فرائد الأصول - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-03-6
الصفحات: ٥٠٤

الشرطيّة والجزئيّة ؛ فلأنّ المانع من إجراء البراءة عن اللزوم الغيريّ في كلّ من الفعل والترك ليس إلاّ لزوم المخالفة القطعيّة ، وهي غير قادحة ؛ لأنّها لا يتعلّق (١) بالعمل ؛ لأنّ واحدا من فعل ذلك الشيء وتركه ضروريّ مع العبادة ، فلا يلزم من العمل بالأصل في كليهما معصية متيقّنة ، كما كان يلزم في طرح المتباينين كالظهر والجمعة.

وبتقرير آخر : إذا أتى بالعبادة مع واحد منهما قبح العقاب من جهة اعتبار الآخر في الواقع لو كان معتبرا ؛ لعدم الدليل عليه ، وقبح المؤاخذة من دون بيان ، فالأجزاء المعلومة ممّا يعلم كون تركها منشأ للعقاب ، وأمّا هذا المردّد بين الفعل والترك فلا يصحّ استناد العقاب إليه ؛ لعدم العلم به ، وتركهما جميعا غير ممكن حتّى يقال : إنّ العقاب على تركهما معا ثابت ، فلا وجه لنفيه عن كلّ منهما.

وأمّا بناء على وجوب الاحتياط عند الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ؛ فلأنّ وجوب الاحتياط فرع بقاء وجوب الشرط الواقعيّ المردّد بين الفعل والترك ، وإيجابه مع الجهل مستلزم لإلغاء شرطيّة الجزم بالنيّة واقتران الواجب الواقعيّ بنيّة الإطاعة به بالخصوص مع التمكّن ، فيدور الأمر بين مراعاة ذلك الشرط المردّد ، وبين مراعاة شرط الجزم بالنيّة.

وبالجملة : فعدم وجوب الاحتياط في المقام ؛ لمنع اعتبار ذلك الأمر المردّد بين الفعل والترك في العبادة واقعا في المقام ـ نظير القول بعدم وجوب الاحتياط بالصلاة مع اشتباه القبلة ، لمنع شرطيّة الاستقبال مع الجهل ـ لا لعدم وجوب الاحتياط في الشكّ في المكلّف به.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «لا تتعلّق».

٤٠١

وجوب الاحتياط والدليل عليه

هذا ، وقد يرجّح الثاني وإن قلنا بعدم وجوبه في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ؛ لأنّ مرجع الشكّ هنا إلى المتباينين ؛ لمنع جريان أدلّة نفي الجزئيّة والشرطيّة عند الشكّ في المقام من العقل والنقل (١).

وما ذكر : من أنّ إيجاب الأمر الواقعيّ المردّد بين الفعل والترك مستلزم لإلغاء الجزم بالنيّة ، مدفوع بالتزام ذلك ، ولا ضير فيه ؛ ولذا وجب تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين ، وإلى الجهات الأربع ، وتكرار الوضوء بالماءين عند اشتباه المطلق والمضاف مع وجودهما ، والجمع بين الوضوء والتيمّم إذا فقد أحدهما.

مع أنّ ما ذكرنا في نفي كلّ من الشرطيّة والمانعيّة بالأصل إنّما يستقيم لو كان كلّ من الفعل والترك توصّليّا على تقدير الاعتبار ، وإلاّ فيلزم من العمل بالأصلين مخالفة عمليّة ، كما لا يخفى.

التحقيق في المسألة

والتحقيق : أنّه إن قلنا بعدم وجوب الاحتياط في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة وعدم حرمة المخالفة القطعيّة للواقع إذا لم تكن عمليّة ، فالأقوى التخيير هنا ، وإلاّ تعيّن الجمع بتكرار العبادة ، ووجهه يظهر ممّا ذكرنا.

__________________

(١) لم ترد «من العقل والنقل» في (ت) و (ه) ، وفي (ص) بدلها : «من الفعل والترك».

٤٠٢

المطلب الثالث

في اشتباه الواجب بالحرام

بأن يعلم أنّ أحد الفعلين واجب والآخر محرّم ، واشتبه أحدهما بالآخر. وأمّا لو علم أنّ واحدا من الفعل والترك واجب والآخر محرّم ، فهو خارج عن هذا المطلب ؛ لأنّه من دوران الأمر بين الوجوب والحرمة الذي تقدّم حكمه في المطلب الثالث من مطالب الشكّ في التكليف.

