فرائد الأصول - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-02-0
الصفحات: ٦٤٨

ومنها : حكمهم فيما (١) لو كان لأحد درهم ولآخر (٢) درهمان ، فتلف أحد الدراهم من عند الودعي : أنّ (٣) لصاحب الاثنين واحدا ونصفا وللآخر نصفا (٤) ؛ فإنّه قد يتّفق إفضاء ذلك إلى مخالفة تفصيلية ، كما لو أخذ الدرهم المشترك بينهما ثالث ، فإنّه يعلم تفصيلا بعدم انتقاله من مالكه الواقعي إليه.

ومنها : ما لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لآخر (٥) ، فإنّه يغرم للثاني قيمة العين بعد دفعها إلى الأوّل ؛ فإنّه قد يؤدّي ذلك إلى اجتماع العين والقيمة عند واحد ويبيعهما (٦) بثمن واحد ، فيعلم عدم انتقال تمام الثمن إليه ؛ لكون بعض مثمنه مال المقرّ في الواقع.

ومنها : الحكم بانفساخ العقد المتنازع في تعيين ثمنه أو مثمنه على وجه يقضى فيه بالتحالف ، كما لو اختلفا في كون المبيع بالثمن المعيّن عبدا أو جارية ؛ فإنّ ردّ الثمن إلى المشتري بعد التحالف مخالف للعلم التفصيلي بصيرورته ملك البائع ثمنا للعبد أو الجارية. وكذا لو اختلفا في كون ثمن الجارية المعيّنة عشرة دنانير أو مائة درهم ؛ فإنّ الحكم بردّ

__________________

(١) في (ظ) ، (ل) و (م) بدل «فيما» : «بأنّه».

(٢) في (ظ) و (م) : «للآخر».

(٣) في (ت) و (ر) : بأنّ.

(٤) كما في الشرائع ٢ : ١٢١ ، ونهاية الإحكام : ٣١٤ ، وقواعد الأحكام ١ : ١٨٦ ، والدروس ٣ : ٣٣٣.

(٥) كذا في (م) ، وفي غيرها : «للآخر».

(٦) في (ظ) و (م) : «بيعهما».

٨١

الجارية مخالف للعلم التفصيلي بدخولها في ملك المشتري.

ومنها : حكم بعضهم (١) بأنّه (٢) لو قال أحدهما : بعتك الجارية بمائة ، وقال الآخر : وهبتني إيّاها : أنّهما (٣) يتحالفان وتردّ الجارية إلى صاحبها ، مع أنّا نعلم تفصيلا بانتقالها عن ملك صاحبها إلى الآخر.

إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع.

الجواب عن الموارد المذكورة

فلا بدّ في هذه الموارد من التزام أحد امور على سبيل منع الخلوّ :

الأوّل (٤) : كون العلم التفصيلي في كلّ من أطراف الشبهة موضوعا للحكم ، بأن يقال : إنّ الواجب الاجتناب عمّا علم كونه بالخصوص بولا ، فالمشتبهان طاهران في الواقع. وكذا المانع للصلاة الحدث المعلوم صدوره تفصيلا من مكلّف خاصّ ، فالمأموم والإمام متطهّران في الواقع.

الثاني : أنّ الحكم الظاهري في حقّ كلّ أحد نافذ واقعا في حقّ الآخر ، بأن يقال : إنّ من كانت صلاته بحسب الظاهر صحيحة عند نفسه ، فللآخر أن يرتّب عليها آثار الصحّة الواقعيّة ، فيجوز له الائتمام به (٥). وكذا من حلّ له أخذ الدار ممّن وصل إليه نصفه ، إذا لم يعلم

__________________

(١) في (ر) ، (ص) و (ل) بدل «حكم بعضهم» : «الحكم». انظر التذكرة ١ : ٥٧٦ ، وجامع المقاصد ٤ : ٤٥٣ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٧٦٦.

(٢) في (ت) و (ه) بدل «بأنّه» : «فيما».

(٣) في (ت) ومصحّحة (ه) : «بأنّهما».

(٤) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «أحدها».

(٥) لم ترد «به» في غير (ت) ، (ر) و (ه).

٨٢

كذبه في الدعوى ـ بأن استند إلى بيّنة ، أو إقرار ، أو اعتقاد من القرائن ـ فإنّه يملك هذا النصف في الواقع ، وكذلك إذا اشترى النصف الآخر ، فيثبت ملكه للنصفين في الواقع. وكذا الأخذ ممّن وصل إليه نصف الدرهم في مسألة الصلح ، و (١) مسألتي التحالف.

الثالث : أن يلتزم :

بتقييد الأحكام المذكورة بما إذا لم يفض إلى العلم التفصيلي بالمخالفة ، والمنع ممّا يستلزم المخالفة المعلومة تفصيلا ، كمسألة اختلاف الامّة على قولين.

وحمل أخذ المبيع في مسألتي التحالف على كونه تقاصّا شرعيا قهريّا عمّا يدّعيه من الثمن ، أو انفساخ البيع بالتحالف من أصله ، أو من حينه.

