أسماء وألقاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

علي أصغر شكوهي قوچاني

أسماء وألقاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

علي أصغر شكوهي قوچاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: زيبا نگار
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-949-9
الصفحات: ٣٩٢

عزّ وجلّ عن شدّة نوح عليه‌السلام على الكافرين بقوله : (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)١.

وشبّهة في الحلم بإبراهيم عليه‌السلام خليل الرحمٰن، كما وصفه الله عزّ وجلّ بقوله : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)٢، فكان متخلّقاً بأخلاق الأنبياء، متّصفاً بصفات الأوصياء.٣

وأوّل من اعترف بأنّ عليّاً عليه‌السلام أعلم الأمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله لفاطمة عليها‌السلام : أمَا ترضين أنّي زوّجتكِ أوّل المسلمين إسلاماً وأعلمهم علماً؟٤

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعلم أمّتي بعدي عليّ بن أبي طالب.٥

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتِ الباب،٦ وأنا خزانة العلم، وعليّ مفتاحه فمَن أراد الخزانة فليأت المفتاح.٧

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ عَيبة علمي، أي موضع سرّي، وخاصّتي ومعدن نفائسي. والعَيبة ما يحرز الرجل فيه نفائسه.٨

_______________________

١ ـ نوح / ٢٦.

٢ ـ هود / ٧٥.

٣ ـ كفاية الطالب ١٠٥، ١٠٦؛ التفسير الكبير ٨ / ٨٦، آية المباهلة.

٤ ـ المستدرك للحاكم ٣ / ١٤٠؛ كنز العمّال ١١ / ٦٠٥؛ مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٦٦٢؛ الرياض النضرة ٢ / ١٦٠؛ مجمع الزوائد ٩ / ١٤٧؛ السيرة الحلبيّة ١ / ٢٦٨.

٥ ـ فردوس الأخبار ١ / ٤٥١؛ المناقب للخوارزميّ ٨٢؛ المقتل للخوارزميّ ١ / ٤٣؛ مناقب المرتضويّ ٨٣، ١١٦؛ فرائد السمطين ١ / ٩٧؛ كفاية الطالب ٢٩٧.

٦ ـ الصواعق المحرقة ١٢٢؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٣٠١؛ تاريخ بغداد ٤ / ٣٨٤، ٧ / ١٧٣؛ المناقب لابن المغازليّ ٨٥؛ نهج الإيمان ٣٤١ ـ ٣٤٤، وهذا الحديث تواتر نقله عن الصّحابة والتابعين وأئمّة الحديث بصور مختلفة وأصبح من الأحاديث الثابتة لدى الفريقين حتّى أفرد بعضهم تآليف خاصّة حول هذا الحديث.

٧ ـ بحار الأنوار ٤٠ / ٢٠١.

٨ ـ الجامع الصغير ٢ / ١٧٧، رقم ٥٥٩٣؛ كنز العمّال ١١ / ٦٠٣، رقم ٣٢٩١١.

٨١

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا ميزان العلم وعليّ كِفّتاه، والحسن والحسين خيوطه وفاطمة علاقته ...١

قال عمر بن الخطّاب : لم يكن أحد من الصّحابة يقول : «سلوني» إلّا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.٢

وفي غرر الحكم للآمديّ، قال : عليّ عليه‌السلام : سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّي بطرق السماوات أخبر منكم بطرق الأرض.٣

وعن أبي الطفيل، قال : شهدتُ عليّاً عليه‌السلام يخطب وهو يقول : سلوني، فواللهِ لاتسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلّا وأنا أعلم أبِليل نزلت أم بنهار، أم في سهل، أم في جبل.٤

وقوله عليه‌السلام : إنّ هاهنا لَعلماً جمّاً، لا أجد له حملة ـ وأشار إلى صدره.٥

وعن الحرث الأعور ـ صاحب راية عليّ عليه‌السلام ـ قال : بَلَغَنا أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في جمع من أصحابه، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته، فلم يكن بأسرع من أن طلع عليّ، فقال أبو بكر : يارسول

_______________________

١ ـ فردوس الأخبار ١ / ٧٧، رقم ١١٠.

٢ ـ الصواعق المحرقة ١٢٧؛ ذخائر العقبى ٨٣؛ المناقب للخوارزميّ ٩١؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ / ١٠٦؛ أنساب الأشراف ٢ / ٩٩؛ تفسير الكشّاف ٤ / ٣٩٤.

٣ ـ غرر الحكم ٤٠٣.

٤ ـ شرح الموقف ٨ / ٣٧٠؛ مختصر تاريخ دمشق ١٢ / ٣٥؛ شواهد التنزيل ١ / ٤٠ ـ ٤٨؛ جامع بيان العلم ١٣٧؛ الإتقان في علوم القرآن ٤ / ٢٠٤؛ تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٧؛ الرياض النضرة ٢ / ١٦٧؛ تاريخ الخلفاء ١٧٣؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ١٨٣؛ المناقب للخوارزميّ ٩٤؛ فرائد السمطين ١ / ٢٠١، ٣٤١؛ حلية الأولياء ١ / ٦٧؛ الأصول من الكافي ١ / ٦٠؛ نهج الإيمان ٢٦٨؛ الصراط المستقيم ١ / ٢١٦؛ أمالي الصدوق ٢٧٠؛ خصائص الأئمّة ٥٥.

