فرائد الأصول - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-02-0
الصفحات: ٦٤٨

وإن قلنا بأنّ حجّية الظواهر من حيث إفادتها للظنّ الفعليّ وأنّه لا عبرة بالظنّ الحاصل من غيرها على طبقها ، أو قلنا بأنّ حجّيتها من حيث الاتّكال على أصالة عدم القرينة التي لا يعتبر فيها إفادتها للظنّ الفعليّ ، فالأقوى عدم اعتبار مطلق الظنّ في مقام الترجيح ؛ إذ المفروض على هذين القولين سقوط كلا الظاهرين عن الحجّية في مورد التعارض ، وأنّه إذا صدر عنه قوله ـ مثلا ـ : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» ، وورد أيضا : «كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله» ، وفرض عدم قوّة أحد الظاهرين من حيث نفسه على الآخر ، كان ذلك مسقطا لظاهر كليهما عن الحجّيّة في مادّة التعارض ، أعني خرء الطير الغير المأكول (١) وبوله.

أمّا على القول الأوّل ؛ فلأنّ حجّية الظواهر مشروطة بالظنّ المفقود في المقام.

وأمّا على الثاني ؛ فلأنّ أصالة عدم القرينة في كلّ منهما معارضة بمثلها في الآخر ، والحكم (٢) في باب تعارض الأصلين مع عدم حكومة أحدهما على الآخر ، التساقط والرجوع إلى عموم أو أصل يكون حجّيته مشروطة (٣) بعدم وجودهما على قابليّة الاعتبار ، فلو عمل حينئذ بالظنّ الموجود مع أحدهما ـ كالشهرة القائمة في المسألة المذكورة على النجاسة ـ كنّا قد عملنا بذلك الظنّ مستقلا ، لا من باب كونه مرجّحا ؛

__________________

(١) لم ترد «الغير المأكول» في (ظ) ، (ل) و (م).

(٢) في (ظ) ، (م) و (ه) : «والمحكّم».

(٣) كذا في (ر) ، وفي غيرها : «مشروطا».

٦٠١

لفرض (١) تساقط الظاهرين وصيرورتهما كالعدم ، فالمتّجه حينئذ الرجوع في المسألة ـ بعد الفراغ من المرجّحات من حيث السند أو من حيث الصدور تقيّة أو لبيان الواقع ـ إلى قاعدة الطهارة.

وأمّا المقام الثاني ، فتفصيل القول فيه :

٢ ـ الترجيح به في وجه الصدور

أنّ أصالة عدم التقيّة : إن كان المستند فيها أصل العدم في كلّ حادث ـ بناء على أنّ دواعي التقيّة التي هي من قبيل الموانع لإظهار الحقّ حادثة تدفع بالأصل ـ فالمرجع بعد معارضة هذا الأصل في كلّ خبر بمثله في الآخر ، هو التساقط. وكذلك لو استندنا فيها إلى أنّ ظاهر حال المتكلّم بالكلام ـ خصوصا الإمام عليه‌السلام في مقام إظهار الأحكام التي نصب لأجلها ـ هو بيان الحقّ ، وقلنا بأنّ (٢) اعتبار هذا الظهور مشروط بإفادته الظنّ الفعلي المفروض سقوطه من الطرفين.

وحينئذ : فإن عملنا بمطلق الظنّ في تشخيص التقيّة وخلافها ـ بناء على حجّيّة الظنّ في هذا المقام ؛ لأجل الحاجة إليه ؛ من جهة العلم بصدور كثير من الأخبار تقيّة ، وأنّ الرجوع إلى أصالة عدمها في كلّ مورد يوجب الافتاء بكثير ممّا صدر تقيّة ، فيتعيّن العمل بالظنّ ، أو لأنّا نفهم ممّا ورد في ترجيح ما خالف العامّة على ما وافقهم كون ذلك من أجل كون الموافقة مظنّة للتقيّة ، فيتعيّن العمل بما هو أبعد عنها بحسب كلّ أمارة ـ كان ذلك الظنّ دليلا مستقلا في ذلك المقام وخرج عن كونه مرجّحا.

__________________

(١) في (ت) و (ه) زيادة : «لزوم».

(٢) في (ل) ، (م) و (ه) بدل «بأنّ» : «إنّ».

٦٠٢

ولو استندنا فيها إلى الظهور المذكور واشترطنا في اعتباره عدم الظنّ على خلافه ، كان الخبر الموافق لذلك الظنّ حجّة سليمة عن المعارض لا عن المزاحم ، كما عرفت نظيره في المقام الأوّل (١).

وإن استندنا فيها إلى الظهور النوعيّ ، نظير ظهور فعل المسلم في الصحيح وظهور تكلّم المتكلّم في كونه قاصدا لا هازلا ، ولم نشترط في اعتباره الظنّ الفعلي ولا عدم الظنّ بالخلاف ، تعارض الظاهران ، فيقع الكلام في الترجيح بهذا الظنّ المفروض ، والكلام فيه يعلم ممّا سيجيء في (٢) المقام الثالث.

