فرائد الأصول - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-03-6
الصفحات: ٥٠٤

وينبغي التنبيه على امور متعلّقة بالجزء والشرط :

الأوّل

الشك في الركنيّة

إذا ثبت جزئيّة شيء وشكّ في ركنيّته ، فهل الأصل كونه ركنا ، أو عدم كونه كذلك ، أو مبنيّ على مسألة البراءة و (١) الاحتياط في الشكّ في الجزئيّة ، أو التبعيض بين أحكام الركن ، فيحكم ببعضها وينفى بعضها الآخر؟ وجوه ، لا يعرف الحقّ منها إلاّ بعد معرفة معنى الركن ، فنقول :

الركن في اصطلاح الفقهاء

إنّ الركن في اللغة والعرف معروف (٢) ، وليس له في الأخبار ذكر حتّى يتعرّض لمعناه في زمان صدور تلك الأخبار ، بل هو اصطلاح خاصّ للفقهاء.

وقد اختلفوا في تعريفه : بين من قال بأنّه : ما تبطل العبادة بنقصه عمدا وسهوا (٣) ، وبين من عطف على النقص زيادته (٤). والأوّل أوفق

__________________

(١) في (ظ): «أو».

(٢) راجع مجمع البحرين ٦ : ٢٥٧ ، والقاموس المحيط ٤ : ٢٢٩.

(٣) كما في المبسوط ١ : ١٠٠ ، والتذكرة ٣ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٤) كما في جامع المقاصد ٢ : ١٩٩ ، وروض الجنان : ٢٤٩.

٣٦١

بالمعنى اللغويّ والعرفيّ ، وحينئذ فكلّ جزء ثبت في الشرع بطلان العبادة بالاختلال في طرف النقيصة أو فيه وفي طرف الزيادة ، فهو ركن.

حكم الإخلال بالجزء نقيصة وزيادة

فالمهمّ : بيان حكم الإخلال (١) بالجزء في طرف النقيصة أو الزيادة ، وأنّه إذا ثبت جزئيّته فهل الأصل يقتضي بطلان المركّب بنقصه سهوا كما يبطل بنقصه عمدا ؛ وإلاّ لم يكن جزءا؟

هنا مسائل ثلاث :

فهنا مسائل ثلاث :

بطلان العبادة بتركه سهوا.

وبطلانها بزيادته عمدا.

وبطلانها بزيادته سهوا.

__________________

(١) في (ر) ، (ص) و (ظ): «الاختلال».

٣٦٢

[المسألة الاولى]

هل تبطل العبادة بترك الجزء سهواً

[في ترك الجزء سهوا](١)؟

الأصل البطلان والدليل عليه

أمّا الاولى ، فالأقوى فيها : أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا إلاّ أن يقوم دليل عامّ أو خاصّ على الصحّة ؛ لأنّ ما كان جزءا في حال العمد كان جزءا في حال الغفلة ، فإذا انتفى المركّب ، فلم يكن المأتيّ به موافقا للمأمور به ، وهو معنى فساده.

أمّا عموم جزئيّته لحال الغفلة ؛ فلأنّ الغفلة لا توجب تغيير المأمور به ؛ فإنّ المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لم يتغيّر الأمر المتوجّه إليه قبل الغفلة ، ولم يحدث بالنسبة إليه من الشارع أمر آخر حين الغفلة ؛ لأنّه غافل عن غفلته ، فالصلاة المأتيّ بها من غير سورة غير مأمور بها بأمر أصلا. غاية الأمر : عدم توجّه الأمر بالصلاة مع السورة إليه ؛ لاستحالة تكليف الغافل ، فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة ، نظير من غفل عن الصلاة رأسا أو نام عنها ، فإذا التفت إليها والوقت باق وجب عليه الاتيان بها بمقتضى الأمر الأوّل.

فإن قلت : عموم جزئيّة الجزء لحال النسيان يتمّ فيما لو ثبت الجزئيّة بمثل قوله : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (٢) ، دون ما لو قام الإجماع مثلا على جزئيّة شيء في الجملة واحتمل اختصاصها بحال الذكر ، كما انكشف ذلك بالدليل في الموارد التي حكم الشارع فيها

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ ، الباب الأوّل من أبواب القراءة ، الحديث ٥.

٣٦٣

بصحّة الصلاة المنسيّ فيها بعض الأجزاء على وجه يظهر من الدليل كون صلاته تامّة ، مثل قوله عليه‌السلام : «تمّت صلاته ، ولا يعيد» (١) ، وحينئذ فمرجع الشكّ إلى الشكّ في الجزئيّة حال النسيان ، فيرجع فيها إلى البراءة أو الاحتياط على الخلاف.