٥ ـ نهج البلاغة، الحكمة ١٤٧.

٨٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، أقِستَ رجلاً بثلاثة من الرّسل؟ بخٍ بخٍ لهذا الرّجل، من هو يا رسول الله؟ قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا تعرفه يا أبا بكر؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : أبو الحسن عليّ بن أبي طالب، فقال أبو بكر : بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن، وأين مثلك يا أبا الحسن؟١

وعن أنس : أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ عليه‌السلام أنت تبيّن ما اختلفوا فيه من بعدي.٢

وقال الكنجيّ الشّافعيّ بإسناده : قال عبد الله : كنت عند النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فسئل عن عليّ عليه‌السلام، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : قُسِمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطي عليّ تسعة أجزاء والنّاس جزءاً واحداً.٣

وفي تفسير النقّاش، قال ابن عبّاس : علمُ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الله تعالى، وعلمُ عليّ عليه‌السلام من علم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله، وعلمي من علم عليّ عليه‌السلام، وما علمي وعلم الصحابة في علم عليّ عليه‌السلام إلّا كقطرة في سبعة أبحُر.٤

وفي كتاب أبي الحسن البصريّ أنّ الخضر عليه‌السلام رأى عصفوراً قد أخذ قطرة من البحر فوضعها على يد موسى عليه‌السلام، فقال : موسى : ما هذا؟ فقال : هذا العصفور يقول : واللهِ، ما عِلمُكما في علم وصيّ النّبيّ الذي يأتي في آخر الزّمان إلّا كما أخذتُ بمنقاري من هذا البحر.٥

وعن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم ،

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٨٩.

٢ ـ تاريخ الإسلام ١٦ / ٢٠٦.

٣ ـ كفاية الطالب ١٧١؛ حلية الأولياء ١ / ٦٤؛ أسنى المطالب ١٤؛ ذخائر العقبى ٧٨؛ المناقب لابن المغازليّ ٢٨٦؛ ميزان الاعتدال ١ / ١٢٤؛ المناقب للخوارزميّ ٨٣؛ المقتل للخوارزميّ ١ / ٤٣.

٤ ـ نهج الإيمان ٢٩٤؛ ينابيع المودّة ١ / ٢١٥؛ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٠.

٥ ـ نهج الإيمان ٢٩٤، ٦٣٥.

٨٣

واستنبطت من كلّ باب ألف باب.١

وعن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ : (الرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ)، قال : الله علّم القرآن. قلت : فقوله : (خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، قال : ذلك أمير المؤمنين، علّمه الله سبحانه بيان كلّ شيء يحتاج إليه النّاس.٢

وعن عمر بن الخطّاب قال : عليّ بن أبي طالب أعلم النّاس بما أنزل الله على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.٣

وقال عماد الدّين الطبريّ في أسرار الإمامة : كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أستاذ العلماء الإسلاميّين في سائر العلوم :

أمّا البلاغة فمنه أُخذ قانونها، وأُصولها وتفاريعها نظماً ونثراً. وإليه تنتهي تصانيف العلماء في علم البيان والتّبيان.

وأمّا علم التّفسير فمن ابن عبّاس، ومنه إليه عليه‌السلام، وكان أربعين عاماً في خدمته مع حذاقته، ومنه انتشر إلى علماء الطوائف.

وأمّا علم الأصولَين فمن الجبّائيّين إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة، ومنه إلى عليّ عليه‌السلام.

وأمّا علم النّحو فهو عليه‌السلام واضع عم النّحو، قال ياقوت في معجم الأدباء : وكان عليه السلام أول مَن وضع النحو وسنّ العربيّة، وذلك أنّه مرّ برجل يقرأ (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بكسر اللام في رسوله، فوضع النحوَ

_______________________

١ ـ كنز العمّال ٦ / ٤٠٥؛ فرائد السمطين ١ / ١٠١؛ ينابيع المودّة ١ / ٢٢٢.

٢ ـ تأويل ما نزل من القرآن ٣٤٩؛ تفسير القمّيّ ٢ / ٣٤٣؛ تأويل الآيات الظاهرة ٦١١.

٣ ـ شواهد التنزيل ١ / ٣٩.

٨٤

وألقاء إلى أبي الأسود الدّؤليّ.١

وأمّا الفقه فجميع العلماء تلاميذه، وأجمَعَ النّاس أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في حقّه : أقضاكم عليّ. والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم، وخاصّة علم الشّرع.٢

وعن الشعبيّ، قال : ما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله بعد نبيّ الله من عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.٣

الإنسان

قال الله تعالى : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ، إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا).