[وأمّا المقام الثالث](٣) :

٣ ـ ترجيح السند بمطلق الظنّ

وهو ترجيح السند بمطلق الظنّ ؛ إذ الكلام (٤) فيه أيضا مفروض فيما إذا لم نقل بحجّية الظنّ المطلق ولا بحجّية الخبرين بشرط إفادة الظنّ ولا بشرط عدم الظنّ على خلافه ؛ إذ يخرج الظنّ المفروض على هذه التقادير عن المرجّحيّة.

بل يصير حجّة مستقلّة على الأوّل ، سواء كان حجّية المتعارضين من باب الظنّ المطلق أو من باب الاطمئنان أو من باب الظنّ الخاصّ ؛ فإنّ القول بالظنّ المطلق لا ينافي القول بالظنّ الخاصّ في بعض الأمارات كالخبر الصحيح بعدلين. ويسقط المرجوح عن الحجّية على

__________________

(١) راجع الصفحة ٦٠٠.

(٢) في (ه) بدل «في» : «أمّا» ، وفي (ت) : «وأمّا».

(٣) ما بين المعقوفتين منّا.

(٤) في (ت) و (ه) بدل «إذ الكلام» : «فالكلام».

٦٠٣

الأخيرين.

فيتعيّن الكلام في مرجّحيّته فيما إذا قلنا بحجّية كلّ منهما من حيث الظنّ النوعيّ كما هو مذهب الأكثر.

والكلام يقع : تارة في الترجيح بالظنّ في مقام لولاه لحكم بالتخيير ، واخرى في الترجيح به في مقابل المرجّحات المنصوصة في الأخبار العلاجيّة.

مقتضى الأصل عدم الترجيح

أمّا الكلام في الأوّل (١) فملخّصه :

أنّه لا ريب في أنّ مقتضى الأصل عدم الترجيح كما أنّ الأصل عدم الحجّيّة ؛ لأنّ العمل بالخبر الموافق لذلك الظنّ إن كان على وجه التديّن والالتزام بتعيّن العمل به من جانب الشارع وأنّ الحكم الشرعيّ الواقعيّ هو مضمونه ـ لا مضمون الآخر ـ من غير دليل قطعيّ يدلّ على ذلك ، فهو تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة. والعمل به لا على هذا الوجه محرّم إذا استلزم مخالفة القاعدة أو الأصل الذي يرجع إليه على تقدير فقد هذا الظنّ.

فالوجه المقتضي لتحريم العمل بالظنّ مستقلا ـ من التشريع أو مخالفة الاصول القطعيّة الموجودة في المسألة ـ جار بعينه في الترجيح بالظنّ ، والآيات والأخبار الناهية عن القول بغير علم كلّها متساوية النسبة إلى الحجّيّة وإلى المرجّحية ، وقد عرفت (٢) في الترجيح بالقياس

__________________

(١) لم ترد عبارة «والكلام ـ إلى ـ في الأوّل» في (ر) و (ه) ، وكتب عليها في (ت) : «زائد» ، وفي (ص) : «نسخة».

(٢) راجع الصفحة ٥٩٨.

٦٠٤

أنّ المرجّح يحدث حكما شرعيّا لم يكن مع عدمه ، وهو وجوب العمل بموافقه (١) عينا مع كون الحكم لا معه هو التخيير أو الرجوع إلى الأصل الموافق للآخر.

ظاهر معظم الاصوليين هو الترجيح

هذا ، ولكنّ الذي يظهر من كلمات معظم الاصوليّين (٢) هو الترجيح بمطلق الظنّ.

وليعلم أوّلا : أنّ محلّ الكلام ـ كما عرفت في عنوان المقامات الثلاثة ، أعني : الجبر ، والوهن ، والترجيح ـ هو الظنّ الذي لم يعلم اعتباره.

فالترجيح به من حيث السند أو الدلالة ترجيح بأمر خارجيّ ، وهذا لا دخل له بمسألة اخرى اتّفاقيّة ، وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين وأرجحهما ؛ فإنّ الكلام فيها في (٣) ترجيح أحد الخبرين الذي يكون بنفسه أقوى من الآخر من حيث السند ، كالأعدل والأفقه أو المسند أو الأشهر رواية أو غير ذلك ، أو من حيث الدلالة ، كالعامّ على المطلق ، والحقيقة على المجاز ، والمجاز على الإضمار ، وغير ذلك.

وبعبارة اخرى : الترجيح بالمرجّحات الداخليّة من جهة السند (٤)

__________________

(١) كذا في (ظ) و (م) ، وفي غيرهما : «بموافقته».