وكون أخذ نصف الدرهم مصالحة قهريّة.

وعليك بالتأمّل في دفع الإشكال عن كلّ مورد بأحد الامور المذكورة ؛ فإنّ اعتبار العلم التفصيلي بالحكم الواقعي وحرمة مخالفته ممّا لا يقبل التخصيص بإجماع أو نحوه.

أقسام مخالفة العلم الإجمالي

إذا عرفت هذا ، فلنعد إلى حكم مخالفة العلم الإجمالي ، فنقول :

مخالفة الحكم المعلوم بالإجمال يتصوّر على وجهين :

الأوّل (٢) : مخالفته من حيث الالتزام ، كالالتزام بإباحة وطء المرأة المردّدة بين من حرم وطؤها بالحلف ومن وجب وطؤها به مع اتّحاد

__________________

(١) في (ت) و (ه) زيادة : «كذا في».

(٢) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «أحدهما».

٨٣

زماني الوجوب والحرمة ، وكالالتزام بإباحة موضوع كليّ مردّد أمره بين الوجوب والتحريم مع عدم كون أحدهما المعيّن تعبّديا يعتبر فيه قصد الامتثال ؛ فإنّ المخالفة في المثالين ليست (١) من حيث العمل ؛ لأنّه لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب والترك الموافق للحرمة ، فلا قطع بالمخالفة إلاّ من حيث الالتزام بإباحة الفعل.

الثاني : مخالفته من حيث العمل ، كترك الأمرين اللذين يعلم بوجوب أحدهما ، وارتكاب فعلين يعلم بحرمة أحدهما ، فإنّ المخالفة هنا من حيث العمل.

وبعد ذلك ، نقول (٢) :

جواز المخالفة الالتزاميّة للعلم الإجمالي

أمّا المخالفة الغير العمليّة ، فالظاهر جوازها في الشبهة الموضوعيّة والحكمية معا ، سواء كان الاشتباه والترديد بين حكمين لموضوع واحد كالمثالين المتقدّمين ، أو بين حكمين لموضوعين ، كطهارة البدن وبقاء الحدث لمن توضّأ غفلة بمائع مردّد بين الماء والبول.

أمّا في الشبهة الموضوعيّة ؛ فلأنّ الأصل في الشبهة الموضوعيّة إنّما يخرج مجراه عن موضوع التكليفين ، فيقال : الأصل عدم تعلّق الحلف بوطء هذه وعدم تعلّق الحلف بترك وطئها ، فتخرج المرأة بذلك عن موضوع حكمي التحريم والوجوب ، فيحكم (٣) بالإباحة ؛ لأجل الخروج عن موضوع الوجوب والحرمة ، لا لأجل طرحهما. وكذا الكلام في

__________________

(١) كذا في (ت) ، وفي غيرها : «ليس».

(٢) في غير (ت) و (ه) : «فنقول».

(٣) في (ت) ، (ص) ، (ل) و (ه) : «فنحكم».

٨٤

الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث في الوضوء بالمائع المردّد.

وأمّا الشبهة الحكميّة ؛ فلأنّ الاصول الجارية فيها وإن لم تخرج مجراها عن موضوع الحكم الواقعي ، بل كانت منافية لنفس الحكم (١) ـ كأصالة الإباحة مع العلم بالوجوب أو الحرمة ؛ فإنّ الاصول في هذه منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم إجمالا ، لا مخرجة عن موضوعه ـ إلاّ أنّ الحكم الواقعي المعلوم إجمالا لا يترتّب عليه أثر إلاّ وجوب الإطاعة وحرمة المعصية (٢) ، والمفروض أنّه لا يلزم من إعمال الاصول مخالفة عمليّة له ليتحقّق المعصية.

ووجوب الالتزام بالحكم الواقعي مع قطع النظر عن العمل غير ثابت ؛ لأنّ الالتزام بالأحكام الفرعيّة إنّما يجب مقدّمة للعمل ، وليست كالاصول الاعتقادية يطلب فيها الالتزام والاعتقاد من حيث الذات.

ولو فرض ثبوت الدليل ـ عقلا أو نقلا ـ على وجوب الالتزام بحكم الله الواقعي ، لم ينفع ؛ لأنّ (٣) الاصول تحكم في مجاريها بانتفاء الحكم الواقعي ، فهي ـ كالاصول في الشبهة الموضوعيّة ـ مخرجة لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم ، أعني وجوب الأخذ (٤) بحكم الله.

__________________

(١) في (ظ) و (م) زيادة : «الواقعي».

(٢) في (ظ) و (ه) ونسخة بدل (ص) : «وجوب الموافقة وحرمة المخالفة».

(٣) وردت في (ل) و (م) بدل عبارة «... الواقعي لم ينفع لأنّ» عبارة : «... الواقعي إلاّ أنّ» ، نعم وردت العبارة في نسخة بدل (م) كما في المتن.

(٤) في نسخة بدل (ص) بدل «الأخذ» : «الالتزام».

