دلائل الصدق لنهج الحق - ج ١

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-354-3
الصفحات: ٣٠٧

أمن الجائز عقلا أن يأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقمّ (١) ما تحت الدوح (٢) ، ويجمع المسلمين ـ وكانوا نحو مائة ألف ـ ويقوم في حرّ الظهيرة تحت وهج الشمس ، على منبر يقام له من الأحداج ، ويصعد خطيبا ـ وهو بذلك الاهتمام ـ رافعا بعضد عليّ عليه‌السلام ، ثمّ لا يقول إلّا : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه »؟!

__________________

٦٩ ح ٢٤ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٥٥ ح ١٨٤ و ١٨٥ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ح ٨٧١٥ ـ ٨٧١٩ وص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ح ٨٧٣٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١٢٦ ـ ١٢٧ ، ذخائر العقبى : ١٢٥ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٥٢ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٦٠ ح ٦١٠٣ ، فرائد السمطين ١ / ٦٤ ـ ٦٥ ح ٣٠ و ٣١ وص ٧١ ح ٣٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، الصواعق المحرقة : ٦٧.

* كما رويت المناشدة في : مسند أحمد ١ / ٨٤ و ٨٨ و ١١٨ ـ ١١٩ وج ٥ / ٣٦٦ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٩ ح ٢٨ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٥ و ٣٨٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٩٣ ح ١٣٧٢ ـ ١٣٧٤ ، مسند البزّار ٣ / ١٧١ ح ٩٥٨ ، خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للنسائي ـ : ٧٨ ح ٨٨ وص ٨١ و ٨٢ ح ٩٣ و ٩٤ ، المعجم الكبير ٥ / ١٧١ ح ٤٩٨٥ وص ١٧٥ ح ٤٩٩٦ وص ١٩١ ح ٥٠٥٨ ، المعجم الصغير ١ / ٦٤ ، حلية الأولياء ٥ / ٢٦ ـ ٢٧ ، تاريخ أصبهان ١ / ١٤٢ رقم ٩٢ ، تاريخ بغداد ١٤ / ٢٣٦ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٠٤ ـ ٢١٢ ح ٨٦٧٨ ـ ٨٦٩١ وص ٢١٤ ح ٨٦٩٧ ، أسد الغابة ٣ / ٦٠٥ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ، كفاية الطالب : ٥٦ و ٦٣ ، الرياض النضرة ٣ / ١٢٧ وورد مؤدّاه في ص ١٥٦ أيضا ، ذخائر العقبى : ١٢٥ ـ ١٢٦ وورد مؤدّاه في ص ١٢٢ أيضا ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٥٤ وص ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، البداية والنهاية ٥ / ١٦٠ ـ ١٦١ وج ٧ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، جامع المسانيد والسنن ١٩ / ٢٩ ـ ٣٠ وج ٢٠ / ١٠٥ ح ٦٠١ وص ١١٦ ح ٦٢٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٤ ـ ١٠٨ ، الإصابة في تمييز الصحابة ٤ / ٣٥٩ رقم ٥٢٠١ ، درّ السحابة : ٢٠٨ ـ ٢١٢.

(١) قمّ البيت : كنسه. انظر : الصحاح ٥ / ٢٠١٥ ، لسان العرب ١١ / ٣٨ ، مادّة « قمم ».

(٢) الدوحة : الشجرة العظيمة المتّسعة من أيّ الشجر كانت ، والجمع : دوح. انظر :

الصحاح ١ / ٣٦١ ، لسان العرب ٤ / ٤٣٧ ، مادّة « دوح ».

٢١

لا أرى عاقلا يرتضي ذلك ، ولا سيّما إذا حمل ( المولى ) على الناصر أو نحوه!(١).

فلا بدّ أن تكون الواقعة كما رواها الشيعة ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب تلك الخطبة الطويلة البليغة الجليلة ، التي أبان فيها عن قرب موته ، وحضور أجله ، ونصّ على خلفائه ، وولاة الأمر من بعده ، وأنّه مخلّف في أمّته الثقلين ، آمرا بالتمسّك بهما لئلّا يضلّوا ، وببيعة عليّ عليه‌السلام ، والتسليم عليه بإمرة المؤمنين.

لكنّ القوم بين من لم يرو أصل الواقعة ـ إضاعة لذكرها ـ وبين من روى اليسير منها بعد الطلب من أمير المؤمنين عليه‌السلام! فكان لها بعده نوع ظهور ، وإن اجتهد علماء الدنيا في درس أمرها ، والتزهيد بأثرها.