(٢) انظر نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٥١ ، وغاية البادئ (مخطوط) : ٢٧٦ ، وغاية المأمول (مخطوط) الورقة : ٢١٨ ، والفصول : ٤٤٣ ، ومفاتيح الاصول : ٦٨٦.

(٣) في (ظ) و (م) بدل عبارة «الكلام فيها في» : «المراد بها».

(٤) كتب في (ص) على عبارة «من جهة السند» : «زائد».

٦٠٥

اتّفاقيّ ، واستفاض نقل الإجماع من الخاصّة والعامّة على وجوب العمل بأقوى الدليلين عن الآخر (١).

والكلام هنا في المرجّحات الخارجيّة المعاضدة لمضمون أحد الخبرين الموجبة لصيرورة مضمونه أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

نعم ، لو كشف تلك الأمارة عن مزيّة داخليّة لأحد الخبرين على الآخر من حيث سنده أو دلالته دخلت في المسألة الاتّفاقيّة ووجب الأخذ بها ؛ لأنّ العمل بالراجح من الدليلين واجب إجماعا (٢) ، سواء علم وجه الرجحان تفصيلا أم لم يعلم إلاّ إجمالا.

ومن هنا ظهر : أنّ الترجيح بالشهرة والإجماع المنقول إذا كشفا عن مزيّة داخليّة في سند أحد الخبرين أو دلالته ، ممّا لا ينبغي الخلاف فيه. نعم ، لو لم يكشفا عن ذلك إلاّ ظنّا ففي حجّيته أو إلحاقه بالمرجّح الخارجيّ وجهان : أقواهما الأوّل كما سيجيء.

ما استدلّ به للترجيح بمطلق الظنّ :

وكيف كان : فالذي يمكن أن يستدلّ به للترجيح بمطلق الظنّ الخارجيّ وجوه :

الوجه الأوّل : قاعدة الاشتغال ؛ لدوران الأمر بين التخيير وتعيين الموافق للظنّ.

قاعدة الاشتغال

وتوهّم : أنّه قد يكون الطرف المخالف للظنّ موافقا للاحتياط اللازم في المسألة الفرعيّة فيعارض الاحتياط في المسألة الاصوليّة ، بل

__________________

(١) انظر مفاتيح الاصول : ٦٨٦ ـ ٦٨٨ ، ومناهج الأحكام : ٣١٣.

(٢) لم ترد في (ظ) : «إجماعا».

٦٠٦

يرجّح عليه في مثل المقام كما نبّهنا عليه عند الكلام في معمّمات نتيجة دليل الانسداد.

مدفوع : بأنّ المفروض في ما نحن فيه عدم وجوب الأخذ بما وافق الاحتياط من الخبرين لو لا الظنّ ؛ لأنّ الأخذ به : إن كان من جهة اقتضاء المورد للاحتياط ، فقد ورد عليه حكم الشارع بالتخيير المرخّص للأخذ بخلاف الاحتياط ، وبراءة الذمّة من الواقع في حكم الشارع بالعمل بالخبر المخالف له ؛ ولهذا يحكم بالتخيير أيضا وإن كان أحدهما موافقا للاستصحاب والآخر مخالفا ؛ إذ كما أنّ الدليل المعيّن للعمل به يكون حاكما على الاصول ، كذلك الدليل المخيّر في العمل به وبمعارضه.

وإن كان من جهة بعض الأخبار الدالّة على وجوب الأخذ بما وافق الاحتياط وطرح ما خالفه (١).

ففيه : ما تقرّر في محلّه (٢) ، من عدم نهوض تلك الأخبار لتخصيص الأخبار الدالّة على التخيير.

بل هنا كلام آخر ، وهو : أنّ حجّيّة الخبر المرجوح في المقام وجواز الأخذ به يحتاج إلى توقيف ؛ إذ لا يكفي في ذلك ما دلّ على حجّية كلا المتعارضين بعد فرض امتناع العمل بكلّ منهما ، فيجب الأخذ بالمتيقّن جواز العمل به وطرح المشكوك ، وليس المقام مقام التكليف المردّد بين التعيين والتخيير حتّى يبنى على مسألة البراءة والاشتغال.

__________________

(١) المستدرك ١٧ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢.

(٢) انظر مبحث التعادل والتراجيح ٤ : ٤٠.

٦٠٧

وتمام الكلام في خاتمة الكتاب في مبحث التراجيح (١) إن شاء الله تعالى (٢).

٢ ـ الإجماع على ذلك

الثاني : ظهور الإجماع على ذلك ، كما استظهره بعض مشايخنا (٣) ؛ فتراهم يستدلّون في موارد الترجيح (٤) ببعض المرجّحات الخارجيّة ، بإفادته للظنّ بمطابقة أحد الدليلين للواقع ، فكأنّ الكبرى ـ وهي وجوب الأخذ بمطلق ما يفيد الظنّ على طبق أحد الدليلين ـ مسلّمة عندهم. وربما يستفاد ذلك من الإجماعات المستفيضة على وجوب الأخذ بأقوى المتعارضين (٥).