٨٥

هذا ، ولكنّ التحقيق : أنّه لو ثبت هذا التكليف ـ أعني وجوب الأخذ بحكم الله والالتزام به (١) مع قطع النظر عن العمل ـ لم تجر الاصول ؛ لكونها موجبة للمخالفة العمليّة للخطاب التفصيلي أعني وجوب الالتزام بحكم الله ، وهو (٢) غير جائز حتّى في الشبهة الموضوعيّة ـ كما سيجيء (٣) ـ فيخرج عن المخالفة الغير العمليّة.

فالحقّ : منع فرض قيام الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع (٤).

فالتحقيق (٥) : أنّ طرح (٦) الحكم الواقعي ولو كان معلوما تفصيلا ليس محرّما إلاّ من حيث كونها معصية دلّ العقل على قبحها واستحقاق العقاب بها (٧) ، فإذا فرض العلم تفصيلا بوجوب شيء (٨) فلم يلتزم به المكلّف إلاّ أنّه (٩) فعله لا لداعي الوجوب ، لم يكن عليه شيء. نعم ، لو

__________________

(١) «به» من (ص) و (ل).

(٢) كذا ، والمناسب : «هي».

(٣) انظر الصفحة ٩٣.

(٤) لم ترد «فالحقّ ـ إلى ـ الشارع» في غير (ت) و (ه) ، نعم وردت بدلها في (ر) و (ص) عبارة «فالحقّ مع فرض عدم الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع على ما جاء به».

(٥) لم ترد «فالتحقيق» في (ر) و (ص).

(٦) في (ر) ونسخة بدل (ص) : «ترك».

(٧) في نسخة بدل (ص) : «عليها».

(٨) كذا في (م) ، وفي غيرها : «الشيء».

(٩) في (ر) ، (ص) و (ل) بدل «إلاّ أنّه» : «لكنّه».

٨٦

اخذ في ذلك الفعل نيّة (١) القربة ، فالإتيان به لا للوجوب مخالفة عمليّة ومعصية ؛ لترك المأمور به ؛ ولذا قيّدنا الوجوب والتحريم في صدر المسألة (٢) بغير ما علم كون أحدهما المعيّن تعبّديّا (٣).

فإذا كان هذا حال العلم التفصيلي ، فإذا علم إجمالا بحكم مردّد بين الحكمين ، وفرضنا إجراء الأصل في نفي الحكمين اللذين علم بكون أحدهما حكم الشارع ، والمفروض أيضا عدم مخالفتهما (٤) في العمل ، فلا معصية ولا قبح ، بل وكذلك لو فرضنا عدم جريان الأصل ؛ لما عرفت من ثبوت ذلك في العلم التفصيلي (٥).

المخالفة الالتزاميّة ليست مخالفة

فملخّص الكلام : أنّ المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفة ، ومخالفة الأحكام الفرعيّة إنّما هي في العمل ، ولا عبرة بالالتزام وعدمه.

دليل الجواز بوجه أخصر

ويمكن أن يقرّر دليل الجواز بوجه أخصر ، وهو : أنّه لو وجب الالتزام :

فإن كان بأحدهما المعيّن واقعا فهو تكليف من غير بيان ، ولا يلتزمه أحد (٦).

__________________

(١) في (ت) ، (ظ) و (م) : «لو اخذ في ذلك ، الفعل بنيّة».

(٢) راجع الصفحة ٨٤.

(٣) لم ترد عبارة «ولذا قيّدنا ـ إلى ـ تعبّديا» في (م).

(٤) في (ت) و (ه) : «مخالفته».

(٥) في (ت) زيادة العبارة التالية : «مع قطع النظر عن وجوب تصديق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله».

(٦) وردت في (ل) و (م) بدل عبارة «واقعا فهو ـ إلى ـ أحد» عبارة : «فلا يلتزمه أحد ؛ لأنّه تكليف من غير بيان».

٨٧

وإن كان بأحدهما المخيّر فيه (١) فهذا لا يمكن أن يثبت بذلك الخطاب الواقعي المجمل ، فلا بدّ له من خطاب آخر عقلي أو نقلي (٢) ، وهو ـ مع أنّه لا دليل عليه ـ غير معقول ؛ لأنّ الغرض من هذا الخطاب المفروض كونه توصّليا ، حصول مضمونه ـ أعني إيقاع الفعل أو الترك تخييرا ـ وهو حاصل من دون الخطاب التخييري ، فيكون الخطاب طلبا للحاصل ، وهو محال.

إلاّ أن يقال : إنّ المدّعي للخطاب التخييري إنّما يدّعي ثبوته بأن يقصد منه التعبّد بأحد الحكمين ، لا مجرّد حصول مضمون أحد الخطابين الذي هو حاصل ، فينحصر دفعه حينئذ بعدم (٣) الدليل ، فافهم (٤).

