البحر المحيط في التّفسير - ج ٥

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٨

عن النساء ، وقال الحوفي : (مِنْ دُونِ النِّساءِ) متعلّق بشهوة و (بَلْ) هنا للخروج من قصة إلى قصة تنبىء بأنهم متجاوزو الحد في الاعتداء ، وقيل إضراب عن تقريرهم وتوبيخهم والإنكار أو عن الإخبار عنهم بهذه المعصية الشنيعة إلى الحكم عليهم بالحال التي تنشأ عنها القبائح وتدعو إلى اتّباع الشهوات وهي الإسراف وهو الزيادة المفسدة لما كانت عادتهم الإسراف أسرفوا حتى في باب قضاء الشهوة وتجاوزوا المعتاد إلى غيره ونحوه (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) (١) ، وقيل إضراب عن محذوف تقديره ما عدلتم بل أنتم ، وقال الكرماني بل ردّ لجواب زعموا أن يكون لهم عذر أي لا عذر لكم ولا حجّة (بَلْ أَنْتُمْ) وجاء هنا (مُسْرِفُونَ) باسم الفاعل ليدلّ على الثبوت ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء وجاء في النمل (تَجْهَلُونَ) (٢) بالمضارع لتجدد الجهل فيهم ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال.

(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) الضمير في (أَخْرِجُوهُمْ) عائد على لوط ومن آمن به ولما تأخر نزول هذه السورة عن سورة النمل أضمر ما فسره الظاهر في النمل من قوله (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) (٣) وآل لوط ابنتاه وهما رغواء وريفاء ومن تبعه من المؤمنين ، وقيل : لم يكن معه إلا ابنتاه كما قال تعالى : (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٤) وقال ابن عطية : والضمير عائد على آل لوط وأهله وإن كان لم يجر لهم ذكر فإن المعنى يقتضيهم ، وقرأ الحسن (جَوابَ) بالرفع انتهى وهنا جاء العطف بالواو والمراد بها أحد محاملها الثلاث من التعقيب المعني في النمل في قوله (تَجْهَلُونَ) فما وفي العنكبوت (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (٥) فما وكان التعقيب مبالغة في الرد حيث لم يمهلوا في الجواب زمانا بل أعجلوه بالجواب سرعة وعدم البراءة بما يجاوبون به ولم يطابق الجواب قوله لأنه لما أنكر عليهم الفاحشة وعظم أمرها ونسبهم إلى الإسراف بادروا بشيء لا تعلّق له بكلامه وهو الأمر بالإخراج ونظيره جواب قوم إبراهيم بأن قالوا (حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) (٦) حتى قبح عليهم بقوله (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٧) فأتوا بجواب لا يطابق كلامه والقرية هي سدوم سميت باسم

__________________

(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٦٦.

(٢) سورة النمل : ٢٧ / ٥٥.

(٣) سورة النمل : ٢٧ / ٥٦.

(٤) سورة الذاريات : ٥١ / ٣٦.

(٥) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٢٩.

(٦) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٨.

(٧) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٧.

١٠١

سدوم بن باقيم الذي يضرب المثل في الحكومات هاجر لوط مع عمه إبراهيم من أرض بابل فنزل إبراهيم أرض فلسطين وأنزل لوطا الأردن.

(إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) قال ابن عباس ومجاهد يتقذّرون عن إتيان أدبار الرجال والنساء ، وقيل يأتون النساء في الأطهار ، وقال ابن بحر : يرتقبون أطهار النساء فيجامعونهنّ فيها ، وقيل : يتنزهون عن فعلنا وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد ، وقيل : يغتسلون من الجنابة ويتطهرون بالماء عيروهم بذلك ويسمى هذا النوع في علم البيان التعريض بما يوهم الذمّ وهو مدح كقوله :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

ولذلك قال ابن عباس : عابوهم بما يمدح به ، والظاهر أن قوله (إِنَّهُمْ) تعليل للإخراج أي لأنهم لا يوافقوننا على ما نحن عليه ومن لا يوافقنا وجب أن نخرجه ، وقال الزمخشري : وقولهم (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش وافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشيطان من الفسقة لبعض الصلحاء إذ وعظهم أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهّد.

(فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) من العذاب الذي حل بقومه (وَأَهْلَهُ) هم المؤمنون معه أو ابنتاه على الخلاف الذي سبق واستثنى من أهله امرأته فلم تنج واسمها واهلة كانت منافقة تسرّ الكفر موالية لأهل سدوم ومعنى (مِنَ الْغابِرِينَ) من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا وعلى هذا يكون قوله (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) تفسيرا وتوكيدا لما تضمنه الاستثناء من كونها لم ينجها الله تعالى. وقال أبو عبيدة : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) اكتفى به في أنها لم تنج ثم ابتدأ وصفها بعد ذلك بصفة لا تتعلق بها النجاة ولا الهلكة وهي أنها كانت ممن أسن وبقي من عصره إلى عصر غيره فكانت غابرة أي متقدّمة في السن كما قال : إلا عجوزا في الغابرين إلى أن هلكت مع قومها انتهى ، وجاء (مِنَ الْغابِرِينَ) تغليبا للذكور على الإناث ، وقال الزّجاج : من الغائبين عن النجاة فيكون توكيدا لما تضمنه الاستثناء انتهى ، و (كانَتْ) بمعنى صارت أو كانت في علم الله أو باقية على ظاهرها من تقييد غبورها بالزمان الماضي أقوال.

(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) ضمن (أَمْطَرْنا) معنى أرسلنا فلذلك عداه بعلى كقوله فأمطرنا عليهم حجارة من السماء والمطر هنا هي حجارة وقد ذكرت في غير آية خسف بهم

١٠٢

وأمطرت عليهم الحجارة ، وقيل : كانت المؤتفكة خمس مدائن ، وقيل : ست ، وقيل : أربع اقتلعها جبريل بجناحه فرفعها حتى سمع أهل السماء تهيق الحمير وصياح الديكة ثم عكسها فرد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض ، وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم في سفر أو خارجا عن البقاع وقالت امرأة لوط حين سمعت الرجّة وا قوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها ، والظاهر أن الأمطار شملهم كلهم ، وقيل : خسف بأهل المدن وأمطرت الحجارة على المسافرين منهم ، وسئل مجاهد هل سلم منهم أحد قال لا إلا رجلا كان بمكة تاجرا وقف الحجر له أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فأصابه فمات وكان عددهم مائة ألف.

