البحر المحيط في التّفسير - ج ٦

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦١٩

جعل لهم من الاطلاع ما لم يجعل لغيرهم كقوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١) وفي الحديث الصحيح : «قالت الملائكة ربي عبدك هذا يريد أن يعمل سيئة» الحديث ، أو بما يلوح في صفحات وجه الخائف. وامرأته قائمة جملة من ابتداء وخبر قال الحوفي وأبو البقاء : في موضع الحال ، قال أبو البقاء : من ضمير الفاعل في أرسلنا ، يعني المفعول الذي لم يسم فاعله ، والزمخشري يسميه فاعلا لقيامه مقام الفاعل. وقال الحوفي : والتقدير أرسلنا إلى قوم لوط في حال قيام امرأته ، يعني امرأة ابراهيم. والظاهر أنه حال من ضمير قالوا أي : قالوا لإبراهيم لا تخف في حال قيام امرأته وهي سارة بنت هاران بن ناخور وهي ابنة عمه ، قائمة أي : لخدمة الأضياف ، وكانت نساؤهم لا تحتجب كعادة الأعراب ، ونازلة البوادي والصحراء ، ولم يكن التبرج مكروها ، وكانت عجوزا ، وخدمة الضيفان مما يعد من مكارم الأخلاق قاله : مجاهد. وجاء في شريعتنا مثل هذا من حديث أبي أسيد الساعدي : وكانت امرأته عروسا ، فكانت خادمة الرسول ومن حضر معه من أصحابه. وقال وهب : كانت قائمة وراء الستر تسمع محاورتهم. وقال ابن إسحاق : قائمة تصلي. وقال المبرد : قائمة عن الولد. قال الزمخشري : وفي مصحف عبد الله وامرأته قائمة وهو قاعد. وقال ابن عطية : وفي قراءة ابن مسعود : وهي قائمة وهو جالس. ولم يتقدّم ذكر امرأة ابراهيم فيضمر ، لكنه يفسره سياق الكلام.

قال مجاهد وعكرمة : فضحكت حاضت. قال الجمهور : هو الضحك المعروف. فقيل : هو مجاز معبر به عن طلاقة الوجه وسروره بنجاة أخيها وهلاك قومه ، يقال : أتيت على روضة تضحك أي مشرقة. وقيل : هو حقيقة. فقال مقاتل : وروي عن ابن عباس ضحكت من شدّة خوف إبراهيم وهو في أهله وغلمانه. والذين جاؤوه ثلاثة ، وهي تعهده يغلب الأربعين ، وقيل : المائة. وقال قتادة : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم. وقال السدي : ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل وقالت : عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا ، وهم لا يأكلون طعامنا. وقال وهب بن منبه : وروي عن ابن عباس : ضحكت من البشارة بإسحاق ، وقال : هذا مقدم بمعنى التأخير. وذكر ابن الأنباري أنّ ضحكها كان سرورا بصدق ظنها ، لأنها كانت تقول لابراهيم : اضمم إليك ابن أخيك لوطا وكان أخاها ، فإنه سينزل العذاب بقومه. وقيل : ضحكت لما رأت من المعجز ، وهو أنّ الملائكة مسحت العجل الحنيذ فقام حيا يطفر ، والذي يظهر والله أعلم أنهم لما لم يأكلوا ،

__________________

(١) سورة الانفطار : ٨٢ / ١٢.

١٨١

وأوجس في نفسه خيفة بعد ما نكر حالهم ، لحق المرأة من ذلك أعظم ما لحق الرجل. فلما قالوا : لا تخف ، وذكروا سبب مجيئهم زال عنه الخوف وسرّ ، فلحقها هي من السرور ان ضحكت ، إذ النساء في باب الفرح والسرور أطرب من الرجال وغالب عليهن ذلك. وقد أشار الزمخشري إلى طرف من هذا فقال : فضحكت سرورا بزوال الخيفة. وذكر محمد بن قيس سببا لضحكها تركنا ذكره لفظاعته ، يوقف عليه في تفسير ابن عطية. وقرأ محمد بن زياد الأعرابي رجل من قراء مكة : فضحكت بفتح الحاء. قال المهدوي : وفتح الحاء غير معروف ، فبشرناها هذا موافق لقوله تعالى : ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى ، والمعنى : فبشرناها على لسان رسلنا بشرتها الملائكة بإسحاق ، وبأن إسحاق سيلد يعقوب. قال ابن عطية : أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم الله تعالى ، إذ كان ذلك بأمره ووحيه. وقال غيره : لما ولد لابراهيم إسماعيل عليهما‌السلام من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن ، وأيست لكبر سنها ، فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا ، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها. وإنما بشروها دونه ، لأنّ المرأة أعجل فرحا بالولد ، ولأن إبراهيم قد بشروه وأمنوه من خوفه ، فأتبعوا بشارته ببشارتها. وقيل : خصت بالبشارة حيث لم يكن لها ولد ، وكان لإبراهيم عليه‌السلام ولده إسماعيل.

والظاهر أن وراء هنا ظرف استعمل اسما غير ظرف بدخول من عليه كأنه قيل : ومن بعد إسحاق ، أو من خلف إسحاق ، وبمعنى بعد ، روي عن ابن عباس واختاره مقاتل وابن قتيبة ، وعن ابن عباس أيضا : أن الوراء ولد الولد ، وبه قال الشعبي ، واختاره أبو عبيدة.

وتسميته وراء هي قريبة من معنى وراء الظرف ، إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده. فإن قيل : كيف يكون يعقوب وراء لإسحاق وهو ولده لصلبه ، وإنما الوراء ولد الولد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال : المعنى ومن الوراء المنسوب إلى إسحاق يعقوب ، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق ، فلو قال : ومن الوراء يعقوب ، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق أم إلى إسماعيل ، فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس انتهى. وبشرت من بين أولاد إسحاق بيعقوب ، لأنها رأته ولم تر غيره ، وهذه البشارة لسارة كانت وهي بنت تسع وتسعين سنة ، وابراهيم ابن مائة سنة. وقيل : كان بينهما غير ذلك ، وهي أقوال متناقضة.

