمكنهم من المجيء إليه ، وطلب التأخير مدّة أخرى ، فعلم السّلطان مكره ، فأخذه وحبسه ، فأجاب إلى التسليم ، فسيّر مع جماعة من العسكر إلى تحت «الشقيف» ، فأمرهم بالتّسليم ، فامتنعوا ، وطلب قسّيسا حدّثه بلسانه وعاد بما قال إليهم ، فاشتدّوا في المنع.

فعلم حينئذ أنّ ذلك كان تأكيدا مع القسّيس ، فأعادوه إلى السّلطان ؛ وسيّره إلى «بانياس» ، وتقدّم إلى «الشّقيف» فحصره ، وضيّق عليه ، وجعل عليه من يحفظه ، إلى أن سلّمها من بها ، بعد أن عذّب صاحبها ، في يوم الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول من سنة ست وثمانين (١).

وأما بقية الفرنج ، فانّ ملكهم كان وعده السّلطان أنّه متى سلّم «عسقلان» أطلقه ، فاتفق أنه أطلقه «بانطرطوس» ، حين فتح تلك الناحية ، واشترط عليه أن لا يشهر في وجهه سيفا أبدا ، فنكث ، واتفق مع «المركيس» صاحب «صور» وعسكرا مع جموع الفرنج على باب «صور».

واتّفق بينهم وبين المسلمين حروب وغارات ، كانت النكاية فيها سجالا بين الفريقين ، بحيث تحاجز الفريقان في آخر تلك الأيام ، من جمادى الآخرة من هذه السّنة.

__________________

(١) انظر المحاسن اليوسفية ص ٦٥ ـ ٦٦.

١٥٥

وسار الفرنج إلى حصار «عكا» ، فنزلوا عليها في يوم الأربعاء ثامن شهر رجب. وسار السّلطان فنزل عليهم بظاهر «عكا» ، ومنعهم من الإحاطة بسورها ، فكان نازلا على قطعة منها تلي الشّمال ، ومعه الباب الشمالي من «عكا» مفتوحا ، والمسلمون يدخلون اليها ويخرجون ، والفرنج على الجانب الجنوبي ، وقد أغلق في وجوهم الباب المعروف بباب «عين البقر» ، وكان الفرنج يقومون بمحاربة المسلمين ، من جانب المدينة ومن جانب العسكر.

وجرت بينهم وبين الفرنج وقعات متعدّدة ، من أعظمها وقعة اتفقت يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان ، خرج الفرنج واصطفوا على تعبئة القتال ، والملك في القلب وبين يديه الانجيل ، فوقف المسلمون أيضا على تعبئة ، وتحرّكت ميسرة الفرنج على ميمنة المسلمين ، وفيها الملك المظفّر ، فتراجع عنهم ، وأمدّه السلطان بأطلاب عدّة من القلب ، فخفّ القلب ، وعادت ميسرة الفرنج فطمعت فيه ، فحملوا على القلب ، فانكسر ، وانكسر معه معظم الميمنة ، وبلغت هزيمتهم إلى «الأقحوانة» ، ومنهم من دخل دمشق.

ووصل الفرنج إلى خيم السّلطان ، فقتلوا ذلك اليوم «أبا عليّ الحسين بن عبد الله بن رواحة». وكان قد مدح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووقف بازآء قبره ، وأنشد قصيدته ، وقال : «يا رسول الله إنّ لكل شاعر جائزة وقرى ، وإني أطلب جائزتي الشّهادة ، فاستجاب الله دعاءه».

١٥٦

وقتل ذلك اليوم مكبّس السلطان وطشت داره (١) ، وثبتت ميسرة المسلمين ، وصاح «السّلطان» فيمن بقي من المسلمين : «يال الاسلام» ، وعادت ميسرة الفرنج إلى عسكره ، فتكاثر الناس وراءهم ، وحملوا عليهم ، فانهزموا ، وتبعهم المسلمون ، فقتلوا منهم زهاء سبعة آلاف ، ولم يقتل من المسلمين غير مائة وخمسين نفرا.

ثم إنّ الحرب اتّصلت بينهم ليلا ونهارا ، وكثر القتل بينهم ، وأقبل الشّتاء ، فلقي المسلمون منه شدّة. وحضروا إلى السّلطان ؛ وأشاروا عليه بالرّحيل عن «عكا» إلى «الخروبة» (٢) ليفسح ما بين العسكرين. وكان ذلك للضّجر من تلك المواقفة ، وملازمة القتال ، حتى أوهم السّلطان [وقالوا له :](٣) «إنك قد ضيّقت على الفرنج مجال الهرب ، وحلت بينهم وبين صور ، وطرابلس ، ولو أفرجت لهم عن الطّريق لما وقفوا بين يديك».

فرحل السّلطان إلى «الخروبة».

فأصبح الفرنج وقد انبسطوا على عكا ، وأحاطوا بها من سائر جهاتها ، واتّصل ما بينهم وبين «صور» ، وجاءت مراكبهم منها ، فحصرت «عكّا» من جانب البحر ، وضعفت قلوب المسلمين بعكا ، وعادوا يقتاتون من الحواصل المدخورة ، بعد أن كان من المير المجلوبة.

وتوفّر الفرنج على قتال أهل «عكا» بعد أن كانوا مشغولين بالعسكر ،

__________________

(١) الطشت دار المسؤول عن غسيل أواني السلطان وثيابه وأحيانا حمامه ووضوئه.

(٢) الخروبة حصن كان على مقربة من عكا. معجم بلدان فلسطين.

(٣) زيادة اقتضاها السياق.

