الشيخ مرتضى الأنصاري
المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-03-6
الصفحات: ٥٠٤
وينبغي التنبيه على امور متعلّقة بالجزء والشرط :
الأوّل
الشك في الركنيّة |
إذا ثبت جزئيّة شيء وشكّ في ركنيّته ، فهل الأصل كونه ركنا ، أو عدم كونه كذلك ، أو مبنيّ على مسألة البراءة و (١) الاحتياط في الشكّ في الجزئيّة ، أو التبعيض بين أحكام الركن ، فيحكم ببعضها وينفى بعضها الآخر؟ وجوه ، لا يعرف الحقّ منها إلاّ بعد معرفة معنى الركن ، فنقول :
الركن في اصطلاح الفقهاء |
إنّ الركن في اللغة والعرف معروف (٢) ، وليس له في الأخبار ذكر حتّى يتعرّض لمعناه في زمان صدور تلك الأخبار ، بل هو اصطلاح خاصّ للفقهاء.
وقد اختلفوا في تعريفه : بين من قال بأنّه : ما تبطل العبادة بنقصه عمدا وسهوا (٣) ، وبين من عطف على النقص زيادته (٤). والأوّل أوفق
__________________
(١) في (ظ): «أو».
(٢) راجع مجمع البحرين ٦ : ٢٥٧ ، والقاموس المحيط ٤ : ٢٢٩.
(٣) كما في المبسوط ١ : ١٠٠ ، والتذكرة ٣ : ٩٩ ـ ١٠٠.
(٤) كما في جامع المقاصد ٢ : ١٩٩ ، وروض الجنان : ٢٤٩.
بالمعنى اللغويّ والعرفيّ ، وحينئذ فكلّ جزء ثبت في الشرع بطلان العبادة بالاختلال في طرف النقيصة أو فيه وفي طرف الزيادة ، فهو ركن.
حكم الإخلال بالجزء نقيصة وزيادة |
فالمهمّ : بيان حكم الإخلال (١) بالجزء في طرف النقيصة أو الزيادة ، وأنّه إذا ثبت جزئيّته فهل الأصل يقتضي بطلان المركّب بنقصه سهوا كما يبطل بنقصه عمدا ؛ وإلاّ لم يكن جزءا؟
هنا مسائل ثلاث : |
فهنا مسائل ثلاث :
بطلان العبادة بتركه سهوا.
وبطلانها بزيادته عمدا.
وبطلانها بزيادته سهوا.
__________________
(١) في (ر) ، (ص) و (ظ): «الاختلال».
[المسألة الاولى]
هل تبطل العبادة بترك الجزء سهواً |
[في ترك الجزء سهوا](١)؟
الأصل البطلان والدليل عليه |
أمّا الاولى ، فالأقوى فيها : أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا إلاّ أن يقوم دليل عامّ أو خاصّ على الصحّة ؛ لأنّ ما كان جزءا في حال العمد كان جزءا في حال الغفلة ، فإذا انتفى المركّب ، فلم يكن المأتيّ به موافقا للمأمور به ، وهو معنى فساده.
أمّا عموم جزئيّته لحال الغفلة ؛ فلأنّ الغفلة لا توجب تغيير المأمور به ؛ فإنّ المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لم يتغيّر الأمر المتوجّه إليه قبل الغفلة ، ولم يحدث بالنسبة إليه من الشارع أمر آخر حين الغفلة ؛ لأنّه غافل عن غفلته ، فالصلاة المأتيّ بها من غير سورة غير مأمور بها بأمر أصلا. غاية الأمر : عدم توجّه الأمر بالصلاة مع السورة إليه ؛ لاستحالة تكليف الغافل ، فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة ، نظير من غفل عن الصلاة رأسا أو نام عنها ، فإذا التفت إليها والوقت باق وجب عليه الاتيان بها بمقتضى الأمر الأوّل.
فإن قلت : عموم جزئيّة الجزء لحال النسيان يتمّ فيما لو ثبت الجزئيّة بمثل قوله : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (٢) ، دون ما لو قام الإجماع مثلا على جزئيّة شيء في الجملة واحتمل اختصاصها بحال الذكر ، كما انكشف ذلك بالدليل في الموارد التي حكم الشارع فيها
__________________
(١) العنوان منّا.
(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ ، الباب الأوّل من أبواب القراءة ، الحديث ٥.
بصحّة الصلاة المنسيّ فيها بعض الأجزاء على وجه يظهر من الدليل كون صلاته تامّة ، مثل قوله عليهالسلام : «تمّت صلاته ، ولا يعيد» (١) ، وحينئذ فمرجع الشكّ إلى الشكّ في الجزئيّة حال النسيان ، فيرجع فيها إلى البراءة أو الاحتياط على الخلاف.