وهذه الآية تدل على أنّ إسماعيل هو الذبيح ، لأن سارة حين أخدمها الملك الجبار هاجر أم إسماعيل كانت شابة جميلة ، فاتخذ إبراهيم هاجر سرية ، فغارت منها سارة ،

١٨٢

فخرج بها وبابنها إسماعيل من الشام على البراق ، وجاء من يومه مكة ، وانصرف إلى الشام من يومه ، ثم كانت البشارة بإسحاق وسارة عجوز محالة. وسيأتي الدليل على ذلك أيضا من سورة والصافات. ويجوز أن يكون الله سماها حالة البشارة بهذين الاسمين ، ويجوز أن يكون الاسمان حدثا لها وقت الولادة ، وتكون البشارة بولد ذكر بعده ولد ذكر ، وحالة الإخبار عن البشارة ذكرا باسمهما كما يقول المخبر : إذا بشر في النوم بولد ذكر فولد له ولد ذكر فسماه مثلا عبد الله : بشرت بعبد الله. وقرأ الحرميان ، والنحويان ، وأبو بكر يعقوب : بالرفع على الابتداء ومن وراء الخبر كأنه قيل : ومن وراء إسحاق يعقوب كائن ، وقدره الزمخشري مولود أو موجود. قال النحاس : والجملة حال داخلة في البشارة أي : فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب. وأجاز أبو علي أن يرتفع بالجار والمجرور ، كما أجازه الأخفش أي : واستقرّ لها من وراء إسحاق يعقوب. وقالت فرقة : رفعه على القطع بمعنى ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب. وقال النحاس : ويجوز أن يكون فاعلا بإضمار فعل تقديره : ويحدث من وراء إسحاق يعقوب. قال ابن عطية : وعلى هذا لا تدخل البشارة انتهى. ولا حاجة إلى تكلف القطع والعدول عن الظاهر المقتضى للدخول في البشارة.

وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، وزيد بن علي : يعقوب بالنصب. قال الزمخشري : كأنه قيل ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله : ليسوا مصلحين عشيرة ، ولا ناعب ، انتهى. يعني أنه عطف على التوهم ، والعطف على التوهم لا ينقاس ، والأظهر أن ينتصب يعقوب بإضمار فعل تقديره : ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب ، ودل عليه قوله : فبشرناها ، لأن البشارة في معنى الهبة ، ورجح هذا الوجه أبو علي ومن ذهب إلى أنه مجرور معطوف على لفظ بإسحاق ، أو على موضعه. فقوله ضعيف ، لأنه لا يجوز الفصل بالظرف أو المجرور بين حرف العطف ومعطوفه المجرور ، لا يجوز مررت بزيد اليوم وأمس عمرو ، فإن جاء ففي شعر. فإن كان المعطوف منصوبا أو مرفوعا ، ففي جواز ذلك خلاف نحو : قام زيد واليوم عمرو ، وضربت زيدا واليوم عمرا والظهر أن الألف في يا ويلتا بدل من ياء الإضافة نحو : يا لهفا ويا عجبا ، وأمال الألف من يا ويلتا عاصم وأبو عمرو والأعشى ، إذ هي بدل من الياء. وقرأ الحسن : يا ويلتي بالياء على الأصل. وقيل : الألف ألف الندبة ، ويوقف عليها بالهاء. وأصل الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة مكروه يدهم النفس ، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس. ويا ويلتا كلمة تخف على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه ، واستفهمت بقولها أألد استفهام إنكار وتعجب ،

١٨٣

وأنا عجوز وما بعده جملتا حال ، وانتصب شيخا على الحال عند البصريين ، وخبر التقريب عند الكوفيين. ولا يستغنى عن هذه الحال إذا كان الخبر معروفا عند المخاطب ، لأنّ الفائدة إنما تقع بهذه الحال ، أما إذا كان مجهولا عنده فأردت أن تفيد المخاطب ما كان يجهله ، فتجيء الحال على بابها مستغنى عنها.

وقرأ ابن مسعود وهو في مصحفه والأعمش ، شيخ بالرفع. وجوزوا فيه. وفي بعلي أن يكونا خبرين كقولهم : هذا حلو حامض ، وأن يكونن بعلى الخبر ، وشيخ خبر مبتدأ محذوف ، أو بدل من بعلي ، وأن يكون بعلي بدلا أو عطف بيان ، وشيخ الخبر. والإشارة بهذا إلى الولادة أو البشارة بها تعجبت من حدوث ولد بين شيخين هرمين ، واستغربت ذلك من حيث العادة ، لا إنكارا لقدرة الله تعالى. قالوا : أي الملائكة أتعجبين؟ استفهام إنكار لعجبها.

قال الزمخشري : لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادة ، فكان عليها أن تتوفر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء في غير بيت النبوة ، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب. وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، أرادوا أنّ هذه وأمثالها مما يكرمكم رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوّة؟ فليست بمكان عجيب ، وأمر الله قدرته وحكمته. وقوله : رحمة الله وبركاته عليكم كلام مستأنف علل به إنكار التعجب ، كأنه قيل : إياك والتعجب ، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم. وقيل : الرحمة النبوة ، والبركات الأسباط من بني إسرائيل ، لأن الأنبياء منهم ، وكلهم من ولد إبراهيم انتهى. وقيل : رحمته تحيته ، وبركاته فواضل خيره بالخلة والإمامة. وروي أن سارة قالت لجبريل عليه‌السلام : ما آية ذلك؟ فأخذ عودا يابسا فلواه بين أصابعه ، فاهتز أخضر ، فسكن روعها وزال عجبها. وهذه الجملة المستأنفة يحتمل أن تكون خبرا وهو الأظهر ، لأنه يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم ، ويحتمل أن يكون دعاء وهو مرجوح ، لأن الدعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. وأهل منصوب على النداء ، أو على الاختصاص ، وبين النصب على المدح والنصب على الاختصاص فرق ، ولذلك جعلهما سيبويه في بابين وهو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح ، كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم ، والمنصوب على الاختصاص لا يكون إلا لمدح أو ذم ، لكن لفظه لا يتضمن بوضعه المدح ولا الذم كقوله : بنا تميما يكشف الضباب. وقوله : ولا الحجاج عيني بنت ماء. وخطاب الملائكة إياها بقولهم : أهل البيت ، دليل على اندراج الزوجة في أهل البيت ، وقد دل على ذلك أيضا في

١٨٤

سورة الأحزاب خلافا للشيعة إذ لا يعدون الزوجة من أهل بيت زوجها ، والبيت يراد به بيت السكنى. إنه حميد : وقال أبو الهيثم تحمد أفعاله وهو بمعنى المحمود. وقال الزمخشري : فاعل ما يستوجب من عباده ، مجيد كريم كثير الإحسان إليهم.