حكم المسألة

والحكم فيما نحن فيه : وجوب الإتيان بأحدهما وترك الآخر مخيّرا في ذلك ؛ لأنّ الموافقة الاحتماليّة في كلا التكليفين أولى من الموافقة القطعيّة في أحدهما مع المخالفة القطعيّة في الآخر ؛ ومنشأ ذلك : أنّ الاحتياط لدفع الضرر المحتمل لا يحسن بارتكاب الضرر المقطوع ، والله أعلم.

٤٠٣
٤٠٤

خاتمة

ما يعتبر في العمل بالاحتياط

فيما يعتبر في العمل بالأصل

والكلام : تارة في الاحتياط ، واخرى في البراءة :

أمّا الاحتياط :

لا يعتبر في الحتياط إلّا إحراز الواقع

فالظاهر : أنّه لا يعتبر في العمل به أمر زائد على تحقّق موضوعه ، ويكفي في موضوعه إحراز الواقع المشكوك فيه به ولو كان على خلافه دليل اجتهاديّ بالنسبة إليه ؛ فإنّ قيام الخبر الصحيح على عدم وجوب شيء لا يمنع من الاحتياط فيه ؛ لعموم أدلّة رجحان الاحتياط ، غاية الأمر عدم وجوب الاحتياط. وهذا ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال.

المشهور عدم تحقّق الاحتياط في العبادات إلاّ بعد الفحص

إنّما الكلام يقع في بعض الموارد ، من جهة تحقّق موضوع الاحتياط وإحراز الواقع ، كما في العبادات المتوقّفة صحّتها على نيّة الوجه ، فإنّ المشهور أنّ الاحتياط فيها غير متحقّق إلاّ بعد فحص المجتهد عن الطرق الشرعيّة المثبتة (١) لوجه الفعل ، وعدم عثوره على طريق منها ؛ لأنّ نيّة الوجه حينئذ ساقطة قطعا.

__________________

(١) في (ص): «المبيّنة».

٤٠٥

فإذا شكّ في وجوب غسل الجمعة واستحبابه ، أو في وجوب السورة واستحبابها ، فلا يصحّ له الاحتياط بإتيان الفعل قبل الفحص عن الطرق الشرعيّة ؛ لأنّه لا يتمكّن من الفعل بنيّة الوجه ، والفعل بدونها غير مجد بناء على اعتبار نيّة الوجه ؛ لفقد الشرط ، فلا يتحقّق قبل الفحص إحراز الواقع. فإذا تفحّص : فإن عثر على دليل الوجوب أو الاستحباب ، أتى بالفعل ناويا لوجوبه أو استحبابه ، وإن لم يعثر عليه فله أن يعمل بالاحتياط ؛ لأنّ المفروض سقوط نيّة الوجه ؛ لعدم تمكّنه منها.

المشهور بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد

وكذا لا يجوز للمقلّد الاحتياط قبل الفحص عن مذهب مجتهده ، نعم يجوز له بعد الفحص. ومن هنا قد اشتهر بين أصحابنا : أنّ عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد غير صحيحة وإن علم إجمالا بمطابقتها للواقع ، بل يجب أخذ أحكام العبادات عن اجتهاد أو تقليد (١).

ثمّ إنّ هذه المسألة ـ أعني بطلان عبادة تارك الطريقين ـ يقع الكلام فيها في مقامين ؛ لأنّ العامل التارك في عمله لطريقي الاجتهاد والتقليد : إمّا أن يكون حين العمل بانيا على الاحتياط وإحراز الواقع ، وإمّا أن لا يكون كذلك.

والمتعلّق (٢) بما نحن فيه هو الأوّل ، وأمّا الثاني فسيجيء الكلام فيه في شروط البراءة (٣). فنقول :

__________________

(١) انظر الألفية والنفليّة : ٣٩ ، وروض الجنان : ٢٤٨ ، والقوانين ٢ : ١٤٠ ـ ١٤٤.

(٢) في (ر) ، (ص) و (ه): «فالمتعلّق».

(٣) انظر الصفحة ٤١١ ، فما بعدها.

٤٠٦

لو كان التارك للطريقين بانيا على الاحتياط

إنّ الجاهل التارك للطريقين الباني على الاحتياط على قسمين ؛ لأنّ إحرازه للواقع : تارة لا يحتاج إلى تكرار العمل ، كالآتي بالسورة في صلاته احتياطا ، وغير ذلك من موارد الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة. واخرى يحتاج إلى التكرار كما في المتباينين ، كالجاهل بوجوب القصر والإتمام في مسيرة (١) أربع فراسخ ، والجاهل بوجوب الظهر و (٢) الجمعة عليه.

