فرائد الأصول - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-02-0
الصفحات: ٦٤٨

إفهامه ، فيجب عليه إلقاء الكلام على وجه لا يقع معه الملقى إليه في خلاف المراد (١) ، بحيث لو فرض وقوعه في خلاف المقصود كان إمّا لغفلة منه في الالتفات إلى ما اكتنف به الكلام الملقى إليه (٢) ، وإمّا لغفلة من المتكلّم في إلقاء الكلام على وجه يفي بالمراد ، ومعلوم أنّ احتمال الغفلة من المتكلّم أو (٣) السامع احتمال مرجوح في نفسه ، مع انعقاد الإجماع من العقلاء والعلماء على عدم الاعتناء باحتمال الغفلة في جميع امور العقلاء ، أقوالهم وأفعالهم.

وأمّا إذا لم يكن الشخص مقصودا بالإفهام ، فوقوعه في خلاف المقصود لا ينحصر سببه في الغفلة ؛ فإنّا إذا لم نجد في آية أو رواية ما يكون صارفا عن ظاهرها ، واحتملنا أن يكون المخاطب قد فهم المراد بقرينة قد اختفت (٤) علينا ، فلا يكون هذا الاحتمال لأجل غفلة من المتكلّم أو منّا ؛ إذ لا يجب على المتكلّم إلاّ نصب القرينة لمن يقصد إفهامه.

مع أنّ عدم تحقّق الغفلة من المتكلّم في محلّ الكلام مفروض ؛ لكونه معصوما ، وليس اختفاء القرينة علينا مسبّبا عن غفلتنا عنها ، بل لدواعي الاختفاء الخارجة عن مدخليّة المتكلّم ومن القي إليه الكلام.

__________________

(١) كذا في (م) ، وفي (ر) ، (ص) و (ل) : «على وجه لا يقع المخاطب معه في خلاف المراد» ، وفي (ه) : «على وجه لا يقع المخاطب الملقى إليه معه في خلاف المراد» ، وفي (ت) و (ظ) : «على وجه لا يقع الملقى إليه في خلاف المراد».

(٢) لم ترد «الملقى إليه» في (ظ) ، (ل) و (م) ، وكتب عليها في (ت) : «زائد».

(٣) في (ت) ، (ل) و (ه) : «و».

(٤) في (ر) ، (ص) و (ل) : «اخفيت».

١٦١

فليس هنا شيء يوجب بنفسه الظنّ بالمراد حتّى لو فرضنا الفحص ، فاحتمال وجود القرينة حين الخطاب واختفائه علينا ، ليس هنا ما يوجب مرجوحيّته حتّى لو تفحّصنا عنها ولم نجدها ؛ إذ لا يحكم العادة ـ ولو ظنّا ـ بأنّها لو كانت لظفرنا بها ؛ إذ كثير (١) من الامور قد اختفت علينا ، بل لا يبعد دعوى العلم بأنّ ما اختفى علينا من الأخبار والقرائن أكثر ممّا ظفرنا بها.

مع أنّا لو سلّمنا حصول الظنّ بانتفاء القرائن المتّصلة ، لكنّ القرائن الحاليّة وما اعتمد عليه المتكلّم من الامور العقليّة أو النقليّة الكليّة أو الجزئيّة المعلومة عند المخاطب الصارفة لظاهر الكلام ، ليست ممّا يحصل الظنّ بانتفائها بعد البحث والفحص.

ولو فرض حصول الظنّ من الخارج بإرادة الظاهر من الكلام لم يكن ذلك ظنّا مستندا إلى الكلام ، كما نبّهنا عليه في أوّل المبحث (٢).

وبالجملة : فظواهر الألفاظ حجّة ـ بمعنى عدم الاعتناء باحتمال إرادة خلافها ـ إذا كان منشأ ذلك الاحتمال غفلة المتكلّم في كيفيّة الإفادة أو المخاطب في كيفيّة الاستفادة ؛ لأنّ احتمال الغفلة ممّا هو مرجوح في نفسه ومتّفق على عدم الاعتناء به في جميع الامور ، دون ما إذا (٣) كان الاحتمال مسبّبا عن اختفاء امور لم تجر العادة القطعيّة أو الظنّية بأنّها لو كانت لوصلت إلينا.

__________________

(١) في (ظ) ، (ل) و (م) : «كثيرا».

(٢) راجع الصفحة ١٦١.

(٣) لم ترد «إذا» في (ت) ، (ر) و (ل).

١٦٢

ومن هنا ظهر : أنّ ما ذكرنا سابقا (١) ـ من اتّفاق العقلاء والعلماء على العمل بظواهر الكلام في الدعاوى ، والأقارير ، والشهادات ، والوصايا ، والمكاتبات ـ لا ينفع في ردّ هذا التفصيل ، إلاّ أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبّد ، ودون إثباتها خرط القتاد.