(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ. يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) : الروع الخيفة التي كان أوجسها في نفسه حين نكر أضيافه ، والمعنى : اطمأن قلبه بعلمه أنّهم ملائكة. والبشرى تبشيره بالولد ، أو بأنّ المراد بمجيئهم غيره. وجواب لما محذوف كما حذف في قوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) (١) وتقديره : اجترأ على الخطاب إذ فطن للمجادلة ، أو قال : كيت وكيت. ودل على ذلك الجملة المستأنفة وهي يجادلنا ، قال معناه الزمخشري. وقيل : الجواب يجادلنا وضع المضارع موضع الماضي ، أي جادلنا. وجاز ذلك لوضوح المعنى ، وهذا أقرب الأقوال. وقيل : يجادلنا حال من إبراهيم ، وجاءته حال أيضا ، أو من ضمير في جاءته. وجواب لما محذوف تقديره : قلنا يا إبراهيم أعرض عن هذا ، واختار هذا التوجيه أبو علي. وقيل : الجواب محذوف تقديره : ظل أو أخذ يجادلنا ، فحذف اختصارا لدلالة ظاهر الكلام عليه. والمجادلة قيل : هي سؤاله العذاب واقع بهم لا محالة ، أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة. وقيل : تكلما على سبيل الشفاعة ، والمعنى : تجادل رسلنا. وعن حذيفة انهم لما قالوا له : إنا مهلكوا أهل هذه القرية قال : أرأيتم ان كان فيها خمسون من المسلمين ، أتهكلونها؟ قالوا : لا ، قال : فأربعون؟ قالوا : لا. قال : فثلاثون؟ قالوا : لا ، قال : فعشرون؟ قالوا : لا. قال : فإن كان فيهم عشرة أو خمسة شك الراوي؟ قالوا : لا. قال : أرأيتم إن كان فيها رجل واحد من المسلمين أتهلكونها؟ قالوا : لا ، فعند ذلك قال : إنّ فيها لوطا ، قالوا : نحن أعلم بمن فيها ، لننجينه وأهله. وكان ذلك من إبراهيم حرصا على إيمان قوم لوط ونجاتهم ، وكان في القرية أربعة آلاف ألف إنسان. وتقدم تفسير حليم وأواه ومنيب. يا إبراهيم أي : قالت الملائكة ، والاشارة بهذا إلى الجدال والمحاورة في شيء مفروغ منه ، والأمر ما قضاه وحكم به من عذابه الواقع بهم لا محالة. ولا مرد له بجدال ، ولا دعاء ، ولا غير ذلك. وقرأ عمرو بن هرم : وإنهم أتاهم بلفظ الماضي ، وعذاب فاعل به عبر بالماضي عن المضارع لتحقق وقوعه كقوله (أَتى أَمْرُ اللهِ) (٢).

__________________

(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٥.

(٢) سورة النحل : ١٦ / ١.

١٨٥

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ. قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ. قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) : خرجت الملائكة من قرية إبراهيم إلى قرية لوط وبينهما قيل : ثمانية أميال. وقيل : أربعة فراسخ ، فأتوها عشاء. وقيل : نصف النهار ، ووجدوا لوطا في حرث له. وقيل : وجدوا ابنته تستقي ماء في نهر سدوم ، وهي أكبر حواضر قوم لوط ، فسألوها الدلالة على من يضيفهم ، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط وقالت لهم : مكانكم ، وذهبت إلى أبيها فأخبرته ، فخرج إليهم فقالوا : إنّا نريد أن تضيفنا الليلة فقال لهم : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم؟ فقالوا : وما عملهم؟ فقال : أشهد بالله انهم شر قوم في الأرض. وقد كان الله قال للملائكة : لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فلما قال هذه قال جبريل : هذه واحدة ، وتردد القول منهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ، ثم دخل لوط المدينة فحينئذ سيء بهم أي : لحقه سوء بسببهم ، وضاق ذرعه بهم ، وقال : هذا يوم عصيب أي شديد ، لما كان يتخوفه من تعدى قومه على أضيافه. وجاءه قومه يهرعون إليه ، لما جاء لوط بضيفه لم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيته ، فخرجت امرأته حتى أتت مجالس قومها فقالت : إن لوطا قد أضاف الليلة فتية ما رؤي مثلهم جمالا وكذا وكذا ، فحينئذ جاؤوا يهرعون أي : يسرعون ، كما يدفعون دفعا فعل الطامع الخائف فوت ما يطلبه. وقرأ الجمهور : يهرعون مبنيا للمفعول من أهرع أي يهرعهم الطمع. وقرأت فرقة : يهرعون بفتح الياء من هرع. وقال مهلهل :

فجاؤوا يهرعون وهم أسارى

يقودهم على رغم الأنوف

ومن قبل كانوا يعملون السيئات أي : كان ذلك ديدنهم وعادتهم ، أصروا على ذلك ومرنوا عليه ، فليس ذلك بأول إنشاء هذه المعصية ، جاؤا يهرعون لا يكفهم حياء لضراوتهم عليها ، والتقدير في ومن قبل أي : من قبل مجيئهم إلى هؤلاء الأضياف وطلبهم إياهم. وقيل : ومن قبل بعث لوط رسولا إليهم. وجمعت السيئات وإن كان المراد بها معصية إتيان الذكور ، إما باعتبار فاعليها ، أو باعتبار تكررها. وقيل : كانت سيآت كثيرة باختلاف أنواعها ، منها إتيان الذكور ، وإتيان النساء في غير المأتى ، وحذف الحصا ، والحيق في المجالس والأسواق ، والمكاء ، والصفير ، واللعب بالحمام ، والقمار ، والاستهزاء بالناس في

١٨٦

الطرقات ، ووضع درهم على الأرض وهم بعيدون منه فمن أخذه صاحوا عليه وخجلوه ، وإن أخذه صبي تابعوه وراودوه. هؤلاء بناتي : الأحسن أن تكون الإضافة مجازية ، أي : بنات قومي ، أي البنات أطهر لكم ، إذ النبي يتنزل منزلة الأب لقومه. وفي قراءة ابن مسعود : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) (١) وهو أب لهم ويدل عليه أنّه فيما قيل : لم يكن له الابنتان ، وهذا بلفظ الجمع. وأيضا فلا يمكن أن يزوج ابنتيه من جميع قومه. وقيل : أشار إلى بنات نفسه وندبهم إلى النكاح ، إذ كان من سنتهم تزويج المؤمنة بالكافر. أو على أنّ في ضمن كلامه أن يؤمنوا. وقيل : كان لهم سيدان مطاعان فاراد أن يزوجهما ابنتيه زغورا وزيتا. وقيل : كنّ ثلاثا.

