البحر المحيط في التّفسير - ج ٨

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٨

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٢

نسائه ، إنه لم يبن بها ، ولا أرخى عليها حجابا ، وقد أبانتها منه ردتها مع قومها. فسكن أبو بكر ، وذهب عمر إلى أن لا يشهد جنازة زينب إلا ذو محرم عنها ، مراعاة للحجاب ، فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة ، وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة ، ومنعه عمر. وروي أنه صنع ذلك في جنازة فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) : عام في كل ما يتأذى به ، (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا) : خاص بعد عام ، لأن ذلك يكون أعظم الأذى ، فحرم الله نكاح أزواجه بعد وفاته. (إِنَّ ذلِكُمْ) : أي إذايته ونكاح أزواجه ، (كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) : وهذا من أعلام تعظيم الله لرسوله ، وإيجابه حرمته حيا وميتا ، وإعلامه بذلك مما طيب به نفسه ، فإن نحو هذا مما يحدث به المرء نفسه. ومن الناس من تفرط غيرته على حرمته حتى يتمنى لها الموت ، لئلا تنكح من بعده ، وخصوصا العرب ، فإنهم أشد الناس غيرة. وحكى الزمخشري أن بعض الفتيان قبّل جارية كان يحبها في حكاية قال : تصورا لما عسى أن يتفق من بقائها بعده ، وحصولها تحت يد غيره. انتهى. فقال لما عسى ، فجعل عسى صلة للموصول ، وقد كثر منه هذا وهو لا يجوز. وعن بعض الفقهاء ، أن الزوج الثاني في هدير الثلث يجري مجرى العقوبة ، فعنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عملا يلاحظ ذلك. (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ) : وعيد لما تقدم التعرض به في الآية ممن أشير إليه بقوله : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ) ، ومن أشير إليه : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا) ، فقيل : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) على ألسنتكم ، (أَوْ تُخْفُوهُ) في صدوركم ، مما يقع عليه العقاب ، فالله يعلمه ، فيجازي عليه. وقال : (شَيْئاً) ، ليدخل فيه ما يؤذيه ، عليه‌السلام ، من نكاحهن وغيره ، وهو صالح لكل باد وخاف.

وروي أنه لما نزلت آية الحجاب قال : الآباء والأبناء والأقارب ، أو نحن يا رسول الله أيضا ، نكلمهن من وراء حجاب ، فنزلت : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَ) : أي لا إثم عليهن. قال قتادة : في ترك الحجاب. وقال مجاهد : في وضع الجلباب وإبداء الزينة. وقال الشعبي : لم يذكر العم والخال ، وإن كانا من المحارم ، لئلا يصفا للأبناء ، وليسوا من المحارم. وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها ، وقيل : لأنهما يجريان مجرى الوالدين ، وقد جاءت تسمية العم أبا. وذكر هنا بعض المحارم ، والجميع في سورة النور. ودخل في : (وَلا نِسائِهِنَ) ، الأمهات والأخوات وسائر القربات ، ومن يتصل بهن من المتطرفات لهن. وقال ابن زيد وغيره : أراد جميع النساء المؤمنات ، وتخصيص الإضافة إنما هي في الإيمان. وقال مجاهد : من أهل دينهن ، وهو كقول ابن زيد. والظاهر

٥٠١

من قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) ، دخول العبيد والإماء دون ما ملك غيرهن. وقيل : مخصوص بالإماء ، وقيل : جميع العبيد ممن في ملكهن أو ملك غيرهن. وقال النخعي : يباح لعبدها النظر إلى ما يواريه الدرع من ظاهر بدنها ، وإذا كان للعبد المكاتب ما يؤدي ، فقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضرب الحجاب دونه ، وفعلته أم سلمة مع مكاتبها نبهان.

(وَاتَّقِينَ اللهَ) : أمر بالتقوى وخروج من الغيبة إلى الخطاب ، أي واتقين الله فيما أمرتن به من الاحتجاب ، وأنزل الله فيه الوحي من الاستتار ، وكأن في الكلام جملة حذفت تقديره : اقتصرن على هذا ، واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره. ثم توعد بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) ، من السر والعلن ، وظاهر الحجاب وباطنه ، وغير ذلك. (شَهِيداً) : لا تتفاوت الأحوال في علمه. وقرأ الجمهور : (وَمَلائِكَتَهُ) نصبا ؛ وابن عباس ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : رفعا. فعند الكوفيين غير الفراء هو عطف على موضع اسم إن ، والفراء يشترط خفاء إعراب اسم إن. وعند البصريين هو على حذف الخبر ، أي يصلي على النبي ، وملائكته يصلون ، وتقدم الكلام على كيفية اجتماع الصلاتين في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ). فالضمير في (يُصَلُّونَ) عائد على (اللهَ وَمَلائِكَتَهُ) ، وقيل : في الكلام حذف ، أي يصلي وملائكته يصلون ، فرارا من اشتراك الضمير ، والظاهر وجوب الصلاة والسلام عليه ، وقيل : سنة. وإذا كانت الصلاة واجبة فقيل : كلما جرى ذكره قيل في كل مجلس مرة. وقد ورد في الحديث في الصلاة عليه ، فضائل كثيرة.

