الشيخ مرتضى الأنصاري
المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-02-0
الصفحات: ٦٤٨
وهي إنّما تدلّ على وجوب قبول خبر العادل دون خبر الفاسق ، والظاهر منها ـ بقرينة التفصيل بين العادل حين الإخبار والفاسق ، وبقرينة تعليل اختصاص التبيّن بخبر الفاسق بقيام احتمال الوقوع في الندم احتمالا مساويا ؛ لأنّ الفاسق لا رادع له عن الكذب ـ هو : عدم الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه ، لا وجوب البناء على إصابته وعدم خطائه في حدسه ؛ لأنّ الفسق والعدالة حين الإخبار لا يصلحان مناطين (١) لتصويب المخبر وتخطئته بالنسبة إلى حدسه ، وكذا احتمال الوقوع في الندم من جهة الخطأ في الحدس أمر مشترك بين العادل والفاسق ، فلا يصلح لتعليل الفرق به.
فعلمنا من ذلك : أنّ المقصود من الآية إرادة نفي احتمال تعمّد الكذب عن العادل حين الإخبار دون الفاسق ؛ لأنّ هذا هو الذي يصلح لإناطته بالفسق والعدالة حين الإخبار.
ومنه تبيّن : عدم دلالة الآية على قبول الشهادة الحدسيّة إذا قلنا بدلالة الآية على اعتبار شهادة العدل.
فإن قلت : إنّ مجرّد دلالة الآية على ما ذكر لا يوجب قبول (٢) الخبر ؛ لبقاء احتمال خطأ العادل فيما أخبر وإن لم يتعمّد الكذب ، فيجب التبيّن في خبر العادل أيضا ؛ لاحتمال خطائه وسهوه ، وهو خلاف الآية المفصّلة بين العادل والفاسق ، غاية الأمر وجوبه في خبر الفاسق من وجهين وفي العادل من جهة واحدة.
__________________
(١) في (ر) ، (ص) ، (ظ) ، (ل) و (م) : «لا تصلح مناطا».
(٢) في (ر) ، (ص) ، (ظ) و (ل) : «قبوليّة» ، وفي (م) : «مقبوليّة».
قلت : إذا ثبت بالآية عدم جواز الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه ، ينفى احتمال خطائه وغفلته واشتباهه بأصالة عدم الخطأ في الحسّ ؛ وهذا أصل عليه إطباق العقلاء والعلماء في جميع الموارد.
نعم ، لو كان المخبر ممّن يكثر عليه الخطأ والاشتباه لم يعبأ بخبره ؛ لعدم جريان أصالة عدم الخطأ والاشتباه ؛ ولذا يعتبرون في الراوي والشاهد (١) الضبط ، وإن كان ربما يتوهّم الجاهل ثبوت ذلك من الإجماع ، إلاّ أنّ المنصف يشهد : أنّ (٢) اعتبار هذا في جميع موارده ليس لدليل خارجيّ مخصّص لعموم آية النبأ ونحوها ممّا دلّ على وجوب قبول قول العادل ، بل لما ذكرنا : من أنّ المراد بوجوب قبول قول العادل رفع التهمة عنه من جهة احتمال تعمّده الكذب ، لا تصويبه وعدم تخطئته أو غفلته (٣).
ويؤيّد ما ذكرنا : أنّه لم يستدلّ أحد من العلماء على حجّية فتوى الفقيه على العامّي بآية النبأ ، مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسؤال (٤).
والظاهر : أنّ ما ذكرنا ـ من عدم دلالة الآية وأمثالها من أدلّة قبول قول العادل على وجوب تصويبه في الاعتقاد ـ هو الوجه فيما
__________________
(١) في (ر) ، (ص) و (ه) : «الشاهد والراوي».
(٢) كذا في (ظ) ، (ل) و (م) ، وفي غيرها : «بأنّ».
(٣) لم ترد «أو غفلته» في (م).
(٤) منهم المحقّق في المعارج : ١٩٨ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٤١١ ، والمحقّق القمّي في القوانين ١ : ٣٢٥ ، والسيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٥٩٤.
ذهب إليه المعظم (١) ، بل أطبقوا عليه كما في الرياض (٢) : من عدم (٣) اعتبار الشهادة في المحسوسات إذا لم تستند إلى الحسّ ، وإن علّله في الرياض بما لا يخلو عن نظر : من أنّ الشهادة من الشهود وهو الحضور ، فالحسّ مأخوذ في مفهومها.
عدم عموميّة آية «النبأ» لكلّ خبر |
والحاصل : أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الإخبار عن حدس واجتهاد ونظر ليس حجّة إلاّ على من وجب عليه تقليد المخبر في الأحكام الشرعيّة ، وأنّ الآية ليست عامّة لكلّ خبر ودعوى (٤) خرج ما خرج.
فإن قلت : فعلى هذا إذا أخبر الفاسق بخبر يعلم بعدم تعمّده للكذب فيه ، تقبل شهادته فيه ؛ لأنّ احتمال تعمّده للكذب منتف بالفرض ، واحتمال غفلته وخطائه منفيّ بالأصل المجمع عليه ، مع أنّ شهادته مردودة إجماعا.