(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) خطاب للرسول أو للسامع قصتهم كيف كان مآل من أجرم وفيه إيقاظ وازدجار أن تسلك هذه الأمة هذا المسلك و (الْمُجْرِمِينَ) عام في قوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم وهو من نظر التفكر أو من نظر البصر فيمن بقيت له آثار منازل ومساكن كثمود وقوم لوط كما قال تعالى (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) (١).

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ). قال الفرّاء (مَدْيَنَ) اسم بلد وقطر وأنشد :

رهبان مدين لو زأوك تنزلوا

فعلى هذا التقدير وإلى أهل مدين ، وقيل : اسم قبيلة سميت باسم أبيها مدين بن إبراهيم قاله مقاتل وأبو سليمان الدمشقي ، وشعيب قيل : هو ابن بنت لوط ، وقيل زوج بنته وهذه مناسبة بين قصته وقصة لوط وشعيب اسم عربي تصغير شعب أو شعب والجمهور على أنّ مدين أعجمي فإن كان عربيا احتمل أن يكون فعيلا من مدين بالمكان أقام به وهو بناء نادر ، وقيل : مهمل أو مفعلا من دان فتصحيحه شاذ كمريم ومكورة ومطيبة وهو ممنوع الصّرف على كل حال سواء كان اسم أرض أو اسم قبيلة أعجميا أم عربيا واختلفوا في نسب شعيب ، فقال عطاء وابن إسحاق وغيرهما : هو شعيب بن ميكيل بن سجن بن مدين بن إبراهيم واسمه بالسّريانية بيروت ، وقال الشرقي بن القطامي : شعيب بن عنقاء بن ثويب بن مدين بن إبراهيم ، وقال أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي الطلحيّ الأصبهاني في كتاب الإيضاح في التفسير من تأليفه : هو شعيب بن ثويب بن

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٣٨.

١٠٣

مدين بن إبراهيم ، وقيل : شعيب بن جذي بن سجن بن اللام بن يعقوب ، وكذا قال ابن سمعان إلا أنه جعل مكان اللام لاوي ولا يعرف في أولاد يعقوب اللام فلعله تصحيف من لاوي ، وقيل : شعيب بن صفوان بن عنقاء بن ثويب بن مدين بن إبراهيم ، وقال الشريف النسابة الجوّاني : وهو المنتهى إليه في هذا العلم هو شعيب بن حبيش بن وائل بن مالك بن حرام بن جذام واسمه عامر أخو نجم وهما ولدا الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر هود عليه‌السلام فبينه وبين هود في هذا النسب الأخير ثمانية عشر أبا وبينهما في بعض النسب المذكور سبعة آباء لأنه ذكر فيه أنه شعيب بن ثويب بن مدين بن إبراهيم وإبراهيم هو ابن تارح بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر وهو هود عليه‌السلام وكان يقال لشعيب : خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه ، قال قتادة : أرسل مرتين مرّة إلى مدين ومرة إلى أصحاب الأيكة وتعلّق إلى مدين وانتصب (أَخاهُمْ) بأرسلنا وهذا يقوي قول من نصب لوطا بأرسلنا وجعله معطوفا على الأنبياء قبله.

(قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قرأ الحسن آية من ربكم وهذا دليل على أنه جاء بالمعجزة إذ كل نبيّ لا بدّ له من معجزة تدلّ على صدقه لكنه لم يعين هنا ما المعجزة ولا من أي نوع هي كما أنه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معجزات كثيرة جدّا لم تعين في القرآن وقال قوم : كان شعيب نبيّا ولم تكن له بينة والبينة هنا الموعظة وأنكر الزجاج هذا القول وقال : لا تقبل نبوة بغير معجزة ومن معجزاته أنه دفع إلى موسى عصاه وتلك العصا صارت تنينا ، وقال الزمخشري : ومن معجزات شعيب ما روي من محاربة عصا موسى التنين حين دفع إليه غنمة وولادة الغنم الدّرع خاصة حين وعده أن يكون له الدّرع من أولادها ووقوع عصا آدم على يده في المرّات السبع وغير ذلك من الآيات لأنّ هذه كلها كانت قبل أن ينبأ موسى عليه‌السلام فكانت معجزات لشعيب ، وقال الزجاج : وأيضا قال لموسى عليه‌السلام هذه الأغنام تلد أولادا فيها سواد وبياض وقد وهبتها لك فكان الأمر كما أخبر عنه وهذه الأحوال كلها كانت معجزة لشعيب عليه‌السلام لأنّ موسى عليه‌السلام في ذلك الوقت ما ادّعى الرسالة انتهى ، وما قاله الزمخشري متّبعا فيه الزجاج هو قول المعتزلة وذلك أن الإرهاص وهو ظهور المعجزة على يد من سيصير نبيّا ورسولا بعد ذلك مختلف في جوازه فالمعتزلة تقول : هو غير جائز فلذلك جعلوا هذه المعجزات لشعيب وأهل السنّة يقولون بجوازه فهي إرهاص لموسى بالنبوة قبل الوحي إليه والحجج للمذهبين مذكورة في أصول الدين.

١٠٤

(فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أمرهم أولا بشيء خاص وهو إيفاء الكيل والميزان ثم نهاهم عن شيء عام وهو قوله (أَشْياءَهُمْ) و (الْكَيْلَ) مصدر كنى به عن الآلة التي يكال بها كقوله في هود (الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) (١) فطابق قوله (وَالْمِيزانَ) أو هو باق على المصدرية وأريد بالميزان المصدر كالميعاد لا الآلة فتطابقا أو أخذ الميزان على حذف مضاف أي ووزن الميزان والكيل على إرادة المكيال فتطابقا والبخس تقدّم شرحه في قوله (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) و (أَشْياءَهُمْ) (٢) عام في كل شيء لهم ، وقيل : أموالهم ، وقال التبريزي : حقوقهم وفي إضافة الأشياء إلى الناس دليل على ملكهم إياها خلافا للإباحيّة الزنادقة كانوا يبخسون الناس في مبايعاتهم وكانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه ومنه قيل للمكس البخس وروي أنهم كانوا إذا دخل الغريب بلدهم أخذوا دراهمه الجياد وقالوا هي زيوف فقطعوها قطعا ثم أخذوها بنقصان ظاهر وأعطوه بدلها زيوفا وكانت هذه المعصية قد فشت فيهم في ذلك الزمان مع كفرهم الذي نالتهم الرّجفة بسببه.

(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) تقدّم تفسير هذه الجملة قريبا في هذه السورة.