ودعوى : أنّ الغالب اتّصال القرائن ، فاحتمال اعتماد المتكلّم على القرينة المنفصلة مرجوح لندرته.

مردودة : بأنّ من المشاهد المحسوس تطرّق التقييد والتخصيص إلى أكثر العمومات والإطلاقات مع عدم وجوده في الكلام ، وليس إلاّ لكون الاعتماد في ذلك كلّه على القرائن المنفصلة ، سواء كانت منفصلة عند الاعتماد كالقرائن العقليّة والنقليّة الخارجيّة ، أم كانت مقاليّة متّصلة لكن عرض لها الانفصال بعد ذلك ؛ لعروض التقطيع للأخبار ، أو (٢) حصول التفاوت من جهة النقل بالمعنى ، أو غير ذلك ، فجميع ذلك ممّا لا يحصل الظنّ بأنّها لو كانت لوصلت إلينا.

مع إمكان أن يقال : إنّه لو حصل الظنّ لم يكن على اعتباره دليل خاصّ. نعم ، الظنّ الحاصل في مقابل احتمال الغفلة الحاصلة للمخاطب أو المتكلّم ممّا أطبق عليه العقلاء في جميع أقوالهم وأفعالهم.

هذا غاية ما يمكن من التوجيه لهذا التفصيل.

المناقشة في التفصيل المذكور

ولكنّ الإنصاف : أنّه لا فرق في العمل بالظهور اللفظيّ وأصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد ؛ فإنّ جميع

__________________

(١) راجع الصفحة ١٦١.

(٢) في (ه) : «و».

١٦٣

ما دلّ من إجماع العلماء وأهل اللسان على حجّية الظاهر بالنسبة إلى من قصد إفهامه جار في من لم يقصد ؛ لأنّ أهل اللسان إذا نظروا إلى كلام صادر من متكلّم إلى مخاطب ، يحكمون بإرادة ظاهره منه إذا لم يجدوا قرينة صارفة بعد الفحص في مظانّ وجودها ، ولا يفرّقون في استخراج مرادات المتكلّمين بين كونهم مقصودين بالخطاب وعدمه ، فإذا وقع المكتوب الموجّه من شخص إلى شخص بيد ثالث ، فلا يتأمّل في استخراج مرادات المتكلّم من الخطاب الموجّه (١) إلى المكتوب إليه ، فإذا فرضنا اشتراك هذا الثالث مع المكتوب إليه فيما أراد المولى منه (٢) ، فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم الاطّلاع على مراد المولى ، وهذا واضح لمن راجع الأمثلة العرفيّة.

هذا حال أهل اللسان في الكلمات الواردة إليهم ، وأمّا العلماء فلا خلاف بينهم في الرجوع إلى أصالة الحقيقة في الألفاظ المجرّدة عن القرائن الموجّهة من متكلّم إلى مخاطب ، سواء كان ذلك في الأحكام الجزئيّة ، كالوصايا الصادرة عن الموصي المعيّن إلى شخص معيّن ، ثمّ مسّت الحاجة إلى العمل بها مع فقد الموصى إليه ؛ فإنّ العلماء لا يتأمّلون في الإفتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام الموجّه إلى الموصى إليه المفقود (٣). وكذا في الأقارير.

أم كان في الأحكام الكلّيّة ، كالأخبار الصادرة عن الأئمّة عليهم‌السلام

__________________

(١) في (ت) ، (ر) و (ص) : «المتوجّه».

(٢) في غير (ت) و (ه) : «منهم».

(٣) كذا في (ص) ، (ظ) ، (م) ونسخة بدل (ر) ، وفي غيرها : «المقصود».

١٦٤

مع كون المقصود منها تفهيم مخاطبيهم (١) لا غير ؛ فإنّه لم (٢) يتأمّل أحد من العلماء في استفادة الأحكام من ظواهرها معتذرا بعدم الدليل على حجّية أصالة عدم القرينة بالنسبة إلى غير المخاطب ومن قصد إفهامه.

ودعوى : كون ذلك منهم للبناء على كون الأخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام من قبيل تأليف المصنّفين ، واضحة الفساد.

مع أنّها لو صحّت لجرت في الكتاب العزيز ؛ فإنّه أولى بأن يكون من هذا القبيل ، فترتفع ثمرة التفصيل المذكور ؛ لأنّ المفصّل معترف (٣) بأنّ ظاهر الكلام الذي هو من قبيل تأليف المؤلّفين حجّة بالخصوص ، لا لدخوله في مطلق الظنّ ، وإنّما كلامه في اعتبار ظهور الكلام الموجّه إلى مخاطب خاصّ بالنسبة إلى غيره.

والحاصل : أنّ القطع حاصل لكلّ متتبّع في طريقة فقهاء المسلمين ، بأنّهم يعملون بظواهر الأخبار من دون ابتناء ذلك على حجّية الظنّ المطلق الثابتة بدليل الانسداد ، بل يعمل بها من يدّعي الانفتاح وينكر العمل بأخبار الآحاد ؛ مدّعيا كون معظم الفقه معلوما بالإجماع والأخبار المتواترة.

