البحر المحيط في التّفسير - ج ٧

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٧

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤

لأجل إبراهيم كرامة له وعلى يديه. والظاهر أن قوله (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) خطاب لإبراهيم وكذا ما بعده من الأمر. وقيل : هو خطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم و (أَنْ) مخففة من الثقيلة قاله ابن عطية ، والأصل أن يليها فعل تحقيق أو ترجيح كحالها إذا كانت مشددة أو حرف تفسير. قاله الزمخشري وابن عطية وشرطها أن يتقدمها جملة في معنى القول و (بَوَّأْنا) ليس فيه معنى القول ، والأولى عندي أن تكون (أَنْ) الناصبة للمضارع إذ يليها الفعل المتصرف من ماض ومضارع وأمر النهي كالأمر.

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيرا للتبوئة؟ قلت : كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة ، فكأنه قيل تعبدنا إبراهيم قلنا له (لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) من الأصنام والأوثان والأقذار أن تطرح حوله.

وقرأ عكرمة وأبو نهيك : أن لا يشرك بالياء على معنى أن يقول معنى القول الذي قيل له. قال أبو حاتم : ولا بد من نصب الكاف على هذه القراءة بمعنى أن (لا تُشْرِكْ). والقائمون هم المصلون ذكر من أركانها أعظمها وهو القيام والركوع والسجود.

وقرأ الجمهور (وَأَذِّنْ) بالتشديد أي ناد. روي أنه صعد أبا قبيس فقال : يا أيها الناس حجوا بيت ربكم وتقدم قول من قال إنه خطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقاله الحسن قال : أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع. وقرأ الحسن وابن محيصن وآذن بمدة وتخفيف الذال. قال ابن عطية : وتصحف هذا على ابن جني فإنه حكى عنهما (وَأَذِّنْ) على فعل ماض ، وأعرب على ذلك بأن جعله عطفا على (بَوَّأْنا) انتهى. وليس بتصحيف بل قد حكى أبو عبد الله الحسين بن خالويه في شواذ القراءات من جمعه. وصاحب اللوامح أبو الفضل الرازي ذلك عن الحسن وأبن محيصن. قال صاحب اللوامح : وهو عطف على (وَإِذْ بَوَّأْنا) فيصير في الكلام تقديم وتأخير ، ويصير (يَأْتُوكَ) جزما على جواب الأمر الذي هو (وَطَهِّرْ) انتهى. وقرأ ابن أبي إسحاق (بِالْحَجِ) بكسر الحاء حيث وقع الجمهور بفتحها. وقرأ الجمهور (رِجالاً) وابن أبي إسحاق بضم الراء والتخفيف ، وروي كذلك عن عكرمة والحسن وأبي مجلز ، وهو اسم جمع كظؤار وروي عنهم وعن ابن عباس ومجاهد وجعفر بن محمد بضم الراء وتشديد الجيم. وعن عكرمة أيضا رجالى على وزن النعامى بألف التأنيث المقصورة ، وكذلك مع تشديد الجيم عن ابن عباس وعطاء وابن حدير ، ورجال جمع راجل كتاجر وتجار.

٥٠١

وقرأ الجمهور (يَأْتِينَ) فالظاهر عود الضمير (عَلى كُلِّ ضامِرٍ) لأن الغالب أن البلاد الشاسعة لا يتوصل منها إلى مكة بالركوب ، وقد يجوز أن يكون الضمير يشمل (رِجالاً) و (كُلِّ ضامِرٍ) على معنى الجماعات والرفاق. وقرأ عبد الله وأصحابه والضحاك وابن أبي عبلة يأتون غلب العقلاء الذكور في البداءة برجال تفضيلا للمشاة إلى الحج. وعن ابن عباس : ما آسى على شيء فاتني أن لا أكون حججت ماشيا ، والاستدلال بقوله (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) على سقوط فرض الحج على من يركب البحر ولا طريق له سواه ، لكونه لم يذكر في هذه الآية ضعيف لأن مكة ليست على بحر ، وإنما يتوصل إليها على إحدى هاتين الحالتين مشي أو ركوب ، فذكر تعالى ما يتوصل به إليها. وقرأ ابن مسعود فج معيق. قال ابن عباس وغيره من المنافع التجارة. وقال الباقر : الأجر. وقال مجاهد وعطاء كلاهما ، واختاره ابن العربي.

قال الزمخشري : ونكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنياوية لا توجد في غيرها من العبادات. وعن أبي حنيفة أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج ، فلما حج فضّل الحج على العبادات كلها لما شاهد من تلك الخصائص ، وكنى عن النحر والذبح بذكر اسم الله لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا ، وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه وقد حسن الكلام تحسينا بيّنا أن جمع بين قوله ليذكروا اسم الله عليه. وقوله (عَلى ما رَزَقَهُمْ) ولو قال لينحروا (فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) لم تر شيئا من ذلك الحسن والروعة انتهى.

واستدل من قال أن المقصود بذكر اسم الله هو على الذبح والنحر على أن الذبح لا يكون بالليل ولا يجوز فيه لقوله (فِي أَيَّامٍ) وهو مذهب مالك وأصحاب الرأي. وقيل : الذكر هنا حمده وتقديسه شكرا على نعمته في الرزق ويؤيده قوله عليه‌السلام : «أنها أيام أكل وشرب» وذكر اسم الله والأيام المعلومات أيام العشر قاله ابن عباس والحسن وإبراهيم وقتادة وأبو حنيفة ، والمعدودات أيام التشريق الثلاثة. وقالت فرقة منهم مالك وأصحابه : المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، والمعدودات أيام التشريق الثلاثة ، فيوم النحر معلوم لا معدود واليومان بعده معلومان معدودان ، والرابع معدود لا معلوم ويوم النحر ويومان بعده هي أيام النحر عند عليّ وابن عباس وابن عمر وأنس وأبي هريرة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وأبي حنيفة والثوري ، وعند الحسن وعطاء والشافعي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، وعند النخعي النحر يومان ، وعند ابن سيرين النحر يوم واحد ، وعن أبي سلمة وسليمان بن

٥٠٢

يسار الأضحى إلى هلال المحرم. وقال ابن عطية : ويظهر أن تكون المعلومات والمعدودات بمعنى أن تلك الأيام الفاضلة كلها ، ويبقى أمر الذبح وأمر الاستعجال لا يتعلق بمعدود ولا معلوم ، ويكون فائدة قوله (مَعْلُوماتٍ) ومعدودات التحريض على هذه الأيام وعلى اغتنام فضلها أي ليست كغيرها فكأنه قال هي مخصوصات فلتغتنم انتهى.

والبهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر ، فبينت بالأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز وتقدم الخلاف في مدلول (بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) في أول المائدة ، والظاهر وجوب الأكل والإطعام. وقيل : باستحبابهما. وقيل : باستحباب الأكل ووجوب الإطعام. و (الْبائِسَ) الذي أصابه بؤس أي شدة. والتفث : ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعثه ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث ، وفي ضمن ذلك قضاء جميع مناسكه إذ لا يقضي التفث إلّا بعد ذلك. وقال ابن عمر : التفث ما عليهم من الحج وعنه المناسك كلها ، والنذور هنا ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم. وقيل : المراد الخروج عما وجب عليهم نذروا أو لم ينذروا. وقرأ شعبة عن عاصم (وَلْيُوفُوا) مشدّدا والجمهور مخففا (وَلْيَطَّوَّفُوا) هو طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج ، وبه تمام التحلل. وقيل : هو طواف الصدر وهو طواف الوداع. وقال الطبري : لا خلاف بين المتأولين أنه طواف الإفاضة. قال ابن عطية : ويحتمل بحسب الترتيب أن يكون طواف الوداع انتهى.

و (الْعَتِيقِ) القديم قاله الحسن وابن زيد ، أو المعتق من الجبابرة قاله ابن الزبير وابن أبي نجيح وقتادة ، كم جبار سار إليه فأهلكه الله قصده تبع ليهدمه فأصابه الفالج ، فأشار الأخيار عليه أن يكف عنه وقالوا له : رب يمنعه فتركه وكساه وهو أول من كساه ، وقصده أبرهة فأصابه ما أصابه وأما الحجاج فلم يقصد التسليط على البيت لكن تحصن به ابن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه أو المحرر لم يملك موضعه قط قاله مجاهد ، أو المعتق من الطوفان قاله مجاهد أيضا وابن جبير ، أو الجيد من قولهم : عتاق الخيل وعتاق الطير أو الذي يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب. قال ابن عطية : وهذا يردّه التصريف انتهى. ولا يرده التصريف لأنه فسره تفسير معنى ، وأما من حيث الإعراب فلأن (الْعَتِيقِ) فعيل بمعنى مفعل أي معتق رقاب المذنبين ، ونسب الإعتاق إليه مجازا إذ بزيارته والطواف به يحصل الإعتاق ، وينشأ عن كونه معتقا أن يقال فيه : يعتق فيه رقاب المذنبين.

(ذلِكَ) خبر مبتدأ محذوف قدّره ابن عطية فرضكم (ذلِكَ) أو الواجب (ذلِكَ)

٥٠٣

وقدّره الزمخشري الأمر أو الشأن (ذلِكَ) قال كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال : هذا وقد كان كذا انتهى. وقيل : مبتدأ محذوف الخبر أي (ذلِكَ) الأمر الذي ذكرته. وقيل في موضع نصب تقديره امتثلوا (ذلِكَ) ونظير هذه الإشارة البليغة قول زهير وقد تقدم له جمل في وصف هرم :

هذا وليس كمن يعيا بخطبته

وسط الندى إذا ما ناطق نطقا

وكان وصفه قبل هذا بالكرم والشجاعة ، ثم وصفه في هذا البيت بالبلاغة فكأنه قال : هذا خلقه وليس كمن يعيا بخطبته ، والحرمات ما لا يحل هتكه وجميع التكليفات من مناسك الحج وغيرها حرمه ، والظاهر عمومه في جميع التكاليف ، ويحتمل الخصوص بما يتعلق بالحج وقاله الكلبي قال : ما أمر به من المناسك ، وعن ابن عباس هي جميع المناهي في الحج : فسوق وجدال وجماع وصيد. وعن ابن زيد هي خمس المشعر الحرام ، والمسجد الحرام ، والبيت الحرام ، والشهر الحرام ، والمحرم حتى يحل. وضمير (فَهُوَ) عائد على المصدر المفهوم من قوله (وَمَنْ يُعَظِّمْ) أي فالتعظيم (خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي قربة منه وزيادة في طاعته يثيبه عليها ، والظاهر أن خيرا هنا ليس أفعل تفضيل.

و (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) دفعا لما كانت عليه من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة ، ويعني بقوله (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ما نص في كتابه على تحريمه ، والمعنى (ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) آية تحريمه.

ولما حث على تعظيم حرمات الله وذكر أن تعظيمها خير لمعظمها عند الله أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات ، وجمعا في قران واحد لأن الشرك من باب الزور لأن المشرك يزعم أن الوثن يستحق العبادة فكأنه قال (فَاجْتَنِبُوا) عبادة (الْأَوْثانِ) التي هي رأس الزور (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) كله. و (مَنْ) في (مِنَ الْأَوْثانِ) لبيان الجنس ، ويقدر بالموصول عندهم أي الرجس الذي هو الأوثان ، ومن أنكر أن تكون (مَنْ) لبيان الجنس جعل (مَنْ) لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن الرجس عاما ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ، وعلى القول الأول يكون النهي عن سائر الأرجاس من موضع غير هذا.

قال ابن عطية : ومن قال إن (مَنْ) للتبعيض قلب معنى الآية فأفسده انتهى. وقد

٥٠٤

يمكن التبعيض فيها بأن يعني بالرجس عبادة الأوثان ، وقد روي ذلك عن ابن عباس وابن جريج ، فكأنه قال : فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو العبادة لأن المحرم من الأوثان إنما هو العبادة ، ألا ترى أنه قد يتصور استعمال الوثن في بناء وغير ذلك مما لم يحرمه الشرع؟ فكأن للوثن جهات منها عبادتها ، وهو المأمور باجتنابه وعبادتها بعض جهاتها ، ولما كان قول الزور معادلا للكفر لم يعطف على الرجس بل أفرد بأن كرر له العامل اعتناء باجتنابه. وفي الحديث : «عدلت شهادة الزور بالشرك».

