البحر المحيط في التّفسير - ج ٥

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٨

معلومات الله على أربعة أقسام. أحدها : جملة الموجودات ، الثاني : جملة المعدومات ، الثالث : إن كان كل واحد من الموجودات لو كان معدوما فكيف حاله ، الرابع : إن كان كلّ واحد من المعدومات لو كان موجودا فكيف حاله فالقسمان الأولان علم بالواقع والقسمان الثانيان علم بالمقدور الذي هو غير واقع فقوله (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) من القسم الثاني وهو العلم بالمقدورات وليس من أقسام العلم بالواقعات ، ونظيره قوله تعالى حكاية عن المنافقين (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ... وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) (١) فقال تعالى (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (٢) فعلم الله تعالى في المعدوم أنه لو كان موجودا كيف يكون حاله وأيضا قوله (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٣) أخبر عن المعدوم أنه لو كان موجودا كيف يكون حاله انتهى. وأقول : ظاهر هاتين الملازمتين يحتاج إلى تأويل لأنه أخبر أنه كان يقع إسماع منه لهم على تقدير علمه خيرا فيهم ثم أخبر أنه كان يقع توليهم على تقدير إسماعهم إياهم فأنتج أنه كان يقع توليهم على تقدير علمه تعالى خيرا فيهم وذلك بحرف الواسطة لأنّ المرتب على شيء يكون مرتّبا على ما رتب عليه ذلك الشيء وهذا لا يكون لأنه لا يقع التولّي على تقدير علمه فيهم خيرا ويصير الكلام في الجملتين في تقدير كلام واحد فيكون التقدير ولو علم الله فيهم خيرا فأسمعهم لتولّوا ومعلوم أنه لو علم فيهم خيرا ما تولّوا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) تقدم الكلام في استجاب في (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) وأفرد الضمير في (دَعاكُمْ) كما أفرده في (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) لأنّ ذكر أحدهما مع الآخر إنما هو على سبيل التوكيد والاستجابة هنا الامتثال والدعاء بمعنى التحريض والبعث على ما فيه حياتهم وظاهر (اسْتَجِيبُوا) الوجوب ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأبيّ حين دعاه وهو في الصلاة متلبث : «ما منعك عن الاستجابة ألم تخبر فيما أوحي إليّ استجيبوا الله وللرسول»؟ والظاهر تعلق (لِما) بقوله (دَعاكُمْ) ودعا يتعدى باللام. قال :

دعوت لما نابني مسورا

وقال آخر :

وإن أدع للجلي أكن من حماتها

__________________

(١) سورة الحشر : ٥٩ / ١١.

(٢) سورة الحشر : ٥٩ / ١٢.

(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٢٨.

٣٠١

وقيل : اللام بمعنى إلى ويتعلّق باستجيبوا فلذلك قدّره بإلى حتى يتغاير مدلول اللام فيتعلق الحرفان بفعل واحد ، قال مجاهد والجمهور : المعنى (اسْتَجِيبُوا) للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ففيه الحياة الأبدية والنّعمة السرمديّة ، وقيل : (لِما يُحْيِيكُمْ) هو مجاهدة الكفار لأنهم لو تركوها لغلبوهم وقتلوهم ولكم في القصاص حياة (١) ، وقيل : الشهادة لقوله : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٢) قاله ابن إسحاق ، وقيل : لما يحييكم من علوم الديانات والشرائع لأنّ العلم حياة كما أنّ الجهل موت. قال الشاعر :

لا تعجبن الجهول حليته

فذاك ميّت وثوبه كفن

وهذا نحو من قول الجمهور ومجاهد ، وقال مجاهد أيضا : (لِما يُحْيِيكُمْ) هو الحقّ ، وقيل : هو إحياء أمورهم وطيب أحوالهم في الدنيا ورفعتهم ، يقال : حييت حاله إذا ارتفعت ، وقيل : ما يحصل لكم من الغنائم في الجهاد ويعيشون منها ، وقيل : الجثة والذي يظهر هو القول الأوّل لأنه في سياق قوله (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) فالذي يحيا به من الجهل هو سماع ما ينفع مما أمر به ونهى عنه فيمتثل المأمور به ويجتنب المنهي عنه فيؤول إلى الحياتين الطيبتين الدنيوية والأخروية.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) المعنى : أنه تعالى هو المتصرّف في جميع الأشياء والقادر على الحيلولة بين الإنسان وبين ما يشتهيه قلبه فهو الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاه إذ بيده تعالى ملكوت كل شيء وزمامه وفي ذلك حضّ على المراقبة والخوف من الله تعالى والبدار إلى الاستجابة له ، وقال ابن عباس وابن جبير والضحاك : (يَحُولُ بَيْنَ) المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان ، وقال مجاهد : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ) وعقله فلا يدري ما يعمل عقوبة على عناده ففي التنزيل (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (٣) أي عقل ، وقال السدي : (يَحُولُ بَيْنَ) كل واحد (وَقَلْبِهِ) فلا يقدر على إيمان ولا كفر إلا بإذنه ، وقال ابن الأنباري : بينه وبين ما يتمناه ، وقال ابن قتيبة : بينه وبين هواه وهذان راجعان إلى القول الأول ، وقال علي بن عيسى : هو أن يتوفاه ولأنّ الأجل يحول بينه وبين أمل قلبه وهذا حثّ على انتهاز الفرصة قبل الوفاة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص سلب ومخالجة أدوائه وعلله وردّه سليما كما يريده الله فاغتنموا هذه

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٧٩.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٩.

(٣) سورة ق : ٥ / ٣٧.

٣٠٢

الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله انتهى ، وهو على طريقة المعتزلة وعلي بن عيسى هو الرماني وهو معتزلي.

وقال الزمخشري أيضا وقيل معناه : أنّ الله قد يملك على العبد قلبه فيفسخ وقيل : يبدل الجبن جراءة وهو تحريض على القتال بعد الأمر به بقوله (اسْتَجِيبُوا) ويكشف حقيقته قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه كيف يشاء وتأويله بين أثرين من آثار ربوبيته». وقيل : يحول بين المؤمن وبين المعاصي التي يهمّ بها قلبه بالعصمة ، وقيل : معناه أنه يطلع على كل ما يخطر المرء بباله لا يخفى عليه شيء من ضمائره فكأنه بينه وبين قلبه واختار الطبري أن يكون المعنى أنّ الله أخبر أنه أملك لقلوب العباد منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئته تعالى.

وقرأ ابن أبي إسحاق : (بَيْنَ الْمَرْءِ) بكسر الميم اتباعا لحركة الإعراب إذ في المرء لغتان : فتح الميم مطلقا واتباعها حركة الإعراب ، وقرأ الحسن والزهري : بين المرّ بتشديد الراء من غير همز ووجهه أنه نقل حركة الهمزة إلى الراء وحذف الهمزة ثم شدّدها كما تشدّد في الوقف وأجرى الوصل مجرى الوقف وكثيرا ما تفعل العرب ذلك تجري الوصل مجرى الوقف ، وهذا توجيه شذوذ (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) الظاهر أن الضمير في (أَنَّهُ) عائد إلى الله ويحتمل أن يكون ضمير الشأن ولما أمرهم بأن يعلموا قدرة الله وحيلولته بين المرء ومقاصد قلبه أعلمهم بأنه تعالى إليه يحشرهم فيثيبهم على أعمالهم فكان في ذلك تذكار لما يؤول إليه أمرهم من البعث والجزاء بالثواب والعقاب.

