أسماء وألقاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

علي أصغر شكوهي قوچاني

أسماء وألقاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

علي أصغر شكوهي قوچاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: زيبا نگار
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-949-9
الصفحات: ٣٩٢

وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة الصحيحة المعتبرة المشهورة بين الفريقين، والمصادر الّتي ذكرت هذا الحديث بمختلف الأسانيد كثيرة جدّاً.

ينظر : باب دار الحكمة

باب مدينة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

ينظر : الأذن الواعية، باب مدينة العلم.

باب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

ينظر : أمير المؤمنين.

البطين

ينظر : الانزع البطين.

بيضة البلد

يُدعى عليه‌السلام بيضة البلد،١ كما كان يدعى أبوه ببيضة البلد أيضاً، وبيضة البلد، لِما يقال في المدح والذمّ، أمّا المدح فلِمَن كان مَصُوناً من بين أهل البلد ورئيساً فيهم، وعلى ذلك قول الشاعر :

كانت قُريشٌ بيضةً فَتَفَلّقَتْ

فالمُحُّ خالِصُهُ لعبدِ مَنافِ٢

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٤٠؛ ذخائر العقبى ٥٧؛ الرياض النّضرة ٢ / ١٠٧؛ المستدرك للحاكم ٣ / ٢٣؛ تاريخ الخميس ٢ / ٢٥٧؛ كشف الغمّة ١ / ٩٣؛ كاشف الغمّة ٤٤، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٢٥؛ نزل الأبرار للبدخشانيّ ١١٥؛ تذكرة الخواصّ ٥.

٢ ـ المفردات في غريب القرآن ٦٧.

١٠١

وقال ابن منظور في اللّسان : بيضة البلد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، أي أنّه فرد ليس مثله في الشّرف، كالبيضة الّتي تُريكه وحدها ليس معها غيرها، وإذا ذُمَّ الرجل، فقيل : هو بيضة البلد، أرادوا هو منفرد لا ناصر له. وروى أبو عمرو عن أبي العبّاس أنّ العرب تقول للرجل الكريم : هو بيضةَ البلد، يمدحونه، ويقولون للآخر : هو بيضة البلد، يذمّونه. قال : فالممدوح يراد به البيضة الّتي تصونها النعامة وتُوَقّيها الأذى؛ لأنّ فيها فرخها. قال أبو بكر : في قولهم : فلان بيضة البلد أريد به واحد البلد الّذي يُجتَمع إليه، ويُقبَل قوله، وقيل : فرد ليس أحد مثله.١

وقال الديار بكريّ : روي أنّ عليّاً عليه‌السلام لمّا قَتَل عمرو بن عبد وَدّ لم يسلبه، فجاءت أخت عمرو حتّى قامت عليه، فلمّا رأته غير مسلوب سَلَبَه قالت : ما قتله إلّا كُفء كريم. ثمّ سألت عن قاتله، قالوا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، فأنشأت هذين البيتين :

لو كان قاتلَ عمرٍو غيرَ قاتِلِه

ما زِلتُ أبكي عليه دائمَ الأبَدِ

لكنّ قاتِلَهُ مَن لا يُقادُ بهِ

مَن كان يُدعىٰ أبوه بيضةَ البَلَدِ٢

جامع الصّفات

من صفاته عليه‌السلام : جامعٌ لصفات الأنبياء.

عن ابن عبّاس قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في جماعة من أصحابه، أقبل عليّ بن أبي طالب، فلمّا بَصُر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : مَن أراد منكم أن

_______________________

١ ـ لسان العرب ٧ / ١٢٦؛ ١٢٧؛ محيط المحيط ٦٣.

٢ ـ تاريخ الخميس ٢ / ٢٧٥؛ المنتظم ١٧ / ١٤٩؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٠؛ منهج الشيعة ٦٧؛ ذيل طبقات الحنابلة ١٩٧.

١٠٢

ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب.

قال محمّد بن يوسف الكنجيّ الشافعيّ : تشبيهه لعليّ عليه‌السلام بآدم في علمه، لأنّ الله تعالى عَلّم آدم صفة كلّ شيء، كما قال عزّ وجلّ : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)،١ فما مِن شيء ولاحادثة ولا واقعة إلّا وعند عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فيها علم، وله في استنباط معناها فهم.

وشبّهه بنوح في حكمه؛ لأنّ عليّاً عليه‌السلام كان شديداً على الكافرين رؤوفاً بالمؤمنين، كما وصفه الله في القرآن بقوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).٢ وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوح عليه‌السلام على الكافرين بقوله : (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا).٣

وشبّهه في الحلم بإبراهيم عليه‌السلام خليل الرحمٰن، كما وصفه الله عزّ وجل بقوله : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)٤ فكان متخلّقاً بأخلاق الأنبياء متّصفاً بصفات الأصفياء.٥

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث آخر : من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته، وإلى ميكائيل في رُتبته، وإلى جبرئيل في عظمته وجلالته، وإلى آدم في علمه وسلمه، وإلى نوح في خشيته، وإلى إبراهيم في خُلّته وسخاوته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى سليمان في مُلكه، وإلى موسى في

_______________________

١ ـ البقرة / ٣١.