وكذا لو كان الدالّ على الجزئيّة حكما تكليفيّا مختصّا بحال الذكر وكان الأمر بأصل العبادة مطلقا ، فإنّه يقتصر في تقييده على مقدار قابليّة دليل التقييد أعني حال الذكر ؛ إذ لا تكليف حال الغفلة ، فالجزء المنتزع من الحكم التكليفيّ نظير الشرط المنتزع منه في اختصاصه بحال الذكر ، كلبس الحرير ونحوه.

قلت : إن اريد بعدم جزئيّة ما ثبت جزئيّته في الجملة في حقّ الناسي إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء عليه ، فهو غير قابل لتوجيه (٢) الخطاب إليه بالنسبة إلى المغفول عنه إيجابا وإسقاطا.

وإن اريد به إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعيّة ، فهو حسن ؛ لأنّه حكم في حقّه بعد زوال غفلته ، لكن عدم الجزئيّة بهذا المعنى عند الشكّ ممّا لم يقل به أحد من المختلفين في مسألة البراءة والاحتياط ؛ لأنّ هذا المعنى حكم وضعيّ لا يجري فيه أدلّة البراءة ، بل الأصل فيه العدم بالاتّفاق.

وهذا معنى ما اخترناه : من فساد العبادة الفاقدة للجزء نسيانا ، بمعنى عدم كونها مأمورا بها ولا مسقطا عنه.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٤١ ، الباب ٢٣ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث الأوّل.

(٢) في (ر) و (ص): «لتوجّه».

٣٦٤

عدم كون هذه المسألة من مسألة الإجزاء

وممّا ذكرنا ظهر : أنّه ليس هذه المسألة من مسألة اقتضاء الأمر للإجزاء في شيء ؛ لأنّ تلك المسألة مفروضة فيما إذا كان المأتيّ به مأمورا به بأمر شرعيّ ، كالصلاة مع التيمّم أو بالطهارة المظنونة ، وليس في المقام أمر بما أتى به الناسي أصلا.

توهّمُ ودفع

وقد يتوهّم : أنّ في المقام أمرا عقليّا ؛ لاستقلال العقل بأنّ الواجب في حقّ الناسي هو هذا المأتيّ به ، فيندرج ـ لذلك ـ في إتيان المأمور به بالأمر العقليّ.

وهو فاسد جدّا ؛ لأنّ العقل ينفي تكليفه بالمنسيّ ولا يثبت له تكليفا بما عداه من الأجزاء ، وإنّما يأتي بها بداعي الأمر بالعبادة الواقعيّة غفلة عن عدم كونه إيّاها ؛ كيف والتكليف ـ عقليّا كان أو شرعيّا ـ يحتاج إلى الالتفات ، وهذا الشخص غير ملتفت إلى أنّه ناس عن الجزء حتّى يكلّف بما عداه.

توهّمُ آخر ودفعه

ونظير هذا التوهّم : توهّم أنّ ما يأتي به الجاهل المركّب باعتقاد أنّه المأمور به ، من باب إتيان المأمور به بالأمر العقلي.

وفساده يظهر ممّا ذكرنا بعينه.

وأمّا ما ذكره : من أنّ دليل الجزء قد يكون من قبيل التكليف ، وهو ـ لاختصاصه بغير الغافل ـ لا يقيّد (١) الأمر بالكلّ إلاّ بقدر مورده ، وهو غير الغافل ، فإطلاق الأمر بالكلّ ـ المقتضي لعدم جزئيّة هذا الجزء له بالنسبة إلى الغافل ـ بحاله ، ففيه :

أنّ التكليف المذكور إن كان تكليفا نفسيّا ، فلا يدلّ على كون

__________________

(١) في (ت) و (ص) زيادة : «إطلاق».

٣٦٥

متعلّقه جزءا للمأمور به حتّى يقيّد به الأمر بالكلّ ، وإن كان تكليفا غيريّا فهو كاشف عن كون متعلّقه جزءا ؛ لأنّ الأمر الغيريّ إنّما يتعلّق بالمقدّمة ، وانتفاؤه بالنسبة إلى الغافل لا يدلّ على نفي جزئيّته في حقّه ؛ لأنّ الجزئيّة غير مسبّبة عنه ، بل هو مسبّب عنها.

ومن ذلك يعلم : الفرق بين ما نحن فيه وبين ما ثبت اشتراطه من الحكم التكليفيّ ، كلبس الحرير ؛ فإنّ الشرطيّة مسبّبة عن التكليف ـ عكس ما نحن فيه ـ ، فينتفي بانتفائه.

والحاصل : أنّ الأمر الغيريّ بشيء ـ لكونه جزءا ـ وإن انتفى في حقّ الغافل عنه ؛ من حيث انتفاء الأمر بالكلّ في حقّه ، إلاّ أنّ الجزئيّة لا تنتفي بذلك.