(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الإشارة إلى إيفاء الكيل والميزان وترك البخس والإفساد وخير أفعل التفضيل أي من التطفيف والبخس والإفساد لأنّ خيرية هذه لكم عاجلة جدا منقضية عن قريب منكم إذ يقطع الناس معاملتكم ويحذرونكم فإذا أوفيتم وتركتم البخس والإفساد جملت سيرتكم وحسنت الأحدوثة عنكم وقصدكم الناس بالتجارات والمكاسب فيكون ذلك أخير مما كنتم تفعلون لديمومة التجارة والأرباح بالعدل في المعاملات والتحلي بالأمانات ، وقيل : (ذلِكُمْ) إشارة إلى الإيمان الذي تضمنه قوله (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) وإلى ترك البخس في الكيل والميزان ، وقيل : (خَيْرٌ) هنا ليست على بابها من التفضيل ولذلك فسّره ابن عطية بقوله أي ذاك نافع عند الله مكسب فوزه ورضوانه وظاهر قوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أنهم كانوا كافرين وعلى ذلك يدل صدر الآية وآخر القصة فمعنى ذلك أنه لا يكون ذلك لكم خيرا ونافعا عند الله إلا بشرط الإيمان

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ٨٤.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٢.

١٠٥

والتوحيد وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان ، وقال الزمخشري (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إن كنتم مصدقين لي في قولي (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).

وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)

(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً) الظاهر النهي عن القعود بكل طريق لهم عن ما كانوا يفعلونه من إيعاد الناس وصدّهم عن طريق الدّين ، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدّي : كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون : إنه كذاب فلا تذهب إليه على نحو ما كانت تفعله قريش مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال السدّي : هذا نهي العشارين والمتقبلين ونحوه من أخذ أموال الناس بالباطل ، وقال أبو هريرة : هو نهي عن السّلب وقطع الطريق وكان ذلك من فعلهم وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيت ليلة أسري بي خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته فقلت ما هذا يا جبريل فقال هذا مثل لقوم من أمّتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) وفي هذا القول والقول الذي قبله مناسبة لقوله (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) لكن لا تظهر مناسبة لهما بقوله (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ) بل ذلك يناسب القول الأول قال القرطبي : قال علماؤنا ومثلهم اليوم هؤلاء المكاسون الذين يأخذون من الناس ما لا يلزمهم شرعا من الوظائف الماليّة بالقهر والجبر وضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله من الزكاة والمواريث والملاهي والمترتّبون في الطرق إلى غير ذلك مما قد كثر في الوجود وعمل به في سائر البلاد وهو من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها فإنه غضب وظلم وعسف على الناس وإذاعة للمنكر وعمل به ودوام عليه وإقرار له وأعظمه تضمين الشرع والحكم للقضاء فإنا لله وإنا إليه راجعون ، لم يبق من الإسلام إلا رسمه ولا من الدّين إلا اسمه انتهى كلامه. وقد قرن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأموال والأعراض بالدماء في قوله في حجة الوداع : «ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حراما» وما أكثر ما تساهل الناس في أخذ الأموال وفي

١٠٦

الغيبة ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قتل دون ماله فهو شهيد» والعجب إطباق من يتظاهر بالصلاح والدين والعلم على عدم إنكار هذه المكوس والضمانات وادعاء بعضهم أنه له تصرف في الوجود ودلال على الله تعالى بحيث إنه يدعو فيستجاب له فيما أراد ويضمن لمن كان من أصحابه وأتباعه الجنة وهو مع ذلك يتردّد لأصحاب المكوس ويتذلل إليهم في نزع شيء حقير وأخذه من المكس الذي حصّلوه وهذه وقاحة لا تصدر ممن شمّ رائحة الإيمان ولا تعلق بشيء من الإسلام ، وقال بعض الشعراء :

تساوى الكلّ منا في المساوي

فأفضلنا فتيلا ما يساوي

وعلى الأقوال السابقة يكون القعود بكل صراط حقيقة وحمل القعود والصراط الزمخشري على المجاز ، فقال ولا تقتدوا بالشيطان في قوله (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) فتقعدوا بكل صراط أي بكل منهاج من مناهج الدّين والدليل على أن المراد بالصراط سبيل الحق قوله (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، (فإن قلت) : صراط الحقّ واحد (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٢) فكيف قيل بكل صراط ، (قلت) : صراط الحقّ واحد ولكنه يتشعّب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة فكانوا إذا رأوا واحدا يشرع في شيء منه منعوه وصدّوه انتهى. ولا تظهر الدلالة على أن المراد بالصراط سبيل الحق من قوله (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) كما ذكر بل الظاهر التغاير لعموم كل صراط وخصوص سبيل الله فيكون (بِكُلِّ صِراطٍ) حقيقة في الطرق ، و (سَبِيلِ اللهِ) مجاز عن دين الله والباء في (بِكُلِّ صِراطٍ) ظرفية نحو زيد بالبصرة أي في كل صراط وفي البصرة والجمل من قوله (تُوعِدُونَ) و (تَصُدُّونَ وَتَبْغُونَها) أحوال أي موعدين وصادّين وباغين والإيعاد ذكر إنزال المضار بالموعد ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب من الشرّ لأن أوعد لا يكون إلا في الشر وإذا ذكر تعدى الفعل إليه بالباء.

قال أبو منصور الجواليقي : إذا أرادوا أن يذكروا ما يهددوا به مع أوعدت جاؤوا بالباء فقالوا : أوعدته بالضرب ولا يقولون أعدته الضرب والصدّ يمكن أن يكون حقيقة في عدم التمكين من الذهاب إلى الرسول ليسمع كلامه ويمكن أن يكون مجازا عن الإيعاد من الصادّ بوجه ما أو عن وعد المصدود بالمنافع على تركه و (مَنْ آمَنَ) مفعول بتصدون على إعمال الثاني ومفعول (تُوعِدُونَ) ضمير محذوف والضمير في (بِهِ) الظاهر أنه على

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٦.

(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٣.

١٠٧

(سَبِيلِ اللهِ) وذكره لأن السبيل تذكر وتؤنث ، وقيل عائد على الله ، وقال الزمخشري : (فإن قلت) : إلام يرجع الضمير في آمن به ، (قلت) : إلى كلّ صراط تقديره توعدون من آمن به وتصدون عنه فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم دلالة على عظم ما يصدّون عنه انتهى وهذا تعسّف في الإعراب لا يليق بأن يحمل القرآن عليه لما فيه من التقديم والتأخير ووضع الظاهر موضع المضمر من غير حاجة إلى ذلك وعود الضمير على أبعد مذكور مع إمكان عوده على أقرب مذكور الإمكان السائغ الحسن الراجح وجعل (مَنْ آمَنَ) منصوبا بتوعدون فيصير من إعمال الأوّل وهو قليل.

