تراثنا ـ العدد [ 1 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 1 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: نمونه
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

كتابه، وهما غير مجهولين عند علماء هذه الفرقة؟

فعلى فرض كل واحد من هذين الاحتمالين، فلابدّ أنّ المقتبس لمطالب الآخر من دون تصريح بالنقل، يعتبر سارقاً!

وكلّ من النوبختي والأشعري ـ وهما من الأعلام في فنّيهما ـ ساحتهما بريئة من هذه النسبة البذيئة، ولن نحتاج إلى أيّ من الغرضين فيما لو نسبنا كتاب (فرق الشيعة) المطبوع إلى الأشعري (٦٤).

وحيث أن الاُستاذ إقبال لم يطّلع على كتاب (المقالات) للأشعري، كان يعتقد بأنّ (فرق الشيعة) المطبوع باستانبول هو كتاب الأشعري، لكن بما أنّا أثبتنا أنّ (المقالات) المطبوع هو النصّ الكامل للأشعري، فليس لنا أن نلتزم بأنّ (فرق الشيعة) له، بل نعتقد ـ كما سيأتي ـ أنّه مختصر مخلوط من كتابه، ونتّفق مع الاُستاذ إقبال في أنّه ليس للنوبختي.

والملاحظ أنّ شيخ الاسلام الزنجاني ـ وهو ممّن يرى صحة نسبة (فرق الشيعة) إلى النوبختي ـ يستدلّ بالفوارق الموجودة بينه وبين نصوص كتاب الأشعري على مايذهب إليه، لكنّه يهمل جانب التشابه الموجود بينهما، فلا يستفيد من الاتّحاد، بل يقول بهذا الصدد: «حيث أنّ أبا محمد النوبختي وسعد بن عبدالله القمي الأشعري كانا متعاصرين، يمكننا أن نستكشف من هذه العبارات [ المنقولة عن كتاب الأشعري والموجودة في فرق الشيعة المطبوع ]: أنّ كتاب فرق الشيعة [ المقالات ] لسعد متأخّر في التأليف عن فرق الشيعة تأليف النوبختي، حيث أنّ المعتاد في التأليف المتأخّر غالباً أن يضاف عليه ويتصرّف في شيء من عبارات المؤلّف للتقدّم» (٦٥).

ويلتزم بهذه الدعوى الدكتور مشكور أيضاً (٦٦)، لكنّها بلا بيّنة ولابرهان، وذلك للوجوه التي ذكرها الاُستاذ إقبال، وهي:

الأول: أنّه ليس لنا أيّ مصدر يدلّ على تقدّم تأليف النوبختي على تأليف سعد، مع أنّهما كانا متعاصرين، ويعيشان الأحداث، فأيّ داع لنقل أحدهما عن الآخر ماكان يعيشه ويراه، أو يستوي في إمكانيات تحصيله والوقوف عليه مع غيره.

الثاني: أيّ داع في عدم إشارة سعد إلى نقله عن النوبختي، وفي أن ينسب كتاب النوبختي إلى نفسه بمجرّد إضافة شيء، إن كان الأمر كذلك ثم مع هذا لم يلتفت أعلام الفنّ ـ كالنجاشي والطوسي ـ إلى ذلك (٦٧)؟!.

الثالث: أنّه لو كان سعد ناقلًا لكتاب النوبختي ـ مع التصريح أو بدونه ـ لم يك أيّ سبب لعدم نقل الكشّي والطوسي مباشرة عن النوبختي، وهو في غاية الشهرة في هذا الفن، وهو ـ بالفرض ـ مصدر لسعد في كتابه (٦٨).

وتتمخّض هذه المقارنة عن أمرين:

الأول: الاختلاف بين الكتابين بزيادة كتاب الأشعري على كتاب النوبختي،

٤١

وتقدّر الزيادة بحوالي (٣٠) صفحة، وقد جعل الدكتور مشكور هذا دليلا على التعدّد.

الثاني: أوجه الشبه بينهما حتى في النظم والاُسلوب، وفي كثير من الجمل والمقاطع، وهذا ممّا نستند إليه في ما نرى كما سيأتي، ويؤكّد هذا الأمر أنّ علّامة الفنّ شيخنا الطهراني كان يعتبر كتاب (فرق الشيعة) المنسوب إلى النوبختي نسخة لكتاب (المقالات) للأشعري، وأنّه كتاب واحد طبع تارة باسم (فرق الشيعة) منسوباً إلى النوبختي، واُخرى باسم (المقالات والفرق) منسوباً إلى سعد (٦٩).

(فرق الشيعة) المطبوع، هل هو للنوبختي؟

وقبل أن نذكر رأينا في البحث لابدّ أن نأتي على أدلّة الطرفين، فالاُستاذ إقبال يستند في نفيه عن النوبختي إلى اُمور:

الأول: عدم وجود أيّة قرينة داخلية أو خارجية تدلّ على نسبة المطبوع إلى النوبختي، عدا وجود اسمه عل النسخ المخطوطة وهي كلّها حديثة، لااعتبار بها، وقد أوضحنا ذلك عند حديثنا عن نسخه.

الثاني: مطابقة الموجود في (فرق الشيعة) المطبوع للمنقولات عن الأشعري، عند الكشّي والطوسي وقد سبق أن منقولاتهما صحيحة النسبة إلى كتاب الأشعري.

الثالث: أنّ المنقولات عن النوبختي عند المفيد ومورده افتراق الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري عليه السلام إلى أربعة عشر فرقة (٧٠)، لاتطابق الموجود في (فرق الشيعة) المطبوع، فلا يكون المطبوع للنوبختي.

يقول الاُستاذ إقبال في كلمة جامعة لأدلّته بعد أن فارق بين المنقولات عن سعد وبين الموجود في (فرق الشيعة) المطبوع، ما ترجمته: «إنّ مانقلناه في الجداول عن الطوسي والكشّي هو منقول عن سعد بن عبدالله الأشعري قطعاً، ومانقلناه عن المطبوع يتّحد معها من حيث العبارة ومن حيث المضمون ومع أنّه ليس هناك أيّ قرينة، أو إشارة إلى نسبته إلى النوبختي، فلأيّ سبب لانعتقد بأنّ الكتاب هو لسعد ابن عبدالله، بل نعدّه من تأليفات أبي محمد النوبختي؟» (٧١).