التمسّك في المسألة باستصحاب الصحّة والمناقشة فيه

وقد يتخيّل : أنّ أصالة العدم على الوجه المتقدّم (١) وإن اقتضت ما ذكر ، إلاّ أنّ استصحاب الصحّة حاكم عليها.

وفيه : ما سيجيء في المسألة الآتية (٢) : من فساد التمسّك به في هذه المقامات ، وكذا التمسّك بغيره ممّا سيذكر هناك.

توهّم أصل ثانوي في المسألة من جهة حديث الرفع

فإن قلت : إنّ الأصل الأوّلي وإن كان ما ذكرت ، إلاّ أنّ هنا أصلا ثانويّا يقتضي إمضاء ما يفعله الناسي خاليا عن الجزء والشرط (٣) المنسيّ عنه ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «رفع عن امّتي تسعة : الخطأ والنسيان ...» (٤) ،

__________________

(١) المتقدّم في آخر الصفحة ٣٦٤.

(٢) انظر الصفحة ٣٧٢.

(٣) في (ص): «أو الشرط».

(٤) الوسائل ١١ : ٢٩٥ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأوّل.

٣٦٦

بناء على أنّ المقدّر ليس خصوص المؤاخذة ، بل جميع الآثار الشرعيّة المترتّبة على الشيء المنسيّ لو لا النسيان ؛ فإنّه لو ترك السورة لا للنسيان يترتّب حكم الشارع عليه بالفساد ووجوب الإعادة ، وهذا مرفوع مع ترك السورة نسيانا.

وإن شئت قلت : إنّ جزئيّة السورة مرتفعة حال النسيان.

المناقشة في التمسّك بحديث الرفع

قلت ـ بعد تسليم إرادة رفع جميع الآثار ـ : إنّ جزئيّة السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعا ، بل هي ككلّية الكلّ ، وإنّما المجعول الشرعيّ وجوب الكلّ ، والوجوب مرتفع حال النسيان بحكم الرواية ، ووجوب الإعادة بعد التذكّر مترتّب على الأمر الأوّل ، لا على ترك السورة.

ودعوى : أنّ ترك السورة سبب لترك الكلّ الذي هو سبب وجود الأمر الأوّل ؛ لأنّ عدم الرافع من أسباب البقاء ، وهو من المجعولات القابلة للارتفاع في الزمان الثاني ، فمعنى رفع النسيان رفع ما يترتّب عليه وهو ترك الجزء ، ومعنى رفعه رفع ما يترتّب عليه وهو ترك الكلّ ، ومعنى رفعه رفع ما يترتّب عليه وهو وجود الأمر في الزمان الثاني.

مدفوعة : بما تقدّم (١) في بيان معنى الرواية في الشبهة التحريميّة في الشكّ في أصل التكليف : من أنّ المرفوع في الرواية الآثار الشرعيّة الثابتة لو لا النسيان ، لا الآثار الغير الشرعيّة ، ولا ما يترتّب على هذه الآثار من الآثار الشرعيّة.

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٢ ـ ٣٣.

٣٦٧

فالآثار المرفوعة في هذه الرواية نظير الآثار الثابتة للمستصحب بحكم أخبار الاستصحاب في أنّها هي خصوص الشرعيّة المجعولة للشارع ، دون الآثار العقليّة والعاديّة ، ودون ما يترتّب عليها من الآثار الشرعيّة.

نعم ، لو صرّح الشارع بأنّ حكم نسيان الجزء الفلاني مرفوع ، أو أنّ نسيانه كعدم نسيانه ، أو أنّه لا حكم لنسيان السورة مثلا ، وجب حمله ـ تصحيحا للكلام ـ على رفع الإعادة وإن لم يكن أثرا شرعيّا ، فافهم (١).

وزعم بعض المعاصرين (٢) الفرق بينهما ، حيث حكم في مسألة البراءة والاشتغال في الشكّ في الجزئيّة : بأنّ أصالة عدم الجزئيّة لا يثبت بها (٣) ما يترتّب عليه ، من كون المأمور به هو الأقلّ ؛ لأنّه لازم غير شرعيّ. أمّا رفع الجزئيّة الثابتة بالنبويّ فيثبت به كون المأمور به هو الأقلّ. وذكر في وجه الفرق ما لا يصلح له ، من أراده راجعه فيما ذكره في أصالة العدم.

وكيف كان ، فالقاعدة الثانويّة في النسيان غير ثابتة.

إمكان دعوى أصل ثانوي في خصوص الصلاة

نعم يمكن دعوى القاعدة الثانويّة في خصوص الصلاة من جهة قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود» (٤) ، وقوله عليه‌السلام في مرسلة سفيان : «يسجد سجدتي

__________________

(١) لم ترد عبارة «نعم ـ إلى ـ فافهم» في (ظ).

