البحر المحيط في التّفسير - ج ٥

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٨

مطالعة حديث الثلاثة الذين خلفوا ، وقد خرج حديثهم بكماله البخاري ومسلم وهو في السير ، فلذلك اختصرت سوقه. وإنما عظم ذنبهم واستحقوا عليه ذلك لأنّ الشرع يطالبهم من الحد فيه بحسب منازلهم منه وتقدمهم فيه ، إذ هو أسوة وحجة للمنافقين والطاعنين ، إذ كان كعب من أهل العقبة ، وصاحباه من أهل بدر ، وفي هذا ما يقتضي أنّ الرجل العالم والمقتدي به أقل عذرا في السقوط من سواه. وكتب الأوزاعي إلى المنصور أبي جعفر في آخر رسالة : واعلم أنّ قرابتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لن تزيد حق الله عليك إلا عظما ، ولا طاعته إلا وجوبا ، ولا الناس فيما خالف ذلك منك إلا إنكارا والسلام. ولقد أحسن القاضي التنوخي في قوله :

والعيب يعلق بالكبير كبير

انتهى.

وروي أن أناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنهم من بدا له فيلحق بهم كأبي خيثمة ، ومنهم من بقي لم يلحق بهم منهم الثلاثة. وسئل أبو بكر الوراق عن التوبة النصوح فقال : إن تضيق على التائب الأرض بما رحبت ، وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) : هو خطاب للمؤمنين ، أمروا بكونهم مع أهل الصدق بعد ذكر قصة الثلاثة الذين نفعهم صدقهم وأزاحهم عن ربقة النفاق. واعترضت هذه الحملة تنبيها على رتبة الصدق ، وكفى بها أنها ثانية لرتبة النبوة في قوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) (١) قال ابن جريج وغيره : الصدق هنا صدق الحديث. وقال الضحاك ونافع : ما معناه اللفظ أعم من صدق الحديث ، وهو بمعنى الصحة في الدين ، والتمكن في الخير ، كما تقول العرب : رجل صدق. وقالت هذه الفرقة : كونوا مع محمد وأبي بكر وعمر وخيار المهاجرين الذين صدقوا الله في الإسلام. وقيل : هم الثلاثة أي : كونوا مثل هؤلاء في صدقهم وثباتهم. وقال الزمخشري : هم الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله ورسوله من قوله : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (٢) وهم الذين صدقوا في دين الله نية وقولا وعملا انتهى. وقيل : الخطاب بالذين آمنوا لمن تخلف من الطلقاء عن غزوة تبوك. وعن ابن عباس : الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب أي : كونوا مع المهاجرين والأنصار ، ومع تقتضي الصحبة في الحال والمشاركة في

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٦٩.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٣.

٥٢١

الوصف المقتضي للمدح. وقرأ ابن مسعود وابن عباس : من الصادقين ، ورويت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان ابن مسعود يتأوله في صدق الحديث وقال : الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، ولا إن يعد منكم أحد صببه ثم لا ينجزه ، اقرأوا إن شئتم : وكونوا مع الصادقين. وقال صاحب اللوامح : ومن أعم من مع ، لأنّ كل من كان من قوم فهو معهم في المعنى المأمور به ، ولا ينعكس ذلك. وقرأ زيد بن علي ، وابن السميفع ، أو أبو المتوكل ، ومعاذ القاري : مع الصادقين بفتح القاف وكسر النون على التثنية ، ويظهر أنهما الله ورسوله لقوله تعالى : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) (١) ولما تقدم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، أمروا بأن يكونوا مع الله ورسوله بامتثال الأمر واجتناب المنهي عنه كما يقال : كن مع الله يكن معك.

(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) : نزلت فيمن تخلف من أهل المدينة عن غزوة تبوك ، وفيمن تخلف ممن حولهم من الأعراب من مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار. ومناسبتها لما قبلها : أنه لما أمر المؤمنين بتقوى الله ، وأمر بكينونتهم مع الصادقين ، وأفضل الصادقين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم المهاجرون والأنصار ، اقتضى ذلك موافقة الرسول وصحبته أنّى توجه من الغزوات والمشاهد ، فعوتب العتاب الشديد من تخلف عن الرسول في غزوة ، واقتضى ذلك الأمر لصحبته وبذل النفوس دونه. قال الزمخشري : بأن يصحبوه على البأساء والضراء ، وأمروا أن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط ، وأن يلقوا أنفسهم في الشدائد ما يلقاه نفسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، علما بأنها أعزّ نفس عند الله تعالى وأكرمها عليه ، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدة وهون وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له ، ولا يكترث لها أصحابها ، ولا يقيموا لها وزنا ، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه ، فضلا أن يربأوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها ، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه ، وهذا نهي بليغ مع تقبيح لأمرهم وتوبيخ لهم عليه ، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية. قال الكرماني :

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٢.

٥٢٢

هذا نفي معناه النهي ، وخصّ هؤلاء بالذكر وكل الناس في ذلك سواء لقربهم منه ، وأنه لا يخفى عليهم خروجه. قال قتادة : كان هذا الإلزام خاصا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجواب النفر إلى الغزو إذا خرج هو بنفسه ، ولم يبق هذا الحكم مع غيره من الخلفاء. وقال زيد بن أسلم : كان هذا الأمر والإلزام في قلة الإسلام ، واحتياج إلى اتصال الأيدي ، ثم نسخ عند قوة الإسلام بقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (١) قال : وهذا كله في الانبعاث إلى غزو العدو على الدخول في الإسلام ، وأما إذا ألم العدوّ بجهة فيتعين على كل أحد القيام بذنبه ومكافحته ، والإشارة بذلك إلى ما تضمنه انتفاء التخلف من وجوب الخروج معه وبذل النفس دونه ، كأنه قيل : ذلك الوجوب للخروج وبذل النفس هو بسبب ما أعد الله لهم من الثواب الجسيم على المشاق التي تنالهم ، وما يتسنى على أيديهم من إيذاء أعداء الإسلام. والظمأ العطش.