وقد ردّ الشيخ الزنجاني على الأمر الثاني من أدلّته بما ترجمته: «إنّ الشيخ المفيد قد تصرّف في العبارة [ التي نقلها عن كتاب النوبختي ] ولم ينقل نصّ الكتاب لطوله، بمعنى أنّه قدّم أولًا الفرقة الامامية الأصلية، التي هي في كتاب النوبختي الفرقة الثانية عشرة لأهمّيّتها، وذكر مقالاتها من عند نفسه وفق المذهب الإمامي، وبعد ذلك أورد الفرق الاُخرى بنفس ترتيب كتاب النوبختي وسياقه مع التلخيص والتصرّف من عند نفسه بحيث يصحّ مع التأمّل» (٧٢).

٤٢

ودفع الاُستاذ إقبال هذا الردّ بما ترجمته: «أمّا الاختلافات الواقعة بين عبارة المفيد في (الفصول المختارة من العيون والمحاسن)، وبين (فرق الشيعة) المطبوع، وعدم ترتيب الفرق الأربعة عشر ـ الموجودة في الكتابين ـ فنحن نجعلها دليلًا على أنّ (فرق الشيعة) المطبوع هو كتاب الأشعري لا النوبختي، إذ أنّ الاتّحاد الموجود بين المطالب المنقولة بواسطة الكشّي والطوسي وبين (فرق الشيعة) المطبوع، لا يوجد بين عبارة المفيد وبين فرق الشيعة المطبوع.

مضافاً إلى الاختصار الشديد في عبارة المفيد، فانّها لاتتّفق مع الكتاب المطبوع، لامن حيث المتن ولامن حيث تعداد الفرق، فانّها على ترتيب آخر، وفيها بعض المواضيع الاضافية على المطبوع، ونحن نشير هنا إلى الفروق المهمّة بين عبارة المفيد المنقولة عن النوبختي وبين الموجود في فرق الشيعة المطبوع:

١ ـ ذكر الفرقة الاُولى = الفرقة الثانية عشرة في (فرق الشيعة) المطبوع.

٢ ـ ذكر الفرقة الرابعة = الفرقة الثالثة في (فرق الشيعة).

٣ ـ ذكر الفرقة الخامسة = الفرقة الرابعة في (فرق الشيعة).

٤ ـ ذكر الفرقة السابعة = الفرقة السادسة في (فرق الشيعة) (٧٣).

نقول: إنّ هذ المقارنة تقتضي التأكّد من نفي نسبة (فرق الشيعة) المطبوع إلى النوبختي لأنّ ظاهر المفيد هو النقل عن النوبختي بدون تصرّف.

ولو فرض عدم الالتزام بمطابقة نقل المفيد للمنقول عنه بل نلتزم بأنّه تصرّف عند النقل، فغاية ما يدلّ عليه النقل إنّما هو وجود كتاب للنوبختي في موضوع الفرق قد نقل عنه المفيد، وهذا لابحث فيه ولانزاع، وأمّا كون المنقول عنه هو هذا المطبوع، باسم فرق الشيعة، فلا دلالة في كلام المفيد عليه مادامت عبارته تختلف عمّا فيه، ومجرّد ذكر الفرق الأربعة عشر في المطبوع لايكفي، إذ لعلّ المفيد اعتمد كتاباً آخر في كتب النوبختي ولكثيرة في هذا الموضوع.

وردّ الشيخ الزنجاني على الأمر الثالث من أدلّة إقبال بقوله: «إنّ ما نقله الكشّي ـ وهو يُتراءى أنّه عين عبارة هذا الكتاب (فرق الشيعة) ـ يبدو بعد الموازنة والمقارنة بين عبارتيهما أنّهما على اختلاف بيّن.

وهكذا العبارة المنقولة في (الغيبة) للطوسي... تختلف عن الموجود في هذا الكتاب (فرق الشيعة)» (٧٤).

ودفعه الاُستاذ إقبال بأنّ هنا الاختلاف نشأ من قبل الناقلين عن كتاب سعد (٧٥).

ونقول: إنّ الاختلافات بين منقولات الكشّي والطوسي وبين (فرق الشيعة) طفيفة تبتنى على الاختصار، ولو قرنت بما في نسخة المقالات لاتّضح التقارب بين (فرق الشيعة) وبين المنقولات، وأنّ التفاوت إنّما هو ضئيل جداً.

٤٣

مضافاً إلى أنّ الاختلاف واقع بين المنقولات عن سعد عند الكشي والطوسي، ونفس كتاب سعد.

ويستند الشيخ الزنجاني والدكتور مشكور في قولهما بصحة نسبة ( فرق الشيعة ) المطبوع إلى النوبختي إلى دليلين:

الأول: ما ذكره الزنجاني بقوله: «إنّ سياق عبارة الكتاب [ أي فرق الشيعة ] المطبوع ينبىء عن أنّ الاُسلوب اُسلوب شخص متكلّم مثل النوبختي، لاكلام شخص فقيه مثل الأشعري» (٧٦).

وقد ردّ عليه الاُستاذ إقبال بقوله:

«إنّ هذا ليس برهاناً قاطعاً، حيث أنّ فقهاء ذلك العصر ـ الذي كان عصر المجادلات والمناظرات ـ كانوا يلجأون إلى هذا الطور من البحث أحياناً في ردّ خصومهم، والمثال عليه أنّ الصدوق يتصدّى لردّ أقوال خصومه ويناظرهم في أول كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) وكأنّه متكلّم إماميّ» (٧٧)، والصدوق محمد بن عليّ من المحدّثين الشيعة بل (رئيس المحدثين) منهم.

نقول: لم يبق بحال لادّعاء الشيخ الزنجاني، بعد العثور على نصّ كتاب الأشعري، وملاحظة الشبه الكبير بين نسخته ونسخة فرق الشيعة فلو كان لمدّع أن يلتزم بمثل هذا، لزمه أن ينسب نصّ كتاب (المقالات) إلى النوبختي.