ولو رأيت كيف يسرع علماؤهم في رمي الشخص بالتشيّع ، الذي يجعله هدفا للبلاء ، ومحلّا للطعن ، لعلمت كيف كان اهتمامهم في درس

__________________

(١) ولخطورة الحديث في تاريخ الإسلام فقد تناوله المؤلّفون عبر القرون ـ على اختلاف مذاهبهم وتخصّصاتهم ولغاتهم ـ بتخريج طرقه وألفاظه ، والبحث فيه سندا ودلالة ، ونظم الواقعة شعرا ، وقد أحصى من ذلك المحقّق السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره في كتابه : « الغدير في التراث الإسلامي » ما يقرب من مئتي كتاب ورسالة ، مرتّبة حسب القرون.

ولمعرفة معنى كلمة « المولى » ومشتقّاتها والمراد منها في الحديث ، والتوسّع فيه سندا ودلالة ، وما يتعلّق برواته ومخرّجيه وطرقه وألفاظه ، وما يرتبط به من بحوث علمية وتاريخية ، وما نظم فيه من شعر على مرّ القرون ، فقد استوفى ذلك العلّامة الشيخ عبد الحسين الأميني قدس‌سره في موسوعته « الغدير » ، والعلّامة السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في الأجزاء ٦ ـ ٩ من موسوعته « نفحات الأزهار ».

فلله درّهم وعليه أجرهم.

٢٢

فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام! وكيف كان ذلك الشخص في الإنصاف والوثاقة بتلك الرواية التي رواها ، حتّى إنّهم رموا النسائي بالتشيّع كما ذكره في « وفيات الأعيان » (١).

وما ذلك إلّا لتأليفه كتاب : « خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام » وقوله : لا أعرف لمعاوية فضيلة إلّا « لا أشبع الله بطنه » مع استفاضة هذا الحديث حتّى رواه مسلم في صحيحه (٢) كما ستعرف.

وكذا رموا بالتشيّع :

أبا عبد الله الحاكم محمّد بن عبد الله (٣) ..

وأبا نعيم الفضل بن دكين (٤) ..

وعبد الرزّاق (٥) ..

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٧٧ رقم ٢٩ ؛ وانظر : سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٣٣.

(٢) صحيح مسلم ٨ / ٢٧ ؛ وقد تقدّم تخريجه في ص ١٠ ه‍ ١.

(٣) وهو : الإمام الحافظ أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبّي النيسابوري ، المعروف ب‍ : ابن البيّع ( ٣٢١ ـ ٤٠٥ ه‍ ).

تجد نسبته إلى التشيّع في : تاريخ بغداد ٥ / ٤٧٤ ، الأنساب ـ للسمعاني ـ ١ / ٤٣٣ ، المنتظم ٩ / ١٤١ ، العبر ٢ / ٢١١ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٦٥ و ١٦٨ و ١٧٤ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٢ و ١٠٤٥ ، ميزان الاعتدال ٦ / ٢١٦ رقم ٧٨١٠ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٤ / ١٦١ ، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ ١ / ١٩٥ رقم ٣٦٥ ، لسان الميزان ٥ / ٢٣٣ ، شذرات الذهب ٣ / ١٧٧.

(٤) وهو : الحافظ الكبير ، الفضل بن عمرو ـ ودكين لقب له ـ بن حمّاد بن زهير بن درهم ، مولى آل طلحة بن عبيد الله التيمي ، توفّي سنة ٢١٩ ه‍.

انظر رميه بالتشيّع في : تاريخ بغداد ١٢ / ٣٥١ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ١٥١.

(٥) وهو : الحافظ الكبير ، صاحب التصانيف ، أبو بكر عبد الرزّاق بن همّام بن نافع الحميري ، مولاهم الصنعاني ( ١٢٦ ـ ٢١١ ه‍ ).

٢٣

وأبا حاتم الرازي (١) ..

وابنه عبد الرحمن (٢) ..

وغيرهم ممّن لا ريب بتسنّنه من علمائهم (٣) ؛ لروايتهم بعض فضائل آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعنايتهم بها في الجملة.

وما ذلك إلّا ليحصل الردع بحسب الإمكان عن رواية مناقبهم وتدوينها ، وإن كان قصد الراوي بيان سعة اطّلاعه ، وطول باعه.

وإذا صحّح قسما منها زاد طعنهم فيه وفي روايته! مع أنّ طريقتهم التساهل في باب الفضائل ، لكن في فضائل أعداء أهل البيت عليهم‌السلام!