ومعنى أطهر : أنظف فعلا. وقيل : أحل وأطهر بيتا ليس أفعل التفضيل ، إذ لا طهارة في إتيان الذكور. وقرأ الجمهور : أطهر بالرفع والأحسن في الإعراب أنّ يكون جملتان كل منهما مبتدأ وخبر. وجوز في بناتي أن يكون بدلا ، أو عطف بيان ، وهن فصل وأطهر الخبر. وقرأ الحسن ، وزيد بن علي ، وعيسى بن عمر ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن مروان السدي : أطهر بالنصب. وقال سيبويه : هو لحن. وقال أبو عمرو بن العلاء : احتبى فيه ابن مروان في لحنه يعني : تربع. ورويت هذه القراءة عن مروان بن الحكم ، وخرجت هذه القراءة على أنّ نصب أطهر على الحال. فقيل : هؤلاء مبتدا ، وبناتي هنّ مبتدأ وخبر في موضع خبر هؤلاء ، وروي هذا عن المبرد. وقيل : هؤلاء بناتي مبتدأ وخبر ، وهن مبتدأ ولكم خبره ، والعامل قيل : المضمر. وقيل : لكم بما فيه من معنى الاستقرار. وقيل : هؤلاء بناتي مبتدأ وخبر ، وهن فصل ، وأطهر حال. ورد بأنّ الفصل لا يقع إلا بين جزءي الجملة ، ولا يقع بين الحال وذي الحال. وقد أجاز ذلك بعضهم وادعى السماع فيه عن العرب ، لكنه قليل. ثم أمرهم بتقوى الله في أن يؤثروا البنات على الأضياف. ولا تخزون : يحتمل أن يكون من الخزي وهو الفضيحة ، أو من الخزاية وهو الاستحياء ، لأنّه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزي هو ، وذلك من عراقة الكرم وأصل المروءة. أليس منكم رجل يهتدي إلى سبيل الحق وفعل الجميل ، والكف عن السوء؟ وفي ذلك توبيخ عظيم لهم ، حيث لم يكن منهم رشيد البتة. قال ابن عباس : رشيد مؤمن. وقال أبو مالك : ناه عن المنكر. ورشيد ذو رشد ، أو مرشد كالحكيم بمعنى المحكم ، والظاهر أنّ معنى من حق من نصيب ، ولا من

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦.

١٨٧

غرض ولا من شهوة ، قالوا له ذلك على وجه الخلاعة. وقيل : من حق ، لأنك لا ترى منا كحتنا ، لأنّهم كانوا خطبوا بناته فردهم ، وكانت سنتهم أنّ من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا. وقيل : لما اتخذوا إتيان الذكران مذهبا كان عندهم أنّه هو الحق ، وإن نكاح الإناث من الباطل. وقيل : لأنّ عادتهم كانت أن لا يتزوج الرجل منهم إلا واحدة ، وكانوا كلهم متزوجين. وإنك لتعلم ما نريد يعني : من إتيان الذكور ، وما لهم فيه من الشهوة. قال : لو أنّ لي بكم قوة ، قال ذلك على سبيل التفجع. وجواب لو محذوف كما حذف في : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (١) وتقديره : لفعلت بكم وصنعت. والمعنى في إلى ركن شديد : من يستند إليه ويمتنع به من عشيرته ، شبه الذي يمتنع به بالركن من الجبل في شدته ومنعته ، وكأنه امتنع عليه أن ينتصر ويمتنع بنفسه أو بغيره مما يمكن أن يستند إليه. وقال الحوفي ، وأبو البقاء : أو آوى عطف على المعنى تقديره : أو أني آوي. والظاهر أن أو عطف جملة فعلية على جملة فعلية إن قدرت إني في موضع رفع على الفاعلية على ما ذهب إليه المبرد أي : لو ثبت أن لي بكم قوة ، أو آوى. ويكون المضارع المقدر وآوى هذا وقعا موقع الماضي ، ولو التي هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره نقلت المضارع إلى الماضي ، وإن قدرت أن وما بعدها جملة اسمية على مذهب سيبويه فهي عطف عليها من حيث أنّ لو تأتي بعدها الجملة المقدرة اسمية إذا كان الذي ينسبك إليها أنّ ومعمولاها. وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون أو آوى مستأنفا انتهى. ويجوز على رأي الكوفيين أن تكون أو بمعنى بل ، ويكون قد أضرب عن الجملة السابقة وقال : بل آوى في حالي معكم إلى ركن شديد ، وكنى به عن جناب الله تعالى. وقرأ شيبة ، وأبو جعفر : أو آوي بنصب الياء بإضمار أن بعد ، أو فتتقدر بالمصدر عطفا على قوله : قوة. ونظيره من النصب بإضمار أن بعد أو قول الشاعر :

ولو لا رجال من رزام أعزة

وآل سبيع أو يسوؤك علقما

أي أو ومساءتك علقما.

(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما

__________________

(١) سورة الرعد : ١٣ / ٣١.

١٨٨

هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) : روي أن لوطا عليه‌السلام غلبوه ، وهموا بكسر الباب وهو يمسكه قال له الرسل : تنح عن الباب فتنحى ، وانفتح الباب فضربهم جبريل عليه‌السلام بجناحه ، فطمس أعينهم وعموا ، وانصرفوا على أعقابهم يقولون : النجاة النجاة ، فعند لوط قوم سحرة وتوعدوا لوطا ، فحينئذ قالوا له : إنا رسل ربك. وروي أن جبريل نقب من خصاص الباب ، ورمى في أعينهم فعموا. وقيل : أخذ قبضة من تراب وأذراها في وجوههم ، فأوصل إلى عين من بعد ومن قرب من ذلك التراب ، فطمست أعينهم فلم يعرفوا طريقا ولم يهتدوا إلى بيوتهم. وقيل : كسروا بابه وتهجموا عليه ، ففعل بهم جبريل ما فعل. والجملة من قوله : لن يصلوا إليك ، موضحة للذي قبلها لأنهم إذا كانوا رسل الله لن يصلوا إليه ، ولم يقدروا على ضرره ، ثم أمروه بأن يسري بأهله. وقرأ الحرميان : فاسر ، وان أسر بوصل الألف من سرى ، وباقي السبعة بقطعها ، وأهله ابنتاه ، وطائفة يسيرة من المؤمنين بقطع من الليل. قال ابن عباس : بطائفة من الليل ، وقال الضحاك : ببقية من آخره ، وقال قتادة : بعد مضي صدر منه ، وقال ابن الأعرابي : أي ساعة من الليل ، وقيل : بظلمة ، وقيل : إنه نصف ، وقيل : إنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين. وقال الشاعر :

ونائحة تنوح بقطع ليل

على رجل بقارعة الصعيد

وقال محمد بن زياد : السحر ، لقوله : نجيناهم بسحر. قال ابن عطية : ويحتمل أنه أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوز البلد المقتلع ، ووقعت نجاته بسحر. فتجتمع هذه الآية مع قوله (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) (١) انتهى.

وقال ابن الأنباري : القطع بمعنى القطعة ، مختص بالليل ، ولا يقال عندي قطع من الثوب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : إلا امرأتك بالرفع ، وباقي السبعة بالنصب. فوجه النصب على أنه استثناء من قوله بأهلك ، إذ قبله أمر ، والأمر عندهم كالواجب. ويتعين النصب على الاستثناء من أهلك في قراءة عبد الله ، إذ سقط في قراءته وفي مصحفه : ولا يلتفت منكم أحد. وجوزوا أن يكون منصوبا على الاستثناء من أحد وإن كان قبله نهى ، والنهي كالنفي على أصل الاستثناء ، كقراءة ابن عامر : ما فعلوه إلا قليلا منهم بالنصب ، وإن كان قبله نفي. ووجه الرفع على أنه بدل من أحد ، وهو استثناء متصل. وقال أبو عبيد : لو كان الكلام ولا يلتفت برفع الفعل ، ولكنه نهى. فإذا استثنيت المرأة من أحد وجب أن تكون المرأة أبيح

__________________

(١) سورة القمر : ٥٤ / ٣٤.