ويدلّ على ذلك أيضا : سيرة أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ؛ فإنّهم كانوا يعملون بظواهر الأخبار الواردة إليهم من الأئمّة الماضين عليهم‌السلام (٤) ،

__________________

(١) كذا في (ت) و (ه) ، وفي غيرهما : «مخاطبهم».

(٢) في (ر) ، (ص) و (ل) : «لا».

(٣) في (ر) ، (ص) وظاهر (ل) : «اعترف».

(٤) لم ترد عبارة «من الأئمّة الماضين عليهم‌السلام» في (ر) ، (م) ، (ص) و (ظ) ، ولم ترد «الماضين» في (ت).

١٦٥

كما (١) يعملون بظواهر الأقوال التي يسمعونها (٢) من أئمّتهم عليهم‌السلام ، لا يفرّقون بينهما إلاّ بالفحص وعدمه ، كما سيأتي (٣).

والحاصل : أنّ الفرق في حجّية أصالة الحقيقة وعدم القرينة بين المخاطب وغيره مخالف للسيرة القطعيّة من العلماء وأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام.

هذا كلّه ، مع أنّ التوجيه المذكور لذلك التفصيل ـ لابتنائه على الفرق بين أصالة عدم الغفلة والخطأ في فهم المراد ، وبين مطلق أصالة عدم القرينة ـ يوجب عدم كون ظواهر الكتاب من الظنون المخصوصة وإن قلنا بشمول الخطاب للغائبين ؛ لعدم جريان أصالة عدم الغفلة في حقّهم مطلقا.

فما ذكره ـ من ابتناء كون ظواهر الكتاب ظنونا مخصوصة على شمول الخطاب للغائبين ـ غير سديد ؛ لأنّ الظنّ المخصوص إن كان هو الحاصل من المشافهة الناشئ عن ظنّ عدم الغفلة والخطأ ، فلا يجري في حقّ الغائبين وإن قلنا بشمول الخطاب لهم ، وإن كان هو الحاصل من أصالة عدم القرينة فهو جار في الغائبين وإن لم يشملهم الخطاب.

وممّا يمكن أن يستدلّ به أيضا ـ زيادة على ما مرّ من اشتراك أدلّة حجّية الظواهر ، من إجماعي العلماء وأهل اللسان ـ : ما ورد في الأخبار المتواترة معنى ، من الأمر بالرجوع إلى الكتاب وعرض الأخبار

__________________

(١) في (ص) زيادة : «كانوا».

(٢) في (ظ) و (م) : «سمعوها».

(٣) انظر الصفحة ٣٤٧.

١٦٦

عليه (١) ؛ فإنّ هذه الظواهر المتواترة حجّة للمشافهين بها ، فيشترك غير المشافهين ويتمّ (٢) المطلوب ، كما لا يخفى.

كلام صاحب القوانين فيها يرتبط بالتفصيل المتقدّم

وممّا ذكرنا تعرف النظر فيما ذكره المحقّق القمّي رحمه‌الله ـ بعد ما ذكر من عدم حجّية ظواهر الكتاب بالنسبة إلينا بالخصوص ـ بقوله :

فإن قلت : إنّ أخبار الثقلين تدلّ على كون ظاهر الكتاب حجّة لغير المشافهين بالخصوص.

فأجاب عنه : بأنّ رواية الثقلين ظاهرة في ذلك ؛ لاحتمال كون المراد التمسّك بالكتاب بعد ورود تفسيره عن الأئمّة عليهم‌السلام كما يقوله الأخباريّون ، وحجّية ظاهر رواية الثقلين بالنسبة إلينا مصادرة ؛ إذ لا فرق بين ظواهر الكتاب والسنّة في حقّ غير المشافهين بها (٣).

المتاقشة في كلام صاحب القوانين

توضيح النظر : أنّ العمدة في حجّية ظواهر الكتاب غير خبر الثقلين من الأخبار المتواترة الآمرة باستنباط الأحكام من ظواهر الكتاب (٤) ، وهذه الأخبار تفيد القطع بعدم إرادة الاستدلال بظواهر الكتاب بعد ورود تفسيرها من الأئمّة صلوات الله عليهم ، وليست ظاهرة في ذلك حتّى يكون التمسّك بظاهرها لغير المشافهين بها مصادرة.

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ٨٢٨ ، الباب ٣ من أبواب قراءة القرآن ، و ١٨ : ٧٥ ـ ٨٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الأحاديث ١ ، ١٠ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٨ ، ٢٩ ، ٣٥ و ٣٧ ، والكافي ١ : ٥٩ ، باب الردّ إلى الكتاب والسنّة.

(٢) في (ت) و (ر) : «فيتمّ».

(٣) القوانين ٢ : ١٠٤.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى كثير منها في الصفحة ١٤٥ ـ ١٤٩.