قلت : ليس المراد ممّا ذكرنا عدم قابليّة العدالة والفسق لإناطة (٥) الحكم بهما وجودا وعدما تعبّدا ، كما في الشهادة والفتوى ونحوهما ، بل
__________________
(١) كالمحقّق في الشرائع ٤ : ١٣٢ ، والشهيد في الدروس ٢ : ١٣٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٣١٠.
(٢) الرياض (الطبعة الحجرية) ٢ : ٤٤٦.
(٣) في (م) بدل عبارة «والظاهر أنّ ـ إلى ـ من عدم اعتبار» العبارة التالية : «ولعلّ لما ذكرنا ـ من عدم دلالة الآية وأمثالها من أدلّة قبول قول العادل ، على وجوب تصويبه في الاعتقاد ـ ذهب المعظم ، بل أطبقوا كما في الرياض على عدم اعتبار ...».
(٤) في (ر) : «بدعوى».
(٥) في (ظ) و (ل) بدل «لإناطة» : «لاشتراط».
المراد أنّ الآية المذكورة لا تدلّ إلاّ على مانعيّة الفسق من حيث قيام احتمال تعمّد الكذب معه ، فيكون مفهومها عدم المانع في العادل من هذه الجهة ، فلا يدلّ على وجوب قبول خبر العادل إذا لم يمكن نفي خطائه بأصالة عدم الخطأ المختصّة بالأخبار الحسيّة ، فالآية (١) لا تدلّ أيضا على اشتراط العدالة ومانعيّة الفسق في صورة العلم بعدم تعمّد (٢) الكذب ، بل لا بدّ له من دليل آخر ، فتأمّل (٣).
الإجماع في مصطلح الخاصّة والعامّة |
الأمر الثاني : الإجماع في مصطلح الخاصّة والعامّة أنّ الإجماع في مصطلح الخاصّة ، بل العامّة ـ الذين هم الأصل له وهو الأصل لهم ـ هو (٤) : اتّفاق جميع العلماء في عصر ؛ كما ينادي بذلك تعريفات كثير من (٥) الفريقين (٦).
قال في التهذيب : الإجماع هو اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد صلىاللهعليهوآله (٧).
وقال صاحب غاية البادئ (٨) ـ شارح المبادئ ، الذي هو أحد علمائنا
__________________
(١) في (ظ) و (ل) بدل «فالآية» : «و».
(٢) في (ت) ، (ر) ، (ل) و (ص) : «تعمّده».
(٣) لم ترد في (ظ) ، (ل) و (م) : «فتأمّل».
(٤) في (ت) و (ه) زيادة : «عبارة عن».
(٥) في (م) : «كثير من تعريفات».
(٦) انظر المستصفى للغزالي ١ : ١٧٣ ، والإحكام للآمدي ١ : ٢٥٤ ، وشرح مختصر الاصول ١ : ١٢٢ ، وستأتي الإشارة إلى كلمات الخاصّة.
(٧) تهذيب الوصول للعلاّمة الحلّي : ٦٥.
(٨) هو الشيخ محمّد بن علي بن محمّد الجرجاني الغروي ، تلميذ العلاّمة الحلّي.
انظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٦ : ١٠.
المعاصرين للعلاّمة قدسسره ـ : الإجماع في اصطلاح فقهاء أهل البيت عليهمالسلام هو : اتّفاق أمّة محمّد صلىاللهعليهوآله على وجه يشتمل على قول المعصوم (١) ، انتهى.
وقال في المعالم : الإجماع في الاصطلاح : اتّفاق خاصّ ، وهو اتّفاق من يعتبر قوله من الامّة (٢) ، انتهى.
وكذا غيرها من العبارات المصرّحة بذلك (٣) في تعريف الإجماع وغيره من المقامات ، كما تراهم يعتذرون كثيرا عن وجود المخالف بانقراض عصره (٤).
وجه حجّية الإجماع عند الإماميّة |
ثمّ إنّه لمّا كان وجه حجّية الإجماع عند الإماميّة اشتماله على قول الإمام عليهالسلام ، كانت الحجّية دائرة مدار وجوده عليهالسلام في كلّ جماعة هو أحدهم ؛ ولذا قال السيّد المرتضى :
إذا كان علّة كون الإجماع حجّة كون الإمام فيهم ، فكلّ جماعة ـ كثرت أو قلّت ـ كان قول الإمام في أقوالها ، فإجماعها حجّة ، وأنّ خلاف الواحد والاثنين إذا كان الإمام أحدهما ـ قطعا أو تجويزا ـ يقتضي عدم الاعتداد بقول الباقين وإن كثروا ، وأنّ الإجماع بعد الخلاف
__________________
(١) غاية البادئ في شرح المبادئ (مخطوط) : الورقة ٧٣ ، وفيه : «اتّفاق جمع من أمّة محمّد».
(٢) المعالم : ١٧٢.
(٣) انظر المعارج : ١٢٥ ، والوافية : ١٥١.
(٤) انظر إيضاح الفوائد ٣ : ٣١٨ ، وحاشية الشرائع للمحقّق الثاني (مخطوط) : ٩٩ ، والجواهر ٢ : ١٠.
