فرائد الأصول - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-02-0
الصفحات: ٦٤٨

الأخباريّين (١) أيضا ، وتبعهم بعض المعاصرين من الاصوليّين (٢) بعد استثناء ما كان مخالفا للمشهور ـ ، أو أنّ المعتبر بعضها ، وأنّ المناط في الاعتبار عمل الأصحاب كما يظهر من كلام المحقّق (٣) ، أو عدالة الراوي ، أو وثاقته ، أو مجرّد الظنّ بصدور الرواية من غير اعتبار صفة في الراوي ، أو غير ذلك من التفصيلات (٤)(٥).

والمقصود هنا : بيان إثبات حجّيّته بالخصوص في الجملة في مقابل السلب الكلّي.

ولنذكر ـ أوّلا ـ ما يمكن أن يحتجّ به القائلون بالمنع ، ثمّ نعقّبه بذكر أدلّة الجواز ، فنقول :

__________________

(١) منهم : المحدّث العاملي في الوسائل ١٨ : ٥٢ و ٧٥ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١ : ٢٥ ، والشيخ حسين الكركي في هداية الأبرار : ١٧.

(٢) وهو المحقّق النراقي في المناهج : ١٦٥.

(٣) المعتبر ١ : ٢٩.

(٤) انظر تفصيل ذلك في مفاتيح الاصول : ٣٥٧ ـ ٣٧١.

(٥) في (ت) ، (ر) و (ص) زيادة : «في الأخبار» ، وشطب عليها في (م) ، وفي (ص) كتب فوقها : نسخة.

٢٤١

أمّا حجّة المانعين ، فالأدلّة الثلاثة :

أدلّة المانعين من الحجيّة :

أمّا الكتاب :

١ - الاستدلال بالآيات

فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم (١) ، والتعليل المذكور في آية النبأ (٢) على ما ذكره أمين الإسلام : من أنّ فيها دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد (٣).

وأمّا السنّة :

٢ - الاستدلال بالأخبار

فهي أخبار كثيرة تدلّ على المنع من العمل بالخبر الغير المعلوم الصدور إلاّ إذا احتفّ بقرينة معتبرة من كتاب أو سنّة معلومة :

مثل : ما رواه في البحار عن بصائر الدرجات ، عن محمّد بن عيسى ، قال :

«أقرأني داود بن فرقد الفارسيّ كتابه إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام وجوابه عليه‌السلام بخطّه ، فكتب : نسألك عن العلم المنقول عن آبائك وأجدادك صلوات الله عليهم أجمعين قد اختلفوا علينا فيه ، فكيف العمل به على اختلافه؟ فكتب عليه‌السلام بخطّه ـ وقرأته ـ : ما علمتم أنّه قولنا فالزموه ، وما لم تعلموه فردّوه إلينا» (٤). ومثله عن مستطرفات السرائر (٥).

__________________

(١) الإسراء : ٣٦ ، يونس : ٣٦ ، الأنعام : ١١٦.

(٢) الحجرات : ٦.

(٣) مجمع البيان ٥ : ١٣٣.

(٤) بصائر الدرجات : ٥٢٤ ، الحديث ٢٦ ، والبحار ٢ : ٢٤١ ، الحديث ٣٣.

(٥) السرائر ٣ : ٥٨٤.

٢٤٢

والأخبار الدالّة على عدم جواز العمل بالخبر المأثور إلاّ إذا وجد له شاهد من كتاب الله أو من السنّة المعلومة ، فتدلّ على المنع عن العمل بالخبر (١) المجرّد عن القرينة :

مثل : ما ورد في غير واحد من الأخبار : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«ما جاءكم عنّي لا يوافق القرآن فلم أقله» (٢).

وقول أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : «لا يصدّق علينا إلاّ ما يوافق كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

وقوله عليه‌السلام : «إذا جاءكم حديث عنّا فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، وإلاّ فقفوا عنده ، ثم ردّوه إلينا حتّى نبيّن لكم» (٤).

ورواية ابن أبي يعفور قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث ، يرويه من نثق به ومن لا نثق به؟ قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخذوا به ، وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به» (٥).

__________________

(١) في (ت) و (ه) زيادة : «الواحد».

(٢) الوسائل ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٥ ، وفيه بدل «لا يوافق القرآن» : «يخالف كتاب الله».

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٧ ، وفيه بدل «لا يصدّق» : «لا تصدّق».