(٢) هو صاحب الفصول في الفصول : ٣٥٧.

(٣) لم ترد «بها» في (ت) ، (ظ) و (ه).

(٤) الوسائل ٤ : ٦٨٣ ، الباب الأوّل من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث ١٤.

٣٦٨

السهو في كلّ زيادة ونقيصة» (١) ، وقوله عليه‌السلام في من نسي الفاتحة : «أليس قد أتممت الركوع والسجود» (٢) ، وغيره (٣).

ثمّ إنّ الكلام في الشرط كالكلام في الجزء في الأصل الأوّلي والثانويّ المزيّف والمقبول ، وهو غاية المسئول.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، الباب ٣٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ٤ : ٧٦٩ ، الباب ٢٩ من أبواب القراءة ، الحديث ٢.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ٧٦٦ ـ ٧٧١ ، الباب ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ و ٣٠ من أبواب القراءة ، والروايات متعدّدة.

٣٦٩

المسألة الثانية

هل تبطل العبادة بزيادة الجزء عمداَ

في زيادة الجزء عمدا؟

موضوع المسألة

وإنّما يتحقّق في الجزء الذي لم يعتبر فيه اشتراط (١) عدم الزيادة ، فلو اخذ بشرطه فالزيادة عليه موجب لاختلاله من حيث النقيصة ؛ لأنّ فاقد الشرط كالمتروك. كما أنّه لو اخذ في الشرع لا بشرط الوحدة والتعدّد فلا إشكال في عدم الفساد.

ويشترط في صدق الزيادة : قصد كونه من الأجزاء ، أمّا زيادة صورة الجزء لا بقصدها ـ كما لو سجد للعزيمة في الصلاة ـ لم تعدّ زيادة في الجزء. نعم ، (٢) ورد في بعض الأخبار : «أنّها زيادة في المكتوبة» (٣) ، وسيأتي الكلام في معنى الزيادة في الصلاة (٤).

أقسام الزيادة العمديّة :

ثمّ الزيادة العمديّة تتصوّر على وجوه :

١ ـ تصد كسون الزائد جسزءاً مستقلّاً

أحدها : أن يزيد جزءا من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزءا مستقلا ، كما لو اعتقد شرعا أو تشريعا أنّ الواجب في كلّ ركعة ركوعان ، كالسجود.

٢ ـ تصد كون مجموع الزائد والمزيد عليه جزءاً واحداً

الثاني : أن يقصد كون مجموع الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا ، كما لو اعتقد أنّ الواجب في الركوع الجنس الصادق على الواحد والمتعدّد.

__________________

(١) لم ترد «اشتراط» في (ر).

(٢) في (ت) و (ر) زيادة : «ربما».

(٣) الوسائل ٤ : ٧٧٩ ، الباب ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، الحديث الأوّل.

(٤) لكنّه قدس‌سره فيما سيأتي أحاله على مقام آخر ، انظر الصفحة ٣٨٣.

٣٧٠

٣ ـ أن يأتى بالزائد بدلا عن المزيد

الثالث : أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه : إمّا اقتراحا ، كما لو قرأ سورة ثمّ بدا له في الأثناء أو بعد الفراغ وقرأ سورة اخرى لغرض دينيّ كالفضيلة ، أو دنيويّ كالاستعجال. وإمّا لإيقاع الأوّل على وجه فاسد بفقد بعض الشروط ، كأن يأتي ببعض الأجزاء رياء أو مع عدم الطمأنينة المعتبرة فيها ، ثمّ يبدو له في إعادته على وجه صحيح.

بطلان العبادة في القسم الأوّل

أمّا الزيادة على الوجه الأوّل : فلا إشكال في فساد العبادة (١) إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء ؛ لأنّ ما أتى به وقصد الامتثال به ـ وهو المجموع المشتمل على الزيادة ـ غير مأمور به ، وما امر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به.

عدم البطلان في القسمين الأخيرين

وأمّا الأخيران : فمقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما ؛ لأنّ مرجع ذلك (٢) الشكّ إلى الشكّ في مانعيّة الزيادة ، ومرجعها إلى الشكّ في شرطيّة عدمها ، وقد تقدّم (٣) أنّ مقتضى الأصل فيه البراءة.

استدلال المحقّق على البطلان والمناقشة فيه

وقد يستدلّ على البطلان : بأنّ الزيادة تغيير لهيئة العبادة الموظّفة فتكون مبطلة. وقد احتجّ به في المعتبر على بطلان الصلاة بالزيادة (٤).

وفيه نظر ؛ لأنّه إن اريد تغيير الهيئة المعتبرة في الصلاة ، فالصغرى ممنوعة ؛ لأنّ اعتبار الهيئة الحاصلة من عدم الزيادة أوّل الدعوى ، فإذا

__________________

(١) في (ت) ، (ص) و (ه) زيادة : «بها».