٢ ـ الفتح / ٢٩.

٣ ـ نوح / ٢٦.

٤ ـ التوبة / ١١٤.

٥ ـ كفاية الطالب ١٠٥، ١٠٦.

١٠٣

مناجاته وشجاعته، وإلى أيّوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في عبادته، وإلى يونس في ورعه، وإلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في خُلقه وحسبه وكمال منزلته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب، فإنّ فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمعها الله فيه ولم يجمعها أحد غيره، الحديث.١

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً ـ يوماً ـ في جمع من صحابته، فقال : أيّكم آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في حكمته؟ فلم يكن بأسرع من أن طلع عليّ عليه‌السلام، فقال أبو بكر : يا رسول الله، أقِستَ رجلاً بثلاثة من الرسل؟ بخٍ بخٍ بهذا الرجل، من هو يا رسول الله؟

فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أوَلا تعرفه يا أبا بكر؟!

فقال أبو بكر : الله ورسوله أعلم!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو أبو الحسن عليّ بن أبي طالب.

فقال أبو بكر : بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن، وأين مثلك يا أبا الحسن، وقد شُبِّهتَ بجمع من الأنبياء؟!٢

وعن ابن عبّاس قال : إنّ جبرئيل عليه‌السلام كان عند النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل عليّ عليه‌السلام فقال جبرئيل : هذا عليّ. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي جبرئيل : هل تعرفه أهل السّماء؟ فقال جبرئيل : يا محمّد، والّذي بعثك بالحقّ نبيّاً، إنّ أهل السّماوات لأشدُّ معرفةً له من أهل الأرض، ما كبَّر تكبيرةً في غزوةٍ إلّا كبّرنا معه، ولا حمل حملةً إلّا حملنا معه، ولا ضرب ضربةً بالسيف إلّا وضربنا معه. يا محمّد، إن اشتقتَ أن تنظر إلى عيسى بن مريم في عبادته، وإلى يحيي بن زكريا في زهده وطاعته، وإلى سليمان بن داود في مملكته وسخاوته، وإلى موسى بن عمران

_______________________

١ ـ مودّة القربى ٢٦؛ المناقب لابن مغازليّ ٢١٢.

٢ ـ المناقب للخوارزميّ ٨٩.

١٠٤

في شوكته وشجاعته، وإلى إبراهيم في صَدَقته وإنابته، فانظر إلى عليّ بن أبي طالب. فأنزل الله قوله : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا)١ إلى آخر الآية.٢

ومن الواضح أنّ هذا السؤال مِن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس إلّا مِن باب «تَجاهُل العارف» كما في قوله تعالى : (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ) وإلّا فمن الثابت أنّ رسول الله عارفٌ بمنزلة خليفته عند أهل السّماء.

وإن تسأل : عن الهدف مِن هذا السؤال، فالجواب : لعلّ الهدف أن يجري هذا الحوار بين النّبيّ وجبرئيل، ثمّ نطّلع عليه نحن المسلمين، فنزداد معرفة بأبي الحسن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وفي حديث آخر : مَن أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته، وإلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرئيل في عظمته وجلالته، وإلى آدم في سلامته، وإلى نوح في حُسنه، وإلى إبراهيم في خلّته وسخاوته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى سليمان في مُلكه، وإلى موسى في مناجاته وشجاعته، وإلى أيّوب في صبره، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.٣

وقال زين الدّين عليّ بن يوسف في ذكر مساواة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بأحد وعشرين نبيّاً : لقمان وذي القرنين، وأنّه يباهي به الملائكة عليهم‌السلام.٤

أمّا مساواته لآدم عليه‌السلام فقال : الله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)٥، ولعليّ عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها.

_______________________

١ ـ الزخرف / ٤٣.

٢ ـ إحقاق الحقّ ١٥ / ٦١٨.

٣ ـ مناقب المرتضويّ ٢٠٧؛ ينابيع المودّة ٢ / ٣٠٦.

٤ ـ نهج الإيمان ٦٥٣ ـ ٦٦٤.

٥ ـ البقرة / ٣١.

١٠٥

وهذا الحديث من الأحاديث المعتبرة الصحيحة الّتي قد أجمعت أئمّة الحديث والحفّاظ من الفريقين على صحّته وتوثيق سنده، وقد تواتر وروده بطرق شتّى وأسانيد عديدة.

وزواج آدم عليه‌السلام في الجنّة، وزواج عليّ عليه‌السلام كذلك. قال الخوارزميّ في مناقبه في حديث طويل... قال جبرئيل عليه‌السلام : ثمّ أوحى إليَّ أنّ أعقد عقدة النكاح، فإنّي قد زوّجتُ أمَتي قاطمة بنت حبيبي محمّد من عبدي ابن أبي طالب...١

وآدم عليه‌السلام خليفة الله بقوله تعالى : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)،٢ وعليّ عليه‌السلام خليفة، بما رواه المخالف والمؤالف.

وأمّا مساواته مع إدريس عليه‌السلام : أُطعِم إدريس عليه‌السلام بعد وفاته من طعام الجنّة، وأُطعم عليّ في حياته منها مراراً.