وقرأ عبيد بن عمير ظماء بالمد مثل : سفه سفاها ، ولما كان العطش أشق الأشياء المؤدية للمسافر بكثرة الحركة وإزعاج النفس وخصوصا في شدة الحر كغزوة تبوك بدىء به أولا ، وثنى بالنصب وهو التعب لأنه الكلال الذي يلحق المسافر والإعياء الناشئ عن العطش والسير ، وأتى ثالثا بالجوع لأنه حاله يمكن الصبر عليها الأوقات العديدة ، بخلاف العطش والنصب المفضيين إلى الخلود والانقطاع عن السفر. فكان الإخبار بما يعرض للمسافر أولا فثانيا فثالثا. وموطئا مفعل من وطئ ، فاحتمل أن يكون مكانا ، واحتمل مصدرا. والفاعل في يغيظ عائد على المصدر ، إما على موطىء إن كان مصدرا ، وإما على ما يفهم من موطىء إن كان مكانا ، أي يغيظ ووطؤهم إياه الكفار. وأطلق موطئا إذا كان مكانا ليعم كل موطىء يغيظ وطؤه الكفار ، سواء كان من أمكنة الكفار ، أم من أمكنة المسلمين إذا كان في سلوكه غيظهم. والوطء يدخل فيه بالحوافر والإخفاف والأرجل. وقرأ زيد بن علي : يغيظ بضم الياء. والنيل مصدر ، فاحتمل أن يبقى على موضوعه ، واحتمل أن يراد به المنيل. وأطلق نيلا ليعمّ القليل والكثير مما يسوءهم قتلا وأسرا وغنيمة وهزيمة ، وليست الياء في نيل بدلا من واو خلافا لزاعم ذلك ، بل نال مادتان : إحداهما من ذوات الواو نلته انوله نولا ونوالا من العطية ، ومنه التناول. والأخرى : هذه من ذوات الياء ، نلته أناله نيلا إذا أصابه وأدركه. وبدىء في هاتين الجملتين بالأسبق أيضا وهو الوطء ، ثم ثنى بالنيل من

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ١٢٢.

٥٢٣

العدو. جاء العموم في الكفار بالألف واللام ، وفي من عدو لكونه في سياق النفي ، وبدىء أولا بما يحض المسافر في الجهاد في نفسه ، ثم ثانيا بما يترتب على تحمل تلك المشاق من غيظ الكفار والنيل من العدو. وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالوطء الإيقاع والإبادة ، لا الوطء بالأقدام والحوافر كقوله عليه‌السلام : «آخر وطأة وطئها الله بوج».

والكتب هنا يحتمل أن يكون حقيقة أي : كتب في الصحائف ، أو في اللوح المحفوظ ، ليجازى عليه يوم القيامة. ويحتمل أن يكون استعارة ، عبر عن الثبوت بالكتابة لأنّ من أراد أن يثبت شيئا كتبه. والجملة من كتب في موضع الحال ، وبه أفرد الضمير إجراء له مجرى اسم الإشارة كأنه قيل : إلا كتب لهم بذلك عمل صالح أي : بإصابة الظمأ والنصب والمخمصة والوطء والنيل. وفي الحديث : «من أغرث قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار» وقال ابن عباس : بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. والنفقة الصغيرة قال ابن عباس : كالتمرة ونحوها ، والكبيرة ما فوقها. وقال الزمخشري : صغيرة ولو تمرة ، ولو علاقة سوط ،. ولا كبيرة مثل ما أنفق عثمان في جيش العسرة انتهى. وقدم صغيرة على سبيل الاهتمام كقوله : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) (١) (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) (٢) وإذا كتب أجر الصغيرة فأحرى أجر الكبيرة. ومفعول كتب مضمر يعود على المصدر المفهوم من ينفقون ويقطعون ، كأنه قيل : كتب لهم هو أي الإنفاق والقطع ، ويجوز أن يعود على قوله : عمل صالح المتقدم الذكر. وتأخرت هاتان الجملتان وقدّمت تلك الجمل السابقة لأنها أشق على النفس وأنكى في العدو ، وهاتان أهون لأنهما في الأموال وقطع الأرض إلى العدو ، سواء حصل غيظ الكفار والنيل من العدو أم لم يحصلا ، فهذا أعم وتلك أخص. وكان تعليل تلك آكد ، إذ جاء بالجملة الاسمية المؤكدة بأنّ ، وذكر فيه الأجر. ولفظ المحسنين تنبيها على أنهم حازوا رتب الإحسان التي هي أعلى رتب المؤمنين. وفي هاتين الجملتين أتى بلام العلة وهي متعلقة بكتب والتقدير : أحسن جزاء الذي كانوا يعملون ، لأن عملهم له جزاء حسن ، وله جزاء أحسن ، وهنا الجزاء أحسن جزاء. وقال أبو عبد الله الرازي : أحسن ما كانوا يعملون فيه وجهان : الأول : أن أحسن من صفة فعلهم ، وفيها الواجب والمندوب دون المباح انتهى. هذا الوجه فاحتمل أن يكون أحسن بدلا من ضمير ليجزيهم بدل اشتمال ، كأنه قيل : ليجزى الله أحسن أفعالهم

__________________

(١) سورة الكهف : ١٨ / ٤٩.

(٢) سورة يونس : ١٠ / ٦١.

٥٢٤

بالأحسن من الجزاء ، أو بما شاء من الجزاء. ويحتمل أن يكون ذلك على حذف مضاف فيكون التقدير : ليجزيهم جزاء أحسن أفعالهم. والثاني : أن الأحسن صفة للجزاء أي : يجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأجلّ وأفضل ، وهو الثواب انتهى ، هذا الوجه ، وإذا كان الأحسن من صفة الجزاء فكيف أضيف إلى الأعمال وليس بعضها منها؟ وكيف يقع التفضيل إذ ذاك بين الجزاء وبين الأعمال ، ولم يصرح فيه بمن؟.

وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) : لما سمعوا ما كان لأهل المدينة الآية أهمهم ذلك ، فنفروا إلى المدينة إلى الرسول فنزلت. وقيل : قال المنافقون حين نزلت : ما كان لأهل المدينة الآية هكذا أهل البوادي فنزلت. وقيل : لما دعا الرسول على مضر بالسنين

٥٢٥

أصابتهم مجاعة ، فنفروا إلى المدينة للمعاش وكادوا يفسدونها ، وكان أكثرهم غير صحيح الإيمان ، وإنما أقدمه الجوع فنزلت الآية فقال : وما كان من ضعفة الإيمان لينفروا مثل هذا النفير أي : ليس هؤلاء بمؤمنين. وعلى هذه الأقوال لا يكون النفير إلى الغزو ، والضمير الذي في ليتفقهوا عائد على الطائفة الناقرة ، وهذا هو الظاهر. وقال ابن عباس : الآية في البعوث والسرايا. والآية المتقدمة ثابتة الحكم مع خروج الرسول في الغزو ، وهذه ثابتة الحكم إذا لم يخرج أي : يجب إذا لم يخرج أن لا ينفر الناس كافة ، فيبقى هو مفردا. وإنما ينبغي أن ينفر طائفة وتبقى طائفة لتتفقه هذه الطائفة في الدين ، وتنذر النافرين إذا رجعوا إليهم. وقالت فرقة : هذه الآية ناسخة لكل ما ورد من إلزام الناس كافة النفير والقتال ، فعلى هذا وعلى قول ابن عباس يكون الضمير في ليتفقهوا عائدا على الطائفة المقيمة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويكون معنى ولينذروا قومهم أي : الطائفة النافرة إلى الغزو يعلمونهم بما تجدّد من أحكام الشريعة وتكاليفها ، وكان ثم جملة محذوفة دل عليها تقسيمها أي : فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة وقعدت أخرى ليتفقهوا. وقيل : على أن يكون النفير إلى الغزو يصح أن يكون الضمير في ليتفقهوا عائدا على النافرين ، ويكون تفقههم في الغزو بما يرون من نصرة الله لدينه ، وإظهاره الفئة القليلة من المؤمنين على الكثيرة من الكافرين ، وذلك دليل على صحة الإسلام ، وإخبار الرسول بظهور هذا الدين. والذي يظهر أنّ هذه الآية إنما جاءت للحض على طلب العلم والتفقه في دين الله ، وأنه لا يمكن أن يرحل المؤمنون كلهم في ذلك فتعرى بلادهم منهم ويستولي عليها وعلى ذراريهم أعداؤهم ، فهلا رحل طائفة منهم للتفقه في الدين ولإنذار قومهم؟ فذكر العلة للنفير وهي التفقه أولا ، ثم الإعلام لقومهم بما علموه من أمر الشريعة أي : فهلا نفر من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم فكفوهم النفير؟ وقام كل بمصلحة هذه بحفظ بلادهم ، وقتال أعدائهم ، وهذه لتعلم العلم وإفادتها المقيمين إذا رجعوا إليهم.

ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنّ كلا النفيرين هو في سبيل الله وإحياء دينه هذا بالعلم ، وهذا بالقتال. قال الزمخشري : ليتفقهوا في الدين ، ليتكلفوا الفقاهة فيه ، ويتجشموا المشاق في أخذها وتحصيلها ، ولينذروا قومهم ، وليجعلوا غرضهم ومرمى همتهم في التفقه إنذار قومهم وإرشادهم والنصيحة لهم ، لعلهم يحذرون إرادة أن يحذروا الله تعالى ، فيعملوا عملا صالحا. ووجه آخر : وهو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا بعث بعثا بعد غزوة تبوك وبعد ما نزل في المتخلفين من الآيات الشدائد استبق المؤمنون عن آخرهم إلى النفير ،

٥٢٦

وانقطعوا جميعا عن الوحي والتفقه في الدين ، فأمروا بأن ينفر من كل فرقة منهم طائفة إلى الجهاد ، وتبقى أعقابهم يتفقهون حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر ، لأنّ الجهاد بالحجة أعظم أمرا من الجهاد بالسيف. وقوله تعالى : ليتفقهوا ، الضمير فيه للفرق الباقية بعد الطوائف النافرة ، ولينذروا قومهم ، ولينذر الفرق الباقية قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم ما حصلوا في أيام غيبتهم من العلوم ، وعلى الأول الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) : لما حضّ تعالى على التفقه في الدين ، وحرض على رحلة طائفة من المؤمنين فيه ، أمر تعالى المؤمنين كافة بقتال من يليهم من الكفار ، فجمع من الجهاد جهاد الحجة وجهاد السيف. وقال بعض الشعراء في ذلك :

من لا يعدله القرآن كان له

من الصغار وبيض الهند تعديل

قيل : نزلت قبل الأمر بقتل الكفار كافة ، فهي من التدريج الذي كان في أول الإسلام. وضعف هذا القول بأنّ هذه الآية من آخر ما نزل. وقالت فرقة : إنما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربما تجاوز قوما من الكفار غازيا لقوم آخرين أبعد منهم ، فأمر الله بغزو الأدنى فالأدنى إلى المدينة. وقالت فرقة : الآية مبينة صورة القتال كافة ، فهي مترتبة مع الأمر بقتال الكفار كافة ، ومعناها : أنّ الله تعالى أمر فيها المؤمنين أن يقاتل كل فريق منهم الجيش الذي يضايقه من الكفرة ، وهذا هو القتال لكلمة الله ورد البأس إلى الإسلام. وأما إذا مال العدو إلى صقع من أصقاع المسلمين ففرض على من اتصل به من المؤمنين كفاية عدوّ ذلك الصقع وإن بعدت الدار ونأت البلاد. وقال : قاتلوا هذه المقالة نزلت الآية مشيرة إلى قتال الروم بالشام ، لأنهم كانوا يومئذ العدوّ الذي يلي ويقرب ، إذ كانت العرب قد عمها الإسلام ، وكانت العراق بعيدة ، ثم لما اتسع نطاق الإسلام توجه الفرض في قتال الفرس والديلم وغيرهما من الأمم ، وسأل ابن عمر رجل عن قتال الديلم فقال : عليك بالروم. وقال علي بن الحسين والحسن : هم الروم والديلم ، يعني في زمنه. وقال ابن زيد : المراد بهذه الآية وقت نزولها العرب ، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) (١) إلى آخرها. وقيل : هم قريظة والنضير وفدك وخيبر. وقال قوم : تحرجوا أن يقاتلوا أقرباءهم وجيرانهم ، فأمروا بقتالهم. ويلونكم : ظاهره القرب في

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ٢٩.