(٢) لم ترد «ذلك» في (ر) و (ظ).

(٣) راجع الصفحة ٣٥٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٧٩.

٣٧١

شكّ فيه فالأصل البراءة عنه. وإن اريد أنّه تغيير للهيئة المتعارفة المعهودة للصلاة فالكبرى ممنوعة ؛ لمنع كون تغيير الهيئة المتعارفة مبطلا.

الاستدلال على الصحّة باستصحاب الصحّة

ونظير الاستدلال بهذا للبطلان في الضعف : الاستدلال للصحّة باستصحابها (١) ، بناء على أنّ العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة ، والأصل بقاؤها وعدم عروض البطلان لها.

المناقشة في استحصاب الصحّة

وفيه : أنّ المستصحب إن كان صحّة مجموع الصلاة فلم يتحقّق بعد.

وإن كان صحّة الأجزاء السابقة منها فهي غير مجدية ؛ لأنّ صحّة تلك الأجزاء : إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها ، وإمّا ترتّب الأثر عليها. والمراد بالأثر المترتّب عليها : حصول المركّب بها منضمّة مع باقي الأجزاء والشرائط ؛ إذ ليس أثر الجزء المنوط به صحّته إلاّ حصول الكلّ به منضمّا إلى تمام غيره ممّا يعتبر في الكلّ.

ولا يخفى : أنّ الصحّة بكلا المعنيين باقية للأجزاء السابقة ؛ لأنّها بعد وقوعها مطابقة للأمر بها لا تنقلب عمّا وقعت عليه ، وهي بعد على وجه لو انضمّ إليها تمام ما يعتبر في الكلّ حصل الكلّ ، فعدم حصول الكلّ لعدم انضمام تمام ما يعتبر في الكلّ إلى تلك الأجزاء ، لا يخلّ بصحّتها.

ألا ترى : أنّ صحّة الخلّ من حيث كونه جزءا للسكنجبين ، لا يراد بها إلاّ كونه على صفة لو انضمّ إليه تمام ما يعتبر في تحقّق السكنجبين لحصل الكلّ ، فلو لم ينضمّ إليه تمام ما يعتبر فلم يحصل

__________________

(١) استدلّ به الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٧٣.

٣٧٢

ـ لذلك ـ الكلّ ، لم يقدح ذلك في اتّصاف الخلّ بالصحّة في مرتبة جزئيّته.

فإذا كان عدم حصول الكلّ يقينا لعدم حصول تمام ما يعتبر في الكلّ ، غير قادح في صحّة الجزء ، فكيف إذا شكّ في حصول الكلّ من جهة الشكّ في انضمام تمام ما يعتبر ، كما فيما نحن فيه؟ فإنّ الشكّ في صحّة الصلاة بعد تحقّق الزيادة المذكورة ، من جهة الشكّ في انضمام تمام ما يعتبر إلى الأجزاء ؛ لعدم كون عدم الزيادة شرطا ، وعدم انضمامه ؛ لكون عدم الزيادة أحد الشرائط المعتبرة ، ولم يتحقّق ، فلا يتحقّق الكلّ.

عدم الحاجة إلى استصحاب صحّة الأجزاء السابقة

ومن المعلوم : أنّ هذا الشكّ لا ينافي القطع بصحّة الأجزاء السابقة ، فاستصحاب صحّة تلك الأجزاء غير محتاج إليه ؛ لأنّا نقطع ببقاء صحّتها ، لكنّه لا يجدي في صحّة الصلاة بمعنى استجماعها لما عداها من الأجزاء والشرائط الباقية.

فإن قلت : فعلى ما ذكرت فلا يعرض البطلان للأجزاء السابقة أبدا ، بل هي باقية على الصحّة بالمعنى المذكور إلى أبد الدهر وإن وقع بعدها ما وقع من الموانع ، مع أنّ من الشائع في النصوص (١) والفتاوى (٢) إطلاق المبطل والناقض على مثل الحدث وغيره من قواطع الصلاة.

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ١٧٤ ، أبواب نواقض الوضوء ، و ٤ : ١٢٤٠ ، الباب الأوّل من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ٩ ، والصفحة ١٢٤٤ ، الباب الثاني منها ، الحديث ١٦.

(٢) انظر المبسوط ١ : ١١٧ ، والسرائر ١ : ١٠٦ ، والشرائع ١ : ١٧ ـ ١٨ و ٩١ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٨٠.

٣٧٣

قلت : نعم ، ولا ضير في التزام ذلك ، ومعنى بطلانها عدم الاعتداد بها في حصول الكلّ ؛ لعدم التمكّن من ضمّ تمام الباقي إليها ، فيجب استئناف الصلاة ؛ امتثالا للأمر.