__________________

تجد اتّهامه بالتشيّع في : تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٦٤ رقم ٣٥٧ ، سير أعلام النبلاء ٩ / ٥٦٦ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٣٤٣ و ٣٤٤ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٧.

(١) وهو : الإمام الحافظ ، أبو حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي الرازي ( ١٩٥ ـ ٢٧٧ ه‍ ).

نسب إلى التشيّع في تهذيب التهذيب ٧ / ٣٠.

(٢) هو : العلم الحافظ ، أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر ـ الحنظلي الرازي ( ٢٤٠ ـ ٣٢٧ ه‍ ).

اتّهم بالتشيّع في لسان الميزان ٣ / ٤٣٣.

(٣) مثل : محمّد بن إدريس الشافعي ، إمام المذهب ( ١٥٠ ـ ٢٠٤ ه‍ ) ، انظر رميه بالتشيّع في : الفهرست ـ للنديم ـ : ٣٥٢ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٨.

ومحمّد بن جرير الطبري ( ٢٢٤ ـ ٣١٠ ه‍ ) صاحب التاريخ والتفسير ؛ تجد اتّهامه بالتشيّع في البداية والنهاية ١١ / ١٢٤.

وأبو الفرج الأصفهاني ( ٢٨٤ ـ ٣٥٦ ه‍ ) صاحب « مقاتل الطالبيّين » و « الأغاني » ؛ تجد نسبته إلى التشيّع في : المنتظم ٨ / ٣٤٩ ، وفيات الأعيان ٣ / ٣٠٧ رقم ٤٤٠ ، ميزان الاعتدال ٥ / ١٥١ رقم ٥٨٣١ ، لسان الميزان ٤ / ٢٢١ رقم ٥٨٤ ، شذرات الذهب ٣ / ١٩.

وعبيد الله بن عبد الله الحسكاني ، الحاكم الحافظ المحدّث ، المتوفّى نحو سنة ٤٧٠ ه‍ ، صاحب « شواهد التنزيل » ؛ تجد رميه بالتشيّع في تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٢٠٠ رقم ١٠٣٢.

٢٤

فظهر ـ ممّا ذكرنا ـ لكلّ متدبّر : أنّ جميع ما روي في مناقب آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا مثالب أعدائهم ، حقّ لا مرية فيه ، ولا سيّما مع روايته عندنا ، وتواتر الكثير منه ؛ فيكون ممّا اتّفق عليه الفريقان ، وقام به الإسنادان.

بخلاف ما روي في فضائل مخالفي أهل البيت ، فإنّه من رواية المتّهمين بأنواع التهم! ولو كان له أقلّ أصل لتواتر ألبتّة ؛ لوجود المقتضي وعدم المانع ، بعكس فضائل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا سيّما مع طلبهم مقابلة ما جاء في فضل أهل البيت عليهم‌السلام ؛ فيكون كذبا جزما!

ولو لا خوف الملال ، لأطنبنا في المقال ، وفي ما ذكرناه كفاية لمن أنصف وطلب الحقّ.

* * *

٢٥
٢٦

المطلب الثاني

لا قيمة لمناقشة أهل السنّة في السند

في بيان أنّ تضعيفهم للرواية ومناقشتهم في السند لا قيمة لها ولا عبرة بها ؛ لأمرين:

[ الأمر ] الأوّل :

إنّ علماء الجرح والتعديل ، مطعون فيهم عندهم ، فلا يصحّ اعتبار أقوالهم ، كما يدلّ عليه ما في « ميزان الاعتدال » بترجمة عبد الله بن ذكوان ، المعروف بأبي الزناد ، قال : « قال ربيعة [ فيه ] : ليس بثقة ولا رضيّ ».

ثمّ قال : « لا يسمع قول ربيعة فيه ؛ فإنّه كان بينهما عداوة ظاهرة » (١).

وفي ( الميزان ) أيضا بترجمة الحافظ أبي نعيم الأصبهاني أحمد بن عبد الله ، قال : هو « أحد الأعلام ، صدوق ، تكلّم فيه بلا حجّة ، ولكن هذه عقوبة من الله لكلامه في ابن مندة بهوى ».

ثمّ قال : « وكلام ابن مندة في أبي نعيم فظيع ، لا أحبّ حكايته ».

ثمّ قال : « كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ، لا سيّما إذا لاح لك أنّه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ، ما ينجو منه إلّا من عصم الله ، وما علمت أنّ عصرا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصدّيقين ، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس »! (٢).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٤ / ٩٥.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٢٥١.