وأمّا دليل (٥) وجوب الالتزام بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يثبت إلاّ الالتزام بالحكم الواقعي على ما هو عليه ، لا الالتزام بأحدهما تخييرا عند الشكّ (٦) ، فافهم (٧).

__________________

(١) في (ل) : «بأحدهما على وجه التخيير» ، ولم ترد في (م) : «فيه».

(٢) لم ترد عبارة «عقلي أو نقلي» في (ر) ، (ص) و (ظ).

(٣) في (ت) : «في عدم».

(٤) لم ترد «فافهم» في (ت) ، (ر) و (ه).

(٥) لم ترد «دليل» في (ت) و (ه).

(٦) وردت في (ت) و (ه) بدل عبارة «تخييرا عند الشكّ» : «المخيّر».

(٧) وردت في (ل) و (م) بدل عبارة «المجمل ، فلا بدّ له من خطاب آخر ـ إلى ـ فافهم» العبارة التالية : «المعيّن المردّد بين الأمر والنهي ، فلا بدّ له من خطاب آخر عقليّ أو نقلي ، والمفروض عدم ثبوته.

مع أنّ ذلك الخطاب حيث فرض كونه توصّليا ، فالغرض منه ـ وهو واحد

٨٨

ولكن الظاهر من جماعة من الأصحاب (١) ـ في مسألة الإجماع المركّب ـ : إطلاق القول بالمنع عن الرجوع إلى حكم علم عدم كونه حكم الإمام عليه‌السلام في الواقع ؛ وعليه بنوا عدم جواز الفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الإمام عليه‌السلام.

نعم ، صرّح غير واحد من المعاصرين (٢) ـ في تلك المسألة ـ فيما إذا اقتضى الأصلان حكمين يعلم بمخالفة أحدهما للواقع ، بجواز العمل بكليهما ، وقاسه بعضهم (٣) على العمل بالأصلين المتنافيين في الموضوعات.

لكن القياس في غير محلّه ؛ لما تقدّم : من أنّ الاصول في الموضوعات حاكمة على أدلّة التكليف ؛ فإنّ البناء على عدم تحريم المرأة لأجل البناء ـ بحكم الأصل ـ على عدم تعلّق الحلف بترك وطئها ، فهي

__________________

من الفعل والترك ـ حاصل بدونه ، فهو محال ؛ لأنّه طلب للحاصل ، إلاّ أن يلتزم بأنّ الخطاب التخييري المدّعى ثبوته ليس الغرض منه ما هو حاصل بدونه ، بل المقصود منه صدور واحد من الفعل أو الترك مع الالتزام بالحكم ، لا على وجه عدم المبالاة والتقييد بالمعلوم إجمالا من الشارع ، فافهم».

وبين النسختين اختلاف يسير ، وما أثبتناه مطابق لنسخة (م).

(١) كالمحقّق في المعارج : ١٣١ ، وصاحب المعالم في المعالم : ١٧٨ ، والمحقّق القمي في القوانين ١ : ٣٧٨ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٢٥٦ ، والفاضل النراقي في مناهج الأحكام : ٢٠٢.

(٢) منهم صاحب الفصول في الفصول : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، والفاضل النراقي في المناهج : ٢٠٤.

(٣) هو صاحب الفصول ، نفس المصدر.

٨٩

خارجة عن موضوع الحكم بتحريم وطء من حلف على ترك وطئها وكذا الحكم بعدم وجوب وطئها لأجل البناء على عدم الحلف على وطئها ، فهي خارجة عن موضوع الحكم بوجوب وطء من حلف على وطئها. وهذا بخلاف الشبهة الحكميّة ؛ فإنّ الأصل فيها معارض لنفس الحكم المعلوم بالإجمال ، وليس مخرجا لمجراه عن موضوعه حتّى لا ينافيه جعل (١) الشارع.

لكن هذا المقدار من الفرق غير مجد ؛ إذ اللازم من منافاة الاصول لنفس الحكم الواقعي ، حتّى مع العلم التفصيلي ومعارضتها له ، هو كون العمل بالاصول موجبا لطرح الحكم الواقعي من حيث الالتزام ، فإذا فرض جواز ذلك ـ لأنّ العقل والنقل (٢) لم يدلاّ (٣) إلاّ على حرمة المخالفة العمليّة ـ فليس الطرح من حيث الالتزام مانعا عن إجراء الاصول المتنافية في الواقع.

ولا يبعد حمل إطلاق كلمات العلماء في عدم جواز طرح قول الإمام عليه‌السلام في مسألة الإجماع ، على طرحه من حيث العمل ؛ إذ هو المسلّم المعروف من طرح قول الحجّة ، فراجع كلماتهم فيما إذا اختلفت الامّة على قولين ولم يكن مع أحدهما دليل ؛ فإنّ ظاهر الشيخ رحمه‌الله (٤) الحكم بالتخيير الواقعي ، وظاهر المنقول عن بعض طرحهما والرجوع إلى

__________________

(١) في (ر) ، (ظ) و (م) : «بجعل».

(٢) لم ترد «والنقل» في (ر) ، وشطب عليها في (ص).