٥٢٧

المكان. وقيل : هو عام في القرب في المكان ، والنسب والبداءة بقتال من يلي لأنه متعذر قتال كلهم دفعة واحدة ، وقد أمرنا بقتال كلهم ، فوجب الترجيح بالقرب كما في سائر المهمات كالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولأن النفقات فيه ، والحاجة إلى الدواب والأدوات أقل ، ولأن قتال الأبعد تعريض لتدارك المسلمين إلى الفتنة ، ولأن الدين يكون إن كانوا ضعفاء كان الاستيلاء عليهم أسهل ، وحصول غير الإسلام أيسر. وإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلام أشد ، ولأن المعرفة بمن يلي آكد منها بمن بعد للوقوف على كيفية أحوالهم وعددهم وعددهم ، فترجحت البداءة بقتال من يلي على قتال من بعد وأمر تعالى المؤمنين بالغلظة على الكفار والشدّة عليهم كما قال تعالى : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) (١) وذلك ليكون ذلك أهيب وأوقع للفزع في قلوبهم. وقال تعالى : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (٢) وفي الحديث : «ألقوا الكفار بوجوه مكفهرة» وقال تعالى (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) (٣) وقال : (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا) (٤) والغلظة : تجمع الجرأة والصبر على القتال وشدة العداوة ، والغلظة حقيقة في الأجسام ، واستعيرت هنا للشدة في الحرب. وقرأ الجمهور : غلظة بكسر الغين وهي لغة أسد ، والأعمش وأبان بن ثعلب والمفضل كلاهما عن عاصم بفتحها وهي لغة الحجاز ، وأبو حيوة والسلمي وابن أبي عبلة والمفضل وأبان أيضا بضمها وهي لغة تميم ، وعن أبي عمر وثلاث اللغات ثم قال : واعلموا أنّ الله مع المتقين لينبه على أن يكون الحامل على القتال ووجود الغلظة إنما هو تقوى الله تعالى ، ومن اتقى الله كان الله معه بالنصر والتأييد ، ولا يقصد بقتاله الغنيمة ، ولا الفخر ، ولا إظهار البسالة.

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) : قال ابن عباس : نزلت هذه والثانية في المنافقين ، كانوا إذا نزلت سورة فيها عيب المنافقين خطبهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعرض بهم في خطبته ، فينظر بعضهم إلى بعض يريدون

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ٧٣.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٥٤.

(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٣٩.

(٤) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٦.

٥٢٨

الهرب ويقولون : هل يراكم من أحد إن قمتم؟ فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد. ولما استطرد من سفر الغزو وتأنيب المتخلفين عن الرسول إلى سفر التفقه في الدين ، ثم أمر بقتال من يلي من الكفار والغلظة عليهم ، عاد إلى ذكر مخازي المنافقين إذ هم الذين نزل معظم السورة فيهم. وكان في الآية قبلها إشارة إلى الغلظة على الكفار وهم منهم ، وقولهم : أيكم زادته هذه إيمانا ، يحتمل أن يكون خطاب بعض المنافقين لبعض على سبيل الإنكار والاستهزاء بالمؤمنين ، ويحتمل أن يقولوا : ذلك لقراباتهم المؤمنين يستقيمون إليهم ويطمعون في ردهم إلى النفاق. ومعنى قولهم ذلك : هو على سبيل التحقير للسورة والاستخفاف بها ، كما تقول : أي غريب في هذا وأي دليل في هذا ، وفي الفتيان قيل : هو قول المؤمنين للبحث والتنبيه. وقرأ الجمهور : رأيكم بالرفع. وقرأ زيد بن علي ، وعبيد بن عمير : أيكم بالنصب على الاشتغال ، والنصب فيه عند الأخفش أفصح كهو بعد أداة الاستفهام نحو : أزيدا ضربته. والتقسيم يقتضي أنّ الخطاب من أولئك المنافقين المستهزئين عام للمنافقين والمؤمنين ، وزيادة الإيمان عبارة عن حدوث تصديق خاص لم يكن قبل نزول السورة من قصص وتجديد حكم من الله تعالى ، أو عبارة عن تنبيه على دليل تضمنته السورة ويكون قد حصلت له معرفة الله بأدلة ، فنبهته هذه السورة على دليل راد في أدلته ، أو عبارة عن إزالة شك يسير ، أو شبهة عارضة غير مستحكمة ، فيزول ذلك الشك وترتفع الشبهة بتلك السورة. وأما على قول من يسمي الطاعة إيمانا ، وذلك مجاز عند أهل السنة ، فتترتب الزيادة بالسورة إذ يتضمن أحكاما. وقال الربيع : فزادتهم : إيمانا أي خشية أطلق اسم الشيء على بعض ثمراته. وقال الزمخشري : فزادتهم إيمانا لأنها أزيد للمتقين على الثبات ، وأثلج للصدور. أو فزادتهم عملا ، فإن زيادة العمل زيادة في الإيمان ، لأن الإيمان يقع على الاعتقاد والعمل انتهى. وهي نزعة اعتزالية ، وهم يستبشرون بما تضمنته من رحمة الله ورضوانه. وأما الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون ، والصحة والمرض في الأجسام ، فنقل إلى الاعتقاد مجازا والرجس القذر ، والرجس القذر ، والرجس العذاب ، وزيادته عبارة عن تعمقهم في الكفر وخبطهم في الضلال. وإذا كفروا بسورة. فقد زاد كفرهم واستحكم وتزايد عقابهم. قال قطرب والزجاج : أراد كفرا إلى كفرهم. وقال مقاتل : إثما إلى إثمهم. وقال السدي والكلبي : شكا إلى شكهم. وقال ابن عباس : أراد ما أعد لهم من الخزي والعذاب المتجدد عليهم في كل وقت في الدنيا والآخرة ، وأنتج نزول السورة للمؤمنين شيئين : زيادة الإيمان ، والاستبشار بما لهم عند الله. وللذين في قلوبهم مرض زيادة رجس ، والموافاة على الكفر أذاهم كفرهم الأصلي ، والزيادة إلى أن ماتوا على الكفر.

