فرائد الأصول - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-02-0
الصفحات: ٦٤٨

العامل بإحداهما وقلّة العامل بما سنّه الآخر ، فإنّ مقتضى الروايات كون ثواب الأوّل أو عقابه أعظم ، وقد اشتهر : «أنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا» (١). والأخبار في أمثال ذلك في طرف (٢) الثواب والعقاب بحدّ التواتر.

فالظاهر : أنّ العقل إنّما يحكم بتساويهما في استحقاق المذمّة من حيث شقاوة الفاعل وخبث سريرته مع المولى ، لا في استحقاق المذمّة على الفعل المقطوع بكونه معصية.

وربما يؤيّد ذلك : أنّا نجد من أنفسنا الفرق في مرتبة الذمّ (٣) بين من صادف قطعه (٤) الواقع وبين من لم يصادف.

إلاّ أن يقال : إنّ ذلك إنّما هو في المبغوضات العقلائيّة ؛ من حيث إنّ زيادة العقاب (٥) من المولى وتأكّد الذمّ (٦) من العقلاء بالنسبة إلى من صادف اعتقاده الواقع لأجل التشفّي ، المستحيل في حقّ الحكيم تعالى ، فتأمّل.

تفصيل صاحب الفصول في التجرّي :

هذا ، وقد يظهر من بعض المعاصرين (٧) : التفصيل في صورة القطع

__________________

(١) لم نجده بعينه ، ويدلّ عليه ما في كنز العمّال ٦ : ٧ ، الحديث ١٤٥٩٧.

(٢) في (ص) : «طرفي».

(٣) كذا في (ت) ، (ر) ، (ه) ونسخة بدل (ص) ، وفي غيرها : «العقاب» بدل «الذمّ».

(٤) كذا في (ت) ، (ه) ونسخة بدل (ص) ، وفي غيرها : «فعله» بدل «قطعه».

(٥) كذا في (ل) ، (م) ونسخة بدل (ص) ، وفي غيرها : «الذمّ» بدل «العقاب».

(٦) كذا في (ر) ، (ل) و (م) ، وفي غيرها : «تأكّده».

(٧) هو صاحب الفصول ، كما سيأتي.

٤١

بتحريم شيء غير محرّم واقعا ، فرجّح استحقاق العقاب بفعله ، إلاّ أن يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة ، فإنّه لا يبعد عدم استحقاق العقاب عليه مطلقا أو في بعض الموارد ؛ نظرا إلى معارضة الجهة الواقعيّة للجهة الظاهريّة ؛ فإنّ قبح التجرّي عندنا ليس ذاتيّا ، بل يختلف بالوجوه والاعتبار.

فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل ، فحسب أنّه ذلك الكافر وتجرّى فلم يقتله ، فإنّه لا يستحقّ الذمّ على هذا الفعل عقلا عند من انكشف له الواقع ، وإن كان معذورا لو فعل.

وأظهر من ذلك : ما لو جزم بوجوب قتل نبيّ أو وصيّ ، فتجرّى ولم يقتله.

ألا ترى : أنّ المولى الحكيم إذا أمر عبده بقتل عدوّ له ، فصادف العبد ابنه وزعمه ذلك العدوّ فتجرّى ولم يقتله ، أنّ المولى إذا اطّلع على حاله لا يذمّه على هذا التجرّي ، بل يرضى به وإن كان معذورا لو فعل. وكذا لو نصب له طريقا غير القطع إلى معرفة عدوّه ، فأدّى الطريق إلى تعيين ابنه فتجرّى ولم يفعل.

وهذا الاحتمال حيث يتحقّق عند المتجرّي لا يجديه إن لم يصادف الواقع ؛ ولذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب ؛ لما فيه من القطع بالسلامة من العقاب ، بخلاف ما لو ترك العمل به ، فإنّ المظنون فيه عدمها.

ومن هنا يظهر : أنّ التجرّي على الحرام في المكروهات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مندوباتها ، ويختلف باختلافها ضعفا وشدّة كالمكروهات ، ويمكن أن يراعى في الواجبات الواقعيّة

٤٢

ما هو الأقوى من جهاته وجهات التجرّي (١). انتهى كلامه ، رفع مقامه.

المناقشة في تفصيل صاحب الفصول :

أقول : يرد عليه :

أوّلا : منع ما ذكره من عدم كون قبح التجرّي ذاتيّا ؛ لأنّ التجرّي على المولى قبيح ذاتا ـ سواء كان لنفس الفعل أو لكشفه عن كونه جريئا (٢) ـ كالظلم ، بل هو قسم من الظلم ، فيمتنع عروض الصفة المحسّنة له ، وفي مقابله الانقياد لله سبحانه وتعالى ، فإنّه يمتنع أن يعرض له جهة مقبّحة.