وكذا لو كان الدالّ على الجزئيّة حكما تكليفيّا مختصّا بحال الذكر وكان الأمر بأصل العبادة مطلقا ، فإنّه يقتصر في تقييده على مقدار قابليّة دليل التقييد أعني حال الذكر ؛ إذ لا تكليف حال الغفلة ، فالجزء المنتزع من الحكم التكليفيّ نظير الشرط المنتزع منه في اختصاصه بحال الذكر ، كلبس الحرير ونحوه.
قلت : إن اريد بعدم جزئيّة ما ثبت جزئيّته في الجملة في حقّ الناسي إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء عليه ، فهو غير قابل لتوجيه (٢) الخطاب إليه بالنسبة إلى المغفول عنه إيجابا وإسقاطا.
وإن اريد به إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعيّة ، فهو حسن ؛ لأنّه حكم في حقّه بعد زوال غفلته ، لكن عدم الجزئيّة بهذا المعنى عند الشكّ ممّا لم يقل به أحد من المختلفين في مسألة البراءة والاحتياط ؛ لأنّ هذا المعنى حكم وضعيّ لا يجري فيه أدلّة البراءة ، بل الأصل فيه العدم بالاتّفاق.
وهذا معنى ما اخترناه : من فساد العبادة الفاقدة للجزء نسيانا ، بمعنى عدم كونها مأمورا بها ولا مسقطا عنه.
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٥٤١ ، الباب ٢٣ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث الأوّل.
(٢) في (ر) و (ص): «لتوجّه».
عدم كون هذه المسألة من مسألة الإجزاء |
وممّا ذكرنا ظهر : أنّه ليس هذه المسألة من مسألة اقتضاء الأمر للإجزاء في شيء ؛ لأنّ تلك المسألة مفروضة فيما إذا كان المأتيّ به مأمورا به بأمر شرعيّ ، كالصلاة مع التيمّم أو بالطهارة المظنونة ، وليس في المقام أمر بما أتى به الناسي أصلا.
توهّمُ ودفع |
وقد يتوهّم : أنّ في المقام أمرا عقليّا ؛ لاستقلال العقل بأنّ الواجب في حقّ الناسي هو هذا المأتيّ به ، فيندرج ـ لذلك ـ في إتيان المأمور به بالأمر العقليّ.
وهو فاسد جدّا ؛ لأنّ العقل ينفي تكليفه بالمنسيّ ولا يثبت له تكليفا بما عداه من الأجزاء ، وإنّما يأتي بها بداعي الأمر بالعبادة الواقعيّة غفلة عن عدم كونه إيّاها ؛ كيف والتكليف ـ عقليّا كان أو شرعيّا ـ يحتاج إلى الالتفات ، وهذا الشخص غير ملتفت إلى أنّه ناس عن الجزء حتّى يكلّف بما عداه.
توهّمُ آخر ودفعه |
ونظير هذا التوهّم : توهّم أنّ ما يأتي به الجاهل المركّب باعتقاد أنّه المأمور به ، من باب إتيان المأمور به بالأمر العقلي.
وفساده يظهر ممّا ذكرنا بعينه.
وأمّا ما ذكره : من أنّ دليل الجزء قد يكون من قبيل التكليف ، وهو ـ لاختصاصه بغير الغافل ـ لا يقيّد (١) الأمر بالكلّ إلاّ بقدر مورده ، وهو غير الغافل ، فإطلاق الأمر بالكلّ ـ المقتضي لعدم جزئيّة هذا الجزء له بالنسبة إلى الغافل ـ بحاله ، ففيه :
أنّ التكليف المذكور إن كان تكليفا نفسيّا ، فلا يدلّ على كون
__________________
(١) في (ت) و (ص) زيادة : «إطلاق».
متعلّقه جزءا للمأمور به حتّى يقيّد به الأمر بالكلّ ، وإن كان تكليفا غيريّا فهو كاشف عن كون متعلّقه جزءا ؛ لأنّ الأمر الغيريّ إنّما يتعلّق بالمقدّمة ، وانتفاؤه بالنسبة إلى الغافل لا يدلّ على نفي جزئيّته في حقّه ؛ لأنّ الجزئيّة غير مسبّبة عنه ، بل هو مسبّب عنها.
ومن ذلك يعلم : الفرق بين ما نحن فيه وبين ما ثبت اشتراطه من الحكم التكليفيّ ، كلبس الحرير ؛ فإنّ الشرطيّة مسبّبة عن التكليف ـ عكس ما نحن فيه ـ ، فينتفي بانتفائه.
والحاصل : أنّ الأمر الغيريّ بشيء ـ لكونه جزءا ـ وإن انتفى في حقّ الغافل عنه ؛ من حيث انتفاء الأمر بالكلّ في حقّه ، إلاّ أنّ الجزئيّة لا تنتفي بذلك.