روى محمد بن هارون العكبريّ بإسناده إلى هارون بن خارجة حديثاً يرفعه إلى سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها‌السلام، قالت : أصاب الناسَ زلزلةٌ على عهد أبي بكر وعمر، ففزع الناس إليهما، فوجدوهما قد خرجا فَزِعَين إلى أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام، فتبعهما الناسُ حتّى انتهوا إلى باب عليّ، فخرج إليهم غير مكترث لما هم فيه، ثمّ مضى واتّبعه الناس حتّى انتهوا إلى تَلْعَة، فقعد عليها وقعدوا حوله وهم ينظرون إلى حيطان المدينة تَرتَجّ جائيةً وذاهبة، فقال لهم عليه‌السلام كأنّكم قد هالكم ما تَرَون ! قالوا : كيف لا يَهُولنا ولم نَرَ مثلها زلزلة؟! قال : فحرّك شفتيه ثمّ ضرب الأرض بيده وقال : ما لَكِ؟ اسكُني، فسكنت. فتعجّبوا من ذلك أكثر من

_______________________

١ ـ معجم الأدباء ١٤ / ٤٢؛ الأغاني ١٢ / ٢٩٨؛ طبقات النحويّين واللغويّين، ٢١؛ الفهرست للنديم ٤٥؛ إنباه الرواة على أنباه النحاة ١ / ٥٠؛ سير أعلام النبلاء ٤ / ٨٣.

٢ ـ أسرار الإمامة ٢٨٤ ـ ٢٨٥؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ١٩، ٢٤؛ طبقات المعتزلة ٨٠، ٩٤،؛ ٢١٩؛ سنن ابن ماجة ١ / ٥٥؛ التبصير في الدين ١٦١؛ الأربعين في أصول الدين ٤٦٦؛ تذكرة الخواصّ ٢٠؛ مجمع الآداب في معجم الألقاب ٥ / ١٨٠.

٣ ـ تنبيه الغافلين ١٠٣.

٨٥

تعجّبهم أوّلاً حين خرج إليهم، فقال لهم : كأنّكم قد تعجّبتم من صنيعي! قالوا : نعم. قال : أنا الإنسان الذي قال الله عزّ وجلّ في كتابه : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا)، فأنا الإنسان الذي أقول لها : ما لَكِ؟ يومئذ تُحدّث أخبارها، إيّاي تحدّث.١

أولو الأمر

قال أبو سعيد محسن بن كرّامة : وقد سمّاه الله تعالى أولي الأمر في قوله :٢ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)٣. و«اُولي الأمر» جمع، يعني أصحاب الأمر، والقصد من أصحاب الأمر هم المؤمنون، لقوله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ). وهذا الاسم واللّقب من أهمّ وأفضل الأسماء والألقاب لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، وأعلاها درجةٍ وشأناً، ويتقدّم على سائر أسمائه وألقابه الّتي منها : «سيّد المسلمين» و «أوّل المسلمين» و «يعسوب الدين» و «قائد الغُرّ المحجّلين» و «إمام البَرَرة» و «إمام المتّقين» و «صفوة الله» و «وليّ الله» و «حجّة الله» و «قاتل الفجرة» و «خليفة رسول الله» و «وصيّه» و «وزيره» وأمثالها. ولذلك أمر رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النّاسَ أن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ويُحيّوه بهذا اللّقب. وهذا اللّقب ليس عنواناً اعتباريّاً، بل هو بيانُ حقيقةٍ، وكشفُ سرٍّ كان موجوداً عنده؛ لأنّ الأمير والرئيس لأيّ شيء يضافان، فإنّهما يعبّران عن معنى ذلك الشّيء. حقيقته فأمير الجيش، هو ذلك

_______________________

١ ـ علل الشرائع ٥٥٦، الرقم ٨، باب ٣٤٣؛ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٦٢؛ نهج الإيمان ٦٤٨.

٢ ـ تنبيه الغافلين ١٤٥.

٣ ـ النساء / ٥٩.

٨٦

الشخص المقدّم على الجيش جميعه من حيث فنّ القتال، وأمير الأمراء، يعني الشخص المتفوّق على سائر الأمراء من حيث الإمارة.١

وقال الحاكم الحسكانيّ بإسناده عن مجاهد في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني : الّذين صدّقوا بالتّوحيد. (أَطِيعُوا اللَّهَ)، يعني في فرائضه. (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)، يعني في سننه. (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حين خلّفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة، فقال : أتخلّفني على النّساء والصِّبيان؟ فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال له : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ؟)، فقال الله تعالى : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)، قال : هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ولّاه الله الأمر بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته حين خلّفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة، فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه.٢

وقال أيضاً : عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه‌السلام، أنّه سأله عن قول الله عزّ وجلّ : (أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. قلت : إنّ النّاس يقولون : فما منعه أن يسمّي عليّاً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : قولوا لهم : إنّ الله تعالى أنزل على رسوله الصّلاة ولم يُسَمِّ ثلاثاً ولا أربعاً، حتّى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسّر ذلك، وأنزل الحجّ فلم ينزل : طوفوا سبعاً، حتّى فسّر ذلك لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، وأنزل : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)، فنزلت في عليّ والحسن والحسين عليهم‌السلام. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، إنّي سألت الله أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني.٣

_______________________

١ ـ انظر مؤادّه في تنبيه الغافلين ١٤٦؛ نهج الإيمان ٤٦١ ـ ٤٧٥.

٢ ـ شواهد التنزيل ١ / ١٨٩ ـ ١٩٥؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٥.