والغريب أنّ الدكتور مشكور الذي أشرف على طبع المقالات و قارنه بفرق الشيعة يتمسّك بمثل هذا الادّعاء، فكيف يمكنه الالتزام به مع التزامه بأنّ كتاب (المقالات) ـ وهو على نفس الاُسلوب بزعمه، ولايختلف عن (فرق الشيعة) إلّا في الزيادة ـ إنّما هو لمحدّث فقيه وهو سعد بن عبدالله الأشعري؟!

الثاني: ماذكره الدكتور مشكور من زيادة المقالات على فرق الشيعة، وأنّ ذلك آية التعدّد، يقول: «إنّ سطور متن هذا الكتاب تزيد بنسبة غير قليلة في كل صفحة من صفحاته على كتاب النوبختي (فرق الشيعة) المطبوع» (٧٨).

نقول: هل أنّ مجرد زيادة نسخة على نسخة في مقدار [ سطور ] الصفحات يدلّ على كونهما من تأليف شخصين، ويهمل جانب التشابه بينهما والتطابق التامّ في العبارات في الصفحات المشتركة، وكذا جانب نظم المواضيع والاُسلوب وما إلى ذلك من أوجه الشبه المقتضية للاتّحاد؟ نعم إنّ الاختلاف بينهما في الزيادة والنقيصة يقتضي الاعتقاد باختصار الناقص عن الكامل.

رأينا:

وفي الختام نورد مانراه في هذا الكتاب وهو أنّه ليس من تأليف النوبختي وإنّما هو نسخة مختصرة من كتاب الأشعري نسب إلى النوبختي خطأ، وذلك للقرائن التالية:

٤٤

القرينة الاُولى: تماثل اختلاف النسخ:

إنّ من المعروف أنّ الكتاب الواحد قد تختلف نسخه المتعدّدة في بعض العبارات، فتختلف العبارة من نسخة إلى اُخرى، وهذا الأمر متداول معروف لأهل المزاولة للمخطوطات، أمّا الكتابان المختلفان لمؤلّفين مختلفين فلا وجه في أن يكون اختلاف نسخهما بشكل واحد متماثل، لكن هذا هو الواقع في (فرق الشيعة) و (مقالات الأشعري) فما نجده من اختلاف النسخ في بعض كلمات المقالات، نجده بعينه في تلك الكلمة من (فرق الشيعة)

وهذا ممّا يقرب الظنّ بأنّهما كتاب واحد لمؤلّف واحد، لاكتابان لمؤلّفين ولم يسعني الوقت إلّا لمطابقة صفحات من الكتابين، وهاك قائمة ببعض الموارد وقد اعتمدنا نسخة (المقالات) المطبوعة ونسخة (فرق الشيعة) المطبوعة ١٣٨٨ طبعة رابعة بالنجف: ـ

١ ـ قارن التعليقة رقم (١) ص (٣٠) من فرق الشيعة، بالتعليقة رقم (٤) ص (٩) من المقالات.

٢ ـ قارن التعليقة رقم (٢ و٣) ص (٣٠) من الفرق، بالتعليقة رقم (١) ص (١٠) من المقالات.

٣ ـ قارن التعاليق رقم (٥ و٦ و٧) ص (٣٣) من الفرق، بالتعليقة رقم (١ و٢) ص (١٢) من المقالات.

٤ ـ قارن التعليقة رقم (٢) ص (٣٤) من الفرق، بالتعليقة رقم (٥) ص (١٢) من المقالات.

٥ ـ قارن التعليقة رقم (٤ و٥) ص (٣٧) من الفرق، بالتعليقة رقم (١ و٢) ص (١٦) من المقالات.

٦ ـ قارن التعليقة رقم (١) ص (٣٩) من الفرق، بالتعليقة رقم (٦) ص (١٧) من المقالات.

٧ ـ قارن التعاليق رقم (١ و٢ و٣) ص (٤٠) من الفرق، بالتعاليق رقم (٣ و٤ و٥) ص (٢٠) من المقالات.

القرينة الثانية: التشويش في (فرق الشيعة):

إنّ (فرق الشيعة) المطبوع بالاضافة إلى ركاكة تعبيره في كثير من المواضع وخروجه عن النسق العباري المتّحد الذي يقتضيه تأليف الكتاب الواحد، يحتوي على جملة من المطالب التي لايمكن الالتزام بها، وليس منشأها الاختلاف في الآراء،

٤٥

بل إنّها أخطاء لامبرّر لها إطلاقاً، ومع هذا الخطأ الواضح لايمكن نسبة الكتاب إلى النوبختي، الذي يعدّ من أعلام الفنّ، بل أشهر المؤلّفين فيه، والمبرّز على نظرائه فيه، كما يقول النجاشي (٧٩).

بينما نرى أن نفس تلك المطالب ـ وبتحوير قليل في العبارة ـ موجودة في المقالات للأشعري بمعنى مفهوم صحيح.

وهذا يقرّب كون كتاب (فرق الشيعة) مقتبساً بالاختصار من (المقالات) وإليك بعض المواضع المذكورة:

١ ـ جاء في (فرق الشيعة) عند ذكر أئمّة الزيدية: «فمن خرج مستحقاً للإمامة فهو الإمام» (٨٠)، وهذا الكلام غير متوازن، إذ المفروض في مذهب الزيدية أنّهم يجعلون الخروج إمارة على استحقاق الإمامة، فلامعنى للقول بأنّ الإمام إذا خرج وكان مستحقاً للإمامة فهو إمام، لأنّ مفاد ذلك هو ثبوت حقّ الإمامة له سابقاً على الخروج، وهم إنّما يريدون معرفة الاستحقاق بنفس الخروج، بينما نجد عبارة الأشعري في المقالات: «فمن خرج منهم وشهر سيفه و دعا إلى نفسه فهو مستحقّ للامامة» (٨١).