وثانيا (٣) : لو سلّم أنّه لا امتناع في أن يعرض له جهة محسّنة ، لكنّه باق على قبحه ما لم يعرض له تلك الجهة ، وليس ممّا لا يعرض له في نفسه حسن ولا قبح إلاّ بعد ملاحظة (٤) ما يتحقّق في ضمنه.

وبعبارة اخرى : لو سلّمنا عدم كونه علّة تامّة للقبح كالظلم ، فلا شكّ في كونه مقتضيا له كالكذب ، وليس من قبيل الأفعال التي لا يدرك العقل بملاحظتها في أنفسها حسنها ولا قبحها ، وحينئذ فيتوقّف ارتفاع قبحه على انضمام جهة يتدارك بها قبحه ، كالكذب المتضمّن لإنجاء نبيّ.

ومن المعلوم أنّ ترك قتل المؤمن بوصف أنّه مؤمن في المثال الذي ذكره ـ كفعله ـ ليس من الامور التي تتّصف بحسن أو قبح ؛ للجهل

__________________

(١) الفصول : ٤٣١ ـ ٤٣٢.

(٢) لم ترد عبارة «سواء ـ إلى ـ جريئا» في (ظ) ، (ل) و (م).

(٣) في (ر) و (ص) زيادة : «أنّه».

(٤) كذا في (ت) ، (م) و (ه) ، وفي غيرها : «بملاحظة».

٤٣

بكونه قتل مؤمن ؛ ولذا اعترف في كلامه بأنّه لو قتله كان معذورا ، فإذا لم يكن هذا الفعل الذي تحقّق التجرّي في ضمنه ممّا يتّصف بحسن أو قبح ، لم يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي القبح ، كما لا يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي الحسن لو فرض أمره بقتل كافر فقتل مؤمنا معتقدا كفره ؛ فإنّه لا إشكال في مدحه من حيث الانقياد وعدم مزاحمة حسنه بكونه في الواقع قتل مؤمن.

ودعوى : أنّ الفعل الذي يتحقّق به التجرّي وإن لم يتّصف في نفسه بحسن ولا قبح ـ لكونه مجهول العنوان ـ لكنّه لا يمتنع أن يؤثّر في قبح ما يقتضي القبح بأن يرفعه ، إلاّ أن نقول بعدم مدخليّة الامور الخارجة عن القدرة في استحقاق المدح والذمّ ، وهو محلّ نظر ، بل منع. وعليه يمكن ابتناء منع الدليل العقلي السابق (١) في قبح التجرّي.

مدفوعة ـ مضافا إلى الفرق بين ما نحن فيه وبين ما تقدّم من الدليل العقلي ، كما لا يخفى على المتأمّل ـ : بأنّ العقل مستقلّ بقبح التجرّي في المثال المذكور ، ومجرّد تحقّق ترك قتل المؤمن في ضمنه ـ مع الاعتراف بأنّ ترك القتل لا يتّصف بحسن ولا قبح ـ لا يرفع قبحه ؛ ولذا يحكم العقل بقبح الكذب وضرب اليتيم إذا انضمّ إليهما ما يصرفهما إلى المصلحة إذا جهل الفاعل بذلك.

ثمّ إنّه ذكر هذا القائل في بعض كلماته : أنّ التجرّي إذا صادف المعصية الواقعيّة تداخل عقابهما (٢).

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) الفصول : ٨٧.

٤٤

ولم يعلم معنى محصّل لهذا الكلام ؛ إذ مع كون التجرّي عنوانا مستقلا في استحقاق العقاب لا وجه للتداخل إن اريد به وحدة العقاب ؛ فإنّه ترجيح بلا مرجّح (١) ، وإن اريد به عقاب زائد على عقاب محض التجرّي ، فهذا ليس تداخلا ؛ لأنّ كلّ فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد عقابه على ما كان فيه أحدهما.

عدم الإشكال في القبح الفاعلي

والتحقيق : أنّه لا فرق في قبح التجرّي بين موارده ، وأنّ المتجرّي لا إشكال في استحقاقه الذمّ من جهة انكشاف خبث باطنه وسوء سريرته بذلك (٢). وأمّا استحقاقه للذمّ من حيث الفعل المتجرّى في ضمنه ، ففيه إشكال ، كما اعترف به الشهيد قدس‌سره فيما يأتي (٣) من كلامه (٤).

الإشكال في القبح الفعلي

__________________

(١) في (ر) و (ص) زيادة العبارة التالية : «وسيجيء في الرواية أنّ على الراضي إثما ، وعلى الداخل إثمين» ، انظر الصفحة ٤٧.

(٢) لم ترد «بذلك» في (ت) ، (ر) و (ص) ، وفي (ر) و (ص) زيادة : «وجرأته».

(٣) في الصفحة ٤٩ ـ ٥٠.