٣ ـ شواهد التنزيل ١ / ١٩١؛ التفسير الكبير للرازيّ ١٠ / ١٤٤، وفيه : أنّ المراد به الأئمّة

٨٧

وعن هشام بن حسّان قال سمعت : أبا محمّد الحسن بن عليّ عليه‌السلام يخطب النّاس بعد البيعة له بالأمر، فقال : نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيّبون الطّاهرون، وأحد الثقلين اللّذين خلّفهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمّته، والتالي كتاب الله، فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا مِن خلفه؛ فالمُعَوَّل علينا في تفسيره، لا نَتَظنّىٰ تأويله بل نتيقّن حقائقه، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله عزّ وجلّ ورسوله مقرونة، قال الله عزّ وجلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) ...١

وعن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكرت لأبي عبد الله عليه‌السلام قولنا في الأوصياء أنّ طاعتهم مفترضة، قال : نعم، هم الّذين قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) وهم الّذين قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا).٢

وعن الحسن بن صالح عن جعفر الصّادق عليه‌السلام في هذه الآيات قال : اُولو الأمر هم الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام.٣

وهذه الآية المباركة تدلّ على العصمة، وهذا ما اعترف به الفخر الرازيّ في تفسيره الكبير، لكنّه وقع في حيص بيص.٤

_______________________

المعصومون.

١ ـ كتاب الأمالي للمفيد ٣٤٩؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ١٢٤.

٢ ـ الأصول من الكافي ١ / ١٨٧؛ تفسير العيّاشيّ ١ / ٢٥٢.

٣ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٥.

٤ ـ التفسير الكبير ١٠ / ١٤٤ ـ ١٤٦؛ تفسير الكشّاف ١ / ٥٢٤.

٨٨

أوفى المؤمنين بعهد الله

ينظر : أرأف المؤمنين، أقسمكم بالسويّة.

الأوّل

كان من ألقابه عليه‌السلام : أوّل السّابقين، وأوّل المسلمين، وأوّل المؤمنين، وأوّل مَن صدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، وأوّل مَن آمن بالله، وأوّل مَن صلّى.١

ومَن أراد صدق هذه الألقاب والأسماء حول إيمان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فليسمعه مِن لسانه صلوات الله عليه، فقال عليه‌السلام : يا رسول الله، أنا أوّل مَن يؤمن بك، آمنت بالله ورسوله، وصدّقتُك فيما جئتَ به ...٢

وقال محمّد بن طلحة الشافعيّ : ونقل عن جابر بن عبد الله قال : سمعت عليّاً عليه‌السلام ينشد، ورسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع، فقال :

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نَسَبي

به رُبيتُ وسِبطاهُ هما وَلَدي

جدّي وجدُّ رسول الله منفردٌ

وفاطمٌ زوجتي لا قول ذي فَنَدِ

صَدّقتُه وجميع الناس في بُهُمٍ

من الضلالةِ والإشراكِ والنَّكَدِ

قال : فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : صدقتَ يا عليّ.٣

وعن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : السَّبق ثلاثة : فالسّابق إلى موسى عليه‌السلام يوشع بن نون، والسّابق إلى عيسى عليه‌السلام صاحب يٰس، والسّابق إلى

_______________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٣٠، ٣٣١.

٢ ـ شرح النهج البلاغة ١٣ / ٢٤٥.

٣ ـ مطالب السؤول ٦٥.

٨٩

محمّد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.١

وقال ابن عبّاس أيضاً : سمعت عمر بن خطّاب ـ وعنده جماعة فتذكروا السّابقين إلى الإسلام ـ فقال عمر : أما عليّ، فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : فيه ثلاث خصال، لَوَدِدتُ أنّ لي واحدة منهنّ، فكان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة مِن أصحابه، إذ ضرب النّبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده على منكب عليّ عليه‌السلام، فقال له : يا عليّ، أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّل المسلمين إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى.٢

وعن سلمان الفارسيّ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّلكم وروداً على الحوض أوّلكم إسلاماً، هو عليّ بن أبي طالب.٣

وعن جابر الأنصاريّ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقدَمُ أمّتي إسلاماً، وأكثرهم علماً، وأصحّهم ديناً، وأفضلهم يقيناً، وأكملهم حلماً، وأسمحهم كفّاً، وأشجعهم قلباً عليُّ، وهو الإمام على أمّتي.٤

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٥٥؛ تاريخ البغداد ١٤ / ١٥٥، وفيه : نقل الخطيب البغداديّ حديثاً في إيمان عليّ عليه‌السلام، وهو : ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين... وعليّ بن أبي طالب...

٢ ـ المناقب للخوارزميّ ٥٥؛ ذخائر العقبى ٥٨؛ فردوس الأخبار ٥ / ٤٠٦، رقم ٨٣٠٩، ١ / ٧٢؛ الإمامة والسّياسة ١ / ١٢٢.

٣ ـ فردوس الأخبار ١ / ٤١، رقم ٩٣؛ المستدرك للحاكم ٣ / ١٤٧؛ المعيار والموازنة ٦٦ ـ ٧٩؛ الكامل في التاريخ ١ / ٤٨٤؛ المناقب للخوارزميّ ٥٢؛ المناقب لابن مغازليّ ١٦؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٣٠٦؛ تاريخ الطبريّ ٢ / ٥٦؛ الصّواعق المحرقة ١٢٠؛ تاريخ الخميس ٢ / ٢٨١؛ الاستعياب ٢ / ٤٥٧؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ١ / ٤١ ـ ١١٦، رقم ٣٢٩٩١.