وروي أنه لما نزلت هذه الآية قال قوم من الصحابة : السلام عليك يا رسول الله عرفناه ، فكيف نصلي عليك قال : «قولوا اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وارحم محمدا وآل محمد ، كما رحمت وباركت على إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد». وفي بعض الروايات زيادة ونقص. (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، قال ابن عباس : نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت حيي زوجا. انتهى. والطعن في تأمير أسامة بن زيد : أن إيذاءه عليه‌السلام ، وإيذاء الله والرسول فعل ما نهى الله ورسوله عنه من الكفر والمعاصي ، وإنكار النبوة ومخالفة الشرع ، وما يصيبون به الرسول من أنواع الأذى. ولا يتصور الأذى حقيقة في حق الله ، فقيل : هو على حذف مضاف ، أي يؤذون أولياء الله ، وقيل : المراد يؤذون رسول الله ، وقيل : في أذى

٥٠٢

الله ، هو قول اليهود والنصارى والمشركين : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) (١) ، و (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (٢) ، و (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (٣) ، والملائكة بنات الله ، والأصنام شركاؤه. وعن عكرمة : فعل أصحاب التصاوير الذين يزورون خلقا مثل خلق الله ، وقيل : في أذى رسول الله قولهم : ساحر شاعر كاهن مجنون ، وقيل : كسر رباعيته وشج وجهه يوم أحد.

وأطلق إيذاء الله ورسوله على إيذاء المؤمنين بقوله : (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) ، لأن إيذاءهما لا يكون إلا بغير حق ، بخلاف إيذاء المؤمن ، فقد يكون بحق. ومعنى (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) : بغير جناية واستحقاق أذى. وقال مقاتل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليا ، كرم الله وجهه ، ويسمعونه ؛ وقيل : في الذين أفكوا على عائشة. وقال الضحاك ، والسدي ، والكلبي : في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات ؛ وقيل : في عمر ، رأى من الريبة على جارية من جواري الأنصار ما كره ، فضربها ، فأذوي أهل عمر باللسان ، فنزلت. قال ابن عباس : وروي أن عمر قال يوما لأبيّ : قرأت البارحة (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ففزعت منها ، وإني لأضربهم وأنهرهم ، فقال له : لست منهم ، إنما أنت معلم ومقوم.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ، لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً ، مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ، سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ، يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ، إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ، يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ، وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ، رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً ، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٦٤.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٧٣.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ٣٠.

٥٠٣

وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ، لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).

كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار ، وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء ، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة ، يقولون : حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء ، بلبس الأردية والملاحف ، وستر الرؤوس والوجوه ، ليحتشمن ويهبن ، فلا يطمع فيهن. وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن ، فنزلت.

قيل : والجلابيب : الأردية التي تستر من فوق إلى أسفل ، وقال ابن جبير : المقانع ؛ وقيل : الملاحف ، وقيل : الجلباب : كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها ، وقيل : كل ما تستتر به من كساء أو غيره. قال أبو زيد :

تجلببت من سواد الليل جلبابا

وقيل : الجلباب أكبر من الخمار. وقال عكرمة : تلقي جانب الجلباب على غيرها ولا يرى. وقال أبو عبيدة السلماني ، حين سئل عن ذلك فقال : أن تضع رداءها فوق الحاجب ، ثم تديره حتى تضعه على أنفها. وقال السدي : تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين. انتهى. وكذا عادة بلاد الأندلس ، لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة. وقال الكسائي : يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن ، أراد بالانضمام معنى : الإدناء. وقال ابن عباس ، وقتادة : وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها ، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه. والظاهر أن قوله : (وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) يشمل الحرائر والإماء ، والفتنة بالإماء أكثر ، لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر ، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح. ومن في : (مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) للتبعيض ، و (عَلَيْهِنَ) : شامل لجميع أجسادهن ، أو (عَلَيْهِنَ) : على وجوههن ، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه. (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) : لتسترهن بالعفة ، فلا يتعرض لهن ، ولا يلقين بما يكرهن ؛ لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام ، لم يقدم عليها ، بخلاف المتبرجة ، فإنها مطموع فيها. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) : تأنيس للنساء في ترك الاستتار قبل أن يؤمر بذلك.

٥٠٤

ولما ذكر حال المشرك الذي يؤذي الله ورسوله ، والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ، ذكر حال المسر الذي يؤذي الله ورسوله ، ويظهر الحق ويضمر النفاق. ولما كان المؤذون ثلاثة ، باعتبار إذايتهم لله ولرسوله وللمؤمنين ، كان المشركون ثلاثة : منافق ، ومن في قلبه مرض ، ومرجف. فالمنافق يؤذي سرا ، والثاني يؤذي المؤمن باتباع نسائه ، والثالث يرجف بالرسول ، يقول : غلب ، سيخرج من المدينة ، سيؤخذ ، هزمت سراياه. وظاهر العطف التغاير بالشخص ، فيكون المعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يقولون من أخبار السوء ويشيعونه. ويجوز أن يكون التغاير بالوصف ، فيكون واحدا بالشخص ثلاثة بالوصف. كما جاء : إن المسلمين والمسلمات ، فذكر أوصافا عشرة ، والموصوف بها واحد ، ونص على هذين الوصفين من المنافقين لشدة ضررهما على المؤمنين. قال عكرمة : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، هو العزل وحب الزنا ، ومنه فيطمع الذي في قلبه مرض. وقال السدي : المرض : النفاق ، ومن في قلوبهم مرض. وقال ابن عباس : هم الذين آذوا عمر. وقال الكلبي : من آذى المسلمين. وقال ابن عباس : (الْمُرْجِفُونَ) : ملتمسو الفتن. وقال قتادة : الذين يؤذون قلوب المؤمنين بإيهام القتل والهزيمة. (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) : أي لنسلطنك عليهم ، قاله ابن عباس. وقال قتادة : لنحرسنك بهم.

(ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) : أي في المدينة ، و (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) معطوف على (لَنُغْرِيَنَّكَ) ، ولم يكن العطف بالفاء ، لأنه لم يقصد أنه متسبب عن الإغراء ، بل كونه جوابا للقسم أبلغ. وكان العطف بثم ، لأن الجلاء عن الوطن كان أعظم عليهم من جميع ما أصيبوا به ، فتراخت حالة الجلاء عن حالة الإغراء. (إِلَّا قَلِيلاً) : أي جوارا قليلا ، أو زمانا قليلا ، أو عددا قليلا ، وهذا الأخير استثناء من المنطوق ، وهو ضمير الرفع في (يُجاوِرُونَكَ) ، أو ينتصب قليلا على الحال ، أي إلا قليلين ، والأول استثناء من المصدر الدال عليه (يُجاوِرُونَكَ) ، والثاني من الزمان الدال عليه (يُجاوِرُونَكَ) ، والمعنى : أنهم يضطرون إلى طلب الجلاء عن المدينة خوف القتل. وانتصب (مَلْعُونِينَ) على الذم ، قاله الطبري ؛ وأجاز ابن عطية أن يكون بدلا من (قَلِيلاً) ، قال : هو من إقلاء الذي قدرناه ؛ وأجاز هو أيضا أن يكون حالا من الضمير في (يُجاوِرُونَكَ) ، قال : كأنه قال : ينتفون من المدينة ملعونين ، فلا يقدر (لا يُجاوِرُونَكَ) ، فقدر ينتفون حسن هذا. انتهى. وقال الزمخشري ، والحوفي ، وتبعهما أبو البقاء : يجوز أن يكون حالا من الضمير في

٥٠٥

(لا يُجاوِرُونَكَ) ، كما قال ابن عطية. قال الزمخشري : وهذا نصه ملعونين ، نصب على الشتم أو الحال ، أي لا يجاورونك ، إلا ملعونين. دخل حرف الاستثناء على الظرف والحال معا ، كما مر في قول : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) ، ولا يصح أن ينتصب من أخذوا ، لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها. انتهى. وتقدم الكلام معه في مجيء الحال مما قبل إلا مذكورة بعد ما استثنى بإلا ، فيكون الاستثناء منصبا عليهما ، وأن جمهور البصريين منعوا من ذلك. وأما تجويز ابن عطية أن يكون بدلا ، فالبدل بالمشتق قليل. وأما قول الزمخشري : لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها ، فليس هذا مجمعا عليه ، لأن ما بعد كلمة الشرط شيئان : فعل الشرط والجواب. فأما فعل الشرط ، فأجاز الكسائي تقديم معموله على الكلمة ، أجاز زيد أن يضرب اضربه ، وأما الجواب فقد أجاز أيضا تقديم معموله عليه نحو : إن يقم زيد عمرا يضرب. وقد حكي عن بعض النحويين أنه قال : المعنى : (أَيْنَما ثُقِفُوا) : أخذوا ملعونين ، والصحيح أن ملعونين صفة لقليل ، أي إلا قليلين ملعونين ، ويكون قليلا مستثنى من الواو في لا يجاورونك ، والجملة الشرطية صفة أيضا ، أي مقهورين مغلوبا عليهم. ومعنى (ثُقِفُوا) : حصروا وظفر بهم ، ومعنى (أُخِذُوا) : أسروا ، والأخيذ : الأسير. وقرأ الجمهور : (قُتِّلُوا) ، بتشديد التاء ؛ وفرقة : بتخفيفها ، فيكون (تَقْتِيلاً) مصدرا على غير قياس المصدر.

والظاهر أن المنافقين انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول والمؤمنين ، وتستر جميعهم ، وكفوا خوفا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه ، وهو الإغراء والجلاء والأخذ والقتل. وقيل : لم يمتثلوا للانتهاء جملة ، ولا نفذ عليهم الوعيد كاملا. ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ، ونهيه عن الصلاة عليهم ، وما نزل فيهم في سورة براءة؟ وأبعد من ذهب إلى أنه لم ينته هؤلاء الأصناف ، ولم ينفذ الله الوعيد عليهم ، ففيه دليل على بطلان القول بإنفاذ الوعيد في الآخرة ، ويكون هذا الوعيد مفروضا ومشروطا بالمشيئة.

(سُنَّةَ اللهِ) : مصدر مؤكد ، أي سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيثما ظفر بهم. وعن مقاتل : كما قتل أهل بدر وأسروا ، فالذين خلوا يشمل أتباع الأنبياء الذين نافقوا ، ومن قتل يوم بدر. (يَسْئَلُكَ النَّاسُ) : أي المشركون ، عن وقت قيام الساعة ، استعجالا على سبيل الهزء ، واليهود على سبيل الامتحان ، إذ كانت معمى وقتها في التوراة ، فنزلت الآية بأن يرد العلم إلى الله ، إذ لم يطلع عليها ملكا ولا نبيا. ولما ذكر حالهم في الدنيا أنهم ملعونون مهانون مقتولون ، بيّن حالهم في الآخرة. (وَما يُدْرِيكَ) :

٥٠٦

ما استفهام في موضع رفع بالابتداء ، أي : وأي شيء يدريك بها؟ ومعناه النفي ، أي ما يدريك بها أحد. (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) : بين قرب الساعة ، وفي ذلك تسلية للممتحن ، وتهديد للمستعجل. وانتصب قريبا على الظرف ، أي في زمان قريب ، إذ استعماله ظرفا كثير ، ويستعمل أيضا غير ظرف ، تقول : إن قريبا منك زيد ، فجاز أن يكون التقدير شيئا قريبا ، أو تكون الساعة بمعنى الوقت ، فذكر قريبا على المعنى. أو يكون التقدير : لعل قيام الساعة ، فلوحظ الساعة في تكون فأنث ، ولوحظ المضاف المحذوف وهو قيام في قريبا فذكر.