إلاّ أنّه يشكل بما ذكرنا : من (٦) أنّ الظاهر أنّ المراد بأقوى الدليلين فيها (٧) ما كان كذلك في نفسه ولو لكشف أمر خارجيّ عن ذلك ، كعمل الأكثر الكاشف عن مرجّح داخليّ لا نعلمه تفصيلا ، فلا يدخل فيه ما كان مضمونه مطابقا لأمارة غير معتبرة ، كالاستقراء والأولويّة الظنيّة مثلا على تقدير عدم اعتبارهما ؛ فإنّ الظاهر خروج

__________________

(١) انظر مبحث التعادل والتراجيح ٤ : ٤٨ ـ ٥٠.

(٢) لم ترد عبارة «بل هنا كلام ـ إلى ـ تعالى» في (ظ) و (م).

(٣) هو السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٧١٧.

(٤) في (ظ) و (م) : «للترجيح».

(٥) انظر نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٥١ ، ومبادئ الوصول : ٢٣٢ ، ومفاتيح الاصول : ٦٨٦.

(٦) في (ظ) و (م) بدل عبارة «إلاّ أنّه يشكل بما ذكرنا من» : «إلاّ أن يقال».

(٧) في (ت) و (ر) «منهما» ، وفي (ص) : «فيهما».

٦٠٨

ذلك عن معقد تلك الإجماعات وإن كان بعض أدلّتهم الآخر قد يفيد العموم لما نحن فيه كقبح ترجيح المرجوح ، إلاّ أنّه لا يبعد أن يكون المراد المرجوح في نفسه من المتعارضين لا مجرّد المرجوح بحسب الواقع ؛ وإلاّ اقتضى ذلك حجّية نفس المرجّح مستقلا.

نعم ، الإنصاف : أنّ بعض كلماتهم يستفاد منه ، أنّ العبرة في الترجيح بصيرورة مضمون أحد الخبرين بواسطة المرجّح أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

وقد استظهر بعض مشايخنا (١) الاتّفاق على الترجيح بكلّ ظنّ ما عدا القياس.

فمنها : ما تقدّم عن المعارج (٢) ، من الاستدلال للترجيح بالقياس بكون مضمون الخبر الموافق له أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

ومنها : ما ذكروه في مسائل تعارض الناقل مع المقرّر ، فإنّ مرجع ما ذكروا فيها لتقديم أحدهما على الآخر إلى الظنّ بموافقة أحدهما لحكم الله الواقعيّ.

إلاّ أن يقال : إنّ هذا حاصل من نفس الخبر المتّصف بكونه مقرّرا أو ناقلا.

ومنها : ما ذكروه في ترجيح أحد الخبرين بعمل أكثر السلف معلّلين : بأنّ الأكثر يوفّق للصواب بما لا يوفّق له الأقلّ ، وفي ترجيحه

__________________

(١) هو السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٧١٧.

(٢) راجع الصفحة ٥٩٧.

٦٠٩

بعمل علماء المدينة.

إلاّ أن يقال أيضا : إنّ ذلك كاشف عن مرجّح داخليّ في أحد الخبرين.

وبالجملة : فتتبّع كلماتهم يوجب الظنّ القويّ بل القطع بأنّ بناءهم على الأخذ بكلّ ما يشتمل على ما يوجب أقربيّته إلى الصواب ، سواء كان لأمر راجع إلى نفسه أو لاحتفافه بأمارة أجنبيّة توجب قوّة مضمونها.

ثمّ لو فرض عدم حصول القطع من هذه الكلمات بمرجّحية مطلق الظنّ (١) المطابق لمضمون أحد الخبرين ، فلا أقلّ من كونه مظنونا ، والظاهر وجوب العمل به في مقابل التخيير وإن لم يجب العمل به في مقابل الاصول ، وسيجيء بيان ذلك (٢) إن شاء الله تعالى.

٣ ـ ما يظهر من بعض الأخبار

الثالث : ما يظهر من بعض الأخبار ، من أنّ المناط في الترجيح كون أحد الخبرين أقرب مطابقة للواقع ، سواء كان لمرجّح داخليّ كالأعدليّة مثلا ، أو لمرجّح (٣) خارجيّ كمطابقته لأمارة توجب كون مضمونه أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر :

ما دلّ على الترجيح بالأصدقيّة

فمنها (٤) : ما دلّ على الترجيح بالأصدقيّة في الحديث كما في مقبولة ابن حنظلة (٥) ، فإنّا نعلم أنّ وجه الترجيح بهذه الصفة ليس إلاّ كون

__________________

(١) في (ت) ، (ل) و (ه) : «الظنّ المطلق».