كالمبتدإ في الحجّية (١) ، انتهى.
وقال المحقّق في المعتبر ـ بعد إناطة حجّية الإجماع بدخول قول الإمام عليهالسلام ـ : إنّه لو خلا المائة من فقهائنا من قوله لم يكن قولهم حجّة ، ولو حصل في اثنين كان قولهما حجّة (٢) ، انتهى.
وقال العلاّمة رحمهالله ـ بعد قوله : إنّ الإجماع عندنا حجّة لاشتماله على قول المعصوم ـ : وكلّ جماعة قلّت أو كثرت كان قول الإمام عليهالسلام في جملة أقوالها فإجماعها حجّة لأجله ، لا لأجل الإجماع (٣) ، انتهى.
هذا ، ولكن لا يلزم من كونه حجّة تسميته إجماعا في الاصطلاح ، كما أنّه ليس كلّ خبر جماعة يفيد العلم متواترا في الاصطلاح.
وأمّا ما اشتهر بينهم : من أنّه لا يقدح خروج معلوم النسب واحدا أو أكثر ، فالمراد أنّه لا يقدح في حجّية اتّفاق الباقي ، لا في تسميته إجماعا ، كما علم من فرض المحقّق قدسسره الإمام عليهالسلام في اثنين.
نعم ، ظاهر كلمات جماعة (٤) يوهم تسميته إجماعا (٥) ؛ حيث تراهم يدّعون الإجماع في مسألة ثمّ يعتذرون عن وجود المخالف بأنّه معلوم النسب.
__________________
(١) الذريعة ٢ : ٦٣٠ ، ٦٣٢ و ٦٣٥.
(٢) المعتبر ١ : ٣١.
(٣) نهاية الوصول (مخطوط) : ٢٤١.
(٤) مثل : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٨٩ ، وصاحب الرياض في الرياض ٢ : ٣٤٦.
(٥) في (ر) زيادة : «اصطلاحا» ، وفي (ص) زيادة : «في الاصطلاح».
لكنّ التأمّل الصادق يشهد بأنّ الغرض الاعتذار عن قدح المخالف في الحجّية ، لا في التسمية.
المسامحة في إطلاق الإجماع |
نعم ، يمكن أن يقال : إنّهم قد تسامحوا في إطلاق الإجماع على اتّفاق الجماعة التي علم دخول الإمام عليهالسلام فيها ؛ لوجود مناط الحجّية فيه ، وكون وجود المخالف غير مؤثّر شيئا. وقد شاع هذا التسامح بحيث كاد أن (١) ينقلب اصطلاح الخاصّة عمّا وافق اصطلاح العامّة إلى ما يعمّ اتّفاق طائفة من الإماميّة ، كما يعرف من أدنى تتبّع لموارد الاستدلال.
بل إطلاق لفظ «الإجماع» بقول مطلق على إجماع الإماميّة فقط ـ مع أنّهم بعض الامّة لا كلّهم ـ ليس إلاّ لأجل المسامحة ؛ من جهة أنّ وجود المخالف كعدمه من حيث مناط الحجّية.
وعلى أيّ تقدير : فظاهر إطلاقهم إرادة دخول قول الإمام عليهالسلام في أقوال المجمعين بحيث يكون دلالته عليه بالتضمّن ، فيكون الإخبار عن الإجماع إخبارا عن قول الإمام عليهالسلام ، وهذا هو الذي يدلّ عليه كلام المفيد (٢) والمرتضى (٣) وابن زهرة (٤) والمحقّق (٥) والعلاّمة (٦)
__________________
(١) لم ترد «أن» في (ه) ، وشطب عليها في (ت).
(٢) أوائل المقالات (مصنّفات الشيخ المفيد) ٤ : ١٢١.
(٣) الذريعة ٢ : ٦٠٥.
(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٧٧.
(٥) المعتبر ١ : ٣١ ، والمعارج : ١٣٢.
(٦) نهاية الوصول (مخطوط) : ٢٤١ ، وتهذيب الوصول : ٦٥ و ٧٠.
والشهيدين (١) ومن تأخّر عنهم (٢).
وأمّا اتّفاق من عدا الإمام عليهالسلام بحيث يكشف عن صدور الحكم عن الإمام عليهالسلام بقاعدة اللطف كما عن الشيخ رحمهالله (٣) ، أو التقرير كما عن بعض المتأخّرين (٤) ، أو بحكم العادة القاضية باستحالة توافقهم على الخطأ مع كمال بذل الوسع في فهم الحكم الصادر عن الإمام عليهالسلام ، فهذا ليس إجماعا اصطلاحيّا ، إلاّ أن ينضمّ قول الإمام عليهالسلام ـ المكشوف عنه باتّفاق هؤلاء ـ إلى أقوالهم (٥) فيسمّى المجموع إجماعا ؛ بناء على ما تقدّم (٦) :
من المسامحة في تسمية اتّفاق جماعة مشتمل على قول الإمام عليهالسلام إجماعا وإن خرج عنه الكثير أو الأكثر. فالدليل في الحقيقة هو اتّفاق من عدا الإمام عليهالسلام ، والمدلول الحكم الصادر عنه عليهالسلام ، نظير كلام الإمام عليهالسلام ومعناه.