٥٢٩

(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) : لما ذكر أنهم بموتهم على الكفر رائحون إلى عذاب الآخرة ، ذكر أنهم أيضا في الدنيا لا يخلصون من عذابها. والضمير في يرون عائد على الذين في قلوبهم مرض ، وذلك على قراءة الجمهور بالياء. وقرأ حمزة : بالتاء خطابا للمؤمنين. والرؤية يحتمل أن تكون من رؤية القلب ، ومن رؤية البصر. وقرأ أبي وابن مسعود ، والأعمش : أو لا ترى أي أنت يا محمد؟ وعن الأعمش أيضا : أو لم تروا؟ وقال أبو حاتم عنه : أو لم يروا؟ قال مجاهد : يفتنون ، يختبرون بالسنة والجوع. وقال النقاش عنه : مرضة أو مرضتين. وقال الحسن وقتادة : يختبرون بالأمر بالجهاد. قال ابن عطية : والذي يظهر مما قبل الآية ومما بعدها أن الفتنة والاختبار إنما هي بكشف الله أسرارهم وإفشائه عقائدهم ، فهذا هو الاختبار الذي تقوم عليه الحجة برؤيته وترك التوبة. وأما الجهاد أو الجوع فلا يترتب معهما ما ذكرناه ، فمعنى الآية على هذا : أفلا يزدجر هؤلاء الذين تفضح سرائرهم كل سنة مرة أو مرتين بحسب واحد واحد ، ويعلمون أن ذلك من عند الله فيتوبون ، ويذكرون وعد الله ووعيده انتهى. وقاله مختصرا مقاتل قال : يفضحون بإظهار نفاقهم ، وأما الاختبار بالمرض فهو في المؤمنين ، وقد كان الحسن ينشد :

أفي كل عام مرضة ثم نقهة

فحتى متى حتى متى وإلى متى

وقالت فرقة : معنى يفتنون بما يشيعه المشركون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأكاذيب والأراجيف ، وأنّ ملوك الروم قاصدون بجيوشهم وجموعهم إليهم ، وإليه الإشارة بقوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (١) فكان الذين في قلوبهم مرض يفتنون في ذلك. وحكى الطبري هذا القول عن حذيفة ، وهو غريب من المعنى. وقال الزمخشري : يفتنون يبتلون بالمرض والقحط وغيرهما من بلاء الله تعالى ، ثم لا ينتهون ولا يتوبون من نفاقهم ، ولا يذكرون ولا يعتبرون ولا ينظرون في أمرهم ، أو يبتلون بالجهاد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويعاينون أمره وما ينزل الله تعالى عليه من النصر وتأييده ، أو يفتنهم الشيطان فيكذبون وينقضون العهود مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقتلهم وينكل بهم ، ثم لا ينزجرون. وقرأ ابن مسعود : ولا هم يتذكرون.

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٠.

٥٣٠

اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ). ذكر أولا ما يحدث عنهم من القول على سبيل الاستهزاء ، ثم ذكر ثانيا ما يصدر منهم من الفعل على سبيل الاستهزاء وهو الإيماء والتغامز بالعيون إنكارا للوحي ، وسخرية قائلين : هل يراكم من أحد من المسلمين لننصرف ، فإنا لا نقدر على استماعه ويغلبنا الضحك ، فنخاف الافتضاح بينهم ، أو ترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال لو إذا يقولون : هل يراكم من أحد؟ والظاهر إطلاق السورة أية سورة كانت. وقيل : ثم صفة محذوفة أي : سورة تفضحهم ويذكر فيها مخازيهم ، نظر بعضهم إلى بعض على جهة التقرير ، يفهم من تلك النظرة التقرير : هل يراكم من ينقل عنكم؟ هل يراكم من أحد حين تدبرون أموركم؟ ثم انصرفوا أي : عن طريق الاهتداء ، وذلك أنهم حين ما بين لهم كشف أسرارهم والإعلام بمغيبات أمورهم يقع لهم لا محالة تعجب وتوقف ونظر ، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة النظر الصحيح والاهتداء. قال الضحاك : هل اطلع أحد منهم على سرائركم مخافة القتل ثم انصرفوا إن كان حقيقة فالمعنى : قاموا من المكان الذي تتلى فيه السورة أو مجازا ، فالمعنى : انصرفوا عن الإيمان ، وذلك وقت رجوعهم إليه وإقبالهم عليه ، قاله الكلبي ، أو رجعوا إلى الاستهزاء أو إلى الطعن في القرآن والتكذيب له ولمن جاء به ، أو عن العمل بما كانوا يسمعونه ، أو عن طريق الاهتداء بعد أن بين لهم ومهد وأقيم دليله ، وهذا القول راجع لقول الكلبي.

صرف الله قلوبهم صيغته خبر ، وهو دعاء عليهم بصرف قلوبهم عما في قلوب أهل الإيمان ، قاله الفراء. والظاهر أنه خير لما كان الكلام في معرض ذكر التكذيب ، بدأ بالفعل المنسوب إليهم وهو قوله : ثم انصرفوا ، ثم ذكر فعله تعالى بهم على سبيل المجازاة لهم على فعلهم كقوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١). قال الزجاج : أضلهم. وقيل : عن فهم القرآن والإيمان به. وقال ابن عباس : عن كل رشد وخير وهدى. وقال الحسن : طبع عليها بكفرهم. قال الزمخشري : صرف الله قلوبهم دعاء عليهم بالخذلان ، وبصرف قلوبهم عما في قلوب أهل الإيمان من الانشراح. بأنهم قوم لا يفقهون يحتمل أن يكون متعلقا بانصرفوا ، أو بصرف ، فيكون من باب الإعمال أي : بسبب انصرافهم ، أو صرف الله قلوبهم هو بسبب أنهم لا يتدبرون القرآن فيفقون ما احتوى عليه مما يوجب إيمانهم والوقوف عنده.

(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ

__________________

(١) سورة الصف : ٦١ / ٥.