التمسّك في المسألة باستصحاب الصحّة والمناقشة فيه |
وقد يتخيّل : أنّ أصالة العدم على الوجه المتقدّم (١) وإن اقتضت ما ذكر ، إلاّ أنّ استصحاب الصحّة حاكم عليها.
وفيه : ما سيجيء في المسألة الآتية (٢) : من فساد التمسّك به في هذه المقامات ، وكذا التمسّك بغيره ممّا سيذكر هناك.
توهّم أصل ثانوي في المسألة من جهة حديث الرفع |
فإن قلت : إنّ الأصل الأوّلي وإن كان ما ذكرت ، إلاّ أنّ هنا أصلا ثانويّا يقتضي إمضاء ما يفعله الناسي خاليا عن الجزء والشرط (٣) المنسيّ عنه ، وهو قوله صلىاللهعليهوآله : «رفع عن امّتي تسعة : الخطأ والنسيان ...» (٤) ،
__________________
(١) المتقدّم في آخر الصفحة ٣٦٤.
(٢) انظر الصفحة ٣٧٢.
(٣) في (ص): «أو الشرط».
(٤) الوسائل ١١ : ٢٩٥ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأوّل.
بناء على أنّ المقدّر ليس خصوص المؤاخذة ، بل جميع الآثار الشرعيّة المترتّبة على الشيء المنسيّ لو لا النسيان ؛ فإنّه لو ترك السورة لا للنسيان يترتّب حكم الشارع عليه بالفساد ووجوب الإعادة ، وهذا مرفوع مع ترك السورة نسيانا.
وإن شئت قلت : إنّ جزئيّة السورة مرتفعة حال النسيان.
المناقشة في التمسّك بحديث الرفع |
قلت ـ بعد تسليم إرادة رفع جميع الآثار ـ : إنّ جزئيّة السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعا ، بل هي ككلّية الكلّ ، وإنّما المجعول الشرعيّ وجوب الكلّ ، والوجوب مرتفع حال النسيان بحكم الرواية ، ووجوب الإعادة بعد التذكّر مترتّب على الأمر الأوّل ، لا على ترك السورة.
ودعوى : أنّ ترك السورة سبب لترك الكلّ الذي هو سبب وجود الأمر الأوّل ؛ لأنّ عدم الرافع من أسباب البقاء ، وهو من المجعولات القابلة للارتفاع في الزمان الثاني ، فمعنى رفع النسيان رفع ما يترتّب عليه وهو ترك الجزء ، ومعنى رفعه رفع ما يترتّب عليه وهو ترك الكلّ ، ومعنى رفعه رفع ما يترتّب عليه وهو وجود الأمر في الزمان الثاني.
مدفوعة : بما تقدّم (١) في بيان معنى الرواية في الشبهة التحريميّة في الشكّ في أصل التكليف : من أنّ المرفوع في الرواية الآثار الشرعيّة الثابتة لو لا النسيان ، لا الآثار الغير الشرعيّة ، ولا ما يترتّب على هذه الآثار من الآثار الشرعيّة.
__________________
(١) راجع الصفحة ٣٢ ـ ٣٣.
فالآثار المرفوعة في هذه الرواية نظير الآثار الثابتة للمستصحب بحكم أخبار الاستصحاب في أنّها هي خصوص الشرعيّة المجعولة للشارع ، دون الآثار العقليّة والعاديّة ، ودون ما يترتّب عليها من الآثار الشرعيّة.
نعم ، لو صرّح الشارع بأنّ حكم نسيان الجزء الفلاني مرفوع ، أو أنّ نسيانه كعدم نسيانه ، أو أنّه لا حكم لنسيان السورة مثلا ، وجب حمله ـ تصحيحا للكلام ـ على رفع الإعادة وإن لم يكن أثرا شرعيّا ، فافهم (١).
وزعم بعض المعاصرين (٢) الفرق بينهما ، حيث حكم في مسألة البراءة والاشتغال في الشكّ في الجزئيّة : بأنّ أصالة عدم الجزئيّة لا يثبت بها (٣) ما يترتّب عليه ، من كون المأمور به هو الأقلّ ؛ لأنّه لازم غير شرعيّ. أمّا رفع الجزئيّة الثابتة بالنبويّ فيثبت به كون المأمور به هو الأقلّ. وذكر في وجه الفرق ما لا يصلح له ، من أراده راجعه فيما ذكره في أصالة العدم.
وكيف كان ، فالقاعدة الثانويّة في النسيان غير ثابتة.
إمكان دعوى أصل ثانوي في خصوص الصلاة |
نعم يمكن دعوى القاعدة الثانويّة في خصوص الصلاة من جهة قوله عليهالسلام : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود» (٤) ، وقوله عليهالسلام في مرسلة سفيان : «يسجد سجدتي
__________________
(١) لم ترد عبارة «نعم ـ إلى ـ فافهم» في (ظ).