وقد قال النحاة أنه لم يرد في القرآن لقلته ولو كان من إعمال الأول للزم ذكر الضمير في الفعل الثاني وكان يكون التركيب وتصدونه أو وتصدونهم إذ هذا الضمير لا يجوز حذفه على قول الأكثرين إلا ضرورة على قول بعض النحاة يحذف في قليل من الكلام ويدلّ على (مَنْ آمَنَ) منصوب بتصدون الآية الأخرى وهي قوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ) (١) ولا يحذف مثل هذا الضمير إلا في شعر وأجاز بعضهم حذفه على قلة مع هذه التكليفات المضافة إلى ذلك فكان جديرا بالمنع لما في ذلك من التعقيد البعيد عن الفصحاحة وأجاز ابن عطية أن يعود على شعيب في قول من رأى القعود على الطريق للرد عن شعيب وهذا بعيد لأن القائل (وَلا تَقْعُدُوا) وهو شعيب فكان يكون التركيب من آمن بي ولا يسوغ هنا أن يكون التفافا لو قلت : يا هند أنا أقول لك لا تهيني من أكرمه تريد من أكرمني لم يصحّ وتقدم تفسير مثل قوله (وَتَبْغُونَها عِوَجاً) (٢) في آل عمران.

(وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) قال الزمخشري (إِذْ) مفعول به غير ظرف أي (وَاذْكُرُوا) على جهة الشكر وقت كونكم (قَلِيلاً) عددكم (فَكَثَّرَكُمْ) الله ووفر عددكم انتهى ؛ وذكر غيره أنه منصوب على الظرف فلا يمكن أن يعمل فيه (وَاذْكُرُوا) لاستقبال اذكروا وكون (إِذْ) ظرفا لما مضى والقلّة والتكثير هنا بالنسبة إلى الأشخاص أو إلى الفقر والغنى أو إلى قصر الأعمار وطولها أقوال ثلاثة أظهرها الأول. قيل : إن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا وفشوا ، وقال الزمخشري : إذ كنتم أقلة أذلّة فأعزّكم بكثرة العدد والعدد انتهى ولا ضرورة تدعو إلى حذف صفة وهي أذلّة ولا إلى تحميل قوله (فَكَثَّرَكُمْ) معنى بالعدد ألا ترى أنّ القلة لا تستلزم الذلّة ولا الكثرة تستلزم العزّ ، وقال الشاعر :

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ٩٩.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٩٩.

١٠٨

تعيّرنا أنّا قليل عديدنا

فقلت لها إنّ الكرام قليل

وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا

عزيز وجار الأكثرين ذليل

وقيل : المراد مجموع الأقوال الأربعة فإنه تعالى كثّر عددهم وأرزاقهم وطوّل أعمارهم وأعزّهم بعد أن كانوا على مقابلاتها.

(وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) هذا تهديد لهم وتذكير بعاقبة من أفسد قبلهم وتمثيل لهم بمن حلّ به العذاب من قوم نوح وهود وصالح ولوط وكانوا قريبي عهد بما أجاب المؤتفكة.

(وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) هذا الكلام من أحسن ما تلطف به في المحاورة إذ برز المتحقق في صورة المشكوك فيه وذلك أنه قد آمن به طائفة بدليل قول المستكبرين عن الإيمان (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ) (١) وهو أيضا من بارع التقسيم إذ لا يخلو قومه من القسمين والذي أرسل به هنا ما أمرهم به من إفراد الله تعالى بالعبادة وإيفاء الكيل والميزان ونهاهم عنه من البخس والإفساد والقعود المذكور ومتعلق (لَمْ يُؤْمِنُوا) محذوف دلّ عليه ما قبله وتقديره لم يؤمنوا به والخطاب بقوله (مِنْكُمْ) لقومه وينبغي أن يكون قوله (فَاصْبِرُوا) خطابا لفريقي قومه من آمن ومن لم يؤمن و (بَيْنَنا) أي بين الجميع فيكون ذلك وعدا للمؤمنين بالنصر الذي هو نتيجة الصّبر فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا وعيدا للكافرين بالعقوبة والخسار ، وقال ابن عطية : المعنى وإن كنتم يا قوم قد اختلفتم عليّ وشعبتم بكفركم أمري فآمنت طائفة وكفرت طائفة فاصبروا أيها الكفرة حتى يأتي حكم الله بيني وبينكم ففي قوله (فَاصْبِرُوا) قوة التهديد والوعيد هذا ظاهر الكلام وأنّ المخاطبة بجميع الآية للكفار ، قال النقاش وقال مقاتل بن سليمان : المعنى (فَاصْبِرُوا) يا معشر الكفار قال : وهذا قول الجماعة انتهى ، وهذا القول بدأ به الزمخشري ، فقال (فَاصْبِرُوا) فتربصوا وانتظروا (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) أي بين الفريقين بأن ينصر المحقين على المبطلين ويظهرهم عليهم وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله تعالى منهم لقوله تعالى (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (٢) انتهى.

قال ابن عطية : وحكى منذر بن سعيد عن أبي سعيد أنّ الخطاب بقوله (فَاصْبِرُوا) للمؤمنين على معنى الوعد لهم وقاله مقاتل بن حيان انتهى وثنى به الزمخشري فقال أو هو

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٨٨.

(٢) سورة التوبة : ٩ / ٥٢.

١٠٩

موعظة للمؤمنين وحثّ على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم انتهى ، والذي قدمناه أولا من أنه خطاب للفريقين هو قول أبي علي وأتى به الزمخشري ثالثا فقال : ويجوز أن يكون خطابا للفريقين ليصبر المؤمنون على أذى الكفار وليصبر الكفار على ما يسوءوهم من إيمان من آمن منهم حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيّب انتهى ، وهو جار على عادته من ذكر تجويزات في الكلام توهّم أنها من قوله وهي أقوال للعلماء المتقدمين (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) لأنّ حكمه عدل لا يخشى أن يكون به حيف وجور.

قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩) وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ

١١٠

(٩٩) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٢) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣)

١١١

عاد رجع إلى ما كان عليه وتأتي بمعنى صار. قال :

تعد فيكم جزر الجزور رماحنا

ويرجعن بالأسياف منكسرات

ضحى ظرف متصرّف إن كان نكرة وغير متصرّف إذا كان من يوم بعينه وهو وقت ارتفاع الشمس إذا طلعت وهو مؤنث وشذّوا في تصغيره فقالوا : ضحى بغير تاء التأنيث وتقول أتيته ضحى وضحاء إذا فتحت الضّاد مددت ، الثعبان ذكر الحيّات العظيم أخذ من ثعبت بالمكان فجرته بالماء والمثعب موضع انفجار الماء لأن الثعبان يجري كالماء عند الانفجار. الإرجاء التأخير ، المدينة معروفة مشتقة من مدن فهي فعيلة ومن ذهب إلى أنها مفعلة من دان فقوله ضعيف لإجماع العرب على الهمز في جمعها قالوا مدائن بالهمزة ولا يحفظ فيه مداين بالياء ولا ضرورة تدعو إلى أنها مفعلة ويقطع بأنها فعيلة جمعهم لها على فعل قالوا مدن كما قالوا صحف في صحيفة.

(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي الكفار (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان أقسموا على أحد الأمرين إخراج شعيب وأتباعه أو عودتهم في ملتهم والقسم يكون على فعل المقسم وفعل غيره سوّوا بين نفيه ونفي أتباعه وبين العود في الملّة وهذا يدلّ على صعوبة مفارقة الوطن إذ قرنوا ذلك بالعود إلى الكفر وفي الإخراج والعود طباق معنوي وعاد كما تقدّم لها استعمالان أحدهما أن تكون بمعنى صار والثاني بمعنى رجع إلى ما كان عليه فعلى الأوّل لا إشكال في قوله (أَوْ لَتَعُودُنَ) إذ صار فعلا مسندا إلى شعيب وأتباعه ولا يدلّ على أن شعيبا كان في ملتهم وعلى المعنى الثاني يشكل لأنّ شعيبا لم يكن في ملتهم قط لكن أتباعهم كانوا فيها ، وأجيب عن هذا بوجوه.

أحدها : أن يراد بعود شعيب في الملة حال سكوته عنهم قبل أن يبعث لإحالة الضلال فإنه كان يخفي دينه إلى أن أوحى الله إليه.

الثاني : أن يكون من باب تغليب حكم الجماعة على الواحد لما عطفوا أتباعه على ضميره في الإخراج سحبوا عليه حكمهم في العود وإن كان شعيب بريئا مما كان عليه أتباعه قبل الإيمان.

الثالث : أن رؤساءهم قالوا ذلك على سبيل التلبيس على العامّة والإيهام أنه كان منهم.

(قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) أي أيقع منكم أحد هذين الأمرين على كل حال حتى في حال كراهيتنا لذلك والاستفهام للتوقيف على شنعة المعصية بما أقسموا عليه من الإخراج

١١٢

عن مواطنهم ظلما أو الإقرار بالعود في ملتهم ، قال الزمخشري الهمزة للاستفهام والواو واو الحال تقديره أتعيدوننا في ملّتكم في حال كراهتنا أو مع كوننا كارهين انتهى ، فجعل الاستفهام خاصا بالعود في ملتهم وليس كذلك بل الاستفهام هو عن أحد الأمرين الإخراج أو العود وجعل الواو واو الحال وقدره أتعيدوننا في حال كراهتنا وليست واو الحال التي يعبّر عنها النحويون بواو الحال بل هي واو العطف عطفت على حال محذوفة كقوله «ردّوا السائل ولو بظلف محرق» ليس المعنى ردّوه في حال الصدقة عليه بظلف محرق بل المعنى ردّوه مصحوبا بالصدقة ولو مصحوبا بظلف محرق تقدم لنا إشباع القول في نحو هذا.

(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) هذا إخباره مقيّد من حيث المعنى بالشرط وجواب الشرط محذوف من حيث الصناعة وتقديره (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) فقد افترينا وليس قوله (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً) هو جواب الشرط إلا على مذهب من يجيز تقديم جواب الشرط على الشرط فيمكن أن يخرج هذا عيه وجوّزوا في هذه الجملة وجهين أحدهما أن يكون إخبارا مستأنفا ، قال الزمخشري : فيه معنى التعجّب كأنهم قالوا ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر بعد الإسلام لأنّ المرتدّ أبلغ في الافتراء من الكافر يعني الأصلي لأن الكافر مفتر على الله الكذب حيث يزعم أن لله ندّا ولا ندّ له والمرتد مثله في ذلك وزائد عليه حيث يزعم أنه قد بيّن له ما خفي عليه من التمييز ما بين الحق والباطل. وقال ابن عطية : الظاهر أنه خبر أي قد كنا نواقع أمرا عظيما في الرجوع إلى الكفر ، والوجه الثاني أن يكون قسما على تقدير حذف اللام أي والله لقد افترينا ذكره الزمخشري وأورده ابن عطية احتمالا قال : ويحتمل أن يكون على جهة القسم الذي هو في صيغة الدّعاء مثل قول الشاعر :

بقيت وفري وانحرفت عن العلا

ولقيت أضيافي بوجه عبوس

وكما تقول افتريت على الله إن كلمت فلانا ولم ينشد ابن عطية البيت الذي يقيّد قوله بقيت وما بعده بالشرط وهو قوله :

إن لم أشن على ابن هند غارة

لم تخل يوما من نهاب نفوس

ولما كان أمر الدّين هو الأعظم عند المؤمن والمؤثر على أمر الدنيا لم يلتفتوا إلى الإخراج وإن كان أحد الأمرين هو الأعظم عند المؤمن والمؤثر على الكذب أقسم على وقوعه الكفار فقالوا قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملّتكم وتقدّم تفسير العود بالصيرورة وتأويله إن كان في معنى الرجوع إلى ما كان الإنسان فيه بالنسبة إلى النبي المعصوم من الكبائر والصغائر.