١٨٩

لها الالتفات ، فيفيد معنى الآية يعني أنّ التقدير يصير إلا امرأتك ، فإنها لم تنه عن الالتفات. قال ابن عطية : وهذا الاعتراض حسن يلزم أنّ الاستثناء من أحد رفعت التاء أو نصبت ، والانفصال عنه يترتب بكلام محكي عن المبرد وهو أنّ النهي إنما قصد به لوط وحده ، والالتفات منفي عنهم ، فالمعنى : أن لا تدع أحدا منهم يلتفت. وهذا كما تقول لرجل : لا يقم من هؤلاء أحد ، وأولئك لم يسمعوك ، فالمعنى : لا تدع من هؤلاء يقوم ، والقيام في المعنى منفى عن المشار إليهم.

وقال الزمخشري : وفي إخراجها مع أهله روايتان : روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي ، فلما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت : وا قوماه ، فأدركها حجر فقتلها. وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها ، وأن هواها إليهم ، ولم يسر بها. واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين انتهى. وهذا وهم فاحش إذ بنى القراءتين على اختلاف الروايتين من أنه سرى بها ، أو أنه لم يسر بها ، وهذا تكاذب في الأخبار يستحيل أن تكون القراءتان وهما من كلام الله تترتبان على التكاذب. وقيل في الاستثناء من الأهل إشكال من جهة المعنى ، إذ يلزم أن لا يكون سري بها ، ولما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا ، وزال هذا الإشكال أن يكون لم يسر بها ، ولكنها لما تبعتهم التفتت. وقيل : الذي يظهر أن الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع ، لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ، ولا من المنهيين عن الالتفات ، ولكن استؤنف الإخبار عنها ، فالمعنى : لكن امرأتك يجري لها كذا وكذا. ويؤيد هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر ، وليس فيها استثناء البتة قال تعالى : فاسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون ، فلم تقع العناية في ذلك إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى. فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم ، وإذا اتضح هذا المعنى علم أن القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع ، ففيه النصب والرفع. فالنصب لغة أهل الحجاز وعليه الأكثر ، والرفع لبني تميم وعليه اثنان من القرّاء انتهى. وهذا الذي طول به لا تحقيق فيه ، فإنه إذا لم يقصد إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات ، وجعل استثناء منقطعا كان الاستثناء المنقطع الذي لم يتوجه عليه العامل بحال ، وهذا النوع من الاستثناء المنقطع يجب فيه النصب بإجماع من العرب ، وليس فيه النصب والرفع باعتبار اللغتين ، وإنما هذا في الاستثناء المنقطع ، وهو الذي يمكن توجه العامل عليه. وفي كلا النوعين يكون ما بعد إلا من غير الجنس المستثنى منه ،

١٩٠

فكونه جاز فيه اللغتان دليل على أنه مما يمكن أن يتوجه عليه العامل ، وهو قد فرض أنه لم يقصد بالاستثناء إخراجها عن المأمور بالإسراء بهم ، ولا من المنهيين عن الالتفات ، فكان يجب فيه إذ ذاك النصب قولا واحدا. والظاهر أن قوله : ولا يلتفت ، من التفات البصر. وقالت فرقة : من لفت الشيء يلفته إذا ثناه ولواه ، فمعناه : ولا يتثبط. وفي كتاب الزهراوي أنّ المعنى : ولا يلتفت أحد إلى ما خلف بل يخرج مسرعا. والضمير في أنه ضمير الشأن ، ومصيبها مبتدأ ، وما أصابهم الخبر. ويجوز على مذهب الكوفيين أن يكون مصيبها خبر إن ، وما أصابهم فاعل به ، لأنهم يجيزون أنه قائم أخواك. ومذهب البصريين أنّ ضمير الشان لا يكون خبره إلا جملة مصرحا بجزأيها ، فلا يجوز هذا الإعراب عندهم.

وقرأ عيسى بن عمر : الصبح بضم الباء. قيل : وهي لغة ، فلا يكون ذلك اتباعا وهو على حذف مضاف أي : إنّ موعد هلاكهم الصبح. ويروى أن لوطا عليه‌السلام قال : أريد أسرع من ذلك ، فقالت له الملائكة : أليس الصبح بقريب؟ وجعل الصبح ميقاتا لهلاكهم ، لأنّ النفوس فيه أودع ، والراحة فيه أجمع. ويروى أن لوطا خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر ، وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا ، ووصل إلى إبراهيم عليهما‌السلام. والضمير في عاليها عائد على مدائن قوم لوط ، جعل جبريل جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء ، حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ، ثم قلبها عليهم ، وأتبعوا الحجارة من فوقهم وهي المؤتفكات سبع مدائن. وقيل : خمس عدّها المفسرون ، وفي ضبطها إشكال ، فأهملت ذكرها. وسدوم هي القرية العظمى ، وأمطرنا عليها أي على أهلها. وروي أن الحجارة أصابت منهم من كان خارج مدنهم حتى قتلتهم أجمعين ، وأنّ رجلا كان في الحرم فبقي الحجر معلقا في الهواء حتى خرج من الحرم فقتله الحجر. قال أبو العالية ، وابن زيد : السجيل اسم لسماء الدنيا ، وهذا ضعيف لوصفه بمنضود ، وتقدم شرحه في المفردات. وقيل : من أسجله إذا أرسله ، وقيل : مما كتب الله أن يعذب به من السجل ، وسجل لفلان. ومعنى هذه اللفظة : ماء وطين ، هذا قول : ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، وعكرمة ، والسدّي ، وغيرهم. وذهبوا إلى أنّ الحجارة التي رموا بها كانت كالآجر المطبوخ. وقيل : حجر مخلوط بطين أي حجر وطين ، ويمكن أن يعود هذا إلى الآجر. وقال أبو عبيدة : الشديد من الحجارة الصلب ، مسومة عليها سيما يعلم بها أنها ليست من حجارة الأرض قاله : ابن جريج. وقال عكرمة وقتادة : إنه كان فيها بياض. وقيل : مكتوب على كل حجر اسم من رمى به ، قاله الربيع. وعن ابن عباس ، والحسن : بياض في