ولما أمر باجتناب عبادة الأوثان وقول الزور ضرب مثلا للمشرك فقال (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) الآية. قال الزمخشري : يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق ، فإن كان تشبيها مركبا فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من (خَرَّ مِنَ السَّماءِ) فاختطفته (الطَّيْرُ) فتفرق مرعا في حواصلها ، وعصفت به (الرِّيحُ) حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة ، وإن كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والإهواء التي تنازع أوكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة بالريح التي (تَهْوِي) مما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة انتهى. وقرأ نافع (فَتَخْطَفُهُ) بفتح الخاء والطاء مشددة وباقي السبعة بسكون الخاء وتخفيف الطاء. وقرأ الحسن وأبو رجاء والأعمش بكسر التاء والخاء والطاء مشددة ، وعن الحسن كذلك إلّا أنه فتح الطاء مشددة. وقرأ الأعمش أيضا تخطه بغير فاء وإسكان الخاء وفتح الطاء مخففة. وقرأ أبو جعفر والحسن وأبو رجاء : الرياح.

(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).

إعراب (ذلِكَ) كإعراب (ذلِكَ) المتقدم ، وتقدم تفسير (شَعائِرَ اللهِ) في أول

٥٠٥

المائدة ، وأما هنا فقال ابن عباس ومجاهد وجماعة : هي البدن الهدايا ، وتعظيمها تسمينها والاهتبال بها والمغالاة فيها. وقال زيد بن أسلم : الشعائر ست : الصفا ، والمروة ، والبدن ، والجمار ، والمشعر الحرام ، وعرفة ، والركن. وتعظيمها إتمام ما يفعل فيها. وقال ابن عمر والحسن ومالك وابن زيد : مواضع الحج كلها ومعالمه بمنى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك ، وهذا نحو من قول زيد بن أسلم.

وقيل : شرائع دينه وتعظيمها التزامها والمنافع الأجر ، ويكون الضمير في (فِيها) من قوله (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) عائدا على الشعائر التي هي الشرائع أي لكم في التمسك بها (مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ) منقطع التكليف (ثُمَّ مَحِلُّها) بشكل على هذا التأويل. فقيل : الإيمان والتوجه إليه بالصلاة ، وكذلك القصد في الحج والعمرة ، أي محل ما يختص منها بالإحرام (الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وقيل : معنى ذلك ثم أجرها على رب (الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) قيل : ولو قيل على هذا التأويل أن (الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الجنة لم يبعدوا الضمير في إنها عائد على الشعائر على حذف مضاف أي فإن تعظيمها أو على التعظمة ، وأضاف التقوى إلى القلوب كما قال عليه الصلاة والسلام : «التقوى هاهنا». وأشار إلى صدره. وعن عمر أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك وقال : «بل اهدها» وأهدى هو عليه‌السلام مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب ، وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدق بلحومها وبجلالها ، ويعتقد أن طاعة الله في التقرب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بد أن يقام به ويسارع فيه ، وذكر (الْقُلُوبِ) لأن المنافق يظهر التقوى وقلبه خال عنها ، فلا يكون مجدا في أداء الطاعات ، والمخلص التقوى بالله في قلبه فيبالغ في أدائها على سبيل الإخلاص.

وقال الزمخشري : فإن تعظيمها (مَنْ) أفعال ذوي (تَقْوَى الْقُلُوبِ) فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلّا بتقديرها لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى (مَنْ) ليرتبط به ، وإنما ذكرت (الْقُلُوبِ) لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء انتهى.

وما قدره عار من راجع إلى الجزاء إلى (مَنْ) ألا ترى أن قوله فإن تعظيمها من أفعال القلوب ليس في شيء منه ضمير يعود إلى (مَنْ) يربط جملة الجزاء بجملة الشرط الذي أدانه (مَنْ) وإصلاح ما قاله أن يكون التقدير فأي تعظيمها منه ، فيكون الضمير في منه عائدا على من فيرتبط الجزاء بالشرط.

٥٠٦

وقرىء القلوب بالرفع على الفاعلية بالمصدر الذي هو (تَقْوَى) والضمير في (فِيها) عائد على (الْبُدْنَ) على قول الجمهور ، والمنافع درها ونسلها وصوفها وركوب ظهرها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو أن يسميها ويوجبها هديا فليس له شيء من منافعها. قاله ابن عباس في رواية مقسم ، ومجاهد وقتادة والضحاك. وقال عطاء : منافع الهدايا بعد إيجابها وتسميتها هديا بأن تركب ويشرب لبنها عند الحاجة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى أن تنحر. وقيل : إلى أن تشعر فلا تركب إلّا عند الضرورة. وروى أبو رزين عن ابن عباس : الأجل المسمى الخروج من مكة. وعن ابن عباس (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى الخروج والانتقال من هذه الشعائر إلى غيرها. وقيل : الأجل يوم القيامة. وقال الزمخشري : إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها.

و (ثُمَ) للتراخي في الوقت فاستعيرت للتراخي في الأفعال ، والمعنى أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم وإنما يعبد الله بالمنافع الدينية قال تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (١) وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطا في النفع محلها إلى البيت أي وجوب نحرها ، أو وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت كقوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (٢) والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت لأن الحرم هو حريم البيت ، ومثل هذا في الاتساع قولك : بلغنا البلد وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده. وقيل : المراد بالشعائر المناسك كلها و (مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) يأباه انتهى.