(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) : يجوز أن ينتصب يوم بقوله : (لا يَجِدُونَ) ، ويكون يقولون استئناف إخبار عنهم ، أو تم الكلام عند قولهم : (وَلا نَصِيراً). وينتصب يوم بقوله : (يَقُولُونَ) ، أو بمحذوف ، أي اذكر ويقولون حال. وقرأ الجمهور : تقلب مبنيا للمفعول ؛ والحسن ، وعيسى ، وأبو جعفر الرواسي : بفتح التاء ، أي تتقلب ؛ وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة. وقال ابن خالويه عن أبي حيوة : نقلب بالنون ، وجوههم بالنصب. وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة أيضا وخارجة. زاد صاحب اللوامح أنها قراءة عيسى البصري. وقرأ عيسى الكوفي كذلك ، إلا أن بدل النون تاء ، وفاعل تقلب ضمير يعود على (سَعِيراً) ، وعلى جهنم أسند إليهما اتساعا. وقراءة ابن أبي عبلة : تتقلب بتاءين ، وتقليب الوجوه في النار : تحركها في الجهات ، أو تغيرها عن هيئاتها ، أو إلقاؤها في النار منكوسة. والظاهر هو الأول ، والوجه أشرف ما في الإنسان ، فإذا قلب في النار كان تقليب ما سواه أولى. وعبر بالوجه عن الجملة ، وتمنيهم حيث لا ينفع ، وتشكيهم من كبرائهم لا يجدي. وقرأ الجمهور : (سادَتَنا) ، جمعا على وزن فعلات ، أصله سودة ، وهو شاذ في جمع فيعل ، فإن جعلت جمع سائد قرب من القياس. وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والسلمي ، وابن عامر ، والعامة في الجامع بالبصرة : ساداتنا على الجمع بالألف والتاء ، وهو لا ينقاس ، كسوقات ومواليات بني هاشم وسادتهم ، رؤساء الكفر الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم. قال قتادة : سادتنا : رؤساؤنا. وقال طاوس : أشرافنا ؛ وقال أبو أسامة : أمراؤنا ، وقال الشاعر :

تسلسل قوم سادة ثم زادة

يبدون أهل الجمع يوم المحصب

ويقال : ضل السبيل ، وضل عن السبيل. فإذا دخلت همزة النقل تعدى لاثنين ؛ وتقدم الكلام على إثبات الألف في الرسولا والسبيلا في قوله : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا).

٥٠٧

ولما لم يجد تمنيهم الإيمان بطاعة الله ورسوله ، ولا قام لهم عذر في تشكيهم ممن أضلهم ، دعوا على ساداتهم. (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) : ضعفا على ضلالهم في أنفسهم ، وضعفا على إضلال من أضلوا. وقرأ الجمهور : كثيرا بالثاء المثلثة. وقرأ حذيفة بن اليمان ، وابن عامر ، وعاصم ، والأعرج : بخلاف عنه بالباء. (كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) ، قيل : نزلت في شأن زيد وزينب ، وما سمع فيه من قاله بعض الناس. وقيل : المراد حديث الإفك على أنه ما أوذي نبي مثل ما أوذيت. وفي حديث الرجل الذي قال لقسم قسمه رسول الله : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ، فغضب وقال : رحم الله أخي موسى ، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر. وإذاية موسى قولهم : إنه أبرص وآدر ، وأنه حسد أخاه هارون وقتله. أو حديث المومسة المستأجرة لأن تقول : إن موسى زنى بها ، أو ما نسبوه إليه من السحر والجنون ، أقوال.

(مِمَّا قالُوا) : أي من وصم ما قالوا ، وما موصولة أو مصدرية. وقرأ الجمهور : (وَكانَ عِنْدَ اللهِ) : الظرف معمول لوجيها ، أي ذا وجه ومنزلة عند الله تعالى ، تميط عنه الأذى وتدفع التهم. وقرأ عبد الله ، والأعمش ، وأبو حيوة : عبد من العبودية ، لله جر بلام الجر ، وعبدا خبر كان ، ووجيها صفة له. قال ابن خالويه : صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرأ : وكان عبد الله ، على قراءة ابن مسعود. قال ابن زيد : (وَجِيهاً) : مقبولا. وقال الحسن : مستجاب الدعوة ، ما سأل شيئا إلا أعطي ، إلا الرؤية في الدنيا. وقال قطرب : رفيع القدر ؛ وقيل : وجاهته أنه كلمه ولقبه كليم الله. والسديد : تقدم شرحه في أوائل النساء. وقال ابن عباس : هنا صوابا. وقال مقاتل ، وقتادة : سديدا في شأن زيد وزينب والرسول. وقال ابن عباس ، وعكرمة أيضا : لا إله إلا الله ، وقيل : ما يوافق ظاهره باطنه ؛ وقيل : ما هو إصلاح من تسديد السهم ليصيب الغرض ؛ وقيل : السديد يعم الخيرات. ورتب على القول السديد : صلاح الأعمال وغفران الذنوب. قال الزمخشري : وهذه الآية مقررة للتي قبلها. بنيت تلك على النهي عما يؤدي به رسول الله وهذه على الأمر باتقاء الله في حفظ اللسان ، ليترادف عليهم النهي والأمر ، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى ، واتباع الأمر الوعد البليغ ، فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه. انتهى ، وهو كلام حسن.