(٤) وردت ـ هنا ـ زيادة في (ت) ، (ه) وهامش (ص) ـ مع اختلاف يسير ـ ، وكتب بعدها في (ص) : «منه قدس‌سره» ، والزيادة هكذا : «بل يظهر منه قدس‌سره : أنّ الكلام في تأثير نيّة المعصية إذا تلبّس بما يراه معصية ، لا في تأثير الفعل المتلبّس به إذا صدر عن قصد المعصية ، فتأمّل. نعم ، يظهر من بعض الروايات حرمة الفعل المتجرّى به ؛ لمجرّد الاعتقاد ، مثل موثّقة سماعة : في رجلين قاما إلى الفجر ، فقال أحدهما : هو ذا ، وقال الآخر : ما أرى شيئا ، قال عليه‌السلام : فليأكل الذي لم يبن له ، وحرّم على الذي زعم أنّه طلع الفجر ؛ إنّ الله تعالى قال : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ).

٤٥

دلالة الأخبار الكثيرة على العفو عن التجرّي بمجرّد القصد إلى المعصية

نعم ، لو كان (١) التجرّي على المعصية بالقصد (٢) إلى المعصية فالمصرّح به في الأخبار الكثيرة العفو عنه (٣) ، وإن كان يظهر من أخبار أخر العقاب على القصد أيضا (٤) ، مثل :

قوله صلوات الله عليه : «نيّة الكافر شرّ من عمله» (٥).

وقوله : «إنّما يحشر الناس على نيّاتهم» (٦).

دلالة بعض الأخبار على العقاب في القصد

وما ورد من تعليل خلود أهل النار في النار ، وخلود أهل الجنّة في الجنّة ؛ بعزم كلّ من الطائفتين على الثبات على ما كان عليه من المعصية والطاعة لو خلّدوا في الدنيا (٧).

وما ورد من أنّه : «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ، قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل ، فما بال المقتول؟! قال : لأنّه أراد قتل صاحبه» (٨).

__________________

(١) في (ت) ، (ص) و (ه) بدل «نعم لو كان» : «وأمّا».

(٢) في (ص) و (ه) بدل «بالقصد» : «بسبب القصد».

(٣) انظر الوسائل ١ : ٣٦ ـ ٤٠ ، الباب ٦ من أبواب مقدمة العبادات ، الحديث ٦ ، ٧ ، ٨ ، ١٠ ، ٢٠ و ٢١.

(٤) لم ترد «أيضا» في (ظ) و (م).

(٥) الوسائل ١ : ٣٥ ، الباب ٦ من أبواب مقدّمات العبادات ، الحديث ٣.

(٦) الوسائل ١ : ٣٤ ، الباب ٥ من أبواب مقدّمات العبادات ، الحديث ٥ ، إلاّ أنّ فيه : «إنّ الله يحشر ...».

(٧) الوسائل ١ : ٣٦ ، الباب ٦ من أبواب مقدّمات العبادات ، الحديث ٤.

(٨) الوسائل ١١ : ١١٣ ، الباب ٦٧ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ١ ، إلاّ فيه بعد قوله «بسيفهما» : «على غير سنّة».

٤٦

وما ورد في العقاب على فعل بعض المقدّمات بقصد ترتّب الحرام ، كغارس الخمر (١) والماشي لسعاية مؤمن (٢).

وفحوى ما دلّ على أنّ الرضا بفعل كفعله (٣) ، مثل ما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّ (٤) «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم ، وعلى الداخل إثمان : إثم الرضا ، وإثم الدخول (٥)» (٦).

وما ورد في تفسير قوله تعالى : (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٧) : من أنّ نسبة القتل إلى المخاطبين مع تأخّرهم عن القاتلين بكثير ؛ لرضاهم (٨) بفعلهم (٩).

ويؤيّده : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٠) ، وقوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ١٦٥ ، الباب ٥٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ و ٥.

(٢) انظر الوسائل ١٩ : ٩ ، الباب ٢ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٣ و ٥.

(٣) في (ظ) ، (ل) ، (م) ونسخة بدل (ه) : «كالفعل».

(٤) في (ل) و (م) : «مثل قوله عليه‌السلام : الراضي ...».

(٥) لم ترد عبارة «وعلى الداخل ـ إلى ـ الدخول» في (م).

(٦) نهج البلاغة : الحكمة ١٥٤ ، مع اختلاف ، والوسائل ١١ : ٤١١ ، الباب ٥ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ١٢.

(٧) آل عمران : ١٨٣.

(٨) في (ت) ، (ر) و (ظ) : «رضاهم» ، وفي (ه) : «برضاهم».

(٩) الكافي ٢ : ٤٠٩ ، الحديث ١ ، والوسائل ١١ : ٥٠٩ ، الباب ٣٩ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ٦.

(١٠) النور : ١٩.

٤٧

تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(١) ، وما ورد من أنّ : «من رضي بفعل فقد لزمه وإن لم يفعل» (٢) ، وقوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً)(٣).