(٢) هو صاحب الفصول في الفصول : ٣٥٧.
(٣) لم ترد «بها» في (ت) ، (ظ) و (ه).
(٤) الوسائل ٤ : ٦٨٣ ، الباب الأوّل من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث ١٤.
السهو في كلّ زيادة ونقيصة» (١) ، وقوله عليهالسلام في من نسي الفاتحة : «أليس قد أتممت الركوع والسجود» (٢) ، وغيره (٣).
ثمّ إنّ الكلام في الشرط كالكلام في الجزء في الأصل الأوّلي والثانويّ المزيّف والمقبول ، وهو غاية المسئول.
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، الباب ٣٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.
(٢) الوسائل ٤ : ٧٦٩ ، الباب ٢٩ من أبواب القراءة ، الحديث ٢.
(٣) انظر الوسائل ٤ : ٧٦٦ ـ ٧٧١ ، الباب ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ و ٣٠ من أبواب القراءة ، والروايات متعدّدة.
المسألة الثانية
هل تبطل العبادة بزيادة الجزء عمداَ |
في زيادة الجزء عمدا؟
موضوع المسألة |
وإنّما يتحقّق في الجزء الذي لم يعتبر فيه اشتراط (١) عدم الزيادة ، فلو اخذ بشرطه فالزيادة عليه موجب لاختلاله من حيث النقيصة ؛ لأنّ فاقد الشرط كالمتروك. كما أنّه لو اخذ في الشرع لا بشرط الوحدة والتعدّد فلا إشكال في عدم الفساد.
ويشترط في صدق الزيادة : قصد كونه من الأجزاء ، أمّا زيادة صورة الجزء لا بقصدها ـ كما لو سجد للعزيمة في الصلاة ـ لم تعدّ زيادة في الجزء. نعم ، (٢) ورد في بعض الأخبار : «أنّها زيادة في المكتوبة» (٣) ، وسيأتي الكلام في معنى الزيادة في الصلاة (٤).
أقسام الزيادة العمديّة : |
ثمّ الزيادة العمديّة تتصوّر على وجوه :
١ ـ تصد كسون الزائد جسزءاً مستقلّاً |
أحدها : أن يزيد جزءا من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزءا مستقلا ، كما لو اعتقد شرعا أو تشريعا أنّ الواجب في كلّ ركعة ركوعان ، كالسجود.
٢ ـ تصد كون مجموع الزائد والمزيد عليه جزءاً واحداً |
الثاني : أن يقصد كون مجموع الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا ، كما لو اعتقد أنّ الواجب في الركوع الجنس الصادق على الواحد والمتعدّد.
__________________
(١) لم ترد «اشتراط» في (ر).
(٢) في (ت) و (ر) زيادة : «ربما».
(٣) الوسائل ٤ : ٧٧٩ ، الباب ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، الحديث الأوّل.
(٤) لكنّه قدسسره فيما سيأتي أحاله على مقام آخر ، انظر الصفحة ٣٨٣.
٣ ـ أن يأتى بالزائد بدلا عن المزيد |
الثالث : أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه : إمّا اقتراحا ، كما لو قرأ سورة ثمّ بدا له في الأثناء أو بعد الفراغ وقرأ سورة اخرى لغرض دينيّ كالفضيلة ، أو دنيويّ كالاستعجال. وإمّا لإيقاع الأوّل على وجه فاسد بفقد بعض الشروط ، كأن يأتي ببعض الأجزاء رياء أو مع عدم الطمأنينة المعتبرة فيها ، ثمّ يبدو له في إعادته على وجه صحيح.
بطلان العبادة في القسم الأوّل |
أمّا الزيادة على الوجه الأوّل : فلا إشكال في فساد العبادة (١) إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء ؛ لأنّ ما أتى به وقصد الامتثال به ـ وهو المجموع المشتمل على الزيادة ـ غير مأمور به ، وما امر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به.
عدم البطلان في القسمين الأخيرين |
وأمّا الأخيران : فمقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما ؛ لأنّ مرجع ذلك (٢) الشكّ إلى الشكّ في مانعيّة الزيادة ، ومرجعها إلى الشكّ في شرطيّة عدمها ، وقد تقدّم (٣) أنّ مقتضى الأصل فيه البراءة.
استدلال المحقّق على البطلان والمناقشة فيه |
وقد يستدلّ على البطلان : بأنّ الزيادة تغيير لهيئة العبادة الموظّفة فتكون مبطلة. وقد احتجّ به في المعتبر على بطلان الصلاة بالزيادة (٤).