فمنها : نزلت مائدة من السّماء أكلوا منها سبعة أيّام. وحديث المائدة ونزولها عليهم معروف مشهور، رواه صدر الأئمّة موفّق بن أحمد الخوارزميّ في حديث طويل في ذيل آيات سورة الدهر في قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) فهبط جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمّد، خُذ هنّأك الله في أهل بيتك...٣

ومنها أيضاً : قال محمّد بن يوسف الكنجيّ الشافعيّ بإسناده : قال أبوهارون : أصبح عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ذات يوم فقال : يا فاطمة، هل عندك شيئاً تُغذّينيه؟

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٣٤٢ ـ ٣٥٤؛ مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٠؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ٢٢ / ٤٠٧؛ الموضوعات لابن الجوزيّ ١ / ٤١٥.

٢ ـ البقرة / ٣٠.

٣ ـ المناقب للخوارزميّ ٢٦٧ ـ ٢٧٤؛ تفسير الثعلبيّ ١٠ / ٩٨ ـ ١٠١؛ تفسير القرطبيّ ١٩ / ١٣٢ ـ ١٣٤؛ شواهد التنزيل ٢ / ٣٩٣ ـ ٤١٥؛ تفسير الكشّاف ٤ / ١٩٧؛ المناقب لابن مغازليّ ٢٧٢ ـ ٢٧٤.

١٠٦

قالت : لا والذي أكرم أبي بالنبوّة، ما أصبح عندي شيء أغذّيكه... فاستقرض عليّ عليه‌السلام ديناراً أراد أن يبتاع طعاماً، وإذا عرض له المقداد في يوم شديد الحرّ قد لوّحته الشمس من فوقه وآذته من تحته، فلمّا رآه أنكره، وقال : يا مقداد، ما أزعجك من رَحلك هذه السّاعة؟ قال : يا أبا الحسن، خَلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي، قال : يا ابن أخي، إنّه لا يحلّ لك أن تكتمني حالك. قال : أمَا إذا أبيتَ، فوالذي أكرم محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة، ما أزعجني من رَحلي إلّا الجَهد، ولقد تركتُ أهلي يبكون جوعاً، فلمّا سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض، فخرجت مغموماً راكباً رأسي، فهذه حالي وقصّتي. فهملت عينا عليّ عليه‌السلام بالبكاء، حتّى بلّت دموعُه لحيته، قال : أحلِفُ بالّذي حلفتَ، ما أزعجني غير الّذي أزعجك! ولقد اقترضتُ ديناراً، فهاك آثرتك على نفسي، فدفع إليه الدينار ورجع حتّى دخل مسجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله، فصلّى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلمّا قضى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة المغرب، فقال : يا أبا الحسن، هل عندك شيء تُعَشّينا؟ فانفتل إلى الرَّحل، فأطرق عليّ عليه‌السلام ساعة لا يحير جواباً حياء مِن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله، وقد عرف الحال الّتي خرج عليها، فلمّا نطر إلى سكوت عليّ عليه‌السلام قال : يا أبا الحسن، ما لك أولا ينصرف عنك أو تقول نعم. فأجيئي معك، فقال له : حبّاً وتكرمة، بلى، إذهب بنا، وكان الله تعالى قد أوحى إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تَعَشَّ عندهم.

فقال عليّ عليه‌السلام : بلى، فأخذ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى دخلا على فاطمة عليها‌السلام في مصلّى لها، وقد صلّت وخلفها جَفنة تفور دخاناً، فلمّا سمعت كلام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في رحلها خرجت من المصلّى فسلّمت عليه ـ وكانت أعزّ النّاس عليه ـ فردّ السلام، ومسح بيده على رأسها، وقال : كيف أمسيتِ رحمك الله؟ عَشِّينا غفر الله لك وقد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه، فلمّا نظر عليّ عليه‌السلام إلى الطعام وشمّ

١٠٧

ريحه...

قال : فأنّى لك هذا الّذي لم أرَ مثله قطّ، ولم أرَ مثل رائحته، ولم آكل أطيب منه؟! فوضع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّه المباركة بين كتفي عليّ عليه‌السلام وقال : يا عليّ، هذا ثواب لدينارك، هذا جزاء بدينارك، هذا من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.١

ومساواته مع إدريس عليه‌السلام : سمّي إدريس لأنّه درس الكتب كلّها، وقال تعالى في عليّ : (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ).٢ وإدريس أوّل من وضع الخطّ، وعليّ عليه‌السلام أوّل مَن وضع علم النحو باتّفاق الفريقين.٣

ومساواته مع نوح عليه‌السلام : نجا مَن ركب مع نوح في السفينة، ونجا من تمسّك بعليّ وذرّيّته عليه‌السلام، لقول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، مَن ركب فيها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق.٤

ومساواته مع إبراهيم عليه‌السلام : قال الله تعالى في إبراهيم (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)٥، وقال تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)٦، وعليّ عليه‌السلام من أهل البيت، كما نقل الفريقان.

وإبراهيم عليه‌السلام كسر الأصنام كما نطق القرآن، وعليّ عليه‌السلام كسر الأصنام، ويأتي

_______________________

١ ـ كفاية الطالب ٣٢٩، ٣٣٠.