٤ ـ الذرّيّة الطّاهرة للدولابيّ ٩٣، ١٤٤؛ ذخائر العقبى ٤٢؛ الرياض النضرة ٢ / ١٠٩ ـ ١١١؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٢٠٧؛ مائة منقبة لابن شاذان ٧٦ رقم ٢٥.

٩٠

وقال النسائيّ في خصائصه : عن سلمة بن كهيل، قال : سمعت حبّة العُرَنيّ قال : سمعت عليّاً عليه‌السلام يقول : أنا أوّل مَن صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.١

وقال أبو ليلى الغفاريّ : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزَموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأئمّة، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين.٢

وعن زيد بن أرقم، قال : أوّل من أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ بن أبي طالب.٣

وقال المسعوديّ : وقد تُنُوزع في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، فذهب كثير من النّاس إلى أنّه لم يشرك بالله شيئاً فيستأنف الإسلام؛ بل كان تابعاً للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع أفعاله مقتدياً به، وبلغ وهو على ذلك، وأنّ الله تعالى عصمه وسدّده، ووفّقه لتبعيّته لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله، لأنّهما غير مضطرّين ولا مجبورَين على فعل الطّاعات، بل مختارَين قادرَين، فاختارا إطاعة الربّ، وموافقة أمره، واجتناب منهيّاته. ومنهم مَن رأى أنّه أوّل مَن آمن، وأنّ الرّسول دعاء، وهو موضع التكليف بظاهر

_______________________

١ ـ خصائص النسائيّ ٢٣ ـ ٢٩ رقم ١ ـ ٧؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ١٨ / ١٠١؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ ٢ / ٤٤٤ رقم ١٧٦٧؛ المستدرك للحاكم ٣ / ١١٢؛ تفسير الثعلبيّ ٥ / ٨٥؛ مسند أحمد بن حنبل ٤ / ٣٦٨؛ سنن ابن ماجة ١ / ٤٤؛ تهذيب الكمال ٢٠ / ١٨٤؛ المعارف لابن قتبية ١٦٩؛ تاريخ بغداد ٢ / ٢٧٤، ٤ / ٢٣٣؛ المناقب للخوارزميّ ٥٧؛ المناقب لابن مغازليّ ١٥؛ الفصول المهمّة ٣٤ ـ ٣٧؛ حلية الأولياء ١ / ٦٦.

٢ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٠٢؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ / ٢٥٧؛ الإصابة ٤ / ١٧١، الترجمة ٩٩٤. وينظر : فرائد السمطين ١ / ١٣٩، ١٤٠.

٣ ـ خصائص النّسائيّ ٢٦ رقم ٣؛ تاريخ الطبريّ ٢ / ٣١٠؛ مسند أحمد بن حنبل ٤ / ٣٧١؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٦٤٢؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ١ / ٧٦.

٩١

قوله عزّ وجلّ : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١)، وكان بدؤه بعليّ إذ كان أقرب النّاس إليه، وأتبعهم له.٢

وقال أيضاً فيمن استنقص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بصغر سِنّه عند إسلامه : وهذا قول مَن قصد إلى إزالة فضائله ودفع مناقبة، ليجعل إسلامه إسلام طفل صغير!٣

وقال المقريزيّ : أمّا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، فلم يُشرك بالله قطّ، فعندما أتى رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحيُ، وأخير خديجة وصدّقت، كانت هي وعليّ، فلم يَحتَج عليّ أن يُدعى، ولا كان مشركاً حتّى يُوحِّد، فيقال : أسلم.٤

وعن ابن أبي الحديد، قال : قال أبو جعفر الإسكافيّ بعد ذكر حديث الدّار : فهل يكلّف عمل الطعام، ودعاء القوم صغير غير مميّز، وغِرٌّ غير عاقل؟ وهل يؤتَمَن على سِرّ النبوّة طفلٌ ابن خمس سنين، أو ابن سبع سنين؟ وهل يُدعى في جملة الشيوخ والكهول إلّا عاقل لبيب؟ وهل يضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده في يده، ويُعطيه صفقة يمينه بالأُخوّة، والوصيّة والخلاف إلّا وهو أهلّ لذلك بالغٌ حدَّ التكليف، محتملٌ لولاية الله وعداوة أعدائه؟ وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه، ولم يلصق بأشكاله، ولم يُرَ مع الصّبيان في ملاعبهم بعد إسلامه؟ بل ما رأيناه إلّا ماضياً على إسلامه، مصمّماً في أمره، محقّقاً لقوله بفعله، وقد صدّق إسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بين جميع مَن بحضرته. وقد ذكر هو عليه‌السلام في كلامه وخطبه بدء حاله وافتتاح أمره حيث أسلم دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

_______________________

١ ـ الشعراء / ٢١٤.

٢ ـ مروج الذهب ٢ / ٢٧٦.

٣ ـ التنبيه والاشراف ١٩٨، عند ذكر التاريخ من مولد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٤ ـ إمتناع الأسماع ١ / ١٦، ١٧.