وفيه نظر ؛ لأنّه إن اريد تغيير الهيئة المعتبرة في الصلاة ، فالصغرى ممنوعة ؛ لأنّ اعتبار الهيئة الحاصلة من عدم الزيادة أوّل الدعوى ، فإذا
__________________
(١) في (ت) ، (ص) و (ه) زيادة : «بها».
(٢) لم ترد «ذلك» في (ر) و (ظ).
(٣) راجع الصفحة ٣٥٤.
(٤) المعتبر ٢ : ٣٧٩.
شكّ فيه فالأصل البراءة عنه. وإن اريد أنّه تغيير للهيئة المتعارفة المعهودة للصلاة فالكبرى ممنوعة ؛ لمنع كون تغيير الهيئة المتعارفة مبطلا.
الاستدلال على الصحّة باستصحاب الصحّة |
ونظير الاستدلال بهذا للبطلان في الضعف : الاستدلال للصحّة باستصحابها (١) ، بناء على أنّ العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة ، والأصل بقاؤها وعدم عروض البطلان لها.
المناقشة في استحصاب الصحّة |
وفيه : أنّ المستصحب إن كان صحّة مجموع الصلاة فلم يتحقّق بعد.
وإن كان صحّة الأجزاء السابقة منها فهي غير مجدية ؛ لأنّ صحّة تلك الأجزاء : إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها ، وإمّا ترتّب الأثر عليها. والمراد بالأثر المترتّب عليها : حصول المركّب بها منضمّة مع باقي الأجزاء والشرائط ؛ إذ ليس أثر الجزء المنوط به صحّته إلاّ حصول الكلّ به منضمّا إلى تمام غيره ممّا يعتبر في الكلّ.
ولا يخفى : أنّ الصحّة بكلا المعنيين باقية للأجزاء السابقة ؛ لأنّها بعد وقوعها مطابقة للأمر بها لا تنقلب عمّا وقعت عليه ، وهي بعد على وجه لو انضمّ إليها تمام ما يعتبر في الكلّ حصل الكلّ ، فعدم حصول الكلّ لعدم انضمام تمام ما يعتبر في الكلّ إلى تلك الأجزاء ، لا يخلّ بصحّتها.
ألا ترى : أنّ صحّة الخلّ من حيث كونه جزءا للسكنجبين ، لا يراد بها إلاّ كونه على صفة لو انضمّ إليه تمام ما يعتبر في تحقّق السكنجبين لحصل الكلّ ، فلو لم ينضمّ إليه تمام ما يعتبر فلم يحصل
__________________
(١) استدلّ به الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٧٣.
ـ لذلك ـ الكلّ ، لم يقدح ذلك في اتّصاف الخلّ بالصحّة في مرتبة جزئيّته.
فإذا كان عدم حصول الكلّ يقينا لعدم حصول تمام ما يعتبر في الكلّ ، غير قادح في صحّة الجزء ، فكيف إذا شكّ في حصول الكلّ من جهة الشكّ في انضمام تمام ما يعتبر ، كما فيما نحن فيه؟ فإنّ الشكّ في صحّة الصلاة بعد تحقّق الزيادة المذكورة ، من جهة الشكّ في انضمام تمام ما يعتبر إلى الأجزاء ؛ لعدم كون عدم الزيادة شرطا ، وعدم انضمامه ؛ لكون عدم الزيادة أحد الشرائط المعتبرة ، ولم يتحقّق ، فلا يتحقّق الكلّ.
عدم الحاجة إلى استصحاب صحّة الأجزاء السابقة |
ومن المعلوم : أنّ هذا الشكّ لا ينافي القطع بصحّة الأجزاء السابقة ، فاستصحاب صحّة تلك الأجزاء غير محتاج إليه ؛ لأنّا نقطع ببقاء صحّتها ، لكنّه لا يجدي في صحّة الصلاة بمعنى استجماعها لما عداها من الأجزاء والشرائط الباقية.
فإن قلت : فعلى ما ذكرت فلا يعرض البطلان للأجزاء السابقة أبدا ، بل هي باقية على الصحّة بالمعنى المذكور إلى أبد الدهر وإن وقع بعدها ما وقع من الموانع ، مع أنّ من الشائع في النصوص (١) والفتاوى (٢) إطلاق المبطل والناقض على مثل الحدث وغيره من قواطع الصلاة.
__________________
(١) انظر الوسائل ١ : ١٧٤ ، أبواب نواقض الوضوء ، و ٤ : ١٢٤٠ ، الباب الأوّل من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ٩ ، والصفحة ١٢٤٤ ، الباب الثاني منها ، الحديث ١٦.
(٢) انظر المبسوط ١ : ١١٧ ، والسرائر ١ : ١٠٦ ، والشرائع ١ : ١٧ ـ ١٨ و ٩١ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٨٠.
قلت : نعم ، ولا ضير في التزام ذلك ، ومعنى بطلانها عدم الاعتداد بها في حصول الكلّ ؛ لعدم التمكّن من ضمّ تمام الباقي إليها ، فيجب استئناف الصلاة ؛ امتثالا للأمر.