٢ ـ الرعد ٤٣؛ وقاله الثعلبيّ في تفسيره ٥ / ٣٠٣. انظر : زاد المسير في علم التفسير ٤ / ٢٥٢؛ شواهد التنزيل ١ / ٤٠١؛ تفسير القرطبيّ ٩ / ٣٣٦؛ تفسير البلال القلاقل ٢ / ١٩٤.

٣ ـ مجمع الآداب في معجم الألقاب ٥ / ١٨٠؛ حياة الحيوان ١ / ١٢.

٤ ـ هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المتواترة المجمع عليها، وطرقه كثيرة جدّاً.

٥ ـ هود / ٧٣.

٦ ـ الأحزاب / ٣٣.

١٠٨

في لقبه عليه‌السلام قالع الأصنام، وقال تعالى : (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ)١. وقال في عليّ (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).

ومساواته مع يوسف عليه‌السلام : إخوة يوسف لمّا بان لها زيادة النعمة وكمال الشفقة في أخيهم حسدوه، وكذا قريش حسدوا عليّاً حيث كان أفضلهم في كلّ شيء.٢

وقبل ليوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا)٣، وعليّ عليه‌السلام الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم، يأتي في لقبه الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم.

ومساواته مع موسى عليه‌السلام : أحيا الله تعالى بدعاء موسى عليه‌السلام قوماً، بقوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ)٤ وأحيا الله تعالى بدعاء عليّ عليه‌السلام أصحاب الكهف والرقيم بقول الفريقين. وقد روى كثير من العلماء أنّ بدعاء عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أحيا الله سام بن نوح وأصحاب الكهف بوادي صرصر وغيرها، وقد اشتهر الذكر بكلام الجمجمة له، ومشهد الجمجمة ببابل من دلائله، وهذه الجمجمة لجندي بن كركر ملك الحبشة صاحب الفيل القاصد لهدم البيت.٥

وعن الفقيه ابن المغازليّ الشافعيّ نقل حديث البساط، وإحياء أصحاب الكهف، وهو : عن أنس بن مالك قال : أُهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بساط من بَهَنْدف فقال لي : يا أنس، أبسطه فبسطته، ثمّ قال : أدعُ العشرة فدعوتُهم، فلمّا دخلوا أمرهم بالجلوس على البساط، ثمّ دعا عليّاً فناجاه طويلاً، ثمّ رجع عليّ فجلس

_______________________

١ ـ ١ النجم / ٣٧.

٢ ـ فرائد السمطين ١ / ١٦٣، ١٥٢.

٣ ـ يوسف / ١٠١.

٤ ـ البقرة / ٥٦.

٥ ـ نهج الإيمان ٦٥٦؛ أسرار الإمامة ٤٨٧؛ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٣٦.

١٠٩

على البساط. ثم قال : يا ريح، إحملنا فحملتنا الرّيح. قال : فإذا البساط يَدِفُّ بنا دفّاً. ثمّ قال : يا ريح ضَعينا. ثمّ قال : تدرون في أي مكان أنتم؟ قلنا : لا، قال : هذا موضع أصحاب الكهف والرّقيم، قوموا فسلّموا على إخوانكم. قال : فقمنا رجلاً رجلاً فسلّمنا عليهم، فلم يردّوا علينا، فقام عليّ بن أبي طالب فقال : السلام عليكم، معاشر الصّدّيقين والشّهداء، قال : فقالوا : علك السلام ورحمة الله وبركاته. قال : فقلت : ما بالهم ردّوا عليك ولم يردّوا علينا؟ فقال لهم عليّ عليه‌السلام : ما بالكم لم تردّوا على إخواني؟ فقالوا : إنّا معاشر الصّدّيقين والشّهداء لا نكلّم بعد الموت إلّا نبيّاً أو وصيّاً. قال : يا ريح احملينا، فحملتنا تدفّ بنا دفّاً. ثمّ قال : يا ريح ضعينا، فوضعهم فإذا نحن بالحرّة، قال : فقال عليّ : نُدرك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر ركعة، فطوينا وأتينا وإذا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ في آخر ركعة (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا).١

ومساواته مع موسى عليه‌السلام : أكرم موسى بشير وشبير، وأكرم عليّاً بشبر وشبير، وهما الحسن والحسين عليهما‌السلام. وجرّ موسى الحجر من رأس البئر لمّا ورد ماء مَديَن وكان يجرّ الحجرَ أربعون رجلاً. وعلىّ جرّ الحجر من عين راجوما وكانت مائة رجل قد عجزت عن قلعه. ويأتي ذكره في لقب «قالع الصخرة».

و (قَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)٢. قال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، بنقل الفريقين.

ومساواته مع يوشع عليه‌السلام : رُدّت عليه الشّمس، وعليّ عليه‌السلام ردّت عليه الشمس غير مرّة، بقول الفريقين. وروى هذا الحديث أهل المذاهب الأربعة، وهذه المنقبة

_______________________

١ ـ المناقب لابن المغازليّ ٢٣٣؛ تفسير الثعلبيّ ٦ / ١٥٦؛ إحقاق الحقّ ٤ / ٩٨؛ العمدة لابن البطريق ٣٧٣؛ نهج الإيمان ٢١٤.

٢ ـ الأعراف / ١٤٢.