الجمع بين أخبار العفو والعقاب

ويمكن حمل الأخبار الأول على من ارتدع عن قصده بنفسه ، وحمل الأخبار الأخيرة على من بقي على قصده حتّى عجز عن الفعل لا باختياره.

أو يحمل الأول على من اكتفى بمجرّد القصد ، والثانية على من اشتغل بعد القصد ببعض المقدّمات ؛ كما يشهد له حرمة الإعانة على المحرّم ، حيث عمّمه بعض الأساطين (٤) لإعانة نفسه على الحرام ؛ ولعلّه لتنقيح المناط ، لا بالدلالة اللفظية.

أقسام التجرّي

ثمّ اعلم : أنّ (٥) التجرّي على أقسام ، يجمعها عدم المبالاة بالمعصية أو قلّتها (٦).

أحدها : مجرّد القصد إلى المعصية.

ثانيها : القصد مع الاشتغال بمقدّماته.

وثالثها : القصد مع التلبّس بما يعتقد كونه معصية.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٤.

(٢) لم نعثر عليه بلفظه ، ويدلّ عليه ما تقدّم آنفا ، وما في الوسائل ١١ : ٤١٠ ، الباب ٥ من أبواب الأمر والنهي ، الحديثان ٤ و ٥.

(٣) القصص : ٨٣.

(٤) هو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة ١٦.

(٥) كذا في (ت) و (ه) ، وفي (ظ) ، (ل) ، (م) ونسخة بدل (ص) : «وقد علم ممّا ذكرنا أنّ» ، وفي (ص) و (ر) : «ثمّ إنّ».

(٦) لم ترد عبارة «يجمعها عدم المبالاة بالمعصية أو قلّتها» في (ظ) و (م).

٤٨

ورابعها : التلبّس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقّق المعصية به.

وخامسها : التلبّس به لعدم المبالاة بمصادفة الحرام.

وسادسها (١) : التلبّس برجاء (٢) أن لا يكون معصية ، وخوف أن يكون معصية.

ويشترط في صدق التجرّي في الثلاثة الأخيرة : عدم كون الجهل عذرا عقليّا أو شرعيّا ـ كما في الشبهة المحصورة الوجوبيّة أو التحريميّة ـ ؛ وإلاّ لم يتحقّق احتمال المعصية وإن تحقّق احتمال المخالفة للحكم الواقعي ، كما في موارد أصالة البراءة واستصحابها.

ثمّ إنّ الأقسام الستّة كلّها مشتركة في استحقاق الفاعل للمذمّة من حيث خبث ذاته وجرأته (٣) وسوء سريرته ، وإنّما الكلام في تحقّق العصيان بالفعل المتحقّق في ضمنه التجرّي. وعليك بالتأمّل في كلّ من الأقسام.

ما أفاده الشهيد حول بعض الأقسام المذكورة

قال الشهيد قدس‌سره في القواعد :

لا يؤثّر نيّة المعصية عقابا ولا ذمّا ما لم يتلبّس بها ، وهو (٤) ما (٥) ثبت في الأخبار العفو عنه (٦).

ولو نوى المعصية وتلبّس بما يراه معصية ، فظهر خلافها ، ففي

__________________

(١) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «والثاني ، والثالث ، والرابع ، والخامس ، والسادس».

(٢) في (ه) ومصحّحة (ت) بدل «التلبّس برجاء» : «التلبّس به رجاء».

(٣) لم ترد «وجرأته» في (ظ) ، (ل) و (م).

(٤) كذا في (ر) ، (ص) ، (ظ) ، (ل) ، (م) والمصدر ، وفي (ت) و (ه) : «وهي».

(٥) كذا في (ظ) والمصدر ، وفي غيرهما : «ممّا».

(٦) الوسائل ١ : ٣٥ ، الباب ٦ من أبواب مقدّمة العبادات ، الأحاديث ٦ ، ٨ ، ١٠ ، ٢٠ و ٢١.

٤٩

تأثير هذه النيّة نظر :

من أنّها لمّا لم تصادف المعصية صارت كنيّة مجرّدة ، وهو (١) غير مؤاخذ بها.

ومن دلالتها على انتهاك الحرمة وجرأته على المعاصي. وقد ذكر بعض الأصحاب (٢) : أنّه لو شرب المباح تشبّها بشرب المسكر فعل حراما ، ولعلّه ليس لمجرّد النيّة ، بل بانضمام فعل الجوارح.

ويتصوّر محلّ النظر في صور :

منها : ما لو وجد امرأة في منزل غيره ، فظنّها أجنبيّة فأصابها ، فبان أنّها زوجته أو أمته.

ومنها : ما لو وطئ زوجته بظنّ أنّها حائض ، فبانت طاهرة.

ومنها : ما (٣) لو هجم على طعام بيد غيره فأكله ، فتبيّن أنّه ملكه.