٢ ـ جاء في (فرق الشيعة) عند ذكر آراء الزيدية: «وهاتان الفرقتان هما اللّتان ينتحلان أمر زيد بن علي بن الحسين، وأمر زيد بن الحسن بن علي» (٨٢)، والخطأ هنا أن زيداً الثاني ليس هو ابن الحسن السبط وإنّما هو زيد بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن الامام عليّ عليهم السلام وهذا هو الذي جاء في المقالات (٨٣).

٣ ـ جاء في (فرق الشيعة) عند ذكر مدّة إمامة الحسين عليه السلام: «وكانت إمامته ستّ عشرة سنة وعشرة أشهر وخمسة عشر يوماً» (٨٤)، وهذا خطأ واضح لأنّه جاء فيه قبل هذا أنّ وفاة الحسن عليه السلام كان في صفر سنة (٤٧) للهجرة، وقد كان قتل الحسين عليه السلام في محرم سنة (٦١) للهجرة فيكون مجموع إمامة الحسين: ثلاثة عشر سنة وعشرة أشهر وأياماً، وهذا هو الثابت عند الأشعري في (المقالات) (٨٥).

وتتّفق جميع النسخ المخطوطة مع النسخ المطبوعة في ما أوردنا عن (فرق الشيعة).

القرينة الثالثة: جملة (ليس من الأصل):

جاء في (فرقة الشيعة) المطبوع ذكر نسب اُمّ الهادي الخليفة العباسي، الخيزران بنت منصور، وجاء في آخره الكلمات التالية: «إلى زيادة ليس من الأصل» وهذه الجملة موجودة في جميع نسخ فرق الشيعة، فهي في ص (٢٦) ط إستانبول، وص (٧٢) ط الثالثة بالنجف، وص (٦٥) ط الرابعة بالنجف.

٤٦

وفي النسخ المخطوطة: ص (٢٩) من نسخ كاشف الغطاء برقم (١٠٨٢)، وص (٢١) من نسخته برقم (٦٧٩)، وص (٢٠) من نسخة السيد الحكيم برقم (١٨٦٧)، وص (٣٠) من نسخته برقم (١٠٣٧).

والمستفاد من هذه الجملة ابتداء هو أنّ نسخة فرق الشيعة المطبوع إنّما هو فرع لنسخة اُخرى، وهل المراد بكلمة (الأصل) هو النسخة الأصلية المنتسخ عنها، أو المراد الأصل المختصر منه؟ لا سبيل للقطع بأحد الأمرين.

لكن هنا قرينة تثبت مانحن بصدده فإنّا إذا رجعنا إلى نسخة (المقالات) للأشعري لم نجد فيها هذه الجملة الزائدة، فعلى ماذا تدلّ هذه المقارنة؟

إنّا نعتبرها قرينة داخلية واضحة على أنّ نسخة (المقالات) هي الأصل لـ (فرق الشيعة)، ثم إنّ النسب المذكور موجود في المقالات أيضاً لكنّه فيها ينتهي «يعرب بن قحطان» (٨٦)، لكن في (فرق الشيعة) جاء بعده: «قحطان بن زيادة بن اليسع بن الهميسع... إلى آخره».

نقول: إنّ (قحطان) هو أصل عرب اليمن، وإليه تنسب القحطانية، وفي اسم أبيه قولان:

الأول: ما عليه الجمهور، من أنّه (عابر بن شالخ).

الثاني: قول البعض: من أنّه (الهميسع بن سلامان).

جاء ذلك في تعليقة على كلمة (قحطان) من شجرة أنساب العرب من كتاب السويدي (٨٧)، ومن ذلك يعلم أنّ ماورد في (فرق الشيعة) من أنّ قحطان بن زيادة غلط قطعاً.

والذي يبدو لي أنّ المذكور بعد كلمة قحطان في فرق الشيعة، إنّما هو كلمة (من زيادة) والمقصود بها: أنّ الزيادة تبدأ من هنا، ويقابلها كلمة (إلى زيادة) في آخر النسب، وهنا الاستعمال متعارف عند الكتّاب والنسّاخ القدامى، حيث كانوا يشيرون به إلى مواضع الزيادة ابتداء في النسخ.

وحيث أنّ نسخ (المقالات) تنتهي عند كلمة قحطان، فتكون الزيادة في فرق الشيعة مبتدئة من ما بعدها، ويكون (المقالات) هو الأصل لكتاب (فرق الشيعة) ويكون هو ـ طبعاً ـ مختصراً و مأخوذاً منه.

ومن الغريب أنّ الدكتور مشكور ـ الذي اعتنى بطبع كتاب (المقالات) ومقابلته بكتاب فرق الشيعة ـ يغفل عن مدلول هذه الجملة، ولم يتنبّه إلى هذه القرينة.

بينما نجد الاُستاذ إقبال ـ وهو لم يقف على نسخة (المقالات) ـ قد تنبّأ من ذي قبل بهذه القرينة، وعبّر عنها بقوله: «إنّ المطبوعة التي لم يحصل منها ـ لسوء الحظ ـ على نسخة قديمة تبدو لمن يطالعها بدقّة مليئة بالأغلاط والتحريفات، وكأنّها نسخة ثانية مأخوذة من أصلها» (٨٨).

٤٧

القرينة الرابعة وهي قرينة خارجية:

إنّ التشابه الكبير بين الكتابين والذي ذكرناه سابقاً يزيد في الظنّ باتّحادهما وأنّهما لمؤلف واحد، وحيث أنّ كتاب (فرق الشيعة) وإن نسب إلى النوبختي إلّا أنّه لم يقم دليل على صحّة هذه النسبة، وقد أشرنا إلى ذلك فيما مرّ، كما أوضحنا عدم علميّة ما ادّعي دليلًا على صحّة النسبة، ومن جهة ثانية: فإنّ كتاب (المقالات) صحيح الإنتساب إلى الأشعري كما أوضحناه أيضاً.

ويحصل من مجموع هذا قياس ينتج: أنّ (فرق الشيعة) ليس للنوبختي وإنّما هو مأخوذ من كتاب الأشعري.