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) : لما أرشد المؤمنين إلى ما أرشد من ترك الأذى واتقاء الله وسداد القول ، ورتب على الطاعة ما رتب ، بيّن أن ما كلفه الإنسان أمر عظيم ، فقال : (إِنَّا

٥٠٨

عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) ، تعظيما الأمر التكليف والأمانة : الظاهر أنها كل ما يؤتمن عليه من أمر ونهي وشأن دين ودنيا. والشرع كله أمانة ، وهذا قول الجمهور ، ولذلك قال أبي زين كعب : من الأمانة أن اؤتمنت المرأة على فرجها. وقال أبو الدرداء : غسل الجنابة أمانة ، والظاهر عرض الأمانة على هذه المخلوقات العظام ، وهي الأوامر والنواهي ، فتثاب إن أحسنت ، وتعاقب إن أساءت ، فأبت وأشفقت ، ويكون ذلك بإدراك خلقه الله فيها ، وهذا غير مستحيل ، إذ قد سبح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام ، وحن الجذع إليه ، وكلمته الذراع ، فيكون هذا العرض والإباء حقيقة.

قال ابن عباس : أعطيت الجمادات فهما وتمييزا ، فخيرت في الحمل ، وذكر الجبال ، مع أنها من الأرض ، لزيادة قوتها وصلابتها ، تعظيما للأمر. وقال ابن الأنباري : عرضت بمسمع من آدم ، عليه الصلاة والسلام ، وأسمع من الجمادات الإباء ليتحقق العرض عليه ، فيتجاسر على الحمل غيره ، ويظهر فضله على الخلائق ، حرصا على العبودية ، وتشريفا على البرية بعلو الهمة. وقيل : هو مجاز ، فقيل : من مجاز الحذف ، أي على من فيها من الملائكة ، وقيل : سن باب التمثيل.

قال الزمخشري : إن ما كلفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه وأشده أن يتحمله ويستقل به ، فأبى محمله والاستقلال به ، وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوته. (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ، حيث حمل الأمانة ، ثم لم يف بها. ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب ، وما جاء به القرآن إلا على طرقهم وأساليبهم. من ذلك قول العرب : لو قيل للشحم أين تذهب لقيل : أسوي العوج. وكم لهم من أمثال على ألسنة البهائم والجمادات! وتصور مقالة الشحم محال ، ولكن الغرض أن السمن في الحيوان مما يحسن قبحه ، كما أن العجف مما يقبح حسنه ؛ فصوّر أثر السمن فيه تصويرا هو أوقع في نفس السامع ، وهي به آنس ، وله أقبل ، وعلى حقيقته أوقف ؛ وكذلك تصوير عظم الأمانة وصعوبة أمرها وثقل محملها والوفاء بها.

فإن قلت : قد علم وجه التمثيل في قولهم للذي لا يثبت على رأي واحد : أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى ، لأنه مثلت حال تميله وترجحه بين الرأيين ، وتركه المضي على إحداهما بحال من يتردى في ذهابه ، فلا يجمع رجليه للمضي في وجهه ، وكل واحد من الممثل والممثل به شيء مستقيم داخل تحت الصحة والمعرفة ، فليس كذلك ما في الآية. فإن عرض الأمانة على الجماد ، وإباءه وإشفاقه محال في نفسه غير مستقيم ، فكيف صح

٥٠٩

بها التمثيل على المحال؟ وما مثال هذا إلا أن تشبه شيئا ، والمشبه به غير معقول. قلت : الممثل به في الآية ، وفي قولهم : لو قيل للشحم أين تذهب؟ وفي نظائره مفروض ، والمفروض أن يتخيل في الذهن. كما أن المحققات مثلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحال المفروض ، لو عرضت على السموات والأرض والجبال (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها). انتهى.

وقال أيضا : إن هذه الأجرام العظام قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها ، وهو ما تأتى من الجمادات ، حيث لم يمتنع على مشيئته إيجادا وتكوينا وتسوية على هيئات مختلفة وأشكال متنوعة. كما قال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١). وأما الإنسان ، فلم يكن حاله فيما يصح منه من الانقياد لأوامر الله ونواهيه ، وهو حيوان صالح للتكليف ، مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد. والمراد بالأمانة : الطاعة ، لأنها لازمة للوجود. كما أن الأمانة لازمة للأداء ، وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها مجاز. وحمل الأمانة من قولك : فلان حامل للأمانة ومحتمل لها ، يريد أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته ويخرج عن عهدتها ، لأن الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها ، وهو حامل لها. ألا تراهم يقولون : ركبته الديون؟ ولي عليه حق؟ فأبين أن لا يؤدونها ، وأبى الإنسان أن لا يكون محتملا لها لا يؤديها. ثم وصفه بالظلم لكونه تاركا لأداء الأمانة ، وبالجهل لخطئه ما يسعده مع تمكنه منه وهو أداؤها. انتهى ، وفيه بعض حذف.

وقال قوم : الآية من المجاز ، أي إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال ، رأيتهما أنهما لا تطيقها ، وأنها لو تكلمت ، لأبتها وأشفقت عنها ؛ فعبر عن هذا المعنى بقوله : (إِنَّا عَرَضْنَا) الآية ، وهذا كما تقول : «عرضت الحمل على البعير فأباه ، وأنت تريد بذلك مقارنة قوته بثقل الحمل ، فرأيتها تقصر عنه ؛ ونحوه قول ابن بحر» معنى عرضنا : عارضناها وقابلناها بها. (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) : أي قصرن ونقصن عنها ، كما تقول : أبت الصنجة أن تحمل ما قابلها. (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) ، قال ابن عباس ، وابن جبير : التزم القيام بحقها ، والإنسان آدم ، وهو في ذلك ظلوم نفسه ، جهول بقدر ما دخل فيه. وقال ابن عباس : ما تم له يوم حتى أخرج من الجنة. وقال الضحاك ، والحسن : وحملها معناه : خان فيها ، والإنسان الكافر والمنافق والعاصي على قدره. وقال ابن مسعود ،

__________________

(١) سورة فصلت : ٤١ / ١١.