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) هذا الخطاب ظاهره العموم باتقاء الفتنة التي لا تختصّ بالظالم بل تعمّ الصالح والطالح وكذلك روي عن ابن عباس قال : أمر المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم الله بالعذاب ففي البخاري والترمذي أن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده ، وفي مسلم من حديث زينب بنت جحش سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : «نعم إذا كثر الخبث» ، وقيل الخطاب للصحابة ، وقيل لأهل بدر ، وقيل لعلي وعمار وطلحة والزبير ، وقيل لرجلين من قريش قاله أبو صالح عن ابن عباس ولم يسمّهما والفتنة هنا القتال في وقعة الجمل أو الضلالة أو عدم إنكار المنكر أو بالأموال والأولاد أو بظهور البدع أو العقوبة أقوال ، وقال الزبير بن العوام يوم الجمل : ما علمت أنا أردنا بهذه الآية إلا اليوم وما

٣٠٣

كنت أظنها إلا فيمن خوطب بها في ذلك الوقت والجملة من قوله (لا تُصِيبَنَ) خبريّة صفة لقوله فتنة أي غير مصيبة الظالم خاصة إلا أن دخول نون التوكيد على المنفي بلا مختلف فيه ، فالجمهور لا يجيزونه ويحملون ما جاء منه على الضرورة أو الندور والذي نختاره الجواز وإليه ذهب بعض النحويين وإذا كان قد جاء لحاقها الفعل مبنيا بلا مع الفصل نحو قوله :

فلا ذا نعيم يتركن لنعيمه

وإن قال قرظني وخذ رشوة أبى

ولا ذا بئيس يتركن لبؤسه

فينفعه شكوى إليه إن اشتكى

فلأن يلحقه مع غير الفصل أولى نحو (لا تُصِيبَنَ) وزعم الزمخشري أنّ الجملة صفة وهي نهي قال وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول كأنه قيل (وَاتَّقُوا) فتنة مقولا فيها (لا تُصِيبَنَ) ونظيره قوله :

حتى إذا جنّ الظلام واختلط

جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط

أي بمذق مقول فيه هذا القول لأنّ فيه لون الزّرقة التي هي معنى الذئب انتهى. وتحريره أن الجملة معمولة لصفة محذوفة وزعم الفرّاء أن الجملة جواب للأمر نحو قولك : انزل عن الدابة لا تطرحنّك أي إن تنزل عنها لا تطرحك ، قال : ومنه (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ) (١) أي إن تدخلوا لا يحطمنّكم فدخلت النون لما فيها من معنى الجزاء انتهى ، وهذا المثال بقوله (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) ليس نظير (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) لأنه ينتظم من المثال والآية شرط وجزاء كما قدر ولا ينتظم ذلك هناك ألا ترى أنه لا يصحّ تقدير إن تتقوا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة لأنه يترتب إذ ذاك على الشرط مقتضاه من جهة المعنى وأخذ الزمخشري قول الفرّاء وزاده فسادا وخبط فيه فقال وقوله (لا تُصِيبَنَ) لا يخلو من أن يكون جوابا للأمر أو نهيا بعد أمر أو صفة لفتنة فإذا كان جوابا فالمعنى إن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم انتهى تقرير هذا القول فانظر كيف قدّر أن يكون جوابا للأمر الذي هو (اتَّقُوا) ثم قدّر أداة الشرط داخلة على غير مضارع (اتَّقُوا) فقال فالمعنى إن أصابتكم يعني الفتنة وانظر كيف قدّر الفراء في أنزل عن الدابة لا تطرحنك وفي قوله (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) فأدخل أداة الشرط على مضارع فعل الأمر وهكذا يقدر ما كان جوابا للأمر وزعم بعضهم أن قوله (لا تُصِيبَنَ) جواب قسم محذوف ، وقيل (لا)

__________________

(١) سورة النمل : ٢٧ / ١٨.

٣٠٤

نافية وشبه النفي بالموجب فدخلت النون كما دخلت في لتضربنّ التقدير : والله (لا تُصِيبَنَ) فعلى القول الأوّل بأنها صفة أو جواب أمر أو جواب قسم تكون النون قد دخلت في المنفي بلا وذهب بعض النحويين إلى أنها جواب قسم محذوف والجملة موجبة فدخلت النون في محلها ومطلت اللام فصارت لا والمعنى لتصيبنّ ويؤيد هذا قراءة ابن مسعود وعلى وزيد بن ثابت والباقر والربيع بن أنس وأبي العالية لتصيبن وفي ذلك وعيد للظالمين فقط وعلى هذا التوجيه خرّج ابن جنّي أيضا قراءة الجماعة (لا تُصِيبَنَ) وكون اللام مطلت فحدثت عنها الألف إشباعا لأن الإشباع بابه الشعر ، وقال ابن جني في قراءة ابن مسعود ومن معه يحتمل أن يراد بهذه القراءة (لا تُصِيبَنَ) فحذفت الألف تخفيفا واكتفاء بالحركة كما قالوا أم والله. قال المهدوي كما حذفت من ما وهي أخت لا في قوله أم والله لأفعلنّ وشبهه انتهى وليست للنفي ، وحكى النقاش عن ابن مسعود أنه قرأ فتنة أن تصيب ، وعن الزبير : لتصيبنّ وخرّج المبرّد والفراء والزجاج قراءة (لا تُصِيبَنَ) على أن تكون ناهية.

وتمّ الكلام عند قوله (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) وهو خطاب عام للمؤمنين تم الكلام عنده ثم ابتدئ نهي الظلمة خاصة عن التعرض للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة وأخرج النهي على جهة إسناده للفتنة فهو نهي محول كما قالوا لا أرينّك هاهنا أي لا تكن هنا فيقع مني رؤيتك والمراد هنا لا يتعرض الظالم للفتنة فتقع إصابتها له خاصة ، وقال الزمخشري في تقدير هذا الوجه وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل واحذروا ذنبا أو عقابا ثم قيل لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب من ظلم منكم خاصّة ، وقال الأخفش (لا تُصِيبَنَ) هو على معنى الدعاء انتهى والذي دعاه إلى هذا والله أعلم استبعاد دخول نون التوكيد في المنفي بلا واعتياض تقريره نهيا فعدل إلى جعله دعاء فيصير المعنى لا أصابت الفتنة الظالمين خاصّة واستلزمت الدعاء على غير الظالمين فصار التقدير لا أصابت ظالما ولا غير ظالم فكأنه (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) ، لا أوقعها الله بأحد ، فتلخص في تخريج قوله (لا تُصِيبَنَ) أقوال الدعاء والنهي على تقديرين وجواب أمر على تقديرين وصفة.