ومنها : ما (٤) لو ذبح شاة بظنّها للغير بقصد العدوان ، فظهرت ملكه.

ومنها : ما إذا قتل نفسا بظنّ أنّها معصومة ، فبانت مهدورة.

وقد قال بعض العامّة : نحكم بفسق المتعاطي ذلك ؛ لدلالته على عدم المبالاة بالمعاصي ، ويعاقب في الآخرة ـ ما لم يتب ـ عقابا متوسّطا بين الصغيرة والكبيرة. وكلاهما تحكّم وتخرّص على الغيب (٥) ، انتهى.

__________________

(١) كذا في (ر) ، (ص) ، (ظ) ، (ل) ، (م) والمصدر ، وفي (ت) و (ه) : «وهي».

(٢) هو أبو الصلاح الحلبي في كتابه (الكافي في الفقه) : ٢٧٩.

(٣) لم ترد «ما» في (ر) ، (ظ) ، (ل) ، (م) والمصدر.

(٤) لم ترد «ما» في (ر) ، (ظ) ، (م) والمصدر.

(٥) القواعد والفوائد ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨.

٥٠

الثاني

عدم حجّية القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة عند الأخباريّين

أنّك قد عرفت (١) : أنّه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين أسباب العلم ، وينسب إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريّين (٢) عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة القطعيّة (٣) الغير الضروريّة ؛ لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها ، فلا يمكن الركون إلى شيء منها.

مناقشة الأخباريّين

فإن أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع ، فلا يعقل ذلك في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف ؛ ولو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدّمات الشرعيّة طابق النعل بالنعل.

وإن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقليّة لتحصيل المطالب الشرعيّة ؛ لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فلو سلّم ذلك واغمض عن المعارضة بكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة ، فله وجه ، وحينئذ : فلو خاض فيها وحصل القطع بما

__________________

(١) راجع الصفحة ٣١.

(٢) كالأمين الأسترابادي ، والمحدّث الجزائري ، والمحدّث البحراني ، كما سيأتي.

(٣) لم ترد «القطعيّة» في (ظ) ، (ل) و (م).

٥١

لا يوافق الحكم الواقعي لم يعذر في ذلك ؛ لتقصيره في مقدّمات التحصيل. إلاّ أنّ الشأن في ثبوت كثرة الخطأ أزيد ممّا يقع في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة.

وقد عثرت ـ بعد ما ذكرت هذا ـ على كلام يحكى عن المحدّث الأسترابادي في فوائده المدنيّة ، قال ـ في عداد ما استدلّ به على انحصار الدليل في غير الضروريّات الدينيّة في السماع عن الصادقين عليهم‌السلام ـ (١) :

كلام المحدّث الأسترابادي في المسألة

الدليل التاسع مبنيّ على مقدّمة دقيقة شريفة تفطّنت لها بتوفيق الله تعالى ، وهي :

أنّ العلوم النظرية قسمان :

قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس ، ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق ، وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطأ في نتائج الأفكار ؛ والسبب في ذلك أنّ الخطأ في الفكر إمّا من جهة الصورة أو من جهة المادّة ، والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء ؛ لأنّ معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الأذهان المستقيمة ، والخطأ من جهة المادّة لا يتصوّر في هذه العلوم ؛ لقرب الموادّ فيها إلى الإحساس.

وقسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم الحكمة الإلهيّة والطبيعية وعلم الكلام وعلم اصول الفقه والمسائل النظرية الفقهيّة وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق ؛ ومن ثمّ وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهيّة والطبيعيّة ، وبين

__________________

(١) في (ر) ، (ص) ، (ل) و (م) زيادة : «قال».

٥٢

علماء الإسلام في اصول الفقه والمسائل الفقهيّة وعلم الكلام ، وغير ذلك.

والسبب في ذلك : أنّ القواعد المنطقيّة إنّما هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة ، لا من جهة المادّة (١) ، وليست في المنطق قاعدة بها يعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من الأقسام ، ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك.

ثمّ استظهر ببعض الوجوه تأييدا لما ذكره ، وقال بعد ذلك :

فإن قلت : لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات ؛ والشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في اصول الدين وفي الفروع الفقهيّة.

قلت : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة عقليّة باطلة بالمقدّمة النقليّة الظنيّة أو القطعيّة.

ومن الموضحات لما ذكرناه ـ من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادّة الفكر ـ : أنّ المشّائيين ادّعوا البداهة في أنّ تفريق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين ، وعلى هذه المقدّمة بنوا إثبات الهيولى ، والإشراقيين ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداما للشخص الأوّل (٢) وإنّما انعدمت صفة من صفاته ، وهو الاتصال.