٥١٠

وابن عباس أيضا : ابن آدم قابيل الذي قتل أخاه هابيل ، وكان قد تحمل لأبيه أمانة أن يحفظ الأهل بعده ، وكان آدم مسافرا عنهم إلى مكة ، في حديث طويل ذكره الطبري. وقال ابن إسحاق : عرض الأمانة : وضع شواهد الوحدانية في المصنوعات : والحمل : الخيانة ، كما تقول : حمل خفي واحتمله ، أي ذهب به. قال الشاعر :

إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة

وتحمل أخرى أخرجتك الودائع

انتهى. وليس وتحمل أخرى نصا في الذهاب بها ، بل يحتمل لأنك تتحمل أخرى ، فتؤدي واحدة وتتحمل أخرى ، فلا تزال دائما ذا أمانات ، فتخرج إذ ذاك.

واللام في (لِيُعَذِّبَ) لام الصيرورة ، لأنه لم يحملها لأن يعذب ، لكنه حملها فآل الأمر إلى أن يعذب من نافق وأشرك ، ويتوب على من آمن. وقال الزمخشري : لام التعليل على طريق المجاز ، لأن نتيجة حمل الأمانة العذاب ، كما أن التأديب في : ضربته للتأديب ، نتيجة الضرب. وقرأ الأعمش : فيتوب ، يعني بالرفع ، بجعل العلة قاصرة على فعل الحامل ، ويبتدىء ويتوب. ومعنى قراءة العامة : ليعذب الله حامل الأمانة ويتوب على غيره ممن لم يحملها ، لأنه إذا ثبت على أن الواو في وكان ذلك نوعان من عذاب القتال. انتهى. وذهب صاحب اللوامح أن الحسن قرأ ويتوب بالرفع.

٥١١

سورة سبأ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ

٥١٢

الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤) لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ

٥١٣

بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١)

٥١٤

فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)

المزق : خرق الشيء ، يقال : منه ثوب ممزوق ومزيق ومتمزق وممزق ، إذا صار قطعا باليا ، ومنه قول العبدي :

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلّا فأدركني ولما أمزق

السابغات : الدروع ، وأصله الوصف بالسبوغ ، وهو التمام والكمال ، وغلب على الدروع فصار كالأبطح ، وقال الشاعر :

عليها أسود ضاريات لبوسهم

سوابغ بيض لا يخرّقها النبل

٥١٥

السرد : اتباع الشيء بالشيء من جنسه ، قال الشماخ :

فظن تباعا خيلنا في بيوتكم

كما تابعت سرد الضأن الخوارز

ويقال للدرع : مسرودة ، لأنه توبع فيها الحلق بالحلق ، قال الشاعر :

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبع

ويقال لصانع ذلك : سرّاد وزراد ، تبدل من السين الزاي ؛ كما قالوا : سراط وزراط. ويقال للأشفى : مسرد ومسراد وسرد القرآن ، إذا حدر فيه ؛ والكلام إذا تابعه مستعجلا فيه. سال ، من سال الوادي والدمع : جرى لسرعة ما فيه من الماء والدمع. القطر : النحاس ، وقيل : الفلز النحاس والحديد وما جرى مجراه. الجفان : جمع جفنة ، وهي معروفة. الجوابي : الحياض العظام ، واحدها جابية ، لأنه يجبي فيها الماء ، أي يجمع. قال الشاعر :

بجفان تعتري نادينا

من سديف حين قد هاج الضبر

كالجوابي لا تفي مترعة

لقرى الأضياف أو للمحتظر

وقال الأعشى :

نفى الذم عن آل المحلق جفنة

كجابية السيح العراقي تفهق

وقال الأفوه الأودي :

وقدور كالربا راسيات

وجفان كالجوابي مترعه

القدر : إناء يطبخ فيه من فخار أو غيره ، وهو على شكل مخصوص. المنسأة : العصى تهمز ولا تهمز ، ووزنها مفعلة ، من نسأت : أي أخرت وطردت ؛ ويقال : منساءة بالمد والهمز على وزن مفعالة ، كما قالوا : ميضاءة وميضاة ، وقال الشاعر :

ضربنا بمنساءة وجهه

فصار بذاك مهينا ذليلا

وقال آخر

إذا دببت على المنساة من هرم

فقد تباعد عنك اللهو والغزل

وقياس تخفيف همزتها أن يكون بين بين ، وأما إبدالها ألفا أو حذفها فغير قياس. العرم : إما صفة للسيل أضيف فيه الموصوف إلى صفته كقولهم : مسجد الجامع ، وإما اسم لشيء ، ويأتي القول فيه في تفسير المركبات. الخمط ، قال أبو عبيدة : كل شجرة مرّة ذات شوك. وقال ابن الأعرابي : الخمط ثمر شجرة على صورة الخشخاش لا ينتفع به. وقال القتبي : يقال للحماضة خمطة اللبن. إذا أخذ شيئا من الريح فهو خامط وخميط ؛ وتخمط الفحل :