١٦٧

بل يمكن أن يقال : إنّ خبر الثقلين ليس له ظهور (١) إلاّ في وجوب إطاعتهما وحرمة مخالفتهما ، وليس في مقام اعتبار الظنّ الحاصل بهما في تشخيص الإطاعة والمعصية ، فافهم.

احتمال التفصيل المتقدّم في كلام صاحب المعالم

ثمّ إنّ لصاحب المعالم رحمه‌الله في هذا المقام كلاما يحتمل التفصيل المتقدّم (٢) ، لا بأس بالإشارة إليه ، قال ـ في الدليل الرابع من أدلّة حجّية خبر الواحد ، بعد ذكر انسداد باب العلم في غير الضروريّ من الأحكام ؛ لفقد الإجماع والسنّة المتواترة ، ووضوح كون أصل البراءة لا يفيد غير الظنّ ، وكون الكتاب ظنّي الدلالة ـ ما لفظه :

لا يقال : إنّ الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب مقطوع لا مظنون ؛ وذلك بضميمة مقدّمة خارجيّة ، وهي قبح خطاب الحكيم بما له ظاهر وهو يريد خلافه من غير دلالة تصرف عن ذلك الظاهر.

سلّمنا ، ولكن ذلك ظنّ مخصوص ، فهو من قبيل الشهادة لا يعدل عنه إلى غيره إلاّ بدليل.

لأنّا نقول : أحكام الكتاب ـ كلّها ـ من قبيل خطاب المشافهة ، وقد مرّ أنّه مخصوص بالموجودين في زمن الخطاب ، وأنّ ثبوت حكمه في حقّ من تأخّر إنّما هو بالإجماع وقضاء الضرورة باشتراك التكليف بين الكلّ ، وحينئذ : فمن الجائز أن يكون قد اقترن ببعض تلك الظواهر ما يدلّهم على إرادة خلافها ؛ وقد وقع ذلك في مواضع علمناها بالإجماع

__________________

(١) وردت العبارة في (ص) ، (ل) ونسخة بدل (ه) هكذا : «وأمّا خبر الثقلين فيمكن منع ظهوره».

(٢) المتقدّم في الصفحة ١٦٠.

١٦٨

ونحوه ، فيحتمل الاعتماد في تعريفنا لسائرها على الأمارات المفيدة للظنّ القويّ ، وخبر الواحد من جملتها ، ومع قيام هذا الاحتمال ينفى القطع بالحكم.

ويستوي حينئذ : الظنّ المستفاد من ظاهر الكتاب والحاصل من غيره بالنظر إلى إناطة التكليف به ؛ لابتناء الفرق بينهما على كون الخطاب متوجّها إلينا ، وقد تبيّن خلافه. ولظهور اختصاص الإجماع والضرورة ـ الدالّين على المشاركة في التكليف المستفاد من ظاهر الكتاب ـ بغير صورة وجود الخبر الجامع للشرائط الآتية المفيدة للظنّ (١)(٢) ، انتهى كلامه ، رفع مقامه.

ولا يخفى : أنّ في كلامه قدس‌سره ـ على إجماله واشتباه المراد منه ؛ كما يظهر من المحشّين ـ مواقع للنظر والتأمّل.

* * *

عدم الفرق في حجّية الظواهر بين ما يفيد الظنّ بالمراد وغيره

ثمّ إنّك قد عرفت : أنّ مناط الحجّية والاعتبار في دلالة الألفاظ هو الظهور العرفيّ ، وهو كون الكلام بحيث يحمل عرفا على ذلك المعنى ولو بواسطة القرائن المقاميّة المكتنفة بالكلام ، فلا فرق بين إفادته الظنّ بالمراد وعدمها ، ولا بين وجود الظنّ الغير المعتبر على خلافه وعدمه ؛ لأنّ ما ذكرنا من الحجّة على العمل بها جار في جميع الصور المذكورة.

وما ربما يظهر من العلماء : من التوقّف في العمل بالخبر الصحيح المخالف لفتوى المشهور أو طرحه ، مع اعترافهم بعدم حجّية الشهرة ، فليس من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة الخبر الصحيح من عموم أو

__________________

(١) في المصدر وهامش (ص) زيادة : «الراجح بأنّ التكليف بخلاف ذلك الظاهر».

(٢) المعالم : ١٩٣ ـ ١٩٤.

١٦٩

إطلاق ، بل من جهة مزاحمتها للخبر من حيث الصدور ؛ بناء على أنّ ما دلّ من الدليل على حجّية الخبر (١) من حيث السند لا يشمل المخالف للمشهور ؛ ولذا لا يتأمّلون في العمل بظواهر الكتاب والسنّة المتواترة إذا عارضها الشهرة.

فالتأمّل في الخبر المخالف للمشهور إنّما هو إذا خالفت الشهرة نفس الخبر ، لا عمومه أو إطلاقه ، فلا يتأمّلون في عمومه إذا كانت الشهرة على التخصيص.