ثمّ قال :

إذا عرفت ما مهّدناه من (٣) الدقيقة الشريفة ، فنقول :

__________________

(١) في (ر) والمصدر ونسخة بدل (ص) زيادة ما يلي : «إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب موادّ الأقيسة تقسيم الموادّ على وجه كلّي إلى أقسام».

(٢) في (ص) والمصدر زيادة : «وفي أنّ الشخص الأوّل باق».

(٣) في (ن) ، (ر) ، (ص) و (ه) زيادة : «المقدّمة».

٥٣

إن تمسّكنا بكلامهم عليهم‌السلام فقد عصمنا من الخطأ ، وإن تمسّكنا بغيرهم لم نعصم عنه (١) ، انتهى كلامه.

والمستفاد من كلامه : عدم حجّية إدراكات العقل في غير المحسوسات وما تكون مبادئه قريبة من الإحساس.

وقد استحسن ما ذكره ـ إذا لم يتوافق عليه العقول (٢) ـ غير واحد ممّن تأخّر عنه ، منهم السيّد المحدّث الجزائري قدس‌سره في أوائل شرح التهذيب على ما حكي عنه. قال بعد ذكر كلام المحدّث المتقدّم بطوله :

كلام المحدث الجزائري في المسألة

وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه. فإن قلت : قد عزلت العقل عن الحكم في الاصول والفروع ، فهل يبقى له حكم في مسألة من المسائل؟

قلت : أمّا البديهيّات فهي له وحده ، وهو الحاكم فيها. وأمّا النظريات : فإن وافقه النقل وحكم بحكمه قدّم حكمه على النقل وحده ، وأمّا لو تعارض هو والنقلي (٣) فلا شكّ عندنا في ترجيح النقل وعدم ، الالتفات إلى ما حكم به العقل.

قال :

وهذا أصل يبتنى عليه مسائل كثيرة ، ثمّ ذكر جملة من المسائل

__________________

(١) الفوائد المدنيّة : ١٢٩ ـ ١٣١.

(٢) كذا في (ص) ، (ل) و (م) ، ولم ترد عبارة «إذا لم يتوافق عليه العقول» في (ه) ، وشطب عليها في (ت) ، ووردت في (ر) قبل قوله : «وقد استحسن» ، وفي نسخة بدل (ص) بدل «العقول» : «النقل».

(٣) كذا في (ت) ، (ر) ، (ظ) ونسخة بدل (ص) ، وفي (ص) ، (ه) و (م) : «تعارضا».

٥٤

المتفرّعة (١).

مناقشة ما أفاده المحدث الجزائري

أقول : لا يحضرني شرح التهذيب حتّى الاحظ ما فرّع على ذلك ، فليت شعري! إذا فرض حكم العقل على وجه القطع بشيء ، كيف يجوز حصول القطع أو الظنّ من الدليل النقلي على خلافه؟ وكذا لو فرض حصول القطع من الدليل النقلي ، كيف يجوز حكم العقل بخلافه على وجه القطع؟

كلام المحدث البحراني في المسألة

وممّن وافقهما على ذلك في الجملة : المحدّث البحراني في مقدّمات الحدائق ، حيث نقل كلاما للسيّد المتقدّم في هذا المقام واستحسنه ، إلاّ أنّه صرّح بحجّية العقل الفطري الصحيح ، وحكم بمطابقته للشرع ومطابقة الشرع له. ثمّ قال :

لا مدخل للعقل في شيء من الأحكام الفقهيّة من عبادات وغيرها ، ولا سبيل إليها إلاّ السماع عن المعصوم عليه‌السلام ؛ لقصور العقل المذكور عن الاطّلاع عليها. ثمّ قال :

نعم ، يبقى الكلام بالنسبة إلى ما لا يتوقّف (٢) على التوقيف ، فنقول :

إن كان الدليل العقلي المتعلّق بذلك بديهيّا ظاهر البداهة ـ مثل : الواحد نصف الاثنين ـ فلا ريب في صحّة العمل به ، وإلاّ :

فإن لم يعارضه دليل عقليّ ولا نقليّ فكذلك.

وإن عارضه دليل عقليّ آخر : فإن تأيّد أحدهما بنقلي كان

__________________

(١) شرح التهذيب (مخطوط) : ٤٧.

(٢) في (ص) والمصدر : «يتوقّف» ، وما أثبتناه مطابق لسائر النسخ والدرر النجفية لصاحب الحدائق ، انظر الدرر النجفية : ١٤٧ ـ ١٤٨.

٥٥

الترجيح له (١) ، وإلاّ فإشكال.

وإن عارضه دليل نقليّ : فإن تأيّد ذلك العقلي بدليل نقلي كان الترجيح للعقلي ـ إلاّ أنّ هذا في الحقيقة تعارض في النقليّات ـ وإلاّ فالترجيح للنقلي ، وفاقا للسيّد المحدّث المتقدّم ذكره ، وخلافا للأكثر.