الأقوى الصحّة إذا لم يتوقّف الاحتياط على التكرار

أمّا الأوّل ، فالأقوى فيه الصحّة ، بناء على عدم اعتبار نيّة الوجه في العمل. والكلام في ذلك قد حرّرناه في الفقه في نيّة الوضوء (٣).

نعم ، لو شكّ في اعتبارها ولم يقم دليل معتبر ـ من شرع أو عرف ـ حاكم بتحقّق الإطاعة بدونها ، كان مقتضى الاحتياط اللازم الحكم بعدم الاكتفاء بعبادة الجاهل ، حتّى على المختار : من إجراء البراءة في الشكّ في الشرطيّة ؛ لأنّ هذا الشرط ليس على حدّ سائر (٤) الشروط المأخوذة في المأمور به الواقعة في حيّز الأمر ، حتّى إذا شكّ في تعلّق الإلزام به من الشارع حكم العقل بقبح المؤاخذة المسبّبة عن تركه ، والنقل بكونه مرفوعا عن المكلّف ، بل هو على تقدير اعتباره شرط لتحقّق الإطاعة وسقوط المأمور به وخروج المكلّف عن العهدة ، ومن المعلوم أنّ مع الشكّ في ذلك لا بدّ من الاحتياط وإتيان المأمور به على

__________________

(١) في (ت) و (ه): «سير» ، وفي (ظ): «سيره».

(٢) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «أو».

(٣) راجع كتاب الطهارة للمصنّف ٢ : ٣١ ـ ٣٥.

(٤) لم ترد «سائر» في (ر) و (ظ).

٤٠٧

وجه يقطع معه بالخروج عن العهدة.

وبالجملة : فحكم الشكّ في تحقّق الإطاعة والخروج عن العهدة بدون الشيء غير حكم الشكّ في أنّ أمر المولى متعلّق بنفس الفعل لا بشرط أو به بشرط كذا. والمختار في الثاني البراءة ، والمتعيّن في الأوّل الاحتياط.

لكنّ الإنصاف : أنّ الشكّ في تحقّق الإطاعة بدون نيّة الوجه غير متحقّق ؛ لقطع العرف بتحقّقها ، وعدّهم الآتي بالمأمور به بنيّة الوجه الثابت عليه في الواقع مطيعا وإن لم يعرفه تفصيلا ، بل لا بأس بالإتيان به بقصد القربة المشتركة بين الوجوب والندب من غير أن يقصد الوجه الواقعيّ المعلوم للفعل إجمالا. وتفصيل ذلك في الفقه (١).

الأحوط عدم الاكتفاء بالاحتياط

إلاّ أنّ الأحوط : عدم اكتفاء الجاهل عن الاجتهاد أو التقليد بالاحتياط ؛ لشهرة القول بذلك بين الأصحاب ، ونقل غير واحد (٢) اتّفاق المتكلّمين على وجوب إتيان الواجب والمندوب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما ، ونقل السيّد الرضيّ قدس‌سره إجماع أصحابنا على بطلان صلاة من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها ، وتقرير أخيه الأجلّ علم الهدى قدس‌سره له على ذلك في مسألة الجاهل بالقصر (٣).

__________________

(١) راجع كتاب الطهارة للمصنّف ٢ : ٣٥.

(٢) كالمحقّق السبزواري في الذخيرة : ٢٣ ، والمحقّق الخوانساري في مشارق الشموس : ٩٠ ، وانظر كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، المقصد السادس ، المسألة الخامسة في الثواب والعقاب ، الصفحة ٤٠٧ ـ ٤٠٨.

(٣) انظر رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، وراجع مبحث القطع ٢ : ٧٢.

٤٠٨

بل يمكن أن يجعل هذان الاتّفاقان المحكيّان من أهل المعقول والمنقول المعتضدان بالشهرة العظيمة ، دليلا في المسألة ، فضلا عن كونهما منشأ للشكّ الملزم للاحتياط ، كما ذكرنا (١).

لو توقّف الاحتياط على التكرار

وأمّا الثاني وهو ما يتوقّف الاحتياط فيه على تكرار العبادة ، فقد يقوى في النظر ـ أيضا ـ : جواز ترك الطريقين فيه إلى الاحتياط بتكرار العبادة ، بناء على عدم اعتبار نيّة الوجه.

قوّة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيليّة دون الاحتماليّة

لكنّ الإنصاف : عدم العلم بكفاية هذا النحو من الإطاعة الإجماليّة ، وقوّة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيليّة في العبادة ، بأن يعلم المكلّف حين الاشتغال بما يجب عليه ، أنّه هو الواجب عليه.