٥٣١

رَحِيمٌ) : لما بدأ السورة ببراءة الله ورسوله من المشركين ، وقص فيها أحوال المنافقين شيئا فشيئا ، خاطب العرب على سبيل تعداد النعم عليهم والمن عليهم بكونه جاءهم رسول من جنسهم ، أو من نسبهم عربيا قرشيا يبلغهم عن الله متصف بالأوصاف الجميلة من كونه يعز عليه مشقتهم في سوء العاقبة من الوقوع في العذاب ، ويحرص على هداهم ، ويرأف بهم ، ويرحمهم. قال ابن عباس : ما من قبيلة من العرب إلا ولدت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكأنه قال : يا معشر العرب لقد جاءكم رسول من بني إسماعيل ، ويحتمل أن يكون الخطاب لمن بحضرته من أهل الملل والنحل ، ويحتمل أن يكون خطابا لبني آدم ، والمعنى : أنه لم يكن من غير جنس بني آدم ، لما في ذلك من التنافر بين الأجناس كقوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (١) ولما كان المخاطبون عاما ، إما عامة العرب ، وإما عامة بني آدم ، جاء الخطاب عاما بقوله : عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم أي : على هدايتكم حتى لا يخرج أحد عن اتباعه فيهلك. ولما كانت الرأفة والرحمة خاصة جاء متعلقها خاصا وهو قوله : بالمؤمنين رءوف رحيم. ألا ترى إلى قوله : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) (٢) وقال : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (٣) وقال في زناة المؤمنين : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٤). قال ابن عطية : وقوله من أنفسكم ، يقتضي مدحا لنسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنه من صميم العرب وأشرفها ، وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه‌السلام : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم» ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني من نكاح ولست من سفاح» معناه أن نسبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى آدم عليه‌السلام لم يكن النسل فيه إلا من نكاح ولم يكن فيه زنا انتهى. وصف الله نبيه عليه‌السلام بستة : أوصاف الرسالة وهي صفة كمال الإنسان لما احتوت عليه من كمال ذات الرسول وطهارة نفسه الزكية ، وكونه من الخيار بحيث أهل أن يكون واسطة بين الله وبين خلقه ، ولما كانت هذه الصفة أشرف الأشياء بدىء بذكرها. وكونه من أنفسهم وهي صفة مؤثرة في البليغ والفهم عنه والتآنس به ، فإن كان خطابا للعرب ففي هذه الصفة التنبيه على شرفهم والتحريض على اتباعه ، وإن كان الخطاب لبني آدم ففيه التنويه بهم واللطف فى إيصال الخبر إليهم ، وأنه معروف بينهم بالصدق والأمانة والعفاف والصيانة. وكونه يعز عليه ما يشق عليكم ، فهذا الوصف من نتائج الرسالة. ومن كونه من

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦ / ٩.

(٢) سورة التوبة : ٩ / ٧٣.

(٣) سورة المائدة : ٥ / ٥٤.

(٤) سورة النور : ٢٤ / ٢.

٥٣٢

أنفسهم ، لأنّ من كان منك وأدلّك الخير وصعب عليه إيصال ما يؤذي إليك وكونه حريصا على هدايتهم ، وهو أيضا من نتائج الرسالة ، لأنه بعث ليعبد الله ويفرد بالألوهية. وكونه رءوفا رحيما بالمؤمنين ، وهما وصفان من نتائج التبعية له ، والدخول في دين الله. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (١) «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا حتى تحب لأخيك المؤمن ما تحب لنفسك».

وقرأ ابن عباس ، وأبو العالية ، والضحاك ، وابن محيصن ، ومحبوب ، عن أبي عمرو وعبد الله بن قسيط المكي ، ويعقوب من بعض طرقه : من أنفسكم بفتح الفاء. ورويت هذه القراءة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن فاطمة ، وعائشة رضي‌الله‌عنهما ، والمعنى : من أشرفكم وأعزكم ، وذلك من النفاسة ، وهو راجع لمعنى النفس ، فإنها أعز الأشياء. والظاهر أنّ ما مصدرية في موضع الفاعل بعزيز أي : يعز عليه مشقتكم كما قال :

يسر المرء ما ذهب الليالي

وكان ذهابهن له ذهابا

أي يسر المرء ذهاب الليالي. ويجوز أن يكون ما عنتم مبتدأ أي : عنتكم عزيز عليه ، وقدم خبره ، والأول أعرب. وأجاز الحوفي أن يكون عزيز مبتدأ ، وما عنتم الخبر ، وأن تكون ما بمعنى الذي ، وأن تكون مصدرية ، وهو إعراب دون الإعرابين السابقين. وقال ابن القشيري : عزيز صفة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما وصف بالعزة لتوسطه في قومه وعراقة نسبه وطيب جرثومته ، ثم استأنف فقال : عليه ما عنتم أي : يهمه أمركم انتهى. والعنت : تقدم شرحه في البقرة في قوله (لَأَعْنَتَكُمْ) (٢). وقال ابن عباس : هنا مشقتكم. وقال الضحاك : إثمكم. وقال سعيد بن أبي عروبة : ضلالكم. وقال العتبي : ما ضركم. وقال ابن الأنباري : ما أهلككم. وقيل : ما غمكم. والأولى أن يضمر في عليكم أي : على هداكم وإيمانكم كقوله : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) (٣) وقوله : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (٤). وقيل : حريص على إيصال الخيرات لكم في الدنيا والآخرة. وقال الفراء : الحريص هو الشحيح ، والمعنى : أنه شحيح عليكم أن تدخلوا النار. وقيل : حريص على دخولكم الجنة. وإنما احتيج إلى الإضمار ، لأنّ الحرص لا يتعلق بالذوات. ويحتمل بالمؤمنين أن يتعلق برءوف ، ويحتمل أن يتعلق برحيم ، فيكون من باب التنازع. وفي جواز

__________________

(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٠.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٠.

(٣) سورة النحل : ١٦ / ٣٧.

(٤) سورة يوسف : ١٠ / ١٠٣.

٥٣٣

تقدم معمول المتنازعين نظر ، فالأكثرون لا يذكرون فيه تقدمة عليهما ، وأجاز بعض النحويين التقديم فتقول : زيدا ضربت وشتمت على التنازع ، والظاهر تعلق الصفتين بجميع المؤمنين. وقال قوم : بالتوزيع ، رؤوف بالمطيعين ، رحيم بالمذنبين. وقيل : رؤوف بمن رآه ، رحيم بمن لم يره. وقيل : رؤوف بأقربائه ، رحيم بغيرهم. وقال الحسن بن الفضل : لم يجمع الله لنبي بين اسمين من أسمائه إلا لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه قال : بالمؤمنين رؤوف رحيم ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١).