قال الزمخشري ، (فإن قلت) : كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر ، (قلت) : لأن فيه معنى التمني إذا قلت انزل عن الدابة لا تطرحك فلذلك جاز لا تطرحنك ولا تصيبن ولا يحطمنكم انتهى ، وإذا قلت لا تطرحك وجعلته جوابا لقولك انزل وليس فيه نهي بل نفي محض جواب الأمر نفي بلا وجزمه على الجواب على الخلاف الذي في

٣٠٥

جواب الأمر والستة معه هل ثم شرط محذوف دل عليه الأمر وما ذكر معه معنى الشرط وإذا فرعنا على مذهب الجمهور في أن الفعل المنفي بلا لا تدخل عليه النون للتوكيد لم يجز أنزل عن الدابة لا تطرحنّك ، وقال الزمخشري ، (فإن قلت) : ما معنى من في قوله (الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ، (قلت) : التبعيض على الوجه الأول فالتبيين على الثاني لأن المعنى لا تصيبكم خاصة على ظلمكم لأن الظلم منكم أقبح من سائر الناس انتهى ، ويعني بالأول أن يكون جوابا بعد أمر وبالثاني أن يكون نهيا بعد أمر وخاصة أصله أن يكون نعتا لمصدر محذوف أي إصابة خاصة وهي حال من الفاعل المستكن في (لا تُصِيبَنَ) ويحتمل أن يكون حالا من الذين ظلموا أي مخصوصين بها بل تعمهم وغيرهم ، وقال ابن عطية ويحتمل أن تكون خاصة حالا من الضمير في ظلموا ولا أتعقل هذا الوجه.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) هذا وعيد شديد مناسب لقوله (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) إذ فيه حثّ على لزوم الاستقامة خوفا من عقاب الله لا يقال كيف يوصل الرحيم الكريم الفتنة والعذاب لمن لم يذنب ، (قلت) : لأنه تصرّف بحكم الملك كما قد ينزل الفقر والمرض بعبده ابتداء فيحسن ذلك منه أو لأنه علم اشتمال ذلك على مزيد ثواب لمن أوقع به ذلك.

(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نزلت عقب بدر ، فقيل خطاب للمهاجرين خاصة كانوا بمكة قليلي العدد مقهورين فيها يخافون أن يسلبهم المشركون ، قال ابن عباس فآواهم بالمدينة وأيدهم بالنصر يوم بدر و (الطَّيِّباتِ) الغنائم وما فتح به عليهم ، وقيل الخطاب للرسول والصحابة وهي حالهم يوم بدر و (الطَّيِّباتِ) الغنائم والناس عسكر مكة وسائر القبائل المجاورة والتأييد هو الإمداد بالملائكة والتغلب على العدد ، وقال وهب وقتادة الخطاب للعرب قاطبة فإنها كانت أعرى الناس أجساما وأجوعهم بطونا وأقلّهم حالا حسنة والناس فارس والروم والمأوى النبوة والشريعة والتأييد بالنصر فتح البلاد وغلبة الملوك و (الطَّيِّباتِ) تعمّ المآكل والمشارب والملابس ، قال ابن عطية : هذا التأويل يردّه أن العرب كانت في وقت نزول هذه الآية كافرة إلا القليل ولم تترتب الأحوال التي ذكر هذا المتأول وإنما كان يمكن أن يخاطب العرب بهذه الآية في آخر زمان عمر رضي‌الله‌عنه فإن تمثّل أحد بهذه الآية بحال العرب فتمثيله صحيح وإما أن يكون حالة العرب هي سبب نزول الآية فبعيد لما ذكرناه انتهى ، وهذه الآية تعديل لنعمه تعالى عليهم ، قال الزمخشري : (إِذْ

٣٠٦

أَنْتُمْ) نصب على أنه مفعول به لا ذكروا ظرف أي (اذْكُرُوا) وقت كونكم أقلّة أذلّة انتهى ، وفيه التصرّف في (إِذْ) بنصبها مفعولة وهي من الظروف التي لا تتصرّف إلا بأن أضيف إليها الأزمان ، وقال ابن عطية : و (إِذْ) ظرف لمعمول و (اذْكُرُوا) تقديره واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل ولا يجوز أن تكون (إِذْ) ظرفا لا ذكر وإنما تعمل اذكر في إذ لو قدّرناها مفعوله انتهى ، وهو تخريج حسن. وقال الحوفي (إِذْ أَنْتُمْ) ظرف العامل فيه (اذْكُرُوا) انتهى ، وهذا لا يتأتى أصلا لأنّ اذكر للمستقبل فلا يكون ظرفه إلا مستقبلا وإذ ظرف ماض يستحيل أن يقع فيه المستقبل و (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) متعلق بقوله (فَآواكُمْ) وما بعده أي فعل هذا الإحسان لإرادة الشكر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قال ابن عباس والأكثرون : نزلت في أبي لبابة حين استنصحته قريظة لما أتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسيّرهم إلى أذرعات وأريحا كفعله ببني النضير فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي ليس عند الرسول إلا الذبح فكانت هذه خيانته في قصّة طويلة ، وقال جابر في رجل من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بشيء من أخبار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال المغيرة بن شعبة في قتل عثمان. قال ابن عطية ويشبه أن يتمثل بالآية في قتله فقد كان قتله خيانة لله ورسوله والأمانات انتهى ، وقيل في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يعلمهم بخروج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليها ، وقيل في قوم كانوا يسمعون الحديث من الرسول فيفشونه حتى يبلغ المشركين وخيانتهم الله في عدم امتثال أوامره وفعل ما نهى عنه في سرّ وخيانة الرسول فيما استحفظ وخيانة الأمانات إسقاطها وعدم الاعتبار بها ، وقيل و (تَخُونُوا) ذوي أماناتكم (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية أي وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله فكان ذلك أبعد لكم من الوقوع في الخيانة لأن العالم بما يترتب على الذنب يكون أبعد الناس عنه ، وقيل (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أن الخيانة توجد منكم عن تعمّد لا عن سهو ، وقيل وأنتم عالمون تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن وجوّزوا في (وَتَخُونُوا) أن يكون مجزوما عطفا على (لا تَخُونُوا) ومنصوبا على جواب النهي وكونه مجزوما هو الراجح لأن النصب يقتضي النهي عن الجمع والجزم يقتضي النهي عن كل واحد ، وقرأ مجاهد أمانتكم على التوحيد وروي ذلك عن أبي عمرو.

(وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي سبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم أو العذاب أو محنة واختبار لكم وكيف تحافظون على حدوده فيها ففي

٣٠٧

كون الأجر العظيم عنده إشارة إلى أن لا يفتن المرء بماله وولده فيؤثر محبته لهما على ما عند الله فيجمع المال ويحب الولد حتى يؤثر ذلك كما فعل أبو لبابة لأجل كون ماله وولده كانوا عند بني قريظة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فرقانا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك والسدّي وابن قتيبة ومالك فيما روي عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب. مخرجا ، وقرأ مالك (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (١) والمعنى مخرجا في الدّين من الضلال ، وقال مزرد بن ضرار :

بادر الأفق أن يغيب فلما

أظلم الليل لم يجد فرقانا

وقال الآخر :

مالك من طول الأسى فرقان

بعد قطين رحلوا وبانوا

وقال الآخر :

وكيف أرجي الخلد والموت طالبي

وما لي من كأس المنية فرقان

وقال ابن زيد وابن إسحاق فصلا بين الحق والباطل ، وقال قتادة وغيره : نجاة ، وقال الفرّاء فتحا ونصرا وهو في الآخرة يدخلكم الجنة والكفار النار ، وقال ابن عطية : فرقا بين حقّكم وباطل من ينازعكم أي بالنصر والتأييد عليهم والفرقان مصدر من فرق بين الشيئين حال بينهما ، وقال الزمخشري : نصرا لأنه يفرّق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله ومنه قوله تعالى (يَوْمَ الْفُرْقانِ) (٢) أو بيانا وظهورا يشهد أمركم ويثبت صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي طلع الفجر أو مخرجا من الشبهات وتوفيقا وشرحا للصدور أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان وفضلا ومزية في الدنيا والآخرة انتهى ، ولفظ (فُرْقاناً) مطلق فيصلح لما يقع به فرق بين المؤمنين والكافرين في أمور الدنيا والآخرة والتقوى هنا إن كانت من اتقاء الكبائر كانت السيئات الصغائر ليتغاير الشرط والجواز وتكفيرها في الدنيا ومغفرتها إزالتها في القيامة وتغاير الظرفان لئلا يلزم التكرار ، وتقدّم تفسير والله ذو الفضل العظيم في البقرة.

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ / ٢.

(٢) سورة الأنفال : ٨ / ٤١.

٣٠٨

وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) لما ذكر المؤمنين نعمه عليهم ذكره صلى‌الله‌عليه‌وسلم نعمه عليه في خاصة نفسه وكانت قريش قد تشاوروا في دار الندوة بما تفعل به فمن قائل : يحبس ويقيّد ويتربّص به ريب المنون ومن قائل : يخرج من مكة تستريحوا منه وتصور إبليس في صورة شيخ نجدي وقيل هذين الرأيين ومن قائل : يجتمع من كل قبيلة رجل ويضربونه ضربة واحدة بأسيافهم فيتفرق دمه في القبائل فلا تقدر بنو هاشم لمحاربة قريش كلها فيرضون بأخذ الدية فصوّب إبليس هذا الرأي فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن له بالخروج إلى المدينة وأمر عليّا أن يبيت في مضجعه ويتّشح ببردته وباتوا راصدين فبادروا إلى المضجع فأبصروا عليّا فبهتوا وخلف عليّا ليردّ ودائع كانت عنده وخرج إلى المدينة. قال ابن عباس ومجاهد : (لِيُثْبِتُوكَ) أي يقيّدوك ، وقال عطاء والسدّي : ليثخنوك بالجرح والضرب من قولهم ضربوه حتى أثبتوه لا حراك به ولا براح ورمى الطائر فأثبته أي أثخنه.

قال الشاعر :

فقلت ويحك ماذا في صحيفتكم

قال الخليفة أمسى مثبتا وجعا

أي مثخنا. وقرأ النخعي ليبيتوك من البيات وهذا المكر هنا هو بإجماع المفسّرين ما اجتمعت عليه قريش في دار الندوة كما أشرنا إليه وهذه الآية مدنيّة كسائر السورة وهو الصواب ، وعن عكرمة ومجاهد أنها مكية وعن ابن زيد نزلت عقيب كفاية الله رسوله المستهزئين ويتأوّل قول عكرمة ومجاهد على أنهما أشارا إلى قصة الآية إلى وقت نزولها وتكرر ويمكرون إخبارا باستمرار مكرهم وكثرته وتقدم شرح مثل باقي الآية في آل عمران.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا). قائل ذلك هو النضر بن الحارث واتبعه قائلون كثيرون وكان من مردة قريش سافر إلى فارس والحيرة وسمع من قصص الرهبان والأناجيل وأخبار رستم وإسفنديار ويرى اليهود والنصارى يركعون ويسجدون ، قتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صبرا بالصفراء بالأثيل منها منصرفه من بدر ، وفي هذا التركيب جواز وقوع المضارع بعد إذا وجوابه الماضي جوازا فصيحا بخلاف أدوات الشرط فإنه لا يجوز ذلك فيها إلا في الشعر نحو :

من يكدني بشيء كنت منه

ومعنى (قَدْ سَمِعْنا) قد سمعنا ولا نطيع أو قد سمعنا منك هذا وقولهم (لَوْ نَشاءُ) أي لو نشاء القول (لَقُلْنا مِثْلَ هذا) الذي تتلوه وذكر على معنى المتلو وهذا القول منهم على سبيل البهت

٣٠٩

والمصادمة وليس ذلك في استطاعتهم فقد طولبوا بسورة منه فعجزوا وكان أصعب شيء إليهم الغلبة وخصوصا في باب البيان فقد كانوا يتمالطون ويتعارضون ويحكم بينهم في ذلك وكانوا أحرص الناس على قهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكيف يحيلون المعارضة على المشيئة ويتعللون بأنهم لو أرادوا لقالوا مثل هذا القول.

(إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). تقدم شرحه في الأنعام.

(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) قائل ذلك النضر ، وقيل أبو جهل رواه البخاريّ ومسلم ، وقال الجمهور : قائل ذلك كفار قريش والإشارة في قوله (إِنْ كانَ هذا) إلى القرآن أو ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من التوحيد وغيره أو نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بين سائر قريش أقوال وتقدّم الكلام على (اللهُمَ) وقرأ الجمهور (هُوَ الْحَقَ) بالنصب جعلوا (هُوَ) فصلا ، وقرأ الأعمش وزيد بن عليّ بالرفع وهي جائزة في العربية فالجملة خبر (كانَ) وهي لغة تميم يرفعون بعد هو التي هي فصل في لغة غيرهم كما قال :

وكنت عليها بالملا أنت أقدر

وتقدّم الكلام على الفصل وفائدته في أول البقرة ، وقال ابن عطية ويجوز في العربيّة رفع الحقّ على أنه خبر والجملة خبر (كانَ). قال الزجاج ولا أعلم أحدا قرأ بهذا الجائز ، وقراءة الناس إنما هي بنصب (الْحَقَ) انتهى ، وقد ذكر من قرأ بالرفع وهذه الجملة الشرطيّة فيها مبالغة في إنكار الحق عظيمة أي إن كان حقّا فعاقبنا على إنكاره بإمطار الحجارة علينا أم بعذاب آخر ، قال الزمخشري ومراده نفي كونه حقّا فإذا انتفى كونه حقّا لم يستوجب منكره عذابا فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاد أنه ليس بحق كتعليقه بالمحال في قوله إن كان الباطل حقّا مع اعتقاده أنه ليس بحق وقوله (هُوَ الْحَقَ) تهكّم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين هذا هو الحق ويقال أمطرت كأنجمت وأسبلت ومطرت كهتفت وكثر الأمطار في معنى العذاب ، (فإن قلت) : فما فائدة قوله (مِنَ السَّماءِ) والأمطار لا تكون إلا منها ، (قلت) : كأنه أراد أن يقال فأمطر علينا السجّيل وهي الحجارة المسوّمة للعذاب موضع حجارة من السماء موضع السجّيل ، كما يقال صبّ عليه مسرودة من حديد يريد درعا انتهى ، ومعنى جوابه أن قوله (مِنَ السَّماءِ) جاء على سبيل التأكيد كما أن قوله من حديد معناه التأكيد لأنّ المسرودة لا تكون إلا من حديد كما أنّ الأمطار لا تكون إلا من السماء.