(٣) كذا في (ه) ومصحّحة (ت) ، وفي غيرهما : «لم يدلّ».

(٤) انظر العدّة ٢ : ٦٣٧.

٩٠

الأصل (١) ، ولا ريب أنّ في كليهما طرحا للحكم الواقعي ؛ لأنّ التخيير الواقعي كالأصل حكم ثالث.

نعم ، ظاهرهم في مسألة «دوران الأمر بين الوجوب والتحريم» : الاتّفاق على عدم الرجوع إلى الإباحة ، وإن اختلفوا بين قائل بالتخيير (٢) ، وقائل بتعيين الأخذ بالحرمة (٣). والإنصاف : أنّه لا يخلو عن قوّة ؛ لأنّ المخالفة العمليّة التي لا تلزم في المقام هي المخالفة دفعة و (٤) في واقعة (٥) ، وأمّا المخالفة تدريجا و (٦) في واقعتين فهي لازمة البتة ، والعقل كما يحكم بقبح المخالفة دفعة عن قصد وعمد (٧) ، كذلك يحكم بحرمة المخالفة في واقعتين تدريجا عن قصد إليها من غير تعبّد (٨) بحكم ظاهري عند كلّ واقعة ، وحينئذ فيجب بحكم العقل الالتزام بالفعل أو الترك ؛ إذ في عدمه ارتكاب لما هو مبغوض للشارع يقينا عن قصد.

وتعدّد الواقعة إنّما يجدي مع الإذن من الشارع عند كلّ واقعة ،

__________________

(١) نقله الشيخ في العدّة ٢ : ٦٣٦.

(٢) كصاحب الفصول في الفصول : ٣٥٦.

(٣) كالعلاّمة في نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٦٠.

(٤) لم ترد «الواو» في (ر).

(٥) في (ر) و (ص) زيادة : «عن قصد وعلم» ، وفي نسخة بدل (ت) : «عن قصد وعمد» ، ولم ترد «وفي واقعة» في (ظ).

(٦) لم ترد «الواو» في (ت) و (ر).

(٧) في (ر) ، (ص) ، (ظ) و (ل) بدل «عمد» : «علم».

(٨) كذا في (ت) ، (ه) ومحتمل (ص) ، وفي غيرها : «تقييد».

٩١

كما في تخيير الشارع للمقلّد بين قولي المجتهدين تخييرا مستمرّا يجوز معه الرجوع عن أحدهما إلى الآخر ، وأمّا مع عدمه فالقادم على ما هو مبغوض للشارع يستحقّ عقلا العقاب على ارتكاب ذلك المبغوض ، أمّا لو التزم بأحد الاحتمالين قبح عقابه على مخالفة الواقع لو اتّفقت.

ويمكن استفادة الحكم أيضا من فحوى أخبار التخيير عند التعارض.

لكن هذا الكلام لا يجري في الشبهة الواحدة التي لم تتعدّد فيها الواقعة حتّى تحصل المخالفة العمليّة تدريجا ، فالمانع في الحقيقة هي المخالفة العملية القطعية ولو تدريجا مع عدم التعبّد بدليل ظاهريّ ، فتأمّل جدّا (١).

هذا كلّه في المخالفة القطعيّة للحكم المعلوم إجمالا من حيث الالتزام ، بأن لا يلتزم به أو يلتزم بعدمه في مرحلة الظاهر إذا اقتضت الاصول ذلك (٢).

__________________

(١) وردت بدل عبارة «والعقل كما يحكم ـ إلى ـ ظاهري» في (ل) و (م) العبارة التالية :

«والعقل يقبّح المخالفة التدريجيّة إذا كان عن قصد إليها ومن غير تقييد بحكم ظاهريّ عند كلّ واقعة ؛ لأنّ ارتكاب ما هو مبغوض للمولى من قصد قبيح ـ ولو كان في واقعتين ـ إذا لم يكن له عند كلّ واقعة ما هو بدل ظاهرا للمعلوم إجمالا في الواقعتين ، وحينئذ : فيجب بحكم العقل الالتزام بالفعل أو الترك ، وبقبح عقابه لو اتّفق مخالفة ما التزم للحكم الواقعي ؛ لأنّ هذا الالتزام غاية الإمكان في الانقياد لذلك التكليف المجهول ، فافهم».

وبين النسختين اختلاف يسير غير مخلّ.

(٢) لم ترد عبارة «هذا كلّه ـ إلى ـ ذلك» في (م).

٩٢

المخالفة العمليّة للعلم الإجمالي

وأمّا المخالفة العمليّة :

فإن كانت لخطاب تفصيليّ ، فالظاهر عدم جوازها ، سواء كانت في الشبهة الموضوعيّة ، كارتكاب الإناءين المشتبهين المخالف لقول الشارع :

لو كانت المخالفة لخطاب تفصيلي

«اجتنب عن النجس» ، و (١) كترك القصر والإتمام في موارد اشتباه الحكم ؛ لأنّ ذلك معصية لذلك الخطاب ؛ لأنّ المفروض وجوب الاجتناب عن النجس الموجود بين الإناءين ، ووجوب صلاة الظهر والعصر ـ مثلا ـ قصرا أو إتماما (٢) ، وكذا لو قال : أكرم زيدا ، واشتبه بين شخصين ؛ فإنّ ترك إكرامهما معصية.