فالنكتة في التعبير عن الدليل بالإجماع ـ مع توقّفه على ملاحظة انضمام مذهب الإمام عليهالسلام الذي هو المدلول إلى الكاشف عنه ، وتسمية المجموع دليلا ـ : هو التحفّظ على ما جرت عليه (٧) سيرة أهل الفنّ ، من
__________________
(١) الذكرى ١ : ٤٩ ، والقواعد والفوائد ١ : ٢١٧ ، وتمهيد القواعد : ٢٥١.
(٢) منهم : صاحب المعالم في المعالم : ١٧٣ ، والفاضل التوني في الوافية : ١٥١.
(٣) العدّة ٢ : ٦٣١ و ٦٣٧.
(٤) هو المحقّق التستري في كشف القناع : ١٦٤.
(٥) في (م) : «قولهم».
(٦) راجع الصفحة السابقة.
(٧) لم ترد «عليه» في غير (ت) و (ه).
إرجاع كلّ دليل إلى أحد الأدلّة المعروفة بين الفريقين ، أعني الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، ففي إطلاق الإجماع على هذا مسامحة في مسامحة.
مسامحة اخرى في إطلاق الإجماع |
وحاصل المسامحتين : إطلاق الإجماع على اتّفاق طائفة يستحيل بحكم العادة خطأهم وعدم وصولهم إلى حكم الإمام عليهالسلام.
والاطّلاع على تعريفات الفريقين واستدلالات الخاصّة وأكثر العامّة على حجّية الإجماع ، يوجب القطع بخروج هذا الإطلاق عن المصطلح وبنائه على المسامحة ؛ لتنزيل وجود من خرج عن هذا الاتّفاق منزلة عدمه ، كما قد عرفت من السيّد والفاضلين قدّست أسرارهم (١) : من أنّ كلّ جماعة ـ قلّت أو كثرت ـ علم دخول قول الإمام عليهالسلام فيهم ، فإجماعها حجّة.
ويكفيك في هذا : ما سيجيء (٢) من المحقّق الثاني في تعليق الشرائع : من دعوى الإجماع على أنّ خروج الواحد من علماء العصر قادح في انعقاد الإجماع. مضافا إلى ما عرفت (٣) : من إطباق الفريقين على تعريف الإجماع باتّفاق الكلّ.
لا ضير في المسامحتين |
ثمّ إنّ المسامحة من الجهة الاولى أو الثانية في إطلاق لفظ «الإجماع» على هذا من دون قرينة لا ضير فيها ؛ لأنّ العبرة في الاستدلال بحصول العلم من الدليل للمستدلّ (٤).
__________________
(١) راجع الصفحة ١٨٥ ـ ١٨٦.
(٢) انظر الصفحة ١٩٦.
(٣) راجع الصفحة ١٨٤.
(٤) لم ترد «للمستدلّ» في (ه).
نعم ، لو كان نقل الإجماع المصطلح حجّة عند الكلّ (١) كان إخفاء القرينة في الكلام الذي هو المرجع للغير تدليسا ، أمّا لو لم يكن نقل الإجماع حجّة ، أو كان نقل مطلق الدليل القطعيّ حجّة ، لم يلزم تدليس أصلا.
كلام صاحب المعالم رحمهالله والمناقشة فيه |
ويظهر من ذلك : ما في كلام صاحب المعالم رحمهالله ، حيث إنّه بعد ما (٢) ذكر أنّ حجّية الإجماع إنّما هي لاشتماله على قول المعصوم ، واستنهض بكلام المحقّق الذي تقدّم (٣) ، واستجوده ، قال :
والعجب من غفلة جمع من الأصحاب عن هذا الأصل وتساهلهم في دعوى الإجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهيّة ، حتّى جعلوه عبارة عن اتّفاق جماعة من الأصحاب ، فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه الاصطلاح من دون نصب قرينة جليّة ، ولا دليل لهم على الحجّية يعتدّ به (٤) ، انتهى.
وقد عرفت (٥) : أنّ مساهلتهم وتسامحهم في محلّه ؛ بعد ما كان مناط حجّية الإجماع الاصطلاحيّ موجودا في اتّفاق جماعة من الأصحاب. وعدم تعبيرهم عن هذا الاتّفاق بغير لفظ «الإجماع» ؛ لما عرفت (٦) من التحفّظ على عناوين الأدلّة المعروفة بين الفريقين.
__________________
(١) في (ص) و (ه) زيادة : «أو الأكثر».
(٢) لم ترد «ما» في (ص) ، (ظ) ، (ل) و (م) ، وورد بدلها في (ظ) : «أن».
(٣) أي كلام المحقّق في المعتبر المتقدّم في الصفحة ١٨٦.
(٤) المعالم : ١٧٤.
(٥) راجع الصفحة السابقة.
(٦) راجع الصفحة ١٨٨.
إذا عرفت ما ذكرنا ، فنقول :
أنحاء حكاية الإجماع |
إنّ الحاكي للاتّفاق قد ينقل الإجماع بقول مطلق ، أو مضافا إلى المسلمين ، أو الشيعة ، أو أهل الحقّ ، أو غير ذلك ممّا يمكن أن يراد به دخول الإمام عليهالسلام في المجمعين.