(٤) الوسائل ١٨ : ٨٠ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٨. وفيه : «حتّى يستبين».

(٥) الوسائل ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١١.

٢٤٣

وقوله عليه‌السلام لمحمّد بن مسلم : «ما جاءك من رواية ـ من برّ أو فاجر ـ يوافق كتاب الله فخذ به ، وما جاءك من رواية ـ من برّ أو فاجر ـ يخالف كتاب الله فلا تأخذ به» (١).

وقوله عليه‌السلام : «ما جاءكم من حديث لا يصدّقه كتاب الله فهو باطل» (٢).

وقول أبي جعفر عليه‌السلام : «ما جاءكم عنّا فإن وجدتموه موافقا للقرآن فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقا فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عندكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح من ذلك ما شرح لنا» (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام : «كلّ شيء مردود إلى كتاب الله والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف» (٤).

وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تقبلوا علينا حديثا إلاّ ما وافق الكتاب والسنّة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة ؛ فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ، فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٥).

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٤ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥.

(٢) مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٤ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٧. وفيه : «ما أتاكم».

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٧.

(٤) الوسائل ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٤.

(٥) البحار ٢ : ٢٥٠ ، الحديث ٦٢.

٢٤٤

والأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة ولو مع عدم المعارض متواترة جدّا.

وجه الاستدلال بالأخبار :

وجه الاستدلال بها :

أنّ من الواضحات : أنّ الأخبار الواردة عنهم صلوات الله عليهم في مخالفة ظواهر الكتاب والسنّة في غاية الكثرة ، والمراد من المخالفة للكتاب في تلك الأخبار ـ الناهية عن الأخذ بمخالف (١) الكتاب والسنّة ـ ليس هي المخالفة على وجه التباين الكلّي بحيث يتعذّر أو يتعسّر الجمع ؛ إذ لا يصدر من الكذّابين عليهم ما يباين الكتاب والسنّة كليّة ؛ إذ لا يصدّقهم أحد في ذلك ، فما كان يصدر عن الكذّابين (٢) من الكذب لم يكن إلاّ نظير ما كان يرد من الأئمّة صلوات الله عليهم في مخالفة ظواهر الكتاب والسنّة ، فليس المقصود من عرض ما يرد من الحديث على الكتاب والسنّة إلاّ عرض ما كان منها غير معلوم الصدور عنهم ، وأنّه إن وجد له قرينة وشاهد معتمد فهو ، وإلاّ فليتوقّف فيه ؛ لعدم إفادته العلم بنفسه ، وعدم اعتضاده بقرينة معتبرة.

ثمّ إنّ عدم ذكر الإجماع ودليل العقل من جملة قرائن الخبر في هذه الروايات ـ كما فعله الشيخ في العدّة (٣) ـ لأنّ مرجعهما إلى الكتاب والسنّة ، كما يظهر بالتأمّل.

ويشير إلى ما ذكرنا ـ من أنّ المقصود من عرض الخبر على

__________________

(١) في غير (م) : «بمخالفة».

(٢) في (ت) و (ه) زيادة : «عليهم».

(٣) العدّة ١ : ١٤٣ و ١٤٥.

٢٤٥

الكتاب والسنّة هو في غير معلوم الصدور ـ : تعليل العرض في بعض الأخبار بوجود الأخبار المكذوبة في أخبار الإماميّة.

وأمّا الإجماع :

٣ - الاستدلال بالإجماع

فقد ادّعاه السيّد المرتضى قدس‌سره في مواضع من كلامه ، وجعله في بعضها بمنزلة القياس في كون ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة (١).

وقد اعترف بذلك الشيخ على ما يأتي في كلامه (٢) ، إلاّ أنّه أوّل معقد الإجماع بإرادة الأخبار التي يرويها المخالفون.

وهو ظاهر المحكيّ عن الطبرسيّ في مجمع البيان ، قال : لا يجوز العمل بالظنّ عند الإماميّة إلاّ في شهادة العدلين وقيم المتلفات واروش الجنايات (٣) ، انتهى (٤).

والجواب :

الجواب عن الاستدلال بالآيات

أمّا عن الآيات ، فبأنّها ـ بعد تسليم دلالتها ـ عمومات مخصّصة بما سيجيء من الأدلّة.