ولذا يعدّ تكرار العبادة ـ لإحراز الواقع ـ مع التمكّن من العلم التفصيليّ به أجنبيّا عن سيرة المتشرّعة ، بل من أتى بصلوات غير محصورة لإحراز شروط صلاة واحدة ـ بأن صلّى في موضع تردّد فيه القبلة بين أربع جهات ، في خمسة أثواب أحدها طاهر ، ساجدا على خمسة أشياء أحدها ما يصحّ السجود عليه ، مائة صلاة ـ مع التمكّن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط الثلاثة ، يعدّ في الشرع والعرف لاعبا بأمر المولى.

والفرق بين الصلوات الكثيرة وصلاتين لا يرجع إلى محصّل.

نعم ، لو كان ممّن لا يتمكّن من العلم التفصيليّ ، كان ذلك منه محمودا مشكورا.

وببالي : أنّ صاحب الحدائق قدس‌سره يظهر منه : دعوى الاتّفاق على

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٠٧.

٤٠٩

عدم مشروعيّة التكرار مع التمكّن من العلم التفصيلي (١).

ولقد بالغ الحلّي في السرائر (٢) ، حتّى أسقط اعتبار الشرط المجهول تفصيلا ، ولم يجوّز التكرار المحرز له ، فأوجب الصلاة عاريا على من عنده ثوبان مشتبهان ولم يجوّز تكرار الصلاة فيهما (٣) ، مع ورود النصّ به لكن من طريق الآحاد (٤) ؛ مستندا في ذلك إلى وجوب مقارنة الفعل الواجب لوجهه.

وكما لا يجوز الدخول في العمل بانيا على إحراز الواقع بالتكرار ، كذا لا يجوز بانيا على الفحص بعد الفراغ ، فإن طابق الواقع وإلاّ أعاده.

ولو دخل في العبادة بنيّة الجزم ، ثمّ اتّفق ما يوجب تردّده في الصحّة البطلان

ولو دخل في العبادة بنيّة الجزم ، ثمّ اتّفق له ما يوجب تردّده في الصحّة ووجوب الإتمام ، وفي البطلان ووجوب الاستئناف ، ففي جواز الإتمام بانيا على الفحص بعد الفراغ والإعادة مع المخالفة وعدمه ، وجهان :

من اشتراط العلم بالصحّة حين العمل كما ذكرنا ؛ ولذا لم يجوّز (٥) هذا من أوّل الأمر. وبعبارة اخرى : الجزم بالنيّة معتبر في الاستدامة كالابتداء.

ومن أنّ المضيّ على العمل (٦) متردّدا بانيا على استكشاف حاله

__________________

(١) انظر الحدائق ٥ : ٤٠٦.

(٢) السرائر ١ : ١٨٥.

(٣) في (ر) و (ظ): «فيها».

(٤) الوسائل ٢ : ١٠٨٢ ، الباب ٦٤ من أبواب النجاسات ، الحديث الأوّل.

(٥) في (ظ): «لم نجوّز».

(٦) في غير (ر) زيادة : «ولو».

٤١٠

بعد الفراغ ؛ محافظة على عدم إبطال العمل ـ المحتمل حرمته واقعا على تقدير صحّته ـ ليس بأدون من الإطاعة التفصيليّة ، ولا يأباه العرف ولا سيرة المتشرّعة.

وبالجملة : فما اعتمد عليه ـ في عدم جواز الدخول في العمل متردّدا ـ من السيرة العرفيّة والشرعيّة ، غير جار في المقام.

ويمكن التفصيل بين كون الحادث الموجب للتردّد ممّا يعمّ به البلوى وغيره

ويمكن التفصيل بين كون الحادث الموجب للتردّد في الصحّة ممّا وجب على المكلّف تعلّم حكمه قبل الدخول في الصلاة ؛ لعموم البلوى ، كأحكام الخلل الشائع وقوعها وابتلاء المكلّف بها ، فلا يجوز لتارك معرفتها إذا حصل له التردّد في الأثناء المضيّ والبناء على الاستكشاف بعد الفراغ ؛ لأنّ التردّد حصل من سوء اختياره ، فهو في مقام الإطاعة كالداخل في العمل متردّدا. وبين كونه ممّا لا يتّفق إلاّ نادرا ؛ ولأجل ذلك لا يجب تعلّم حكمه قبل الدخول ؛ للوثوق بعدم الابتلاء غالبا ، فيجوز هنا المضيّ في العمل على الوجه المذكور.

هذا بعض الكلام في الاحتياط.