وقال ابن عطية : وقولهم (مِنَ السَّماءِ) مبالغة وإغراق انتهى. والذي يظهر لي أن

٣١٠

حكمة قولهم (مِنَ السَّماءِ) هي مقابلتهم مجيء الأمطار من الجهة التي ذكر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يأتيه الوحي من جهتها أي إنك تذكر أنه يأتيك الوحي من السماء فأتنا بعذاب من الجهة التي يأتيك منها الوحي إذ كان يحسن أن يعبّر عن إرسال الحجارة عليهم من غير جهة السماء بقولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) ، وقالوا ذلك على سبيل الاستبعاد والاعتقاد أن ما أتي به ليس بحق ، وقيل على سبيل الحسد والعناد مع علمهم أنه حق واستبعد هذا الثاني ابن فورك قال : ولا يقول هذا على وجه العناد عاقل انتهى ، وكأنه لم يقرأ (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (١) وقصّة أمية بن أبي الصلت وأحبار اليهود الذين قال الله تعالى فيهم : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٢) ، وقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم : «والله إنكم لتعلمون أني رسول الله» أو كلام يقاربه واقتراحهم هذين النوعين هو على ما جرى عليه اقتراح الأمم السالفة ، وسأل يهودي ابن عباس ممن أنت قال من قريش فقال أنت من الذين قالوا (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) الآية ، فهلا قالوا فاهدنا إليه ، فقال ابن عباس فأنت يا إسرائيلي من الذين لم تجفّ أرجلهم من بلل البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه ونجا موسى وقومه حتى قالوا (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) فقال لهم موسى (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (٣) فأطرق اليهودي مفحما ، وعن معاوية أنه قال لرجل من سبأ ما أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة فقال أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين دعاهم إلى الحقّ (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ) الآية ، ولم يقولوا : فاهدنا له.

(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) نزلت هذه إلى يعلمون بمكة ، وقيل بعد وقعة بدر حكاية عما حصل فيها. وقال ابن أبزى : الجملة الأولى بمكة إثر قوله (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) والثانية عند خروجه من مكة في طريقه إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون ، والثالثة بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم ولما علقوا أمطار الحجارة أو الإتيان بعذاب أليم على تقدير كينونة ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقا أخبر تعالى أنهم مستحقو العذاب لكنه لا يعذبهم وأنت فيهم إكراما له وجريا على عادته تعالى مع مكذّبي أنبيائه أن لا يعذبهم وأنبياؤهم مقيمون فيهم عذابا يستأصلهم فيه ، قال ابن عباس لم تعذّب أمة قط ونبيها فيها وعليه جماعة المتأولين فالمعنى فما كانت لتعذب أمتك وأنت فيهم بل كرامتك عند ربك أعظم وقال تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٤) ومن رحمته تعالى أن لا يعذّبهم والرسول فيهما

__________________

(١) سورة النمل : ٢٧ / ١٤.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٨٩.

(٣) سورة الأعراف : ٧ / ١٣٨.

(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٧.

٣١١

ولما كان الإمطار للحجارة عليهم مندرجا تحت العذاب كان النفي متسلّطا على العذاب الذي إمطار الحجارة نوع منه فقال تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) ولم يجىء التركيب ، وما كان الله ليمطر أوليائي بعذاب وتقييد نفي العذاب بكينونة الرسول فيهم إعلام بأنه إذا لم يكن فيهم وفارقهم عذّبهم ولكنه لم يعذبهم إكراما له مع كونهم بصدد من يعذب لتكذيبهم. قال ابن عطية عن أبي زيد : سمعت من العرب من يقول (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) بفتح اللام وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن انتهى ، وبفتح اللام في (لِيُعَذِّبَهُمْ) قرأ أبو السّمال ، وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو بالفتح في لام الأمر في قوله (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) (١) ، وروى ابن مجاهد عن أبي زيد أن من العرب من يفتح كلّ لام إلا في نحو : الحمد لله انتهى ، يعني لام الجرّ إذا دخلت على الظاهر أو على ياء المتكلم والظرفية في فيهم مجاز والمعنى : وأنت مقيم بينهم غير راجل عنهم.

(وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). انظر إلى حسن مساق هاتين الجملتين لما كانت كينونته فيهم سببا لانتفاء تعذيبهم أكّد خبر كان باللام على رأي الكوفيين أو جعل خبر كان الإرادة المنفية على رأي البصريين وانتفاء الإرادة للعذاب أبلغ من انتفاء العذاب ولما كان استغفارهم دون تلك الكينونة الشريفة لم يؤكد باللام بل جاء خبر (كانَ) قوله (مُعَذِّبَهُمْ) ، فشتّان ما بين استغفارهم وكينونته صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم والظاهر أن هذه الضمائر كلها في الجمل عائدة على الكفار وهو قول قتادة ، وقال ابن عباس وابن أبزى وأبو مالك والضحاك ما مقتضاه : إن الضمير في قوله (مُعَذِّبَهُمْ) عائد على كفار مكة والضمير في قوله وهم عائد على المؤمنين الذين بقوا بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة أي وما كان الله ليعذب الكفار والمؤمنون بينهم يستغفرون ، قال ابن عطية : ويدفع في صدر هذا القول أنّ المؤمنين الذين ردّ الضمير إليهم لم يجر لهم ذكر ، وقال ابن عباس أيضا ما مقتضاه إنّ الضميرين عائدان على الكفار وكانوا يقولون في دعائهم غفرانك ويقولون لبّيك لا شريك لك ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار فجعله الله أمنة من عذاب الدنيا على هذا تركب قول أبي موسى الأشعري وابن عباس إنّ الله جعل من عذاب الدنيا أمنتين كون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع الناس والاستغفار فارتفعت الواحدة وبقي الاستغفار إلى يوم القيامة.

وقال الزّجاج وحكى عن ابن عباس (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) عائد على الكفار والمراد به من سبق له في علم الله أن يسلم ويستغفر فالمعنى وما كان الله ليعذب الكفار ومنهم من

__________________

(١) سورة عبس : ٨٠ / ٢٤.