٢٧

فإنّ هذه الكلمات ونحوها دالّة على أنّ الطعن للحسد والهوى والعداوة فاش بينهم ، وعادة لهم ، فلا يجوز الاعتبار بأقوالهم في مقام الجرح والتعديل حتّى مع اختلاف العصر ، أو عدم ظهور الحسد والعداوة ؛ لارتفاع الثقة بهم ، وزوال عدالتهم ، وصدور الكذب منهم.

وأسخف من ذلك ما في « تهذيب التهذيب » بترجمة عبيد الله بن سعيد أبي قدامة السرخسي ، قال : قال الحاكم : روى عنه محمّد بن يحيى ثمّ ضرب على حديثه ... وسبب ذلك أنّ محمّدا دخل عليه فلم يقم له! (١).

فإنّ من هذا فعله كيف يعتمد عليه في التوثيق والتضعيف ، ويجعل عدم روايته عن شخص دليل الضعف؟!

وقريب منه ما ذكروه في ترجمة النسائي ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في « المطلب الثالث » (٢).

وأعظم من ذلك ما في « تهذيب التهذيب » بترجمة سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف ، قال : إنّ مالكا لم يكتب عنه.

قال الساجي : يقال : إنّه (٣) وعظ مالكا فوجد عليه فلم يرو عنه! (٤).

فإنّ من يترك الرواية عن شخص لموعظته له ، حقيق بأن لا يجعل

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٥ / ٣٧٩ باختلاف يسير ، وكان في الأصل : « عبيد الله بن سعد ... » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) يأتي في صفحة ٤٢ من هذا الجزء.

(٣) أي : سعد بن إبراهيم.

(٤) تهذيب التهذيب ٣ / ٢٧٦ باختلاف يسير.

ووجد عليه وجدا : أي غضب عليه. انظر : الصحاح ٢ / ٥٤٧ ، لسان العرب ١٥ / ٢١٩ ، مادّة « وجد ».

٢٨

عدم روايته عن الأشخاص علامة الضعف ، وأولى بأن لا يعتمد على توثيقه وتضعيفه.

نعم ، ذكر في « تهذيب التهذيب » أيضا عن ابن معين ، أنّ سعدا تكلّم في نسب مالك فترك الرواية عنه (١).

فحينئذ يمكن أن يكون بهذا وجه لترك مالك الرواية عنه!

لكن لا لوم على سعد ، إذ لا يمكن لعاقل أن يرى أحدا ولد بعد أبيه بثلاث سنين (٢) زاعما أنّه حمل في هذه المدّة ، ويصدّق نسبه!

وذكر في « تهذيب التهذيب » بترجمة محمّد بن إسحاق ـ صاحب « السيرة » ـ أنّ مالكا قال في حقّه : « دجّال من الدجاجلة » (٣).

ثمّ ذكر في الجواب عنه قول محمّد بن فليح : « نهاني مالك عن شخصين من قريش ، وقد أكثر عنهما في ( الموطّأ )! وهما ممّن يحتجّ بهما » (٤).

وحاصله : أنّ قدح مالك لا عبرة به ؛ لأنّ فعله ينقض قوله!

وإليك جملة من علماء الجرح والتعديل ، لتنكشف لك الحقيقة تماما!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٣ / ٢٧٧.

(٢) انظر في ذلك : الأعلاق النفيسة : ٢٢٦ ، الفهرست ـ للنديم ـ : ٣٣٨ المقالة السادسة ، ترتيب المدارك ١ / ١١١ ـ ١١٢ ، صفة الصفوة ١ / ٤٣٧ رقم ١٨٩ ، وفيات الأعيان ٤ / ١٣٧ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٧٩ ذيل رقم ١٠٠ ، تهذيب الكمال ١٧ / ٣٨٨ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ١٣٢ ، العبر ١ / ٢١٠ رقم ١٧٩ ، شذرات الذهب ١ / ٢٩٢.

(٣) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦.

(٤) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٧.

٢٩

ولنذكر أشهرهم وأعظمهم بيسير من أحوالهم التي تيسّر لي فعلا بيانها ..

فمنهم : أحمد بن حنبل :

ذكر في « تهذيب التهذيب » بترجمة عليّ بن عاصم بن صهيب الواسطي ، أنّ [ ابن ] أبي خيثمة (١) قال : « قلت (٢) لابن معين : إنّ أحمد يقول : ( ليس هو ) (٣) بكذّاب ، قال : لا والله ما كان [ عليّ ] عنده قطّ ثقة ، ولا حدّث عنه بشيء ، فكيف صار اليوم عنده ثقة؟! » (٤).

فإنّه صريح في اتّهام ابن معين لأحمد وتكذيبه له.