١٩١

حمرة. وعن ابن عباس أيضا : الحجر أبيض فيه نقطة سوداء ، وأسود فيه نقطة بيضاء. وعن عكرمة وقتادة أيضا : فيها خطوط حمر على هيئة الجزع. وقيل : وكانت مثل رؤوس الإبل ، ومثل مبارك الإبل. وقيل : قبضة الرجل. قال ابن عباس ومقاتل : معنى من عند ربك ، جاءت من عند ربك. وقيل : معدة عند ربك قاله : أبو بكر الهذلي. وقال ابن الأنباري : المعنى لزم هذا التسويم الحجارة عند الله إيذانا بنفاذ قدرته وشدة عذابه. والظاهر أن ضمير هي عائد على القرى التي جعل الله أعاليها أسافلها ، والمعنى : أنّ ذوات هذه المدن كانت بين المدينة والشام ، يمرّ عليها قريش في مسيرهم ، فالنظر إليها وفيها فيه اعتبار واتعاظ. وقيل : هي عائدة على الحجارة ، وهي أقرب مذكور. وقال ابن عباس : وما عقوبتهم ممن يعمل عملهم ببعيد ، والظاهر عموم الظالمين. وقيل : عنى به قريش. وفي الحديث : «إنه سيكون في أمتي خسف ومسخ وقذف بالحجارة» وقيل : مشركو العرب. وقيل : قوم لوط أي : لم تكن الحجارة تخطئهم. وفي الحديث : «سيكون في أواخر أمتي قوم يكتفي رجالهم بالرجال والنساء بالنساء فإذا كان كذلك فارتقبوا عذاب قوم لوط أن يرسل الله عليهم حجارة من سجيل ثم تلا وما هي من الظالمين ببعيد» وإذا كان الضمير في قوله : وما هي ، عائد على الحجارة ، فيحتمل أن يراد بشيء بعيد ، ويحتمل أن يراد بمكان بعيد ، لأنها وإن كانت في السماء وهي مكان بعيد ، إلا أنها إذا هويت منها فهي أسرع شيء لحوقا بالمرمى ، فكأنها بمكان قريب منه.

وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما

١٩٢

تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ

١٩٣

وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)

الرهط : قال ابن عطية جماعة الرجل ، وقيل : الرهط والراهط اسم لما دون العشرة من الرجال ، ولا يقع الرهط والعصبة والنفر إلا على الرجال. وقال الزمخشري : من الثلاثة إلى العشرة. وقيل : إلى التسعة ، ويجمع على أرهط ، ويجمع أرهط على أراهط ، فهو جمع جمع. قال الرماني : وأصل الرهط الشد ، ومنه الرهيط شدة الأكل ، والراهط اسم لجحر اليربوع لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده.

الورد قال ابن السكيت : هو ورود القوم الماء ، والورد الإبل الواردة انتهى. فيكون مصدرا بمعنى الورود ، واسم مفعول في المعنى كالطحن بمعنى المطحون.

رفد الرجل يرفده رفدا ورفدا أعطاه وأعانه ، من رفد الحائط دعمه ، وعن الأصمعي الرفد بالفتح القدح ، والرفد بالكسر ما في القدح من الشراب. وقال الليث : أصل الرفد العطاء والمعونة ، ومنه رفادة قريش يقال رفده يرفده رفدا ورفدا بكسر الراء وفتحها ، ويقال بالكسر الاسم وبالفتح المصدر. التتبيب التخسير ، تب خسر ، وتبه خسره. وقال لبيد :

ولقد بليت وكل صاحب جدة

يبلى بعود وذاكم التتبيب

الزفير والشهيق : زعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أنّ الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار ، والشهيق بمنزلة آخر نهيقه. وقال رؤبة :

حشرج في الصدر صهيلا وشهق

حتى يقال ناهق وما نهق

وقال ابن فارس : الشهيق ضد الزفير ، لأن الشهيق رد النفس ، والزفير إخراج النفس من شدة الجري ، مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر لشدته. وقال الشماخ :

بعيد مدى التطريب أول صوته

زفير ويتلوه شهيق محشرج

والشهيق النفس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم : جبل شاهق أي طويل. وقال الليث : الزفير أن يملأ الرجل صدره حال كونه في الغم الشديد من النفس ويخرجه ، والشهيق أن يخرج ذلك النفس بشدّة يقال : إنه عظيم الزفرة.

الشقاء نكد العيش. وسوؤه. يقال منه : شقي يشقى شقاء وشقوة وشقاوة والسعادة

١٩٤

ضده ، يقال منه : سعد يسعد. ويعديان بالهمزة فيقال : أشقاه الله ، وأسعده الله. وقد قرىء شقوا وسعدوا بضم الشين والسين ، فدل على أنهما قد يتعدّيان. ومنه قولهم مسعود ، وذكر أنّ الفراء حكى أن هذيلا تقول : سعده الله بمعنى أسعده. وقال الجوهري : سعد بالكسر فهو سعيد ، مثل سلم فهو سليم ، وسعد فهو مسعود. وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري : ورد سعده الله فهو مسعود ، وأسعده الله فهو مسعد.

الجذ القطع بالمعجمة والمهملة. قال ابن قتيبة : جذذت وجددت ، وهو بالذال أكثر. قال النابغة :

تجذ السلوقي المضاعف يسجه

وتوقد بالصفاح نار الحباحب

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) : كان قوم شعيب عبدة أوثان ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده. وبالكفر استوجبوا العذاب ، ولم يعذب الله أمة عذاب استئصال إلا بالكفر ، وإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة. قال ابن عباس : بخير أي : في رخص الأسعار وعذاب اليوم المحيط ، هو حلول الغلاء المهلك. وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق» ونبه بقوله بخير على العلة المقتضية للوفاء لا للنقص. وقال غيره : بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف ، أو بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون ، أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه. يوم محيط أي : مهلك من قوله : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) (١) وأصله من إحاطة العدو ، وهو العذاب الذي حل بهم في آخره. ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب به ، لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث ، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه ، كما إذا أحاط بنعيمه. ونهوا أولا : عن القبيح الذي كانوا يتعاطونه وهو نقص المكيال والميزان ، وفي التصريح بالنهي نعي على المنهي وتعيير له. وأمروا ثانيا : بإيفائهما مصرحا بلفظهما ترغيبا في الإيفاء ، وبعثا عليه. وجيء بالقسط ليكون الإيفاء على جهة العدل والتسوية وهو الواجب ، لأنّ ما جاوز العدل فضل وأمر منذوب إليه. ونهوا ثالثا : عن نقص

__________________

(١) سورة الكهف : ١٨ / ٤٢.