٣١٢

يستغفر ويؤمن في ثاني حال ، وقال مجاهد (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي وذريتهم يستغفرون ويؤمنون فأسند إليهم إذ ذريتهم منهم والاستغفار طلب الغفران ، وقال الضحّاك ومجاهد :

معنى يستغفرون يصلّون ، وقال عكرمة ومجاهد أيضا : يسلمون وظاهر قوله وهم يستغفرون أنهم ملتبسون بالاستغفار أي (هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فلا يعذّبون كما أن الرسول فيهم فلا يعذبون فكلا الحالين موجود كون الرسول فيهم واستغفارهم ، وقال الزمخشري (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) في موضع الحال ومعناه نفي الاستغفار عنهم أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم كقوله تعالى (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (١) ولكنهم لا يستغفرون ولا يؤمنون ولا يتوقع ذلك منهم انتهى ، وما قال تقدّمه إليه غيره ، فقال : المعنى وهم بحال توبة واستغفار من كفرهم أن لو وقع ذلك منهم ، واختاره الطبري وهو مرويّ عن قتادة وابن زيد.

(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ). الظاهر أن (ما) استفهامية أي أيّ شيء لهم في انتفاء العذاب وهو استفهام معناه التقرير أي كيف لا يعذبون وهم متّصفون بهذه الحالة المقتضية للعذاب وهي صدّهم المؤمنين عن المسجد الحرام وليسوا بولاة البيت ولا متأهلين لولايته ومن صدّهم ما فعلوا بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية وإخراجه مع المؤمنين داخل في الصدّ كانوا يقولون نحن ولاة البيت نصدّ من نشاء وندخل من نشاء وأن مصدرية ، وقال الأخفش : هي زائدة ، قال النّحّاس : لو كان كما قال لرفع تعذيبهم انتهى ، فكان يكون الفعل في موضع الحال كقوله : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) (٢) وموضع إن نصب أو جر على الخلاف إذ حذف منه وهي تتعلق بما تعلّق به (لَهُمْ) أي أيّ شيء كائن أو مستقرّ لهم في أن لا يعذبهم الله والمعنى لا حظ لهم في انتفاء العذاب وإذا انتفى ذلك فهم معذبون ولا بدّ وتقدير الطبري وما يمنعهم من أن يعذبوا هو تفسير معنى لا تفسير إعراب وكذلك ينبغي أن يتأوّل كلام ابن عطية أنّ التقدير وما قدرتهم ونحوه من الأفعال موجب أن يكون في موضع نصب والظاهر عود الضمير في (أَوْلِياءَهُ) على (الْمَسْجِدِ) لقربه وصحّة المعنى ، وقيل (ما) للنفي فيكون إخبارا أي وليس لهم أن لا يعذبهم الله أي ليس ينتفي العذاب عنم مع تلبّسهم بهذه الحال ، وقيل الضمير في (أَوْلِياءَهُ) عائد على الله تعالى ، وروي عن الحسن والظاهر أن قوله (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) استئناف إخبار أي وما استحقوا أن يكونوا ولاة أمره

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ١٧.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٨٤.

٣١٣

(إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) أي المتقون للشرك وقال الزمخشري : (إِلَّا الْمُتَّقُونَ) من المسلمين ليس كل مسلم أيضا ممن يصلح أن يلي أمره إنما يستأهل ولايته من كان برا تقيا فكيف عبدة الأصنام انتهى؟ ويجوز أن يكون (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) معطوفا على (وَهُمْ يَصُدُّونَ) فيكون حالا والمعنى كيف لا يعذبهم الله وهم متّصفون بهذين الوصفين صدّهم عن المسجد الحرام وانتفاء كونهم أولياءه أي أولياء المسجد أي ليسوا ولاته فلا ينبغي أن يصدّوا عنه أو أولياء الله فهم كفار فيكون قد ارتقى من حال إلى أعظم منها وهو كونهم ليسوا مؤمنين فمن كان صادّا عن المسجد كافرا بالله فهو حقيق بالتعذيب والضمير في (إِنْ أَوْلِياؤُهُ) مترتب على ما يعود عليه في قوله : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) واختلفوا في هذا التعذيب فقال قوم : هو الأول إلا أنه كان امتنع بشيئين كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم واستغفار من بينهم من المؤمنين فلما وقع التمييز بالهجرة وقع بالباقين يوم بدر ، وقيل : بل وقع بفتح مكة ، وقال قوم : هذا التعذيب غير ذلك فالأوّل : استئصال كلهم فلم يقع لما علم من إسلام بعضهم وإسلام بعض ذراريهم ، والثاني : قتل بعضهم يوم بدر ، وقال ابن عباس : الأوّل عذاب الدنيا ، والثاني : عذاب الآخرة ، فالمعنى وما كان الله معذب المشركين لاستغفارهم في الدنيا وما لهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة ومتعلّق (لا يَعْلَمُونَ) محذوف تقديره (لا يَعْلَمُونَ) أنهم ليسوا أولياءه بل يظنون أنهم أولياؤه الظاهر استدراك الأكثر في انتفاء العلم إذ كان بينهم وفي خلالهم من جنح إلى الإيمان فكان يعلم أن أولئك الصادّين ليسوا أولياء البيت أو أولياء الله فكأنه قيل (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أي أكثر المقيمين بمكة (لا يَعْلَمُونَ) لتخرج منهم العباس وأم الفضل وغيرهما ممن وقع له علم أو إذ كان فيهم من يعلمه وهو يعاند طلبا للرياسة أو أريد بالأكثر الجميع على سبيل المجاز فكأنه قيل ولكنهم لا يعلمون كما قيل : قلما رجل يقول ذلك في معنى النفي المحض وإبقاء الأكثر على ظاهره أولى وكونه أريد به الجميع هو تخريج الزمخشري وابن عطية.

(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ). لما نفي عنهم أن يكونوا ولاة البيت ذكر من فعلهم القبيح ما يؤكد ذلك وأنّ من كانت صلاته ما ذكر لا يستأهل أن يكونوا أولياءه فالمعنى والله أعلم أن الذي يقوم مقام صلاتهم هو المكاء والتصدية وضعوا مكان الصلاة والتقرّب إلى الله التصفير والتصفيق كانوا يطوفون عراة ، رجالهم ونساؤهم مشبكين بين أصابعهم يصفرون ويصفّقون يفعلون ذلك إذا قرأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخلطون عليه في صلاته ونظير هذا المعنى قولهم كانت عقوبتك عزلتك أي القائم مقام العقوبة هو العزل. وقال الشاعر :