الجواب عن الاستدلال بالأخبار

وأمّا عن الأخبار :

فعن الرواية الاولى ، فبأنّها خبر واحد لا يجوز الاستدلال بها على المنع عن الخبر الواحد.

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ، و ٣ : ٣٠٩.

(٢) انظر الصفحة ٣١٣.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٥٧ ، ذيل آية ٧٩ من سورة الأنبياء.

(٤) لم ترد «انتهى» في (ت) ، (ر) و (ه).

٢٤٦

وأمّا أخبار العرض على الكتاب ، فهي وإن كانت متواترة بالمعنى إلاّ أنّها بين طائفتين :

إحداهما : ما دلّ على طرح الخبر الذي يخالف الكتاب.

والثانية : ما دلّ على طرح الخبر الذي لا يوافق الكتاب.

٣ - ما دلّ على طرح ما يخالف الكتاب

أمّا الطائفة الاولى ، فلا تدلّ على المنع عن الخبر الذي لا يوجد مضمونه (١) في الكتاب والسنّة.

فإن قلت : ما من واقعة إلاّ ويمكن استفادة حكمها من عمومات الكتاب المقتصر في تخصيصها على السنّة القطعيّة ، مثل قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(٢) ، وقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ...) الخ (٣) ، و (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)(٤) ، و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٥) ، ونحو ذلك ، فالأخبار المخصّصة لها ـ كلّها ـ ولكثير (٦) من عمومات السنّة القطعيّة مخالفة للكتاب والسنّة (٧).

قلت :

مخالفة ظاهر العموم لا يعدّ مخالفة

أوّلا : إنّه لا يعدّ مخالفة ظاهر العموم ـ خصوصا مثل هذه

__________________

(١) لم ترد «مضمونه» في (ظ) و (م).

(٢) البقرة : ٢٩.

(٣) البقرة : ١٧٣.

(٤) الأنفال : ٦٩.

(٥) البقرة : ١٨٥.

(٦) في (ص) ، (ظ) ، (ل) و (م) : «كثير».

(٧) لم ترد «والسنّة» في (ظ) ، (ل) و (م).

٢٤٧

العمومات ـ ، مخالفة ؛ وإلاّ لعدّت الأخبار الصادرة يقينا عن الأئمّة عليهم‌السلام المخالفة لعمومات الكتاب والسنّة النبويّة ، مخالفة للكتاب والسنّة ، غاية الأمر ثبوت الأخذ بها مع مخالفتها لكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتخرج عن عموم أخبار العرض ، مع أنّ الناظر في أخبار العرض على الكتاب والسنّة يقطع بأنّها تأبى عن التخصيص.

وكيف يرتكب التخصيص في قوله عليه‌السلام : «كلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف» (١) ، وقوله : «ما أتاكم من حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل» (٢) ، وقوله عليه‌السلام : «لا تقبلوا علينا خلاف القرآن ؛ فإنّا إن حدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة» (٣) ، وقد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «ما خالف كتاب الله فليس من حديثي (٤) ، أو لم أقله» (٥) ، مع أنّ أكثر عمومات الكتاب قد خصّص بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

وممّا يدلّ على أنّ المخالفة لتلك العمومات لا تعدّ مخالفة : ما دلّ من الأخبار على بيان حكم ما لا يوجد حكمه في الكتاب والسنّة النبويّة ؛ إذ بناء على تلك العمومات لا يوجد واقعة لا يوجد حكمها فيهما.

فمن تلك الأخبار : ما عن البصائر والاحتجاج وغيرهما (٦)

__________________

(١) تقدّم الحديثان في الصفحة ٢٤٤.

(٢) تقدّم الحديثان في الصفحة ٢٤٤.

(٣) البحار ٢ : ٢٥٠ ، ضمن الحديث ٦٢.

(٤) البحار ٢ : ٢٢٧ ، الحديث ٥.

(٥) الوسائل ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٥.

(٦) كما في معاني الأخبار ١ : ١٥٦.

٢٤٨

مرسلا (١) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال :

«ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به لازم و (٢) لا عذر لكم في تركه ، وما لم يكن في كتاب الله تعالى وكانت فيه سنّة منّي فلا عذر لكم في ترك سنّتي (٣) ، وما لم يكن فيه سنّة منّي ، فما قال أصحابي فقولوا به ؛ فإنّما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم ، بأيّها اخذ اهتدي ، وبأيّ أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم ، واختلاف أصحابي رحمة لكم ، قيل : يا رسول الله ، ومن أصحابك؟ قال : أهل بيتي ... الخبر» (٤).