وقال القفال : الهدي المتطوع به إذا عطب قبل بلوغ مكة فإن محله موضعه ، فإذا بلغ منى فهي محله وكل فجاج مكة. وقال ابن عطية : وتكرر (ثُمَ) لترتيب الجمل لأن المحل قبل الأجل ، ومعنى الكلام عند هاتين الفريقين يعني من قال مجاهد ومن وافقه ، ومن قال بقول عطاء (ثُمَّ مَحِلُّها) إلى موضع النحر فذكر البيت لأنه أشرف الحرم وهو المقصود بالهدي وغيره ، والأجل الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة وقوله (ثُمَّ مَحِلُّها) مأخوذ من إحلال المحرم معناه ، ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق ، فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه قاله مالك في الموطأ انتهى.

والمنسك مفعل من نسك واحتمل أن يكون موضعا للنسك ، أي مكان نسك ، واحتمل أن يكون مصدرا واحتمل أن يراد به مكان العبادة مطلقا أو العبادة ، واحتمل أن يراد

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٦٧.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٩٥.

٥٠٧

نسك خاص أو نسكا خاصا وهو موضع ذبح أو ذبح ، وحمله الزمخشري على الذبح ، يقال : شرع الله لكل أمة أن ينسكوا له أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرب ، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على المناسك انتهى. وقياس بناء مفعل مما مضارعه يفعل يضم العين مفعل بفتحها في المصدر والزمان والمكان ، وبالفتح قرأ الجمهور. وقرأ بكسرها الأخوان وابن سعدان وأبو حاتم عن أبي عمرو ويونس ومحبوب وعبد الوارث إلا القصبي عنه. قال ابن عطية : والكسر في هذا من الشاذ ولا يسوغ فيه القياس ، ويشبه أن يكون الكسائي سمعه من العرب. وقال الأزهري : منسك ومنسك لغتان. وقال مجاهد : المنسك الذبح ، وإراقة الدماء يقال : نسك إذا ذبح ، والذبيحة نسيكة وجمعها نسك. وقال الفرّاء : المنسك في كلام العرب المعتاد في خير وبر. وقال ابن عرفة (مَنْسَكاً) أي مذهبا من طاعة الله ، يقال : نسك نسك قومه إذا سلك مذهبهم. وقال الفراء (مَنْسَكاً) عيدا وقال قتادة : حجا.

(لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله ، وأن يكون الذبح له لأنه رازق ذلك ، ثم خرج إلى الحاضرين فقال (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) أي انقادوا ، وكما أن الإله واحد يجب أن يخلص له في الذبيحة ولا يشرك فيها لغيره ، وتقدم شرح الإخبات. وقال عمرو بن أوس : المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقرأ الجمهور (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) بالخفض على الإضافة وحذفت النون لأجلها. وقرأ ابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو في رواية (الصَّلاةِ) بالنصب وحذفت النون لأجلها. وقرأ ابن مسعود والأعمش والمقيمين بالنون (الصَّلاةِ) بالنصب. وقرأ الضحاك : والمقيم الصلاة ، وناسب تبشير من اتصف بالإخبات هنا لأن أفعال الحج من نزع الثياب والتجرد من المخيط وكشف الرأس والتردد في تلك المواضع الغبرة المحجرة ، والتلبس بأفعال شاقة لا يعلم معناها إلّا الله تعالى مؤذن بالاستسلام المحض والتواضع المفرط حيث يخرج الإنسان عن مألوفه إلى أفعال غريبة ، ولذلك وصفهم بالإخبات والوجل إذا ذكر الله تعالى والصبر على ما أصابهم من المشاق وإقامة الصلوات في مواضع لا يقيمها إلّا المؤمنون المصطفون والإنفاق مما رزقهم ومنها الهدايا التي يغالون فيها.

وقرأ الجمهور (وَالْبُدْنَ) بإسكان الدال. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وشيبة وعيسى بضمها وهي الأصل ، ورويت عن أبي جعفر ونافع. وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا بضم الياء والدال وتشديد النون ، فاحتمل أن يكون اسما مفردا بني على فعل كعتل ،

٥٠٨

واحتمل أن يكون التشديد من التضعيف الجائز في الوقف ، وأجرى الوصل مجرى الوقف ، والجمهور على نصب (وَالْبُدْنَ) على الاشتغال أي وجعلنا (الْبُدْنَ) وقرىء بالرفع على الابتداء و (لَكُمْ) أي لأجلكم و (مِنْ شَعائِرِ) في موضع المفعول الثاني ، ومعنى (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) من أعلام الشريعة التي شرعها الله وأضافها إلى اسمه تعالى تعظيما لها (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) قال ابن عباس : نفع في الدنيا ، وأجر في الآخرة. وقال السدّي أجر. وقال النخعي : من احتاج إلى ظهرها ركب وإلى لبنها شرب (عَلَيْها صَوافَ) أي على نحرها. قال مجاهد : معقولة. وقال ابن عمر : قائمة قد صفت أيديها بالقيود. وقال ابن عيسى : مصطفة وذكر اسم الله أن يقول عند النحر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ، اللهم منك وإليك. وقرأ أبو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم وشقيق وسليمان التيمي والأعرج : صوافي جمع صافية ونون الياء عمرو بن عبيد.

قال الزمخشري : التنوين عوض من حرف عند الوقف انتهى. والأولى أن يكون على لغة من صرف ما لا ينصرف ، ولا سيما الجمع المتناهي ، ولذلك قال بعضهم والصرف في الجمع أي كثيرا حتى ادّعى قوم به التخيير أي خوالص لوجه الله تعالى لا يشرك فيها بشيء ، كما كانت الجاهلية تشرك.