ونقل السيّد العلوي الجليل محمّد بن عقيل (٥) في كتابه : « العتب

__________________

(١) كان في الأصل : أبا خيثمة ؛ وما أثبتناه من المصدر.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المصدر : قيل.

(٣) في المصدر بدل ما بين القوسين : إنّ عليّ بن عاصم ليس.

(٤) تهذيب التهذيب ٥ / ٧٠٨.

(٥) هو : محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر العلوي الصادقي الحسيني الحضرمي.

ولد ببلدة « مسيلة آل شيخ » قرب « تريم » من بلاد حضرموت سنة ١٢٧٩ ه‍.

رحل إلى سنغافورة واشتغل بالتجارة ، وترأس فيها المجلس الإسلامي الاستشاري ، وأسّس فيها جمعية إسلامية ومجلّة وجريدة عربيّتين ومدرسة عربية دينية.

سافر إلى الهند مرارا ، ورحل إلى الصين واليابان وروسيا ، ومنها وصل إلى برلين ففرنسا فالعراق فسورية فمصر.

توفّي بالحديدية من أعمال اليمن في عام ١٣٥٠ ه‍.

ومن مؤلّفاته : النصائح الكافية لمن تولّى معاوية ، تقوية الإيمان ، العتب الجميل على علماء الجرح والتعديل ، فصل الحاكم في النزاع والتخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم ، وغيرها.

انظر : معجم المؤلّفين ٣ / ٤٩١ رقم ١٤٥٦٨.

٣٠

الجميل » ، عن المقبلي (١) في « العلم الشامخ » ، أنّ أحمد لمّا تكلّم في مسألة خلق القرآن وابتلي بسببها ، جعلها عدل التوحيد أو زاد!

ثمّ ذكر المقبلي ، أنّ أحمد كان يردّ رواية كلّ من خالفه في هذه المسألة ، تعصّبا منه ؛ قال : وفي ذلك خيانة للسند (٢).

ثمّ قال : بل زاد فصار يردّ الواقف ، ويقول : فلان واقفيّ مشؤوم.

بل غلا وزاد ، وقال : لا أحبّ الرواية عمّن أجاب في المحنة كيحيى ابن معين (٣).

أقول :

صدق المقبلي ، فإنّ من سبر « تهذيب التهذيب » و « ميزان الاعتدال » رأى ذلك نصب عينه.

__________________

(١) هو : صالح بن مهدي بن علي بن عبد الله بن سليمان بن محمّد المقبلي الصنعاني الزيدي.

ولد في قرية « المقبل » من أعمال كوكبان ـ وهو جبل قرب صنعاء ـ سنة ١٠٤٠ / ١٠٤٧ ه‍ ، وانتقل إلى صنعاء ، ثمّ سكن مكّة المكرّمة وتوفّي بها سنة ١١٠٨ أو ١١١٠ ه‍.

عالم مشارك في مختلف العلوم ، له مؤلّفات كثيرة ، منها : العلم الشامخ في إيثار الحقّ على الآباء والمشايخ ، حاشية على كتاب البحر الزخّار ، حاشية على الكشّاف ، وغيرها.

انظر : هديّة العارفين ٥ / ٤٢٤ ، معجم المؤلّفين ١ / ٨٣٥ رقم ٦١٧٦.

(٢) كذا في الأصل والمصدر ، ولعلّه تصحيف « للسنّة ».

(٣) العتب الجميل : ١٠٢ [ ٩٤ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : العلم الشامخ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٠٢ ، ميزان الاعتدال ٧ / ٢٢٢ رقم ٩٦٤٤ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٣٣.

٣١

ومنهم : يحيى بن سعيد القطّان :

ذكر في « تهذيب التهذيب » بترجمة همّام بن يحيى بن دينار ، أنّ أحمد بن حنبل قال : « شهد يحيى بن سعيد شهادة في حداثته ، فلم يعدّله همّام ، فنقم عليه » (١).

وفي « ميزان الاعتدال » : « قال أحمد : ما رأيت [ يحيى ] بن سعيد أسوأ رأيا [ في أحد ] منه في حجّاج وابن إسحاق وهمّام ، لا يستطيع أحد [ في ] أن يراجعه فيهم » (٢).

وبالضرورة : أنّ تفسيق المسلم والحقد عليه مستمرّا ـ لأمر معذور فيه ظاهرا ـ أعظم ذنب ، مسقط لفاعله ، ومانع من الاعتبار بقوله في الجرح والتعديل.