فإنّه صريح في أنّه قد يرد من الأئمّة عليهم‌السلام ما لا يوجد في الكتاب والسنّة.

ومنها : ما ورد في تعارض الروايتين : من ردّ ما لا يوجد في الكتاب والسنّة إلى الأئمّة عليهم‌السلام.

مثل : ما رواه في العيون عن ابن الوليد ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عبد الله المسمعي ، عن الميثميّ ، وفيها :

«فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله» ـ إلى أن قال : ـ «وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه (٥) على سنن

__________________

(١) في غير (م) : «مرسلة».

(٢) لم ترد «و» في (ظ) والبصائر.

(٣) كذا في المصدر ، وفي جميع النسخ إلاّ (ظ) بدل «سنّتي» : «شيء» ، وفي (ص) زيادة : «منه».

(٤) بصائر الدرجات ١ : ١١ ، الحديث ٢ ، والاحتجاج ٢ : ١٠٥.

(٥) كذا في المصدر ، وفي جميع النسخ : «فاعرضوهما».

٢٤٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ إلى أن قال : ـ «وما لم تجدوه (١) في شيء من هذه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ... الخبر» (٢).

والحاصل : أنّ القرائن الدالّة على أنّ المراد بمخالفة الكتاب ليس مجرّد مخالفة عمومه أو إطلاقه كثيرة ، تظهر لمن له أدنى تتبّع.

ومن هنا يظهر : ضعف التأمّل في تخصيص الكتاب بخبر الواحد لتلك الأخبار ، بل منعه لأجلها كما عن الشيخ في العدّة (٣). أو لما ذكره المحقّق : من أنّ الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد الإجماع على استعماله فيما لا يوجد فيه دلالة ، ومع الدلالة القرآنيّة يسقط وجوب العمل به (٤).

وثانيا : إنّا نتكلّم في الأحكام التي لم يرد فيها عموم من القرآن والسنّة ، ككثير من أحكام المعاملات بل العبادات التي لم ترد فيها إلاّ آيات مجملة أو مطلقة من الكتاب ؛ إذ لو سلّمنا أنّ تخصيص العموم يعدّ مخالفة ، أمّا تقييد المطلق فلا يعدّ في العرف مخالفة ، بل هو مفسّر ، خصوصا على المختار : من عدم كون المطلق مجازا عند التقييد (٥).

فإن قلت : فعلى أيّ شيء تحمل تلك الأخبار الكثيرة الآمرة

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي جميع النسخ : «وما لم تجدوا».

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١ ، ضمن الحديث ٤٥ ، والوسائل ١٨ : ٨٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ضمن الحديث ٢١.

(٣) العدّة ١ : ١٤٥.

(٤) المعارج : ٩٦.

(٥) انظر مطارح الأنظار : ٢١٦.

٢٥٠

بطرح مخالف الكتاب؟ فإنّ حملها على طرح ما يباين الكتاب كليّة حمل على فرد نادر بل معدوم ، فلا ينبغي لأجله هذا الاهتمام الذي عرفته في الأخبار.

قلت : هذه الأخبار على قسمين :

منها : ما يدلّ على عدم صدور الخبر المخالف للكتاب والسنّة عنهم عليهم‌السلام ، وأنّ المخالف لهما باطل ، وأنّه ليس بحديثهم.

ومنها : ما يدلّ على عدم جواز تصديق الخبر المحكيّ عنهم عليهم‌السلام إذا خالف الكتاب والسنّة.

أمّا الطائفة الاولى ـ فالأقرب حملها على الأخبار الواردة في اصول الدين ، مثل مسائل الغلوّ والجبر والتفويض التي ورد فيها الآيات والأخبار النبويّة ، وهذه الأخبار غير موجودة في كتبنا الجوامع ؛ لأنّها اخذت عن الاصول بعد تهذيبها من تلك الأخبار.

وأمّا الثانية ـ فيمكن حملها على ما ذكر في الاولى. ويمكن حملها على صورة تعارض الخبرين ؛ كما يشهد به مورد بعضها. ويمكن حملها على خبر غير الثقة ؛ لما سيجيء من الأدلّة على اعتبار خبر الثقة.

هذا كلّه في الطائفة الدالّة على طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة.