وقرأ الحسن أيضا (صَوافَ) مثل عوار وهو على قول من قال فكسرت عار لحمه يريد عاريا وقولهم : أعط القوس باريها. وقرأ عبد الله وابن عمر وابن عباس والباقر وقتادة ومجاهد وعطاء والضحاك والكلبي والأعمش بخلاف عنه صوافن بالنون ، والصافنة من البدن ما اعتمدت على طرف رجل بعد تمكنها بثلاث قوائم وأكثر ما يستعمل في الخيل (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) عبارة عن سقوطها إلى الأرض بعد نحرها. قال محمد بن كعب ومجاهد وإبراهيم والحسن والكلبي (الْقانِعَ) السائل (وَالْمُعْتَرَّ) المعترض من غير سؤال ، وعكست فرقة هذا. وحكى الطبري عن ابن عباس (الْقانِعَ) المستغني بما أعطيه (وَالْمُعْتَرَّ) المعترض من غير سؤال. وحكى عنه (الْقانِعَ) المتعفف (وَالْمُعْتَرَّ) السائل. وعن مجاهد (الْقانِعَ) الجار وإن كان غنيا. وقال قتادة (الْقانِعَ) من القناعة (وَالْمُعْتَرَّ) المعترض للسؤال. وقيل (الْمُعْتَرَّ) الصديق الزائر. وقرأ أبو رجاء : القنع بغير ألف أي (الْقانِعَ) فحذف الألف كالحذر والحاذر. وقرأ الحسن والمعتري اسم فاعل من اعترى. وقرأ عمرو وإسماعيل (وَالْمُعْتَرَّ) بكسر الراء دون ياء ، هذا نقل ابن خالويه.

٥٠٩

وقال أبو الفضل الرازي في كتاب اللوامح أبو رجاء بخلاف عنه ، وابن عبيد والمعتري على مفتعل. وعن ابن عباس برواية المقري (وَالْمُعْتَرَّ) أراد المعتري لكنه حذف الياء تخفيفا واستغناء بالكسرة عنها ، وجاء كذلك عن أبي رجاء. قال ابن مسعود : الهدي أثلاث. وقال جعفر بن محمد أطعم القانع والمعتر ثلثا ، والبائس الفقير ثلثا ، وأهلي ثلثا. وقال ابن المسيب : ليس لصاحب الهدي منه إلّا الربع وهذا كله على جهة الاستحباب لا الفرض قاله ابن عطية (كَذلِكَ) سخرها لكم أي مثل ذلك التسخير (سَخَّرْناها لَكُمْ) تأخذونها منقادة فتعقلونها وتحبسونها صافة قوائمها فتطعنون في لباتها ، منّ عليهم تعالى بذلك ولو لا تسخير الله لم تطق ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرما وأقل قوّة ، وكفى بما يتأبد من الإبل شاهدا وعبرة. وقال ابن عطية : كما أمرناكم فيها بهذا كله سخرنا لكم لن ينال الله لحومها ولا دماؤها.

قال مجاهد : أراد المسلمون أن يفعلوا فعل المشركين من الذبح وتشريح اللحم منصوبا حول الكعبة ونضح الكعبة حواليها بالدم تقرّبا إلى الله ، فنزلت هذه الآية. وعن ابن عباس قريب منه ، والمعنى لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المهراقة بالنحر ، والمراد أصحاب اللحوم والدماء ، والمعنى لن يرضى المضحون والمقربون ربهم إلّا بمراعاة النية والإخلاص والاحتياط بشروط التقوى في حل ما قرب به وغير ذلك من المحافظات الشرعية وأوامر الورع ، فإذا لم يراعوا ذلك لم تغن عنهم التضحية والتقريب ، وإن كثر ذلك منهم قاله الزمخشري وهو تكثير في اللفظ. وقرأ مالك بن دينار والأعرج وابن يعمر والزهري وإسحاق الكوفي عن عاصم والزعفراني ويعقوب. وقال ابن خالويه : تناله التقوى بالتاء يحيى بن يعمر والجحدري. وقرأ زيد بن علي لحومها ولا دماءها بالنصب (وَلكِنْ يَنالُهُ) بضم الياء وكرر ذكر النعمة بالتسخير. قال الزمخشري : لتشكروا الله على هدايته إياكم لإعلام دينه ومناسك حجه بأن تكبروا وتهللوا ، فاختصر الكلام بأن ضمن التكبير معنى الشكر وعديّ تعديته انتهى. (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) ظاهر في العموم. قال ابن عباس : وهم الموحدون وروي أنها نزلت في الخلفاء الأربعة.

إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ

٥١٠

وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ

٥١١

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧٠) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ

٥١٢

أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)

الهدم : معروف وهو نقض ما بني. قال الشاعر :

وكل بيت وإن طالت إقامته

على دعائمه لا بدّ مهدوم

الصومعة : موضع العبادة وزنها فعولة ، وهي بناء مرتفع منفرد حديد الأعلى ، والأصمع من الرجال الحديد القول ، وكانت قبل الإسلام مختصة برهبان النصارى وبعبّاد الصابئين ، قاله قتادة ثم استعمل في مئذنة المسلمين. البيع : كنائس النصارى واحدها بيعة. وقيل : كنائس اليهود. البئر : من بأرت أي حفرت ، وهي مؤنثة على وزن فعل بمعنى مفعول ، وقد تذكر على معنى القليب. تعطيل الشيء : إبطال منافعه. العقم : الامتناع من الولادة ، يقال : امرأة عقيم ورجل عقيم لا يولد له ، والجمع عقم وأصله من القطع ، ومنه الملك عقيم أي يقطع فيه الأرحام بالقتل ، والعقيم الذي قطعت ولادتها. وقال أبو عبيد العقم السد ، يقال : امرأة معقومة الرحم أي مسدودة الرحم. السطو : القهر. وقال ابن عيسى : السطوة إظهار ما يهول للإخافة. الذباب : الحيوان المعروف يجمع على ذباب

٥١٣

بكسر الذال وضمها ، وعلى ذبّ والمذبّة ما يطرد به الذباب ، وذباب السيف طرفه والعين إنسانها ، وأسنان الإبل. سلبت الشيء : اختطفته بسرعة. استنقذ : استفعل بمعنى أفعل أي أنقذ نحو أبل واستبل.

(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ).