فإن قلت : إذا أجرينا أصالة الطهارة في كلّ من الإناءين وأخرجناهما عن موضوع النجس بحكم الشارع ، فليس في ارتكابهما ـ بناء على طهارة كلّ منهما ـ مخالفة لقول الشارع : «اجتنب عن النجس».

قلت : أصالة الطهارة في كلّ منهما بالخصوص إنّما يوجب جواز ارتكابه من حيث هو ، وأمّا الإناء النجس الموجود بينهما فلا أصل يدلّ على طهارته ؛ لأنّه نجس يقينا ، فلا بدّ إمّا من اجتنابهما ؛ تحصيلا للموافقة القطعيّة ، وإمّا أن يجتنب أحدهما ؛ فرارا عن المخالفة القطعيّة ، على الاختلاف المذكور في محلّه (٣).

__________________

(١) في (خ) ، (ع) ، (ف) و (ن) زيادة : «أو في الشبهة الحكميّة».

(٢) لم ترد عبارة «ووجوب صلاة الظهر ـ إلى ـ إتماما» في (ظ) ، (ل) و (م) ، ولم ترد عبارة «مثلا قصرا أو إتماما» في (ر).

(٣) انظر مبحث الاشتغال ٢ : ٢١٠.

٩٣

هذا ، مع أنّ حكم الشارع بخروج مجرى الأصل عن موضوع التكليف الثابت بالأدلّة الاجتهاديّة لا معنى له إلاّ رفع حكم ذلك الموضوع ، فمرجع أصالة الطهارة إلى عدم وجوب الاجتناب المخالف لقوله : «اجتنب عن النجس» ، فافهم (١).

لو كانت المخالفة لخطاب مردّد ، ففيها وجوه

وإن كانت المخالفة مخالفة لخطاب مردّد بين خطابين ـ كما إذا علمنا بنجاسة هذا المائع أو بحرمة هذه المرأة ، أو علمنا بوجوب الدعاء عند رؤية هلال شهر (٢) رمضان أو بوجوب الصلاة عند ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ففي المخالفة القطعيّة حينئذ وجوه :

أحدها : الجواز مطلقا ؛ لأنّ المردّد بين الخمر والأجنبيّة لم يقع النهي عنه في خطاب من الخطابات الشرعيّة حتّى يحرم ارتكابه ، وكذا المردّد بين الدعاء والصلاة ؛ فإنّ الإطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الخطابات التفصيليّة ومخالفتها.

الثاني : عدم الجواز مطلقا ؛ لأنّ مخالفة الشارع قبيحة عقلا مستحقّة للذمّ عليها ، ولا يعذر فيها إلاّ الجاهل بها.

الثالث : الفرق بين الشبهة في الموضوع والشبهة في الحكم ، فيجوز في الاولى دون الثانية (٣) ؛ لأنّ المخالفة القطعيّة في الشبهات الموضوعيّة فوق حدّ الإحصاء ، بخلاف الشبهات الحكميّة ، كما يظهر من كلماتهم في مسائل الإجماع المركّب.

__________________

(١) في (ر) ، (ص) و (ل) بدل «فافهم» : «فتأمّل».

(٢) «شهر» من (ت) و (ه).

(٣) كذا في (ت) و (ه) ، وفي غيرهما : «الأوّل دون الثاني».

٩٤

وكأنّ الوجه ما تقدّم : من أنّ الاصول في الموضوعات تخرج مجاريها عن موضوعات أدلّة التكليف ، بخلاف الاصول في الشبهات الحكميّة ؛ فإنّها منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم إجمالا.

وقد عرفت ضعف ذلك ، وأنّ مرجع الإخراج الموضوعي إلى رفع الحكم المترتّب (١) على ذلك ، فيكون الأصل في الموضوع في الحقيقة منافيا لنفس الدليل الواقعي ، إلاّ أنّه حاكم عليه لا معارض له ، فافهم.

الرابع : الفرق بين كون الحكم المشتبه في موضوعين واحدا بالنوع ـ كوجوب أحد الشيئين ـ وبين اختلافه ، كوجوب الشيء وحرمة آخر.

والوجه في ذلك : أنّ الخطابات في الواجبات الشرعيّة بأسرها في حكم خطاب واحد بفعل الكلّ ، فترك البعض معصية عرفا ، كما لو قال المولى : افعل كذا وكذا وكذا ، فإنّه بمنزلة افعلها جميعا ، فلا فرق في العصيان بين ترك واحد منها معيّنا أو واحد غير معيّن عنده.