١٩٥

الناس أشياءهم ، وهو عام في الناس ، وفيما بأيديهم من الأشياء كانت مما تكال وتوزن أو غير ذلك. ونهوا رابعا : عن الفساد في الأرض وهو أعم من أن يكون نقصا أو غيره ، فبدأهم أولا بالمعصية الشنيعة التي كانوا عليها بعد الأمر بعبادة الله ، ثم ارتقى إلى عام ، ثم إلى أعم منه وذلك مبالغة في النصح لهم ولطف في استدراجهم إلى طاعة الله. وتفسير معاني هذه الجمل سبق في الأعراف. بقية الله قال ابن عباس : ما أبقى الله لكم من الحلال بعد الإيفاء خير من البخس ، وعنه رزق الله. وقال مجاهد والزجاج : طاعة الله. وقال قتادة : حظكم من الله. وقال ابن زيد : رحمة الله. وقال قتادة : ذخيرة الله. وقال الربيع : وصية الله. وقال مقاتل : ثواب الله في الآخرة ، وذكر الفراء : مراقبة الله. وقال الحسن : فرائض الله. وقيل : ما أبقاه الله حلالا لكم ولم يحرمه عليكم. قال ابن عطية : وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية ، وإنما المعنى عندي إبقاء الله عليكم إن أطعتم. وقوله : إن كنتم مؤمنين ، شرط في أن يكون البقية خيرا لهم ، وأما مع الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال. وجواب هذا الشرط متقدم. والحفيظ المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب ، والمعنى : إنما أنا مبلغ ، والحفيظ المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال انتهى. وليس جواب الشرط متقدما كما ذكر ، وإنما الجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه على مذهب جمهور البصريين. وقال الزمخشري : وإنما خوطبوا بترك التطفيف والبخس والفساد في الأرض وهم كفرة بشرط الإيمان ، ويجوز أن يريد ما يبقى لهم عند الله من الطاعات كقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) (١) وإضافة البقية إلى الله من حيث أنها رزقه الذي يجوز أن يضاف إليه ، وأما الحرام فلا يجوز أن يضاف إلى الله ، ولا يسمى رزقا انتهى ، على طريق المعتزلة في الرزق ، وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة : بقية بتخفيف الياء. قال ابن عطية : هي لغة انتهى. وذلك أن قياس فعل اللازم أن يكون على وزن فعل نحو : سجيت المرأة فهي سجية ، فإذا شددت الياء كان على وزن فعيل للمبالغة. وقرأ الحسن : تقية بالتاء ، وهي تقواه ومراقبته الصارفة عن المعاصي.

(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ. قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي

__________________

(١) سورة الكهف : ١٨ / ٤٦.

١٩٦

إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ. وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) : لما أمرهم شعيب بعبادة الله وترك عبادة أوثانهم ، وبإيفاء المكيال والميزان ، ردّوا عليه على سبيل الاستهزاء والهزء بقولهم : أصلاتك ، وكان كثير الصلاة ، وكان إذا صلى تغامزوا وتضاحكوا أن نترك ما يعبد آباؤنا مقابل لقوله : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) (١) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء مقابل لقوله : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) (٢) وكون الصلاة آمرة هو على وجه المجاز ، كما كانت ناهية في قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٣) أو يقال : إنها تأمر بالجميل والمعروف أي : تدعو إليه وتبعث عليه. إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطنز ، وجعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته. والمعنى : فأمرك بتكليفنا أن نترك ، فحذف المضاف لأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره. والظاهر أنه أريد بالصلاة الصلاة المعهودة في تلك الشريعة. وقال الحسن : لم يبعث الله نبيا إلا فرض عليه الصلاة والزكاة. وقيل : أريد قراءتك. وقيل : مساجدك. وقيل : دعواتك. وقرأ ابن وثاب والأخوان وحفص : أصلاتك على التوحيد. وقرأ الجمهور : أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء بالنون فيهما. وقرأ الضحاك بن قيس ، وابن أبي عبلة ، وزيد بن علي : بالتاء فيهما على الخطاب ، ورويت عن أبي عبد الرحمن. وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة : نفعل بالنون ، ما نشاء بالتاء على الخطاب ، ورويت عن ابن عباس. فمن قرأ بالنون فيهما فقوله : أو أن نفعل معطوف على قوله : ما يعبد أي : أن نترك ما يعبد آباؤنا وفعلنا في أموالنا ما نشاء. ومن قرأ بالتاء فيهما أو بالنون فيهما فمعطوف على أن نترك أي : تأمرك بترك ما يعبد آباؤنا ، وفعلك في أموالنا ما تشاء ، أو وفعلنا في أموالنا ما تشاء. وأو للتنويع أي : تأمرك مرة بهذا ، ومرة بهذا. وقيل : بمعنى الواو. والظاهر أنّ الذي كانوا يفعلونه في أموالهم هو بخس الكيل والوزن المقدّم ذكره. وقال محمد بن كعب : قرضهم الدينار والدرهم ، وإجراء ذلك مع الصحيح على جهة التدليس ، وعن ابن المسيب : قطع الدنانير والدراهم من الفساد في الأرض. وقيل : تبديل السكك التي يقصد بها أكل أموال الناس. ومن قرأ بالتاء فيهما أو في نشاء ، والظاهر أنه إيفاء المكيال والميزان. وقال سفيان الثوري : كان يأمرهم بالزكاة. وقوله : إنك لأنت الحليم الرشيد ظاهره أنه إخبار منهم عنه

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٩.

(٢) سورة هود : ١١ / ٨٤.

(٣) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.

١٩٧

بهذين الوصفين الجميلين ، فيحتمل أن يريدوا بذلك الحقيقة أي : أنك للمتصف بهذين الوصفين ، فكيف وقعت في هذا الأمر من مخالفتك دين آبائنا وما كانوا عليه ، ومثلك من يمنعه حلمه ورشده عن ذلك. أو يحتمل أن يريدوا بذلك إنك لأنت الحليم الرشيد بزعمك إذ تأمرنا بما تأمر به. أو يحتمل أن قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والتهكم ، قاله قتادة. والمراد : نسبته إلى الطيش والعي كما تقول للشحيح : لو رآك حاتم لسجد لك ، وقالوا للحبشي : أبو البيضاء. قال : يا قوم أرأيتم إن كنت هذه مراجعة لطيفة واستنزال حسن ، واستدعاء رقيق ، ولذلك قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذلك خطيب الأنبياء» وهذا النوع يسمى استدراج المخاطب عند أرباب علم البيان ، وهو نوع لطيف غريب المغزى يتوصل به إلى بلوغ الغرض ، وقد ورد منه في قصة إبراهيم عليه‌السلام مع أبيه ، وفي قصة نوح وهود وصالح ، وفي قصة مؤمن آل فرعون مع قومه.