٩٢

الشجرة، فأقبلت تَخِدّ الأرض، فقالت قريش : ساحر خفيف السِّحر! فقال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، أنا أوّل من يؤمن بك، آمنتُ بالله ورسوله، وصدّقتك فيما جئتَ به، أنا أشهد أنّ الشّجره فَعَلَت ما فعلت بأمر الله تصديقاً لنبوّتك وبرهاناً على دعوتك. فهل يكون إيمانٌ قطّ أصحّ من هذا الإيمان؟١

وقال الحاكم في المستدرك عن قيس بن أبي حازم، قال : كمت بالمدينة، فبينا أنا أطوف في السوق إذ بلغتُ أحجار الزيت، فرأيت قوماً مجتمعين على فارس قد ركب دابّة، وهو يشتم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، والنّاس وقوفٌ حوالَيه، إذ أقبل سعد بن أبي وقّاص فقال : يا هذا، علىٰ ما تشتم عليّ بن أبي طالب؟ فتقدّم سعد فأفرجوا له حتّى وقف عليه، فقال : يا هذا، على ما تشتم عليّ بن أبي طالب؟ ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ ألم يكن أزهد النّاس؟ ألم يكن أعلم النّاس؟ وذكر أموراً حتّى قال : ألم يكن ختن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ابنته؟ ألم يكن صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزواته؟ ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللّهمّ، إنّ هذا يشتم وليّاً من أوليائك، فلا تفرّق هذا الجمع حتّى تُريهم قدرتك. قال قيس : فواللهِ ما تفرّقنا حتّى ساخت به دابّته فرَمَته على هامته في تلك الأحجار، فانفلق دماغة ومات.٢

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : سُبّاق الأمم ثلاثة، لم يكفروا بالله طرفة عين : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، وصاحب آل يٰس، ومؤمن آل فرعون، وعليّ بن أبي طالب أفضلهم.٣

_______________________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ / ١٤٤، الخطبة ٢٣٨؛ الغدير ٢ / ٢٨٧.

٢ ـ المستدرك للحاكم ٣ / ٤٩٩؛ تاريخ اليعقوبيّ ٢ / ٢٣؛ تههذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٠؛ الإكمال لابن ماكولا ٧ / ١٢٧؛ أنساب الأشراف ٢ / ٩٢.

٣ ـ تفسير الثعلبيّ ٨ / ١٢٦؛ سيرة ابن إسحاق ١٣٨، ١٣٩؛ مجمع الزّوائد ٩ / ١٢٤ ؛

٩٣

وقال ابن عساكر بإسناده عن إبراهيم بن رباح، قال : يستحقّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام الخلافة بخمسة أشياء : بالقرب مِن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، والسّبق إلى الإسلام، والزهد في الدنيا، والفقه في الدين، والنكاية في العدو، فلم تُر هذه الخمسة إلّا في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.١

وقال الحافظ العاصميّ : ثمانية كان عليه‌السلام فيها سَمِيّ الله عزّ وجلّ فهو : الأوّل٢ ... فقد قال الله سبحانه لنفسه : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (٣). وكذلك المرتضى عليه‌السلام، ذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله به في أوصافه كما وصف به نفسه أيضاً.

وعن أنس قال : كنّا في بعض حجرات مكّة نتذاكر عليّاً، فدخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أيّها النّاس، من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في شدّته، وإلى عيسى في زهادته، وإلى محمّد في بهائه، وإلى جبرئيل في أمانته، وإلى الكوكب الدرّيّ والشّمس الضحى، والقمر المضيء، فليَتَطاوَلْ ولينظر إلى هذا الرجل. وأشار إلى عليّ بن أبي طالب، ثمّ قال.

أيّها النّاس، إنّي سألت الله تعالى في عليّ خصلةً، فأعطاني بواحدة سبعاً : سألته أن يحشره يوم القيامة معي، فأعطاني. ثمّ قال : أنا أوّل من يخرج من القبر وهو معي، وأنا أوّل من يُسقى من الرحيق المختوم وهو معي، وأنا أوّل من يشفع للخلق إلى الله تعالى وهو معي، وأنا أوّل من يجوز إلى الصراط وهو معي، وأنا أوّل من يقرع باب الجنّة وهو معي، وأنا أوّل من يُعانق الحور العين وهو

_______________________

الصواعق المحرقة ١٢٥.

١ ـ مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٧٠٣، ٢٩٩.

٢ ـ العسل المصفّى ٢ / ٣٦٢.

٣ ـ الحديد / ٣

٩٤

معي. وأنا أوّل من ينظر إلى رحمة الله تعالى وهو معي١. قال العاصميّ : وهذا لعلّه بعد فتح مكّة.

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل من صلّى معي عليّ.٢

وعن عليّ عليه‌السلام شكوتُ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حسد النّاس، فقال : يا عليّ، أمَا ترضى أن تكون رابع أربعة، أوّل من يدخل الجنّة : أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذرّيّاتنا خلف أزواجنا.٣

وفي الصواعق : أخرج البخاريّ عن عليّ عليه‌السلام قال : أنا أوّل من يجثو بين يدَي الرحمٰن الرحيم للخصومة يوم القيامة. وقال قيس : وفيهم نزلت هذه الآية (هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ). قال هم الّذين بارزوا يوم بدر عليّ وحمزة وعبيدة، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.٤

أوّل المظلوم

ينظر : السيّد المظلوم، الأوّل.

أوّل من يدخل الجنّة

ينظر : صاحب حوض الكوثر.

_______________________

١ ـ العسل المصفّى ٢ / ٣٦٢؛ شواهد التّنزيل ١ / ١٠٠؛ المناقب للخوارزميّ ٨٣.