نظريّة المحقّق الكلباسي والمناقشة فيها

نعم ، ربما يجري على لسان بعض متأخّري المتأخّرين من المعاصرين (٢) ، عدم الدليل على حجّية الظواهر إذا لم تفد الظنّ ، أو إذا حصل الظنّ الغير المعتبر على خلافها.

لكنّ الإنصاف : أنّه مخالف لطريقة أرباب اللسان والعلماء في كلّ زمان ؛ ولذا عدّ بعض الأخباريّين (٣) ـ كالاصوليّين (٤) ـ استصحاب حكم العامّ والمطلق حتّى يثبت المخصّص والمقيّد من الاستصحابات المجمع عليها ، وهذا وإن لم يرجع إلى الاستصحاب المصطلح إلاّ بالتوجيه ، إلاّ أنّ الغرض من الاستشهاد به بيان كون هذه القاعدة إجماعيّة.

تفصيل صاحب هداية المسترشدين والمناقشة فيه

وربما فصّل بعض من المعاصرين (٥) تفصيلا يرجع حاصله إلى ؛ أنّ

__________________

(١) في (ت) ، (ر) ، (ه) ونسخة بدل (ص) زيادة : «الواحد».

(٢) قيل : هو المحقّق الكلباسي ، وسيأتي من المصنّف في الصفحة ٥٩١ أنّه حكاه له بعض معاصريه عن شيخه.

(٣) هو المحدّث البحراني في الدرر النجفيّة : ٣٤.

(٤) انظر تمهيد القواعد : ٢٧١ ، والقواعد والفوائد ١ : ١٣٣.

(٥) هو الشيخ محمد تقي في هداية المسترشدين : ٤٠.

١٧٠

الكلام إن كان مقرونا بحال أو مقال يصلح أن يكون صارفا عن المعنى الحقيقيّ ، فلا يتمسّك فيه بأصالة الحقيقة ، وإن كان الشكّ في أصل وجود الصارف أو كان هنا أمر منفصل يصلح لكونه صارفا ، فيعمل على أصالة الحقيقة.

وهذا تفصيل حسن متين ، لكنّه تفصيل في العمل بأصالة الحقيقة عند الشكّ في الصارف ، لا في حجّية الظهور اللفظيّ ، بل مرجعه (١) إلى تعيين الظهور العرفيّ وتمييزه عن موارد الإجمال ؛ فإنّ اللفظ في القسم الأوّل يخرج عن الظهور إلى الإجمال بشهادة العرف ؛ ولذا توقّف جماعة في المجاز المشهور ، والعامّ المتعقّب بضمير يرجع إلى بعض أفراده ، والجمل المتعدّدة المتعقّبة للاستثناء ، والأمر والنهي الواردين في مظانّ الحظر والإيجاب (٢) ، إلى غير ذلك ممّا احتفّ اللفظ بحال أو مقال يصلح لكونه صارفا ، ولم يتوقّف أحد في عامّ بمجرّد احتمال دليل منفصل يحتمل كونه مخصّصا له ، بل ربما يعكسون الأمر فيحكمون بنفي ذلك الاحتمال وارتفاع الإجمال لأجل ظهور العامّ ؛ ولذا لو قال المولى : أكرم العلماء ، ثمّ ورد قول آخر من المولى : إنّه لا تكرم زيدا ، واشترك زيد بين عالم وجاهل ، فلا يرفع اليد عن العموم بمجرّد الاحتمال ، بل يرفعون الإجمال بواسطة العموم ، فيحكمون بإرادة زيد الجاهل من النهي.

تفصيل السيّد المجاهد في المسألة

وبإزاء التفصيل المذكور تفصيل آخر ضعيف ، وهو : أنّ احتمال

__________________

(١) في (ر) ، (ص) و (ه) : «ومرجعه».

(٢) انظر المعالم : ٥٣ ، ٩٠ ، ١٣٧ و ١٢١ ، والقوانين ١ : ٨٨ ، ٨٩ ، ١٣٦ ، ٢٨٣ و ٣٠٠.

١٧١

إرادة خلاف مقتضى اللفظ إن حصل من أمارة غير معتبرة ، فلا يصحّ رفع اليد عن الحقيقة ، وإن حصل من دليل معتبر فلا يعمل بأصالة الحقيقة ، ومثّل له بما إذا ورد في السنّة المتواترة عامّ ، وورد فيها أيضا خطاب مجمل يوجب الإجمال في ذلك العامّ ولا يوجب الظنّ بالواقع. قال : فلا دليل على لزوم العمل بالأصل تعبّدا. ثمّ قال :

ولا يمكن دعوى الإجماع على لزوم العمل بأصالة الحقيقة تعبّدا ؛ فإنّ أكثر المحقّقين توقّفوا في ما إذا تعارض الحقيقة المرجوحة مع المجاز الراجح (١) ، انتهى.