٥١٦

هدر ، والرجل : تعصب وتكسر ، والخمر : أخذت ريح الأراك كرائحة التفاح ولم تدرك بعد. ويقال : هي الخامطة ، قاله الجوهري. الأثل : شجر ، وهو ضرب من الطرفاء ، قاله أبو حنيفة اللغوي في كتاب النبات له ، ويأتي ما قال فيه المفسرون. السدر ، قال الفراء : هو السرو. وقال الأزهري : السدر سدران : سدر لا ينتفع به ، ولا يصلح ورقه للغسول ، وله ثمرة عفصة لا تؤكل ، وهو الذي يسمى الضال ؛ وسدر ينبت على الماء ، وثمره النبق ، ورقه غسول يشبه ورق شجر العناب. التناوش : تناول سهل لشيء قريب ، يقال : ناشه ينوشه وتناوشه القوم وتناوشوا في الحرب : ناش بعضهم بعضا بالسلام. وقال الراجز :

فهي تنوش الحوض نوشا من غلا

نوشا به تقطع أجواز الفلا

وأما بالهمز ، فقال الفراء : من ناشت : أي تأخرت. قال الشاعر :

تمنى نئيش أن يكون أطاعني

وقد حدثت بعد الأمور أمور

وقال آخر :

وجئت نئيشا بعد ما

فاتك الخبز نئيشا أخيرا

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ، أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ، أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ).

هذه السورة ، قال في التحرير ، مكية بإجماعهم. قال ابن عطية : مكية إلا قوله : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ، فقالت فرقة : مدنية فيمن أسلم من أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأشباهه. انتهى. وسبب نزولها أن أبا سفيان قال لكفار مكة ، لما سمعوا

٥١٧

(لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) (١) : إن محمدا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت ، ويخوّفنا بالبعث ، واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ، ولا نبعث. فقال الله : (قُلْ) يا محمد (بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) (٢) ، قاله مقاتل ؛ وباقي السورة تهديد لهم وتخويف. ومن ذكر هذا السبب ، ظهرت المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها.

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) : مستغرق لجميع المحامد. (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) : ظاهره الاستغراق. ولما كانت نعمة الآخرة مخبرا بها ، غير مرئية لنا في الدنيا ، ذكرها ليقاس نعمها بنعم الدنيا ، قياس الغائب على الشاهد ، وإن اختلفا في الفضيلة والديمومة. وقيل : أل للعهد والإشارة إلى قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) (٣) ، أو إلى قوله : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) (٤). وقال الزمخشري : الفرق بين الحمدين وجوب الحمد في الدنيا ، لأنه على نعمه متفضل بها ، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة ، وهي الثواب. وحمد الآخرة ليس بواجب ، لأنه على نعمة واجبة الاتصال إلى مستحقها ، إنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم يلتذون به. انتهى ، وفيه بعض تلخيص.

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) ، من المياه. وقال الكلبي : من الأموات والدفائن. (وَما يَخْرُجُ مِنْها) ، من النبات. وقال الكلبي : من جواهر المعادن. (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) ، من المطر والثلج والبرد والصاعقة والرزق والملك. (وَما يَعْرُجُ فِيها) ، من أعمال الخلق. وقال الكلبي : وما ينزل من الملائكة. وقيل : من الأقضية والأحوال والأدعية والأعمال. وقيل : من الأنعام والعطاء. وقرأ عليّ ، والسلمي : وما ينزل بضم الياء وفتح النون وشد الزاي ، أي الله تعالى. وبلى جواب للنفي السابق من قولهم (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) ، أي بلى لتأتينكم. وقرأ الجمهور : (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) بتاء التأنيث ، أي الساعة التي أنكرتم مجيئها. وقرأ طلق عن أشياخه بياء الغيبة ، أي ليأتينكم البعث ، لأنه مقصودهم من نفي الساعة أنهم لا يبعثون. وقال الزمخشري : أو على معنى الساعة ، أي اليوم ، أو على إسناده إلى الله على معنى ليأتينكم أمر عالم الغيب كقوله : (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) (٥) ، أي أمره. ويبعد أن يكون ضمير الساعة ، لأنه مذهوب به مذهب التذكير ، لا يكون إلا في الشعر ، نحو قوله :

ولا أرض أبقل أبقالها

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧٣.

(٢) سورة التغابن : ٦٤ / ٧.

(٣) سورة يونس : ١٠ / ١٠.

(٤) سورة الزمر : ٣٩ / ٧٤.

(٥) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٨.

٥١٨

ثم أكد الجواب بالقسم على البعث ، واتبع القسم بقوله : (عالِمِ الْغَيْبِ) وما بعده ، ليعلم أن إنباتها من الغيب الذي تفرد به تعالى. وجاء القسم بقوله : (وَرَبِّي) مضافا إلى الرسول ، ليدل على شدّة القسم ، إذ لم يأت به في الاسم المشترك بينه وبين من أنكر الساعة ، وهو لفظ الله. وقرأ نافع ، وابن عامر ، ورويس ، وسلام ، والجحدري ، وقعنب : (عالِمِ) بالرفع على إضمار هو ؛ وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون مبتدأ ، والخبر (لا يَعْزُبُ). وقال الحوفي : أو خبره محذوف ، أي عالم الغيب هو ، وباقي السبعة : عالم بالجر. قال ابن عطية ، وأبو البقاء : وذلك على البدل. وأجاز أبو البقاء أن تكون صفة ، ويعني أن عالم الغيب يجوز أن يتعرف ، وكذا كل ما أضيف إلى معرفة مما كان لا يتعرف بذلك يجوز أن يتعرف بالإضافة ، إلا الصفة المشبهة فلا تتعرف بإضافة. ذكر ذلك سيبويه في كتابه ، وقل من يعرفه. وقرأ ابن وثاب ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي : علام على المبالغة والخفض ، وتقدّمت قراءة يعزب في يونس.