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) : أي فإن أعرضوا عن الإيمان بعد هذه الحالة التي منّ الله عليهم بها من إرسالك إليهم واتصافك بهذه الأوصاف الجميلة فقل : حسبي الله أي : كافيّ من كل شيء ، عليه توكلت أي : فوضت أمري إليه لا إلى غيره ، وقد كفاه الله شرهم ونصره عليهم ، إذ لا إله غيره. وهي آية مباركة لأنها من آخر ما نزل ، وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات. وقال ابن عباس : العرش لا يقدر أحد قدره انتهى. وذكر في معرض شرح قدرة الله وعظمته ، وكان الكفار يسمعون حديث وجود العرش وعظمته من اليهود والنصارى ، ولا يبعد أنهم كانوا سمعوا ذلك من أسلافهم. وقرأ ابن محيصن : العظيم برفع الميم صفة للرب ، ورويت عن ابن كثير. قال أبو بكر الأصم : وهذه القراءة أعجب إليّ ، لأنّ جعل العظيم صفة لله تعالى أولى من جعله صفة للعرش ، وعظم العرش بكبر جثته واتساع جوانبه على ما ذكر في الأخبار ، وعظم الرب بتقديسه عن الحجمية والأجزاء والإبعاض ، وبكمال العلم والقدرة ، وتنزيهه عن أن يتمثل في الأوهام ، أو تصل إليه الأفهام. وعن ابن عباس : آخر ما نزل لقد جاءكم إلى آخرها. وعن أبيّ أقرب القرآن عهدا بالله لقد جاءكم الآيتان ، وهاتان الآيتان لم توجدا حين جمع المصحف إلا في حفظ خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، فلما جاء بها تذكرها كثير من الصحابة ، وقد كان زيد يعرفها ، ولذلك قال : فقدت آيتين من آخر سورة التوبة ، ولو لم يعرفها لم ندر هل فقد شيئا أولا ، فإنما ثبتت الآية بالإجماع لا بخزيمة وحده. وقال عمر بن الخطاب : ما فرغ من تنزل براءة حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا سينزل فيه شيء. وفي كتاب أبي داود عن أبي الدرداء قال : «من قال إذا أصبح وإذا أمسى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله تعالى ما أهمه».

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.

٥٣٤

فهرس الجزء الخامس

في تفسير قوله : (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) إلخ والاختلاف في أفضلية الطين والنار

١٧

هلاك قوم سيدنا صالح

٩٦

في تفسير قوله : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) الآية وما يتعلق بها من الاعراب

٢١

ذكر قوم سيدنا لوط وما كانوا يفعلونه من إتيان الذكران وان المحرض لهم على ذلك إبليس بتصوره شابا أمر وتمكينه لهم من نفسه حتى ألفوا هذه الخبيثة

٩٩

في تفسير قوله : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا) الآية وكيف أوصل إليهما الوسوسة والاختلاف في لام لهما

٢٤

ذكر هلاك قوم سيدنا لوط

١٠٢

في تفسير قوله (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) وتقرير جواز رؤية الجن خلافا للزمخشري

٣٢

إرسال سيدنا شعيب إلى قومه

١٠٣

في سبب نزول وتفسير قوله : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)

٤٠

في تفسير قوله : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) الآية وما يتصل بها من الفوائد

١٠٦

في تفسير قوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الآية

٦٤

إهلاك قوم سيدنا شعيب

١١٢

في تفسير قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)

٧١

الكلام على قوله (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)

١٢٢

في تفسير قوله : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) الآية

٧٦

دعاء سيدنا موسى لفرعون

١٢٧

إرسال سيدنا نوح إلى قومه والاختلاف في سنة إذ ذاك وذكر حرفته

٨١

اقتراح فرعون آية على سيدنا موسى

١٢٩

إرسال سيدنا هود إلى قومه وذكر نسبه

٨٥

اظهار معجزة العصا على يد سيدنا موسى

١٣٠

إرسال سيدنا صالح إلى قومه وذكر نسبه

٩٠

اظهار معجزة اليد

١٣٠

سؤال قوم سيدنا صالح إخراج ناقة من الصخرة وما يتعلق بذلك

٩٢

ما قاله الملأ من قوم فرعون لما رأوا هاتين الآيتين

١٣١

عقر الناقة وذكر العاقر لها وسبب عقرها والمحرض على عقرها

٩٥

تخيير السحرة لسيدنا موسى بعد الاجتماع لاظهار كل ما عنده

١٣٣

ما أظهره السحرة بسحرهم

١٣٣

ما ظهر من عصا سيدنا موسى حينما ألقاها

١٣٨

ما حصل من السحرة عقب ما رأوا فعل العصا

١٣٩

ما ألقاه فرعون من الشبه لما رأى فعل السحرة خشية أن يتبعهم الناس جميعا

١٤٠

٥٣٥

إيعاد فرعون للسحرة

١٤٠

الكلام على قوله (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ)

٢٠٢

ما ردّ به السحرة على فرعون بعد إيعاده لهم

١٤١

الكلام على قوله (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) الآية

٢٠٦

ما قاله قوم موسى له شكوى من فرعون

١٤٣

تفسير قوله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَ) الآية

٢٠٦

ما ردّ به عليهم سيدنا موسى

١٤٤

أخذ العهد على ذرية آدم وإخراجهم من ظهره

٢١٨

ما قاله بنو إسرائيل لموسى ييئسونه من أيمانهم

١٤٨

الغاوي الذي أوتي آيات الله فانسلخ منها

٢٢٠

إرسال الله عليهم الطوفان والقمل والضفادع والدم لعلهم يتوبون ويؤمنون بموسى عليه الصلاة والسلام

١٥٠

تمثيله بالكلب

٢٢٣

ما قاله بنو إسرائيل لما وقع عليهم العذاب

١٥٢

الكلام على قوله : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ)

٢٢٩

نكثهم بعد رفع العذاب

١٥٣

تفسير قوله (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها)

٢٣٠

الكلام في قوله : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً)

١٥٩

الكلام على قوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) الآية

٢٤٠

كلام سيدنا موسى ربه

١٦١

تفسير قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ)

٢٤٤

سؤاله الرؤية وردّ الله عليه وما يتصل بذلك من الأبحاث في جواز الرؤية والرد على من خالف