٢ ـ فردوس الأخبار ١ / ٥٧ رقم ٣٩؛ كنز العمّال ١١ / ٦١٦ رقم ٣٢٩٩٢.

٣ ـ الصواعق المحرقة ١٦١؛ مجمع الزوائد ٩ / ١٣١.

٤ ـ الصواعق المحرقة ١٢٦.

٩٥

أوّلهم إيماناً

ينظر : أقسمكم بالسويّة.

باب حِطّة١

قال الله تعالى : (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ)٢.

معناه، قفوا عند عليّ عليه‌السلام وعِترته فهم الباب، وتمسّكوا بحبّهم تأمنوا العذاب، واتَّبِعوا سبيله فهو أُمّ الكتاب.٣

وقوله تعالى : (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي باب القرية، وهي باب ببيت المقدس، وقيل : باب حِطّة باب القبّة الّتي كان يصلّي موسى عليه‌السلام وبنو إسرائيل إليها، وقوله (سُجَّدًا) أي رُكّعاً، مطاطئي رؤوسهم، فرجفوا رجفاً مستهزئين. وقوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي حُطَّ عنّا ذنوبنا.٤

وأخرج ابن أبي شيبة عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : إنّما مَثَلنا في هذه الأمّة كسفينة نوح، وكباب حِطّة في بني إسرائيل.٥

وروى الديلميّ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ بن أبي طالب باب حِطّة، مَن دخل منه كان مؤمناً، ومَن خرج منه كان كافراً.٦

_______________________

١ ـ الهداية الكبرى ٩٣؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٢٥.

٢ ـ البقرة / ٥٨.

٣ ـ مشارق أنوار اليقين : ١٠٦.

٤ ـ تفسير نهج البيان عن كشف معاني القرآن ١ / ١٤٨، ١٤٩؛ تفسير الطبريّ ١ / ٢٣٨؛ تفسير البيان ١ / ٢٦٣؛ تأويل الآيات الظاهرة ٦٧، ٦٧.

٥ ـ تفسير الدرّ المنثور ١ / ١٦٠؛ مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن عقدة الكوفيّ ١ / ٧٩١ ـ ٧٩٦.

٦ ـ فردوس الأخبار ٣ / ٩٠؛ الصواعق المحرقة ١٢٥؛ الجامع الصغير للسيوطيّ ٢ / ١٧٧

٩٦

قال المناويّ : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام باب حِطّة : أي طريق حَطّ الخطايا، «مَن دخل منه» على الوجه المأمور به ـ كما يشير إليه قوله سبحانه : في قصّة بني إسرائيل (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ) ـ كان مؤمناً «ومَن خرج منه كان كافراً»، يعني أنّه سبحانه وتعالى كما جعل لبني إسرائيل دخولهم الباب متواضعين خاشعين سبباً للغفران، جعل لهذه الأمّة مودّة عليّ عليه‌السلام والاهتداء بهديه وسلوك سبيله وتولّيه سبباً للغفران ودخول الجنان ونجاتهم من النيران، والمراد بـ «خرج منه»، أي خرج عليه.١

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما مَثَل أهل بيتي فيكم مَثَل باب حِطّة في بني إسرائيل، مَن دخله غُفر له.٢

وقال عليّ عليه‌السلام : نحن باب حِطّة، وهو باب السّلام، مَن دخله سَلِم، ومَن تخلّف عنه هلك.٣

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : معاشر الناس، إنّ عليّاً صدّيق هذه الأمة، وفاروقها، محدّثها، وهارونها، وآصفها، وشمعونها، إنّه باب حِطّتها، وسفينة نجاتها. إنّ علياً مع الحقّ، والحقّ معه، إنّ علياً قسيم النّار والجنّة.٤

وقال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : (وَادْخُلُوا الْبَابَ) باب القرية (سُجَّدًا) مثّل

_______________________

رقم ٥٥٩٢؛ كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ رقم ٣٢٩١٠؛ إثبات الوصيّة ١٣٨؛ مناقب المرتضويّ ٩٢.

١ ـ فيض القدير ٤ / ٣٥٦.

٢ ـ حلية الأولياء ١ / ٦٣؛ المستدرك للحاكم ٣ / ١٢٤؛ الصواعق المحرقة ١٥٢؛ جواهر العقدين ١٩١؛ فرائد السّمطين ١ / ١٩٧؛ تنبيه الغافلين ١٥٢.

٣ ـ غرر الحكم ودرر الكلم ١١٧؛ المعجم الكبير ٣ / ٤٥؛ المعجم الصغير ٢ / ٢٢.

٤ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٠٩؛ مناقب أهل البيت للشروانيّ ١٧٤؛ أمالي الصدوق ٣٥، ٤٨؛ مسند الرضا عليه‌السلام ١ / ١٢٩.

٩٧

الله على الباب مِثَال محمّد وعليّ عليهما‌السلام، وأمرهم أن يسجدوا لله تعالى تعظيماً لذلك المثال، ويجدّدوا على أنفسهم بيعتهما وذِكر موالاتهما، ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما. (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي قولوا : إنّ سجودنا لله تعالى تعظيماً لمثال محمّد وعليّ، واعتقادُنا لولايتهما حِطّةٌ لذنوبنا ومحو لسيّئاتنا.١

وفي الصواعق قال : وباب حِطّة أنّ الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الّذي هو باب «أريحا»، أو بيت المقدّس مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة، وجعل لهذه الأمّة مَودّة أهل البيت سبباً لها.٢

ينظر : سفينة نجاة الأمّة، الشاهد.