٤ ـ ما دلّ على طرح ما لا يوافق الكتاب

وأمّا الطائفة الآمرة بطرح ما لا يوافق (١) الكتاب أو لم يوجد عليه شاهد من الكتاب والسنّة :

__________________

(١) في (ظ) و (م) : «لم يوافق».

٢٥١

فالجواب عنها ـ بعد ما عرفت (١) من القطع بصدور الأخبار الغير الموافقة لما يوجد في الكتاب منهم عليهم‌السلام ، كما دلّ عليه روايتا الاحتجاج والعيون المتقدّمتان (٢) المعتضدتان بغيرهما من الأخبار (٣) ـ :

أنّها محمولة على ما تقدّم في الطائفة الآمرة بطرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة.

وأنّ ما دلّ منها على بطلان ما لم يوافق وكونه زخرفا محمول على الأخبار الواردة في اصول الدين ، مع احتمال كون ذلك من أخبارهم الموافقة للكتاب والسنّة على (٤) الباطن الذي يعلمونه منهما (٥) ؛ ولهذا كانوا يستشهدون كثيرا بآيات لا نفهم دلالتها.

وما دلّ على عدم جواز تصديق الخبر الذي لا يوجد عليه شاهد من كتاب الله ، على خبر غير الثقة أو صورة التعارض ؛ كما هو ظاهر غير واحد من الأخبار العلاجيّة.

ثمّ إنّ الأخبار المذكورة ـ على فرض تسليم دلالتها ـ وإن كانت كثيرة ، إلاّ أنّها لا تقاوم الأدلّة الآتية ؛ فإنّها موجبة للقطع بحجّيّة خبر الثقة ، فلا بدّ من مخالفة الظاهر في هذه الأخبار.

الجواب عن الاستدلال بالإجماع

وأمّا الجواب عن الإجماع الذي ادّعاه السيّد والطبرسي قدس‌سرهما :

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٨.

(٢) في الصفحة ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٣) انظر الوسائل ١٨ : ٨٤ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩.

(٤) في (ظ) و (م) : «وعلى».

(٥) في (ر) ، (ص) ، (ظ) و (ل) : «منها».

٢٥٢

فبأنّه لم يتحقّق لنا هذا الإجماع ، والاعتماد على نقله تعويل على خبر الواحد ، مع معارضته بما سيجيء (١) : من دعوى الشيخ ـ المعتضدة بدعوى جماعة اخرى ـ الإجماع على حجّيّة خبر الواحد في الجملة ، وتحقّق الشهرة على خلافها بين القدماء والمتأخّرين (٢).

وأمّا نسبة بعض العامّة ـ كالحاجبيّ والعضديّ (٣) ـ عدم الحجّيّة إلى الرافضة ، فمستندة إلى ما رأوا من السيّد : من دعوى الإجماع بل ضرورة المذهب على كون خبر الواحد كالقياس عند الشيعة.

__________________

(١) انظر الصفحة ٣١١ و ٣٣٣.

(٢) لم ترد في (ظ) : «بين القدماء والمتأخّرين» ، وشطب عليها في (م).

(٣) انظر شرح مختصر الاصول ١ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، المتن للحاجبي ، والشرح للعضدي.

٢٥٣

أدلّة القائلين بالحجيّة

وأمّا المجوّزون فقد استدلّوا على حجّيّته بالأدلّة الأربعة :

الاستدلال بالكتاب

أمّا الكتاب ، فقد ذكروا منه آيات ادّعوا دلالتها :

منها : قوله تعالى في سورة الحجرات :

الآية الاولى : آية «النبأ»

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١).

الاستدلال بها من طريقين

والمحكيّ في وجه الاستدلال بها وجهان :

١ - من طريق مفهوم الشرط

أحدهما : من طريق مفهوم الشرط أنّه سبحانه علّق وجوب التثبّت على مجيء الفاسق ، فينتفي عند انتفائه ـ عملا بمفهوم الشرط ـ وإذا لم يجب التثبّت عند مجيء غير الفاسق ، فإمّا أن يجب القبول وهو المطلوب ، أو الردّ وهو باطل ؛ لأنّه يقتضي كون العادل أسوأ حالا من الفاسق ، وفساده بيّن.