المناقشة في هذا التفصيل

ووجه ضعفه يظهر ممّا ذكر ؛ فإنّ التوقّف في ظاهر خطاب لأجل إجمال (٢) خطاب آخر ـ لكونه معارضا ـ ممّا لم يعهد من أحد من العلماء ، بل لا يبعد ما تقدّم (٣) : من حمل المجمل في أحد الخطابين على المبيّن في الخطاب الآخر.

وأمّا قياس ذلك على مسألة تعارض الحقيقة المرجوحة مع المجاز الراجح ، فعلم فساده ممّا ذكرنا في التفصيل المتقدّم : من أنّ الكلام المكتنف بما يصلح أن يكون صارفا قد اعتمد عليه المتكلّم في إرادة خلاف الحقيقة لا يعدّ من الظواهر ، بل من المجملات ، وكذلك المتعقّب بلفظ يصلح للصارفيّة ، كالعامّ المتعقّب بالضمير ، وشبهه ممّا تقدّم.

__________________

(١) هذا التفصيل للسيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٣٥ ـ ٣٦.

(٢) في (ت) ، (ر) ، (ظ) ، (ل) ، (م) و (ه) : «احتمال».

(٣) في الصفحة السابقة.

١٧٢

وأمّا القسم الثاني (١) :

ما يستعمل لتشخيص الظواهر

وهو الظنّ الذي يعمل لتشخيص الظواهر ، كتشخيص أنّ اللفظ المفرد الفلانيّ كلفظ «الصعيد» أو صيغة «افعل» ، أو أنّ المركّب الفلانيّ كالجملة الشرطيّة ، ظاهر بحكم الوضع في المعنى الفلانيّ ، وأنّ الأمر الواقع عقيب الحظر ظاهر ـ بقرينة وقوعه في مقام رفع الحظر ـ في مجرّد رفع الحظر دون الإلزام.

هل قول اللغويين حجّة في الأوضاع اللغويّة ، أم لا؟

والظنّ الحاصل هنا يرجع إلى الظنّ بالوضع اللغويّ أو الانفهام العرفيّ ، والأوفق بالقواعد عدم حجّية الظنّ هنا ؛ لأنّ الثابت المتيقّن هي حجّية الظواهر ، وأمّا حجّية الظنّ في أنّ هذا ظاهر فلا دليل عليه ، عدا وجوه ذكروها في إثبات جزئيّ من جزئيّات (٢) هذه المسألة ، وهي حجّية قول اللغويّين في الأوضاع.

فإنّ المشهور كونه من الظنون الخاصّة التي ثبتت (٣) حجّيّتها مع قطع النظر عن انسداد باب العلم في الأحكام الشرعيّة وإن كانت الحكمة في اعتبارها انسداد باب العلم في غالب مواردها ؛ فإنّ الظاهر أنّ حكمة اعتبار أكثر الظنون الخاصّة ـ كأصالة الحقيقة المتقدّم ذكرها (٤) وغيرها ـ انسداد باب العلم في غالب مواردها من العرفيّات والشرعيّات.

__________________

(١) تقدّم الكلام في القسم الأوّل في الصفحة ١٣٧.

(٢) «جزئيّات» من (ت) و (ه).

(٣) كذا في (م) ، وفي غيرها : «ثبت».

(٤) تقدّم ذكرها في الصفحة ١٦٤.

١٧٣

والمراد بالظنّ المطلق ما ثبت اعتباره من أجل انسداد باب العلم بخصوص الأحكام الشرعيّة ، وبالظنّ الخاصّ ما ثبت اعتباره ، لا لأجل الاضطرار إلى اعتبار مطلق الظنّ بعد تعذّر العلم.

الاستدلال على الحجيّة بإجماع العلماء والعقلاء

وكيف كان : فاستدلّوا على اعتبار قول اللغويّين : باتّفاق العلماء بل جميع العقلاء على الرجوع إليهم في استعلام اللغات والاستشهاد بأقوالهم في مقام الاحتجاج ، ولم ينكر ذلك أحد على أحد ، وقد حكي عن السيّد رحمه‌الله في بعض كلماته : دعوى الإجماع على ذلك (١) ، بل ظاهر كلامه (٢) المحكيّ اتّفاق المسلمين.

قال الفاضل السبزواريّ ـ فيما حكي عنه في هذا المقام (٣) ـ ما هذا لفظه :

دعوى الإجماع في كلام المحقّق السبزواري

صحّة المراجعة إلى أصحاب الصناعات البارزين في صنعتهم البارعين في فنّهم في ما اختصّ بصناعتهم ، ممّا اتفق عليه العقلاء في كلّ عصر وزمان (٤) ، انتهى.

المناقشة في الإجماع

وفيه : أنّ المتيقّن من هذا الاتّفاق هو الرجوع إليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة ونحو ذلك ، لا مطلقا ؛ ألا ترى أنّ أكثر علمائنا على اعتبار العدالة فيمن يرجع إليه من أهل الرجال ، بل

__________________

(١) لم نعثر عليه في كلمات السيد المرتضى ، ولا على الحاكي ، نعم حكاه السيد المجاهد عن السيد الاستاذ ، انظر مفاتيح الاصول : ٦١.