وقد ينقله مضافا إلى من عدا الإمام عليهالسلام ، كقوله : أجمع علماؤنا أو أصحابنا أو فقهاؤنا أو فقهاء أهل البيت عليهمالسلام ؛ فإنّ ظاهر ذلك من عدا الإمام عليهالسلام ، وإن كان إرادة العموم محتملة بمقتضى المعنى اللغويّ ، لكنّه مرجوح.
فإن أضاف الإجماع إلى من عدا الإمام عليهالسلام فلا إشكال في عدم حجّية نقله ؛ لأنّه لم ينقل حجّة ، وإن فرض حصول العلم للناقل بصدور الحكم عن الإمام عليهالسلام من جهة هذا الاتّفاق ، إلاّ أنّه إنّما نقل سبب العلم ، ولم ينقل المعلوم وهو قول الإمام عليهالسلام حتّى يدخل في نقل الحجّة وحكاية السنّة بخبر الواحد.
نعم ، لو فرض أنّ السبب المنقول ممّا يستلزم عادة موافقة قول الإمام عليهالسلام أو وجود دليل ظنّيّ معتبر حتّى بالنسبة إلينا ، أمكن إثبات ذلك السبب المحسوس بخبر العادل ، والانتقال منه إلى لازمه ، لكن سيجيء بيان الإشكال في تحقّق ذلك (١).
وفي حكم الإجماع المضاف إلى من عدا الإمام عليهالسلام : الإجماع المطلق المذكور في مقابل الخلاف ، كما يقال : خرء الحيوان الغير المأكول غير الطير نجس إجماعا ، وإنّما اختلفوا في خرء الطير ، أو يقال : إنّ محلّ
__________________
(١) انظر الصفحة ٢٠٢ و ٢١٧.
الخلاف هو كذا ، وأمّا كذا فحكمه كذا إجماعا ؛ فإنّ معناه في مثل هذا كونه قولا واحدا.
وأضعف ممّا ذكر : نقل عدم الخلاف ، وأنّه ظاهر الأصحاب ، أو قضيّة المذهب ، وشبه ذلك.
مستند العلم بقول الإمام عليهالسلام أحد امور |
وإن أطلق الإجماع أو أضافه على وجه يظهر منه إرادة المعنى المصطلح المتقدّم (١) ـ ولو مسامحة ؛ لتنزيل وجود المخالف منزلة العدم ؛ لعدم قدحه في الحجّية ـ فظاهر الحكاية كونها حكاية للسنّة ، أعني حكم الإمام عليهالسلام ؛ لما عرفت (٢) : من أنّ الإجماع الاصطلاحيّ متضمّن لقول الإمام عليهالسلام فيدخل في الخبر والحديث ، إلاّ أنّ مستند علم الحاكي بقول الإمام عليهالسلام أحد امور :
١ ـ الحسّ |
أحدها : الحسّ ، كما إذا سمع الحكم من الإمام عليهالسلام في جملة جماعة لا يعرف أعيانهم فيحصل له العلم بقول الإمام عليهالسلام.
وهذا في غاية القلّة ، بل نعلم جزما أنّه لم يتّفق لأحد من هؤلاء الحاكين للإجماع ، كالشيخين والسيّدين وغيرهما ؛ ولذا صرّح الشيخ في العدّة ـ في مقام الردّ على السيّد حيث أنكر الإجماع من باب وجوب اللطف ـ : بأنّه لو لا قاعدة اللطف لم يمكن التوصّل إلى معرفة موافقة الإمام للمجمعين (٣).
٢ ـ قاعدة اللطف |
الثاني : قاعدة اللطف ، على ما ذكره الشيخ في العدّة (٤) وحكي
__________________
(١) في الصفحة ١٨٤.
(٢) راجع الصفحة ١٨٧ ـ ١٨٨.
(٣) العدّة ٢ : ٦٣١.
(٤) العدّة ٢ : ٦٣١ و ٦٣٧.
القول به عن غيره من المتقدّمين (١).
عدم صحّة الاستناد إلى اللطف |
ولا يخفى أنّ الاستناد إليه غير صحيح على ما ذكر في محلّه (٢) ، فإذا علم استناد الحاكي إليه فلا وجه للاعتماد على حكايته ، والمفروض أنّ إجماعات الشيخ كلّها مستندة إلى هذه القاعدة ؛ لما عرفت من كلامه المتقدّم من العدّة ، وستعرف منها ومن غيرها من كتبه (٣).