(٢) انظر الصفحة ٦١٧ ـ ٦١٩.

(٣) في (ت) و (ل) : «مرجّح».

(٤) كذا في (ص) ، (ظ) و (م) ، وفي (ت) ، (ر) ، (ه) ونسخة بدل (ص) : «مثل».

(٥) الوسائل ١٨ : ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.

٦١٠

خبر الموصوف بها أقرب إلى الواقع من خبر غير الموصوف بها ، لا لمجرّد كون راوي أحدهما أصدق (١) ، وليس هذه الصفة مثل الأعدليّة وشبهها في احتمال كون العبرة بالظنّ الحاصل من جهتها بالخصوص ؛ ولذا اعتبر الظنّ الحاصل من عدالة البيّنة دون الحاصل من مطلق وثاقته (٢) ؛ لأنّ صفة الصدق ليست إلاّ المطابقة للواقع ، فمعنى الأصدق هو الأقرب إلى الواقع ، فالترجيح بها يدلّ على أنّ العبرة بالأقربيّة من أيّ سبب حصلت.

ما دلّ على ترجيح أوثق المخبرين

ومنها (٣) : ما دلّ (٤) على ترجيح أوثق المخبرين (٥) ، فإنّ معنى الأوثقيّة شدّة الاعتماد عليه ، وليس إلاّ لكون خبره أوثق (٦) ، فإذا حصل هذا المعنى في أحد الخبرين من مرجّح خارجي ، اتّبع.

دلّ على ترجيح أحد الخبرين لكونه مشهورا

ما دلّ (٧) على ترجيح أحد الخبرين لكونه مشهورا وممّا يستفاد منه المطلب على وجه الظهور : ما دلّ (٨) على ترجيح أحد الخبرين على الآخر بكونه مشهورا بين الأصحاب بحيث

__________________

(١) لم ترد عبارة «لا لمجرّد كون راوي أحدهما أصدق» في (ل) و (م).

(٢) في (ت) : «الوثاقة» ، والأنسب : «وثاقتها».

(٣) في (ت) ، (ر) و (ه) بدل «منها» : «مثل».

(٤) وهي مرفوعة زرارة ، المستدرك ١٧ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢.

(٥) كذا في (ظ) و (م) ، وفي غيرهما : «الخبرين».

(٦) لم ترد عبارة «عليه ـ إلى ـ أوثق» في (م).

(٧) وهي مقبولة ابن حنظلة ، الوسائل ١٨ : ٧٥ ـ ٧٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.

(٧) وهي مقبولة ابن حنظلة ، الوسائل ١٨ : ٧٥ ـ ٧٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.

٦١١

يعرفه كلّهم وكون الآخر غير مشهور الرواية بينهم بل ينفرد (١) بروايته بعضهم دون بعض ؛ معلّلا ذلك بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه ؛ فيدلّ على أنّ طرح الآخر لأجل ثبوت الريب فيه ، لا لأنّه لا ريب في بطلانه كما قد يتوهّم ؛ وإلاّ لم يكن معنى للتعارض وتحيّر السائل ، ولا لتقديمه على الخبر المجمع عليه ، إذا كان راويه أعدل كما يقتضيه ـ صدر الخبر ، ولا لقول السائل بعد ذلك : «هما معا مشهوران».

فحاصل المرجّح : هو ثبوت الريب في الخبر الغير المشهور وانتفاؤه في المشهور ، فيكون المشهور من الأمر البيّن الرشد ، وغيره من الأمر المشكل ، لا بيّن الغيّ كما توهّم.

وليس المراد به (٢) نفي الريب من جميع الجهات ؛ لأنّ الإجماع على الرواية لا يوجب ذلك ضرورة ، بل المراد وجود ريب في غير المشهور يكون منتفيا في الخبر المشهور ، وهو احتمال وروده على بعض الوجوه أو عدم صدوره رأسا.

وليس المراد بالريب مجرّد الاحتمال ولو موهوما ؛ لأنّ الخبر المجمع عليه يحتمل فيه أيضا من حيث الصدور بعض الاحتمالات المتطرّقة في غير المشهور ، غاية الأمر كونه في المشهور في غاية الضعف بحيث يكون خلافه واضحا وفي غير المشهور احتمالا مساويا يصدق عليه الريب عرفا.

وحينئذ : فيدلّ على رجحان كلّ خبر يكون نسبته إلى معارضه

__________________

(١) في (ر) و (ص) : «يتفرّد».

(٢) لم ترد «به» في (ظ) و (م).