المقام الثاني : ما يعتبر في العمل بالبراءة

وأمّا البراءة :

عدم اعتبار الفحص في الشبهة الموضوعيّة

فإن كان الشكّ الموجب للرجوع إليها من جهة الشبهة في الموضوع ، فقد تقدّم أنّها غير مشروطة بالفحص عن الدليل المزيل لها (١) ، وإن كان من جهة الشبهة في الحكم الشرعيّ ، فالتحقيق : أنّه ليس لها إلاّ شرط واحد ، وهو الفحص عن الأدلّة الشرعيّة.

والكلام : يقع تارة في أصل الفحص ، واخرى في مقداره.

__________________

(١) راجع الصفحة ١٤٠.

٤١١

[وجوب أصل الفحص](١)

أدلّة وجوب الفحص :

أمّا وجوب أصل الفحص ، وحاصله : عدم معذوريّة الجاهل المقصّر في التعلّم ، فيدلّ عليه وجوه :

١ ـ الإجماع

الأوّل : القطعيّ على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلّة.

٢ ـ ما دلّ على وجوب تحصيل العلم

الثاني : الأدلّة الدالّة على وجوب تحصيل العلم ، مثل آيتي : النفر للتفقّه وسؤال أهل الذكر (٢) ، والأخبار الدالّة على وجوب تحصيل العلم (٣) وتحصيل التفقّه (٤) ، والذمّ على ترك السؤال (٥).

٣ ـ ما دلّ على مؤاخذة الجهّال

الثالث : ما دلّ على مؤاخذة الجهّال بفعل المعاصي المجهولة ، المستلزم لوجوب تحصيل العلم ؛ لحكم العقل بوجوب التحرّز عن مضرّة العقاب :

مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في من غسّل مجدورا أصابته جنابة فكزّ فمات :

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) التوبة : ١٢٢ ، النحل : ٤٣.

(٣) الكافي ١ : ٣٠ ، باب فرض العلم ، الحديث ١ ، ٢ ، ٤ و ٥.

(٤) نفس المصدر ، الحديث ٦ ، ٧ ، ٨ و ٩.

(٥) الكافي ١ : ٤٠ ، باب سؤال العالم ، الحديث ٢ و ٥.

٤١٢

«قتلوه ، قتلهم الله ، ألا سألوا ، ألا يمّموه» (١).

وقوله عليه‌السلام لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء : «ما كان أسوأ حالك لو متّ على هذه الحالة» ، ثمّ أمره بالتوبة وغسلها (٢).

وما ورد في تفسير قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(٣) ، من أنّه : «يقال للعبد يوم القيامة : هل علمت؟ فإن قال : نعم ، قيل : فهلاّ عملت؟ وإن قال : لا ، قيل له : هلاّ تعلّمت حتى تعمل؟» (٤).

وما رواه القمّي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) : «نزلت في من اعتزل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ولم يقاتل معه ، (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) أي لم نعلم من الحقّ ، فقال الله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها)(٥) ، أي دين الله وكتابه واسعا متّسعا ، فتنظروا فيه ، فترشدوا وتهتدوا به سبيل الحقّ» (٦).

٤ ـ دليل العقل

الرابع : أنّ العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام في المقام ،

__________________

(١) النصّ المذكور مأخوذ من روايتين : الاولى في من أصابته جنابة وهو مجدور ، فغسّلوه فمات ، وجاء فيها : «قتلوه ، ألا سألوا؟! ألاّ يمّموه ...» ، والثانية في من أصابته جنابة على جرح كان به فامر بالغسل فاغتسل ، فكزّ فمات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قتلوه قتلهم الله ...» ، انظر الوسائل ٢ : ٩٦٧ ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ١ و ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٩٥٧ ، الباب ١٨ من أبواب الأغسال المسنونة ، الحديث الأوّل.

(٣) الأنعام : ١٤٩.

(٤) أمالي الطوسي : ٩ ، المجلس الأوّل ، وتفسير الصافي ٢ : ١٦٩.

(٥) النساء : ٩٧.

(٦) تفسير القمّي ١ : ١٤٩.

٤١٣

الذي نظيره في العرفيّات ما إذا ورد من يدّعي الرسالة من المولى ، وأتى بطومار يدّعي أنّ الناظر فيه يطّلع على صدق دعواه أو كذبها ، فتأمّل.

والنقل الدالّ على البراءة في الشبهة الحكميّة معارض بما تقدّم من الأخبار الدالّة على وجوب الاحتياط حتّى يسأل عن الواقعة (١) ، كما في صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة (٢) ، وما دلّ على وجوب التوقّف بناء على الجمع بينها وبين أدلّة البراءة بحملها على صورة التمكّن من إزالة الشبهة.