١٦٢

جعل آدم وحواء شركاء لله فيما آتاهم وتفسير ذلك

٢٤٦

الكلام على قوله (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) الآية

١٦٣

تفسير قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية وما يتصل بها من الأبحاث الإعرابية المهمة

٢٤٩

الكلام على قوله (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) الآية

١٦٦

الكلام على قوله : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ) الآية والردّ على من زعم ثبوت هذه الجوارح لله

٢٥١

تفسير قوله : (فَلَمَّا أَفاقَ) الآية والردّ على الزمخشري

١٦٧

الكلام على قوله (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) الآية

٢٥٥

الكلام على قوله : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ) الآية والمراد من دار الفاسقين

١٧٠

الكلام على قوله (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) الآية

٢٥٧

اتخاذ قوم موسى العجل في حال غيابه

١٧٥

تفسير قوله (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الآية وتفسير الطائف

٢٥٧

ما قوله حين تنبهوا

١٧٨

سبب نزول وتفسير قوله ؛ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية

٢٦٧

ما قاله سيدنا موسى بعد رجوعه

١٨٠

الكلام على قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) الآية والكلام على هذه الكاف ومعناها وذكر خمسة عشرة قولا فيها

٢٧٢

ما قاله لسيدنا هارون

١٨١

ما ردّ به سيدنا هارون عليه

١٨٤

السبعون الذين اختارهم سيدنا موسى حينما سألوه أن يريهم الله جهرة

١٨٦

ما قاله سيدنا موسى حين أخذتهم الرجفة

١٨٨

الكلام على قوله : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً)

١٩٨

٥٣٦

الكلام على قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) وما هما الطائفتان

٢٧٧

في تفسير قوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا) الآية

٣٣٣

استغاثة المؤمنين وإجابة الله لهم بالإمداد بالملائكة

٢٧٨

الكلام على قوله : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ) الآية

٣٣٤

غشيان النعاس المؤمنين يوم بدر وقيل بتعدده في يوم أحد كذلك

٢٨٠

سبب نزول قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ) الآية

٣٣٩

أمر الله الملائكة بتثبيت الذين آمنوا والكلام على قوله (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ)

٢٨٤

في تفسير قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا)

٣٤١

إيعاد الله لمن يولي الكفار بره في الرحب

٢٩٢

الكلام على قوله : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ) الآية

٣٤٣

الكلام على قوله (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) الآية

٢٩٤

الكلام على قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) الآية

٣٤٨

الكلام على قوله (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ)

٣٠٠

الكلام على قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية وتخفيف الله عن المؤمنين في الصبر على لقاء العدوّ وذكر بعض حكايات يظهر منها من غريب نصر الله للمؤمنين ما يبهر العقول

٣٤٩

الكلام على قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)

٣٠٢

تفسير قوله : (ما كانَ لِنَبِيٍ) الآية

٣٥١

الكلام على قوله : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)

٣٠٣

الكلام على قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ) الآية

٣٥٥

ذكر مكر الذين كفروا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٣٠٨

الكلام على قوله تعالى : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) الآية

٣٦٥

الكلام على قوله (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ) الآية وذكر القائل لذلك

٣١٠

حج سيدنا أبي بكر والأذان ببراءة الله ورسوله من المشركين

٣٦٧

تفسير قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وقوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)

٣١١

الاذن في قتل المشركين بعد انسلاخ الأشهر الحرم

٣٧٠

الكلام على قوله (وَما كانَ صَلاتُهُمْ) الآية

٣١٤

الكلام على قوله : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) وأ محكمة هي أم منسوخة

٣٧٤

الكلام على قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللهُ) الآية

٣١٧

في تفسير قوله : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) الآية

٣٨١

الكلام على قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية

٣٢٣

الكلام على قوله : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ) الآية

٣٨٢

الكلام على قوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) الآية

٣٢٩

في تفسير (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ) الآية

٣٣٠

في تفسير قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ) الآية

٣٣١

في تفسير قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا) الآية

٣٣٢

٥٣٧

تفسير وسبب نزول قوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) الآية

٣٨٧

سبب نزول وتفسير قوله : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) الآية

٤٤٧

الكلام على قوله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ)

٣٩٢

في تفسير قوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية وما يتعلق بها من الاعراب

٤٥١

قصيدة زهير بن صرد التي يرجو بها رسول الله في ردّ مال وأسارى هوازن

٣٩٦

في تفسير قوله : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ) الآية

٤٥٢

الكلام على قوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ).

٣٩٧

في تفسير قوله : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية والكلام على قوله كالذي خاضوا من علم الاعراب

٤٥٦

الكلام على قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الآية

٣٩٩

في تفسير قوله : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) الآية وعلى من يعود الضمير في يحلفون

٤٦٤

في تفسير قوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ) الآية

٤٠٢

سبب نزول وتفسير قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) الآية

٤٦٦

الكلام على قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ) الآية

٤١٠

في تفسير (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) الآية

٤٦٨

الكلام على قوله : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) الآية

٤١٣

سبب نزول وتفسير قوله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)

٤٧٠

الكلام على قوله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ)

٤١٦

في تفسير قوله : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) الآية

٤٧٣

الكلام على قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ) الآية

٤١٨

في تفسير قوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) الآية

٤٨٢

الكلام على قوله : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) الآية

٤٢٣

في تفسير قوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) الآية

٤٩٥

الكلام على قوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) الآية

٤٢٥

ذكر من نزلت فيهم (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) الآية

٤٩٨

الكلام على قوله : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) الآية

٤٢٧

سبب نزول وتفسير قوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) الآية

٥٠٢

سبب نزول وتفسير قوله : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ) الآية

٤٢٩

في تفسير قوله : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) الآية

٥٠٥

تفسير قوله : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) الآية

٤٣٥

في تفسير قوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) الآية

٥٠٨

تفسير قوله : (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) الآية

٤٣٧

في تفسير قوله : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) الآية

٥١٠

في تفسير قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) الآية وشرح الأصناف الثمانية والكلام على المؤلفة قلوبهم والقدر الذي يكون به الإنسان غنيا

٤٤٠

سبب نزول وتفسير قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية

٥١٢

في تفسير قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِ) الآية

٥١٦

في تفسير قوله : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) الآية

٥٢٢

في تفسير قوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) الآية

٥٢٥

٥٣٨