١١٣

(وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) أي وما ينبغي ولا يتهيّأ لنا (أَنْ نَعُودَ) في ملّتكم (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) فنعود فيها وهذا الاستثناء على سبيل عذق جميع الأمور بمشيئة الله وإرادته وتجويز العود من المؤمنين إلى ملتهم دون شعيب لعصمته بالنبوّة فجرى الاستثناء على سبيل تغليب حكم الجمع على الواحد وإن لم يكن ذلك الواحد داخلا في حكم الجمع ، وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبّد الله به المؤمنين مما تفعله الكفرة من القربات فلما قال لهم إنا لا نعود في ملّتكم ثم خشي أن يتعبّد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك ويقول هذه عودة إلى ملتنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يتعبّد به انتهى ، وهذا الاحتمال لا يصحّ لأن قوله (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) إنما يعني النجاة من الكفرة والمعاصي لا من أعمال البرّ ، وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بذلك معنى الاستبعاد كما تقول لا أفعل ذلك حتى يشيب الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط وقد علم امتناع ذلك فهي إحالة على مستحيل وهذا تأويل حكاه المفسرون ولم يشعروا بما فيه انتهى ، وهذا تأويل إنما هو للمعتزلة مذهبهم أنّ الكفر والإيمان ليس بمشيئة من الله تعالى ، وقال الزمخشري : (فإن قلت) : وما معنى قوله (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) والله تعالى متعال أن يشاء ردة المؤمنين وعودهم في الكفر ، (قلت) : معناه إلا أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الإلطاف لعلمه تعالى أنها لا تنفع فينا ويكون عبثا والعبث قبيح لا يفعله الحكيم والدليل عليه قوله (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (١) أي هو عالم بكل شيء مما كان ويكون وهو تعالى يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل قلوبهم وكيف تنقلب وكيف تقسو بعد الرّقة وتمرض بعد الصحة وترجع إلى الكفر بعد الإيمان ويجوز أن يكون قوله (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) حسما لطمعهم في العود لأن مشيئة الله تعالى بعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة انتهى وهذان التأويلان على مذهب المعتزلة ، وقيل : هذا الاستثناء إنما هو تسليم وتأدّب ، قال ابن عطية : وتعلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء ولو كان الكلام إن شاء قوى هذا التأويل انتهى وليس يقوي هذا التأويل لا فرق بين إلا إن يشاء وبين إلا إن شاء لأنّ إنّ تخلص الماضي للاستقبال كما تخلص أن المضارع للاستقبال وكلا الفعلين مستقبل وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في (فِيها) يعود على القرية لا على الملة.

(وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) تقدم تفسير نظيرها في الأنعام في في قصة إبراهيم عليه‌السلام.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٨٩.

١١٤

(عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) أي في دفع ما توعدتمونا به وفي حمايتنا من الضلال وفي ذلك استسلام الله وتمسّك بلطفه وذلك يؤيد التأويل الأوّل في إلا أن يشاء الله ، وقال الزمخشري : يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان.

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) أي احكم والفاتح والفتاح القاضي بلغة حمير وقيل بلغة مراد ، وقال بعضهم :

ألا أبلغ بني عصم رسولا

فإني عن فتاحتكم غني

وقال ابن عباس : ما كنت أعرف معنى هذه اللفظة حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها تعال أفاتحك أي أحاكمك ، وقال الفرّاء أهل عمان يسمون القاضي الفاتح ، وقال السدّي وابن بحر : احكم بيننا ، قال أبو إسحاق وجائز أن يكون المعنى أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وبين قومنا وينكشف ذلك وذلك بأن ينزل بعدوّهم من العذاب ما يظهر به أنّ الحق معهم ، قال ابن عباس : كان كثير الصلاة ولما طال تمادي قومه في كفرهم ويئس من صلاحهم دعا عليهم فاستجاب دعاءه وأهلكهم بالرّجفة ، وقال الحسن : إنّ كل نبي أراد هلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ثم استجاب له فأهلكهم.

(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) أي قال بعضهم لبعض أي كبراؤهم لأتباعهم تثبيطا عن الإيمان : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) فيما أمركم به ونهاكم عنه ، قال الزمخشري : (فإن قلت) : ما جواب القسم الذي وطأته اللام في (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ) وجواب الشرط؟ (قلت) : قوله (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) سادّ مسدّ الجوابين انتهى ، والذي تقول النحويون أنّ جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ولذلك وجب مضي فعل الشرط فإن عنى الزمخشري بقوله سادّ مسدّ الجوابين إنه اجتزئ به عن ذكر جواب الشرط فهو قريب وإن عنى به أنه من حيث الصناعة النحوية فليس كما زعم لأن الجملة يمتنع أن تكون لا موضع لها من الإعراب وأن يكون لها موضع من الإعراب و (إِذاً) هنا معناها التوكيد وهي الحرف الذي هو جواب ويكون معه الجزاء وقد لا يكون وزعم بعض النحويين أنها في هذا الموضع ظرف العامل فيه (لَخاسِرُونَ) والنون عوض من المحذوف والتقدير إنكم إذا اتبعتموه لخاسرون فلما حذف ما أضيف إليه عوض من ذلك النون فصادفت الألف فالتقى ساكنان فحذف الألف لالتقائهما والتعويض فيه مثل التعويض في يومئذ وحينئذ ونحوه وما ذهب إليه هذا الزاعم ليس بشيء لأنه لم يثبت التعويض والحذف في (إِذاً) التي للاستقبال في موضع فيحمل هذا عليه ، (لَخاسِرُونَ) قال ابن عباس : مغبونون ، وقال عطاء : جاهلون ، وقال الضحاك : عجزة ، وقال

١١٥

الزمخشري : (لَخاسِرُونَ) لاستبدالكم الضلالة بالهدى لقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) (١). وقيل تخسرون باتباعه فوائد البخس والتطفيف لأنه ينهاكم عنه ويحملكم على الإيفاء والتسوية انتهى.

(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) تقدم تفسير مثل هذه الجملة ، قال ابن عباس وغيره : لما دعى عليهم فتح عليهم باب من جهنم بحرّ شديد أخذ بأنفاسهم فلم ينفعهم ظلّ ولا ماء فإذا دخلوا الأسراب ليتبرّدوا وجدوها أشدّ حرّا من الظاهر فخرجوا هربا إلى البرية فأظلتهم سحابة فيها ريح طيبة فتنادوا عليكم الظلة فاجتمعوا تحتها كلهم فانطبقت عليهم وألهبها الله نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلو فصاروا رمادا. وروي أن الريح حبست عنهم سبعة أيام ثم سلّط عليهم الحرّ ، وقال يزيد الجريري : سلط عليهم الرّيح سبعة أيام ثم رفع لهم جبل من بعيد فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون فاجتمعوا تحته كلهم فوقع ذلك الجبل عليهم ، وقال قتادة : أرسل شعيب إلى أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلّة وإلى أصحاب مدين فصاح بهم جبريل صيحة فهلكوا جميعا وقال ابن عطية : ويحتمل أنّ فرقة من قوم شعيب هلكت بالرّجفة وفرقة هلكت بالظلّة ، وقال الطبري بلغني أنّ رجلا منهم يقال له عمرو بن جلّها لما رأى الظلة. قال الشاعر :