وباجتماع هذه القرائن الأربع، وتأكّد بعضها ببعض، يتحصّل الإطمئنان بما ذهبنا إليه من أنّ (فرق الشيعة) ليس إلّا نسخة مختصرة من (مقالات) الأشعري.

وليس هو النصّ الكامل لكتاب الاشعري كما زعم الاُستاذ إقبال، لأنّه لم يطّلع على النصّ الكامل لكتاب (المقالات)، وإلّا فمن الواضح أنّ النقول التي استند إليها فيما ذهب إليه أوفق بكتاب (المقالات) من (فرق الشيعة) وأكثر تطابقاً معه.

هذا، ولم نعرف عن الشخص الذي قام بعملية الاختصار ولاعن زمن الاختصار بالتحديد، ولكنّ المقطوع به أنّه لم يكن عالماً بالفنّ، ولذا قد خلط وخبط في اختصاره، وفي رأينا أنّ الإلتزام بهذا الرأي يعتبر الحدّ الوسط بين الرأيين، و به تحلّ جميع مشاكل البحث، والحمدلله ربّ العالمين.

٤٨

(١)

Bibliotheca Islamica

Die Sekten Der Schi\'a Von AL - Hasan

Ibn Musa An - Naubahti

Istanbul - ١٩٣١.

(٢) المقالات والفرق سعد بن عبدالله الأشعري، ط ١٩٦٣، مط حيدري ـ طهران، مقدّمة الدكتور محمد جواد مشكور، ص: كج.

(٣) رجال الطوسي: محمد بن الحسن الطوسي، شيخ الطائفة، ط ١٣٨١ هـ، مط الحيدرية ـ النجف ص ٤٦٢.

(٤) الفهرست: شيخ الطائفة، ط ١٣٨٠ هـ، مط الحيدرية ـ النجف، ص ٧١ برقم ١٦١.

(٥) الرجال: أحمد بن علي، أبوالعباس، النجاشي، المتوفّ سنة ٤٠٥، ط... ـ مركز نشر كتاب طهران ـ مط مصطفوي، ص ٤٩ ـ ٥٠.

(٦) فرق الشيعة: الحسن بن موسى النوبختي، ط ١٩٣١ ـ مطبعة الدولة ـ إستانبول، ص: ح ـ كا.

(٧) خاندان نوبختي: عباس إقبال آشتياني، ط ١٣١١ ش ـ مط مجلس ـ طهران، ص ١٢٥ ـ ١٦٥.

(٨) الفهرست: الشيخ الطوسي، ص ٧١ برقم ١٦١.

(٩) الرجال: النجاشي ص ٥٠.

(١٠) معالم العلماء: محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني، ط ١٣٨٠ هـ مط الحيدرية ـ النجف، ص ٣٢ ـ ٣٣.

(١١) نقد العلم و العلماء أو تلبيس إبليس: عبدالرحمن ابن الجوزي البغدادي، ط....، مط إدارة الطباعة المنيرية ـ مصر، ص ٣٩ و ٤٦ و ٦٣ و غيرها.

(١٢) فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، المقدّمة ص: كب ـ كز.

(١٣) خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٣٩.

(١٤) الرجال: النجاشي، ص ٥٠.

(١٥) الفهرست: محمد بن إسحاق الورّاق، ابن النديم ١٣٩١ هـ، مط دانشگاه طهران، ص: ٢٢٥، الفهرست: الشيخ الطوسي، ص ٧١ برقم ١٦١، معالم العلماء: ابن شهر آشوب، ص: ٣٢ ـ ٣٣.

(١٦) راجع: الذريعة إل تصانيف الشيعة: آقا بزرگ الطهراني، ج ١٦ ص: ٢٤٤ وج ١٥ ص: ٣٨٦.

(١٧) الفصول المختارة من العيون والمحاسن للمفيد: الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي، ط ١٣٨١ هـ، مط الحيدرية ـ النجف، ص ٢٥٨.

(١٨) فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، ص ٧٩، وقارنه بالمصدر السابق.

(١٩) منهاج السنّة النبوية: أحمد بن عبدالحليم، ابن تيميّة الحراني، ط ١٣٢١، مط بولاق ـ مصر ج ٢ ص ١٠٥.

(٢٠) الدروس الشرعية في فقه الامامية: محمد بن مكي الشهيد الأول، ط.... على الحجر ـ إيران بالقطع الوزيري، الورقة: ١١٦.

(٢١) فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، ص ٢.

(٢٢) المغني في أبواب العدل والتوحيد: القاضي عبدالجبّار الهمداني الأسد آبادي، ط....، مط الدار المصرية للتأليف ـ القاهرة، جزء الامامة، القسم ٢ص: ١٨٢.

(٢٣) المصدر السابق، ص: ١٨٥.

(٢٤) الرجال: النجاشي، ص ٥٠.

(٢٥) فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، ص: كا.

(٢٦) الشيعة وفنون الاسلام: السيد حسن الصدر الكاظمي، ط....، مط العرفان ـ صيدا، ص ٥٧.

(٢٧) الذريعة: آقا بزرگ الطهراني، ج ١٦ ص: ١٧٩.

(٢٨) فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، مقدمة الناشر، ص: و.

(٢٩) خاندان نوبختي: عباس إقبال، ص ١٤٢.

(٣٠) فرق الشيعة: النوبختي، ط ١٣٨٨، الرابعة، النجف، ص ٢١.

٤٩

(٣١) الذريعة: آقا بزرگ الطهراني، ج ١٦ ص: ١٧٩.

(٣٢) الرجال: النجاشي، ص ١٣٣.

(٣٣) الفهرست: الشيخ الطوسي، ص: ١٠١ برقم ٣١٨.

(٣٤) رجال العلّامة الحلي (خلاصة الأقوال): الحسن بن يوسف الحلّي، ط ١٣٨١، مط الحيدرية ـ النجف ص: ٧٨ ـ ٨٩.

(٣٥) المقالات والفرق: الأشعري، تقديم الدكتور مشكور ص: ج ـ يا.