نعم ، إنّ حكم الشارع على بعض الأشياء بكونه قاطعا للصلاة أو ناقضا ، يكشف عن أنّ لأجزاء الصلاة في نظر الشارع هيئة اتّصاليّة ترتفع ببعض الأشياء دون بعض ؛ فإنّ الحدث يقطع ذلك الاتّصال والتجشّؤ لا يقطعه ، والقطع يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين ، وهما في ما نحن فيه الأجزاء السابقة والأجزاء التي تلحقها بعد تخلّل ذلك القاطع ، فكلّ من السابق واللاحق يسقط عن قابليّة ضمّه إلى الآخر وضمّ الآخر إليه.
صحّة الاستصحاب إذا شكّ في القاطعيّة |
ومن المعلوم : أنّ الأجزاء السابقة كانت قابلة للضمّ إليها وصيرورتها أجزاء فعليّة للمركّب ، والأصل بقاء تلك القابليّة وتلك الهيئة الاتّصاليّة بينها وبين ما يلحقها ، فيصحّ الاستصحاب في كلّ ما شكّ في قاطعيّة الموجود.
الفرق بين الشكّ في المانعيّة والقاطعيّة |
ولكن هذا مختصّ بما إذا شكّ في القاطعيّة ، وليس مطلق الشكّ في مانعيّة الشيء ـ كالزيادة في ما نحن فيه ـ شكّا في القاطعيّة.
وحاصل الفرق بينهما : أنّ عدم الشيء في جميع آنات الصلاة قد يكون بنفسه من جملة الشروط ، فإذا وجد آناً ما فقد انتفى الشرط على وجه لا يمكن تداركه ، فلا يتحقّق المركّب من هذه الجهة ، وهذا لا يجدي فيه القطع بصحّة الأجزاء السابقة ، فضلا عن استصحابها.
وقد يكون اعتباره من حيث كون وجوده قاطعا ورافعا للهيئة الاتّصاليّة والارتباطيّة في نظر الشارع بين الأجزاء ، فإذا شكّ في رافعيّة
شيء لها حكم ببقاء تلك الهيئة واستمرارها وعدم انفصال الأجزاء السابقة عمّا يلحقها من سائر الأجزاء.
كلام صاحب الفصول في ردّ استصحاب الصحّة |
وربما يردّ (١) استصحاب الصحّة ، بأنّه : إن اريد صحّة الأجزاء المأتيّ بها بعد طروّ المانع الاحتماليّ فغير مجد ؛ لأنّ البراءة إنّما تتحقّق بفعل الكلّ دون البعض. وإن اريد إثبات عدم مانعيّة الطارئ أو صحّة بقيّة الأجزاء فساقط ؛ لعدم التعويل على الاصول المثبتة (٢) ، انتهى.
وفيه نظر يظهر ممّا ذكرنا ، وحاصله :
المناقشة فيها إفاده صاحب الفصول |
أنّ الشكّ إن كان في مانعيّة شيء وشرطيّة عدمه للصلاة (٣) ، فصحّة الأجزاء السابقة لا تستلزم عدمها ظاهرا ولا واقعا ، حتّى يكون الاستصحاب بالنسبة إليها من الاصول المثبتة.
وإن كان في قاطعيّة الشيء ورفعه للاتّصال والاستمرار الموجود للعبادة في نظر الشارع ، فاستصحاب بقاء الاتّصال كاف ؛ إذ لا يقصد في المقام سوى بقاء تلك الهيئة الاتّصاليّة ، والشكّ إنّما هو فيه ، لا في ثبوت شرط أو مانع آخر حتّى يقصد بالاستصحاب دفعه ، ولا في صحّة بقيّة الأجزاء من غير جهة زوال الهيئة الاتّصاليّة بينها وبين الأجزاء السابقة ، والمفروض إحراز عدم زوالها بالاستصحاب.
الإشكال في الاستصحاب إذا شكّ في القاطعيّة أيضا |
هذا ، ولكن يمكن الخدشة فيما اخترناه من الاستصحاب : بأنّ المراد بالاتّصال والهيئة الاتصاليّة إن كان ما بين الأجزاء السابقة بعضها مع
__________________
(١) الرادّ هو صاحب الفصول.
(٢) الفصول : ٥٠.
(٣) لم ترد «للصلاة» في (ر) و (ظ) ، نعم ورد بدلها في (ظ): «للهيئة الاتّصاليّة».
بعض ، فهو باق لا ينفع. وإن كان ما بينها وبين ما لحقها من الأجزاء الآتية ، فالشكّ في وجودها لا بقائها.
وأمّا أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة إلحاق الباقي بها ، فلا يبعد كونها من الاصول المثبتة.