عدم صحّة دعوى مشاركة الشيخ للسيّد في طريقة استكشاف قول الإمام عليه السلام |
فدعوى مشاركته للسيّد قدسسره في استكشاف قول الإمام عليهالسلام من تتبّع أقوال الامّة واختصاصه بطريق آخر مبنيّ على قاعدة «وجوب (٤) اللطف» ، غير ثابتة وإن ادّعاها بعض (٥) ؛ فإنّه قدسسره قال في العدّة ـ في حكم ما إذا اختلفت الإماميّة على قولين يكون أحد القولين قول الإمام عليهالسلام على وجه لا يعرف بنفسه ، والباقون كلّهم على خلافه ـ :
كلام الشيخ في العدّة ردّا على طريقة السيّد المرتضي |
إنّه متى اتّفق ذلك ، فإن كان على القول الذي انفرد به الإمام عليهالسلام دليل من كتاب أو سنّة مقطوع بها ، لم يجب عليه الظهور ولا الدلالة على ذلك ؛ لأنّ الموجود من الدليل كاف في إزاحة التكليف ، ومتى لم يكن عليه دليل وجب عليه الظهور ، أو إظهار من يبيّن الحقّ في تلك المسألة ـ إلى أن قال ـ :
__________________
(١) حكاه السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول عن جماعة ، منهم الحلبي في ظاهر الكافي ، انظر مفاتيح الاصول : ٤٩٦ ، والكافي : ٥٠٧ ـ ٥١٠.
(٢) انظر القوانين ١ : ٣٥٣ ، والفصول : ٢٤٥ ـ ٢٤٦.
(٣) انظر الصفحة الآتية.
(٤) كذا في (ص) ، (ظ) و (م) ، وفي غيرها : «وجوب قاعدة».
(٥) هو المحقّق القمّي في القوانين ١ : ٣٥٠.
وذكر المرتضى عليّ بن الحسين الموسويّ أخيرا : أنّه يجوز أن يكون الحقّ عند الإمام عليهالسلام والأقوال الأخر كلّها باطلة ، ولا يجب عليه الظهور ؛ لأنّا إذا كنّا نحن السبب في استتاره ، فكلّ ما يفوتنا من الانتفاع به وبما (١) معه من الأحكام يكون (٢) قد فاتنا من قبل أنفسنا ، ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدّى إلينا الحقّ الذي كان عنده.
قال : وهذا عندي غير صحيح ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن لا يصحّ الاحتجاج بإجماع الطائفة أصلا ؛ لأنّا لا نعلم دخول الإمام عليهالسلام فيها إلاّ بالاعتبار الذي بيّنّاه ، ومتى جوّزنا انفراده بالقول وأنّه لا يجب ظهوره ، منع ذلك من الاحتجاج بالإجماع (٣) ، انتهى كلامه.
وذكر في موضع آخر من العدّة : أنّ هذه الطريقة ـ يعني طريقة السيّد المتقدّمة ـ غير مرضيّة عندي ؛ لأنّها تؤدّي إلى أن لا يستدلّ بإجماع الطائفة أصلا ؛ لجواز أن يكون قول الإمام عليهالسلام مخالفا لها ومع ذلك لا يجب عليه إظهار ما عنده (٤) ، انتهى.
وأصرح من ذلك في انحصار طريق الإجماع عند الشيخ فيما ذكره من قاعدة اللطف : ما حكي عن بعض (٥) أنّه حكاه عن كتاب التمهيد للشيخ :
__________________
(١) في غير (ل) و (م) زيادة : «يكون».
(٢) لم ترد «يكون» في (ر) ، (ص) و (ه).
(٣) العدّة ٢ : ٦٣١.
(٤) العدّة ٢ : ٦٣٧.
(٥) حكاه المحقّق التستري عن الشيخ الحمصي في التعليق العراقي ، راجع كشف القناع : ١١٨.
أنّ سيّدنا المرتضى قدسسره كان يذكر كثيرا : أنّه لا يمتنع أن يكون هنا امور كثيرة غير واصلة إلينا علمها مودع عند الإمام عليهالسلام وإن كتمها الناقلون ، ولا يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق ... إلى أن قال :
وقد اعترضنا على هذا في كتاب العدّة في اصول الفقه ، وقلنا : هذا الجواب صحيح لو لا ما نستدلّ في أكثر الأحكام على صحّته بإجماع الفرقة ، فمتى جوّزنا أن يكون قول الإمام عليهالسلام خلافا لقولهم ولا يجب ظهوره ، جاز لقائل أن يقول : ما أنكرتم أن يكون قول الإمام عليهالسلام خارجا عن قول من تظاهر بالإمامة ومع هذا لا يجب عليه الظهور ؛ لأنّهم أتوا من قبل أنفسهم ، فلا يمكننا الاحتجاج بإجماعهم أصلا (١) ، انتهى.
فإنّ صريح هذا الكلام أنّ القادح في طريقة السيّد منحصر في استلزامها رفع التمسّك بالإجماع ، ولا قادح فيها سوى ذلك ؛ ولذا صرّح في كتاب الغيبة بأنّها قويّة تقتضيها الاصول (٢) ، فلو كان لمعرفة الإجماع وجواز الاستدلال به طريق آخر غير قاعدة وجوب إظهار الحقّ عليه ، لم يبق ما يقدح في طريقة السيّد ؛ لاعتراف الشيخ بصحّتها لو لا كونها مانعة عن الاستدلال بالإجماع.
__________________
(١) تمهيد الاصول (مخطوط) ، لا يوجد لدينا ، وهو شرح على «جمل العلم والعمل» للسيّد المرتضى ، يوجد منه نسخة في الخزانة الرضويّة ، كما في الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٤ : ٤٣٣ ، وانظر العدّة ٢ : ٦٣١.
(٢) كتاب الغيبة : ٩٧.