(٣٦) الفهرست: الشيخ الطوسي، ص ١٠١ برقم ٣١٨.

(٣٧) معالم العلماء: ابن شهر آشوب، ص ٥٤.

(٣٨) الرجال: النجاشي، ص ١٣٤.

(٣٩) بحار الأنوار: العلّامة الشيخ محمد باقر المجلسي، ط ٣٧٦، مط حيدري ـ طهران، ج ١ ص ١٥.

(٤٠) المصدر السابق، ج ١ ص ٣٢.

(٤١) الذريعة: آقا بزرگ الطهراني ج ٢١ ص ٣٩٤، وج ١٦ ص ١٧٩.

(٤٢) اُنظر: المقالات والفرق: الأشعري، ص ٨٧، الفقرة رقم ١٦٣، وقارن: اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشّي، لانتخابه منه): الشيخ الطوسي ط ١٣٤٨ ش، مط دانشگاه، مشهد، ص ٢٥٤، الفقرة رقم ٤٧٢.

(٤٣) اُنظر: المقالات والفرق: الأشعري، ص٩١ ـ ٩٢، الفقرة رقم ١٧٨، وقارن: اختيار معرفة الرجال: الطوسي، ص ٤٧٨ ـ ٤٧٩، الفقرتين رقم ٩٠٦ و ٩٠٧.

(٤٤) اُنظر: المقالات والفرق: الأشعري، ص٢٠، الفقرة رقم ٥٦، وقارن: اختيار معرفة الرجال: الطوسي، ص ١٠٨، الفقرة رقم ١٨٤.

(٤٥) اُنظر: المقالات والفرق: الأشعري، ص١٠٠، الفقرة رقم ١٩٥، وقارن: اختيار معرفة الرجال: الطوسي، ص ٥٢٠ الفقرة رقم ١٠٠.

(٤٦) خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٥٥.

(٤٧) المصدر السابق، ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٤٨) المقالات والفرق: الأشعري، ص ١٠٠ الفقرة رقم ١٩٥، وقارن: الغيبة: الشيخ الطوسي، ط ١٣٨٥ مط النعمان ـ النجف، ص٢٤٤ - ٢٤٥.

(٤٩) خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٥.

(٥٠) الذريعة: آقا بزرگ الطهراني: ج ٢١ ص ٣٩٤.

(٥١) المقالات والفرق، الأشعري، مقدمة مشكور، ص: يح ـ يط.

(٥٢)

Dr. Mashkur: An - Nawbakhti: - Les Sectes Shiites

Traduction Annotee avec Introduction,

parue dans la revue l\'histoire des  religions.

presses Universitaires de France, cl ٣.١٩٥٨

(٥٣) المقالات والفرق: الاشعري، المقدمة ص: ك ـ كد.

(٥٤) هزاره شيخ طوسى (مجموعة من الكلمات التي اُلقيت في الذكرى الألفية للشيخ)، ترجمة: علي دواني، ط ١٣٤٩ مط كرچ ـ إيران ج ٢ ص١٩٣ ـ ٨٢٠٠

(٥٥) المقالات والفرق: الأشعري، ص ٩١، الفقرة رقم ١٧٨، وص ١٠٠، الفقرة رقم ١٩٤.

(٥٦) المصدر السابق، ص ٦٢ الفقرتين برقم ١٢٢ و ١٢٣.

(٥٧) مختصر بصائر الدرجات: الشيخ حسن بن سليمان الحلي، ط ١٣٧٠ هـ، مط الحيدرية ـ النجف، ص ٣.

(٥٨) الغيبة: الطوسي، ص ١٦٠ و ٢٨١.

(٥٩) راجع: تنقيح المقال في أحوال الرجال: الشيخ عبدالله المامقاني، ط ١٣٥٢، مط المرتضوية ـ النجف، ج ٣ ص١٦٧ ـ ١٦٩.

(٦٠) المقالات والفرق: الأشعري، ص١٠٠ الفقرة رقم ١٩٥.

(٦١) الكافي: محمد بن يعقوب، الشيخ الكليني، ط ١٣٧٧ هـ، مط حيدري ـ طهران، ج٣ (الاول من الفروع) ص ٣٢٤، الحديث رقم (١٥).

٥٠

(٦٢) المقالات والفرق: الأشعري، المقدمة، ص: ك ـ كج.

(٦٣) هزاره شيخ طوسي: ترجمة: علي دواني، ج ٢ ص ١٩٩.

(٦٤) خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٦٥) المصدر السابق، ص ١٥٧.

(٦٦) المقالات والفرق: الأشعري، مقدّمة الدكتور مشكور، ص: كج ـ كد.

(٦٧) خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٥٩.

(٦٨) المصدر السابق، ص ١٥٨.

(٦٩) الذريعة: آقا بزرگ الطهراني، ج ١٦ ص ١٧٦، وج ٢١ ص ٣٩٤.

(٧٠) فرق الشيعة: النوبختي، ط استانبول، ص ٧٩، والفصول المختارة: الشريف المرتضى، ص ٢٥٨.

(٧١) خاندان نوبخت: إقبال، ص ١٥٦.

(٧٢) المصدر السابق، ص ١٥٧ ـ ٥٨.

(٧٣) المصدر السابق، ص ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٧٤) المصدر السابق، ص ١٥٧.

(٧٥) المصدر السابق، ص ١٥٨.

(٧٦) المصدر السابق، ص ١٥٨، والمقالات والفرق: الأشعري، المقدّمة، ص: كد.

(٧٧) خاندان نوبختي: إقبال، ص١٦١.

(٧٨) المقالات والفرق: الأشعري، المقدّمة، ص كج.

(٧٩) الرجال: النجاشي، ص ٤٩.

(٨٠) فرق الشيعة، ط الرابعة ـ النجف، ص ٤٠.

(٨١) المقالات والفرق: الأشعري، ص ١٨.

(٨٢) فرق الشيعة، ط الرابعة ـ النجف، ص ٤٣.

(٨٣) المقالات والفرق: الأشعري، ص ٢٥.

(٨٤) المصدر السابق، ص ٦٩.