١١٠

مرويّة في كثير من مصادر الفريقين.

ورواه منهم الفقيه الشافعيّ بن مغازليّ، والحافظ الكنجيّ والطحاويّ والحافظ العسقلانيّ في عمدة القاري في شرح صحيح البخاريّ، والحافظ السيوطيّ، وسبط ابن الجوزيّ في تذكرته، وابن حجر الهيثميّ وغيرهم، عن أسماء بنت عميس قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوحىٰ إليه ورأسه في حجر عليّ، فلم يصلّ العصر حتّى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّيتَ يا عليّ؟ قال : لا، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهمّ، إنّ عليّاً كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردُد عليه الشمس. فرأيتها غربت، ثمّ رأيتها طلعت بعد ما غربت.١

ومساواته بأيّوب عليه‌السلام : قال الله تعالى في أيّوب (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا)٢، وقال : في عليّ : (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ)٣. صَبَر أيّوب سنين، وصَبَر عليّ ثلاث سنين في الشِّعب مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

مساواته مع جرجيس عليه‌السلام : صبر في المحن، وعليّ صبر في الفتن. كسر جرجيس صنماً، وكسر عليّ الأصنام.

مساواته مع يونس عليه‌السلام : التقمه الحوت وهو مُليم، وعليّ سلّمت عليه الحيتان. قال الله تعالى في يونس (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (٤). وكذا أوتي عليّ الحكم والوزارة والخلافة صبيّاً، وقد ثبت عند الفريقين.

_______________________

١ ـ المناقب لابن المغازليّ ٩٦؛ كفاية الطالب ٣٤٢، ٣٤٩؛ مشكل الآثار للطحاويّ ٢ / ٨، ٤ / ٣٨٨؛ لسان الميزان ٥ / ١٣٩؛ عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ٧ / ١٤٦؛ جمع الجوامع ٥ / ٢٧٧؛ تذكرة الخواصّ ٥٣؛ الصواعق المحرقة ١٢٨؛ المناقب للخوارزميّ ٣٠٦؛ الرياض النضرة ٢ / ١٤٠؛ المستدرك للحاكم ٣ / ١٣٠.

٢ ـ البقرة / ١٥٦.

٣ ـ الصافّات / ١٤٧.

٤ ـ التحريم / ١٢.

١١١

ومساواته بذي القرنين عليه‌السلام : ذو القرنين سدّ الله تعالى به على يأجوج ومأجوج وسدّ الله بعليّ كيد الشياطين عن الشيعة. وذو القرنين كان يعرف لغات الخلق، وعليّ عليه‌السلام عُلِّم منطق الدوابّ والوحوش والجنّ والإنس والملائكة.

مساواته مع لقمان الحكيم عليه‌السلام : قال الله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ)١ فظهرت منه الحكمة، وعليّ ظهرت منه العلوم واستفاضت. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا دار الحكمة وعليّ بابها.

ومساواته مع داود عليه‌السلام : قال الله تعالى : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (٢)، وعليّ هو الخليفة. قتل داودُ جالوت، وقتل عليّ عمرو بن عبد ودّ ومرحباً. وكان لداود الحكومة، وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقضاكم عليّ.

ومساواته بسليمان عليه‌السلام : قال الله تعالى حاكياً عنه (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي)٣، أعطاه الله تعالى خاتم الملك، وعليّ عليه‌السلام تصدّق بالخاتم، سليمان طلب مُلكاً، وعليّ قال : يا صفراء يا بيضاء غُرّي غيري. وكان سليمان سائلاً للخاتم، وعليّ معطياً له. وسليمان وعليّ عليه‌السلام كلّ منهما مصيب للحقّ في ذلك طائع لله عزّ وجلّ.

ومساواته مع عيسى عليه‌السلام : كانت ولادة عيسى عليه‌السلام مكانا قصيّاً، وولادة عليّ في جوف الكعبة.٤ عيسى نزلت عليه المائدة، وعليّ نزلت عليه المائدة من الجنّة، قال الله في عيسى عليه‌السلام (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ) (٥). وقال في عليّ (وَمَنْ عِندَهُ

_______________________

١ ـ لقمان / ١٢.

٢ ـ ص / ٢٦.

٣ ـ ص / ٣٥.

٤ ـ نهج الإيمان ٦٦٣؛ كفاية الطالب ٣٦٦؛ الفصول المهمّة ٣٠؛ تذكرة الخواصّ ١٢؛ المستدرك للحاكم ٣ / ٤٨٣؛ نور الأبصار ٦٩؛ الغدير ٦ / ٣٨ ـ ٢١.

٥ ـ آل عمران / ٤٨.

١١٢

عِلْمُ الْكِتَابِ). وقال عيسى : (وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ)١ وعليّ أحيا سام بن نوح وأصحاب الكهف والرقيم والجمجمة.