روى أن المؤمنين لما كثروا بمكة أذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة ، أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنة من الكفار ويحتال ويغدر ، فنزلت إلى قوله (كَفُورٍ) وعد فيها بالمدافعة ونهى عن الخيانة ، وخص المؤمنين بالدفع عنهم والنصرة لهم ، وعلل ذلك بأنه لا يحب أعداءهم الخائنين الله والرسول الكافرين نعمه. ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة مما يفعل في الحج ، وكان المشركون قد صدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية وآذوا من كان بمكة من المؤمنين ، أنزل الله تعالى هذه الآيات مبشرة المؤمنين بدفعه تعالى عنهم ومشيرة إلى نصرهم وإذنه لهم في القتال وتمكينهم في الأرض يردهم إلى ديارهم وفتح مكة ، وأن عاقبة الأمور راجعة إلى الله تعالى وقال تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١).

وقرأ الحسن وأبو جعفر ونافع (يُدافِعُ) ولو لا دفاع الله. وقرأ أبو عمرو وابن كثير يدفع (وَلَوْ لا دَفْعُ) وقرأ الكوفيون وابن عامر يدافع (وَلَوْ لا دَفْعُ) وفاعل هنا بمعنى المجرد نحو جاوزت وجزت. وقال الأخفش : دفع أكثر من دافع. وحكى الزهراوي أن دفاعا مصدر دفع كحسب حسابا. وقال ابن عطية : يحسن (يُدافِعُ) لأنه قد عنّ للمؤمنين من يدفعهم ويؤذيهم فتجيء مقاومته ، ودفعه مدافعة عنهم انتهى. يعني فيكون فاعل لاقتسام الفاعلية

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٢٨.

٥١٤

والمفعولية لفظا والاشتراك فيهما معنى. وقال الزمخشري : ومن قرأ (يُدافِعُ) فمعناه يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ انتهى. ولم يذكر تعالى ما يدفعه عنهم ليكون أفخم وأعظم وأعم ولما هاجر المؤمنون إلى المدينة أذن الله لهم في القتال.

وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو بضم همزة (أُذِنَ) وفتح باقي السبعة. وقرأ نافع وابن عامر وحفص يقاتلون بفتح التاء والباقون بكسرها ، والمأذون فيه محذوف أي في القتال لدلالة (يُقاتَلُونَ) عليه وعلل للإذن (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) كانوا يأتون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بين مضروب ومشجوج ، فيقول لهم : «اصبروا فإني لم أومر بالقتال» حتى هاجر وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية. وقيل : نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركو مكة فأذن لهم في مقاتلتهم.

(وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وعد بالنصر والإخبار بكونه يدفع عنهم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا) في موضع جر نعت للذين ، أو بدل أو في موضع نصب بأعني أو في موضع رفع على إضمارهم. و (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا) استثناء منقطع فإن (يَقُولُوا) في موضع نصب لأنه منقطع لا يمكن توجه العامل عليه ، فهو مقدر بلكن من حيث المعنى لأنك لو قلت (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) لم يصح بخلاف ما في الدار أحد إلّا حمار ، فإن الاستثناء منقطع ويمكن أن يتوجه عليه العامل فتقول : ما في الدار إلّا حمار فهذا يجوز فيه النصب والرفع النصب للحجاز والرفع لتميم بخلاف مثل هذا فالعرب مجمعون على نصبه. وأجاز أبو إسحاق فيه الجر على البدل واتّبعه الزمخشري فقال (أَنْ يَقُولُوا) في محل الجر على الإبدال من (حَقٍ) أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتبشير ، ومثله (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا) (١) انتهى.

وما أجازاه من البدل لا يجوز لأن البدل لا يكون إلّا إذا سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي ، نحو : ما قام أحد إلّا زيد ، ولا يضرب أحد إلّا زيد ، وهل يضرب أحد إلّا زيد ، وأما إذا كان الكلام موجبا أو أمرا فلا يجوز البدل : لا يقال قام القوم إلّا زيد على البدل ، ولا يضرب القوم إلّا زيد على البدل ، لأن البدل لا يكون إلّا حيث يكون العامل

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٥٩.

٥١٥

يتسلط عليه ، ولو قلت قام إلّا زيد ، وليضرب إلّا عمرو لم يجز. ولو قلت في غير القرآن أخرج الناس من ديارهم إلّا بأن يقولوا لا إله إلّا الله لم يكن كلاما هذا إذا تخيل أن يكون (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا) في موضع جر بدلا من غير المضاف إلى (حَقٍ) وإما أن يكون بدلا من حق كما نص عليه الزمخشري فهو في غاية الفساد لأنه يلزم منه أن يكون البدل يلي غيرا فيصير التركيب بغير (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا) وهذا لا يصح ، ولو قدرت (إِلَّا) بغير كما يقدر في النفي في ما مررت بأحد إلّا زيد فتجعله بدلا لم يصح ، لأنه يصير التركيب بغير غير قولهم (رَبُّنَا اللهُ) فتكون قد أضفت غيرا إلى غير وهي هي فصار بغير غير ، ويصح في ما مررت بأحد إلّا زيد أن تقول : ما مررت بغير زيد ، ثم إن الزمخشري حين مثل البدل قدره بغير موجب سوى التوحيد ، وهذا تمثيل للصفة جعل إلّا بمعنى سوى ، ويصح على الصفة فالتبس عليه باب الصفة بباب البدل ، ويجوز أن تقول : مررت بالقوم إلّا زيد على الصفة لا على البدل.

(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) الآية فيها تحريض على القتال المأذون فيه قبل ، وأنه تعالى أجرى العادة بذلك في الأمم الماضية بأن ينتظم به الأمر وتقوم الشرائع وتصان المتعبدات من الهدم وأهلها من القتل والشتات ، وكأنه لما قال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) قيل : فليقاتل المؤمنون ، فلو لا القتال لتغلب على الحق في كل أمة وانظر إلى مجيء قوله (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) لفسدت الأرض إثر قتال طالوت لجالوت ، وقتل داود جالوت. وأخبر تعالى أنه لو لا ذلك الدفع فسدت الأرض فكذلك هنا.

وقال عليّ بن أبي طالب : ولو لا دفع الله بأصحاب محمد الكفار عن التابعين فمن بعدهم ، وأخذ الزمخشري قول عليّ وحسنه وذيل عليه فقال : دفع الله بعض الناس ببعض إظهاره وتسليط المؤمنين منهم على الكافرين بالمجاهدة ، ولو لا ذلك لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعا ولا لرهبانهم صوامع ، ولا لليهود صلوات ، ولا للمسلمين مساجد ، ولغلب المشركون في أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم ، وهدموا متعبدات الفريقين انتهى.