ظهور الاستناد إلى قاعدة اللطف من كلام جماعة |
ثمّ إنّ الاستناد إلى هذا الوجه ظاهر من كلّ من اشترط في تحقّق الإجماع عدم مخالفة أحد من علماء العصر ، كفخر الدين والشهيد والمحقّق الثاني.
كلام فخر الدين في الإبضاح |
قال في الإيضاح في مسألة ما يدخل في المبيع : إنّ من عادة المجتهد أنّه إذا تغيّر اجتهاده إلى التردّد أو الحكم بخلاف ما اختاره أوّلا ، لم يبطل ذكر الحكم الأوّل ، بل يذكر ما أدّاه إليه اجتهاده ثانيا في موضع آخر ؛ لبيان عدم انعقاد إجماع أهل عصر الاجتهاد الأوّل على خلافه ، وعدم انعقاد إجماع أهل العصر الثاني على كلّ واحد منهما ، وأنّه لم يحصل في الاجتهاد الثاني مبطل للأوّل ، بل معارض لدليله مساو له (١) ، انتهى.
وقد أكثر في الإيضاح من عدم الاعتبار بالخلاف ؛ لانقراض عصر المخالف (٢) ، وظاهره الانطباق على هذه الطريقة ، كما لا يخفى.
وقال في الذكرى : ظاهر العلماء المنع عن العمل بقول الميّت ؛ محتجّين بأنّه لا قول للميّت ؛ ولهذا ينعقد الإجماع على خلافه ميّتا (٣).
واستدلّ المحقّق الثاني في حاشية الشرائع على أنّه لا قول للميّت : بالإجماع على أنّ خلاف الفقيه الواحد لسائر أهل عصره يمنع من انعقاد الإجماع ؛ اعتدادا بقوله واعتبارا بخلافه ، فإذا مات وانحصر أهل العصر في المخالفين له انعقد وصار قوله غير منظور إليه ، ولا يعتدّ به (٤) ، انتهى.
__________________
(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥٠٢.
(٢) انظر ايضاح الفوائد ٣ : ٣١٨.
(٣) الذكرى ١ : ٤٤.
(٤) حاشية الشرائع (مخطوط) : ٩٩.
كلام المحقّق الداماد قدس سره |
وحكي عن بعض : أنّه حكى عن المحقّق الداماد ، أنّه قدسسره قال في بعض كلام له في تفسير «النعمة الباطنة» (١) : إنّ من فوائد الإمام عجّل الله فرجه أن يكون مستندا لحجّية إجماع أهل الحلّ والعقد من العلماء على حكم من الأحكام ـ إجماعا بسيطا في أحكامهم الإجماعيّة ، وحجّية إجماعهم المركّب في أحكامهم الخلافيّة ـ فإنّه عجّل الله فرجه لا ينفرد بقول ، بل من الرحمة الواجبة في الحكمة الإلهيّة أن يكون في المجتهدين المختلفين في المسألة المختلف فيها من علماء العصر من يوافق رأيه رأي إمام عصره وصاحب أمره ، ويطابق قوله قوله وإن لم يكن ممّن نعلمه بعينه ونعرفه بخصوصه (٢) ، انتهى.
وكأنّه لأجل مراعاة هذه الطريقة التجأ الشهيد في الذكرى (٣) إلى توجيه الإجماعات التي ادّعاها جماعة في المسائل الخلافيّة مع وجود المخالف فيها : بإرادة غير المعنى الاصطلاحيّ من الوجوه التي حكاها عنه في المعالم (٤) ، ولو جامع الإجماع وجود الخلاف ـ ولو من معلوم النسب ـ لم يكن داع إلى التوجيهات المذكورة ، مع بعدها أو أكثرها.
٣ ـ الحدس |
الثالث من طرق انكشاف قول الإمام عليهالسلام لمدّعي الإجماع : الحدس ، وهذا على وجهين :
أحدهما : أن يحصل له ذلك من طريق لو علمنا به ما خطّأناه في
__________________
(١) الواردة في قوله تعالى : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) لقمان : ٢٠.
(٢) الحاكي عن البعض هو المحقّق التستري في كشف القناع : ١٤٥.
(٣) الذكرى ١ : ٥١.
(٤) المعالم : ١٧٤.
استكشافه ، وهذا على وجهين :
أحدهما : أن يحصل (١) الحدس الضروريّ من مبادئ محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه من قبيل الخطأ في الحسّ ، فيكون بحيث لو حصل لنا تلك الأخبار لحصل (٢) لنا العلم كما حصل له.
ثانيهما : أن يحصل الحدس له من إخبار جماعة اتّفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ ، لكن ليس إخبارهم ملزوما عادة للمطابقة لقول الإمام عليهالسلام بحيث لو حصل لنا علمنا بالمطابقة أيضا.
الثاني : أن يحصل ذلك من مقدّمات نظريّة واجتهادات كثيرة الخطأ ، بل علمنا بخطإ بعضها في موارد كثيرة من نقلة الإجماع ؛ علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم في موارد ، واستظهرنا ذلك منهم في موارد أخر ، وسيجيء جملة منها (٣).