ومساواته بحمّد صلوات الله عليهما : محمّد سيّد الأنبياء. وعليّ سيّد الأوصياء. ركب النّبيّ البُراقَ ليلة المعراج، وركب عليّ على كتف النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة كسر الأصنام بقول الفريقين. محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء، وعليّ خاتم الأوصياء٢. وقد ذكرت مساواته له صلى‌الله‌عليه‌وآله في عدّة أشياء في ضمن ألقاب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

جنب الله٣

عن هاشم بن أبي عمّار قال : سمعت أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام يقول : أنا عين الله، وأنا جنب الله، وأنا يد الله، وأنا باب الله.٤

وعن أبان بن تغلب عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام في قول الله تعالى : (يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)٥، قال خلقنا الله جزء من جنب الله، وذلك قوله عزّ وجلّ : (يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)، يعني ولاية عليّ عليه‌السلام.٦

وروى الخطيب بإسناده حديثاً مسنداً إلى ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليلة عُرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوباً : لا إله إلّا الله ،

_______________________

١ ـ آل عمران / ٤٩.

٢ ـ نهج الإيمان ٦٥٣ ـ ٦٦٤.

٣ ـ الاحتجاج للطبرسيّ ١٢٩ ـ ١٣٤.

٤ ـ بصائر الدرجات ٨١.

٥ ـ الزّمر / ٥٦.

٦ ـ بصائر الدرجات ٨٢؛ المائة منقبة لابن شاذان ٨٧ ح ٥٤.

١١٣

محمّد رسول الله، عليّ جنب الله، الحسن والحسين صفوتا الله، وفاطمة الزهراء أمّة الله، على باغضيهم لعنة الله.١

حامل اللّواء

عن ابن طاووس قال : فيما تذكره من تسمية النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمولانا عليّ عليه‌السلام يعسوب الدّين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، والحامل غداً لواء ربّ العالمين.٢

وقال أبو جعفر الطبريّ صاحب التاريخ في كتابه، في حديث طويل : عن جابر الأنصاريّ، عن سلمان الفارسيّ قال : قلنا يوماً : يا رسول الله، مَنِ الخليفةُ بعدك حتّى نعلمه؟ قال لي : يا سلمان، أدخِل علَيّ أبا ذرّ والمقداد وأبا أيّوب الأنصاريّ وأمّ سلمة زوجة النّبيّ من وراء الباب. ثمّ قال : اشهَدوا وافهَموا عنّي : إنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وصيّي ووارثي، وقاضي دَيني وعِدتي، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل. وهو يعسوب المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، والحامل غداً لواء ربّ العالمين ...٣

وعن ابن شهر آشوب قال بإسناده : كانت راية قريش ولواؤها جميعاً بيدي قصيّ بن كِلاب، ثمّ لم تَزَل الراية في يد عبد المطلّب، فلمّا بُعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أقرّها في بني هاشم ودفعها إلى عليّ عليه‌السلام في أوّل غزاة حملت فيها وهي ودّان، فلم نزل معه. وكان اللّواء يومئذ في عبد الدار فأعطاه النّبيّ مصعب بن عمير فاستشهد يوم أحد، وأخذها النّبيّ ودفعها إلى عليّ عليه‌السلام، فجميع يومئذ له الراية

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٣٠٢، وفيه «عليّ حبيب الله»؛ تاريخ بغداد ١ / ٢٥٩.

٢ ـ اليقين ٤٨٧، ٤٨٨؛ تذكرة الخواصّ ٥؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢١٤.

٣ ـ كتاب الولاية ٧٤.

١١٤

واللّواء، وهما أبيضان.

وعن زيد بن عليّ عن آبائه عليهم‌السلام : كُسرت زند عليّ يوم أحد وفي يده لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، فسقط اللّواء من يده فتحاماه المسلمون أن يأخذه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فضعوه في يده الشمال؛ فإنّه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.١

حبل الله المتين٢

يُضرب الحبل مثلاً لكلّ وسيلة ينجو بها الإنسان، خصوصاً إذا كان التخوّف من السّقوط، فإنّ الحبل وسيلة ينجو بها المتسلّق في الجبال يمسك به ويحفظ نفسه من السقوط، بل أكثر من ذلك فهو وسيلة للارتفاع وصعود القمم الشامخة وبلوغ الأمانيّ الصعبة.

ولمّا كانت جهنّم هي الهاوية وحُفر النيران الّتي لها جذب وتدعو من أدبر وتولّى وكلّ منّا واردها، انحصر طريق النجاة بالتمسّك بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؛ لأنّهم على الصراط المستقيم، وهم حبل الله، والتمسّك بهم منجاة من السقوط. وجاء في كثير من الأخبار تفسير حبل الله في قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) بالنّبيّ والأئمّة عليهم‌السلام.٣

عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام في خطبة طويلة له :... مضىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلّف في أمّته كتاب الله ووصيّه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام

_______________________

١ ـ المناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٤٤.

٢ ـ نفس المصدر ٣ / ٣٣١.

٣ ـ أمالي الطوسيّ ٢٧٢؛ مناقب آل أبي طالب ٢، ٢٧٣؛ شواهد التنزيل ١ / ١٦٨ ـ ١٧٠؛ الهداية الكبرى ٢٣٩.