٥ ـ العلم الإجماليّ

الخامس : حصول العلم الإجماليّ لكلّ أحد ـ قبل الأخذ في استعلام المسائل ـ بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة في الشريعة ، ومعه لا يصحّ التمسّك بأصل البراءة ؛ لما تقدّم من أنّ مجراه الشكّ في أصل التكليف ، لا في المكلّف به مع العلم بالتكليف (٣).

فإن قلت : هذا يقتضي عدم جواز الرجوع إلى البراءة في أوّل الأمر (٤) ولو بعد الفحص ؛ لأنّ الفحص لا يوجب جريان البراءة مع العلم الإجماليّ (٥).

__________________

(١) راجع الصفحة ٧٦ ـ ٧٨.

(٢) المتقدّمة في الصفحة ٧٦.

(٣) راجع الصفحة ٢١٠ ـ ٢١١.

(٤) لم ترد «في أوّل الأمر» في (ر).

(٥) وردت في (ر) و (ص) زيادة ، مع اختلاف يسير ، وهي : «فإن قلت : إذا علم المكلّف بعدّة امور من الواجبات والمحرّمات يحتمل انحصار التكليف فيها ، كان الشكّ بالنسبة إلى مجهولاته شكّا في أصل التكليف.

وبتقرير آخر : إن كان استعلام جملة من الواجبات والمحرّمات تفصيلا موجبا لكون الشكّ في الباقي شكّا في أصل التكليف ، فلا مقتضي لوجوب الفحص

٤١٤

المناقشة في العلم الإجمالي

قلت : المعلوم إجمالا وجود التكاليف الواقعيّة في الوقائع التي يقدر على الوصول إلى مداركها ، وإذا تفحّص وعجز عن الوصول إلى مدارك (١) الواقعة خرجت تلك الواقعة عن الوقائع التي علم إجمالا بوجود التكاليف فيها ، فيرجع فيها إلى البراءة.

ولكن هذا لا يخلو عن نظر ؛ لأنّ العلم الإجماليّ إنّما هو بين جميع الوقائع من غير مدخليّة لتمكّن المكلّف من الوصول إلى مدارك التكليف وعجزه عن ذلك ، فدعوى اختصاص أطراف العلم الإجماليّ بالوقائع المتمكّن من الوصول إلى مداركها مجازفة.

مع أنّ هذا الدليل إنّما يوجب الفحص قبل استعلام جملة من التكاليف يحتمل انحصار المعلوم إجمالا فيها ، فتأمّل وراجع ما ذكرنا في ردّ استدلال الأخباريّين على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريميّة بالعلم الإجماليّ (٢).

الأولى ما ذكر في الوجه الرابع

وكيف كان : فالأولى ما ذكر في الوجه الرابع ، من أنّ العقل لا يعذر الجاهل القادر على الفحص ، كما لا يعذر الجاهل بالمكلّف به

__________________

وعدم الرجوع إلى البراءة ؛ وإلاّ لم يجز الرجوع إلى البراءة ولو بعد الفحص ؛ إذ الشكّ في المكلّف به لا يرجع فيه إلى البراءة ولو بذل الجهد في الفحص وطلب الحكم الواقعي».

ووردت هذه الزيادة في هامش (ت) وكتب عليها : «زائد» ، ووردت في (ظ) مشوّشة.

(١) في (ر) و (ظ): «مدرك».

(٢) راجع الصفحة ٨٩.

٤١٥

العالم به إجمالا. ومناط عدم المعذوريّة في المقامين هو : عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما ، فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يأمن معه من ترتّب الضرر.

ألا ترى : أنّهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر في معجزة مدّعي النبوّة وعدم معذوريّته في تركه ، مستندين في ذلك إلى وجوب دفع الضرر المحتمل ، لا إلى أنّه شكّ في المكلّف به.

هذا كلّه ، مع أنّ في الوجه الأوّل ـ وهو الإجماع القطعيّ ـ كفاية.

ثمّ إنّ في حكم أصل البراءة كلّ أصل عمليّ خالف الاحتياط.

الأخذ بالبراءة مع ترك الفحص

بقي الكلام في حكم الأخذ بالبراءة مع ترك الفحص :

والكلام فيه : إمّا في استحقاقه العقاب ، وإمّا في صحّة العمل الذي اخذ فيه بالبراءة.