(٢) لم ترد «كلامه» في (م).

(٣) حكاه عنه السيد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٦٢.

(٤) رسالة في الغناء (مخطوطة) للفاضل السبزواري ، لا توجد لدينا.

١٧٤

وبعضهم على اعتبار التعدّد ، والظاهر اتّفاقهم على اشتراط التعدّد والعدالة في أهل الخبرة في مسألة التقويم وغيرها.

هذا ، مع أنّه لا يعرف الحقيقة عن المجاز بمجرّد قول اللغويّ ـ كما اعترف به المستدلّ في بعض كلماته ـ فلا ينفع في تشخيص الظواهر.

مختار المصنّف في المسألة

فالإنصاف : أنّ الرجوع إلى أهل اللغة مع عدم اجتماع شروط الشهادة :

إمّا في مقامات يحصل العلم بالمستعمل فيه من مجرّد ذكر لغويّ واحد أو أزيد له على وجه يعلم كونه من المسلّمات عند أهل اللغة ، كما قد يحصل العلم بالمسألة الفقهيّة من إرسال جماعة (١) لها إرسال المسلّمات.

وإمّا في مقامات يتسامح فيها ؛ لعدم التكليف الشرعيّ بتحصيل العلم بالمعنى اللغويّ ، كما إذا اريد تفسير خطبة أو رواية لا تتعلّق بتكليف شرعيّ.

وإمّا في مقام انسدّ فيه طريق العلم ولا بدّ من العمل ، فيعمل بالظنّ بالحكم الشرعيّ المستند بقول أهل اللغة.

ولا يتوهّم : أنّ طرح قول اللغويّ الغير المفيد للعلم في ألفاظ الكتاب والسنّة مستلزم لانسداد طريق الاستنباط في غالب الأحكام.

لاندفاع ذلك : بأنّ أكثر موادّ اللغات إلاّ ما شذّ وندر ـ كلفظ «الصعيد» ونحوه (٢) ـ معلوم من العرف واللغة ، كما لا يخفى. والمتّبع في الهيئات هي القواعد العربيّة المستفادة من الاستقراء القطعيّ واتّفاق أهل

__________________

(١) في (ل) ونسخة بدل (ص) زيادة : «بل فقيه واحد».

(٢) لم ترد «كلفظ الصعيد ونحوه» في (ظ) و (م).

١٧٥

العربية ، أو التبادر بضميمة أصالة عدم القرينة ، فإنّه قد يثبت به الوضع الأصليّ الموجود في الحقائق ، كما في صيغة «افعل» أو الجملة الشرطيّة أو الوصفيّة ؛ ومن هنا يتمسّكون (١) ـ في إثبات مفهوم الوصف ـ بفهم أبي عبيدة في حديث : «ليّ الواجد» (٢) ، ونحوه غيره من موارد الاستشهاد بفهم أهل اللسان (٣). وقد يثبت به الوضع بالمعنى الأعمّ الثابت في المجازات المكتنفة بالقرائن المقاميّة ، كما يدّعى أنّ الأمر عقيب الحظر بنفسه ـ مجرّدا عن القرينة ـ يتبادر منه مجرّد رفع الحظر دون الإيجاب والإلزام. واحتمال كونه لأجل قرينة خاصّة ، يدفع بالأصل ، فيثبت به كونه لأجل القرينة العامّة ، وهى الوقوع في مقام رفع الحظر ؛ فيثبت بذلك ظهور ثانويّ لصيغة «افعل» بواسطة القرينة الكلّية.

وبالجملة : فالحاجة إلى قول اللغويّ الذي لا يحصل العلم بقوله ـ لقلّة مواردها ـ لا تصلح سببا للحكم باعتباره لأجل الحاجة.

نعم ، سيجيء (٤) : أنّ كلّ من عمل بالظنّ في مطلق الأحكام الشرعيّة الفرعيّة يلزمه العمل بالظنّ بالحكم الناشئ من الظنّ بقول اللغويّ ، لكنّه لا يحتاج إلى دعوى انسداد باب العلم في اللغات ، بل

__________________

(١) انظر القوانين : ١٧٨ ، والفصول : ١٥٢.

(٢) نصّ الحديث : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليّ الواجد بالدّين يحلّ عرضه وعقوبته ، ما لم يكن دينه فيما يكره الله عزّ وجلّ» الوسائل ١٣ : ٩٠ ، الباب ٨ من أبواب الدين والقرض ، الحديث ٤.

(٣) لم ترد في (م) : «أو الوصفيّة ـ إلى ـ أهل اللسان».

(٤) انظر الصفحة ٥٣٨.