١٥٧

وشرع الفرنج في إدارة خندق على عساكرهم ، كاستدارتهم بعكا ، وجعلوه شكلا هلاليا : طرفاه متّصلان بالبحر ، وأقاموا عليه سورا مما يليهم ، وشرّفوه بالجنويات والطوارق (١) ، والتراس.

واتصلت الأمداد إليهم من البحر ، بالأقوات والرجال والأسلحة ، حتى كان ينقل إليهم البقول الرّطبة ، والخضراوات من جزيرة «قبرس» فتصبح عندهم في اليوم الثاني.

وسيّر السّلطان إلى الخليفة ، وإلى ملوك الاسلام ، يستنفر ويستصرخ ، واتّصلت الأخبار بوصول ملك الألمان إلى «القسطنطينية» ، في ستمائة ألف رجل ، منهم ثلاثمائة ألف مقاتل ، وثلاثمائة ألف سوقة ، وأتباع وصنّاع.

وحكي أنّه كان في عسكره خمسة وعشرون ألف عجلة تنقل الأسلحة والعلوفات ، فأسقط في أيدي المسلمين ، واستولى اليأس عليهم ، وتعلّقت آمالهم أنه ربّما مانعه من في طريقة من «الأوج» (٢) ومن قلج أرسلان (٣) ، فلم يتّفق شيء من ذلك ، بل سار ، وقطع البلاد ، حتى وصل إلى المصيصة.

وأرسل الله عليهم وبآء عظيما وحرّا عظيما ، ومجاعة أحوجتهم إلى نحر

__________________

(١) من أنواع ستائر الحماية والدفاع والترسة.

(٢) الأوج سكان المناطق الثغرية المتقدمة.

(٣) تبعا لابن شداد. المحاسن اليوسفية ص ٨٧ كان قلج أرسلان على وفاق ضمني مع ملك الألمان.

١٥٨

دوابّهم ، وذبح البقر الذي يجرّ العجل ، فكان يموت في كل يوم ألوف من الرّجال ، ويسابقون الموتان إلى ما معهم من الدوابّ الحاملة للأثقال ، حتى وصلوا إلى «أنطاكية» ولم يبق منهم إلّا دون العشر.

وكان في جملة من مات منهم ملكهم الذي غزا الشام ، في سنة أربع وأربعين ، وحاصر دمشق ، مات غريقا في نهر «بطرسوس» يقال له «الفاتر» ، نزل ، وسبح فيه فغرق ، وقيل بأنه سبح فيه وكان المآء باردا ، فمرض ومات ، وأخذ وسلق في خلّ ، وجمعت عظامه ، ليدفن في البيت المقدّس.

وأوصى بالملك لابنه مكانه ، واتفقت الكلمة عليه ، فمرض «بالتينات» (١) ، وأقام بها ، وسير «كندأكرا» على عسكره ، ووصل إلى «أنطاكية» ، فمات ذلك «الكند» بها. وخرج البرنس إلى الملك ، واستدعاه إلى أنطاكية طمعا في أنه يموت ويأخذ ماله ؛ وكان قد فرّق عسكره ثلاث فرق لكثرته ، فالفرقة الأولى : اجتازت تحت «بغراس» مع الكند المذكور ، فوقع عليه عسكر حلب فأخذ منهم مائتي رجل ، ووقع أيضا على جمع عظيم خرجوا للعلوفة ، فقتلوا منهم جماعة كثيرة ، وأسروا زهاء خمسمائة نفر.

ولما وصل ملك الألمان إلى أنطاكية أخذها من صاحبها ، وأودع فيها خزائنه ، وسار منها يوم الأربعاء خامس وعشرين من شهر رجب ، سنة ستّ وثمانين وخمسمائة ، متوجها إلى عكا ، وفشا فيهم الوبآء حتّى لم يسلم من كلّ

__________________

(١) التينات : حصن على شاطىء البحر بين بياس والمصيصة. بغية الطلب ص ٢٢٣.

١٥٩

عشرة واحد ، ولم يخرجوا من «أنطاكية» حتى ملؤوها قبورا.

ووصل الملك إلى «طرابلس» ، في نحو ألفي فارس ، لو صادفهم مائة من المسلمين لأخذوهم ، ووصلوا إلى «عكّا» رجالة ضعفاء ، لا ينفعون ، ومات ابن ملك الألمان على «عكّا» في ذي الحجة ، من سنة ستّ (١).

ووصل إلى المسلمين «بعكا» الأسطول المصري في خمسين شينيّا غنم في طريقه إليها بطس ومراكب فرنجية ، أسر رجالها وغنم أموالها ، وجرى له مصادمات مع مراكب الفرنج المحاصرة لعكا ، كانت الغلبة فيها للمسلمين ، فدخلوا إلى عكّا ، وتماسكت بما دخل فيها من الأقوات والسّلاح ، وكان دخولها في يوم الأثنين رابع عشر شعبان ، من سنة ستّ وثمانين.

وفي هذا الشهر ، جهّز الفرنج بطسا متعدّدة ، لمحاصرة «برج الذّبّان» ـ وهو على باب ميناء عكا ـ فجعلوا على صواري البطس برجا ، وملؤوه حطبا ونفطا ، على أنهم يسيرون بالبطس ، فاذا قاربت «برج الذّبان» ولا صقته ، أحرقوا البرج الّذي على الصّاري ، وألصقوه ببرج الذّبان ، ليلقوه على سطحه ، ويقتل من عليه من المقاتلة ويأخذونه.

وجلعوا في البطسة وقودا كثيرا ، ليلقوه في البرج إذا اشتعلت النار فيه. وعبؤوا بطسا ملؤوها حطبا ، على أنهم يدفعونها لتدخل بين بطس المسلمين ، ثم يلهبونها لتحرق بطس المسلمين.

__________________

(١) انظر المحاسن اليوسفية ص ٨٧ ـ ٩٤.

١٦٠