وقرأ الجمهور : (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ) ، برفع الراءين ، واحتمل أن يكون معطوفا على (مِثْقالُ) ، وأن يكون مبتدأ ، والخبر في قوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ) وعلى الاحتمال الأول ، يكون (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) توكيدا لما تضمن النفي في قوله : (لا يَعْزُبُ) ، وتقديره : لكنه في كتاب مبين ، وهو كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به ، فكأنه في كتاب ، وليس ثم كتاب حقيقة. وعلى التخريج الأول ، يكون الكتاب هو اللوح المحفوظ. وقرأ الأعمش ، وقتادة : بفتح الراءين. قال ابن عطية : عطفا على (ذَرَّةٍ). ورويت عن أبي عمرو ، وعزاها أيضا إلى نافع ، ولا يتعين ما قال ، بل تكون لا لنفي الجنس ، وهو مبتدأ ، أعني مجموع لا وما بني معها على مذهب سيبويه ، والخبر (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، وهو من عطف الجمل ، لا من عطف المفردات ، كما قال ابن عطية.

وقال الزمخشري : جوابا لسؤال من قال : هل جاز عطف (وَلا أَصْغَرُ) على (مِثْقالُ) ، وعطف (وَلا أَصْغَرُ) على (ذَرَّةٍ)؟ قلت : يأبى ذلك حرف الاستثناء ، إلا إذا جعلت الضمير في عنه للغيب ، وجعلت الغيب اسما للخفيات قبل أن تكتب في اللوح ، لأن إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يزول عنه إلا مسطورا في اللوح. انتهى. ولا يحتاج إلى هذا التأويل إذا جعلنا الكتاب المبين ليس اللوح المحفوظ. وقرأ زيد بن علي : ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، بخفض الراءين بالكسرة ، كأنه نوى مضافا إليه محذوفا ، التقدير : ولا أصغره ولا أكبره ، ومن ذلك

٥١٩

ليس متعلقا بأفعل ، بل هو بتبيين ، لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظا فبينه بقوله : (مِنْ ذلِكَ) ، أي عنى من ذلك ، وقد جاءت من مع كون أفعل التفضيل مضافا في قول الشاعر :

تحن نفوس الورى وأعلمنا

بنا يركض الجياد في السدف

وخرج على أنه أراد علم بنا ، فأضاف ناويا طرح المضاف إليه ، فاحتملت قراءة زيد هذا التوجيه الآخر : أنه لما أضاف أصغر وأكبر على إعرابهما حالة الإضافة ، وهذا كله توجيه شذوذ ، وناسب وصفه تعالى بعالم الغيب ، وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات ، فاندرج في ذلك وقت قيام الساعة ، وصار ذلك دليلا على صحة ما أقسم عليه ، لأن من كان عالما بجميع الأشياء كلها وجزئها ، وكانت قدرته ثابتة ، كان قادرا على إعادة ما فنى من جميع الأرواح والأشباح. قيل : وقوله (مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ) ، إشارة إلى علمه بالأرواح ، (وَلا فِي الْأَرْضِ) ، إشارة إلى علمه بالأشياء. وكما أبرزهما من العدم إلى الوجود أولا ، فكذلك يعيدهما ثانيا. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يكون بمعنى اليمين مصححة لما أنكروه؟ قلت : هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها بالحجة القاطعة ، وهو قوله : (لِيَجْزِيَ) ، فقد وضع الله في العقول وركب في الغرائز وجوب الجزاء ، وأن المحسن لا بد له من ثواب ، والمسيء لا بد له من عقاب : انتهى ، وفي السؤال بعض اختصار ، وفيه دسيسة الاعتزال. والظاهر أن قوله : (لِيَجْزِيَ) متعلق بقوله : (لا يَعْزُبُ) ، وقيل : بقوله (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) ، وقيل : بالعامل (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) : أي إلا مستقرا في كتاب مبين ليجزي. وقرأ الجمهور : معجزين مخففا ، وابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السماك : مثقلا وتقدّم في الحج ، أي معجزين قدرة الله في زعمهم. وقال ابن الزبير : معناه مثبطين عن الإيمان من أراده ، مدخلين عليه العجز في نشاطه ، وهذا هو سعيهم في الآيات ، أي في شأن الآيات. وقال قتادة : مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا. وقال عكرمة : مراغمين. وقال ابن زيد : مجاهدين في إبطالها. وقرأ ابن كثير وحفص وابن أبي عبلة : (أَلِيمٌ) هنا ، وفي الجاثية بالرفع صفة للعذاب ، وباقي السبعة بالجر صفة للرجز ، والرجز : العذاب السيء. والظاهر أن قوله : (وَالَّذِينَ سَعَوْا) مبتدأ ، والخبر في الجملة الثانية ، وهي (أُولئِكَ). وقيل : هو منصوب عطفا على (الَّذِينَ آمَنُوا) ، أي وليجزي الذين سعوا. واحتمل أن تكون الجملتان المصدرتان بأولئك هما نفس الثواب والعقاب ، واحتمل أن تكونا مستأنفتين ، والثواب والعقاب ما تضمنتا مما هو أعظم ، كرضا الله عن المؤمن دائما ، وسخطه على الفاسق دائما. قال العتبي : والظاهر أن قوله : (وَيَرَى) استئناف إخبار عمن أوتي العلم ،

٥٢٠