هذا بالنسبة إلى العقلي بقول مطلق ، أمّا لو اريد به المعنى الأخصّ ، وهو الفطريّ الخالي عن شوائب الأوهام الذي هو حجّة من حجج الملك العلاّم ـ وإن شذّ وجوده في الأنام ـ ففي ترجيح النقليّ عليه إشكال (٢) ، انتهى.

مناقشة ما أفاده المحدث البحراني

ولا أدري كيف جعل الدليل النقلي في الأحكام النظريّة مقدّما على ما هو في البداهة من قبيل «الواحد نصف الاثنين» ؛ مع أنّ ضروريّات الدين والمذهب لم يزد في البداهة على ذلك؟! (٣)

والعجب ممّا ذكره في الترجيح عند تعارض العقل والنقل ، كيف يتصوّر الترجيح في القطعيّين ، وأيّ دليل على الترجيح المذكور؟!

وأعجب من ذلك : الاستشكال في تعارض العقليّين من دون

__________________

(١) كذا في (ل) ، (م) و (ه) ، وفي (ر) و (ص) بدل «له» : «للمتأيّد بالدليل النقلي» ، وفي (ت) هكذا : «له ، للتأييد النقلي» ، وفي نسخة بدل (ه) زيادة : «للتأيّد بالدليل النقلي».

(٢) الحدائق ١ : ١٢٦ ـ ١٣٣.

(٣) لم ترد عبارة «ولا أدري ـ إلى ـ على ذلك» في (ه) و (ت) ، وكتب عليها في (ص) : «زائد».

٥٦

ترجيح ؛ مع أنّه لا إشكال في تساقطهما (١) ، و (٢) في تقديم العقلي الفطري الخالي عن شوائب الأوهام على الدليل النقلي (٣) ؛ مع أنّ العلم بوجود (٤) الصانع جلّ ذكره إمّا أن يحصل من هذا العقل الفطري ، أو ممّا دونه من العقليّات البديهية ، بل النظريات المنتهية إلى البداهة.

نظرية المصنف في المسألة

والذي يقتضيه النظر ـ وفاقا لأكثر أهل النظر ـ أنّه :

كلّما حصل القطع من دليل عقلي فلا يجوز أن يعارضه دليل نقلي ، وإن وجد ما ظاهره المعارضة فلا بدّ من تأويله إن لم يمكن طرحه.

وكلّما حصل القطع من دليل نقلي ـ مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا ـ فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقلي ، مثل استحالة تخلّف الأثر عن المؤثّر ، ولو حصل منه صورة برهان كانت شبهة في مقابلة البديهة ، لكن هذا لا يتأتّى في العقل (٥) البديهي من قبيل : «الواحد نصف الاثنين» ، ولا في (٦) الفطري (٧)

__________________

(١) لم ترد عبارة «في تعارض ـ إلى ـ تساقطهما و» في (ظ) و (م).

(٢) في (ت) و (ه) زيادة : «كذا الاستشكال».

(٣) وردت في (ت) ، (ر) و (ه) بدل عبارة «في تقديم العقلي ـ إلى ـ النقلي» عبارة : «في تقديم النقلي على العقلي الفطري الخالي عن شوائب الأوهام».

(٤) في (ل) بدل «بوجود» : «بصفات».

(٥) في (ت) و (ص) : «العقلي».

(٦) لم ترد عبارة «البديهي ـ إلى ـ ولا في» في (ه).

(٧) ورد في (ت) بدل عبارة «العقل البديهي ـ إلى ـ الفطري» عبارة : «العقلي البديهي أو العقل الفطري».

٥٧

الخالي عن شوائب الأوهام ، فلا بدّ في مواردهما (١) من التزام عدم حصول القطع من النقل على خلافه ؛ لأنّ الأدلّة القطعيّة النظريّة في النقليّات مضبوطة محصورة ليس فيها شيء يصادم العقل (٢) البديهي أو الفطري.

فإن قلت : لعلّ نظر هؤلاء في ذلك (٣) إلى ما يستفاد من الأخبار ـ مثل قولهم عليهم‌السلام : «حرام عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا» (٤) ، وقولهم عليهم‌السلام : «لو أنّ رجلا قام ليله ، وصام نهاره ، وحجّ دهره ، وتصدّق بجميع ماله ، ولم يعرف ولاية وليّ الله ؛ فيكون أعماله بدلالته فيواليه ، ما كان له على الله ثواب» (٥) ، وقولهم عليهم‌السلام : «من دان الله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا ...» (٦) ، إلى غير ذلك ـ : من أنّ الواجب علينا هو امتثال أحكام الله تعالى التي بلّغها حججه عليهم‌السلام ، فكلّ حكم لم يكن الحجّة واسطة في تبليغه لم يجب امتثاله ، بل يكون من قبيل : «اسكتوا عمّا سكت الله عنه (٧)» (٨) ؛ فإنّ معنى سكوته عنه

__________________

(١) في (ظ) ، (ل) و (م) : «مواردها» وفي (ه) : «موارده».