٢ - من طريق مفهوم الوصف

الثاني : من طريق مفهوم الوصف أنّه تعالى أمر بالتثبّت عند إخبار الفاسق ، وقد اجتمع فيه وصفان ، ذاتيّ وهو كونه خبر واحد ، وعرضيّ وهو كونه خبر فاسق ، ومقتضى التثبّت هو الثاني ؛ للمناسبة والاقتران ؛ فإنّ الفسق يناسب عدم القبول ، فلا يصلح الأوّل للعلّيّة ؛ وإلاّ لوجب الاستناد إليه ؛ إذ التعليل بالذاتيّ الصالح للعلّيّة أولى من التعليل بالعرضيّ ؛ لحصوله قبل حصول العرضيّ ، فيكون الحكم قد حصل قبل حصول العرضيّ ، وإذا لم يجب التثبّت عند إخبار العدل ، فإمّا أن يجب القبول ، وهو المطلوب ، أو الردّ ، فيكون حاله أسوأ من حال الفاسق ، وهو محال.

أقول : الظاهر أنّ أخذهم للمقدّمة الأخيرة ـ وهي أنّه إذا لم يجب

__________________

(١) الحجرات : ٦.

٢٥٤

التثبّت وجب القبول ؛ لأنّ الردّ مستلزم لكون العادل أسوأ حالا من الفاسق ـ مبنيّ على ما يتراءى من ظهور الأمر بالتبيّن في الوجوب النفسيّ ، فيكون هنا امور ثلاثة ، الفحص عن الصدق والكذب ، والردّ من دون تبيّن ، والقبول كذلك.

لكنّك خبير : بأنّ الأمر بالتبيّن هنا مسوق لبيان الوجوب الشرطيّ ، وأنّ التبيّن شرط للعمل بخبر الفاسق دون العادل ، فالعمل بخبر العادل غير مشروط بالتبيّن ، فيتمّ المطلوب من دون ضمّ مقدّمة خارجيّة ، وهي كون العادل أسوأ حالا من الفاسق.

والدليل على كون الأمر بالتبيّن للوجوب الشرطيّ لا النفسيّ ـ مضافا إلى أنّه المتبادر عرفا في أمثال المقام ، وإلى أنّ الإجماع قائم على عدم ثبوت الوجوب النفسيّ للتبيّن في خبر الفاسق ، وإنّما أوجبه من أوجبه عند إرادة العمل به ، لا مطلقا ـ هو :

أنّ التعليل في الآية بقوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا ...) الخ (١) لا يصلح (٢) أن يكون تعليلا للوجوب النفسيّ ؛ لأنّ حاصله يرجع إلى أنّه : لئلاّ تصيبوا قوما بجهالة بمقتضى العمل بخبر الفاسق فتندموا على فعلكم بعد تبيّن الخلاف ، ومن المعلوم أنّ هذا لا يصلح إلاّ علّة لحرمة العمل بدون التبيّن ، فهذا هو المعلول ، ومفهومه جواز العمل بخبر العادل من دون تبيّن.

مع أنّ في الأولويّة (٣) المذكورة في كلام الجماعة بناء على كون

__________________

(١) الحجرات : ٦.

(٢) في (م) : «لا يصحّ».

(٣) في (ص) : «الأسوئيّة».

٢٥٥

وجوب التبيّن نفسيّا ، ما لا يخفى ؛ لأنّ الآية على هذا ساكتة عن حكم العمل بخبر الواحد ـ قبل التبيّن أو بعده (١) ـ فيجوز اشتراك الفاسق والعادل في عدم جواز العمل قبل التبيّن ، كما أنّهما يشتركان قطعا في جواز العمل بعد التبيّن والعلم بالصدق ؛ لأنّ العمل ـ حينئذ ـ بمقتضى التبيّن لا باعتبار الخبر.

فاختصاص الفاسق بوجوب التعرّض لخبره والتفتيش عنه دون العادل ، لا يستلزم كون العادل أسوأ حالا ، بل مستلزم لمزيّة كاملة للعادل على الفاسق ، فتأمّل.

ما أورد على الاستدلال بالآية بما لا يمكن دفعه :

وكيف كان : فقد اورد على الآية إيرادات كثيرة ربما تبلغ إلى نيّف وعشرين ، إلاّ أنّ كثيرا منها قابلة للدفع ، فلنذكر أوّلا ما لا يمكن الذبّ عنه ، ثمّ نتبعه بذكر بعض ما اورد من الإيرادات القابلة للدفع.