١١٥

أمير المؤمنين، وإمام المتّقين، وحبل الله المتين، وعروته الوثقى.١

وفي قوله تعالى : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ)٢. قال : الحبل من الله كتاب الله، والحبل من النّاس هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.٣

وقال عليّ عليه‌السلام : أنا الهادي وأنا المهتدي، وأنا أبو اليتامى والمساكين وأنا ملجأ كلّ ضعيف ومأمن كلّ خائف، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنّة، وأنا حبل الله المتين، وأنا العروة الوثقى، وكلمة التقوى، وأنا عين الله، ولسانه الصادق.٤

وقال الثعلبيّ بإسناده : روى أبان بن تغلب عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : نحن حبل الله، قال الله عزّ وجلّ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).٥

وروى أبو سعيد الخُدريّ عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : أيّها النّاس، إنّي تركت فيكم خليفتين، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. ألا وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض.٦ ويخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن دنوّ أجله وقرب رحيله

_______________________

١ ـ اللوامع النورانيّة ٣٩، ٤٠.

٢ ـ آل عمران / ١١٢.

٣ ـ اللوامع النورانيّة ٦٤.

٤ ـ التوحيد للصدوق ١٦٤؛ ينابيع المودّة ٣ / ٤٠١.

٥ ـ تفسير الثعلبيّ ٣ / ١٦٣؛ الصواعق المحرقة ١٥١، والآية في سورة آل عمران / ١٠٣.

٦ ـ مسند أحمد بن حنبل ٥ / ١٨٩، ١٩٠، ٤٩٢، ٦ / ٢٣٢، ٢٤٤؛ مصابيح السنّة ٤ / ١٩٠؛ طبقات ابن سعد ١ / ١٩٤؛ المستدرك للحاكم ٣ / ١١٠؛ الموطّأ ٢ / ٨٩٩ رقم ٣؛ تهذيب التهذيب ٨ / ٣٧٧؛ الصواعق المحرقة ١٤٥؛ ١٤٩، ١٢٦، وفيه : أنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها، فقال : هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتّى يردا عَلَيّ الحوض؛ تذكرة الخواصّ ٣٢٢؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ / ١٠٩، ٥ / ١٦٦ رقم ٤٩٦٩؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ ٧ / ٤٩ رقم ٦٠٨١؛ المعجم الصغير ١ / ١٣١، ٧١، ذكر أخبار إصبهان ١ / ١٦١؛ حلية الأولياء

١١٦

عن هذه الحياة : يقول : وإنّي تارك فيكم الثّقَلين.

وروى الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الغيبة تأويل هذه الآية، وهو من محاسن التّأويل، عن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه قال : قا عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالساً في المسجد، وأصحابه حوله، فقال لهم : يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه. قال : فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر، فتقدّم وسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجلس، وقال : يا رسول الله، إنّي سمعت الله يقول : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، فما هذا الحبل الّذي أمر الله بالاعتصام به، ولا نتفرّق عنه؟ قال : فأطرق ساعة، ثمّ رفع رأسه، وأشار إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : هذا حبل الله الّذي مَن تمسّك به عُصم في دنياه، ولم يضلّ في أخراه، الحديث.١

وهذا الحديث المشهور بحديث الثقلين، يدلّ على أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّف لأُمّته هذين الثقلين العظيمين واعتمد عليهما، وقرن سعادة المسلمين بالتمسّك بهما معاً.

واعتبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً عليه‌السلام عِدل القرآن وأحد الثقلين، وصرّح أنّهما لن يفترقا إلى يوم القيامة، فالقرآن مع العترة، والعترة مع القرآن، فمن لم يتمسّك بأهل البيت لم يتمسّك بالقرآن وإن زعم ذلك، وهو في الآخرة من الخاسرين ،

_______________________

٤ / ٢٣؛ المناقب لابن مغازليّ ١٨، ٢٣٤ ـ ٢٣٦؛ سنن الدارميّ ٢ / ٤٣١، كتاب فضائل القرآن؛ خصائص النسائيّ ١١٢ رقم ٧٨؛ مجمع الزوائد ٩ / ١٨٣؛ المناقب للخوارزميّ ١٥٤ رقم ١٨٢؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٦٣٣ رقم ٣٧١٣؛ السنن الكبرى للبيهقيّ ٥ / ٤٥ رقم ٨١٤٨؛ تهذيب الكمال ١١ / ٩٠؛ فيض القدير ٣ / ١٥، وفيه : في هذا الحديث تصريح بأنّهما ـ أي القرآن والعترة ـ كتوأمين خلّفهما وأوصى أُمّته بحسن معاملتهما وإيثار حقّهما على أنفسهم والاستماك بهما في الدّين.

١ ـ الغيبة للنعمانيّ ٤١، باب ٢؛ تأويل الآيات الظاهرة ١٢٣؛ نهج الإيمان ٥٤٧.

١١٧

ويشمله قوله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).١

وممّا يؤسف له أنّ خصوم أهل البيت حرّفوا هذا الحديث النبويّ الشريف فحذفوا كلمة «عترتي» ووضعوا مكانها كلمة «سُنّتي» دفعاً لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبريراً لتمسّكهم ـ حسب زعمهم ـ بالسُّنّة وتركهم العترة الطاهرة.