(٨٥) سبائك الذهب للسويدي ص ١٦.

(٨٦) خاندان نوبختي، ص١٥٥.

٥١

٥٢



كتب محققة تحت الطبع

١ ـ وسائل الشيعة

٢ ـ مستدرك الوسائل

٣ ـ نقد الرجال

٥٣

٥٤

وسائل الشيعة

السيد جواد الشهرستاني

بغية كل محقق، ومشكاة كل فقيه، قبس وضاء يستضىء العلماء بنوره ويرتوون من معينه المتدفق، ويغوصون في أعماقه لاقتناء درره.

خير مجموعة حديثية منتقاة من كلام هداة الاُمّة ومنقذيها من الضلالة والغواية، ورشحات عبقة من هدي أئمة أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً،

والوسيلة التي ترفد الفكر النيّر لاستنباط الأحكام الشرعية، والمحور الذي تدور عليه رحى الأبحاث العليا في الحوزات العلمية لترتيبه الجيد و منهجيّته الحسنة، وهو كما قال مؤلفه:

«كتاب يطمئن الخاطر به، و تركن النفس اليه، ويصلح للوثوق به والاعتماد عليه، ويكتفي به أرباب الفضل والكمال، في الفقه والحديث والرجال.

كتاب كافل ببلوغ الأمل، كاف في العلم والعمل، يشتمل على أحاديث المسائل الشرعية، ونصوص الأحكام الفرعية، المروية في الكتب المعتمدة الصحيحة التي نصّ على صحّتها علماؤنا نصوصاً صريحة، تكون مفزعاً لي في مسائل الشريعة، ومرجعاً يهتدي به من شاء من الشيعة».

استخرج مؤلفه الأحاديث الكثيرة في الفروع الفقهية والآداب الشرعية من الكتب الأربعة، وأضاف إليها أحاديث كثيرة من كتب الأصحاب الاُخرى التي تربو على مائة وثمانين كتاباً.

ووزّع الاحاديث حسب الترتيب الفقهي من الطهارة الى الديات.

* * *

لقد افنى مؤلفه الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن علي بن محمد بن الحسين الحر العاملي المشغري المتوفى عام ١١٠٤ هجرية مايقارب من العشرين عاماً من عمره الشريف في تأليف هذا السفر العظيم، وبذل مجهوداً كبيراً وشاقاً بمؤازرة و تأييد إلٰهي.

قال العلّامة الكبير آية الله العظمى السيد البروجردي (ره) في مقدمته لكتاب جامع أحاديث الشيعة عند ذكره لوسائل الشيعة أنه:

٥٥

جاء بأحسن ما صنّف في هذا الفن وله علينا حق عظيم، شكر الله تعالى مساعيه وأرضاه.

وقال المحقق الخونساري في روضاته (ج ٧/٩٦):

هو صاحب كتاب «وسائل الشيعة»، وأحد المحمدين الثلاثة المتأخرين الجامعين لأحاديث هذه الشريعة، و مؤلّف كتب ورسائل كثيرة اخر في مراتب جليلة شتى... [ كان ] في غاية سلامة النفس وجلالة القدر، ومتانة الرأي، ورزانة الطبع، والبراءة من التصلب في الطريقة، والتعصب على غير الحق والحقيقة، والملازمة في الفقه والفتوى لجادة المشهور من العلماء، والملازمة للصدق والتقوى في مقام المعاملة مع كل من هؤلاء وهؤلاء.

منهجية مؤسسة آل البيت عليهم السلام في التحقيق:

في الوقت الذي نثمن ونكبر الدور الذي خطه آية الله الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي بقيامه بتحقيق هذا السفر العظيم، ومابذله من جهد جهيد وعمل جبار ومتواصل و دؤوب لإخراجه بالشكل اللائق به، لكن تعوزه بعض الاُمور الهامة التي كانت السبب للشروع بتحقيقه وإخراجه بحلّة اُخرى منها:

١ ـ انه اعتمد في عمله على نسخة العلّامة الكبير الطباطبائي المصححة على نسخة الشيخ محمد الخمايسي المطابقة مع نسخة الحر العاملي.

وقد تمكنّا بفضل الله وسعي أهل الخبرة والإطّلاع بالحصول على جلّ نسخ الأصل التي هى بخط مؤلفه الحر العاملي، وكان من جراء ذلك اطلاعنا على وجود أخطاء فاحشة وأغلاط كثيرة في النسخة المحققة السابقة.

فمنها التصحيفات الواردة في سلسلة السند كما في «خثيمة» الذي هو «خيثمة» أو سقوط كلمة كما في «محمد بن موسى بن القاسم» والصحيح أنه «محمد بن يحيى عن موسى بن القاسم» كما في النسخة الخطية، أو مارواه عن محمد بن يحيى العمركي الخراساني وهو خطأ لسقوط كلمة (عن) قبل (العمركي) فتأمّل.

ومنها التصحيفات الواردة في كثير من كلمات المتن أو سقوط كلمة تؤدي الى تغيير المعنى.

علماً بأن لمؤلفه العظيم هوامش هامة ومفيدة أعرض عنها مصححو النسخة التي اعتمد عليها المرحوم الرباني الشيرازي، أشرنا إليها في طبعتنا المحققة.

٢ ـ سعت المؤسسة منذ البداية للاستفادة من الخبرات العلمية التي يمتلكها الفضلاء والعلماء كلّ حسب اختصاصه، ومراجعتهم في ضمن دائرة عملهم لإخراج

٥٦

الكتاب على أحسن مايرام.

وقد تشكلت أربع لجان:

الاولى: مهمتها استخراج الأحاديث ومطابقتها مع النسخة الأصلية والمصدر، وذكر موارد الاختلاف لفوائده الجمة للمحقق عند مراجعته لها.

وعنت الثانية باستخراج الكلمات الصعبة من المعاجم اللغوية والإشارة للتصحيفات الموجودة.

والثالثة مهمتها الاشارة الى موارد ما (تقدم ويأتي) بدقة متناهية.