باب دار الحكمة

أمّا تسميته بباب دار الحكمة، فإنّه جاءت تسميته بها في عدّة أحاديث، منها ما عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا دار الحكمة وعليّ بابها، فمن أراد الحكمة فليأتِ الباب.٣

قال الحافظ العاصميّ : وأمّا تسميته عليه‌السلام بباب دار الحكمة فإنّه جاءت تسميته بها أيضاً في عدّة أحاديث :

عن جابر الأنصاريّ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا دار الحكمة وعليّ بابها، فمن أراد الحكمة فليأتِ الباب.٤

_______________________

١ ـ تأويل الآيات الظاهرة ٦٧.

٢ ـ الصواعق المحرقة ١٥٣.

٣ ـ تاريخ دمشق ٢ / ٤٧٦، قم ١٠٠٣؛ حلية الأولياء ١ / ٦٤.

٤ ـ فضائل الصحابة ح ١٠٨١، العسل المصفّى ٢ / ٤٠٢؛ المناقب لابن المغازليّ ٨٦.

٩٨

وعن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قُسِمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطي عليّ تسعة أجزاء، والنّاس جزاءاً واحداً.١

والسؤال الآن : ما هي الحكمة؟

الجواب : ذكر المفسّرون ـ في تفسير قوله تعالى (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)٢ ـ للحكمة معانٍ متعدّدة، نشير إلى بعضها ١ ـ الإصابة في القول والفعل. ٢ ـ علم القرآن والفقه. ٣ ـ العلم الذي تَعظُم فائدته، وتَجِلّ منفعته. ٤ ـ العلم بما آتى الله أنبياءه وأُممهم في كتابه وآياته ودلالاته الّتي يدلّهم بها على معرفتهم بالله وبدينه.

هذه بعض المعاني الّتي ذكروها للحكمة، وممّا لاشك فيه أنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قد نال الحكمة بجميع معانيها وبكافّة نواحيها.

ينظر : باب مدينة العلم.

باب الله

ينظر : جنب الله، حجّة الله، الصراط المستقيم، الخليفة.

_______________________

١ ـ الرياض النّضرة ٢ / ١٥٩؛ المناقب لابن مغازليّ ٢٨٧؛ حلية الأولياء ١ / ٦٥؛ لسان الميزان ٥ / ١٩؛ تاريخ بغداد ١١ / ٢٠٤؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٣٠١؛ فرائد السّمطين ١ / ٩٩؛ الجامع الصغير ١ / ٤١٥ رقم ٢٧٠٤؛ كنز العمّال ١١ / ٦٠٠، ١٣ / ١٤٧؛ فردوس الأخبار ٣ / ٢٨٢ رقم ٤٧١٣؛ ينابيع المودّة ٢ / ٢٤٥؛ المناقب للخوارزميّ ٨٢؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ٢ / ٤٨١؛ مطالب السؤول ٩٧.

٢ ـ البقرة / ٢٦٩.

٩٩

باب مدينة العلم١

عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها.

وفي حديث آخر قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم أنّه يدخلها من غير بابها.

ولا يخفى على أهل الأدب والمعرفة ما في هذه الأحاديث النبويّة من بديع التعبير وغزارة المعنى وجمال اللفظ، فالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوّر ويشبّه علمه الواسع بالمدينة الواسعة الكبيرة الّتي تضمّ الملايين، ثمّ يحصر طريق الوصول إلى هذه المدينة العلميّة ببابٍ واحد، هو خليفته عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، وفضّل الله تعالى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بالعلم والحكمة ففاق بهما جميع الأمّة، ولذلك وصفه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بهما حيث قال : يا عليّ، مُلئتَ علماً وحكمة.

وعن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذات ليلة في بيت أمّ سلمة، فبَكَرت إليه بالغداة فإذا عبد الله بن عبّاس بالباب، فخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المسجد، وعليّ عن يمينه وابن عبّاس عن يساره، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله: يا عليّ ما أوّل نِعَم الله عليك؟ قال : أن خلقني فأحسَن خَلقي. قال : ثمّ ماذا؟ قال : أن عَرَّفني نفسَه. قال : ثمّ ماذا؟ قال : قلت : (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)٢. قال : فضرب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على كتفي وقال : يا عليّ، مُلئتَ علماً وحكمة. ولذلك قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها.٣

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٤٠؛ العسل المصفّى ٢ / ٣٧١؛ سنن الترمذيّ ٢ / ٢٥٠؛ كفاية الطالب ٢٢٠.

٢ ـ اقتباس من الآية ٣٤ من سورة إبراهيم ١٤؛ والآية ١٨ من سورة النحل ١٦.

٣ ـ تاريخ البغداد ٢ / ٣٣٧. وهذا الحديث تواتر نقله عن الصحابة والتابعين وأئمّة الحديث بصور مختلفة، وأصبح من الأحاديث الثابتة لدى الفريقين حتّى أفرد بعضهم تآليف خاصّة حوله، كما نجد فصلاً مشبعاً حوله في الغدير ٦ / ٥٤ ـ ٨١.

١٠٠