٣١٤

وما كنت أخشى أن يكون عطاؤه

أداهم سودا أو مدحرجة سمرا

أقام مقام العطاء القيود والسّياط كما أقاموا مقام الصلاة المكاء والتصدية ، وقال ابن عباس : كان ذلك عبادة في ظنهم ، قال ابن عطية لما نفى تعالى ولايتهم للبيت أمكن أن يعترض معترض بأن يقول كيف لا نكون أولياءه ونحن نسكنه ونصلي عنده فقطع الله هذا الاعتراض ، (وَما كانَ صَلاتُهُمْ) إلا المكاء والتصدية كما يقال الرجل : أنا أفعل الخير ، فيقال له : ما فعلك الخير إلا أن تشرب الخمر وتقتل أي هذه عادتك وغايتك قال : والذي مر بي من أمر العرب في غير ما ديوان أنّ المكاء والتصدية كانا من فعل العرب قديما قبل الإسلام على جهة التقرب والتشرع ، وروي عن بعض أقوياء العرب أنه كان يمكو على الصفا فيسمع من جبل حراء وبينهما أربعة أميال وعلى هذا يستقيم تعييرهم وتنقيصهم بأن شرعهم وصلاتهم وعبادتهم لم تكن رهبة ولا رغبة إنما كانت (مُكاءً وَتَصْدِيَةً) من نوع اللعب ، ولكنهم كانوا يتزيّدون فيها وقت قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليشغلوه وأمته عن القراءة والصلاة ، قال ابن عمر ومجاهد والسدّي : والمكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق ، وعن مجاهد أيضا المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواههم والتصدية الصفير والصفير بالفم وقد يكون بالأصابع والكف في الفم قاله مجاهد وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقد يشارك الأنف يريدون أن يشغلوا بذلك الرسول عن الصلاة ، وقال ابن جبير وابن زيد : التصدية صدهم عن البيت ، وقال ابن بحر : إنّ صلاتهم ودعاءهم غير رادّين عليهم ثوابا إلا كما يجيب الصدا الصائح فتلخص في معنى الآية ثلاثة أقوال : أحدها : ما ظاهره أن الكفار كانت لهم صلاة وتعبّد وذلك هو المكاء والتصدية ، والثاني : أنه كانت لهم صلاة ولا جدوى لها ولا ثواب فجعلت كأنها أصوات الصدا حيث لها حقيقة ، والثالث : أنه لا صلاة لهم لكنهم أقاموا مقامها المكاء والتصدية ، وقال بعض شيوخنا : أكثر أهل العلم على أنّ الصلاة هنا هي الطواف وقد سمّاه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة ، وقرأ إبان بن تغلب وعاصم والأعمش بخلاف عنهما (صَلاتُهُمْ) بالنصب (إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) بالرفع وخطأ قوم منهم أبو علي الفارسي هذه القراءة لجعل المعرفة خبرا والنكرة اسما قالوا : ولا يجوز ذلك إلا في ضرورة كقوله : يكون مزاجها عسل وماء وخرّجها أبو الفتح على أنّ المكاء والتصدية اسم جنس واسم الجنس تعريفه وتنكيره واحد انتهى ، وهو نظير قول من جعل نسلخ صفة لليل في قوله (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) (١) ويسبني صفة للئيم في قوله :

__________________

(١) سورة يس : ٣٦ / ٣٧.

٣١٥

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

وقرأ أبو عمر وفيما روي عنه إلا مكا بالقصر منوّنا فمن مدّ فكالثغاء والرغاء ومن قصّر فكالبكا في لغة من قصّر والعذاب في قوله (فَذُوقُوا الْعَذابَ) (١) ، قيل هو في الآخرة ، وقيل هو قتلهم وأخذ غنائمهم ببدر وأسرهم ، قال ابن عطية : فيلزم أن تكون هذه الآية الأخيرة نزلت بعد بدر ولا بدّ ، والأشبه أنّ الكلّ بعد بدر حكاية عن ماض وكون عذابهم بالقتل يوم بدر هو قول الحسن والضحاك وابن جريج.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) قال مقاتل والكلبيّ نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا حجّاج وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبيّ بن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب ، وكلهم من قريش وكان يطعم كلّ واحد منهم كل يوم عشر جزائر ، وقال مجاهد والسدّي وابن جبير وابن أبزى : نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سوى من استجاش من العرب ، وفيهم يقول كعب بن مالك :

فجئنا إلى موج من البحر وسطه

أحابيش منهم حاسر ومقنع

ثلاثة آلاف ونحن بقيّة

ثلاث مئين إن كثرنا وأربع

وقال الحكم بن عيينة : أنفق على الأحابيش وغيرهم أربعين أوقية من ذهب ، وقال الضحّاك وغيره : نزلت في نفقة المشركين الخارجين إلى بدر كانوا ينحرون يوما عشرا من الإبل ويوما تسعا وهذا نحو من القول الأوّل ، وقال ابن إسحاق عن رجاله لما رجع فل قريش إلى مكة من بدر ورجع أبو سفيان بعيره كلم أبناء من أصيب ببدر وغيرهم أبا سفيان وتجّار العير في الإعانة بالمال الذي سلم لعلّنا ندرك ثارا لمن أصيب ففعلوا فنزلت ، وروي نحوه عن ابن شهاب ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمرو بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر من شرح أحوالهم في الطاعات البدنية وهي صلاتهم شرح حالهم في الطاعات المالية وهي إنفاقهم أموالهم للصدّ عن سبيل الله ، والظاهر الإخبار عن الكفار بأنّ إنفاقهم ليس في سبيل الله بل سببه الصدّ عن سبيل الله فيندرج هؤلاء الذين ذكروا في هذا العموم وقد يكون اللفظ عاما والسبب خاصا والمعنى أنّ الكفار يقصدون بنفقتهم الصدّ عن سبيل الله وغلبة

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٦ وغيرها.

٣١٦

المؤمنين فلا يقع إلا عكس ما قصدوا وهو تندمهم وتحسّرهم على ذهاب أموالهم ثم غلبتهم الآخرة ، وفي الآخرة (فَسَيُنْفِقُونَها) إلى آخره من الإخبار بالغيوب لأنه أخبر بما يكون قبل كونه ثم كان كما أخبر والإخبار بسين الاستقبال يدل على إنفاق متأخر عن وقعة أحد وبدر وأنّ ذلك إخبار عن علو الإسلام وغلبة أهله ، وكذا وقع فتحوا البلاد ودوّخوا العباد وملأ الإسلام معظم أقطار الأرض واتسعت هذه الملة اتساعا لم يكن لشيء من الملل السابقة.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) هذا إخبار بما يؤول إليه حال الكفار في الآخرة من حشرهم إلى جهنم إذ أخبر بما آل إليه حالهم في الدنيا من حسرتهم وكونهم مغلوبين ومعنى قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) من وافى على الكفر وأعاد الظاهر لأنّ من أنفق ماله من الكفار أسلم منهم جماعة ولام (لِيَمِيزَ) متعلقة بقوله (يُحْشَرُونَ) ، و (الْخَبِيثَ) و (الطَّيِّبِ) وصفان يصلحان للآدميين وللمال وتقدّم ذكرهما في قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) فمن المفسرين من تأوّل (الْخَبِيثَ) و (الطَّيِّبِ) على الآدميين ، فقال ابن عباس : (لِيَمِيزَ) أهل السعادة من أهل الشقاوة ونحوه ، قال السدّي ومقاتل قالا : أراد المؤمن من الكفار وتحريره ليميز أهل الشقاوة من أهل السعادة والكافر من المؤمن ، وقدّره الزمخشري : الفريق الخبيث من الكفار من الفريق الطيّب من المؤمنين ، ومعنى جعل الخبيث بعضه على بعض وركمه ضمّه وجمعه حتى لا يفلت منهم أحد واحتمل الجعل أن يكون من باب التصيير ومن باب الإلقاء.