نعم ، إنّ حكم الشارع على بعض الأشياء بكونه قاطعا للصلاة أو ناقضا ، يكشف عن أنّ لأجزاء الصلاة في نظر الشارع هيئة اتّصاليّة ترتفع ببعض الأشياء دون بعض ؛ فإنّ الحدث يقطع ذلك الاتّصال والتجشّؤ لا يقطعه ، والقطع يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين ، وهما في ما نحن فيه الأجزاء السابقة والأجزاء التي تلحقها بعد تخلّل ذلك القاطع ، فكلّ من السابق واللاحق يسقط عن قابليّة ضمّه إلى الآخر وضمّ الآخر إليه.

صحّة الاستصحاب إذا شكّ في القاطعيّة

ومن المعلوم : أنّ الأجزاء السابقة كانت قابلة للضمّ إليها وصيرورتها أجزاء فعليّة للمركّب ، والأصل بقاء تلك القابليّة وتلك الهيئة الاتّصاليّة بينها وبين ما يلحقها ، فيصحّ الاستصحاب في كلّ ما شكّ في قاطعيّة الموجود.

الفرق بين الشكّ في المانعيّة والقاطعيّة

ولكن هذا مختصّ بما إذا شكّ في القاطعيّة ، وليس مطلق الشكّ في مانعيّة الشيء ـ كالزيادة في ما نحن فيه ـ شكّا في القاطعيّة.

وحاصل الفرق بينهما : أنّ عدم الشيء في جميع آنات الصلاة قد يكون بنفسه من جملة الشروط ، فإذا وجد آناً ما فقد انتفى الشرط على وجه لا يمكن تداركه ، فلا يتحقّق المركّب من هذه الجهة ، وهذا لا يجدي فيه القطع بصحّة الأجزاء السابقة ، فضلا عن استصحابها.

وقد يكون اعتباره من حيث كون وجوده قاطعا ورافعا للهيئة الاتّصاليّة والارتباطيّة في نظر الشارع بين الأجزاء ، فإذا شكّ في رافعيّة

٣٧٤

شيء لها حكم ببقاء تلك الهيئة واستمرارها وعدم انفصال الأجزاء السابقة عمّا يلحقها من سائر الأجزاء.

كلام صاحب الفصول في ردّ استصحاب الصحّة

وربما يردّ (١) استصحاب الصحّة ، بأنّه : إن اريد صحّة الأجزاء المأتيّ بها بعد طروّ المانع الاحتماليّ فغير مجد ؛ لأنّ البراءة إنّما تتحقّق بفعل الكلّ دون البعض. وإن اريد إثبات عدم مانعيّة الطارئ أو صحّة بقيّة الأجزاء فساقط ؛ لعدم التعويل على الاصول المثبتة (٢) ، انتهى.

وفيه نظر يظهر ممّا ذكرنا ، وحاصله :

المناقشة فيها إفاده صاحب الفصول

أنّ الشكّ إن كان في مانعيّة شيء وشرطيّة عدمه للصلاة (٣) ، فصحّة الأجزاء السابقة لا تستلزم عدمها ظاهرا ولا واقعا ، حتّى يكون الاستصحاب بالنسبة إليها من الاصول المثبتة.

وإن كان في قاطعيّة الشيء ورفعه للاتّصال والاستمرار الموجود للعبادة في نظر الشارع ، فاستصحاب بقاء الاتّصال كاف ؛ إذ لا يقصد في المقام سوى بقاء تلك الهيئة الاتّصاليّة ، والشكّ إنّما هو فيه ، لا في ثبوت شرط أو مانع آخر حتّى يقصد بالاستصحاب دفعه ، ولا في صحّة بقيّة الأجزاء من غير جهة زوال الهيئة الاتّصاليّة بينها وبين الأجزاء السابقة ، والمفروض إحراز عدم زوالها بالاستصحاب.

الإشكال في الاستصحاب إذا شكّ في القاطعيّة أيضا

هذا ، ولكن يمكن الخدشة فيما اخترناه من الاستصحاب : بأنّ المراد بالاتّصال والهيئة الاتصاليّة إن كان ما بين الأجزاء السابقة بعضها مع

__________________

(١) الرادّ هو صاحب الفصول.

(٢) الفصول : ٥٠.

(٣) لم ترد «للصلاة» في (ر) و (ظ) ، نعم ورد بدلها في (ظ): «للهيئة الاتّصاليّة».

٣٧٥

بعض ، فهو باق لا ينفع. وإن كان ما بينها وبين ما لحقها من الأجزاء الآتية ، فالشكّ في وجودها لا بقائها.