ومنهم : يحيى بن معين :

ذكر ابن حجر في « تهذيب التهذيب » والذهبي في « ميزان الاعتدال » كلاهما بترجمة ابن معين ، أنّ أبا داود كان يقع فيه ، وأنّ أحمد بن حنبل قال : « أكره الكتابة عنه » (٣).

وقال ابن حجر أيضا : « قال أبو زرعة : لا (٤) ينتفع به ؛ لأنّه [ كان ] يتكلّم في الناس!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ / ٧٦.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ٩٢ رقم ٩٢٦١.

(٣) تهذيب التهذيب ٩ / ٣٠٢ ، ميزان الاعتدال ٧ / ٢٢٢ رقم ٩٦٤٤.

وانظر : تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٣٣.

(٤) في المصدر : ولم.

٣٢

ويروى هذا عن عليّ بن المديني (١) من وجوه » (٢).

وقال أيضا في ترجمة شجاع بن الوليد : قال أحمد بن حنبل : لقي ابن معين شجاعا ، فقال له : يا كذّاب! فقال له شجاع : إن كنت كذّابا وإلّا فهتكك الله ، وقال أحمد : أظنّ أنّ دعوة الشيخ أدركته (٣).

ونحوه في « ميزان الاعتدال » أيضا (٤).

وقد تقدّم تناقض كلامه في قضيّة أبي الأزهر ، فإنّه نسبه إلى الكذب أوّلا ، ثمّ ما برح حتّى صدّقه ونسب الكذب إلى ثقات علمائهم! (٥).

ومنهم : ابن المديني ، أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن جعفر :

فإنّ أحمد بن حنبل كذّبه كما ذكره ابن حجر والذهبي في الكتابين المذكورين ، بترجمة ابن المديني (٦).

وقال ابن حجر : « قيل لإبراهيم الحربي : أكان ابن المديني يتّهم بالكذب؟

قال : لا ، إنّما حدّث بحديث [ فزاد ] فيه كلمة ليرضى ابن أبي دؤاد (٧).

__________________

(١) لم ترد « بن المديني » في المصدر ، وهي إضافة توضيحية منه قدس‌سره.

(٢) تهذيب التهذيب ٩ / ٢٩٩.

(٣) تهذيب التهذيب ٣ / ٦٠٢ باختلاف يسير في الألفاظ.

(٤) ميزان الاعتدال ٣ / ٣٦٥.

(٥) انظر صفحة ١٢ ـ ١٣.

(٦) تهذيب التهذيب ٥ / ٧١٤ ، وميزان الاعتدال ٥ / ١٦٩.

(٧) وابن أبي دؤاد هو : القاضي أبو عبد الله أحمد بن فرج الإيادي البصري البغدادي الجهمي ( ١٦٠ ـ ٢٤٠ ه‍ ) معاصر لابن المديني ( ١٦١ ـ ٢٣٤ ه‍ ) ، ولي قضاء

٣٣

قيل له : فهل كان يتكلّم في أحمد؟

قال : لا ، إنّما كان إذا رأى في كتابه حديثا عن أحمد قال : اضرب عليه ، ليرضى ابن أبي دؤاد »! (١).

وليت شعري كيف لا يتّهم بالكذب ، وقد زعم أنّه زاد في الحديث إرضاء لصاحبه؟!

وهل يتصوّر عدم كلامه في أحمد ، وقد فعل معه ما هو أشدّ من الكلام ومن فروعه ، وهو الضرب على حديثه؟!

وبالضرورة : إنّ من يزيد في الحديث كذبا ، ويضرب على ما هو معتبر ، ويبطل الصحيح المقبول عندهم ، طلبا للدنيا ورضا أهلها ، لا يؤمن أن يوافق الهوى في توثيق الرجال وتضعيفهم!

وإن شئت قلت : إنّ ضربه على أحاديث أحمد طعن في أحدهما ، وهو من المطلوب.

ومنهم : الترمذي :

ذكر الذهبي في ( الميزان ) بترجمة إسماعيل بن رافع ، أنّ جماعة من علمائهم ضعّفوا إسماعيل ، وجماعة قالوا : متروك [ الحديث ].

ثمّ قال : « ومن تلبيس الترمذي ، قال : ضعّفه بعض أهل العلم » (٢).

__________________

القضاة للمعتصم والواثق وبعض أيّام المتوكّل ، كان يمتحن الناس في القرآن ، ويضرب ويقتل عليه!

انظر : أخبار القضاة ٣ / ٢٩٤ ، تاريخ بغداد ٤ / ١٤١ رقم ١٨٢٥ ، وفيات الأعيان ١ / ٨١ رقم ٣٢ ، سير أعلام النبلاء ١١ / ١٦٩ رقم ٧١.