أمّا ما لا يمكن الذبّ عنه فإيرادان :

١ ـ عدم اعتبار مفهوم الوصف

أحدهما : عدم اعتبار مفهوم الوصف أنّ الاستدلال إن كان راجعا إلى اعتبار (٢) مفهوم الوصف ـ أعني الفسق ـ ، ففيه : أنّ المحقّق في محلّه عدم اعتبار المفهوم في الوصف ، خصوصا في الوصف الغير المعتمد على موصوف محقّق كما فيما نحن فيه ؛ فإنّه أشبه بمفهوم اللقب.

ولعلّ هذا مراد من أجاب عن الآية ـ كالسيّدين (٣) وأمين الإسلام (٤)

__________________

(١) في (ظ) بدل «بعده» : «مع تعذّره».

(٢) لم ترد «اعتبار» في (ظ).

(٣) الذريعة ٢ : ٥٣٥ ، والغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٧٥.

(٤) مجمع البيان ٥ : ١٣٣.

٢٥٦

والمحقّق (١) والعلاّمة (٢) وغيرهم (٣) ـ : بأنّ هذا الاستدلال مبنيّ على دليل الخطاب ، ولا نقول به.

عدم اعتبار مفهوم الشرط في الآية لأنّه سالبة بانتفاء الموضوع

وإن كان باعتبار مفهوم الشرط ، كما يظهر من المعالم (٤) والمحكيّ عن جماعة (٥) ، ففيه :

أنّ مفهوم الشرط عدم مجيء الفاسق بالنبإ ، وعدم التبيّن هنا لأجل عدم ما يتبيّن ، فالجملة الشرطيّة هنا مسوقة لبيان تحقّق الموضوع ، كما في قول القائل : «إن رزقت ولدا فاختنه» ، و «إن ركب زيد فخذ ركابه» ، و «إن قدم من السفر فاستقبله» ، و «إن تزوّجت فلا تضيّع حقّ زوجتك» ، و «إذا قرأت الدرس فاحفظه» ، قال الله سبحانه : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)(٦) ، و (إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)(٧) ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

وممّا ذكرنا ظهر فساد ما يقال تارة : إنّ عدم مجيء الفاسق يشمل ما لو جاء العادل بنبإ ، فلا يجب تبيّنه ، فيثبت المطلوب. واخرى : إنّ جعل مدلول الآية هو عدم وجوب التبيّن في خبر الفاسق

__________________

(١) معارج الاصول : ١٤٥.

(٢) انظر نهاية الوصول (مخطوط) : ٢٩٤.

(٣) كالشيخ الطوسي في العدّة ١ : ١١١.

(٤) معالم الاصول : ١٩١.

(٥) حكاه السيد المجاهد عن جماعة ، انظر مفاتيح الاصول : ٣٥٤.

(٦) الأعراف : ٢٠٤.

(٧) النساء : ٨٦.

٢٥٧

لأجل عدمه ، يوجب حمل السالبة على المنتفية بانتفاء الموضوع ، وهو خلاف الظاهر.

وجه الفساد : أنّ الحكم إذا ثبت لخبر الفاسق بشرط مجيء الفاسق به ، كان المفهوم ـ بحسب الدلالة العرفيّة أو العقليّة ـ انتفاء الحكم المذكور في المنطوق عن الموضوع المذكور فيه عند انتفاء الشرط المذكور فيه ، ففرض مجيء العادل بنبإ عند عدم الشرط ـ وهو مجيء الفاسق بالنبإ ـ لا يوجب انتفاء التبيّن عن خبر العادل الذي جاء به ؛ لأنّه لم يكن مثبتا في المنطوق حتّى ينتفي في المفهوم ، فالمفهوم في الآية وأمثالها ليس قابلا لغير السالبة بانتفاء الموضوع ، وليس هنا قضيّة لفظيّة سالبة دار الأمر بين كون سلبها لسلب المحمول عن الموضوع الموجود أو لانتفاء الموضوع.

٢ ـ تعارض المفهوم والتحليل

الثاني : تعارض المفهوم والتعليل ما أورده في محكيّ (١) العدّة (٢) والذريعة (٣) والغنية (٤) ومجمع البيان (٥) والمعارج (٦) وغيرها (٧) : من أنّا لو سلّمنا دلالة المفهوم على قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم ، لكن نقول : إنّ مقتضى

__________________

(١) حكى عنهم في مفاتيح الاصول : ٣٥٥.

(٢) العدّة ١ : ١١٣.