وقال مجاهد : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ) ظلم قوم بشهادات العدول ونحو هذا. وقال قوم (دَفْعُ) ظلم الظلمة بعدل الولاة. وقالت فرقة (دَفْعُ) العذاب بدعاء الأخيار. وقال

٥١٦

قطرب : بالقصاص عن النفوس. وقيل : بالنبيين عن المؤمنين. وقال الحسن : لو لا أمان الإسلام لخربت متعبدات أهل الذمة ، ومعنى الدفع بالقتال أليق بالآية وأمكن في دفع الفساد.

وقرأ الحرميان وأيوب وقتادة وطلحة وزائدة عن الأعمش والزعفراني فهدمت مخففا وباقي السبعة وجماعة مشددة لما كانت المواضع كثيرة ناسب مجيء التضعيف لكثرة المواضع فتكرر الهدم لتكثيرها. وقرأ الجمهور (وَصَلَواتٌ) جمع صلاة. وقرأ جعفر بن محمد (وَصَلَواتٌ) بضم الصاد واللام. وحكى عنه ابن خالويه (صَلَواتٌ) بسكون اللام وكسر الصاد ، وحكيت عن الجحدري والجحدري (صَلَواتٌ) بضم الصاد وفتح اللام ، وحكيت عن الكلبي وأبي العالية بفتح الصاد وسكون اللام (صَلَواتٌ) والحجاج بن يوسف والجحدري أيضا وصلوت وهي مساجد النصارى بضمتين من غير ألف ومجاهد كذلك إلا أنه بفتح التاء وألف بعدها والضحاك والكلبي وصلوث بضمتين من غير ألف وبثاء منقوطة بثلاث ، وجاء كذلك عن أبي رجاء والجحدري وأبي العالية ومجاهد كذلك إلّا أنه بعد الثاء ألف. وقرأ عكرمة : وصلويثا بكسر الصاد وإسكان اللام وواو مكسورة بعدها ياء بعدها ثاء منقوطة بثلاث بعدها ألف ، والجحدري أيضا (صَلَواتٌ) بضم الصاد وسكون اللام وواو مفتوحة بعدها ألف بعدها ثاء مثلثة النقط. وحكى ابن مجاهد أنه قرىء كذلك إلا أنه بكسر الصاد. وحكى ابن خالويه وابن عطية عن الحجاج والجحدري صلوب بالباء بواحدة على وزن كعوب جمع صليب كظريف وظروف ، وأسينة وأسون وهو جمع شاذ أعني جمع فعيل على فعول فهذه ثلاثة عشرة قراءة والتي بالثاء المثلثة النقط.

قيل : هي مساجد اليهود هي بالسريانية مما دخل في كلام العرب. وقيل : عبرانية وينبغي أن تكون قراءة الجمهور يراد بها الصلوات المعهودة في الملل ، وأما غيرها مما تلاعبت فيه العرب بتحريف وتغيير فينظر ما مدلوله في اللسان الذي نقل منه فيفسر به. وروى هارون عن أبي عمرو (صَلَواتٌ) كقراءة الجماعة إلّا أنه لا ينون التاء كأنه جعله اسم موضع كالمواضع التي قبله ، وكأنه علم فمنعه الصرف للعلمية والعجمة وكملت القراءات بهذه أربع عشرة قراءة والأظهر في تعداد هذه المواضع أن ذلك بحسب معتقدات الأمم فالصوامع للرهبان. وقيل : للصابئين ، والبيع للنصارى ، والصلوات لليهود ، والمساجد للمسلمين وقاله خصيف. قال ابن عطية : والأظهر أنه قصد بها المبالغة في ذكر المتعبدات ، وهذه الأسماء تشترك الأمم في مسمياتها إلّا البيعة فإنها مختصة بالنصارى في

٥١٧

عرف لغة ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لهم كتاب على قديم الدهر ، ولم يذكر في هذه الآية المجوس ولا أهل الإشراك لأنّ هؤلاء ليس لهم ما يوجب حمايته ولا يوجد ذكر الله إلّا عند أهل الشرائع انتهى.

والظاهر عود الضمير في قوله (يُذْكَرُ فِيهَا) على المواضع كلها جميعها وقاله الكلبي ومقاتل ، فيكون (يُذْكَرُ) صفة للمساجد وإذا حملنا الصلوات على الأفعال التي يصليها أهل الشرائع كان ذلك إما على حذف مضاف أي ومواضع صلوات وإما على تضمين (لَهُدِّمَتْ) معنى عطلت فصار التعطيل قدرا مشتركا بين المواضع والأفعال ، وتأخير المساجد إما لأجل قدم تلك وحدوث هذه ، وإما لانتقال من شريف إلى أشرف. وأقسم تعالى على أنه تنصر من ينصر أي ينصر دينه وأولياءه ، ونصره تعالى هو أن يظفر أولياءه بأعدائهم جلادا وجدالا وفي ذلك حض على القتال. ثم أخبر تعالى أنه قوي على نصرهم (عَزِيزٌ) لا يغالب.

والظاهر أنه يجوز في إعراب (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) ما جاز في إعراب (الَّذِينَ أُخْرِجُوا) وقال الزجاج : هو منصوب بدل ممن ينصره ، والتمكين السلطنة ونفاذ الأمر على الخلق ، والظاهر أنه من وصف المأذون لهم في القتال وهم المهاجرون ، وفيه إخبار بالغيب عما يكون عليه سيرتهم إن مكن لهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا ، وكيف يقومون بأمر الدين. وعن عثمان رضي‌الله‌عنه : هذا والله ثناء قبل بلاء ، يريد أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا ، وقالوا : فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله تعالى لم يجعل التمكن ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة لغيرهم من المهاجرين لا حظ في ذلك للأنصار والطلقاء. وفي الآية أخذ العهد على من مكنه الله أن يفعل ما رتب على التمكين في الآية. وقيل : نزلت في أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعن الحسن وأبي العالية : هم أمّته عليه‌السلام. وعن عكرمة : هم أهل الصلوات الخمس ، وهو قريب مما قبله. وقال ابن أبي نجيح : هم الولاة. وقال الضحاك : هو شرط شرطه الله من آناه الملك.