لا يصلح للاستناد إلاّ الحدس |
إذا عرفت أنّ مستند خبر المخبر بالإجماع المتضمّن للإخبار من الإمام عليهالسلام لا يخلو من الامور الثلاثة المتقدّمة ، وهي : السماع عن الإمام عليهالسلام مع عدم معرفته بعينه ، واستكشاف قوله من قاعدة «اللطف» ، وحصول العلم من «الحدس» ، وظهر لك أنّ الأوّل هنا غير متحقّق عادة لأحد من علمائنا المدّعين للإجماع ، وأنّ الثاني ليس طريقا للعلم ، فلا يسمع دعوى من استند إليه ؛ فلم يبق ممّا يصلح أن يكون المستند
__________________
(١) في (ر) و (ص) زيادة : «له».
(٢) كذا في (ت) و (ه) ، وفي غيرهما : «يحصل».
(٣) انظر الصفحة ٢٠٤ ـ ٢٠٨.
في الإجماعات المتداولة على ألسنة ناقليها : إلاّ «الحدس» (١).
وعرفت أنّ الحدس قد يستند إلى مبادئ محسوسة ملزومة عادة لمطابقة قول الإمام عليهالسلام ، نظير العلم الحاصل من الحواسّ الظاهرة ، ونظير الحدس الحاصل لمن أخبر بالعدالة والشجاعة لمشاهدته آثارهما المحسوسة الموجبة للانتقال إليهما بحكم العادة ، أو إلى مبادئ محسوسة موجبة لعلم المدّعي بمطابقة قول الإمام عليهالسلام من دون ملازمة عاديّة ، وقد يستند إلى اجتهادات وأنظار.
وحيث لا دليل على قبول خبر العادل المستند إلى القسم الأخير من الحدس ، بل ولا المستند إلى الوجه الثاني ، ولم يكن هناك ما يعلم به كون الإخبار مستندا إلى القسم الأوّل من الحدس ؛ وجب التوقّف في العمل بنقل الإجماع ، كسائر الأخبار المعلوم استنادها إلى الحدس المردّد بين الوجوه المذكورة.
فإن قلت : ظاهر لفظ «الإجماع» اتّفاق الكلّ ، فإذا أخبر الشخص بالإجماع فقد أخبر باتّفاق الكلّ ، ومن المعلوم أنّ حصول العلم بالحكم من اتّفاق الكلّ كالضروريّ ؛ فحدس المخبر مستند إلى مباد محسوسة ملزومة لمطابقة قول الإمام عليهالسلام عادة ؛ فإمّا أن يجعل الحجّة نفس ما استفاده من الاتّفاق نظير الإخبار بالعدالة ، وإمّا أن يجعل الحجّة إخباره بنفس الاتّفاق المستلزم عادة لقول الإمام عليهالسلام ، ويكون نفس المخبر به حينئذ محسوسا ، نظير إخبار الشخص بامور تستلزم العدالة
__________________
(١) العبارة في (ظ) ، (ل) و (م) هكذا : «فلا يسمع دعوى من استند إليه ، تعيّن كون المستند في الإجماعات المتداولة على ألسنة ناقليها هو الحدس».
أو (١) الشجاعة عادة.
وقد أشار إلى الوجهين بعض السادة الأجلّة (٢) في شرحه على الوافية ؛ فإنّه قدسسره لمّا اعترض على نفسه : بأنّ المعتبر من الأخبار ما استند إلى إحدى الحواسّ ، والمخبر بالإجماع إنّما رجع إلى بذل الجهد ، ومجرّد الشكّ في دخول مثل ذلك في الخبر يقتضي منعه ، أجاب عن ذلك :
بأنّ المخبر هنا ـ أيضا ـ يرجع إلى السمع فيما يخبر عن العلماء وإن جاء العلم بمقالة المعصوم من مراعاة أمر آخر ، كوجوب اللطف وغيره.
ثمّ أورد : بأنّ المدار في حجّية الإجماع على مقالة المعصوم عليهالسلام ، فالإخبار إنّما هو بها ، ولا يرجع إلى سمع.
فأجاب عن ذلك :
أوّلا : بأنّ مدار الحجّية وإن كان ذلك ، لكن استلزام اتّفاق كلمة العلماء لمقالة المعصوم عليهالسلام معلوم لكلّ أحد لا يحتاج فيه إلى النقل ، وإنّما الغرض من النقل ثبوت الاتّفاق ، فبعد اعتبار خبر الناقل ـ لوثاقته ورجوعه في حكاية الاتّفاق إلى الحسّ ـ كان الاتّفاق معلوما ، ومتى ثبت ذلك كشف عن مقالة المعصوم ؛ للملازمة المعلومة.
وثانيا : أنّ الرجوع في حكاية الإجماع إلى نقل مقالة المعصوم عليهالسلام لرجوع الناقل في ذلك إلى الحسّ ؛ باعتبار أنّ الاتّفاق من آثارها ، ولا كلام في اعتبار مثل ذلك ، كما في الإخبار بالإيمان والفسق
__________________
(١) في (ت) ، (ر) ، (ص) و (ه) بدل «أو» : «و».
(٢) هو السيّد المحقّق الكاظمي المعروف بالسيّد الأعرجي.