(٣) الذريعة ٢ : ٥٣٦.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٧٥.

(٥) مجمع البيان ٥ : ١٣٣.

(٦) معارج الاصول : ١٤٦.

(٧) انظر شرح زبدة الاصول للمولى صالح المازندراني (مخطوط) : ١٦٦.

٢٥٨

عموم التعليل وجوب التبيّن في كلّ خبر لا يؤمن الوقوع في الندم من العمل به وإن كان المخبر عادلا ، فيعارض المفهوم ، والترجيح مع ظهور التعليل.

لا يقال : إنّ النسبة بينهما وإن كان عموما من وجه ، فيتعارضان في مادّة الاجتماع وهي خبر العادل الغير المفيد للعلم ، لكن يجب تقديم عموم المفهوم وإدخال مادّة الاجتماع فيه ؛ إذ لو خرج عنه وانحصر مورده في خبر العادل المفيد للعلم لكان (١) لغوا ؛ لأنّ خبر الفاسق المفيد للعلم أيضا واجب العمل ، بل الخبر المفيد للعلم خارج عن المنطوق والمفهوم معا ، فيكون المفهوم أخصّ مطلقا من عموم التعليل.

لأنّا نقول : ما ذكره أخيرا ـ من أنّ المفهوم أخصّ مطلقا من عموم التعليل ـ مسلّم ، إلاّ أنّا ندّعي التعارض بين ظهور عموم التعليل في عدم جواز (٢) العمل بخبر العادل الغير العلميّ وظهور الجملة الشرطيّة أو الوصفيّة في ثبوت المفهوم ، فطرح المفهوم (٣) والحكم بخلوّ الجملة الشرطيّة عن المفهوم أولى من ارتكاب التخصيص في التعليل. وإليه أشار في محكيّ العدّة بقوله : لا يمنع ترك دليل الخطاب لدليل ، والتعليل دليل (٤).

وليس في ذلك منافاة لما هو الحقّ وعليه الأكثر : من جواز

__________________

(١) في (ت) ، (ر) ، (ص) و (ه) : «كان».

(٢) في (ت) و (ه) : «عدم وجوب» ، والأنسب ما أثبتناه.

(٣) لم ترد في (ظ) : «فطرح المفهوم».

(٤) العدّة ١ : ١١٣.

٢٥٩

تخصيص العامّ بمفهوم المخالفة ؛ لاختصاص ذلك ـ أوّلا ـ بالمخصّص المنفصل ، ولو سلّم جريانه في الكلام الواحد منعناه في العلّة والمعلول ؛ فإنّ الظاهر عند العرف أنّ المعلول يتبع العلّة في العموم والخصوص.

فالعلّة تارة تخصّص مورد المعلول وإن كان عامّا بحسب اللفظ ، كما في قول القائل : «لا تأكل الرمّان ؛ لأنّه حامض» ، فيخصّصه بالأفراد الحامضة ، فيكون عدم التقييد في الرمّان لغلبة (١) الحموضة فيه.

وقد توجب عموم المعلول وإن كان بحسب الدلالة اللفظيّة خاصّا ، كما في قول القائل : «لا تشرب الأدوية التي تصفها لك النسوان» ، أو «إذا وصفت لك امرأة دواء فلا تشربه ؛ لأنّك لا تأمن ضرره» ، فيدلّ على أنّ الحكم عامّ في كلّ دواء لا يؤمن ضرره من أيّ واصف كان ، ويكون تخصيص النسوان بالذكر من بين الجهّال لنكتة خاصّة أو عامّة لاحظها المتكلّم.

وما نحن فيه من هذا القبيل ، فلعلّ النكتة فيه التنبيه على فسق الوليد ، كما نبّه عليه في المعارج (٢).

وهذا الإيراد مبنيّ على أنّ المراد بالتبيّن هو التبيّن العلميّ كما هو مقتضى اشتقاقه.

ويمكن أن يقال : إنّ المراد منه ما يعمّ الظهور العرفيّ الحاصل من الاطمئنان الذي هو مقابل الجهالة ، وهذا وإن كان يدفع الإيراد المذكور عن المفهوم ؛ من حيث رجوع الفرق بين الفاسق والعادل في وجوب

__________________

(١) في (ظ) ، (ص) ، (ل) و (م) : «لعلّة».

(٢) معارج الاصول : ١٤٦.

٢٦٠