نعم ، في وجوب الموافقة القطعيّة بالإتيان بكلّ واحد من المحتملين كلام آخر مبنيّ على : أنّ مجرّد العلم بالحكم الواقعي يقتضي البراءة اليقينية (٢) عنه ، أو يكتفى بأحدهما ؛ حذرا عن المخالفة القطعيّة التي هي بنفسها مذمومة عند العقلاء ويعدّ (٣) معصية عندهم وإن لم يلتزموا الامتثال اليقيني لخطاب مجمل.

__________________

(١) في (م) و (ه) : «المرتّب».

(٢) في (ظ) و (م) : «اليقينيّة العلميّة».

(٣) كذا في النسخ.

٩٥

الأقوى عدم الجواز مطلقا

والأقوى من هذه الوجوه : هو الوجه الثاني ، ثمّ الأوّل ، ثمّ الثالث.

هذا كلّه في اشتباه الحكم من حيث الفعل المكلّف به.

الاشتباه من حيث شخص المكلّف

وأمّا الكلام في اشتباهه من حيث الشخص المكلّف بذلك الحكم ، فقد عرفت أنّه :

يقع تارة في الحكم الثابت لموضوع واقعيّ مردّد بين شخصين ، كأحكام الجنابة المتعلّقة بالجنب المردّد بين واجدي المني.

وقد يقع في الحكم الثابت لشخص من جهة تردّده بين موضوعين ، كحكم الخنثى المردّد بين الذكر والانثى.

أمّا الكلام في الأوّل ، فمحصّله :

لو تردّد التكليف بين شخصين

أنّ مجرّد تردّد التكليف بين شخصين لا يوجب على أحدهما شيئا ؛ إذ العبرة في الإطاعة والمعصية بتعلّق الخطاب بالمكلّف الخاصّ ، فالجنب (١) المردّد بين شخصين غير مكلّف بالغسل وإن ورد من الشارع : أنّه يجب الغسل على كلّ جنب ؛ فإنّ كلا منهما شاكّ في توجّه هذا الخطاب إليه ، فيقبح عقاب واحد من الشخصين يكون جنبا بمجرّد هذا الخطاب الغير المتوجّه (٢) إليه.

لو اتّفق لأحدهما أو لثالث علم بتوجّه خطاب إليه

نعم ، لو اتّفق لأحدهما أو لثالث علم بتوجّه خطاب (٣) إليه دخل في اشتباه متعلّق التكليف الذي تقدّم حكمه بأقسامه.

__________________

(١) في (ت) و (ر) : «والجنب».

(٢) في (ر) و (م) : «الموجّه».

(٣) في (ص) : «الخطاب».

٩٦

ولا بأس بالإشارة إلى بعض فروع المسألة ؛ ليتّضح انطباقها على ما تقدّم في العلم الإجمالي بالتكليف.

بعض فروع المسألة

فمنها : حمل أحدهما الآخر وإدخاله في المسجد للطواف أو لغيره ، بناء على تحريم إدخال الجنب أو إدخال النجاسة الغير المتعدّية :

فإن قلنا : إنّ الدخول والإدخال متحقّقان بحركة واحدة ، دخل في المخالفة (١) المعلومة تفصيلا وإن تردّد بين كونه من جهة الدخول أو الإدخال.

وإن جعلناهما متغايرين في الخارج كما في الذهن :

فإن جعلنا الدخول والإدخال راجعين إلى عنوان محرّم واحد ـ وهو القدر المشترك بين إدخال النفس وإدخال الغير ـ كان من المخالفة المعلومة للخطاب التفصيلي ، نظير ارتكاب المشتبهين بالنجس.

وإن جعلنا كلا منهما عنوانا مستقلا ، دخل في المخالفة للخطاب المعلوم بالإجمال الذي عرفت فيه الوجوه المتقدّمة.

وكذا من جهة دخول المحمول واستئجاره الحامل ـ مع قطع النظر عن حرمة الدخول والإدخال عليه أو فرض عدمها (٢) ـ ؛ حيث إنّه علم (٣) إجمالا بصدور أحد المحرّمين : إمّا دخول المسجد جنبا (٤) ، أو استئجار جنب للدخول في المسجد.

__________________

(١) كذا في (م) ، وفي غيرها زيادة : «القطعيّة».

(٢) لم ترد عبارة «مع قطع النظر ـ إلى ـ عدمها» في (ظ) ، (ل) و (م).

(٣) في (ت) و (ه) : «يعلم».

(٤) لم ترد «جنبا» في (ظ) ، (ل) و (م).

٩٧

إلاّ أن يقال بأنّ الاستئجار تابع لحكم الأجير ، فإذا لم يكن (١) في تكليفه محكوما بالجنابة وابيح له الدخول في المسجد ، صحّ استئجار الغير له.

ومنها : اقتداء الغير بهما في صلاة أو صلاتين :

فإن قلنا بأنّ عدم جواز الاقتداء من أحكام الجنابة الواقعيّة ، كان الاقتداء بهما في صلاة واحدة موجبا للعلم التفصيلي ببطلان الصلاة ، والاقتداء بهما في صلاتين من قبيل ارتكاب الإناءين ، والاقتداء بأحدهما في صلاة واحدة كارتكاب أحد الإناءين.