دفع الإشكال |
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ (١) استصحاب الهيئة الاتصاليّة من الاستصحابات العرفيّة الغير المبنيّة (٢) على التدقيق ، نظير استصحاب الكرّية في الماء المسبوق بالكرّية. ويقال في بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة الاتّصال : إنّه لمّا كان المقصود الأصليّ من القطع وعدمه هو لزوم استئناف الأجزاء السابقة وعدمه ، وكان الحكم بقابليّتها لإلحاق الباقي بها في قوّة الحكم بعدم وجوب استئنافها ، خرج من الاصول المثبتة التي ذكر في محلّه عدم الاعتداد بها في الإثبات ، فافهم.
وبما ذكرنا يظهر سرّ ما أشرنا إليه في المسألة السابقة (٣) : من عدم الجدوى في استصحاب الصحّة لإثبات صحّة العبادة المنسيّ فيها بعض الأجزاء عند الشكّ في جزئيّة المنسي حال النسيان (٤).
الاستدلال على الصحّة بقوله تعالى : «لا تبطلوا أعمالكم» |
وقد يتمسّك لإثبات صحّة العبادة عند الشكّ في طروّ المانع بقوله تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(٥) ؛ فإنّ حرمة الإبطال إيجاب للمضيّ
__________________
(١) لم ترد «إنّ» في (ت) ، (ر) و (ظ).
(٢) في (ت): «المبتنية».
(٣) في الصفحة ٣٦٦.
(٤) وردت عبارة «وبما ذكرنا ـ إلى ـ النسيان» في (ر) ، (ص) و (ظ) بعد قوله : «والمفروض إحراز عدم زوالها بالاستصحاب» في الصفحة السابقة.
(٥) سورة محمّد صلىاللهعليهوآله : ٣٣.
فيها ، وهو مستلزم لصحّتها ولو بالإجماع المركّب ، أو عدم القول بالتفكيك بينهما في غير الصوم والحجّ.
المناقشة في الاستدلال |
وقد استدلّ بهذه الآية غير واحد تبعا للشيخ قدسسره (١).
وهو لا يخلو عن نظر يتوقّف على بيان ما يحتمله الآية الشريفة من المعاني ، فنقول :
معاني حرمة إبطال العمل |
المعنى الأوّل |
إنّ حقيقة الإبطال ـ بمقتضى وضع باب الإفعال ـ إحداث البطلان في العمل الصحيح وجعله باطلا ، نظير قولك : أقمت زيدا أو أجلسته أو أغنيته.
المعنى الثاني |
والآية بهذا المعنى راجعة إلى النهي عن جعل العمل لغوا لا يترتّب عليه أثر كالمعدوم بعد أن لم يكن كذلك ، فالإبطال هنا نظير الإبطال في قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)(٢) ، بناء على أنّ النهي عن تعقيبها بهما ؛ بشهادة قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً ...) الآية (٣).
الثاني : أن يراد به إيجاد العمل على وجه باطل ، من قبيل قوله :
__________________
(١) لم نعثر على الاستدلال بهذه الآية في كتب الشيخ ولا في كتب غيره لإثبات صحّة العبادة عند الشكّ في طروّ مانع. نعم ، استدلّ بها جماعة لإثبات حرمة قطع الصلاة لغير حاجة ، انظر تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٩٩ ، والذكرى (الطبعة الحجريّة) : ٢١٥ ، وروض الجنان : ٣٣٨ ، والرياض ٣ : ٥١٦. ولم نعثر على الاستدلال بها في كتب الشيخ مطلقا.
(٢) البقرة : ٢٦٤.
(٣) البقرة : ٢٦٢.
«ضيّق فم الركيّة» ، يعني أحدثه ضيّقا ، لا أحدث فيه الضيق بعد السعة.
والآية بهذا المعنى نهي عن إتيان الأعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحّتها ، أو فاقدة للامور المقتضية للصحّة.
والنهي على هذين الوجهين ظاهره الإرشاد ؛ إذ لا يترتّب على إحداث البطلان في العمل أو إيجاده باطلا عدا فوت مصلحة العمل الصحيح.
الثالث : أن يراد من إبطال العمل قطعه ورفع اليد عنه ، كقطع الصلاة والصوم والحجّ. وقد اشتهر التمسّك لحرمة قطع العمل بها.
ويمكن إرجاع هذا إلى المعنى الأوّل ، بأن يراد من الأعمال ما يعمّ الجزء المتقدّم من العمل ؛ لأنّه أيضا عمل لغة ، وقد وجد على وجه قابل لترتّب الأثر (١) وصيرورته جزءا فعليّا للمركّب ، فلا يجوز جعله باطلا ساقطا عن قابليّة كونه جزءا فعليّا.