(١) تهذيب التهذيب ٥ / ٧١٤.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٣٨٤.

٣٤

وذكر أيضا بترجمة يحيى بن يمان حديثا وقال : « حسّنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه ، فلا يغترّ بتحسين الترمذي ، فعند المحاقّة غالبها ضعاف » (١).

وقال أيضا بترجمة كثير بن عبد الله المزني : « لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي » (٢).

ومنهم : الجوزجاني ، إبراهيم بن يعقوب السعدي :

فإنّهم ذكروا أنّه ناصبيّ معلن به (٣) ، كما ستعرفه في ترجمته بالمطلب الثالث إن شاء الله تعالى (٤).

ومن المعلوم أنّ الناصب : فاسق منافق ؛ لما سبق في رواية مسلم أنّ مبغض عليّ عليه‌السلام منافق (٥) ، ولا ريب أنّ النفاق أعظم الفسق ، وقد قال تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... ) (٦).

بل النفاق نوع من الكفر ، بل أشدّه ، فلا يقبل قول مثله في الرجال ، وشهادته فيهم مردودة ، وتوثيقه وتضعيفه غير مسموع.

ومنهم : محمّد بن حبّان :

قال في ( الميزان ) بترجمته : « قال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٣١.

(٢) ميزان الاعتدال ٥ / ٤٩٣.

(٣) تهذيب التهذيب ١ / ١٩٩ ، ميزان الاعتدال ١ / ٢٠٥ رقم ٢٥٦.

(٤) انظر : صفحة ٦٣ رقم ٦.

(٥) تقدّم في صفحة ١٥.

(٦) سورة الحجرات ٤٩ : ٦.

٣٥

[ وذكره في طبقات الشافعية ] : غلط الغلط الفاحش في تصرّفه (١) ؛ وصدق أبو عمرو.

وله أوهام يتبع بعضها بعضا (٢) ».

ثمّ قال : « قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام : سمعت عبد الصمد بن محمّد [ بن محمّد ] يقول : سمعت أبي يقول : أنكروا على ابن حبّان قوله : النبوّة العلم والعمل ؛ وحكموا عليه بالزندقة ، وهجروه وكتبوا فيه إلى الخليفة ، فأمر بقتله.

وقال أبو إسماعيل الأنصاري : سألت يحيى بن عمّار عنه فقال :

رأيته ، ونحن أخرجناه من خراسان (٣) ، كان له علم كثير ، ولم يكن له كبير دين! » (٤).

ومنهم : ابن حزم ، وهو : عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم :

قال ابن خلّكان في ترجمته من « وفيات الأعيان » : كان كثير الوقوع في العلماء المتقدّمين ، لا يكاد أحد يسلم من لسانه ، فنفرت منه القلوب ، واستهدف لفقهاء وقته ، فتمالأوا على بغضه ، وردّوا قوله ، واجتمعوا على تضليله ، وشنّعوا عليه.

إلى أن قال : وفيه قال أبو العبّاس بن العريف : لسان ابن حزم ،

__________________

(١) طبقات الفقهاء الشافعية ـ لابن الصلاح ـ ١ / ١١٦ رقم ١٤.

(٢) كذا في الأصل ؛ وفي ميزان الاعتدال ٦ / ٩٩ ولسان الميزان ٥ / ١١٣ هكذا :

« وله أوهام كثيرة تتبّع بعضها الحافظ ضياء الدين ... ».

(٣) في المصدر : سجستان.

(٤) ميزان الاعتدال ٦ / ٩٩.

٣٦

وسيف الحجّاج بن يوسف شقيقان (١).

مضافا إلى أنّه كان شبيها بابن تيميّة في شدّة النصب لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولذا كان يستشهد بأقواله في نقص أمير المؤمنين عليه‌السلام وإمام المتّقين ، كما يعرف شدّة نصبه من له إلمام بكتابه المسمّى ب‍ : « الفصل في الملل والأهواء والنحل » الذي ملأه بالجهل والهذيان ، وأخلاه من العلم والإيمان! (٢).

ومنهم : الذهبي ـ صاحب كتاب « ميزان الاعتدال » ـ محمّد بن أحمد بن عثمان :

فإنّه كان ناصبيا ظاهر النصب لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! بيّن التعصّب على من احتمل فيه ولاء أهل البيت عليهم‌السلام ، كما يشهد به كتابه المذكور ، فإنّه ما زال يتحامل فيه على كلّ رواية في فضل آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى رواتها ، وكلّ من أحسّ منه حبّهم!