وقال ابن عباس : المهاجرون والأنصار والتابعون (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) توعد للمخالف ما ترتب على التمكين (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) الآية فيها تسلية للرسول بتكذيب من سبق من الأمم المذكورة لأنبيائهم ، ووعيد لقريش إذ مثلهم بالأمم المكذبة المعذبة وأسند الفعل بعلامة

٥١٨

التأنيث من حيث أراد الأمة والقبيلة ، وبنى الفعل للمفعول في (وَكُذِّبَ مُوسى) أن قومه لم يكذبوه وإنما كذبه القبط (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أي أمهلت لهم وأخرت عنهم العذاب مع علمي بفعلهم ، وفي قوله (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) ترتيب الإملاء على وصف الكفر ، فكذلك قريش أملى تعالى لهم ثم أخذهم في غزوة بدر وفي فتح مكة وغيرهما ، والأخذ كناية عن العقاب والإهلاك ، والنكير مصدر كالندير المراد به المصدر ، والمعنى فكيف كان إنكاري عليهم وتبديل حالهم الحسنة بالسيئة وحياتهم بالهلاك ومعمورهم بالخراب؟ وهذا استفهام يصحبه معنى التعجب ، كأنه قيل : ما أشد ما كان إنكاري عليهم وفي الجملة إرهاب لقريش (فَكَأَيِّنْ) للتكثير ، واحتمل أن يكون في موضع رفع على الابتداء وفي موضع نصب على الاشتغال.

وقرأ أبو عمرو وجماعة أهلكتها بتاء المتكلم ، والجمهور بنون العظمة (وَهِيَ ظالِمَةٌ) جملة حالية (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) تقدم تفسير هذه الجملة في البقرة في قوله (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (١) وقال الزمخشري : فإن قلت : ما محل الجملتين من الإعراب؟ أعني (وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ) قلت : الأولى في محل نصب على الحال ، والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على (أَهْلَكْناها) وهذا الفعل ليس له محل انتهى.

وهذا الذي قاله ليس بجيد لأن (فَكَأَيِّنْ) الأجود في إعرابها أن تكون مبتدأة والخبر الجملة من قوله (أَهْلَكْناها) فهي في موضع رفع والمعطوف على الخبر خبر ، فيكون قوله (فَهِيَ خاوِيَةٌ) في موضع رفع ، لكن يتجه قول الزّمخشري على الوجه القليل وهو إعراب (فَكَأَيِّنْ) منصوبا بإضمار فعل على الاشتغال ، فتكون الجملة من قوله (أَهْلَكْناها) مفسرة لذلك الفعل ، وعلى هذا لا محل لهذه الجملة المفسرة فالمعطوف عليها لا محل له.

وقرأ الجحدري والحسن وجماعة (مُعَطَّلَةٍ) مخففا يقال : عطلت البئر وأعطلتها فعطلت ، هي بفتح الطاء ، وعطلت المرأة من الحليّ بكسر الطاء. قال الزمخشري : ومعنى المعطلة أنها عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلّا أنها عطلت أي تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها ، والمشيد المجصص أو المرفوع البنيان والمعنى كم قرية أهلكنا ، وكم بئر

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٩.

٥١٩

عطلنا عن سقاتها و (قَصْرٍ مَشِيدٍ) أخليناه عن ساكنيه ، فترك ذلك لدلالة (مُعَطَّلَةٍ) عليه انتهى.

(وَبِئْرٍ وَقَصْرٍ) معطوفان على (مِنْ قَرْيَةٍ) و (مِنْ قَرْيَةٍ) تمييز لكأين ، (فَكَأَيِّنْ) تقتضي التكثير ، فدل ذلك على أنه لا يراد بقربه وبئر وقصر معين ، وإن كان الإهلاك إنما يقع في معين لكن من حيث الوقوع لا من حيث دلالة اللفظ ، وينبغي أن يكون (بِئْرٍ وَقَصْرٍ) من حيث عطفا على (مِنْ قَرْيَةٍ) أن يكون التقدير أهلكتهما كما كان أهلكتها مخبرا به عن (فَكَأَيِّنْ) الذي هو القرية من حيث المعنى. والمراد أهل القرية والبئر والقصر ، وجعل (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) معطوفين على (عُرُوشِها) جهل بالفصاحة ووصف القصر بمشيد ولم يوصف بمشيد كما في قوله في (بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (١) لأن ذلك جمع ناسب التكثير فيه ، وهذا مفرد وأيضا (مَشِيدٍ) فاصلة آية.

وقد عين بعض المفسرين هذه البئر. فعن ابن عباس أنها كانت لأهل عدن من اليمن وهي الرس. وعن كعب الأحبار أن القصر بناه عاد الثاني وهو منذر بن عاد بن إرم بن عاد. وعن الضحاك وغيره : أن البئر بحضر موت من أرض الشحر ، والقصر مشرف على قلة جبل لا يرتقى ، والبئر في سفحه لا يقر الريح شيئا يسقط فيها. روي أن صالحا عليه‌السلام نزل عليها مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به ونجاهم الله من العذاب. وهي بحضر موت ، وسميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات وثم بلدة عند البئر اسمها حاضورا بناها قوم صالح وأمروا عليهم جليس بن جلاس ، وأقاموا بها زمنا ثم كفروا وعبدوا صنما ، وأرسل إليهم حنظلة بن صفوان ، وقيل : اسمه شريح بن صفوان نبيا فقتلوه في السوق فأهلكهم الله عن آخرهم وعطل بئرهم وخرب قصرهم. وعن الإمام أبي القاسم الأنصاري أنه قال : رأيت قبر صالح بالشام في بلدة يقال لها عكا فكيف يكون بحضر موت.

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٧٨.

٥٢٠