فجعل هذا المعنى مغايرا للأوّل مبنيّ على كون المراد من العمل مجموع المركّب الذي وقع الإبطال في أثنائه.
وكيف كان : فالمعنى الأوّل أظهر ؛ لكونه المعنى الحقيقيّ ، ولموافقته لمعنى الإبطال في الآية الاخرى المتقدّمة (٢) ، ومناسبته لما قبله من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا
__________________
(١) في (ص) زيادة : «عليه».
(٢) أي : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).
أَعْمالَكُمْ)(١) ؛ فإنّ تعقيب إطاعة الله وإطاعة الرسول بالنهي عن الإبطال يناسب الإحباط ، لا إتيان العمل على الوجه الباطل ؛ لأنّها مخالفة لله وللرسول.
هذا كلّه ، مع ظهور الآية في حرمة إبطال الجميع ، فيناسب الإحباط بمثل الكفر ، لا إبطال شيء من الأعمال الذي هو المطلوب.
الشاهد للمعنى الأوّل |
ويشهد لما ذكرنا ـ مضافا إلى ما ذكرنا ـ : ما ورد من تفسير الآية بالمعنى الأوّل ، فعن الأمالي وثواب الأعمال ، عن الباقر عليهالسلام ، قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من قال : سبحان الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال : الحمد لله ، غرس الله له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال : لا إله إلاّ الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنّة. فقال له رجل من قريش : إنّ شجرتنا في الجنّة لكثير ، قال صلىاللهعليهوآله : نعم ، ولكن إيّاكم أن ترسلوا إليها نارا فتحرقوها ؛ إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(٢).
هذا إن قلنا بالإحباط مطلقا أو بالنسبة إلى بعض المعاصي. وإن لم نقل به وطرحنا الخبر ـ لعدم اعتبار مثله في مثل المسألة ـ كان المراد في الآية الإبطال بالكفر ؛ لأنّ الإحباط به اتّفاقيّ. وببالي أنّي وجدت أو
__________________
(١) سورة محمّد صلىاللهعليهوآله : ٣٣.
(٢) أمالي الصدوق : ٤٨٦ ، المجلس ٥٨ ، الحديث ١٤ ، وثواب الأعمال : ١١ ، وانظر الوسائل ٤ : ١٢٠٦ ، الباب ٣١ من أبواب الذكر ، الحديث ٥.
سمعت ورود الرواية (١) في تفسير الآية : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بالشرك.
للمعنى الثالث موجب لتخصيص الأكثر |
هذا كلّه ، مع أنّ إرادة المعنى الثالث الذي يمكن الاستدلال به موجب لتخصيص الأكثر ؛ فإنّ ما يحرم قطعه من الأعمال بالنسبة إلى ما لا يحرم في غاية القلّة.
فإذا ثبت ترجيح المعنى الأوّل ، فإن كان المراد بالأعمال ما يعمّ بعض العمل المتقدّم ، كان دليلا ـ أيضا ـ على حرمة القطع في الأثناء ، إلاّ أنّه لا ينفع فيما نحن فيه ؛ لأنّ المدّعى فيما نحن فيه هو انقطاع العمل بسبب الزيادة الواقعة فيه ، كانقطاعه بالحدث الواقع فيه لا عن اختيار ، فرفع اليد عنه بعد ذلك لا يعلم كونه قطعا له وإبطالا ، ولا معنى لقطع المنقطع وإبطال الباطل.
الاستدلال على الصحّة باستصحاب حرمة القطع والمناقشة فيه |
وممّا ذكرنا يظهر : ضعف الاستدلال على الصحّة فيما نحن فيه باستصحاب حرمة القطع ؛ لمنع كون رفع اليد بعد وقوع الزيادة قطعا ؛ لاحتمال حصول الانقطاع ، فلم يثبت في الآن اللاحق موضوع القطع ، حتّى يحكم عليه بالحرمة.
الاستدلال على الصحّة باستصحاب وجوب الإتمام والمناقشة فيه |
وأضعف منه : استصحاب وجوب إتمام العمل.
للشكّ في الزمان اللاحق في القدرة على إتمامه ، وفي أنّ مجرّد إلحاق باقي الأجزاء إتمام له ، فلعلّ عدم الزيادة من الشروط ، والإتيان بما عداه من الأجزاء والشرائط تحصيل لبعض الباقي ، لا لتمامه (٢) حتّى
__________________
(١) لم نعثر على الرواية ، نعم قال المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة (٢ : ٢٤٦) : «وقيل : معناه لا تبطلوا بالكفر». وفي التفسير الكبير للرازي (٢٧ : ٧٢): «أنّ الآية تحتمل وجوها ، أحدها : ولا تشركوا فتبطل أعمالكم».
(٢) كذا في (ص) و (ظ) ، وفي (ر) و (ه): «لا تمامه».