وأمّا أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة إلحاق الباقي بها ، فلا يبعد كونها من الاصول المثبتة.

دفع الإشكال

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ (١) استصحاب الهيئة الاتصاليّة من الاستصحابات العرفيّة الغير المبنيّة (٢) على التدقيق ، نظير استصحاب الكرّية في الماء المسبوق بالكرّية. ويقال في بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة الاتّصال : إنّه لمّا كان المقصود الأصليّ من القطع وعدمه هو لزوم استئناف الأجزاء السابقة وعدمه ، وكان الحكم بقابليّتها لإلحاق الباقي بها في قوّة الحكم بعدم وجوب استئنافها ، خرج من الاصول المثبتة التي ذكر في محلّه عدم الاعتداد بها في الإثبات ، فافهم.

وبما ذكرنا يظهر سرّ ما أشرنا إليه في المسألة السابقة (٣) : من عدم الجدوى في استصحاب الصحّة لإثبات صحّة العبادة المنسيّ فيها بعض الأجزاء عند الشكّ في جزئيّة المنسي حال النسيان (٤).

الاستدلال على الصحّة بقوله تعالى : «لا تبطلوا أعمالكم»

وقد يتمسّك لإثبات صحّة العبادة عند الشكّ في طروّ المانع بقوله تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(٥) ؛ فإنّ حرمة الإبطال إيجاب للمضيّ

__________________

(١) لم ترد «إنّ» في (ت) ، (ر) و (ظ).

(٢) في (ت): «المبتنية».

(٣) في الصفحة ٣٦٦.

(٤) وردت عبارة «وبما ذكرنا ـ إلى ـ النسيان» في (ر) ، (ص) و (ظ) بعد قوله : «والمفروض إحراز عدم زوالها بالاستصحاب» في الصفحة السابقة.

(٥) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٣٣.

٣٧٦

فيها ، وهو مستلزم لصحّتها ولو بالإجماع المركّب ، أو عدم القول بالتفكيك بينهما في غير الصوم والحجّ.

المناقشة في الاستدلال

وقد استدلّ بهذه الآية غير واحد تبعا للشيخ قدس‌سره (١).

وهو لا يخلو عن نظر يتوقّف على بيان ما يحتمله الآية الشريفة من المعاني ، فنقول :

معاني حرمة إبطال العمل

المعنى الأوّل

إنّ حقيقة الإبطال ـ بمقتضى وضع باب الإفعال ـ إحداث البطلان في العمل الصحيح وجعله باطلا ، نظير قولك : أقمت زيدا أو أجلسته أو أغنيته.

المعنى الثاني

والآية بهذا المعنى راجعة إلى النهي عن جعل العمل لغوا لا يترتّب عليه أثر كالمعدوم بعد أن لم يكن كذلك ، فالإبطال هنا نظير الإبطال في قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)(٢) ، بناء على أنّ النهي عن تعقيبها بهما ؛ بشهادة قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً ...) الآية (٣).

الثاني : أن يراد به إيجاد العمل على وجه باطل ، من قبيل قوله :

__________________

(١) لم نعثر على الاستدلال بهذه الآية في كتب الشيخ ولا في كتب غيره لإثبات صحّة العبادة عند الشكّ في طروّ مانع. نعم ، استدلّ بها جماعة لإثبات حرمة قطع الصلاة لغير حاجة ، انظر تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٩٩ ، والذكرى (الطبعة الحجريّة) : ٢١٥ ، وروض الجنان : ٣٣٨ ، والرياض ٣ : ٥١٦. ولم نعثر على الاستدلال بها في كتب الشيخ مطلقا.

(٢) البقرة : ٢٦٤.

(٣) البقرة : ٢٦٢.

٣٧٧

«ضيّق فم الركيّة» ، يعني أحدثه ضيّقا ، لا أحدث فيه الضيق بعد السعة.

والآية بهذا المعنى نهي عن إتيان الأعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحّتها ، أو فاقدة للامور المقتضية للصحّة.

والنهي على هذين الوجهين ظاهره الإرشاد ؛ إذ لا يترتّب على إحداث البطلان في العمل أو إيجاده باطلا عدا فوت مصلحة العمل الصحيح.

الثالث : أن يراد من إبطال العمل قطعه ورفع اليد عنه ، كقطع الصلاة والصوم والحجّ. وقد اشتهر التمسّك لحرمة قطع العمل بها.

ويمكن إرجاع هذا إلى المعنى الأوّل ، بأن يراد من الأعمال ما يعمّ الجزء المتقدّم من العمل ؛ لأنّه أيضا عمل لغة ، وقد وجد على وجه قابل لترتّب الأثر (١) وصيرورته جزءا فعليّا للمركّب ، فلا يجوز جعله باطلا ساقطا عن قابليّة كونه جزءا فعليّا.