وقال ابن القشيري : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) بتأخير عذاب كفار هذه الأمة إلى يوم القيامة ليستخرج المؤمنين من أصلاب الكفار انتهى ، فعلى ما سبق يكون التمييز في الآخرة وعلى القول الأخير يكون في الدنيا ومن المفسرين من تأوّل (الْخَبِيثَ) و (الطَّيِّبِ) على الأموال ، فقال ابن سلام والزجاج : المعنى بالخبيث المال الذي أنفقه المشركون كمال أبي سفيان وأبي جهل وغيرهما المنفق في عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والإعانة عليه في الصد عن سبيل الله و (الطَّيِّبِ) هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل الله كمال أبي بكر وعمر وعثمان ولام (لِيَمِيزَ) على هذا متعلقة بقوله (يُغْلَبُونَ) قاله ابن عطية ، وقال الزمخشري بقوله (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) والمعنى (لِيَمِيزَ اللهُ) الفرق بين (الْخَبِيثَ) و (الطَّيِّبِ) فيخذل أهل الخبث وينصر أهل الطيب ويكون قوله (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) من

٣١٧

جملة ما يعذبون به كقوله (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ) ـ إلى قوله ـ (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (١) قاله الحسن ، وقيل الخبيث ما أنفق في المعاصي والطيب ما أنفق في الطاعات ، وقيل المال الحرام من المال الحلال ، وقيل ما لم تؤدّ زكاته من الذي أدّيت زكاته ، وقل هو عامّ في الأعمال السيئة وركمها ختمها وجعلها قلائد في أعناق عمالها في النار ولكثرتها جعل بعضها فوق بعض وإن كان المعنى بالخبيث الأموال التي أنفقوها في حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقيل : الفائدة في إلقائها في النار أنها لما كانت عزيزة في أنفسها عظيمة بينهم ألقاها الله في النار ليريهم هو أنها كما تلقى الشمس والقمر في النار ليرى من عبدهما ذلهما وصغارهما والذي يظهر من هذه الأقوال هو الأول ، وهو أن يكون المراد بالخبيث الكفار وبالطيب المؤمنون إذ الكفار أولاهم المحدّث عنهم بقوله (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) ، وقوله (فَسَيُنْفِقُونَها) وبقوله ثم (إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) وأخراهم المشار إليهم بقوله (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ولما كان تغلب الإنسان في ماله وتصرفه فيه يرجو بذلك حصول الربح له أخبر تعالى أن هؤلاء هم الذين خسروا في إنفاقهم وأخفقت صفقتهم حيث بذل أعزّ ما عنده في مقابلة عذاب الله ولا خسران أعظم من هذا ، وتقدم ذكر الخلاف في قراءة (لِيَمِيزَ) في قوله (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (٢) ويقال ميزته فتميز وميزته فانماز حكاه يعقوب ، وفي الشاذ وانمازوا اليوم وأنشد أبو زيد قول الشاعر :

لما ثنى الله عني شرّ عذرته

وانمزت لا منسأ ذعرا ولا رجلا

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) لما ذكر ما يحل بهم من حشرهم إلى النار وجعلهم فيها وخسرهم تلطّف بهم وأنهم إذا انتهوا عن الكفر وآمنوا غفرت لهم ذنوبهم السالفة وليس ثم ما يترتب على الانتهاء عنه غفران الذنوب سوى الكفر فلذلك كان المعنى (إِنْ يَنْتَهُوا) عن الكفر واللام في (لِلَّذِينَ) الظاهر أنها للتبليغ وأنه أمر أن يقول لهم هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ الجملة المحكية بالقول وسواء قاله بهذه العبارة أم غيرها ، وجعل الزمخشري اللام لام العلة ، فقال : أي (قُلْ) لأجلهم هذا القول (إِنْ يَنْتَهُوا) ولو كان بمعنى خاطبتهم به لقيل إن تنتهوا نغفر لكم ، وهي قراءة ابن مسعود ونحوه ، (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) (٣) خاطبوا به غيرهم ليسمعوه انتهى ، وقرىء (يُغْفَرْ) مبنيا للفاعل والضمير لله تعالى.

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ٣٥.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٩.

(٣) سورة الأحقاف : ٤٦ / ١١.

٣١٨

(وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ). العود يقتضي الرجوع إلى شيء سابق ولا يكون الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه فالمعنى عودهم إلى ما أمكن انفصالهم منه وهو قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل (وَإِنْ يَعُودُوا) إلى الارتداد بعد الإسلام ، وبه فسّر أبو حنيفة (وَإِنْ يَعُودُوا) واحتج بالآية على أن المرتد إذا أسلم فلا يلزمه قضاء العبادات المتروكة في حال الردّة وقبلها وأجمعوا على أن الحربي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة وأما إذا أسلم الذميّ فيلزمه قضاء حقوق الآدميين لا حقوق الله تعالى والظاهر دخول الزنديق في عموم قوله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فتقبل توبته وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقال مالك لا تقبل ، وقال يحيى بن معاذ الرازي : التوحيد لا يعجز عن هدم ما قبله من كفر فلا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب وجواب الشرط قالوا : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) ، ولا يصح ذلك على ظاهره بل ذلك دليل على الجواب والتقدير (وَإِنْ يَعُودُوا) انتقمنا منهم وأهلكناهم فقد مضت سنّة الأوّلين في أنا انتقمنا منهم وأهلكناهم بتكذيب أنبيائهم وكفرهم ويحتمل (سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) أن يراد بها سنة الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر وسنة الذين تحزّبوا على أنبيائهم فدمّروا فليتوقعوا مثل ذلك وتخويفهم بقصة بدر أشدّ إذ هي قريبة معاينة لهم وعليها نص السدّيّ وابن إسحاق ، ويحتمل أن يراد بقوله (سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) من تقدّم من أهل بدر والأمم السالفة والمعنى فقد عاينتم قصة بدر وسمعتم ما حلّ بهم.

وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ). تقدم تفسير نظير هذه الآية وهنا زيادة (كُلُّهُ) توكيدا للدّين. وقرأ الأعمش : ويكون برفع النون والجمهور بنصبها.

(فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر ومعنى (بَصِيرٌ) بإيمانهم فيجازيهم على ذلك ويثيبهم ، وقرأ الحسن ويعقوب وسلام بن سليمان بما تعملون بالتاء على الخطاب لمن أمروا بالمقاتلة أي بما تعملون من الجهاد في سبيله والدعاء إلى دينه يصير يجازيكم عليه أحسن الجزاء.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ). أي مواليكم ومعينكم

٣١٩

وهذا وعد صريح بالظّفر والنصر والأعرق في الفصاحة أن يكون (مَوْلاكُمْ) خبر (إِنْ) ويجوز أن يكون عطف بيان والجملة بعده خبر أنّ والمخصوص بالمدح محذوف أي الله أو هو والمعنى فثقوا بموالاته ونصرته واستدلّ بقوله (وَقاتِلُوهُمْ) على وجوب قتال أصناف أهل الكفر إلا ما خصّه الدليل وهم أهل الكتاب والمجوس فإنهم يقرّون بالجزية وإنه لا يقرّ سائر الكفار على دينهم بالذّمة إلا هؤلاء الثلاثة لقيام الدليل على جواز إقرارها بالجزية.

وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ

٣٢٠