١٧٦

العبرة عنده بانسداد باب العلم في معظم الأحكام ؛ فإنّه يوجب الرجوع إلى الظنّ بالحكم الحاصل من الظنّ باللغة وإن فرض انفتاح باب العلم فيما عدا هذا المورد من اللغات ، وسيتّضح هذا زيادة على هذا إن شاء الله تعالى.

هذا ، ولكنّ الإنصاف : أنّ مورد الحاجة إلى قول اللغويّين أكثر من أن يحصى في تفاصيل المعاني بحيث يفهم دخول الأفراد المشكوكة أو خروجها ، وإن كان المعنى في الجملة معلوما من دون مراجعة قول اللغويّ ، كما في مثل ألفاظ «الوطن» ، و «المفازة» ، و «التمر» ، و «الفاكهة» ، و «الكنز» ، و «المعدن» ، و «الغوص» ، وغير ذلك من متعلّقات الأحكام ممّا لا يحصى ، وإن لم تكن الكثرة بحيث يوجب التوقّف فيها محذورا ، ولعلّ هذا المقدار (١) مع الاتّفاقات المستفيضة كاف في المطلب ، فتأمّل (٢).

__________________

(١) لم ترد «المقدار» في (ت) و (ه).

(٢) لم ترد «هذا ولكن الإنصاف ـ إلى ـ فتأمّل» في (ظ) ، (ل) و (م).

١٧٧
١٧٨

[الإجماع المنقول](١)

هل الإجماع المنقول حجّة ، أم لا؟

ومن جملة الظنون الخارجة عن الأصل :

الإجماع المنقول بخبر الواحد ، عند كثير ممّن يقول باعتبار الخبر بالخصوص (٢) ؛ نظرا إلى أنّه من أفراده ، فيشمله أدلّته.

والمقصود من ذكره هنا ـ مقدّما على بيان الحال في الأخبار ـ هو التعرّض للملازمة بين حجّية الخبر وحجّيته ، فنقول :

إنّ ظاهر أكثر القائلين باعتباره بالخصوص : أنّ الدليل عليه هو الدليل على حجّية خبر العادل ، فهو عندهم كخبر صحيح عالي السند ؛ لأنّ مدّعي الإجماع يحكي مدلوله ويرويه عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة. ويدخل الإجماع ما يدخل الخبر من الأقسام ، ويلحقه ما يلحقه من الأحكام.

الكلام في الملازمة بين حجّية الخبر الواحد وحجّية الإجماع المنقول

والذي يقوى في النظر : هو عدم الملازمة بين حجّية الخبر وحجّية

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) منهم صاحب المعالم في المعالم : ١٨٠ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٢٥٨ ، والمحقّق القمّي في القوانين ١ : ٣٨٤.

١٧٩

الإجماع المنقول ، وتوضيح ذلك يحصل بتقديم أمرين :

عدم حجّية الإخبار عن حدس

الأمر الأوّل : أنّ الأدلّة الخاصّة التي أقاموها على حجّية خبر العادل لا تدلّ إلاّ على حجّية الإخبار عن حسّ ؛ لأنّ العمدة من تلك الأدلّة هو الاتّفاق الحاصل من عمل القدماء وأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، ومعلوم عدم شموله (١) إلاّ للرواية المصطلحة.

وكذلك الأخبار الواردة في العمل بالروايات.

دعوى وحدة المناط في العمل بالروايات والإجماع المنقول

اللهمّ إلاّ أن يدّعى : أنّ المناط في وجوب العمل بالروايات هو كشفها عن الحكم الصادر عن المعصوم ، ولا يعتبر في ذلك حكاية ألفاظ الإمام عليه‌السلام ؛ ولذا يجوز النقل بالمعنى ، فإذا كان المناط كشف الروايات عن صدور معناها عن الإمام عليه‌السلام ولو بلفظ آخر ، والمفروض أنّ حكاية الإجماع ـ أيضا ـ حكاية حكم صادر عن المعصوم عليه‌السلام بهذه العبارة التي هي معقد الإجماع أو بعبارة اخرى ، وجب العمل به.

ردّ الدعوى المذكورة

لكن هذا المناط لو ثبت دلّ على حجّية الشهرة ، بل فتوى الفقيه إذا كشف عن صدور الحكم بعبارة الفتوى أو بعبارة غيرها ، كما عمل بفتاوى عليّ بن بابويه قدس‌سره ؛ لتنزيل فتواه منزلة روايته ، بل على حجّية مطلق الظنّ بالحكم الصادر عن الإمام عليه‌السلام ، وسيجيء توضيح الحال (٢) إن شاء الله تعالى.

الاستدلال بآية النبأ على حجّية الإجماع المنقول

وأمّا الآيات : فالعمدة فيها من حيث وضوح الدلالة هي آية النبأ (٣) ،

__________________

(١) كذا في (ت) و (ه) ، وفي غيرهما : «شمولها».

(٢) انظر الصفحة ٣٥٧ ـ ٣٥٩.

(٣) الحجرات : ٦.

١٨٠