فجعل هذا المعنى مغايرا للأوّل مبنيّ على كون المراد من العمل مجموع المركّب الذي وقع الإبطال في أثنائه.

وكيف كان : فالمعنى الأوّل أظهر ؛ لكونه المعنى الحقيقيّ ، ولموافقته لمعنى الإبطال في الآية الاخرى المتقدّمة (٢) ، ومناسبته لما قبله من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا

__________________

(١) في (ص) زيادة : «عليه».

(٢) أي : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).

٣٧٨

أَعْمالَكُمْ)(١) ؛ فإنّ تعقيب إطاعة الله وإطاعة الرسول بالنهي عن الإبطال يناسب الإحباط ، لا إتيان العمل على الوجه الباطل ؛ لأنّها مخالفة لله وللرسول.

هذا كلّه ، مع ظهور الآية في حرمة إبطال الجميع ، فيناسب الإحباط بمثل الكفر ، لا إبطال شيء من الأعمال الذي هو المطلوب.

الشاهد للمعنى الأوّل

ويشهد لما ذكرنا ـ مضافا إلى ما ذكرنا ـ : ما ورد من تفسير الآية بالمعنى الأوّل ، فعن الأمالي وثواب الأعمال ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قال : سبحان الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال : الحمد لله ، غرس الله له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال : لا إله إلاّ الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنّة. فقال له رجل من قريش : إنّ شجرتنا في الجنّة لكثير ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ، ولكن إيّاكم أن ترسلوا إليها نارا فتحرقوها ؛ إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(٢).

هذا إن قلنا بالإحباط مطلقا أو بالنسبة إلى بعض المعاصي. وإن لم نقل به وطرحنا الخبر ـ لعدم اعتبار مثله في مثل المسألة ـ كان المراد في الآية الإبطال بالكفر ؛ لأنّ الإحباط به اتّفاقيّ. وببالي أنّي وجدت أو

__________________

(١) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٣٣.

(٢) أمالي الصدوق : ٤٨٦ ، المجلس ٥٨ ، الحديث ١٤ ، وثواب الأعمال : ١١ ، وانظر الوسائل ٤ : ١٢٠٦ ، الباب ٣١ من أبواب الذكر ، الحديث ٥.

٣٧٩

سمعت ورود الرواية (١) في تفسير الآية : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بالشرك.

للمعنى الثالث موجب لتخصيص الأكثر

هذا كلّه ، مع أنّ إرادة المعنى الثالث الذي يمكن الاستدلال به موجب لتخصيص الأكثر ؛ فإنّ ما يحرم قطعه من الأعمال بالنسبة إلى ما لا يحرم في غاية القلّة.

فإذا ثبت ترجيح المعنى الأوّل ، فإن كان المراد بالأعمال ما يعمّ بعض العمل المتقدّم ، كان دليلا ـ أيضا ـ على حرمة القطع في الأثناء ، إلاّ أنّه لا ينفع فيما نحن فيه ؛ لأنّ المدّعى فيما نحن فيه هو انقطاع العمل بسبب الزيادة الواقعة فيه ، كانقطاعه بالحدث الواقع فيه لا عن اختيار ، فرفع اليد عنه بعد ذلك لا يعلم كونه قطعا له وإبطالا ، ولا معنى لقطع المنقطع وإبطال الباطل.

الاستدلال على الصحّة باستصحاب حرمة القطع والمناقشة فيه

وممّا ذكرنا يظهر : ضعف الاستدلال على الصحّة فيما نحن فيه باستصحاب حرمة القطع ؛ لمنع كون رفع اليد بعد وقوع الزيادة قطعا ؛ لاحتمال حصول الانقطاع ، فلم يثبت في الآن اللاحق موضوع القطع ، حتّى يحكم عليه بالحرمة.

الاستدلال على الصحّة باستصحاب وجوب الإتمام والمناقشة فيه

وأضعف منه : استصحاب وجوب إتمام العمل.

للشكّ في الزمان اللاحق في القدرة على إتمامه ، وفي أنّ مجرّد إلحاق باقي الأجزاء إتمام له ، فلعلّ عدم الزيادة من الشروط ، والإتيان بما عداه من الأجزاء والشرائط تحصيل لبعض الباقي ، لا لتمامه (٢) حتّى

__________________

(١) لم نعثر على الرواية ، نعم قال المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة (٢ : ٢٤٦) : «وقيل : معناه لا تبطلوا بالكفر». وفي التفسير الكبير للرازي (٢٧ : ٧٢): «أنّ الآية تحتمل وجوها ، أحدها : ولا تشركوا فتبطل أعمالكم».

(٢) كذا في (ص) و (ظ) ، وفي (ر) و (ه): «لا تمامه».

٣٨٠