وأما الرابعة فعملها التنسيق بين اللجان الثلاث، والتخطيط لرسم الهوامش واثبات الصالح منها وترك مايستدعي تركه.

٣ ـ الاخراج الفني من تقويم النص وتوزيعه: لم يكن الإخراج السابق على وتيرة و شاكلة واحدة من توزيع النص، فلذا تطلّب منّا الاهتمام باخراجه بحلّة قشيبة خالية من الاخطاء المطبعية والفنية.

وختاما نبتهل الى الله جل وعلا أن يهدينا سواء الطريق، ويأخذ بيدنا لما فيه صلاحنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

٥٧

٥٨

مستدرك الوسائل

بقلم التحرير

استدراك ما فات الحر العاملي في كتابه العظيم وسائل الشيعة، وقد كفانا مؤونة التعريف به ماجادت به القريحة الوقادة للعلم العلّامة والأديب الأريب الشيخ عباس كاشف الغطاء بتقريظه الشعري الرائع الوصف بقوله:

وسائل الحر أعيت من يباريها

لله أقلامه قد جلّ باريها

حتى بدا الكوكب (النوري) متضحاً

فأبصر الطرف منه مايساويها

(مستدركاً) لنصوص غاب أكثرها

عن (الوسائل) تزهو باسم راويها

ومدّعين سواه قط ماعرفوا

نصّاً ولاحفظوا إلّا أساميها

فلو رأى الحر ما استدركته لزها

وقال: أحسنتَ قد تمّت مبانيها

فيالك الخير كم تسعى لنيل علاً

ببذل نفس فما خابت مساعيها

مازلت تبرز أخباراً وقد خفيت

حتى كشفت لنا مستور خافيها

تلك المكارم قد خَصّ الكريم بها

كفّ (الحسين) فقل لي من يجاريها

آيُ السؤال وآي الراسخون إذا

تلوتها فحسين من معانيها

أنامل لك ما خطّت سوى حكم

عن أهل بيت لها الرحمن يوحيها

أخرجت للناس أخباراً معنعنة

أسندتها لرواة صرّحت فيها

عن النبيّ عن الآل الكرام معاً

عن جبرئيل عن الرحمن ترويها

هذّبت (تهذيبها) (الكافي) (الفقيه) فان

(بحارها) التطمت يلقاك (وافيها)

فيالك الأجر مادامت مصاحفها

تُتلا وفاز بنيل النجح تاليها

وأما عن منهجية التحقيق فاقتطفنا نتفاً يسيرة من المقدمة المطبوعة للنسخة المحققة التي قامت مؤسسة آل البيت (ع) بتحقيقها.

وقد تشكلت عدة لجان لتحقيق هذا السفر القيم:

الاُولى: مهمتها استخراج الأحاديث التي نقله المحدّث النوري من الكتب الاُصول المعتمدة عنده، مع ضبط النص و ذكر موارد الاختلاف الموجودة بين النسختين، الأصل المنقول عنه والمستدرك الذي هو بخط المحدّث النوري، واصطدمنا في بداية الطريق بعدم وجود تلك الاُصول لا في إيران ولا في غيرها، كما

٥٩

أخبرنا بذلك متضلعو الفن مثل «لبّ اللباب»، و «الكتاب الكبير» للبرقي، وغيره من المصادر الحديثية الاُخرى، وبذلنا قصارى الجهد باستخراجه من مصدر آخر قدر الامكان.

ومهمتها الاخرى مقابلة النسخة الخطية ومطابقتها مع الاصول المعوّل عليها، وذكر موارد الاختلاف الحاصل بينها.

وقد تضلّع الكثير منهم في هذا الحقل وصاروا من ذوي الخبرة والاطلاع لاستخراج الحديث المتعسر حصوله من أبوابه الاُخر وبالسرعة المطلوبة.

الثانية: تتحدد مهمتها الى قسمين:

أ ـ استخراج الكلمات الصعبة المتعسرة الفهم وشرحها في الهامش وعزوها الى مصادرها اللغوية المهمة.

ب ـ مطالعة الكتاب بدقة متناهية لاستخراج التصحيفات الموجودة في الكتاب، ولانكون مبالغين إن قلنا: إنّ عدد التصحيفات التي عثر عليها هؤلاء الاخوة تربو على المئات وهو أمر ليس بالهين عند ذوي الخبرة والاطلاع والتحقيق، ولايعرف قدره إلّا أصحاب الممارسة الجادة، ومنها هذه التصحيفات والتحريفات على سبيل المثال لا الحصر:

١ ـ ماجاء في ج ١/٥٢٢ باب ٧ ح ٢ من الطبعة الحجرية (به أربعين) وهو تحريف بيّن صحّته (بدانقين) كما يظهر من سياق الحديث ومن تقسيم الدرهم أيّامذاك الى دوانق.

٢ ـ ماجاء في ج ١/٤٣٨ باب ١ ح ٢ من الطبعة الحجرية (الرضاب) وصحتها (الظراب) ولكنها تصحّفت على ناسخ الحجرية فانقلب المعنى المراد رأساً على عقب.

وهناك هيئة مهمتها الإشراف على سير العمل، ومراجعة إجمالية وسريعة للنصوص و موارد الاختلاف الموجود، ووضع ماينبغي وضعه في الهامش أو حذفه منها، فالنسخة الحجرية مشحونة بمئات الأخطاء الفاحشة سنداً ومتناً مما يستدعي التأمّل طويلاً، وسرح النظر في الأصول المعتمدة المخطوطة منها والمطبوعة التي لم تكن هي بأقلّ من الحجرية أخطاء وبعد الجهد الشاق المضني صحح ـ بفضل الله وقوّته ـ جلّه.

والثالثة: تقع مهمتها على كاهل عدة من فضلاء الحوزة همّهم التنقيب عن بحوثها الرجالية التي ترتبط بخاتمة المستدرك التي تعدّ بحقّ إحدى اُمهات الكتب الرجالية التي جهل قدرها حتى فضلاء الحوزة ولم يعطوها وزنها وقيمتها اللائقة بها إلّا الأوحديّ منهم.

٦٠