٦١٢

مثل نسبة الخبر المجمع على روايته إلى الخبر الذي اختصّ بروايته بعض دون بعض مع كونه بحيث لو سلم عن المعارض أو كان راويه أعدل وأصدق من راوي معارضه المجمع عليه لاخذ به ، ومن المعلوم أنّ الخبر المعتضد بأمارة توجب الظنّ بمطابقته ومخالفة معارضه للواقع نسبته إلى معارضه تلك النسبة.

ولعلّه لذا علّل تقديم الخبر المخالف للعامّة على الموافق : بأنّ ذاك لا يحتمل إلاّ الفتوى وهذا يحتمل التقيّة ؛ لأنّ الريب الموجود في الثاني منتف في الأوّل. وكذا كثير من المرجّحات الراجعة إلى وجود احتمال في أحدهما مفقود ـ علما أو ظنّا ـ في الآخر ، فتدبّر.

فكلّ خبر من المتعارضين يكون فيه ريب لا يوجد في الآخر ، أو يوجد ولا يعدّ لغاية ضعفه ريبا ، فذاك الآخر مقدّم عليه.

ما دلّ على الترجيح بمخالفة العامّة

ما دلّ على الترجيح بمخالفة العامّة وأظهر من ذلك كلّه في إفادة الترجيح بمطلق الظنّ : ما دلّ من الأخبار العلاجيّة على الترجيح بمخالفة العامّة (١) ، بناء على أنّ الوجه في الترجيح بها أحد وجهين :

أحدهما : كون الخبر (٢) المخالف أبعد من التقية ، كما علّل (٣) به الشيخ (٤) والمحقّق (٥) ، فيستفاد منه اعتبار كلّ قرينة خارجيّة توجب أبعديّة

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.

(٢) لم ترد «الخبر» في (ر) ، (ص) ، (ظ) و (م).

(٣) في (ظ) و (م) : «كما علّله».

(٤) انظر العدّة ١ : ١٤٧.

(٥) انظر المعارج : ١٥٦.

٦١٣

أحدهما عن خلاف الحقّ ولو كانت مثل الشهرة والاستقراء ، بل يستفاد منه : عدم اشتراط الظنّ في الترجيح ، بل يكفي تطرّق احتمال غير بعيد في أحد الخبرين بعيد في الآخر ، كما هو مفاد الخبر المتقدّم (١) الدالّ على ترجيح ما لا ريب فيه على ما فيه الريب بالإضافة إلى معارضه.

لكنّ هذا الوجه لم ينصّ عليه في الأخبار ، وإنّما هو شيء مستنبط منها ، ذكره الشيخ ومن تأخّر عنه (٢). نعم في رواية عبيد بن زرارة :

«ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه (٣)» (٤).

الثاني : كون الخبر (٥) المخالف أقرب من حيث المضمون إلى الواقع. والفرق بين الوجهين : أنّ الأوّل كاشف عن وجه صدور الخبر ، والثاني كاشف عن مطابقة مضمون أحدهما للواقع.

وهذا الوجه لما نحن فيه (٦) منصوص في الأخبار ، مثل : تعليل الحكم المذكور فيها بقولهم عليهم‌السلام (٧) : «فإنّ الرشد في خلافهم» (٨) ، و «ما

__________________

(١) وهي مقبولة ابن حنظلة المتقدّمة في الصفحة ٦١١ ، الهامش (٨).

(٢) كصاحب المعالم في المعالم : ٢٥٥.

(٣) لم ترد عبارة «نعم ـ إلى ـ فلا تقيّة فيه» في (م).

(٤) الوسائل ١٥ : ٤٩٢ ، الباب ٣ من أبواب الخلع والمباراة ، الحديث ٧.

(٥) لم ترد «الخبر» في (ر) ، (ص) ، (ظ) و (م).

(٦) لم ترد «لما نحن فيه» في (ت) ، (ر) ، (ل) و (ه).

(٧) في (ر) ، (ص) و (ه) : «بقوله عليه‌السلام».

(٨) الوسائل ١٨ : ٨٠ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ضمن الحديث ١٩

٦١٤

خالف العامّة ففيه الرشاد» (١) ؛ فإنّه هذه القضيّة قضيّة غالبيّة لا دائميّة ، فيدلّ على أنّه يكفي في الترجيح الظنّ بكون الرشد في مضمون أحد الخبرين.

ويدلّ على هذا التعليل أيضا : ما ورد في صورة عدم وجدان المفتي بالحقّ في بلد ، من قوله : «ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ؛ فإنّ الحقّ فيه» (٢).

وأصرح من الكلّ في التعليل بالوجه المذكور : مرفوعة أبي إسحاق الأرجائيّ إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال عليه‌السلام : «أتدري لم امرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامّة؟ فقلت : لا أدري ، فقال : إنّ عليّا عليه‌السلام لم يكن يدين الله بدين إلاّ خالف عليه الامّة إلى غيره ؛ إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدّا من عند أنفسهم ليلبسوا على الناس» (٣).