وقد ذكر هو في « تذكرة الحفّاظ » الحافظ ابن خراش وأطراه في الحفظ والمعرفة ، ثمّ وصفه بالتشيّع ، واتّهمه بالرواية في مثالب الشيخين ، ثمّ قال مخاطبا له وسابّا إيّاه بما لفظه : « فأنت زنديق معاند للحقّ ، فلا رضي الله عنك ؛ مات ابن خراش إلى غير رحمة الله سنة ثلاث وثمانين

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ؛ وانظر أيضا : وفيات الأعيان ١ / ١٦٩ رقم ٦٨ ترجمة ابن العريف.

(٢) انظر منه مثلا : ٣ / ١٢ ـ ١٩ و ٤٨ و ٥٧ ـ ٧٧ وغيرها.

٣٧

بعد المائتين »! (١).

وما رأيناه قال بعض هذا فيمن (٢) سبّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ومرق عن الدين ، بل رأيناه يسدّد أمره ، ويرفع قدره ، ويدفع القدح عنه بما تمكّن ، كما هو ظاهر لمن يرى يسيرا من « ميزان الاعتدال »!

وقد نقل السيّد الأجل السيّد محمّد بن عقيل في كتابه العتب الجميل : ١١٣ ، عن السبكي ـ تلميذ الذهبي ـ أنّه وصف شيخه الذهبي بالنصب (٣).

ونقل أيضا عن المقبلي قوله من قصيدة [ من البسيط ] :

وشاهدي كتب أهل الرفض أجمعهم

والناصبين كأهل الشام كالذهبي (٤)

ولنكتف بهذا القدر من ذكر علماء الجرح والتعديل ، المطعون فيهم بالنصب واتّباع الهوى ونحوهما ، فالعجب ممّن يستمع لأقوالهم ، ويصغي لآرائهم ، ويجعلهم الحجّة بينه وبين الله تعالى في ثبوت سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!

الأمر الثاني :

من الأمرين الموجبين لإلغاء مناقشتهم في السند ، أنّ ابن روزبهان

__________________

(١) تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٨٤ ـ ٦٨٥ رقم ٧٠٥.

(٢) كان في الأصل : « ممّن » وما أثبتناه هو الصواب لغة.

(٣) العتب الجميل : ١٠٢.

(٤) العتب الجميل : ١٠١ ، عن العلم الشامخ : ٣٩٥.

والبيت من قصيدة مطلعها :

قل للملقّب سنّيا سعدت بما

عرفت من حقّ أصحاب النبي العربي

٣٨

قال في آخر مطالب الفضائل متّصلا بالمطاعن :

« اتّفق العلماء على أنّ كلّ ما في الصحاح الستّة ـ سوى التعليقات ـ لو حلف بالطلاق أنّه من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من فعله وتقريره ، لم يقع الطلاق ولم يحنث »! (١).

فإنّ مقتضى هذا الإجماع أنّهم يلغون أقوال علمائهم في تضعيف رجال الصحاح الستّة ، لا سيّما صحيحي البخاري ومسلم ، فإنّهم جميعا يحتجّون بأخبارهما بلا نكير!

وبالضرورة : أنّه لم يرد نصّ ، ولم تقم حجّة على استثناء رجال صحاحهم ، فيلزم إلغاء أقوال علمائهم في الرجال مطلقا ، وإلّا فالفرق تحكّم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٦٨ ( الطبعة الحجرية ).

ونقل ذلك النووي في شرحه عن أبي عمرو بن الصلاح أنّه قال : قال إمام الحرمين : « لو حلف إنسان بطلاق امرأته أنّ ما في كتابي البخاري ومسلم ـ ممّا حكما بصحّته ـ من قول النبيّ رحمه‌الله لما ألزمته الطلاق ، ولا حنثته ؛ لإجماع علماء المسلمين على صحّتهما » ؛ انظر : شرح صحيح مسلم ١ / ٢٨ ، مقدّمة ابن الصلاح : ١٦.

والحنث : الإثم والذنب والمعصية ، والحنث في اليمين : نقضها والنكث فيها والخلف فيها إذ لم تبرّ ، فتلزم الكفّارة.

انظر : الصحاح ١ / ٢٨٠ ، الفائق في غريب الحديث ١ / ٣٢٣ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٤٤٩ ، لسان العرب ٣ / ٣٥٣ ، تاج العروس ٣ / ١٩٨ ، مادّة « حنث ».

٣٩
٤٠