وإن قلنا : إنّه يكفي في جواز الاقتداء عدم جنابة الشخص في حكم نفسه ، صحّ الاقتداء في صلاة فضلا عن صلاتين ؛ لأنّهما طاهران بالنسبة إلى حكم الاقتداء.

والأقوى : هو الأوّل ؛ لأنّ الحدث مانع واقعي لا علمي.

نعم ، لا إشكال في استئجارهما لكنس المسجد فضلا عن استئجار أحدهما ؛ لأنّ صحّة الاستئجار تابعة لإباحة الدخول لهما لا للطهارة الواقعيّة ، والمفروض إباحته لهما.

وقس على ما ذكرنا جميع ما يرد عليك ، مميّزا بين الأحكام المتعلّقة بالجنب من حيث الحدث الواقعي ، وبين الأحكام المتعلّقة بالجنب من حيث إنّه مانع ظاهريّ للشخص المتّصف به.

أحكام الخنثى

وأمّا الكلام في الخنثى :

فيقع تارة في معاملتها مع غيرها من معلوم الذكوريّة والانوثيّة أو

__________________

(١) في (ر) و (ص) زيادة : «هو».

٩٨

مجهولهما ، وحكمها بالنسبة إلى التكاليف المختصّة بكلّ من الفريقين ، وتارة في معاملة الغير معها. وحكم الكلّ يرجع إلى ما ذكرنا في الاشتباه المتعلّق بالمكلّف به (١).

معاملتها مع الغير

أمّا معاملتها مع الغير ، فمقتضى القاعدة احترازها عن غيرها مطلقا ؛ للعلم الإجمالي بحرمة نظرها إلى إحدى الطائفتين ، فتجتنب عنهما مقدّمة.

وقد يتوهّم : أنّ ذلك من باب الخطاب الإجمالي ؛ لأنّ الذكور مخاطبون بالغضّ عن الإناث وبالعكس ، والخنثى شاكّ في دخوله في أحد الخطابين.

والتحقيق : هو الأوّل ؛ لأنّه علم تفصيلا بتكليفه بالغضّ عن إحدى الطائفتين ، ومع العلم التفصيلي لا عبرة بإجمال الخطاب ، كما تقدّم في الدخول والإدخال في المسجد لواجدي المني.

مع أنّه يمكن إرجاع الخطابين إلى خطاب واحد ، وهو تحريم نظر كلّ إنسان إلى كلّ بالغ لا يماثله في الذكورية والانوثيّة عدا من يحرم نكاحه.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ الكفّ عن النظر إلى ما عدا المحارم مشقّة عظيمة ، فلا يجب الاحتياط فيه ، بل العسر فيه أولى من الشبهة الغير المحصورة.

أو يقال : إنّ رجوع الخطابين إلى خطاب واحد في حرمة المخالفة القطعيّة ، لا في وجوب الموافقة القطعية ، فافهم.

__________________

(١) في (ت) ، (ه) ونسخة بدل (ص) : «اشتباه متعلّق التكليف».

٩٩

حكمها بالنسبة إلى التكاليف المختصّة بكل من الفريقين

وهكذا حكم لباس الخنثى ؛ حيث إنّه يعلم إجمالا بحرمة واحد من مختصّات الرجال كالمنطقة والعمامة أو مختصّات النساء عليه ، فيجتنب عنهما.

وأمّا حكم ستارته في الصلاة : فيجتنب الحرير ويستر جميع بدنه.

وأمّا حكم الجهر والإخفات :

فإن قلنا بكون الإخفات في العشاءين والصبح رخصة للمرأة جهر الخنثى بهما (١).

وإن قلنا : إنّه عزيمة لها فالتخيير إن قام الإجماع على عدم وجوب تكرار الصلاة في حقّها.

وقد يقال بالتخيير مطلقا (٢) ؛ من جهة ما ورد : من أنّ الجاهل في (٣) الجهر (٤) والإخفات معذور (٥).

وفيه ـ مضافا إلى أنّ النصّ إنّما دلّ على معذوريّة الجاهل بالنسبة إلى لزوم الإعادة لو خالف الواقع ، وأين هذا من تخيير الجاهل من أوّل الأمر بينهما؟ بل الجاهل لو جهر أو أخفت متردّدا بطلت صلاته ؛ إذ يجب عليه الرجوع إلى العلم أو العالم ـ : أنّ الظاهر من الجهل في الأخبار غير هذا الجهل.

__________________

(١) في (ر) و (م) : «بها».

(٢) انظر الذكرى (الطبعة الحجريّة) : ١٩٠ ، والفصول : ٣٦٣.

(٣) في (ه) زيادة : «القصر والإتمام و».

(٤) في (ت) ، (ظ) ، (ل) و (م) بدل «الجهر» : «القصر».

(٥) انظر الوسائل ٤ : ٧٦٦ ، الباب ٢ من أبواب القراءة ، الحديث ١.

١٠٠