ويصدّق هذا الخبر سيرة أهل الباطل مع الأئمّة عليهم‌السلام على هذا النحو تبعا لسلفهم ، حتّى أنّ أبا حنيفة حكي عنه أنّه قال : خالفت جعفرا في كلّ ما يقول أو يفعل ، لكنّي لا أدري هل يغمض عينيه في السجود أو يفتحهما (٤).

__________________

(١) من مقبولة ابن حنظلة المتقدّمة في الصفحة ٦١١ ، الهامش (٨).

(٢) الوسائل ١٨ : ٨٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٣.

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٤.

(٤) حكاه المحدّث الجزائري في زهر الربيع : ٥٢٢.

٦١٥

والحاصل : أنّ تعليل الأخذ بخلاف العامّة في هذه الروايات بكونه أقرب إلى الواقع ـ حتّى أنّه يجعل دليلا مستقلاّ عند فقد من يرجع إليه في البلد ـ ظاهر في وجوب الترجيح بكلّ ما هو من قبيل هذه الأمارة في كون مضمونه مظنّة الرشد ، فإذا انضمّ هذا الظهور إلى الظهور الذي ادّعيناه في روايات الترجيح بالأصدقيّة والأوثقيّة ، فالظاهر أنّه يحصل من المجموع دلالة لفظيّة تامّة.

ما دعا أصحابنا إلى العمل بكلّ ما يوجب رجحان أحد الخبرين

ولعلّ هذا الظهور المحصّل من مجموع الأخبار العلاجيّة هو الذي دعا أصحابنا إلى العمل بكلّ ما يوجب رجحان أحد الخبرين على الآخر ، بل يوجب في أحدهما مزيّة مفقودة في الآخر ولو بمجرّد كون خلاف الحقّ في أحدهما أبعد منه في الآخر ، كما هو كذلك في كثير من المرجّحات.

فما ظنّه بعض المتأخّرين من أصحابنا (١) على العلاّمة وغيره قدّست أسرارهم : من متابعتهم في ذلك (٢) طريقة العامّة ، ظنّ في غير المحلّ.

القول بوجوب الترجيح ودليله

ثمّ إنّ الاستفادة التي ذكرناها إن دخلت تحت الدلالة اللفظيّة ، فلا إشكال في الاعتماد عليها ، وإن لم يبلغ هذا الحدّ ـ بل لم يكن إلاّ مجرّد الإشعار ـ كان مؤيّدا لما ذكرناه من ظهور الاتّفاق ، فإن لم يبلغ المجموع حدّ الحجّية (٣) فلا أقلّ من كونها أمارة مفيدة للظنّ بالمدّعى ،

__________________

(١) انظر الحدائق ١ : ٩٠ ، وهداية الأبرار : ٦٨.

(٢) لم ترد «في ذلك» في (ظ) و (م).

(٣) في (ظ) و (م) : «الحجّة».

٦١٦

ولا بدّ من العمل به ؛ لأنّ التكليف بالترجيح بين المتعارضين ثابت ؛ لأنّ التخيير في جميع الموارد وعدم ملاحظة المرجّحات يوجب مخالفة الواقع في كثير من الموارد ؛ لأنّا نعلم بوجوب الأخذ ببعض الأخبار المتعارضة وطرح بعضها معيّنا ، والمرجّحات المنصوصة في الأخبار غير وافية ، مع أنّ تلك الأخبار معارض بعضها بعضا ، بل بعضها غير معمول به بظاهره ، كمقبولة ابن حنظلة المتضمّنة لتقديم الأعدليّة على الشهرة ومخالفة العامّة وموافقة الكتاب.

وحاصل هذه المقدّمات : ثبوت التكليف بالترجيح ، وانتفاء المرجّح اليقينيّ ، وانتفاء ما دلّ الشرع على كونه مرجّحا ، فينحصر العمل في الظنّ بالمرجّح (١) ؛ فكلّ ما ظنّ أنّه مرجّح في نظر الشارع وجب الترجيح به ؛ وإلاّ لوجب ترك الترجيح أو العمل بما ظنّ من المتعارضين أنّ الشارع رجّح (٢) غيره عليه ، والأوّل مستلزم للعمل بالتخيير في موارد كثيرة نعلم (٣) بوجوب الترجيح ، والثاني ترجيح للمرجوح على الراجح في مقام وجوب البناء ـ لأجل تعذّر العلم ـ على أحدهما ، وقبحه بديهيّ ؛ وحينئذ : فإذا ظنّنا من الأمارات السابقة أنّ مجرّد أقربيّة مضمون أحد الخبرين إلى الواقع مرجّح في نظر الشارع تعيّن الأخذ به.

__________________

(١) العبارة في (ت) و (ه) هكذا : «فينحصر الأمر في العمل بالظنّ بالترجيح».