أمّا العقاب :

فالمشهور أنّ عقاب الجاهل المقصّر على مخالفة الواقع

فالمشهور : أنّه على مخالفة الواقع لو اتّفقت ، فإذا شرب العصير العنبيّ من غير فحص عن حكمه ، فإن لم يتّفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ، ولو اتّفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير ، لا على ترك التعلّم.

عدم العقاب مع عدم مخالفة الواقع

أمّا الأوّل ؛ فلعدم المقتضي للمؤاخذة ، عدا ما يتخيّل : من ظهور أدلّة وجوب الفحص وطلب تحصيل العلم في الوجوب النفسيّ.

وهو مدفوع : بأنّ المستفاد من أدلّته بعد التأمّل إنّما هو وجوب الفحص لئلاّ يقع في مخالفة الواقع ، كما لا يخفى.

أو ما يتخيّل : من قبح التجرّي ، بناء على أنّ الإقدام على ما لا يؤمن كونه مضرّة كالإقدام على ما يعلم كونه كذلك ، كما صرّح به

٤١٦

جماعة منهم الشيخ في العدّة (١) وأبو المكارم في الغنية (٢).

لكنّا (٣) قد أسلفنا الكلام فيه صغرى وكبرى (٤).

الاستدلال على العقاب عند مخالفة الواقع

وأمّا الثاني ؛ فلوجود المقتضي ، وهو الخطاب الواقعيّ الدالّ على وجوب الشيء (٥) أو تحريمه ، ولا مانع منه عدا ما يتخيّل : من جهل المكلّف به ، وهو غير قابل للمنع عقلا ولا شرعا.

عدم كون الجهل مانعا من العقاب لا عقلا ولا شرعا

أمّا العقل ، فلا يقبح مؤاخذة الجاهل التارك للواجب ، إذا علم أنّ بناء الشارع على تبليغ الأحكام على النحو المعتاد المستلزم لاختفاء بعضها لبعض الدواعي ، وكان قادرا على إزالة الجهل عن نفسه.

وأمّا النقل ، فقد تقدّم (٦) عدم دلالته على ذلك ؛ فإنّ (٧) الظاهر منها ـ ولو بعد ملاحظة ما تقدّم (٨) من أدلّة الاحتياط (٩) ـ الاختصاص بالعاجز.

مضافا إلى ما تقدّم (١٠) في بعض الأخبار المتقدّمة (١١) في الوجه

__________________

(١) العدّة ٢ : ٧٤٢ ـ ٧٤٣.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٨٦.

(٣) في (ر) و (ظ): «لكنّه».

(٤) راجع الصفحة ٩١.

(٥) في (ر) و (ص): «شيء».

(٦) راجع الصفحة ٤١٢.

(٧) في (ر) و (ص): «وإنّ».

(٨) في (ه) زيادة : «و».

(٩) راجع الصفحة ٧٦ ـ ٧٧.

(١٠) راجع الصفحة ٤١٢.

(١١) في (ظ) و (ه): «المتقدّم».

٤١٧

الثالث المؤيّدة بغيرها ، مثل رواية تيمّم عمّار المتضمّنة لتوبيخ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه بقوله : «أفلا صنعت كذا» (١).

الاستدلال على العقاب بالاجماع على مؤاخذة الكفّار على الفروع والمناقشة فيه

وقد يستدلّ أيضا : بالإجماع على مؤاخذة الكفّار على الفروع مع أنّهم جاهلون بها.

وفيه : أنّ معقد الإجماع تساوي الكفّار والمسلمين في التكليف بالفروع كالاصول ومؤاخذتهم عليها بالشروط المقرّرة للتكليف ، وهذا لا ينفي دعوى اشتراط العلم بالتكليف في حقّ المسلم والكافر.

جعل العقاب على ترك التعلّم في كلام صاحب المدارك

وقد خالف فيما ذكرنا صاحب المدارك (٢) تبعا لشيخه المحقّق الأردبيلي (٣) ؛ حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلّم ؛ لقبح تكليف الغافل وفهم منه بعض المدقّقين (٤) أنّه قول بالعقاب على ترك المقدّمة دون ذي المقدّمة.

توجيه كلام صاحب المدارك

ويمكن توجيه كلامه : بإرادة استحقاق عقاب ذي المقدّمة حين ترك المقدّمة ؛ فإنّ من شرب العصير العنبيّ غير ملتفت حين الشرب إلى احتمال كونه حراما ، قبح توجّه النهي إليه في هذا الزمان ؛ لغفلته ، وإنّما يعاقب على النهي الموجّه (٥) إليه قبل ذلك ، حين التفت إلى أنّ في الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها إلاّ بعد معرفتها ، فإذا ترك المعرفة

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٩٧٧ ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، الحديث ٨.