قال الزمخشري : (فإن قلت) : أين جواب أرأيتم ، وما له لم يثبت كما ثبت في قصة نوح وصالح؟ (قلت) : جوابه محذوف ، وإنما لم يثبت لأنّ إثباته في الصفتين دل على مكانه ، ومعنى الكلام يناوي عليه ، والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي ، وكنت نبيا على الحقيقة ، أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي ، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك انتهى. وتسمية هذا جوابا لأرأيتم ليس بالمصطلح ، بل هذه الجملة التي قدرها هي في موضع المفعول الثاني لأرأيتم ، لأنّ أرأيتم إذا ضمنت معنى أخبرني تعدت إلى مفعولين ، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية تنعقد منها ومن المفعول الأول في الأصل جملة ابتدائية كقول العرب : أرأيتك زيدا ما صنع. وقال الحوفي : وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه ، والتقدير : فاعدل عن ما أنا عليه من عبادته على هذه الحال. وقال ابن عطية : وجواب الشرط الذي في قوله : إن كنت على بينة من ربي محذوف تقديره : أضل كما ضللتم ، أو أترك تبليغ الرسالة ونحو هذا مما يليق بهذه المحاجة انتهى. وليس قوله : أضل جوابا للشرط ، لأنه إن كان مثبتا فلا يمكن أن يكون جوابا لأنه لا يترتب على الشرط وإن كان استفهاما حذف منه الهمزة ، فهو في موضع المفعول الثاني لأرأيتم ، وجواب الشرط محذوف تدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها. والظاهر في قوله : رزقا حسنا أنه الحلال الطيب من غير بخس ولا تطفيف أدخلتموه أموالكم. قال ابن عباس : الحلال ، وكان شعيب عليه‌السلام كثير المال. وقيل : النبوة. وقيل : العلم. وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه المعنى : لست أريد أن أفعل الشيء

١٩٨

الذي نهيتكم عنه من نقص الكيل والوزن واستأثر بالمال قاله : ابن عطية. وقال قتادة : لم أكن لأنهاكم عن أمر ثم أرتكبه. وقال صاحب الغنيان : ما أريد أن أخالفكم في السرّ إلى ما أنهاكم عنه في العلانية. ويقال : خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مولّ عنه ، وخالفني عنه إذا ولّى عنه وأنت قاصده ، ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فتقول : خالفني إلى الماء ، تريد أنه قد ذهب إليه واردا ، وأنا ذاهب عنه صادرا. والمعنى أنّ أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لاستبد بها دونكم ، فعلى هذا الظاهر أن قوله : أن أخالفكم في موضع المفعول لأريد ، أي وما أريد مخالفتكم ، ويكون خالف بمعنى خلف نحو : جاوز وجاز أي : وما أريد أن أخلفكم أي : أكون خلفا منكم. وتتعلق إلى باخالفكم ، أو بمحذوف أي : مائلا إلى ما أنهاكم عنه ، ولذلك قال بعضهم : فيه حذف يقتضيه إلى تقديره : وأميل إلى ، أو يبقى أن أخالفكم على ظاهر ما يفهم من المخالفة ، ويكون في موضع المفعول به بأريد ، وتقدر : مائلا إلى ، أو يكون أن أخالفكم مفعولا من أجله ، وتتعلق إلى بقوله وما أريد بمعنى ، وما أقصد أي : وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه ، ولذلك قال الزجاج : وما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه. والظاهر أن ما مصدرية ظرفية أي مدة استطاعتي للإصلاح ، وما دمت متمكنا منه لا آلوا فيه جهدا. وأجاز الزمخشري في ما وجوها أحدها : أن يكون بدلا من الإصلاح أي : المقدر الذي استطعته ، أو على حذف مضاف تقديره : إلا الإصلاح إصلاح ما استطعت ، فهذان وجهان في البدل. والثالث : أن يكون مفعولا كقوله :

ضعيف النكاية أعداءه. أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم ، وهذا الثالث ضعيف ، لأن المصدر المعرّف بأل لا يجوز إعماله في المفعول به عند الكوفيين ، وأما البصريون فإعماله عندهم فيه قليل.

وما توفيقي أي لدعائكم إلى عبادة الله وحده ، وترك ما نهاكم عنه إلا بمعونة الله. أو وما توفيقي لأن تكون أفعالي مسددة موافقة لرضا الله إلا بمعونته ، عليه توكلت لا على غيره ، وإليه أنيب أرجع في جميع أقوالي وأفعالي. وفي هذا طلب التأييد من الله تعالى ، وتهديد للكفار وحسم لأطماعهم أن ينالوه بشر. ومعنى لا يجرمنكم : لا يكسبنكم شقاقي ، أي خلافي وعداوتي. قال السدي : كأنه في شق وهم في شق. وقال الحسن : ضراري جعله من المشقة. وقيل : فراقي. وقرأ ابن وثاب والأعمش : بضم الياء من أجرم ، ونسبها الزمخشري إلى ابن كثير ، وجرم في التعدية مثل كسب يتعدى إلى واحد. جرم فلان

١٩٩

الذنب ، وكسب زيد المال ، ويتعدى إلى اثنين جرمت زيدا الذنب ، وكسبت زيدا المال. وبالألف يتعدى إلى اثنين أيضا ، أجرم زيد عمرا الذنب ، وأكسبت زيدا المال ، وتقدم الكلام في جرم في العقود. وقرأ مجاهد ، والجحدري ، وابن أبي إسحاق ، ورويت عن نافع : مثل بفتح اللام ، وخرج على وجهين : أحدهما : أن تكون الفتحة فتحة بناء ، وهو فاعل كحاله حين كان مرفوعا ، ولما أضيف إلى غير متمكن جاز فيه البناء ، كقراءة من قرأ أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون. والثاني : أن تكون الفتحة فتحة إعراب ، وانتصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي : إصابة مثل إصابة قوم نوح. والفاعل مضمر يفسره سياق الكلام أي : ان يصيبكم هو أي العذاب. وما قوم لوط منكم ببعيد ، إما في الزمان لقرب عهد هلاكهم من عهدكم ، إذ هم أقرب الهالكين ، وإما في الكفر والمعاصي وما يستحق به الهلاك. وأجرى بعيدا على قوم إما باعتبار الزمان أو المكان ، أي : بزمان بعيد ، أو بمكان بعيد. أو باعتبار موصوف غيرهما أي : بشيء بعيد ، أو باعتبار مضاف إلى قوم أي : وما إهلاك قوم لوط. ويجوز أن يسوى في قريب وبعيد وكثير وقليل بين المفرد والجمع ، وبين المذكر والمؤنث ، كما قالوا : هو صديق ، وهم صديق ، وهي صديق ، وهن صديق. وودود بناء مبالغة من ودّ الشيء أحبه وآثره ، وهو على فعل. وسمع الكسائي : وددت بفتح العين ، والمصدر ود ووداد وودادة. وقال بعض أهل اللغة : يجوز أن يكون ودود فعول بمعنى مفعول. وقال المفسرون : ودود متحبب إلى عباده بالإحسان إليهم. وقيل : محبوب المؤمنين ورحمته لعباده ، ومحبته لهم سبب في استغفارهم وتوبتهم ، ولو لا ذلك ما وفقهم إلى استغفاره والرجوع إليه ، فهو يفعل بهم فعل الوادّ بمن يودّه من الإحسان إليه.

(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) : كانوا لا يلقون إليه أذهانهم ، ولا يصغون لكلامه رغبة عنه وكراهة له كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) (١)

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦ / ٢٥.

٢٠٠