(٢) كذا في (ه) ، وفي (ر) ، (ظ) و (م) : «مرجّح» ، وفي (ص) و (ل) وظاهر (ت) : «لم يرجّح».

(٣) في غير (ظ) زيادة : «التكليف».

٦١٧

القول بعدم وجوب الترجيح ودليله

هذا ، ولكن لمانع أن يمنع وجوب الترجيح بين المتعارضين الفاقدين للمرجّحات المعلومة ، كالتراجيح الراجعة إلى الدلالة التي دلّ العرف على وجوب الترجيح بها كتقديم النصّ والأظهر على الظاهر.

بيان ذلك : أنّ ما كان من المتعارضين من قبيل النصّ والظاهر ـ كالعامّ والخاصّ وشبههما ممّا لا يحتاج الجمع بينهما إلى شاهد ـ فالمرجّح فيه معلوم من العرف.

وما كان من قبيل تعارض الظاهرين كالعامّين من وجه وشبههما ممّا يحتاج الجمع بينهما إلى شاهد واحد ، فالوجه فيه ـ كما عرفت سابقا ـ : عدم الترجيح إلاّ بقوّة الدلالة ، لا بمطابقة أحدهما لظنّ خارجيّ غير معتبر ؛ ولذا لم يحكم فيه بالتخيير مع عدم ذلك الظنّ ، بل يرجع فيه إلى الاصول والقواعد ؛ فهذا كاشف عن أنّ الحكم فيهما (١) ذلك من أوّل الأمر ؛ للتساقط ؛ لإجمال الدلالة.

وما كان من قبيل المتباينين اللذين لا يمكن الجمع بينهما إلاّ بشاهدين ، فهذا هو المتيقّن من مورد وجوب الترجيح بالمرجّحات الخارجيّة. ومن المعلوم أنّ موارد هذا التعارض على قسمين :

أحدهما : ما يمكن الرجوع فيه إلى أصل أو عموم كتاب أو سنّة مطابق لأحدهما ، وهذا القسم يرجع فيه إلى ذلك العموم أو الأصل وإن كان الخبر المخالف لأحدهما مطابقا لأمارة خارجيّة ؛ وذلك لأنّ العمل بالعموم والأصل يقينيّ لا يرفع اليد عنه إلاّ بوارد يقينيّ ، والخبر المخالف

__________________

(١) في (ظ) ، (ل) و (م) : «فيها».

٦١٨

له لا ينهض لذلك ـ لمعارضته بمثله ـ ، والمفروض أنّ وجوب الترجيح بذلك الظنّ لم يثبت ، فلا وارد على العموم والأصل.

القسم الثاني : ما لا يكون كذلك ، وهذا أقلّ قليل بين المتعارضات ، فلو فرضنا العمل فيه بالتخيير مع وجود ظنّ خارجيّ على طبق أحدهما لم يلزم (١) محذور ـ نعم الاحتياط يقتضي الأخذ بما يطابق الظنّ ـ خصوصا مع أنّ مبنى المسألة على حجّية الخبر من باب الظنّ غير مقيّد بعدم الظنّ الفعليّ على خلافه ، والدليل على هذا الاطلاق مشكل ، خصوصا لو كان الظنّ المقابل من الشهرة المحقّقة أو نقل الإجماع الكاشف عن تحقّق الشهرة ؛ فإنّ إثبات حجّيّة الخبر المخالف للمشهور في غاية الإشكال وإن لم نقل بحجّية الشهرة ؛ ولذا قال صاحب المدارك : إنّ العمل بالخبر المخالف للمشهور مشكل ، وموافقة الأصحاب من غير دليل أشكل (٢).

مقتضى الاحتياط في المقام

وبالجملة : فلا ينبغي ترك الاحتياط بالأخذ بالمظنون في مقابل التخيير ، وأمّا في مقابل العمل بالأصل (٣) : فإن كان الأصل مثبتا للاحتياط ـ كالاحتياط اللازم في بعض الموارد ـ فالأحوط العمل بالأصل ، وإن كان نافيا للتكليف كأصل البراءة والاستصحاب النافي للتكليف ، أو مثبتا له مع عدم التمكّن من الاحتياط كأصالة الفساد في باب المعاملات ونحو ذلك ، ففيه الإشكال. وفي باب التراجيح تتمّة

__________________

(١) في (ه) : «لم يكن يلزم» وكذا استظهره في (ص) ، وفي (ر) : «لم يكن».

(٢) المدارك ٤ : ٩٥.

(٣) في (ر) ، (ص) و (ه) : «بالاصول».

٦١٩

المقال (١) ، والله العالم بحقيقة الحال.

والحمد لله أوّلا وآخرا ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

__________________

(١) لم ترد عبارة «وفي باب التراجيح تتمّة المقال» في (ظ) و (م).

٦٢٠