(٢) المدارك ٢ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، و ٣ : ٢١٩.

(٣) مجمع الفائدة ٢ : ١١٠.

(٤) هو المحقّق جمال الدين الخوانساري في حاشيته على الروضة : ٣٤٥.

(٥) في (ظ): «المتوجّه».

٤١٨

عوقب عليه من حيث إفضائه إلى مخالفة تلك التكاليف ، ففي زمان الارتكاب لا تكليف ؛ لانقطاع التكليف حين ترك المقدّمة وهي المعرفة.

ونظيره : من ترك قطع المسافة في آخر أزمنة الإمكان ؛ حيث إنّه يستحقّ أن يعاقب عليه ؛ لإفضائه إلى ترك أفعال الحجّ في أيّامها ، ولا يتوقّف استحقاق عقابه على حضور أيّام الحجّ وأفعاله.

ما هو مراد المشهور القائلين بالعقاب على مخالفة الواقع؟

وحينئذ : فإن أراد المشهور توجّه النهي إلى الغافل حين غفلته ، فلا ريب في قبحه.

وإن أرادوا استحقاق العقاب على المخالفة وإن لم يتوجّه إليه نهي وقت المخالفة :

فإن أرادوا أنّ الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة ، لا قبلها ؛ لعدم تحقّق معصية ، ففيه :

أنّه لا وجه لترقّب حضور زمان المخالفة ؛ لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك المقدّمة. مضافا إلى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا ولا يقتله إلاّ بعد مدّة مديدة ، بمجرّد الرمي.

وإن أرادوا استحقاق العقاب في زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة ، فهو حسن لا محيص عنه.

ظاهر بعض كلماتهم توجّه النهي إلى الجاهل حين غفلته

هذا ، ولكن بعض كلماتهم ظاهرة في الوجه الأوّل ، وهو توجّه النهي إلى الجاهل حين عدم التفاته ؛ فإنّهم يحكمون بفساد الصلاة في المغصوب جاهلا بالحكم ؛ لأنّ الجاهل كالعامد ، وأنّ التحريم لا يتوقّف على العلم به (١).

__________________

(١) انظر المنتهى ٤ : ٢٣٠ ، ومفتاح الكرامة ٢ : ١٦٠ و ١٩٨.

٤١٩

ولو لا توجّه النهي إليه حين المخالفة لم يكن وجه لبطلان الصلاة ، بل كان كناسي الغصبيّة.

والاعتذار عن ذلك : بأنّه يكفي في البطلان اجتماع الصلاة المأمور بها مع ما هو مبغوض في الواقع ومعاقب عليه ولو لم يكن منهيّا عنه بالفعل.

مدفوع ـ مضافا إلى عدم صحّته في نفسه ـ : بأنّهم صرّحوا بصحّة صلاة من توسّط أرضا مغصوبة في حال الخروج عنها ؛ لعدم النهي عنه وإن كان آثما بالخروج (١).

إلاّ أن يفرّق بين المتوسّط للأرض المغصوبة وبين الغافل ، بتحقّق المبغوضيّة في الغافل ، وإمكان تعلّق الكراهة الواقعيّة بالفعل المغفول عن حرمته مع بقاء الحكم الواقعيّ بالنسبة إليه ؛ لبقاء الاختيار فيه ، وعدم ترخيص الشارع للفعل في مرحلة الظاهر ، بخلاف المتوسّط ؛ فإنّه يقبح منه تعلّق الكراهة الواقعيّة بالخروج كالطلب الفعليّ لتركه ؛ لعدم التمكّن من ترك الغصب.

الفرق بين جاهل الحكم وجاهل الموضوع

وممّا ذكرنا : من عدم الترخيص ، يظهر الفرق بين جاهل الحكم وجاهل الموضوع المحكوم بصحّة عبادته مع الغصب وإن فرض فيه الحرمة الواقعيّة.

الإشكال في ناسي الحكم خصوصا المقصّر

نعم ، يبقى الإشكال في ناسي الحكم خصوصا المقصّر. وللتأمّل في حكم عبادته مجال ، بل تأمّل بعضهم (٢) في ناسي الموضوع ؛ لعدم

__________________

(١) انظر الشرائع ١ : ٧١ ، والمنتهى ٤ : ٣٠٠ ، ومفتاح الكرامة ٢ : ١٩٩.

(٢) كالعلاّمة في نهاية الإحكام ١ : ٣٤١ ، والتذكرة ٢ : ٣٩٩.

٤٢٠