المطلب الأساسيّ في هذا الحديث هو أنّ الثقلين لايقبلان التفكيك بينهما فلا يتيسّر الأخذ بأحدهما دون الآخر كما قيل : «حسبنا كتاب الله». وهذا هو المفهوم من الحديث لا الإخبار بأنّهما لايختلفان، ولا يفترقان، ولا يقع بينهما الجدال، فهذا أمر ضروريّ لم يحتج إلى البيان. والخبر برمّته متّفق عليه بين العامّة والخاصّة.

وقال الحاكم الحسكانيّ بإسناده في تفسير قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) عن عليّ بن موسى الرّضا عليه‌السلام، عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ عليّاً، وليأتمّ بالهداة من ولده.

وعنه أيضاً وعن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : نحن حبل الله الّذي قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا)، فالمستمسك بولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام المستمسك بالبرّ، فمن تمسّك به كان مؤمناً ومن تركه كان خارجاً من الإيمان.٢

وقال زين الدين عليّ بن يوسف بن جبر بإسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة نودي : أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود

_______________________

١ ـ الكهف / ١٠٣ ـ ١٠٤.

٢ ـ شواهد التنزيل ١ / ١٦٨، ١٦٩.

١١٨

فيقال، لسنا إيّاك أردنا وإن كنت لله خليفة، فيقوم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فيأتي النداء : يا معشر الخلائق، هذا عليّ بن أبي طالب خليفة الله في أرضه، وحجّته على عباده، فمَن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم، ليستضيء بنوره وليتبعه إلى الجنّة.١

الحبيب٢

أمّا الأسماء الّتي كان المرتضى عليه‌السلام فيها سَميّ المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي الصاحب، وعبد الله، والأخ، وسيّد العرب، والحبيب.٣

وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إذا لم يَلقَ عليّاً : أين حبيب الله وحبيب رسوله؟٤

وعن ابن عبّاس قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة العصر، فأبطأ في أوّل الركعة حتّى قلنا، قد سها، أو غفل! ثمّ أوجز في صلاته، وجلس في محرابه، فأقبل بوجهه علينا، ثمّ قال : أين حبيب الله وحبيبي؟ قلنا : من هو يا رسول الله؟ قال : أين أخي وابن عمّي عليّ بن أبي طالب؟

قال : فأجاب عليّ عليه‌السلام من آخر النّاس : لبيّك يا رسول الله، لا تَلُمني فإنّ بلالاً قد أقام الصلاة وكُنت قد رقدت فاستيقظت، فانطلقت إلى منزل زوجتي فاطمة، فناديتُ : يا فاطمة فلم يُجبني أحد. حتّى ناديت : يا فضّة، يا قنبر؟ فلم يُجبني أحد. ثمّ ناديت : يا حسن ويا حسين، فلم يجبني أحد، فإذا أنا بهاتف يهتف : يا ابن أبي طالب، التَفِتْ عن يمينك وخُذ وضوءك من الماء.

_______________________

١ ـ نهج الإيمان ٣٨٩؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٧٨.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٢٤.

٣ ـ العسل المصفّى ٢ / ٣٦٥.

٤ ـ بحار الأنوار ٣٧ / ٢٩٩.

١١٩

قال ابن عبّاس : قال عليّ عليه‌السلام : فالتفتّ فإذا أنا بِقُدُسٍ١ من الذهب الأحمر وعليه منديل أبيض، فأخذت المنديل من القُدُس، فإذا أنا بالماء أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج، فتوضّأت للصّلاة، وتمسّحتُ بالمنديل، ثمّ رَدَدت المنديل إلى القُدُس، فلا أدري يا رسول الله مَن وضعه ومَن رفعه؟ فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بانت ثناياه. ثمّ قال : يا أبا الحسن، أتدري مَن أتاك بالقدس؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : أتاك به جبرئيل من جنّات النّعيم، والماء من نهر الكوثر، والذي وضّأك كان جبرئيل، والّذي مَندَلك كان ميكائيل، ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

والّذي نفس محمّد بيده، لقد قبض إسرافيل على عضدي، فلم يَدَعني أركع ولا أسجد حتّى لحقتَ معي الصّلاة. ثمّ ضمّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى نفسه وقبّل ما بين عينيه، فقال : بأبي من كان خدّامه الملائكة.٢

وعن عائشة، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا حضرته الوفاة : ادعوا لي حبيبي، فدَعَوا له أبا بكر، فنظر إليه ثمّ وضع رأسه! ثمّ قال : ادعوا لي حبيبي، فدَعَوا له عمر، فلمّا نظر إليه وضع رأسه! ثمّ قال : ادعوا لي حبيبي، فدَعَوا له عليّاً عليه‌السلام، فلمّا رآه أدخله معه في الثوب الّذي كان عليه، فلم يزل يحتضنه حتّى قُبض ويده عليه.٣

ينظر : الأمين، الخليفة.

_______________________

١ ـ القُدُس : على زنة عُنُق، وهو القَدَح أو الصغير منه.

٢ ـ العسل المصفّى ٢ / ٣٦٨؛ المناقب لابن مغازليّ ٩٤؛ المناقب للخوارزميّ ٣٠٤؛ كفاية الطالب ٢٥٦.

٣ ـ الرياض النضرة ٢ / ١٤١؛ ذخائر العقبى ٧٢.

١٢٠