يا قوم إن شعيبا مرسل فذروا

عنكم سميرا وعمران بن شدّاد

إني أرى غيمة يا قوم قد طلعت

تدعو بصوت على صمانة الواد

وإنه لن تروا فيها صحاء غد

إلا الرّقيم تمشي بين أنجاد

سمير وعمران كاهناهم والرّقيم كلبهم ، وعن أبي عبد الله البجلي : أبو جاد وهوّز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت أسماء ملوك مدين وكان كلمن ملكهم يوم نزول العذاب بهم زمان شعيب عليه‌السلام فلما هلك قالت ابنته تبكيه :

كلمن قد هدّ ركني

هلكه وسط المحلة

سيّد القوم أتاه

حتف نار وسط ظله

جعلت نار عليهم

دارهم كالمضمحله

(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي كأن لم يقيموا ناعمي البال رخيي العيش في دارهم وفيها قوة الإخبار عن هلاكهم وحلول المكروه بهم والتنبيه على الاعتبار بهم كقوله تعالى : (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) (٢) وكقول الشاعر :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٦.

(٢) سورة يونس : ١٠ / ٢٤.

١١٦

وقال ابن عطية : وغنيت بالمكان إنما يقال في الإقامة التي هي مقترنة بتنعم وعيش رخي هذا الذي استقريت من الأشعار التي ذكرت العرب فيها هذه اللفظة وأنشد على ذلك عدّة أبيات ثم قال وأما قول الشاعر :

غنينا زمانا بالتصعلك والغنى

فكلّا سقانا بكأسيهما الدهر

فمعناه استغنينا ورضينا مع أنّ هذه اللفظة ليست مقترنة بمكان انتهى ، وقال ابن عباس : كأن لم يعمروا ، وقال قتادة : كأن لم ينعموا ، وقال الأخفش : كأن لم يعيشوا ، وقال أيضا قتادة وابن زيد ومقاتل : كأن لم يكونوا ، وقال الزجاج : كأن لم ينزلوا ، وقال ابن قتيبة : كأن لم يقيموا و (الَّذِينَ) مبتدأ والجملة التشبيهية خبره ، قال الزمخشري : وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قيل (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا كأن لم يقيموا في دارهم لأنّ الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم الله تعالى انتهى ، وجوّز أبو البقاء أن يكون الخبر (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) كانوا هم الخاسرين و (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا) حال من الضمير في (كَذَّبُوا) وجوّز أيضا أن يكون (الَّذِينَ كَذَّبُوا) صفة لقول الذين كفروا من قومه وأن يكون بدلا منه وعلى هذين الوجهين يكون (كَأَنْ) حالا انتهى ، وهذه أوجه متكلفة والظاهر أنها جمل مستقلة لا تعلق بما قبلها من جهة الإعراب.

(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) هذا أيضا مبتدأ وخبره ، وقال الزمخشري : وفيه معنى الاختصاص أي هم المخصوصون بالخسران العظيم دون اتباعه فإنهم هم الرابحون وفي هذا الاستئناف لهذا الابتداء وهذا التكرير مبالغة في ردّ مقالة الملأ لأشياعهم وتسفيه لرأيهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم انتهى ، وهاتان الجملتان منبئتان عن ما فعل الله بهم في مقالتهم قالوا (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ) فجاء الإخبار بإخراجهم بالهلاك وأي إخراج أعظم من إخراجهم وقالوا : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) فحكم تعالى عليهم هم بالخسران وأجاز أبو البقاء في إعراب (الَّذِينَ) هنا أن يكون بدلا من الضمير في (يَغْنَوْا) أو منصوبا بإضمار أعني والابتداء الذي ذكرناه أقوى وأجزل.

(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) تقدّم تفسير نظيره في قصة صالح عليه‌السلام.

(فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) أي فكيف أحزن على من لا يستحق أن يحزن عليه ونبّه على العلة التي لا تبعث على الحزن وهي الكفر إذ هو أعظم ما يعادى به المؤمن إذ هما

١١٧

نقيضان كما جاء لا تتراءى ناراهما وكأنه وجد في نفسه رقّة عليهم حيث كان أمله فيهم أن يؤمنوا فلم يقدر فسرى ذلك عن نفسه باستحضار سبب التسلي عنهم والقسوة فذكر أشنع ما ارتكبوه معه من الوصف الذي هو الكفر بالله الباعث على تكذيب الرّسل وعلى المناوأة الشديدة حتى لا يساكنوه وتوعدوه بالإخراج وبأشد منه وهو عودهم إلى ملتهم ، قال مكي : وسار شعيب بمن تبعه إلى مكة فسكنوها وقرأ ابن وثاب وابن مصرّف والأعمش إيسي بكسر الهمزة وهي لغة تقدّم ذكرها في الفاتحة.

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) لما ذكر تعالى ما حلّ بالأمم السالفة من بأسه وسطوته عليهم آخر أمرهم حين لا تجدي فيهم الموعظة ذكر تعالى أن تلك عادته في أتباع الأنبياء إذا أصرّوا على تكذيبهم وجاء بعد (إِلَّا) فعل ماض وهو (أَخَذْنا) ولا يليها فعل ماض إلا إن تقدم فعل أو أصحب بقد فمثال ما تقدّمه فعل هذه الآية ومثال ما أصحب قد قولك ما زيد إلا قد قام والجملة من قوله (أَخَذْنا) حاليّة أي إلا آخذين أهلها وهو استثناء مفرّغ من الأحوال وتقدّم تفسير نظير قوله (إِلَّا أَخَذْنا) إلى آخره.

(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) أي مكان الحال السيئة من البأساء والضراء الحال الحسنة من السّرّاء والنعمة ، قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة مكان الشدّة الرخاء ، وقيل مكان الشرّ الخير ومكان و (الْحَسَنَةَ) مفعولا بدل و (مَكانَ) هو محل الباء أي بمكان السيئة وفي لفظ (مَكانَ) إشعار بتمكن البأساء منهم كأنه صار للشدة عندهم مكان وأعرب بعضهم (مَكانَ) ظرفا أي في مكان.

(حَتَّى عَفَوْا) أي كثروا وتناسلوا ، وقال مجاهد : كثرت أموالهم وأولادهم ، وقال ابن بحر حتى أعرضوا من عفا عن ذنبه أي أعرض عنه ، وقال الحسن : سمنوا ، وقال قتادة سرّوا بكثرتهم وذلك استدراج منه لهم لأنه أخذهم بالشدة ليتعظوا ويزدجروا فلم يفعلوا ثم أخذهم بالرخاء ليشكروا.

(وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) أبطرتهم النعمة وأشروا فقالوا هذه عادة الدّهر ضرّاء وسرّاء وقد أصاب آباءنا مثل ذلك لا بابتلاء وقصد بل ذلك بالاتفاق لا على ما تخبر الأنبياء جعلوا أسلافهم وما أصابهم مثلا لهم ولما يصيبهم فلا ينبغي أن ننكر هذه العادة من أفعال الدهر.

١١٨

(فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) تقدّم الكلام على مثل هذه الآية لما أفسدوا على التقديرين أخذوا هذا الأخذ.

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي لو كانوا ممن سبق في علم الله أنهم يتلبسون بالإيمان بما جاءت به الأنبياء وبالطاعات التي هي ثمرة الإيمان ليتيسر لهم من بركات السماء ولكن كانوا ممن سبق في علمه أنهم يكذّبون الأنبياء فيؤخذون باجترامهم وكل من الإيمان والتكذيب والثواب والعقاب سبق به القدر وأضيف الإيمان والتكذيب إلى العبد كسبا والموجد لهما هو الله تعالى لا يسأل عما يفعل ، وقال الزمخشري : اللام في (الْقُرى) إشارة إلى القرى التي دلّ عليها قوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) (١) ، كأنه قال ولو أنّ أهل تلك القرى الذين كذبوا وأهلكوا آمنوا بدل كفرهم واتقوا المعاصي مكان ارتكابها (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) لآتيناهم بالخير من كل وجه ، وقيل : أراد المطر والنبات (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ) بسوء كسبهم ويجوز أن تكون اللام في (الْقُرى) للجنس انتهى ، وفي قوله واتقوا المعاصي نزغة الاعتزال رتب تعالى على الإيمان والتقوى فتح البركات ورتب على التكذيب وحده وهو المقابل للإيمان الهلاك ولم يذكر مقابل التقوى لأنّ التكذيب لم ينفع معه الخير بخلاف الإيمان فإنه ينفع وإن لم يكن معه فعل الطاعات والظاهر أن قوله (بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) لا يراد بها معين ولذلك جاءت نكرة ، وقيل : بركات السماء المطر وبركات الأرض الثمار ، وقال السدّي : المعنى لفتحنا عليهم أبواب السماء والأرض بالرزق ، وقيل بركات السماء إجابة الدعاء ، وبركات الأرض تيسير الحاجات ، وقيل : بركات السماء المطر وبركات الأرض المواشي والأنعام وحصول السلامة والأمن ، وقيل : البركات النمو والزيادات فمن السماء بجهة المطر والريح والشمس ومن الأرض بجهة النبات والحفظ لما نبت هذا الذي تدركه فطر البشر ولله خدام غير ذلك لا يحصى عددهم وما علم الله أكثر وذلك أنّ السماء تجري مجرى الأب والأرض مجرى الأم ومنهما تحصل جميع الخيرات بخلق الله وتدبيره والأخذ أخذ إهلاك بالذنوب ، وقرأ ابن عامر وعيسى الثقفي وأبو عبد الرحمن (لَفَتَحْنا) بتشديد التاء ومعنى الفتح هنا التيسير عليهم كما تيسر على الأبواب المستغلقة بفتحها ومنه فتحت على القارئ إذا يسرت عليه بتلقينك إياه ما تعذّر عليه حفظه من القرآن إذا أراد القراءة.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٩٤.

١١٩

(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) الهمزة دخلت على أمن للاستفهام على جهة التوقيف والتوبيخ والإنكار والوعيد للكافرين المعاصرين للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك والفاء لعطف هذه الجملة على ما قبلها ، وقال الزمخشري : (فإن قلت) : ما المعطوف عليه ولم عطفت الأولى بالفاء والثانية بالواو (قلت) : المعطوف عليه قوله (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) وقوله (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) ـ إلى ـ (يَكْسِبُونَ) وقع اعتراضا بين المعطوف والمعطوف عليه وإنما عطفت بالفاء لأنّ المعنى فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة أبعد ذلك أمن (أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً) وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى انتهى. وهذا الذي ذكره الزمخشري من أن حرف العطف الذي بعد همزة الاستفهام وهو عاطف ما بعدها على ما قبل الهمزة من الجمل رجوع إلى مذهب الجماعة في ذلك وتخريج لهذه الآية على خلاف ما قرّر هو من مذهبه في غير آية أنه يقدر محذوف بين الهمزة وحرف العطف يصحّ بتقديره عطف ما بعد الحرف عليه وأنّ الهمزة وحرف العطف واقعان في موضعهما من غير اعتبار تقديم حرف العطف على الهمزة في التقدير وأنه قدّم الاستفهام اعتناء لأنه له صدر الكلام وقد تقدّم كلامنا معه على هذه المسألة و (بَأْسُنا) عذابنا و (بَياتاً) ليلا وتقدم تفسيره أول السورة ، ونصبه على الظرف أي وقت مبيتهم أو الحال وذلك وقت الغفلة والنوم فمجيء العذاب في ذلك الوقت وهو وقت الراحة والاجتماع في غاية الصعوبة إذ أتى وقت المأمن.

(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) أي في حال الغفلة والإعراض والاشتغال بما لا يجدي كأنهم يلعبون و (ضُحًى) منصوب على الظرف أي ضحوة ويقيد كل ظرف بما يناسبة من الحال فيقيد البيات بالنوم والضحى باللعب وجاء (نائِمُونَ) باسم الفاعل لأنها حالة ثبوت واستقرار للبائنين وجاء (يَلْعَبُونَ) بالمضارع لأنهم مشتغلون بأفعال متجدّدة شيئا فشيئا في ذلك الوقت ، وقرأ نافع والابنان أوأمن بسكون الواو جعل (أَوَ) عاطفة ومعناها التنويع لا أنّ معناها الإباحة أو التخيير خلافا لمن ذهب إلى ذلك وحذف ورش همزة أمن ونقل حركتها إلى الواو الساكنة والباقون بهمزة الاستفهام بعدها واو العطف وتكرر لفظ (أَهْلُ الْقُرى) لما في ذلك من التسميع والإبلاغ والتهديد والوعيد بالسامع ما لا يكون في الضمير لو جاء أو أمنوا فإنه متى قصد التفخيم والتعظيم والتهويل جيء بالاسم الظاهر.

(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) جاء العطف بالفاء وإسناد

١٢٠