(٢) في (ص) : «العقلي».

(٣) لم ترد «في ذلك» في (ظ) ، (ل) و (م).

(٤) الوسائل ١٨ : ٤٧ ، الباب ٧ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٥ ، وفيه : «شرّ» بدل «حرام».

(٥) الوسائل ١ : ٩١ ، الباب ٢٩ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٢.

(٦) الوسائل ١٨ : ٥١ ، الباب ٧ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٧.

(٧) لم ترد «عنه» في (ت) ، (ل) و (ه).

(٨) لم نعثر عليه بعينه ، نعم جاء في نهج البلاغة هكذا : «وسكت عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلّفوها» ، نهج البلاغة ، الحكمة : ١٠٥.

٥٨

عدم أمر أوليائه بتبليغه ، وحينئذ فالحكم المستكشف (١) بغير واسطة الحجّة ملغى (٢) في نظر الشارع وإن كان مطابقا للواقع ؛ كما يشهد به تصريح الإمام عليه‌السلام بنفي الثواب على التصدّق بجميع المال ، مع القطع بكونه محبوبا ومرضيّا عند الله.

ووجه الاستشكال في تقديم النقلي على العقلي (٣) الفطري السليم (٤) : ما ورد من النقل المتواتر على حجّية العقل ، وأنّه حجّة باطنة (٥) ، وأنّه ممّا (٦) يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان (٧) ، ونحوها ممّا يستفاد منه كون العقل السليم أيضا حجّة من الحجج ، فالحكم المستكشف به حكم بلّغه الرسول الباطني ، الذي هو شرع من داخل ، كما أنّ الشرع عقل من خارج (٨).

وممّا يشير إلى ما ذكرنا من قبل هؤلاء : ما ذكره السيّد الصدر رحمه‌الله في شرح الوافية ـ في جملة كلام له في حكم ما يستقلّ به العقل ـ ما لفظه :

__________________

(١) كذا في (م) ، وفي غيرها : «المنكشف».

(٢) في (ت) ، (ظ) و (م) : «يلغى».

(٣) في (ر) و (ه) : «العقل».

(٤) ورد في (ظ) ، (ل) و (م) بدل عبارة «النقلي على العقلي الفطري السليم» عبارة : «العقل الفطري السليم على الدليل النقلي».

(٥) كذا في (ر) ومصحّحة (م) ، وفي غيرهما : «باطنيّة».

(٦) في (ل) : «ما».

(٧) انظر الكافي ١ : ١٦ و ١١ ، الحديث ١٢ و ٣ من كتاب العقل والجهل.

(٨) الكافي ١ : ١٦ ، الحديث ١٢ ، والبحار ١ : ١٣٧ ، الحديث ٤.

٥٩

كلام السيد الصدر في المسألة

إنّ المعلوم هو أنّه يجب فعل شيء أو تركه (١) أو لا يجب إذا حصل الظنّ أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره ، لا أنّه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أيّ طريق كان (٢) ، انتهى موضع الحاجة.

قلت :

أوّلا : نمنع مدخليّة توسّط تبليغ الحجّة في وجوب إطاعة حكم الله سبحانه ؛ كيف! والعقل بعد ما عرف أنّ الله تعالى لا يرضى بترك الشيء الفلاني ، وعلم بوجوب إطاعة الله ، لم يحتج ذلك إلى توسّط مبلّغ.

تفسير الأخبار الدالّة على مدخليّة تبليغ الحجّة

ودعوى : استفادة ذلك من الأخبار ، ممنوعة ؛ فإنّ المقصود من أمثال الخبر المذكور عدم جواز الاستبداد في الأحكام (٣) الشرعيّة بالعقول الناقصة الظنيّة ـ على ما كان متعارفا في ذلك الزمان من العمل بالأقيسة والاستحسانات ـ من غير مراجعة حجج الله ، بل في مقابلهم عليهم‌السلام (٤) ؛ وإلاّ فإدراك العقل القطعي للحكم المخالف للدليل النقلي على وجه لا يمكن الجمع بينهما (٥) في غاية الندرة ، بل لا نعرف وجوده ، فلا ينبغي

__________________

(١) لم ترد «أو تركه» في (ل) ، (م) والمصدر.

(٢) شرح الوافية (مخطوط) : ٢١٥.

(٣) كذا في (ت) ، (م) و (ه) ، وفي غيرها : «بالأحكام».

(٤) لم ترد عبارة «من غير مراجعة حجج الله ، بل في مقابلهم عليهم‌السلام» في (ظ) ، (ل) و (م).

(٥) ورد في (ظ) ، (ل) و (م) بدل عبارة «القطعي ـ إلى ـ بينهما» العبارة التالية : «البديهي لحكم شرعيّ نظري».

٦٠